1- يكفى لتوافر الركن المادى لجريمة عرض الرشوة أن يصدر وعد من الراشى إلى الموظف أو من فى حكمه بجعل أو عطاء له متى كان هذا العرض جدياً ، لا يهم فى ذلك نوع العطاء المعروض ، و بقطع النظر عن الصورة التى قدم بها . و لما كان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الإطلاع و من شأنه أن يرتب حقوقاً كاملة قبل الساحب و لو لم يكن له رصيد قائم و قابل للسحب ، فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعن الأول قدم شيكين بمبلغ الرشوة بقصد حمله على الإخلال بواجباته فى الخدمة العمومية الموكول إليه أداؤها يكفى لتحقيق الركن المادى لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات ، ذلك بأن وجود أو عدم وجود رصيد قائم و قابل للسحب للشيكين المسلمين إلى المجنى عليه على سبيل الرشوة هو ظرف خارج عن نطاق جريمة عرض الرشوة و لا مدخل له فى إكتمال عناصرها القانونية .
(الطعن رقم 2144 لسنة 36 جلسة 1967/04/25 س 18 ع 2 ص 581 ق 114)
2- رجال السلطة القضائية يدخلون فى عداد الموظفين العمومين الذين عناهم الشارع فى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات، و كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بأن رجال القضاء لا يعدون من الموظفين العموميين فى صدد تطبيق هذا النص و بانحسار هذه الصفة عن المبلغ لفقدانه صلاحية الفصل فى الدعوى ورد عيه بأنه قول ظاهر الفساد "إذ أنه من المقرر أن المراد بالموظف العام بحسب" قصد الشارع فى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات كل شخص من رجال الحكومة بيده نصيب من السلطة العامة، و لا عبرة بالنظام القانوني الذي يحكم طائفة معينة من الموظفين، فلا يشترط خضوعه للقانون الخاص بنظام العاملين المدنيين بالدولة إذ أن هناك طوائف من الموظفين يخضعون لأنظمة خاصة كأعضاء الهيئات القضائية و هية التدريس بالجامعات و أفراد القوات المسلحة و الشرطة، ولم يثر أي جدال أو خلاف فى أنهم يدخلون فى نطاق الموظفين العموميين بالنسبة لتطبيق المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات أما القول بأن رئيس المحكمة بعد أن جالس المتهم المعروض أمر قضيته عليه قد فقد صلاحيتته و أنقطعت صلته بالدعوى فهو قول يتضمن مغالطة كبيرة إذ أن المتهمين وهما يعرضان عليه الرشوة كانا يعلمان بأنه القاضي الذي سيفصل فى الاستئناف المرفوع من المتهم الثاني و صاحب الاختصاص" . و كان ما أورده الحكم فيما سلف صحيحاً فى القانون ذلك بأن فقد القاضي صلاحيته للفصل فى دعوى معينة لا صلة له بحسب الأصل بولايته للقضاء، ولا يترتب عليه إنحسار صفة الوظيفة العامة عنه فى خصوص المادة 109 مكرراً سالفة الذكر، فأن ما يثيره الطاعن الثاني فى شأن ذلك لا يكون له محل .
(الطعن رقم 2352 لسنة 52 جلسة 1983/01/04 س 34 ص 36 ق 4)
3- لما كان الحكم قد اطرح دفاع الطاعن بأن جريمة عرض الرشوة كانت وليدة إجراءات غير مشروعة وتحريض من الشاهد الأول فى قوله : " وحيث إنه عما قبل من انتفاء جريمة عرض الرشوة فى حق المتهمين لأنها جريمة من تحريض واختلاق الشاهد الأول المبلغ وليس للمتهمين سلوك يعد عرضاً للرشوة فهو مردود بما هو مقرر من أن جريمة عرض الرشوة تقوم بكل فعل يعبر عن إرادة المتهم تقديم العطية إلى الموظف العام على الفور أو فى المستقبل ، سواء كان هذا الفعل قولاً أو عملاً مادياً بشرط أن يكون جاداً ، كما أن الجريمة التحريضية هي التي يكون ذهن المتهم خالياً منها ويكون هو بريئاً من التفكير فيها ثم يحرضه المبلغ أو الشاهد بأن يدفعه دفعاً إلى ارتكابها فتتأثر إرادته بهذا التحريض فيقوم بمقارفة الجريمة كنتيجة مباشرة لهذا التحريض وحده ، أما إذا كانت الجريمة ثمرة تفكير المتهم ونتاج إرادته الحرة ، واقتصر دور المبلغ على تسهيل الإجراءات المؤدية إلى وقوعها بعد أن كانت قد اختمرت فى وجدان المتهم وتمت بإرادته فعلاً . لما كان ذلك ، وكان الثابت من وقائع الدعوى التي اقتنعت بها المحكمة والأدلة التي اطمأنت إليها أن المتهمين قد اتفقا معاً على عرض مبلغ الرشوة على رئيس الدائرة للحكم بطلبات المتهم الثاني ، وكانا جادين فى ذلك فقام المتهم بالتمهيد لذلك العرض بالحديث فى موضوع الدعوى عندما كان مع رئيس الدائرة لإصلاح سيارته يوم ..... حتى عرض عليه أن يدفع المتهم الثاني ...... جنيه هو ما جاء ببلاغ وشهادة المبلغ ، ثم تسلسلت الأحداث وسجلت اللقاءات يوم ...... من المبلغ للمتهم الأول وفيها كرر المتهم الأول عرضه السابق ، ثم اللقاء الذي تم يوم ...... والذي أكد فيه المتهم الثاني عرض ...... جنيه للشاهد الأول نظير الحكم بطلباته ، وقد دفع منها فعلاً ...... جنيه فى اللقاء الذي تم يوم ...... وفي حضور المتهم الأول الذي آزر المتهم الثاني فى ذلك ، وطلب من الشاهد أن يعد المبلغ ، ومن ثم فإن المتهمين هما اللذان سعيا إلى الشاهد الأول بنفسيهما عارضين عليه مبلغ الرشوة بإرادة حرة طليقة دون أي تأثير من الشاهد على إرادتهما ، وأن كل ما قام به الشاهد لم يكن إلا تظاهر بقبولها بالاتفاق مع أجهزة الضبط حتى يتم الكشف عن الجريمة وضبطها ، والذي تم فعلاً وهو لا يعد تحريضاً على مقارفة الجريمة ويندحر به الدفع " ، وهو رد سائغ من الحكم يصادف صحيح القانون ، ذلك بأنه من المقرر أنه لا يؤثر فى قيام جريمة عرض الرشوة أن تكون قد وقعت نتيجة تدبير لضبطها وألا يكون المرتشي جاداً فى قبوله الرشوة ، متى كان عرضها جدياً فى ظاهره وكان الغرض منها العبث بمقتضيات الوظيفة لمصلحة الراشي ، ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس يحمله قانوناً .
(الطعن رقم 49438 لسنة 72 جلسة 2006/11/19 س 57 ص 875 ق 97)
4- من المقرر قانوناً أن المقصود بغير الموظف العام المعروض عليه الرشوة فى مفهوم هذا النص هم المستخدمون فى المشروعات الخاصة الذين يخضعون لتبعية رب العمل فى الرقابة والتوجيه والالتزام من جانب المستخدم بالخضوع لهذه السلطة، ويخرج عن هذا المفهوم المحامي صاحب العمل الذي لا يخضع لهذه السلطة المار بيانها من موكله كما هو الحال فى الدعوى المعروضة فإن الفعل الذي أتاه المطعون ضده يكون بمنأى عن التجريم استناداً إلى النصوص المنظمة لعرض الرشوة وعدم قبولها كما وردت بقانون العقوبات، وهو ما يلتقي مع ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه فى نتيجته ويكون لذلك الطعن لذلك قد جاء على غير أساس مفصحاً عن عدم قبوله موضوعاً ومصادرة الكفالة.
(الطعن رقم 15903 لسنة 61 جلسة 2000/11/23 س 51 ص 766 ق 151)
5- متى كانت الواقعة التى إتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد هى أن الطاعن عرض رشوة على موظف عمومى ولم تقبل منه ، هى ذات الواقعة التى تضمنها أمر الإحالة ، وكانت المحكمة قد طبقت مادة القانون على الوجه الصحيح فى واقعة الدعوى وهى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات بدلاً من المادة 106 مكرراً منه التى طلبتها النيابة العامة ، فإن هذا التعديل لا يعطى الطاعن حقاً فى إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع ، إذ أن المحكمة لا تلتزم فى مثل هذه الحالة تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل فى الوصف ومادة القانون .
(الطعن رقم 810 لسنة 39 جلسة 1969/06/16 س 20 ع 2 ص 912 ق 182)
6- يكفي لكي يكون الموظف مختصاً بالعمل أن يصدر إليه أمر شفوي من رئيسه بالقيام به، كما يكفي أن يكون العمل الذي دفعت الرشوة من أجله له اتصال بأعمال وظيفة المرتشي، وإذ كان العمل قد جرى فى المحاكم على أن يقوم الكتاب الأول بأمر رؤسائهم بتحديد الجلسات حتى ينتظم العمل فى دوائر المحاكم المتعددة، وحتى توزع القضايا على الجلسات توزيعاً عادلاً، وكان لا تعارض بين ما جرى عليه العمل وبين ما أورده نص المادة 69 من قانون المرافعات، فإن إدانة المتهم بجريمة عرض رشوة على كاتب أول محكمة للإخلال بواجبات وظيفته بشأن تحديد الجلسات ولم تقبل منه يكون صحيحاً فى القانون.
(الطعن رقم 938 لسنة 28 جلسة 1958/10/07 س 9 ع 3 ص 779 ق 189)
7- يدخل فى أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء ، كما يكفى فى صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفوية - فإذا كان الحكم قد دلل تدليلا سائغا على أن عمل الساعى " المبلغ " يقتضى التردد على المكان الذى تحفظ به ملفات الممولين للمعاونة فى تصفيفها و أنه يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفى مأمورية الضرائب - و هم من رؤسائه - فإن التحدى بانعدام أحد أركان جريمة الرشوة يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 795 لسنة 28 جلسة 1959/01/20 س 10 ع 1 ص 55 ق 15)
8- يكفي لتوفر الاختصاص فى جريمة الرشوة أن يكون للموظف منه نصيب يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة. ولما كان الثابت مما أورده الحكم أن مفتش التأمينات هو الذي حرر المحضر الذي عرضت عليه الرشوة لتغييره وأن هذا المحضر لم يكن قد بت فيه نهائياً من جانب المصلحة التابع لها هذا الموظف وقت عرض الرشوة عليه وهو ما يتوافر به الاختصاص الذي يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضي ببراءة المتهمين استنادا إلى أن اختصاص الموظف قد انتهى بمجرد رفع محضره إلى رئيسه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه.
(الطعن رقم 1922 لسنة 37 جلسة 1968/01/08 س 19 ع 1 ص 29 ق 5)
9- ليس من الضروري فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفي أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة، وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس. ولما كان الثابت فى حق الطاعن أنه عرض مبلغاً من المال على ساع بالتلفزيون - وهو موظف عام - لسرقة أحد الأفلام الموجودة فى أستوديو مصر، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن من عمل الساعي نقل الأفلام بين مكتبة التليفزيون وبين الأستوديو، وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة أياً كانت الجهة المالكة للفيلم، ودان الطاعن على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً.
(الطعن رقم 477 لسنة 38 جلسة 1968/04/01 س 19 ع 2 ص 394 ق 74)
10- لا يشترط قانوناً لقيام جناية عرض الرشوة أن يصرح الراشي للموظف بقصده من هذا العرض وبأنه يريد شراء ذمته، بل يكفي أن تدل ظروف الحال على توافر هذا القصد - ذلك بأن الركن المعنوي لهذه الجناية شأنه شأن الركن المعنوي لأية جريمة أخرى، قد يقوم فى نفس الجاني وغالباً ما يتكتمه، ولقاضي الموضوع - إذا لم يفصح الراشي عن قصده بالقول أو الكتابة - أن يستدل على توافره بكافة طرق الإثبات وبظروف العطاء وملابساته .
(الطعن رقم 649 لسنة 31 جلسة 1961/12/12 س 12 ع 3 ص 980 ق 204)
11- تقديم العطاء إلى المجنى عليه يعتبر عرضاً للرشوة و لو تم بعد تمام العمل الذى وقعت الرشوة من أجل تجنبه ، و هو إبلاغ المجنى عليه للمسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعى ، لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الطاعن و لا إرتباط له بجريمته .
(الطعن رقم 2144 لسنة 36 جلسة 1967/04/25 س 18 ع 2 ص 581 ق 114)
12- لا يشترط القانون لتحقق جريمة عرض الرشوة أن يكون صاحب الحاجة قد عرض الرشوة على الموظف العمومي بالقول الصريح بل يكفي أن يكون قد قام بفعل الإعطاء أو العرض دون أن يتحدث مع الموظف ما دام قصده من هذا الإعطاء أو العرض - وهو شراء ذمة الموظف - وفاضحا من ملابسات الدعوى وقرائن الأحوال فيها. ومن ثم فإنه ليس من شأن ما أستطرد إليه الحكم المطعون فيه من أن التقارير الطبية التي قدمها المتهم قد أفادت بعجزه عن سماع حديث الضابط إليه - بفرض صحته - واستقلال محكمة الموضوع بحرية التقدير فيه أن ينفي واقعة عرض الرشوة على ضابط المباحث على الصورة التي أثبتها وكيل النيابة فى محضره وجرت بها شهادة الضابط.
(الطعن رقم 47 لسنة 42 جلسة 1972/03/05 س 23 ع 1 ص 278 ق 65)
13- لما كان الحكم قد دلل على أن العطية عرضت من الطاعن على المبلغ وهو ساع بمأمورية الضرائب مقابل حصوله على ملف الضرائب الخاص بالطاعن وتسليمه له لإتلافه ولكنها لم تقبل منه فإن ذلك مما يتحقق معه معنى الموظف على الإخلال بواجبات وظيفته وأن العطاء كان ثمناً لاستغلاله لها وهو ما يتوافر به القصد الجنائي فى تلك الجريمة كما هو معرف به فى القانون ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد بذاتها توفره.
(الطعن رقم 1832 لسنة 44 جلسة 1975/01/26 س 26 ص 83 ق 19)
14- متى كان الحكم قد خلص إلى تبرئة المتهمين الرابع و الخامس المالكين للرسائل المحملة بالسيارة إستنادا إلى عدم علمهما بأن هذه السيارة حكومية ، و إلى انقطاع صلة المتهم الرابع مالك القصب بالإتفاق الذى تم مباشرة بين المتهم الأول و الطاعن ، على نقل القصب بالسيارة المذكورة دون سعى مستقل من جانبه ، و كان لا تعارض بين تبرئة الحكم لهذين المتهمين من جريمة عرض الرشوة لعدم ثبوتها فى حقهما ، و بين إدانة الطاعن بهذه الجريمة لثبوت وقوعها منه . فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الشأن يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 1760 لسنة 39 جلسة 1970/02/01 س 21 ع 1 ص 200 ق 49)
15- ما أثاره المتهم السادس من أن ما أسند إليه فى تهمة الرشوة هو فعل بمنأى عن التأثيم تأسيساً على القول بأن القانون لا يعاقب على جريمة عرض رشوة إلا إذا كان العرض لم يقبل عملاً بنص المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات ، فإنه مردود بأنه لما كان الشارع قد تغيا من النصوص فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات الخاص بالرشوة ، تجريم الاتجار بالوظيفة العامة ، وأن مقتضى فكرة الرشوة تواجد طرفين هما المرتشى وهو الموظف العام والراشى وهو صاحب المصلحة ، ولا تتم قانوناً إلا بإيجاب من الراشى وقبول من جانب المرتشى ، وتعتبر الجريمة فى هذا الصدد مشروعاً إجرامياً واحداً فاعلها هو المرتشى ، أما الراشى فهو ليس إلا شريكاً فيها يستمد إجرامه من الفعل الذى يساهم فيه ، وهو ما أراده الشارع من اقتصاره فى النص فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على عقوبة الراشى دون التعريف بجريمته ، اكتفاءً بالرجوع إلى القواعد العامة من اعتباره شريكاً فى جريمة الرشوة التى قبلها الموظف العام ، وأن ما أورده الشارع فى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات بالنص على أنه " من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام ..... " فهو رغبة المشرع فى إيراد هذه الجريمة الخاصة ، اعتبر الراشى فيها فاعلاً أصلياً فى جريمة مستقلة هى جريمة عرض رشوة دون قبولها ، وهى جريمة لا يساهم الموظف العام فيها بأى دور وقصد منها محاربة السعى إلى إفساد ذمته وهى غير الصورة الواردة بواقعة الدعوى والمؤثمة بنص المادتين 104 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات والتى تتحصل فى قيام المتهمين الثلاثة الأول موظفى مصلحة دمغ المصوغات والموازين بالإخلال بواجبات الوظيفة لقاء جُعل من المتهمين من الرابع حتى الأخير ، ومن ثم فلا مجال لتطبيق نص المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات .
(الطعن رقم 30639 لسنة 72 جلسة 2003/04/23 س 54 ص 583 ق 74)
16- لا يؤثر فى سلامة الحكم الصادر بإدانة الطاعنين عن جريمة الرشوة تحدثه عن الغرض الذى يهدف إليه الطاعنان لحصولهما على الملف و امتداد أيديهم على بعض محتوياته و لو لم يكن الملف معروضا على المحكمة ، لأنه حديث يتعلق بالسبب و لا يتوقف عليه الفصل فى الدعوى .
(الطعن رقم 795 لسنة 28 جلسة 1959/01/20 س 10 ع 1 ص 55 ق 15)
17- التسليم بأن عرض مبلغ الرشوة قد تم من جانب الطاعنين و أن الرفض قد وقع من جانب المبلغ يمتنع به القول بإمكان حصول عدول اختيارى بعد ذلك ، و ليس ينقض ما تم إن حصل الضبط أثناء المهلة التى طلبها الطاعنان للتشاور بعد خلافهما مع المبلغ على مقدار الرشوة و رفض قبول المبلغ المعروض .
(الطعن رقم 795 لسنة 28 جلسة 1959/01/20 س 10 ع 1 ص 55 ق 15)
لولا هذا النص لطبقت المادتين 45/ 46 من قانون العقوبات الخاصتين بالشروع ولكن المشرع رأى أن الجريمة في حالة الشروع ليست من الخطورة التي تستوجب تطبيق الأحكام العامة ومن ثم نزل بالعقاب إلى الحد المشار إليه. وفيما عدا هذا تطبق الأحكام العامة في الشروع من ناحية أركانه فيشترط البدء في التنفيذ والقصد الجنائي وعدم تمام الجريمة لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
وعلى ذلك فإن الركن المادي للجريمة يتحقق بتوافر عنصرين هما عرض الرشوة وعدم قبولها ولا يختلف المقصود بعرض الرشوة في هذه الجريمة عن المقصود بفعل العرض الذي يرتكبه الراشي في جريمة الرشوة. وقد ساوى المشرع في التجريم- وإن اختلف قدر العقاب - بين حالة عرض الرشوة على موظف عام (أو من في حكمه) أو العرض على غيره والمقصود بغير الموظف الدم المعروض عليه الرشوة المستخدمون في المشروعات الخاصة المعاقب على ارتشائهم طبقاً للمادتين 106 ، 106 مكرراً من قانون العقوبات. كما وأن عدم قبول الرشوة يمثل جوهر هذه الجريمة الذي يميزها عن فعل الارشاء.
ويتم عرض الرشوة أما بالتخاطب مع الموظف وأما بالكتابة له على أن العرض يتم كذلك بكل وسيلة تفصح عنه ولو لم تكن كلاماً شفوياً أو مكتوباً والعبرة في استخلاص نية عرض الرشوة لظروف كل حالة على حدتها كما تستظهرها محكمة الموضوع ومن قبل عرض الرشوة دون قبولها حالة كون العمل الذي عرضت من أجله مشروعاً تقديم رشوة إلى كاتب أول لتحديد جلسة. وعدم قبول الرشوة معناه أن يرفضها الموظف أو المستخدم أو أن يضبط الراشي أثناء عرضه لها. ويلاحظ أنه يتعين لقيام المرتشي أن تعرض في حق عارض الرشوة خلافاً للأمر بالنسبة للموظف المرتشي أن تعرض الرشوة على موظف مختص فعلاً بالعمل أو الامتناع المطلوب منه أو زاعم لنفسه ذلك.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 253).
وعلة النص على هذه الجريمة أن الفعل الذي تقوم به وهو عرض الرشوة وعدم قبولها لا تقع تحت طائلة العقاب تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية إذ هو بالنسبة إلى الرشوة - شروع في اشتراك، ذلك أن صاحب الحاجة الذي يعرض الرشوة على الموظف فتقبل منه يعد شريكاً فيها، فإذا رفضت فمعنى ذلك أن أثر فعله قد خاب، وأن اشتراكه قد وقف عند مرحلة الشروع، والقاعدة أن الشروع في الاشتراك لا عقاب عليه وقد قدر الشارع أن خروج هذا الفعل من نطاق العقاب أمر تأباه المصلحة العامة، إذ أن عرض الرشوة تهديد بالخطر النزاهة الوظيفة العامة وإن لم يكن إهداراً فعلياً لها ذلك أن عارض الرشوة قد عبر عن عدم احترامه النزاهة الوظيفة وقد كان محتملاً أن يهدرها لو استجاب الموظف إلى عرضه.
أركان الجريمة:
أهم أركان هذه الجريمة هو فعل العرض الذي يقوم به ركنها المادي، ويتعين أن يتجه العرض إلى شخص حدده القانون، وينبغي أن يرفض العرض، ويتعين في النهاية أن يتوافر للجريمة ركنها المعنوي في صورة القصد.
العرض:
العرض هو كل فعل يتضمن تعبيراً عن إرادة المتهم تقديم العطية إلى الموظف على الفور أو في المستقبل، ويعني ذلك أن موضوع العرض قد يكون عطية وقد يكون مجرد وعد بها وقد يكون العرض صريحاً، وسواء في هذه الحالة أن يكون شفوياً أو كتابياً، وقد يكون مستتراً كما ولو سلم المتهم إلى قاض مظروفاً يوحي ظاهرة بأن به مستندات متعلقة بالدعوى المعروضة عليه فإذا به أوراق نقدية، وليس بشرط أن يكون العرض مباشرة إلى الموظف، فقد توضع النقود في مكان أو تسلم إلى شخص على نحو يكون معه السير الطبيعي للأمور أن تصل هذه النقود إلى حيازة الموظف، كما لو وضعت في صندوق الخطابات الخاص بالموظف أو سلم إلى زوجته، ولكن يتعين أن يكون العرض جدية، أما إذا كان هزليا كما لو عرض شخص على موظف أن يعطيه كل ما يملك نظير قيامه بعمل له، فلا يقوم به الركن المادي لهذه الجريمة.
عدم القبول :
يمثل عدم القبول العنصر السلبي في ماديات هذه الجريمة إذ يعني وقوفها عند مجرد العرض الذي بقي دون نتيجة، وهو الذي يميز بين هذه الجريمة والرشوة، وسواء لدى القانون صور عدم القبول، فقد يرفض الموظف العرض صراحة، وقد يرفضه ضمناً، ويأخذ ذلك صورة تجاهله والتصرف على الوجه الذي تمليه عليه واجبات وظيفته.
وإذا ثبت رفض العرض فقد تمت الجريمة فإذا صدر عدول إختياری من العارض بعد ذلك فلا يعفيه من المسئولية ، إذ جاء العدول بعد تمام الجريمة فكان متجرداً من الأثر، والجريمة على هذا النحو لا يتصور الشروع فيها، فأي تعبير عن إرادة جدية بتقديم العطية تقوم به الجريمة تامة، ولو أضيف ذلك إلى أجل أو علق على شرط.
الشخص الذي يتجه إليه العرض :
فرق المشرع بين حالتين: عرض الرشوة على موظف عام وعرضها على غير موظف ، ورتب على هذا الاختلاف تفرقة أساسية في العقوبة، فإذا كان العرض حاصلا لموظف عام تعين أن تتوافر فيه جميع العناصر المتطلبة في حالة الرشوة العادية، فيطبق المدلول الجنائي الواسع لفكرة الموظف ويأخذ حكم الموظف الأشخاص الذين نصت عليهم المادة (111) من قانون العقوبات ويتعين أن يكون مختصاً بالعمل أو الامتناع الذي عرض عليه المقابل من أجله، ويأخذ الزعم بالاختصاص والاعتقاد الخاطئ به حكم الاختصاص الفعلي.
أما إذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام فالفرض أنه حاصل لمستخدم في مشروع خاص وفقاً للمدلول الذي حددته المادة (106 مكرراً "أ" من قانون العقوبات.
الركن المعنوي:
هذه الجريمة عمدية فيتخذ ركنها المعنوي صورة القصد، ويتطلب القصد علم المتهم بصفة من يعرض عليه الرشوة، وأنه موظف مختص، أو مستخدم في مشروع خاص، وأن تكون إرادته متجهة إلى حمله على القيام بعمل أو إمتناع يدخل في اختصاصه نظير ما يعرضه عليه من عطية أو وعد.
عقوبة الجريمة :
فرق المشرع في تحديد عقوبة الجريمة بين ما إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام أو من في حكمه وبين إذا ما كان حاصلاً لغير موظف، أي مستخدم في مشروع خاص، ففي الحالة الأولى جعل العقوبة السجن والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه، وفي الحالة الثانية جعلها الحبس لمدد لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه.
ولا يستفيد عارض الرشوة من امتناع العقاب الذي نصت عليه المادة (107 مكرراً) من قانون العقوبات إذا أبلغ عن جريمته أو اعترف بها وذلك على الرغم من أنه كان يستفيد من ذلك لو تمت الرشوة بقبول الموظف لعرضه، وتفسير ذلك أن علة الإعفاء غير متوفرة في حالة عرض الرشوة، إذ هذه العلة هي مكافأة من عرف السلطات على الموظف المرتشي وأعانها على إثبات إرتشائه، ولا محل لهذه العلة، إذ لا وجود لمرتشي باعتبار أن الموظف قد رفض العرض الذي تقدم به إليه صاحب الحاجة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 356)
الركن المادي
يتحقق هذا الركن بتوافر عنصرين:
(1) عرض الرشوة .
(2) عدم قبولها.
عرض الرشوة
لا يختلف المقصود بعرض الرشوة في هذه الجريمة عن المقصود بفعل العرض الذي يرتكبه الراشي للاشتراك في جريمة الرشوة، فيستوي أن يكون صريحاً أو أن يكون ضمنياً. مثال ذلك: من يقدم إلى ابن الموظف ورقة مالية كبيرة لشراء بعض الحلوى في ظروف تفيد أن الجاني لم يفعل ذلك إلا لإفساد ذمة الموظف. ولا يشترط في العرض أن يكون شفوياً أو كتابة، صراحة أو ضمناً"، أو أن يتم مباشرة أو بطريق غير مباشر.
ومن الأمثلة القضائية : تقدم مظروف إلى الموظف العام على أنه يحتوي على بعض المستندات مع أنه يتضمن في الحقيقة مبلغاً من النقود، وتقدم متعهد بالتوريد إلى الجيش مظروفاً يحتوي على مبلغ الرشوة إلى زوجة الضابط المكلف باستلام البضائع الموردة مع قوله بأن هذا المظروف يحتوي بطاقة زيارته وعنوانه، وتقديم شيك بمبلغ الرشوة بقطع النظر عن الصورة التي قدم بها، بحسبان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الاطلاع ومن شأنه أن يرتب حقوقاً كاملة قبل الساحب ولو لم يكن له رصيد قائم وقابل للسحب .
ويشترط في العرض أن يكون جدياً لا هزلياً.
وقد ساوى المشرع في التجريم - وإن اختلف قدر العقاب - بين حالة عرض الرشوة على موظف عام (أو من في حكمه) أو العرض على غيره . والمقصود بغير الموظف العام المعروض عليه الرشوة : المستخدمون في المشروعات الخاصة المعاقب على ارتشائهم طبقاً للمادتين 106 و 106 مكرراً "أ" من قانون العقوبات، والذي جاء على العكس من ذلك فقصر التجريم على عرض الرشوة على الموظف العام (والمكلف بخدمة عامة) دون غيره، وذلك أسوة بقانون العقوبات الإيطالي.
وفي صدد عرض الرشوة على الموظف العام (أو من في حكمه) يثور البحث عما إذا كان يشترط أن يكون هذا الموظف مختصاً بالعمل المراد أداؤه أو الامتناع عنه أو أنه يستوي أن يكون مختصا بذلك أو غير مختص. وقد ذهب رأي إلى أنه يستوي أن يكون الموظف مختصاً أو غير مختص، ولو لم يزعم الاختصاص، باعتبار أن الشارع أراد العقاب على مجرد عرض الرشوة، بخلاف ما إذا كان ما تنص عليه المادة 109 مكرراً هي من قبيل الشروع في الرشوة؛ لأن الشروع يتطلب لتحققه توافر كل عناصر وظروف الجريمة التامة، ومنها شرط الاختصاص أو الزعم به (أو الاعتقاد الخاطئ به) مع فارق واحد، وهو أن الركن المادي في الشروع يقوم بمجرد البدء في التنفيذ. وخلافاً لذلك ذهب رأي آخر إلى أنه يشترط لتطبيق المادة 109 مكرراً أن يكون من عرضت عليه الرشوة مختصا بالعمل أو الامتناع المطلوب. وعندنا أن اعتبار جريمة «عرض الرشوة دون قبولها» جريمة لها كيانها الخاص - لا يعني انتزاعها من التنظيم القانوني للرشوة، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض باعتبارها من جرائم الخطر على الوظيفة العامة .
ولما كان القانون قد لاحظ توافر هذا الخطر عند اختصاص الموظف وانحرافه عن الاختصاص أو عند زعمه بالاختصاص أو اعتقاده الخاطى به، فإنه لا يشترط التجريم عرض الرشوة دون قبولها أن يكون الموظف المعروض عليه الرشوة مختصا بالعمل على أنه يشترط في عرض الرشوة على موظف غير مختص أن يزعم هذا الاختصاص سواء بسوء نية أو بحسن نية (الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص، فهنا يكمن الخطر على الوظيفة العامة من مغبة الإخلال بها، وهو أساس بتجريم الرشوة.
وغني عن البيان أن الاختصاص المزعوم يجب أن يكون في نطاق الوظيفة التي يشغلها الموظف العام لا خارجها، فالاختصاص المزعوم هو الذي لا يصل إلى حد انتحال الصفة الوظيفية وإلا جنا حيال جريمة نصب.
ويشترط في هذا العرض أن يكون مقابل سبب معين، هو أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وهو ما يتطلبه القانون لوقوع جريمة الرشوة . ويستوي أن تكون الرشوة المعروضة حالة (كما في العطية) أو مؤجلة (كما في الوعد) أو لاحقة (كما في المكافأة بعد تنفيذ المطلوب). وتقع الجريمة سواء كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقاً أو غير حق. وعلى ذلك فإن هذه الجريمة تتمثل في تحريض المعروض عليه الرشوة على ارتكاب الجريمة بقبول الرشوة، ومن ثم فإن سبب هذا العرض يجب أن يتحدد مع سبب الرشوة كما نص عليه القانون في جريمة الرشوة .
ولما كانت هذه الجريمة تتطلب عرض الرشوة فعلاً على الموظف أو غيره، فإنه لا يستعاض عن ذلك بالرجاء أو الوساطة أو التوصية؛ ذلك أن القانون لا يعاقب إلا على الاستجابة إلى الوسائل المذكورة وليس على مجرد هذا التوسط إذا لم يلق الاستجابة. فضلاً عن أن هذه الوساطة لا يعاقب عليها بوصفها شروعا في الجريمة المنصوص عليها في المادة 105 مكرراً؛ لأن الوسيط ليس إلا شريكاً في هذه الجريمة ولا محل لمعاقبته إلا بعد وقوعها، ولا شروع في الاشتراك.
عدم قبول الرشوة:
يشترط توفر عدم القبول من جانب الطرف الآخر، وهذا العنصر يمثل جوهر هذه الجريمة الذي يميزها عن فعل الإرشاء. ويتحقق عدم القبول برفض الموظف قبول الرشوة أو أخذها، أو بالقبول الظاهري غير الجدي للرشوة تمهيداً لتمكين الشرطة من ضبط الجاني متلبسا بعرض الرشوة. ولما كان عدم القبول عنصراً أساسياً في الجريمة، فإن مجرد العرض لا يكفي لتوافرها قانوناً، وبالتالي فإنه طالما لم يبد المعروض عليه قبوله أو عدم قبوله يكون للعارض أن يسحب عرضه دون أن يعد فعله هذا شروعاً، ما دام هذا العرض لم يوقف أو يخيب أثره لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه. وبالتالي فإن رفض العرض بعد سحبه يعد واردا على غير ذي موضوع، وما لم يصل سحب العرض إلى علم الطرف الآخر فإنه يعد قائماً، ولذا فإنه إذا عدل عارض الرشوة عن عرضه دون تبليغ المعروض عليه بهذا العدول، وجاء هذا الأخير فرفض الرشوة، فإن الجريمة تعد قائمة. أما إذا قام الجاني بكل ما في وسعه لعرض الرشوة إلا أنها لم تصل إلى علم الموظف لسبب لا دخل لإرادته فيه، فإنه يعد شارعاً في جريمة عرض الرشوة دون قبولها. ولا وجه للتحدي بأن هذه الجريمة تعد شروعا في رشوة وأنه لا عقاب على الشروع في الشروع، ذلك أن الجريمة المذكورة - كما قلنا - ليست في حقيقتها شروعاً في رشوة، وإنما هي جريمة مستقلة لها كيانها الخاص.
الركن المعنوي:
هذه جريمة عمدية، يتعين لوقوعها توافر القصد الجنائي العام باتجاه إرادة الجاني إلى عرض الرشوة على الموظف أو غيره لحمله على قبول الرشوة من أجل تحقيق أحد الأغراض التي نص عليها القانون في مواد الرشوة، مع علمه بذلك. ولا عبرة بالباعث الذي حمل الجاني على عرض الرشوة، مشروعاً كان أو غير مشروع.
تقدير العقوبة: ميز القانون بين حالتين:
(1) عرض الرشوة على موظف عام أو من في حكمه، وفي هذه الحالة تكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه.
(2) عرض الرشوة على غير موظف عام أو من في حكمه، وفي هذه الحالة تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تجاوز مائتي جنيه.
ونلاحظ عدم توازن العقوبة في الحالتين، ذلك أنه بينما راعى المشرع في الحالة الأولى تقرير عقوبة مخففة تقل كثيرا عما هو مقرر للإرشاء، جاء وفرض في الحالة الثانية العقوبة ذاتها المقررة لجريمة رشوة المستخدمين في نطاق الأعمال الخاصة عدا الغرامة، إذ خفض حدها الأقصى، فجعله مائتين بدلاً من خمسمائة، ودون أن يشدد العقوبة إذا كان المعروض عليه أحد المستخدمين المشار إليهم في الصورة المشددة في المادة 106 مكرراً «أ».
الغرامة :
يلاحظ أن الغرامة المقررة عن هذه الجريمة طبقاً للمادة 109 مكرراً عقوبات هي غرامة عادية، لأنها محددة بحدين يتعين التزامهما وليست محددة بنسبة الضرر المترتب على الجريمة أو الفائدة التي تحصل عليها الجاني أو كان يأمل الحصول عليها، فهي ليست من قبيل الغرامات النسبية، ومن ثم يتعين وفقاً للمادة 44 عقوبات أن يحكم بها على كل منهم دين عن هذه الجريمة.
المصادرة: لما كانت هذه الجريمة لا تعد جريمة رشوة كما عناها قانون العقوبات في تطبيق حكم المادة 110 من هذا القانون، وأن لها ذاتيتها المستقلة وتغير تلك الجريمة، فلا يمتد إليها حكم المصادرة الوجوبية كعقوبة تكميلية مقررة لجريمة الرشوة . هذا دون إخلال بجواز الحكم بالمصادرة طبقاً للمادة 30/ 1 من قانون العقوبات.
عدم سريان الإعفاء من العقاب: ولا يصلح الإخبار أو الاعتراف مسبباً الإعفاء الجايني من العقاب في هذه الحالة، لعدم توافر علة الإعفاء، وهي تسهيل القبض على الموظف المرتشي. وبذلك يمكن القول إن إعفاء الراشي أو الوسيط المقرر في المادة 107 مكرراً عقوبات يقتصر على حالة قبول الرشوة من جانب الموظف العام. كما لا يمتد الإعفاء إلى المرتشي بطبيعة الحال إذا ما اعترف بالجريمة.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 414).
جريمة عرض الرشوة
علة التجريد: نصت على هذه الجريمة المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات في قولها « من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام ، فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تجاوز مائتي جنيه».
وعلة النص على هذه الجريمة أن الفعل الذي تقوم به، وهو « عرض الرشوة وعدم قبولها » لا يقع تحت طائلة العقاب تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية، إذ هو - بالنسبة إلى الرشوة - شروع في إشتراك، ذلك إن صاحب الحاجة الذي يعرض الرشوة على الموظف فتقبل منه يعد شريكاً فيها ، فإذا رفضت فمعنى ذلك أن أثر فعله قد خاب، وأن اشتراكه قد وقف عند مرحلة الشروع، والقاعدة أن الشروع في الإشتراك لا عقاب عليه وقد قدر الشارع أن خروج هذا الفعل من نطاق العقاب أمر تأباه المصلحة العامة ، إذ أن عرض الرشوة تهديد بالخطر النزاهة الوظيفة العامة وإن لم يكن إهداراً فعلياً لها ، ذلك أن عارض الرشوة قد عبر عن عدم إحترامه لنزاهة الوظيفة، وقد كان محتملاً أن يهدرها لو استجاب الموظف إلى غرضه .
أركان الجريمة: أهم أركان هذه الجريمة هو فعل العرض الذي يقوم به ركنها المادي؛ ويتعين أن يتجه العرض إلى شخص حدده القانون؛ وينبغي أن يرفض العرض؛ ويتعين في النهاية أن يتوافر للجريمة ركنها المعنوي في صورة القصد.
العرض : العرض هو كل فعل يتضمن تعبيراً عن إرادة المتهم تقديم العطية إلى الموظف على الفور أو في المستقبل ، ويعني ذلك أن موضوع العرض قد يكون عطية وقد يكون مجرد وعد بها وقد يكون العرض صريحاً، وسواء في هذه الحالة أن يكون شفوياً أو كتابياً؛ وقد يكون مستتراً كما لو سلم المتهم إلى قاض مظروفاً يوحي ظاهره بأن به مستندات متعلقة بالدعوى المعروضة عليه فإذا به أوراق نقدية وليس بشرط أن يكون العرض مباشرة إلى الموظف ، فقد توضع النقود في مكان أو تسلم إلى شخص على نحو يكون معه السير الطبيعي للأمور أن تصل هذه النقود إلى حيازة الموظف ؛ كما لو وضعت في صندوق الخطابات الخاص بالموظف أو سلمت إلى زوجته . ومن الجائز أن يكون العرض معلقاً على شرط ولكن يتعين أن يكون العرض جدياً؛ أما إذا كان هزلياً، كما لو عرض شخص على موظف أن يعطيه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له ، فلا يقوم به الركن المادي لهذه الجريمة .
عدم القبول : يمثل عدم القبول العنصر السلبي في ماديات هذه الجريمة ، إذ يعني وقوفها عند مجرد العرض الذي بقي دون نتيجة ، وهو الذي يميز بين هذه الجريمة والرشوة ، وسواء لدى القانون صور علم القبول : فقد يرفض الموظف العرض صراحة ، وقد يرفضه ضمنا ، ويأخذ ذلك صورة تجاهله والتصرف على الوجه الذي تمليه عليه واجبات وظيفته ، وقد يضبط العرض قبل وصوله إلى علم الموظف كما لو سلم المال إلى وسيط فلم يخطر الموظف ، وإنما أبلغ السلطات أو استولى عليه لنفسه . وقد يضبط العارض أثناء تقديمه المال ، ولا عبرة بكون الموظف « علم بذلك طالما أنه لم ينسب إليه قبول العرض ». ويعد رفضاً للعرض التظاهر بقبوله - للإيقاع بالعارض ومساعدة السلطات العامة في القبض عليه متلبساً - ذلك أن العبرة بالإرادة الحقيقية ، وقد اتجهت إلى رفض العرض.
وإذا ثبت رفض العرض فقد تمت الجريمة ، فإن صدر عدول اختياري من العارض بعد ذلك فلا يعفيه من المسئولية ، إذ قد جاء العدول بعد تمام الجريمة فكان متجرداً من الأثر والجريمة على هذا النحو لا يتصور الشروع فيها ، فأي تعبير عن إرادة جدية بتقديم العطية تقوم به الجريمة تامة ، ولو أضيف ذلك إلى أجل أو علق على شرط .
الشخص اللي يتجه إليه العرض؛ فرق الشارع بين حالتين : عرض الرشوة على موظف عام وعرضها على غير موظف، ورتب على هذا الإختلاف تفرقة أساسية في العقوبة : فإذا كان العرض حاصلاً لموظف عام تعين أن تتوافر فيه جميع العناصر المتطلبة في حالة الرشوة العادية، فيطبق المدلول الجنائي الواسع لفكرة الموظف ، ويأخذ حكم الموظفين الأشخاص الذين نصت عليهم المادة 111 من قانون العقوبات ، ويتعين أن يكون مختصاً بالعمل أو الامتناع الذي عرض عليه المقابل من أجله، ويأخذ الزعم بالاختصاص و الإعتقاد الخاطيء به حكم الاختصاص الفعلي . وتطبيقاً لذلك ، فإنه لا قيام لهذه الجريمة إذا كان العرض لغير موظف ، ولو كان قد انتحل صفة الموظف؛ أو كان العرض لموظف غير مختص ولم يزعم إختصاصه أو يعتقد به خطأ.
أما إذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام ، فالفرض أنه حاصل المستخدم في مشروع خاص وفقاً للمدلول الذي حددته المادة 106 أو المادة 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات.
الركن المعنوي : هذه الجريمة عمدية، فيتخذ ركنها المعنوي صورة القصد ويتطلب القصد علم المتهم بصفة من يعرض عليه الرشوة، وأنه موظف مختص، أو مستخدم في مشروع خاص، وأن تكون إرادته متجهة إلى حمله على القيام بعمل أو إمتناع يدخل في إختصاصه نظير ما يعرضه عليه من عطية أو وعد، ويفترض كذلك إتجاه إرادته - في ظاهرها على الأقل – إلى تمكينه من حيازة العطية أو إلى تنفيذ الوعد في المستقبل ويعني ذلك أنه لا يحول دون توافر القصد أن تكون الإرادة غير متجهة في حقيقتها إلى ذلك، ذلك أن إتجاه الإرادة في ظاهرها على هذا النحو ينشىء الخطر على نزاهة الوظيفة العامة وثقة الناس في الدولة ، وهو ما استهدف الشارع تجريمه.
عقوبة الجريمة: فرق الشارع في تحديد عقوبة الجريمة بين ما إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام أو من في حكمه وبين ما إذا كان حاصلا لغير موظف ، أي مستخدم في مشروع خاص : ففي الحالة الأولى جعل العقوبة السجن والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه ، وفي الحالة الثانية جعلها الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو الغرامة التي لا تجاوز مائتي جنيه (المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات) ، وسواء في هذه الثانية أن يكون العرض حاصلاً لمستخدم ممن نصت عليهم المادة 106 و من نصت عليهم المادة 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات.
ولا يستفيد عارض الرشوة من إمتناع العقاب الذي نصت عليه المادة 107 من قانون العقوبات إذا أبلغ عن جريمته أو إعترف بها ، وذلك على الرغم من أنه كان يستفيد من ذلك لو تمت الرشوة بقبول الموظف لعرضه ، وتشير ذلك أن علة الإعفاء غير متوافرة في حالة عرض الرشوة ، إذ هذه العلة هي مكافأة من عرف السلطات على الموظف المرتشي وأعانها على إثبات ارتشائه ؛ ولا محل لهذه العلة ، إذ لا وجود لمرتش ، باعتبار أن الموظف قد رفض العرض الذي تقدم به إليه صاحب الحاجة. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 69).
لم يستلزم المشرع صفة معينة في الجاني. فهذه الجريمة يمكن أن تقع من أي فرد من آحاد الناس. وقد يكون هذا الفرد موظفاً عمومياً، إلا أن ذلك لا قيمة له بالنسبة للبنيان القانوني للجريمة ولا بالنسبة للعقوبة.
غير أن المشرع قد اعتد بصفة الموظف العمومي ليس في الجاني وإنما في الشخص المخاطب بالسلوك الإجرامي ، وجعل من هذه الصفة ركنا في الجريمة في صورتها المشددة. أما في صورتها البسيطة فلم يشترط صفة الموظف العمومي وإنما استلزم أن يكون المخاطب بالسلوك الإجرامي شخصاً لا يتصف بهذه الصفة.
من ذلك نخلص إلى أن صفة الموظف العمومي اللازم توافرها في المعروض عليه الرشوة هي ركن من أركان الجريمة في الصورة المشددة يتعين أن يتصرف إليها علم الجاني لكي يتوافر لديه القصد الجنائي بالنسبة لتلك الصورة.
أما باقي أركان الجريمة فواحدة سواء في صورتها المشددة أم البسيطة، وسنعرض لها في البنود التالية.
أولاً : الركن المادي :
الركن المادي لجريمة العرض يتوافر بتمام السلوك الإجرامي المتمثل في العرض لعطية أو وعد دون قبولها. وعليه فهناك عناصر ثلاث لتوافر هذا الركن:
1- فعل عرض
2- موضوع العرض
3- عدم قبول العرض.
1- فعل العرض : تعريفه . شروطه :
وهو السلوك الإجرامي في الجريمة. وهو عبارة عن سلوك إيجابي يعبر به الجاني عن نيته في تقديم فائدة معينة نظير القيام بعمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة.
وقد يكون العرض صريحاً وقد يكون ضمنيا تدل عليه ظروف الحال والواقعة. بمعنى ألا يشترط أن يعبر الجاني صراحة عن نيته بل يكفي أن تستشف هذه النية من الفعل الذي أتاه الجاني، كأن يقوم بدس شئ فى جيب الجاني يتبين بعد ذلك انه مبلغ من النقود أو أن يقدم للجاني ثمناً مبالغاً فيه لشئ اشتراه منه. وكما قد يتم العرض كتابة قد يتم أيضا شفاهة، ويشترط في الفعل لكي يعتبر عرضة الأتي :
(أ) يلزم أن يلزم العرض جادا ويملك القدرة على إحداث النتيجة، ولا يؤثر في ذلك كون الجاني قد أخذ تحفظ عقلياً مفاده عدم قيامه بتنفيذ الوعد أو بتقديم العطية أو بالإبلاغ عن الواقعة فور قبول الموظف للعرض ويكفي لجدية العرض أن يكون الجاني قد قام به عن إرادة حرة واعية وهو عالم بمضمون فعله.
وعلى ذلك فالنية وحدها لا تكفي ، بل يلزم أن تخرج هذه النية في شكل سلوك خارجي يملك القدرة على إحداث النتيجة المترتبة عليه وهی فساد ذمة الموظف بقبوله أو أخذه للرشوة مقابل القيام بعمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة. وهذا الشرط مستفاد من القواعد العامة التي تحكم الاشتراك الجنائي. فالعرض ما هو إلا تحريض على ارتكاب الجريمة ومن ثم فيلزم فيه أن يكون محتويا على قدرة سببية معنية يمكن أن ترتب الأثر الناتج عنه. فالتحريض الذي لا يحتوي على مثل تلك الكفاءة لا يعتبر تحريضاً يعتد به القانون. ومن شروط التحريض أن تكون هناك علاقة سببية بينه وبين النتيجة أو الجريمة التي وقعت بناء عليه. ولذلك ففعل التحريض دائماً يشترط فيه كفاءة إحداث النتيجة غير المشروعة. وإذا كان التحريض يعاقب عليه كجريمة مستقلة فيلزم أيضاً توافر مثل تلك الكفاءة وإلا كنا في نطاق الجريمة المستحيلة ومثال ذلك قيام الجاني بعرض سيجارة على الموظف نظير القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو للإخلال بواجبات وظيفته.
(ب) يلزم في العرض أن يخاطب به الموظف العمومي أو المستخدم ويستوي أن تكون المخاطبة مباشرة أم غير مباشرة. والذي يهم في ذلك هو أن تدل ظروف الحال على أن المخاطب بالعرض هو الموظف والمستخدم. ومثال ذلك تقديم هدية لزوجة الموظف أو لطفله الصغير. وهنا لا يكون العرض تماماً إلا بإحاطة علم الموظف بذلك. ذلك أن العرض هو سلوك ذو طرفين. الطرف الأول هو العارض والثاني هو المعروض عليه والذي يشترط قانوناً أن يكون موظفا أو مستخدما. فإذا تم العرض على غير الموظف فلا يكون تامة إلا بوصول العرض إلى علم الموظف. ذلك أن العرض المكون للجريمة هو الذي يكون على موظف أو مستخدم. فإذا وقع على غيره نقص أحد عناصر الجريمة فضلاً عن أن السلوك الإجرامي يفقد في هذه الحالة القدرة على إحداث النتيجة وبالتالي يعتبر داخلاً في نطاق الجريمة المستحيلة.
وعليه فيلزم أن يصل سلوك العرض إلى علم الموظف سواء كان هذا مباشرة أم بطريق شخص آخر، وعلى ذلك فتقديم عطية أو هدية إلى زوجة الموظف لا يكون جريمة العرض دون القبول إلا إذا علم الموظف بذلك ورفضها. لأنه بالعلم فقط يعتبر السلوك الإجرامي قد تم نظراً لأنه عبارة عن عرض رشوة على موظف أو مستخدم ولا يتم ذلك إلا بالعلم. ولذلك فإن قبول الهدية المقدمة من الجاني إلى زوجة الموظف لا يؤثر في قيام جريمة العرض فقط دون القبول، وذلك إذا قام الموظف بردها بمجرد علمه بذلك. ففي هذا المثال نظل دائماً في نطاق جريمة رشوة دون قبولها.
(ج) لا يشترط أن يكون الموظف مختصاً اختصاصاً كلياً بالعمل. فالجريمة تقع أيضاً حتى ولو كان الموظف اختصاصه بالعمل جزئياً أو ثانوياً ولكن هل تقوم الجريمة في الفروض التي يكون العرض فيها على موظف غير مختص إطلاقاً بالعمل أو الامتناع، ذهب البعض إلى أنه يلزم أن يكون الموظف المعروضة عليه الرشوة مختصة بالعمل أو الامتناع.
إلا أن الراجح فقها أن الجريمة تتوافر أركانها حتى ولو كان الموظف غير مختص وظيفيا أو مكانياً بالعمل أو الامتناع عن العمل.
والرأي عندنا أن اختصاص الموظف ليس بشرط لقيام الجريمة ، فالجريمة تقوم حتى ولو كان العرض على موظف غير مختص طالما توافر لديه الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص أو زعم بقيام هذا الاختصاص. وحجتنا في ذلك أن المشرع المصري يجرم طلب أو قبول أو أخذ الرشوة من موظف غير مختص أما لاعتقاده الخاطئ باختصاص أو لزعمه بالاختصاص. والاعتقاد الخاطئ والزعم بالاختصاص يفترضان عدم الاختصاص الفعلي. ومع ذلك إذا قبل الموظف أو أخذ رشوة لأداء عمل وظيفي أو للامتناع عنه أو للإخلال بواجبات الوظيفة فيعتبر مرتكباً الجريمة الرشوة المنصوص عليها بالمادة 103 مكرر أو 104 على حسب نوع العمل المطلوب.
من ذلك نستدل أن العرض باعتباره تحريضاً على القبول أو الأخذ المكون لجريمة من جرائم الرشوة يعاقب عليه كتحريض على الجريمة إذا ما تم القبول أو الأخذ، وهو يكون كذلك إذا قبل الموظف غير المختص العرض. ولذلك حينما يريد المشرع تجريما لعرض في حد ذاته فإنما يريد تجريم التحريض على الرشوة غير المتبوع بأثر. أي أنه يجرم التحريض الذي لو أحدث أثره لكنا بصدد جريمة رشوة ، الفاعل فيها هو الموظف والشريك هو العارض الذي يأخذ صفة الراشي في هذه الحالة. وإذا كان المشرع لم يستلزم في جريمة الموظف اختصاصه بالعمل ويعاقبه إذا قبل رغم عدم اختصاصه ويعاقب الراشي كذلك كشريك، فمعنى ذلك أن تجريم العرض في حد ذاته لا يستلزم فيه أن يكون حاصلاً لموظف مختص وفي هذه الحالة يكون العرض للإخلال بواجبات الوظيفة.
والدليل على صحة استخلاصنا أن المشرع في المادة 109 مكرر أورد عبارة عامة وهي «من عرض رشوة ولم تقبل منه». ويستفاد من هذا النص أنه يشمل كل من عرض رشوة لو قبلت لعوقب عليها كجريمة رشوة وفقاً للنصوص السابقة على المادة 109.
وهذه النصوص السابقة لا تستلزم جميعها الاختصاص بل يعاقب في بعضها على قبول الرشوة أو أخذها حتى ولو كان الموظف غير مختص.
غير أننا نورد على القول السابق تحفظاً، وهو وإن كان لا يشترط اختصاص الموظف المعروض عليه الرشوة إلا أنه يلزم أن يكون العمل المطلوب القيام به ، سواء أكان مشروعاً أم غير مشروع ، يمكن أن يقع في محيط الجهة التي يعمل الموظف فيها ، ومثال ذلك أن تعرض رشوة على موظف بمحكمة القاهرة لاختلاس ملف قضية ليست في عهدته وإنما في عهد موظف آخر بنفس المحكمة . أما لو كان العرض قد حدث للموظف بمحكمة معينة لاختلاس ملف من مكتب الشهر العقاري فلا تقوم الجريمة.
2- موضوع العرض:
موضوع العرض هو الوعد أو العطية التي يتقدم ب ها الجاني إلى الموظف، وقد سبق لنا تبیان مفهوم الوعد والعطية والشروط اللازم توافرها فيهما ويكفي هنا أن نشير إلى أن الوعد بالعطية أو بأي شئ آخر يكون له أثره في تمام الجريمة حتى ولو كان العارض لا يستطيع تنفيذه.
ويجب أن يكون الوعد أو العطية مرتبطاً بالقيام بعمل أو امتناع عنه أو بالإخلال عموماً بواجبات الوظيفة . ولا يلزم أن يكون مقابل الوعد أو العطية محددا بل يكفي قابليته للتحديد، ومن ثم يجب أن تستظهر المحكمة هذا المقابل في حكمها. فلا جريمة إذا لم يكن عرض الرشوة مرتبطاً بعمل لا يمكن تحديده ، ومثال ذلك أن يرسل كاتب بأحد المصالح الحكومية هدية إلى رئيس المصلحة دون تحديد الغرض منها. ومع ذلك نكون بصدد عرض رشوة إذا كان الغرض من الهدية هو أن يحظى مرسلها بمعاملة خاصة من رئيس المصلحة.
ويجب أن يكون الوعد أو العطية متناسباً مع العمل المطلوب . فإذا كانت العطية ضئيلة القيمة فإنها تعدم فعل العرض كفاءته على إحداث النتيجة وبالتالي ندخل في نطاق الجريمة المستحيلة . فالعطية أو الوعد بها يجب أن يملكا الكفاءة على إفساد ذمة الموظف وإغرائه بارتكاب العمل المطلوب فإن فقدا هذه الصفة فلا جريمة في الأمر ، ومثال ذلك تقديم مشروب أو سجائر، أو عرض وعد أو عطية تحتوى في ذاتها على إمكان تحقيقها في أي حال من الأحوال.
3- عدم القبول :
يلزم لتمام الركن المادي في الجريمة ألا يقبل الموظف أو المستخدم العرض ولكي يكون هناك عدم قبول يلزم أن يكون قد سبقه علم. ومن هنا كان وصول العرض إلى علم الموظف أو المستخدم شرطاً أساسياً لوجود العرض ذاته . فكما ذكرنا أن العرض يفترض طرفين أحدهما عارض والآخر معروض عليه . وهو لا يكون كذلك إلا إذا علم بالعرض ، ولما كان المشرع اشترط في العرض أن يحصل لموظف أو مستخدم فلا أن يكون العرض قد وصل إلى علم أي من هذين الأخيرين حتى ولو كان العرض قد تم بطريق غير مباشر أي عن طريق شخص آخر . فتقديم هدية للابن لا يعتبر عرضاً إلا إذا علم الأب الموظف بها .
ولذلك إذا سحب العارض عرضه قبل تمام العلم فلا نكون بصدد جريمة عرض كذلك لو قبل الابن الهدية وعندما علم الأب الموظف رفض الهدية وردها فإن جريمة العرض دون القبول تكون تامة رغم الابن الأول.
وعدم القبول يجب أن يصدر عن الموظف ذاته سواء بطريق مباشر أو غير مباشر بمعنى أن التعبير عن عدم القبول يجب أن يجد مصدراً له في إرادة الموظف ذاته حتى ولو كان الذي نقل تلك الإرادة شخص آخر وعليه فإذا صدر عدم القبول من شخص آخر خلاف الموظف ودون علم هذا الأخير فلا نكون بصدد جريمة عرض تامة ولا يمكن أن نكون بصدد شروع كما سنرى بعد قليل . ومثال ذلك أن تقدم هدية لزوجة الموظف فترفضها دون علم زوجها ، فهنا تقوم الجريمة التامة حتى ولو علم الزوج بعد رفضها ووافقها على تصرفها.
تمام الجريمة - والشروع فيها :
هذه الجريمة تعتبر تامة بعرض الوعد أو العطية على الموظف أو المستخدم. وكما رأينا أن سلوك العرض يفترض علم الموظف به ، ودون هذا العلم لا نكون بصدد عرض بمعنى أن السلوك الذي يأتيه الجاني لا يتصف بوصف العرض إلا بوصوله إلى الموظف أو المستخدم، ومن هنا فإن الشروع في الجريمة لا يتصور وقوعه وذلك للأسباب الآتية :
أولاً : أن العرض هو تحريض على الجريمة ولا يتصور الشروع في التحريض ذاته . فالتحريض يفترض وصول وسائله إلى المحرض على ارتكاب الجريمة وبالتالي فجميع الأفعال السابقة على لحظة وصول التحريض إلى المحرض هي أفعال لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة الاعتداء المباشر والحال المكون للشروع . فسلوك التحريض لا يطلق إلا على الوسيلة التي تخاطب فعلاً إرادة المحرض . ومن ناحية أخرى فإن العرض يعتبر بدءاً في تنفيذ الرشوة الثنائية ولا يتصور الشروع في الشروع .
ثانياً : أن القول بتصور الشروع يتناقض مع البنيان القانوني لها ، فالجريمة هي عرض رشوة دون قبولها ، ولذلك فمن التناقض القول بوجود شروع في عرض رشوة دون قبولها ، إذ القبول من عدمه لا يمكن أن يصدر إلا بناء على علم بالعرض ، وهنا كما قلنا إذا توافر العلم ، تعتبر الجريمة تامة .
وعلى ذلك فالشروع غير متصور ولا يمكن تطبيق أحكامه بما فيها العدول الاختياري، يترتب على ذلك أن عرض رشوة على غير الموظف كزوجته أو أحد أبنائه دون قبولها بغير العلم الموظف لا يمكن أن يعد شروعاً في الجريمة معاقباً عليه كذلك أيضاً إذا عرض الجاني رشوة وقبل وصولها إلى علم الموظف عدل عن العرض فلا جريمة في الأمر، ليس تأسيساً على توافر العدول الاختياري وإنما لانعدام السلوك المكون للجريمة وهو العرض الذي لا يقوم قانوناً إلا بعلم الموظف به.
نطاق تطبيق نص المادة 109 مكرر:
أن جريمة عرض الرشوة دون قبولها والمنصوص عليها بالمادة 109 مكرر تنطبق على جميع الفروض التي يجرم فيها المشرع قبول أو أخذ العطية أو الوعد من الموظف على سبيل الرشوة للقيام بعمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة . ولذلك فيحث يتكون الركن المادي في الجريمة من القبول أو الأخذ فإن جريمة عرض الرشوة تقوم إذا لم يقبل الموظف العرض، ذلك أن القبول أو الأخذ يفترض العرض وبالتالي فإذا لم يتم هذا بسبب رفض الموظف نكون بصدد جريمة عرض رشوة، وبناء عليه فإن الجريمة التي نحن بصددها يمكن أن تتوافر بصدد حالات العرض لأداء عمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عن عمل من أعمالها أو الإخلال بواجبات الوظيفة المنصوص عليها بالمادتين 103 ، 104. كما تقوم أيضا بالنسبة لعرض رشوة لاحقة أي لما تم من أعمال أو ما تم من امتناع أو إخلال بواجبات الوظيفة وذلك إذا رفض الموظف المكافأة. كما يمكن توافرها بالنسبة لجنحة الرشوة المنصوص عليها بالمادة 106 عقوبات وذلك إذا عرض الجاني على مستخدم خاص رشوة لم تقبل منه . والأمر كذلك بالنسبة لعرض الرشوة على موظفي ومستخدمي جهات الإدارة الخاصة المنصوص عليها بالمادة 106 مكرر (1). كذلك أيضاً تقوم الجريمة فيما لو عرضت الرشوة على الموظف لاستعمال نفوذه للحصول أو محاولة الحصول على مزية من السلطات العامة . أما جريمة الاستجابة لرجاء أو توصية أو وساطة بالقيامة بعمل من أعمال وظيفته أو بالامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو بالامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو بالإخلال بواجباتها نتيجة للرجاء أو الوساطة أو التوصية ، فلا تقوم جريمة العرض المنصوص عليها بالمادة 109 مكرر بمجرد الرجاء أو الوساطة أو التوصية نظراً لأن هذه الأفعال لا تكون عرضاً لرشوة الانعدام عنصر الفائدة المكون لموضوع السلوك الإجرامي في جريمة العرض كما أن هذه الأفعال لا تعتبر شروعاً في الجريمة للأسباب التي أبديناها في موضعها.
ثانياً : القصد الجنائي:
القصد الجنائي في الجريمة يتكون من العلم وإرادة سلوك العرض، ويتعين أن يحيط العلم بصفة الشخص المعروض عليه الواعد أو العطية وأن يريد الجاني هذا الفعل والنتيجة المترتبة عليه وهي قبول الموظف للعرض. ويجب أن يتوافر لدى الجاني نية خاصة وهي أن يكون العرض بقصد حمل الموظف على القيام بعمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، إلا أن هذه النية لا تكون قصداً جنائياً خاصاً وإنما هي عنصر نفسي داخل في تكوين الركن المادي بحيث إذا انعدمت ينعدم السلوك الإجرامي ذاته، أي لا نكون بصدد فعل عرض لرشوة.
ويتوافر القصد الجنائي حتى ولو كان الجاني لا ينوي تنفيذ الوعد، أو تحفظ عقليا بما يفيد نيته في القبض على الموظف بمجرد قبوله.
فهذا التحفظ العقلي لا ينفي إرادة السلوك وهو العرض بنية القيام بالعمل أو الامتناع عنه. أما كونه يرغب فعلاً في تحقيق العمل أو الامتناع أو لا يرغب في ذلك فهذه الرغبة لا تنفي القصد الجنائي. وعليه فإذا قبل الموظف العرض وقبض عليه نتيجة تواطؤ العارض مع رجال الشرطة فإن العارض يعتبر راشيا ويعفي فقط من العقوبة بناء على الإعفاء المقرر بالمادة 107 مكرر، ولو قلنا بغير ذلك أي أن البواعث الخاصة التي تقف وراء سلوك العارض لها قيمتها في نفي القصد الجنائي لانتهينا إلى نتيجة يستحيل التسليم بها ، وهي أنه إذا قبل الموظف العرض فلن تكون هناك جريمة نظراً لأن القبول يفترض وجود عرض فعلی بنية خاصة والتي بدونها لا يكون هناك عرض لرشوة.
فرق المشرع بالنسبة للعقوبة بين فرصتين :
الأول : حيث يكون العرض حاصلا لموظف عمومي ومن في حكمه. ويعتبر في حكم الموظف العام في هذا الصدد موظفو الشركات العامة المساهمة والجمعيات والمؤسسات والنقابات التي تساهم الدولة في رأس مالها باي نصيب كان، فهؤلاء يخرجون من نطاق المادة 106 مكرر (أ). والعقوبة المقررة للعرض على موظف عام ومن في حكمه هي السجن والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه .
والسجن هنا هو العقوبة الأصلية ، ونظراً لعدم تحديد مدتها فيكون حدها الأدنى ثلاث سنوات والأقصى خمس عشرة سنة، أما الغرامة فهی هنا عقوبة تكميلية وجوبية يتعين الحكم بها إلى جانب السجن .
الثاني : حيث يكون العرض حاصلاً لغير موظف عمومي، ويقصد بذلك المستخدمون في مشروعات خاصة . ويدخل من بين هؤلاء موظفو ومديرو وأعضاء مجالس الشركات المساهمة والجمعيات التعاونية والنقابية والمؤسسات والجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام والذين خصهم المشرع بالمادة 106 مكرر (أ)، وموظفو ومديرو وأعضاء مجالس الشركات المساهمة والجمعيات والمؤسسات . ذلك أن موظفي جهات الإدارة الخاصة ليسوا من الموظفين العموميين في حكم المادة 103، 104. وهنا جعل المشرع العقوبة هي الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تجاوز مائتي جنيه.
ويلاحظ أن العقوبة المقررة لعرض الرشوة على غير الموظفين العموميين ومن في حكمهم هي عقوبة الجنحة ، والحبس لا تزيد مدته على سنتين ، ولم يحدد المشرع حده الأدنى ولذلك فهو لا يقل عن 24 ساعة وفقاً لما تقضى به القاعدة العامة . والغرامة هنا عقوبة أصلية مع الحبس إلا أنها تخييرية . أي يجوز الحكم بها بدلا من الحبس إنما لا يجوز الجمع بينهما.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 220)
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
الركن المعنوي في جريمة الرشوة
قصد المرتشي:
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري: العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبسا بالجريمة.
هل يشترط قصد خاص في الرشوة
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك.
والأصل في سلوك عارض الرشوة أنه لا عقاب عليه إذا لم تقع جريمة الرشوة، إذ يكيف فعل العارض بأنه شروع في اشتراك، والشروع في الإشتراك لا عقاب عليه ومع ذلك فقد ارتأى المشرع أن عرض الرشوة ولو لم تقبل يمثل خطورة يجب درؤها لما يتضمنه من تهديد لنزاهة الوظيفة العامة، وتحريض على إفساد ذمة الموظف، فقرر اعتباره في ذاته جريمة خاصة .
أركان الجريمة:
تقوم جريمة عرض الرشوة على ركنين: مادي، قوامه عرض الرشوة دون قبولها، ومعنوي، يتمثل في القصد الجنائي.
الركن المادي:
يتطلب تحقق الركن المادي قيام عناصر أربعة: فعل عرض الرشوة، اتجاه هذا الفعل إلى شخص ذي صفة معينة، الغرض من الرشوة، ثم عدم قبول العرض.
عرض الرشوة
يقصد بعرض الرشوة كل سلوك يصدر عن الجاني معبراً عن إرادة تقديم العطية إلى الموظف أو وعده بها، ويستوي في هذا السلوك أن يتخذ صورة القول أو الفعل، وأن يكون صريحاً أو ضمنياً، فلا يشترط القانون أن يكون صاحب الحاجة قد عرض الرشوة على الموظف العمومي بالقول الصريح، بل يكفي أن يكون قد قام بفعل الإعطاء أو العرض دون أن يتحدث مع الموظف مادام قصده من ذلك، وهو شراء ذمة الموظف، واضحاً من ملابسات الدعوى وقرائن الأحوال فيها فتقع الجريمة إذا سلم الجاني إلى أحد القضاة مظروفاً على أنه يحوى بعض مستندات القضية الخاصة بعارض الرشوة والمعروضة على هذا القاضي بينما هو في الواقع يحتوي على بعض أوراق النقد كذلك قد يكون العرض مباشرة أو غير مباشر، كما لو سلم أحد متعهدى التوريد للجيش الزوجة الضابط المختص بتسلم البضائع الموردة، مظروفاً ادعى أن به بطاقته بينما هو يحتوي على مبلغ من المال كذلك يستوي في عرض الرشوة أن يكون مطلقاً أو معلقاً على شرط ولكن يشترط – بطبيعة الحال - أن يكون جديا، ولذلك قضى ببراءة المتهم الذي وعد موظفاً بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، استناداً إلى أن هذا العرض أشبه بالهزل منه بالجد.
كذلك يستوي في موضوع العرض أن يكون عطية حالة أو وعداً بها في المستقبل.
صفة المعروض عليه الرشوة:
لا تقوم جريمة عرض الرشوة إلا إذا اتجه فعل العرض إلى ش خص ممن يمكن أن تقع منهم جريمة الرشوة. وعلى ذلك لا تقع الجريمة إلا إذا وجه العرض إلى موظف عام أو من في حكمه وفقا لتحديد المادة 111، أو وجه إلى مستخدم في أحد المشروعات الخاصة ممن نصت عليهم المادتان 106 ، 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات. وإن كان المشرع قد ميز من حيث العقاب بين توجيه العرض إلى الموظف العام، أو إلى غير الموظف العام أي المستخدم ولما كان المشرع قد استهدف بتجريم عرض الرشوة درء خطورة الفعل الذي كان يمكن أن يؤدى إلى وقوع جريمة الرشوة إذا قبل الموظف أو المستخدم العرض، كان مفهوم عرض الرشوة أنه ذات الفعل الذي إذا قبله الموظف وقعت منه جريمة الرشوة، ويعني ذلك أنه يشترط لوقوع جريمة عرض الرشوة أن يتوافر الاختصاص لدى الموظف أو المستخدم بالعمل على النحو الذي سبق تحديده تفصيلاً، وبناء على ذلك فإنه إذا كان من وجه إليه العرض موظفاً عاماً أو من في حكمه تقع الجريمة سواء أكان الموظف مختصاً بالعمل أو الامتناع المطلوب منه أو زاعماً الاختصاص به أو معتقداً ذلك.
وإذا كان عرض الرشوة موجهاً إلى مستخدم في مشروع خاص بحت فإنه يشترط أن يكون مختصاً بالعمل أو الامتناع المطلوب فلا يكفي الوقوعها أن يزعم الاختصاص به أو أن يكون معتقدا أنه مختص، أما إذا كان الموجه إليه عرض الرشوة مستخدما في إحدى الشركات المساهمة أو الجمعيات التعاونية أو ... إلخ ممن نصت عليهم المادة 106 مكرراً (أ) فإنه شأنه شأن الموظف العام، يستوي أن يكون مختصاً فعلاً بالعمل أو زاعماً أو معتقداً خطأ الاختصاص به. ويلاحظ أنه إذا كان عارض الرشوة هو الذي اعتقد خطأ اختصاص الموظف أو المستخدم بالعمل فعرض عليه الرشوة في ضوء هذا الاعتقاد دون أن يكون شرط الاختصاص أو الزعم أو الاعتقاد به قد توافر لدى الموظف فإن جريمة عرض الرشوة لا تقع، ويتحقق هذا الفرض في حالتين: الأولى: إذا كان من عرضت عليه الرشوة ليس موظفاً ولا مستخدماً، كما لو كان فرداً عادياً ينتظر الموظف في مكتبه فاعتقد صاحب الحاجة أنه هو الموظف المختص فعرض عليه الرشوة. والثانية: إذا كان من عرضت عليه الرشوة موظفاً أو مستخدماً ولكنه غير مختص بالعمل ولم يصدر منه ما يعني زعمه الاختصاص بالعمل أو اعتقاده الخاطئ بهذا الاختصاص. في هاتين الحالتين لا تقع جريمة الرشوة.
الغرض من عرض الرشوة
يجب أن يكون الغرض من عرض الرشوة قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته أو مكافأته على ما قام به من الأمور المذكورة. فمادام المشرع قد أطلق لفظ الرشوة في عبارة المادة 109 مكرراً في قوله «من عرض رشوة ولم تقبل منه» فإن هذا اللفظ ينصرف إلى الرشوة سواء عرض الرشوة السابقة أو اللاحقة على أداء العمل أو الامتناع، وسواء كان العمل أو الامتناع حقاً أو غير حق.
عدم قبول الرشوة:
أراد المشرع من تجريم عرض الرشوة أن يكافح الفعل الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتكاب الموظف العام الرشوة، أي أنه أراد أن يجرم الشروع في إرشاء الموظف العام، ولذلك تقع جريمة عرض الرشوة إذا أوقف الفعل أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه، وقد اكتفى المشرع بذكر صورة واحدة لخيبة أثر الفعل هي صورة «عدم قبول الرشوة»، ولكنها تقع، مع ذلك، إذا تم القبض على الفاعل أثناء عرض الرشوة . ويقصد بعدم قبول الرشوة رفض أخذها أو رفض قبول الوعد بها، سواء أكان عدم القبول صريحاً أو ضمنياً كما إذا تظاهر الموظف بقبول العرض لتمكين رجال الضبط من القبض على الجاني متلبساً بالجريمة، إذ العبرة بالإرادة الحقيقية الباطنة، وقد اتجهت إلى رفض العرض.
وإذا تمت الجريمة برفض قبول العرض أو بالقبض على الجاني فإن عدول الجاني عن عرضه عدولاً اختيارياً بعد ذلك لا يكون له أثر على قيام الجريمة، فالعدول الاختياري لا ينتج أثره إلا إذا كان سابقاً على لحظة تمام الجريمة وسابقاً كذلك على لحظة توافر أركان الشروع بوقف الفعل أو خيبة أثره السبب لا دخل لإرادة الجاني فيه وتطبيقاً لذلك فإنه طالما لم يفصح الموظف العام عن قبوله أو عدم قبوله، ولم يخب فعل عارض الرشوة أو يوقف لسبب خارج عن إرادته. فإن للعارض أن يعدل اختياراً عن عرضه وينتج العدول أثره في عدم اعتبار فعله جريمة إذا وصل هذا العدول إلى علم الموظف، ولذلك فإنه إذا رفض الموظف العرض بعد علمه بسحبه لا تقع الجريمة لأنه، وإن توافر عدم القبول، إلا أن العرض لم يعد له وجود. أما إذا لم يصل سحب العرض إلى علم الموظف، فإنه يظل قائماً، فإذا رفضه تمت الجريمة.
والشروع في عرض الرشوة متصور، كما لو كلف الجانی شخصاً بعرض الرشوة على الموظف فقام الأخير بإبلاغ السلطات.
عرض الرشوة درءًا لعمل ظالم:
يثور التساؤل بصدد جريمة عرض الرشوة عما إذا كانت الجريمة تقع في حالة عرض الرشوة درءاً لعمل ظالم يقوم به الموظف؟ مثال ذلك أن يشرع رجل البوليس فى القبض على شخص ناسبا إليه ارتكاب جريمة بينما هذا الشخص برئ من ذلك، فإذا عرض على رجل الشرطة مبلغاً من النقود حتى يتركه وشأنه فرفض، هل يسأل عن جريمة عرض الرشوة؟
يؤدي تطبيق القواعد العامة إلى التفرقة الآتية، إذا كان العمل الظالم الواقع على المتهم يمثل إكراهاً معنوياً بسلب إرادته حرية الاختيار، أو إذا لم يرق العمل الظالم إلى مرتبة الإكراه، وإنما تحققت به حالة الضرورة، بأن عرضه أو عرض غيره لخطر جسيم على النفس دون أن يكون لإرادته دخل في حلوله ولا فى قدرته منعه بطريقة أخرى غير عرض الرشوة، فإن المتهم في كلتا الحالتين يتوافر له مانع من موانع المسئولية الجنائية، فلا يسأل عن جريمة عرض الرشوة، كذلك يبرأ المتهم إذا توافر في العمل الظالم شروط الاعتداء الذي يبيح الدفاع الشرعي فرده بعرض الرشوة وذلك في الحدود وبالقيود التي وضعها المشرع للدفاع الشرعي. فإذا لم يتوافر للمتهم حالة من الحالات السابقة لا يكون هناك ما يحول دون مساءلته عن جريمة عرض الرشوة، لا سيما وأن هذه الجريمة تقع ولو كان الغرض منها أن يمتنع الموظف عن القيام بعمل ولو كان غير حق.
الركن المعنوي:
جريمة عرض الرشوة جريمة عمدية، فلا يتخذ الركن المعنوي فيها غير صورة القصد الجنائي، ويقتضي توافر القصد أن يكون الجاني عالماً بأن الشخص الذي يعرض عليه الرشوة موظفاً عاماً أو مستخدماً في مشروع خاص، وبأنه مختص بالعمل المطلوب في النطاق الذي سلف تحديده، وأن تتجه إرادته إلى عرض الرشوة عليه لحمله على القيام بعمل أو امتناع يدخل في نطاق أعمال وظيفته أو على الإخلال بواجباتها. ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد بذاتها توافره.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 37).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 189 ، 190
(مادة 372)
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ألفي جنيه - كل من عرض رشوة على موظف عام لم يقبلها منه وتكون العقوبة الحبس إذا كان العرض حاصلاً لأحد ممن ورد ذكرهم بالمادتين (366)، (368) من هذا القانون.
(مادة 374)
يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.