موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،
من المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 63 لسنة 1975:
جريمة التربح في صورتها الواردة في المشروع تتسع لتشمل حالة كل موظف علم أيا كان وجه نشاطه يحصل أو يحاول الحصول لنفسه أو لغيره بدون حق على ربح من عمل من أعمال وظيفته وقد روعي في صياغة النص أن يكون تربح الموظف مؤثم على إطلاقه و أن يكون تظفيره غيره بالربح محل عقاب إن كان قد حدث بدون حق ومن المعلوم أن النشاط الإجرامي للجاني يتحقق سواء حصل على فائدة من ربح أو منفعة أو حاول الحصول عليها ولما كانت المحاولة لا ترقى إلى مرتبة الشروع فإن النشاط الإجرامي للجاني يتحقق في حالة لمحاولة ولو لم تصل أفعاله إلى مرتبة البدء في التنفيذ.
وتقع الجريمة كذلك سواء حصل الموظف لنفسه على الربح أو المنفعة أو حاول الحصول على أي منهما بطريق مباشر أو غير مباشر ولايشترط لتحقق هذا النشاط أن يحصل الجاني بالفعل على الربح أو المنفعة أثناء مباشرته العمل المكلف به بل يستوي أن يحصل على الربح أو المنفعة بعد الانتهاء من هذا العمل أو أن يكون الحصول على أي منهما رهنا بتنفيذ اتفاق لم ينفذ بعد أو أن يأمل الموظف في الحصول على الربح أو المنفعة دون أن يتحقق أمله
شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية
ورد في المذكرة الإيضاحية للنص أنه «تقع الجريمة كذلك سواء حصل الموظف لنفسه على الربح أو المنفعة أو حاول الحصول على أي منهما بطريق مباشر أو غير مباشر ، ولا يشترط لتحقق هذا النشاط أن يحصل الجاني بالفعل على الربح أو المنفعة أثناء مباشرته العمل المكلف به ، بل يستوي أن يحصل على الربح أو المنفعة بعد الإنتهاء من هذا العمل أو أن يكون الحصول على أي منهما رهنا بتنفيذ إتفاق لم ينفذ بعد ، أو أن يأمل الموظف في الحصول على الربح أو المنفعة دون أن يتحقق أمله ». وورد فيما كذلك أنه « يجب لوقوع الجريمة أن يكون الحصول على الربح أو محاولة الحصول عليه من عمل من أعمال الوظيفة ، سواء كان ذلك في مرحلة تقرير العمل الذي يستغله الموظف أو في مرحلة المداولة في اتخاذه أو عند التصديق عليه أو تعديله على نحو معين أو تنفيذه أو إبطاله أو إلغائه » .
ورد في المذكرة الإيضاحية للنص أنه « من المعلوم أن النشاط الإجرامي للجاني يتحقق سواء حصل على فائدة من ربح أو منفعة أو حاول الحصول عليها ، ولما كانت المحاولة لا ترقى إلى مرتبة الشروع ، فإن النشاط الإجرامي يتحقق في حالة المحاولة ، ولو لم تصل أفعاله إلى مرتبة البدء في التنفيذ ». وتفسير « المحاولة » بأنها تعني أفعالا لا ترقى إلى مرتبة الشروع محل نظر ، إذ يعني ذلك العقاب على العمل التحضيري، وهو ما تأباه السياسة التشريعية الحديثة ، خاصة وأن الأخذ بالمذهب الشخصي في تحديد مدلول « البدء في التنفيذ »یعنی التوسع فيه بحيث لا يعود دونه سوى العمل التحضيري . والقول بوجود مرحلة متوسطة بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ ، هي المحاولة غير مقبول ، إذ هذه المرحلة غير متصورة عقلا عند الأخذ بالمذهب الشخصي . لذلك نرى تفسير لفظ المحاولة في معنى الشروع .
ورد المذكرة الايضاحية للنص انه ( من الجدير بالذكر انه لا عبرة بقيمة المنفعة التى يتم الحصول عليها او تقع المحاولة للحصول عليها ، فيستوى ان يكون للمنفعة مظهر مالي او اقتصادي او ان تحقق فائدة اعتبارية.
الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016،
جريمة التربح تتسع لتشمل حالة كل موظف أيا كان وجه نشاطه يحصل أو يحاول الحصول لنفسه أو لغيره بدون حق على ربح من عمل من أعمال وظيفته. وقد كانت المادتان 115 و 116 القديمتان تشترطان صفات معينة في الموظف العام، وهو ما تشترطه المادة 115 الجديدة.
شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،
وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون تعليقا على المادة 115أنه: «قد حلت الصياغة الواردة في المشروع للمادة 115 من قانون العقوبات محل المادتين 115، 116 من قانون العقوبات في صياغتهما الحالية مع التوسعة في مجال إعمالها بتحريرها من القيود الواردة في المادتين سالفتي الذكر، وعلى ذلك فإن جريمة التربح في صورتها الواردة في المشروع تتسع لتشمل حالة كل موظف أيا كان وجه نشاطه يحصل أو يحاول الحصول لنفسه أو لغيره بدون حق على ربح من عمل من أعمال وظيفته».
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 63 لسنة 1975 عن المادة 115 أن: النشاط الإجرامي يتحقق سواء حصل الموظف على فائدة من ربح أو منفعة أو حاول الحصول عليها، ولما كانت المحاولة لا ترقى إلى مرتبة الشروع، فإن النشاط الإجرامي للجانى يتحقق في حالة المحاولة ولو لم تصل أفعاله إلى مرتبة البدء في التنفيذ»
(الطعن رقم 1078 لسنة 53 جلسة 1983/05/30 س 34 ص 700 ق 141)
2- انتحال الوظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعتبر تداخلاً فيها إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها وهو يتحقق بالاحتيال والمظاهر الخارجية التى يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولو لم يقم بعمل من أعمالها . وكان من المقرر كذلك أن عناصر الركن المادى لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات هى التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أنه يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أم اجتماعية أم سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع . وأن تكون الغاية من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها على مزية أياً كانت شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق ، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التداخل فى وظيفة عمومية لمجرد انتحاله صفة رئيس نيابة دون أن يستظهر الأعمال الإيجابية التى صدرت من الطاعن والتى تعتبر افتئاتاً على الوظيفة أو يبين ما أتاه الطاعن من احتيال ومظاهر خارجية من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفته وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولم يستظهر كذلك عنصرى التذرع بالنفوذ والسبب لجريمة الاتجار بالنفوذ فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم. (الطعن رقم 30615 لسنة 72 جلسة 2003/07/21 س 54 ص 796 ق 105)
3- استهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوماً. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات. وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة.
(الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)
4- متى كانت الجريمة التي رفعت بها الدعوى على المتهم وجرت المحاكمة على أساسها هي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات، والخاصة باستغلال النفوذ وهي تختلف فى أركانها وعناصرها القانونية عن جريمة الرشوة - القائمة على الاتجار بالوظيفة - التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة على النحو المتقدم ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها إسباغاً للوصف القانوني الصحيح لتلك الأفعال، وإنما هو فى حقيقته تعديل فى التهمة ذاتها يتضمن إسناد عنصر جديد إلى الواقعة التي وردت فى أمر الإحالة هو الاتجار بالوظيفة على النحو الوارد فى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وهو تغيير لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى ويشترط تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.
(الطعن رقم 1606 لسنة 38 جلسة 1968/10/07 س 19 ع 3 ص 807 ق 158)
5- لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من أى دليل على أنه زعم أن له إختصاصا بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله ، ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى تتوافر به عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و لئن أخطأ الحكم فى تطبيقه المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، إلا أن العقوبة التى قضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن .
(الطعن رقم 1704 لسنة 39 جلسة 1971/11/01 س 21 ع 1 ص 49 ق 11)
6- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)
7- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .
(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190)
8- عناصر الركن المادى للواقعة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات الخاصة بإستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو محاولة الحصول على حكم أو قرار ، هو التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أن يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانه رياسية أو إجتماعية أو سياسية و هو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع.
(الطعن رقم 3286 لسنة 54 جلسة 1985/11/21 س 36 ص 1035 ق 189)
جريمة استغلال النفوذ:
الجريمة المنصوص عليها بالمادة 106 مكرراً عقوبات تسمى جريمة استغلال النفوذ واستغلال النفوذ جناية إذا وقع من موظف عمومي أو من في حكمه وجنحة إذا وقع من فرد عادي.
والفعل المادي المكون الاستغلال النفوذ هو كالفعل المادي المكون للرشوة ينحصر في أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدًا أو عطية فمجرد طلب العطية أو مجرد قبولها يحقق الركن المادي ولو لم تؤخذ العطية بالفعل، وإنما يختلف الركن المادي في استغلال النفوذ عنه في الرشوة من ناحية أن الفاعل في طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية لا يلزم أن تتوافر فيه صفة الموظف أو المستخدم بل يجوز أن يكون فرداً عادياً، كما أنه في حالة کونه موظفًا لا يكون طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية ملحوظًا فيه أن يقوم الموظف بعمل أو امتناع داخلين في حدود وظيفته بل يستخدم نفوذًا له حقيقيًا أو مزعومًا لدى السلطة العامة.
ويجب لتحقق الجريمة أن يستند الفاعل في طلب أو أخذ الوعد أو العطية على نفوذ له حقيقي أو مزعوم، والزعم بالنفوذ يتحقق بمطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية.
وتتم الجريمة بحصول الفعل المادي في إحدى صوره الأخذ والقبول أو الطلب للعطية أو الوعد بها مقابل الحصول أو محاولة الحصول من أية سلطة عامة على مزية من أي نوع للراشي حتى ولو لم يستعمل الجاني النفوذ فعلاً في تنفيذ الغرض الذي تناول العطية من أجله وتتم مساهمة الراشي بتقديمه العطاء أو الوعد يقبل منه أو بقبوله تقديمه بناء على طلب الطرف الآخر.
وجريمة استعمال النفوذ من الجرائم العمدية و يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد وعناصره هي العلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الإدعاء بالنفوذ الموهوم والعلم بنوع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك وبأن الاختصاص بمنحها هو لسلطة عامة وطنية ويتطلب القصد بعد ذلك اتجاه الإرادة إلى فعل الأخذ أو القبول أو الطلب، وليس من عناصر القصد أن تتجه ارادة إلى بذل الجهود من أجل الحصول على المزية التي وعد بها فتقول الجريمة ولو كانت إرادة الجاني متجهة منذ البداية إلى عدم بذل جهد في هذا الشأن والاستيلاء مع ذلك على مال من يعد باستغلال نفوذ لمصلحته.
عقوبة الجريمة :
يعاقب المستغل لنفوذه - إذا كان من أحاد الناس بالحبس وغرامة لاتقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى العقوبتين فإذا كان موظفًا أو ممن يعتبرون في حكمه وفقًا للمادة 111 عقوبات فإنه يعاقب بعقوبة المرتشي المنصوص عليها بالمادة 104 والمصادرة وجوباً للعطية والعزل بقوة القانون کجزاء تبعي والحرمان من الحقوق المنصوص عليها في المادة 25 عقوبات ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمتجر بنفوذه ويعفى كل منهما من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها (المادة 107 مكرر عقوبات) أما إذا رفض صاحب النفوذ ما عرض عليه صاحب الحاجة فإنه تطبق على كل من عارض الفائدة والوسيط أحكام المادة 106 مكررًا عقوبات.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 226)
كان العقاب على استغلال النفوذ في القانون المصري قاصراً على الاتجار بالنفوذ الحاصل من ذي الصفة النيابية دون ما عداه حتى صدر القانون رقم 96 لسنة 1953 فجعل عامة كل من يستغل نفوذه سواء كان من ذوي الصفة النيابية أو موظفاً عاماً أو من آحاد الناس. المتميز بين استغلال النفوذ والرشوة.
التمييز بين استغلال النفوذ والرشوة:
يلاحظ أن هذه الجريمة تختلف عن جريمة الرشوة في وجهين:
الأول: لا يشترط القانون صفة معينة في الجاني، فيجوز أن يرتكب إستغلال النفوذ أي فرد من آحاد الناس، غير أنه جعل من صفة الموظف العام أو ما في حكمه ظرفاً مشدداً للعقاب في جريمة الرشوة.
الثاني: لا يرمي مستغل النفوذ إلى القيام بنفسه بالعمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة و إنما يرمي إلى مجرد استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم لحمل الموظف على القيام بعمل معين، فالجاني هنا غير مختص ولا يزعم الاختصاص ولا يعتقد خطأ به كما يشترط في الرشوة ولكنه يسلم لعدم اختصاصه ويتذرع بنفوذه لدى السلطة العامة لتنفيذ العمل المطلوب.
الركن المادي :
يتحقق الركن المادي في جريمة استغلال النفوذ بطلب الجاني أو أخذ عطية أو قبوله وعدا بها سواء كان ذلك لنفسه أو لغيره، لاستعمال نفوذه في الحصول أو محاولة الحصول على ميزة أو فائدة من المنصوص عليها في نص المادة التي نحن بصددها وعلى هذا فالركن المادي في جريمة استغلال النفوذ متعدد العناصر، وأول هذه العناصر الصورة التي يتحقق بها، وهي الطلب أو القبول أو الأخذ ولا يختلف مدلول هذه الصور في جريمة استغلال النفوذ عن مدلولها في جريمة الرشوة العادية، فلا فرق بين الجريمتين فيما يتعلق بصور الركن المادي في كل منها، كذلك لا يوجد فارق بين الجريمتين فيما يتعلق بموضوع الطلب أو القبول أو الأخذ إذ يجب أن ينصب هذا السلوك على عطية أو وعد بها على النحو السابق بيانه عند التعرض لجريمة الرشوة العادية ويستوي أن يكون الطلب أو القبول أو الأخذ قد تم من الجاني ذاته أو تم بواسطة الغير، كما يستوي أن يكون الطلب أو الأخذ للجاني نفسه أو لغيره، ويتحقق الركن المادي بالطلب أو القبول أو الأخذ، فلا يشترط إجتماع هذه الصور، والطلب يحقق الجريمة تامة ولو رفضه صاحب المصلحة، فالطلب الذي لم يصادف قبولاً لا يعد شروعاً في الجريمة بل يكفي لتمامها.
وينبغي أن ينزع الجاني بنفوذه كسند يعتمد عليه بطلب أو أخذ العطية أو قبول الوعد بها، لكن يستوي أن يكون للجاني نفوذ حقيقي أو لا يكون له نفوذ على الإطلاق وإنما أوهم صاحب المصلحة بأن له هذا النفوذ، فقد سوى المشرع بين حالة وجود النفوذ فعلاً وحالة الزعم بوجوده وليس بلازم أن يكون زعيم النفوذ بادعائه صراحة، وإنما يكفي أن يكون ضمنياً مستفاداً من الظروف، أي أن يكون سلوك الجاني منطوياً ضمنياً على زعم منه بهذا النفوذ.
كما لا يشترط أن يكون زعم النفوذ مدعماً بمظاهر خارجية تحمل صاحب المصلحة على الاعتقاد فيه، وإنما يكفي مجرد الادعاء بوجود النفوذ حقيقيًا أو مزعومًا.
ولا يتطلب القانون أن يكون مستغل النفوذ موظفًا عامًا، ومن ثم فمن الجائز أن يكون المتهم صاحب النفوذ الحقيقي غير موظف على الإطلاق، وقد يزعم غير الموظف أن له نفوذا على خلاف الحقيقة.
ونص المادة التي نحن بصددها واضح في دلالته على هذا المعنى، فهو لم يستعمل - على خلاف النصوص الأخرى - تعبير كل موظف عمومي ....، وإنما أطلق عبارته بنصه على كل من طلب ......... ومن ثم قد يكون مستغل النفوذ الحقيقي أو المزعوم غير موظف، يدعي أن له نفوذا على الموظف المختص بالعمل، مثال ذلك الأب الذي يمكن أن يمارس على أبنه الموظف نفوذاً حقيقياً.
وينبغي لقيام الركن المادي لجريمة استغلال النفوذ أن يكون أخذ العطية أو طلبها أو قبول الوعد بها، لاستعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للجاني، من أجل الحصول على ميزة أو فائدة أو محاولة الحصول عليها لصاحب المصلحة في ذلك.
وقد تطلب القانون أن تكون الميزة أو الفائدة الموعود بها مطلوبة من أي سلطة عامة، بشرط أن تكون سلطة وطنية لا سلطة أجنبية أو جهة خاصة.
وفيما يتعلق بالمزايا التي يحاول المستغل لنفوذه أن يحصل عليها من السلطة العامة، يلاحظ أنها غير محصورة، وما ورد منها في نص المادة التي نحن بصددها لم يرد على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال، بدليل أن هذا النص قد أردف بيان المزايا أو الفوائد التي ذكرها بعبارة "أو أية ميزة من أي نوع ............
وليس بلازم لقيام الجريمة أن يحقق الجاني المستغل لنفوذه وما وعد به ويحصل على الميزة أو الفائدة التي أوهم صاحب المصلحة بقدرته على تحقيقها له، بل تقوم الجريمة تامة ولو لم يوفي الموظف بما وعد به بسبب إخفاقه في تحقيق الوعد لأي سبب من الأسباب، من أجل هذا سوى المشرع بين الحصول ومحاولة الحصول على الميزة، ولو لم تنجح المحاولة، ويعني ذلك أن المشرع قد سوى في العقاب بين الجريمة التامة والشروع فيها خروجاً على القواعد العامة في عقاب الشروع في الجنابية .
لكن يلاحظ أن عدم نجاح مستغل النفوذ في مسعاه لا ينبغي أن يرجع إلى استحالة تحقيق الميزة المطلوبة إستحالة مطلقة، إذ في هذه الحالة لا يكون هناك وجود الميزة المطلوبة.
ويعني ذلك اشتراط إمكان تحقيق الميزة التي هي غاية الزعم بالنفوذ، فإن كانت مستحيلة التحقيق عملاً، امتنع قيام هذه الجريمة، مثال ذلك: أن يوهم شخص شخصًا آخر بأنه سيعينه في وظيفة رئيس الجمهورية أو يوهمه بأنه سيعينه في وظيفة في محافظة ليس لها وجود بين محافظات الجمهورية، ومن الممكن أن تشكل هذه الوقائع جريمة النصب إذا توافرت أركانها.
الركن المعنوي :
الجريمة التي نحن بصددها جريمة عمدية يتعين لوقوعها توافر القصد الجنائي العام ولا يشترط فيها أن تتجه نية الجاني إلى استعمال النفوذ الذي تذرع به.
العقوبة:
يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين هذا فضلاً عن المصادرة وفقاً المادة (10) وتشدد العقوبة إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه وفقاً للمادة (111) عقوبات لتصبح العقوبة المنصوص عليها في المادة (104) عقوبات وهي الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به .(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 326 )
الركن المادي:
يشترط التطبيق هذه الجريمة أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يأخذ وعداً أو عطية من أجل استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة. وقد بحثنا في جريمة الرشوة المقصود بالطلب أو القبول أو الأخذ، وحددنا معنى الوعد أو العملية، فيرجع إلى ما سبق أن بيناه في هذا الصدد.
و نقتصر في هذا المجال على إيضاح ما تتميز به هذه الجريمة من عناصر، وهي:
(1) التذرع بالنفوذ.
(2) الغرض من الفعل، وهو ما عبرنا عنه بالسبب .
وهما عنصران في الركن المادي لجريمة استغلال النفوذ.
التذرع بالنفوذ:
لا يشترط للتذرع بالنفوذ أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو في حكمه، فهذه الصفة - كما سبق أن بينا - لیست شرطاً مفترضاً في الجريمة، وإنما مجرد ظرف مشدد للعقاب، ويشترط لتوافر هذه الجريمة أن يتذرع الجاني بنفوذ معين كمقابل لطلب الرشوة أو أخذها، يستطيع باستعماله الحصول أو محاولة الحصول على ميزة من سلطة عامة.
وقد يكون النفوذ حقيقياً مثل طلب الرشوة لاستعمال نفوذ حقيقي للحصول على ترخيص من سلطة عامة التسجيل المبيدات دون اتباع الإجراءات القانونية، بل يكفي أن يكون مزعوماً سواء كان يعلم الجاني بعدم توافره أو يعتقد به خطا، فقد قدر الشارع أن الجاني حين يتجه بالنفوذ الموهوم يجمع بين الغش والإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة والجهات الخاضعة لاشرافها.
ولا يشترط أن يزعم الجاني النفوذ صراحة، فإذا توجه إليه صاحب الحاجة متوهما أن لديه نفوذ معين لدى إحدى السلطات العامة وعرض عليه عطية مقابل استعمال هذا النفوذ الوهمي، فأخذ الجاني العطية واعدا إياه باستعمال هذا النفوذ، فإن ذلك الفعل ينطوي ضمناً على زعم منه بهذا النفوذ وأن تقاضية الرشوة لم يكن إلا بناء على هذا النفوذ المزعوم. والواقع من الأمر أن إثبات الزعم متروك لمحكمة الموضوع وفقا لوقائع كل دعوى.
ولا يشترط كذلك للتذرع بالنفوذ أن يكون قد استعمل الوسائل الاحتيالية الإيهام صاحب الحاجة، فمجرد الكذب يتوافر به الزعم المطلوب. على أنه يشترط للتذرع بالنفوذ أن يقوم الجاني بعمل إيجابي لإدخال التأثير في روع من يتعامل معه من أية سلطة عامة، فلا تقع الجريمة إذا لم يتوافر هذا العمل على الإطلاق أو لم يثبت توافره، ولو كان ممثل السلطة العامة قد أعطى للجانية مزية من أي نوع.
الغرض من الفعل :
يشترط أن يكون تذرع الجاني بالنفوذ بغرض الحصول أو محاولة الحصول من أية سلطة عامة أو أية جهة خاضعة لاشرافها على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع أياً كانت. ومثال ذلك في القضاء المصري التذرع بالنفوذ للحصول على ترخيص بقيادة السيارة أو الحصول على حكم معين أو مد الأجل المحدد لإحدى عمليات المقاولات.
ويجب أن يكون الهدف من استغلال النفوذ القيام بعمل حقيقي ممكن، فإذا كان العمل المقصود وهمياً أو غير ممكن التحقق فلا تقع الجريمة، وإنما نكون بصدد جريمة النصب متى توافرت أركانها. مثال ذلك أن يوهم الشرطي أحد الأشخاص - خلافاً للحقيقة - بأنه متهم بجريمة معينة وأن ثمة تحقيقاً يدور بشأنه وأنه سوف يستغل نفوذه لدى المحقق لحفظ التحقيق. في هذا المثال يكون العمل وهميا ولا تقع جريمة استغلال النفوذ.
ويشترط أن يكون السعي المطلوب لدى سلطة عامة، فلا تقع جريمة استغلال النفوذ إذا كان السعي لدى جهة خاصة. ويعد في حكم السلطة العامة كل جهة خاضعة لاشرافها (المادة 106 مكرراً) ويراد بالسلطة العامة في هذا الصدد السلطة الوطنية، فلا مجال لتطبيق نص المادة 106 مكرراً على السعي لدى سلطة أجنبية وهذا هو ما قضي به في فرنسا وأيده الفقه الفرنسي. كما أنه لا محل لتطبيق هذه المادة إذا كان النفوذ الذي يتذرع به الجاني لدى منظمة دولية. ومع ذلك تقع الجريمة إذا كان الجاني يتذرع بنفوذه لدى سلطة عامة مصرية تمثل مصر لدى المنظمة الدولية أو السلطة الأجنبية.
والفرض أن يكون لهذه السلطة العامة وجود قانوني، فإذا استغل الجاني جهل المجني عليه وأوهمه أنه بإمكانه استغلال نفوذه لدى سلطة عامة وهمية - اعتبرت الواقعة نصباً إذا توافرت سائر أركان هذه الجريمة. ولا تقوم الجريمة إذا تذرع الجاني بنفوذه الحقيقي أو المزعوم فأخذ عطية اعتماداً على هذا النفوذ إذا لم يقصد بذلك الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة. كما تعد الواقعة نصباً إذا كانت الغاية من التذرع بالنفوذ الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لاشرافها على مزية أياً كانت بشرط أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً.
الركن المعنوي:
هذه جريمة عمدية يتعين لوقوعها توافر القصد الجنائي العام، ولا يشترط فيها أن تتجه نية الحالي إلى استعمال النفوذ الذي تذرع به. وآية ذلك أن المشرع قد ساوى بين النفوذ الحقيقي والنفوذ المزعوم، مما يفيد ضمناً أنه يستوي لديه أن تتجه نية المانية الحقيقية إلى استعمال نفوذه الحقيقي أو ألا يتجه إلى ذلك، كما في حالة التذرع بالنفوذ المزعوم. يضاف إلى ذلك أن الاستعمال الفعلي للنفوذ ليس عنصراً في الركن المادي للجريمة.
العقوبة:
يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، هذا فضلاً عن المصادرة وفقاً للمادة 110، وشدد العقوبة في حالتين:
(1) إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه وفقاً للمادة 111 عقوبات، وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 عقوبات، وهي السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به.
(2) إذا كان الغرض من استغلال النفوذ ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد، كالتزوير في محرر رسمي، فيتعين الحكم بالعقوبة المقررة لهذا الفعل ولو لم تكن الجريمة ذات العقوبة الأشد قد وقعت فعلاً (المادة 108 عقوبات). وعلة ذلك أن القانون قد اعتبر جريمة استغلال النفوذ في حكم جريمة الرشوة، كما نص عليه قبل أن يورد نص المادة 109 المذكورة مما يتعين انسحابه على الجرائم السابقة عليه والتي تعد في حكم الرشوة.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 406).
علة تجريم رشوة المستخدمين في المشروعات الخاصة هي الأهمية الإقتصادية والإجتماعية التي بلغتها المشروعات الخاصة - أو مع بعضها على الأقل – في المجتمع الحديث وهذه الأهمية فرضت على الشارع الحرص على نزاهة أعمالها تمكينا لها من أداء دورها الإجتماعي وتشترك هذه الرشوة مع الرشوة العادية في أغلب أركانها، وأهم موضع للإختلاف بينهما أن صفة المرتشي كموظف عام غير متطلبة في رشوة المستخدمين في المشروعات الخاصة .
جريمة استغلال النفوذ :
تمهيد : نص الشارع على تجريم استغلال النفوذ في المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التي قضت بأن « كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من هذا القانون إن كان موظفاً عمومياً، وبالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط في الأحوال الأخرى ويعتبر في حكم السلطة العامة كل جهة خاضعة لاشرافها .
الفرق بين الرشوة واستغلال النفوذ و الفرق بين الجريمتين أن الرشوة اتجار في عمل وظيفي في حين أن استغلال النفوذ هو إتجار في سلطة حقيقية أو موهومة للجاني على المختص بالعمل الوظيفي ونتيجة لهذا الفارق، فقد كان من أهم أركان الرشوة إختصاص المرتشي بالعمل الوظيفي (أو ما يعدل الإختصاص الفعلى من زعم به أو اعتقاد خاطىء به، في حين أن استغلال النفوذ يفترض انتفاء الإختصاص (وما يعدله من زعم أو اعتقاد خاطيء)، بل أن مستغل النفوذ قد لا يكون على الإطلاق موظفًا عامًا.
علة تجريم استغلال النفوذ :
علة هذا التجريم أن الفعل يتضمن إساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة : فالجاني يوحي إلى صاحب الحاجة أن السلطات العامة لا تتصرف وفقاً للقانون وبروح من الحيدة والموضوعية، وإنما تتصرف تحت سطوة ما له من نفوذ عليها، وحين يكون النفوذ حقيقياً فالجاني يسيء استغلال السلطة التي خولها له القانون، فبدلاً من استعمالها من أجل الهدف الذي خوله القانون إياها، يستعملها وسيلة إلى الإثراء غير المشروع؛ وحين يكون النفوذ موهوما فهو «حينئذ يجمع بين الغش أو الاحتيال والإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة والجهات الخاضعة لاشرافها».
أركان جريمة استغلال النفوذ و تقوم جريمة استغلال النفوذ على رکنین : رکن مادی و رکن معنوی .
فالركن المادي مركب العناصر ومتنوعها، إذ يقوم بفعل الأخذ أو القبول أو الطلب، ولهذا الفعل موضوعه وهو الوعد أو العطية، وله سنده من النفوذ الحقيقي أو المزعوم، وله هدفه وهو الإيهام بإمكان الحصول على إحدى المزايا التي أشار الشارع إلى أمثلة لها أما الركن المعنوي فصورته القصد .
الأخذ أو القبول أو الطلب النصب على وعد أو عطية: تحدد هذه الصور للفعل الإجرامي والموضوع الذي تنصب عليه وفق ذات القواعد التي يحدد بها الركن المادي في الرشوة، فلا فرق بين الجريمتين في شأن هذه الماديات . وتطبيقا لذلك، فإن مجرد طلب المتهم وعداً أو عطية لاستغلال نفوذه ورفض صاحب الحاجة طلبه تقوم به جريمة تامة، لا مجرد شروع فحسب.
التبرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم : هذا التذرع يمثل السند الذي يعتمد عليه المتهم في أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية، فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة في أن يستعمل لمصلحته ذلك النفوذ . وفي حالة التذرع بالنفوذ الحقيقي، فالفرض الغالب أن المتهم موظف عام غير مختص بالعمل الذي يطلبه صاحب الحاجة، ولكن له سلطة رئاسية على الموظف المختص، وله تبعاً لذلك سلطة الأمر والتوجيه عليه، ومن مجموعة ذلك يتكون النفوذ الذي يعد بتسخيره لمصلحة صاحب الحاجة ومن الجائز أن يكون المتهم صاحب النفوذ الحقيقي غير موظف على الإطلاق : ذلك أنه لا محل - إزاء إطلاق نص القانون - الإشتراط أن يكون للنفوذ طابع رسمی، فكل أنواع النفوذ سواء، ومن الممكن في هذا الصدد القول بأن للأب على ابنه الموظف، ولأحد الزوجين على زوجة الموظف نفوذا حقيقيا . أما في حالة النفوذ المزعوم، فالفرض أنه ليس للمتهم نفوذ على الموظف المختص، ولكنه يوهم صاحب الحاجة بأن له هذا النفوذ، ويدخل في نطاق هذه الحالة أن يكون له عليه نفوذ محدود، فيوهم صاحب الحاجة بأن نفوذه عليه كبير، إذ يعد القدر الزائد من النفوذ نفوذاً مزعوماً ولا يشترط تدعيم النفوذ بمظاهر خارجية، فمجرد الإدعاء الشفوي أو الكتابي به كاف والأصل في التذرع بالنفوذ ادعاؤه صراحة، ولكن ذلك ليس شرطاً، « بل يكفي أن يكون سلوك الجاني منطوياً ضمناً على زعم منه بهذا النفوذ.»
الحصول أو محاولة الحصول على مزية من أية سلطة عامة: يعد الحصول أو محاولة الحصول على مزية من أية سلطة عامة غاية التذرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم . فالجاني يحاول إيهام المجنى عليه بأنه سيحقق له - عن طريق نفوذه الحقيقي أو المزعوم - مثل هذه المزية . وقد ذكر الشارع أمثلة لهذه المزايا، فأشار إلى «الحصول على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة ». وقد جاء هذا البيان من الإتساع بحيث يشمل كل مزية يمكن الحصول عليها من السلطات العامة، وهذا البيان قد ورد مع ذلك على سبيل المثال بدليل إرداف الشارع له بعبارة « أو أية مزية من أي نوع »، ويمكن - على سبيل التأصيل - تعريف المزية بأنها « كل قرار صادر عن سلطة عامة في مصلحة صاحب الحاجة ومن الأمثلة القضائية لفكرة المزية : العمل على حفظ تحقيق قضائي أو إداري أو سیاسی، والعمل على نقل موظف، والإعفاء من الخدمة العسكرية، وإلغاء قرار بالإبعاد، ومنح الجنسية الوطنية، والحصول على قرار بالعفو عن عقوبة كلها أو بعضها، والحصول على أمر بالإفراج الشرطي.
وعلى الرغم من هذا التوسع في تحديد معنى المزية، فثمة قيدان يردان عليها فيشترط أن يكون الحصول على المزية من سلطة وطنية، فيخرج من نطاق النص استغلال النفوذ للحصول على مزية من سلطة أجنبية ولكن ليس بشرط أن تكون السلطة جزءاً من الحكومة المركزية، وإنما يجوز أن تكون « جهة خاضعة لإشرافها »، فيدخل في نطاق ذلك الهيئات اللامركزية باعتبارها خاضعة لوصاية الدولة، ويتعين من ناحية ثانية أن تكون المزية التي يستهدفها الزعم بالنفوذ ممكنة التحقيق، وأن يكون للسلطة التي يفترض فيها أن تخول هذه المزية وجود حقیقی فيخرج من نطاق النص من يوهم آخر بأنه سيعينه في وظيفة في محافظة ليس لها وجود بين التقسيمات الإدارية للجمهورية.
الركن المعنوي في جريمة استغلال النفوذ :
يتخذ هذا الركن صورة القصد، وعناصره هي العلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الإدعاء بالنفوذ الموهوم، والعلم بنوع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك، وبأن الإختصاص بمنحها هو لسلطة عامة وطنية ويتطلب القصد بعد ذلك إتجاه الإرادة إلى فعل الأخذ أو القبول أو الطلب وليس من عناصر القصد ان تتجه إرادة الجاني إلى بذل الجهود من أجل الحصول على المزية التي وعد بها، فتقوم الجريمة ولو كانت إرادة الجاني متجهة منذ البداية إلى عدم بذل جهد في هذا الشأن والاستيلاء مع ذلك على مال من يعد باستغلال نفوذه صحته.
عقوبة جريمة استغلال النفوذ :
إذا كان الجاني موظفاً عاماً وقعت عليه العقوبة التي تنص عليها المادة 104 من قانون العقوبات، أي السجن المؤبد وضعف الغرامة المقررة للرشوة . أما إذا كان غير موظف، تقويته الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، وعلة هذه التفرقة في العقاب أن الموظف العام يحمل أمانة السهر على ثقة جمهور الناس في الوظيفة العامة، تین صدر الإخلال عنه كان وزره أشد.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 62)
والمصلحة المراد حمايتها بالنص السابق تتمثل في المحافظة على حسن سير العمل بجهة الإدارة وعدم استغلال الوظيفة العامة وما تمنحه من نفوذ في عرقلة النشاط الوظيفي، وذلك إذا كان الجاني موظفًا عموميًا، واحترام جهة الإدارة ودعم الثقة بأنشطتها المختلفة أن كان النفوذ مزعوماً أو كأن الجاني من غير الموظفين العموميين.
العناصر المكونة للجريمة .
الركن المادي :
إن هذه الجريمة لا تتطلب في فاعلها صفة خاصة، وإنما جعل المشرع من توافر صفة الموظف العام في الفاعل ظرفاً مشدداً للعقوبة ولذلك لا تدخل صفة الجاني كعنصر من عناصر التكوين القانوني للجريمة. والركن المادي للجريمة يقوم على سلوك الطلب أو الأخذ أو القبول لعطية أو وعد بها، وأن يكونا لمقابل للعطية أو الوعد بها ليس أداء عمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة وإنما قيام الجاني باستعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم لدى الموظف المختص للحصول على خدمة أو مزية من سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها.
على ذلك فالركن المادي المكون للواقعة على التجريم يقوم على العناصر الآتية :
أولاً : سلوك من الجاني يتمثل في طلب أو أخذ أو قبول.
ثانياً : أن ينصب هذا السلوك على عطية أو وعد بها.
ثالثاً : أن تكون العطية مقابلاً لاستعمال الجاني لنفوذه الحقيقي أو المزعوم.
رابعاً : أن يكون استعمال النفوذ هو للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها على مزية من أي نوع كان.
ويلاحظ أنه بالنسبة للعنصرين الأول والثاني فإن ما سبق بيانه في خصوص الرشوة صالح للجريمة التي نحن بصددها. ولذلك سنقتصر على دراسة العنصرين الثالث والرابع.
استعمال النفوذ كمقابل للعطية أو الوعد بها :
تقوم جريمة استعمال النفوذ إذا كان المقابل للوعد أو العطية ليس القيام بعمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة كما هو الشأن في الرشوة. وإنما يكون في الأحوال التي يكون فيها المقابل هو استغلال نفوذ الجاني. وفي هذا تفترق الرشوة عن استغلالها النفوذ من حيث الواقعة المكونة للجريمة. حقا انه في حالة ما إذا كان الجاني موظفاً عمومياً فإن استغلال يشكل إخلالا بواجبات الوظيفة، إلا أن هذه الجريمة تختلف عن الرشوة في أن الإخلال بواجبات الوظيفة يشكل في الرشوة الغاية من السلوك بينما استغلال النفوذ أن شكل إخلالاً بواجبات الوظيفة إلا أنه يعتبر وسيلة لتحقيق غرض آخر أخذه المشرع بعين الاعتبار في التكوين القانوني للجريمة، وهذا الفرض هو الحصول على مزية من سلطة عامة لا يحققها مجرد الإخلال المتمثل في استغلال النفوذ. ولذلك فإن جريمة استغلال النفوذ حيث يكون الجاني موظفاً عاماً، يتضمن واقعة الرشوة المنصوص عليها في المادة 104ويضاف إليها عناصر أخرى تخصصها وهي أن يكون الإخلال لمصلحة الراشي أو من يعينه على مزيد من أي نوع كان. ولذلك أيضاً يعتبر نص استغلال النفوذ هو نص خاص بالنسبة لنص الرشوة. وترتيبا على ذلك فلا يمكن أن تتعدد جريمة الرشوة المنصوص عليها بالمادة 104 مع جريمة استغلال النفوذ المنصوص عليها بالمادة 106 مكرراً إنما يطبق الأخير إعمالاً لقواعد حل التنازع بين النصوص وليس إعمالاً لقواعد التعدد المعنوي.
ويقصد بالنفوذ التأثير الذي يمكن أن يمارسه الجاني على الموظف المختص بالعمل الذي يحقق مزية أو خدمة من أي نوع كان أو على الجهاز المنوط به ذلك. وسواء أكان هذا التأثير مستمد من وظيفة يشغلها الجاني أو من صلات شخصية تربطه بالقائمين على الجهاز.
ويستوي بالنسبة للجريمة أن يكون النفوذ السابق حقيقية أو أن يكون مزعومة أي لا يتفق والواقع إنما يقوم فقط في ذهن الجاني أو في ذهن الراشي. فالجريمة تقوم حتى ولو كان الجاني يعلم بعدم تمتعه بأي نفوذ إلا أنه زعم توافر هذا النفوذ أو ترك الغير يعتقد بذلك.
كما يستوي أن يتم استغلال النفوذ بسلوك إيجابي من الجاني أم بسلوك سلبي يتمثل في ترك الغير لاستغلال اسمه لدى السلطة العامة أو الجهات الخاضعة لإشرافها، مع علمه بذلك.
(ب) أن يكون استعمال النفوذ هو للحصول أو لمحاولة الحصول من سلطة عامة على مزية من أي نوع :
إن جريمة استغلال النفوذ تتطلب نية خاصة بالسلوك الإجرامي وهي أن يكون المقابل للعطية أو الوعد بها هو استعمال النفوذ، الحقيقي أو المزعوم، للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع. ويستوي أن تكون المزية مادية أو معنوية، ولكن يلزم أن تكون المزية محددة أو قابلة للتحديد.
وقد ساوى المشرع بين أستغلال النفوذ للحصول أو لمحاولة الحصول على أية مزية كانت. فالجريمة تقع كاملة حتى ولو كان الجاني قد وعد باستغلال نفوذه لمحاولة الحصول على المزية أو الخدمة، كما يستوي أن تكون المزية للراشي أو لشخص آخر يعينه .
ويلزم أن يكون استغلال النفوذ لدى سلطة عامة. ويقصد بذلك أجهزة الدولة المختلفة وهيئاتها العامة، كما يعتبر في حكم السلطة العامة جميع الجهات الخاضعة لإشراف الدولة أو إحدى هيئاتها العامة، ولذلك يدخل في هذا المجال الجهات التي تساهم الدولة في أموالها بأي نصيب کان، وكذلك الجمعيات التعاونية والنقابات المنشأة طبقاً للقواعد المقررة قانونا والمؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام.
وقت تمام الجريمة :
تقع الجريمة كاملة في ركنها المادي بمجرد تمام فعل الطلب أو الأخذ او القبول للعطية أو الوعد بها مع توافر النية الخاصة بالسلوك وهی استغلال النفوذ الحقيقي أو المزعوم، لدى سلطة عامة للحصول أو لمحاولة الحصول على المزية المطلوبة.
ولا يشترط قيام الجاني باستغلال نفوذه فعلاً أو محاولته ذلك، بل تقع الجريمة كاملة حتى ولو كان الجاني يقصد عدم القيام باستغلال نفوذه. ولذلك فإن هذه الجريمة يمكن أن تشكل عناصر جريمة النصب إلا أننا لا نكون بصدد تعدد معنوي و إنما بصدد تنازع ظاهري بين النصوص يتم حله عن طريق تطبيق النص الخاص وهو في هذه الحالة النص المتعلق باستغلال النفوذ.
الركن المعنوي للجريمة :
يقوم الركن المعنوي لجريمة استغلال النفوذ على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، والعلم يجب أن ينصرف إلى العناصر المكونة للواقعة الإجرامية فيلزم أن ينصرف علم الجاني إلى أن العطية أو الوعد بها هي مقابل لاستغلال نفوذه للحصول أو لمحاولة الحصول على مزية من أي نوع. كما يلزم أن يحيط علم الجاني بأن الجهة التي يسعى للحصول على المزية منها هي سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، ويجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الطلب أو الأخذ أو القبول، ولكن لا يلزم اتجاه إرادته إلى تحقيق ما وعد به الجاني من استغلال نفوذه للحصول أو لمحاولة الحصول على المزية المطلوبة.
أما نية المرافقة للطلب أو الأخذ أو القبول والمتمثلة في استغلال النفوذ للحصول أو لمحاولة الحصول على المزية فهي ليست قصداً خاصاً وإنما تشكل عنصراً نفسيا للسلوك الإجرامي لتمييزه عن غيره من أنماط السلوك الأخرى المتماثلة معه في مكوناتها المادية.
المساهمة الجنائية في الجريمة والتعدد مع غيرها من الجرائم :
أن جريمة استغلال النفوذ هي جريمة ثنائية في غير أحوال الطلب، ولذلك فإن الراشي يعتبر مساهماً ضرورياً فيها . كذلك أيضاً يعاقب وصف المساهمة كل من توافرت لديه نية التداخل في الجريمة
وحقق سلوكا يندرج تحت وصف التحريض أو الاتفاق أو المساعدة سواء للراشي أو المرتشي. وإذا كانت المزية قد اشترطت لشخص ثالث خلاف الراشي فإنه يكون مساهما في الجريمة إذا باشر تحريضاً أو اتفاقاً أو مساعدة وذلك بالتطبيق للقواعد العامة في المساهمة، ومن ناحية أخرى قد تتعدد هذه الجريمة مع جريمة الرشوة المرتكبة من الغير أو مع جريمة الاستجابة لرجاء أو توصية أو وساطة، إذا قام الجاني برشوة الموظف المختص بمنح المزية أو توسط لديه، غير أنه يلاحظ في حالة قيام الجاني برشوة الموظف المختص بمنح المزية أو توسط لديه، غير أنه يلاحظ في حالة قيام الجاني بتنفيذ ما وعد به من استغلال النفوذ لدى الجهة المختصة فإن مرتكب جريمة استغلال النفوذ هو فقط الذي يكون مساهمة في جريمة الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة دون غيره من المساهمين الآخرين. وذلك لأن واقعة المساهمة في الجريمة الثانية وهي الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة، وكل ما هنالك من خلاف ينحصر في أن المشرع يجرم المساهمة في استغلال النفوذ بغض النظر عن تحقق النتيجة والتي تمثلها الجريمة الثانية وهي الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة ولذلك فإن تحققها لا يؤثر على مركز المساهم باعتبارها متضمنة بالضرورة في فعل المساهمة. ومعنى ذلك أننا لا نكون بصدد تعدد معنوي بين الجرائم وإنما بصدد تنازع ظاهرى بین النصوص. ويلاحظ أنه في حالة المكافأة اللاحقة لاستغلال النفوذ وبدون اتفاق سابق لا نكون إلا بصدد جريمة واحدة وهي الخاصة بالمكافأة اللاحقة والمنصوص عليها بالمادة 105 عقوبات.
عقوبة الجريمة :
فرق المشرع في المادة 106 مكرراً بین ما إذا كان الجاني موظفاً عمومياً وبين الأحوال الأخرى التي لا يتمتع الجاني فيها بتلك الصفة.
أولاً: إذا كان الجاني موظفاً عمومياً، أي يندرج تحت طائفة من الطوائف التي عددتها المادة 111 عقوبات، فإن المشرع يعتبره في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة المقررة في المادة 104 عقوبات، وذلك باعتبار أن مقابلة العطية أو الوعد بها والمتمثل في استغلال النفوذ هو في جوهره يعتبر إخلالاً بواجبات الوظيفة، وعليه فإن العقوبة في هذا الفرض تكون هي السجن المؤبد بوصفها عقوبة أصلية بالإضافة إلى عقوبة الغرامة النسبية والتي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن ضعف ما أعطى أو وعد به، وذلك كعقوبة تكميلية وجوبية.
ثانياً : إذا كان الجاني لا يتمتع بصفة الموظف العام، وفقاً للمادة 111 عقوبات، فإن العقوبة المقررة للجريمة تكون هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. ومعنى ذلك أن الواقعة تعتبر جنحة يعاقب عليها بالحبس والغرامة على سبيل الجمع أو التخيير حسبما ترى المحكمة في ظروف الواقعة. والغرامة هنا هي عقوبة أصلية يمكن التحكم بها منفردة.
ويطبق على الراشي والوسيط ذات العقوبة المقررة قانوناً للجريمة بحسب الأحوال، كما يتمتع كلاهما بمانع العقاب في حالة أخبار السلطات أو الاعتراف بالجريمة، على التفصيل السابق بيانه بصدد جريمة الرشوة. وفي جميع الأحوال يحكم أيضاً بالمصادرة كعقوبة تكميلية وجوبية طبقاً للمادة 110 عقوبات.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 203)
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشيًا، وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة، ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
الركن المعنوي في جريمة الرشوة
قصد المرتشي:
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري : العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقدا أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.
هل يشترط قصد خاص في الرشوة :
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك.
أركان الجريمة :
يتطلب المشرع لقيام هذه الجريمة أركاناً ثلاثة، صفة الجاني، والركن المادي، والركن المعنوي.
صفة الجاني :
الفرض في الجاني أنه مستخدم في هيئة خاصة، فكان الأصل أن يخضع ارتشاؤه لنص المادة 106 ع، ومع ذلك فقد ارتأى المشرع أن لبعض الهيئات الخاصة دورا هاما في نطاق الاقتصاد القومي مما يقتضي أن يحيطها المشرع بحماية أكبر، وكان من مظاهر هذه الحماية أن شدد العقوبة عن جريمة الرشوة التي تقع من المستخدم في هذه الهيئات عن عقوبة رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت (المادة 106) بحيث أصبحت جناية. ولم يقتصر تمييز المشرع جريمة المادة 106 مكرراً (أ) عن رشوة المستخدم في المشروع الخاص على شدة العقوبة، وإنما امتد التمييز إلى عدة مجالات ابتعدت بهذه الجريمة عن رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت بقدر ما اقتربت بها من جريمة رشوة الموظف العام. وهذا التمييز بين الجريمتين يلقي الضوء على أهمية تحديد الهيئات التي يخضع المستخدم فيها لهذا التشديد، فالجناية التي نصت عليها المادة 106 مكرراً (أ) لا تقع إلا من شخص توافرت فيه صفة معينة، هي أن يكون مستخدما في إحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً، أو بإحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام. وتحديد صفة الجاني يقتضي البحث في أمرين: ما المقصود بالمستخدم؟ ثم ما المقصود بالهيئات التي حددها النص؟ فيما يتعلق بتحديد معنى المستخدم نحيل إلى ما سبق ذكره فيما يتعلق بصفة الجاني في رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت أما الهيئات التي حددها المشرع فهی:
أولاً: الشركات المساهمة، ويعني ذلك ألا يخضع لهذا النص المستخدم في شركة أخرى كشركة تضامن أو شركة توصية بالأسهم، وإنما يسرى عليه نص المادة 106 السابق بيانه، كما يخرج من نطاقها الشركات التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما، فهذه يعتبر مستخدموها في حكم الموظفين العامين (م 111 ع).
ثانياً: الجمعيات التعاونية، ويقصد بها الجمعيات التعاونية المملوكة للأفراد وتخضع لإشراف الدولة. ويعني ذلك استبعاد الجمعيات التعاونية التي تنشئها الدولة، كالجمعيات التعاونية التابعة للمؤسسة العامة الاستهلاكية، فهذه يعتبر مستخدموها في حكم الموظفين العامين طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 111 ع.
ثالثاً: النقابات المنشأة طبقًا للقواعد المقررة قانونًا، وهذا التحديد قصد به المشرع أن يميز بين نوعين من النقابات: الأول النقابات التي تنشئها الدولة وتخولها قدرًا من السلطة العامة وتهدف بها إلى تحقيق مصلحة عامة، وهذه تعتبر مؤسسات عامة ويعتبر العاملون فيها موظفين عموميين، ولذلك يخرج هذا النوع من نطاق النص محل البحث، والنوع الثاني من النقابات هو النقابات التي ينشئها الأفراد ولا يكون لها قبل أعضائها سلطات القانون العام، ومثالها نقابات العمال. وهذا النوع هو الذي يخضع مستخدموه لنص المادة 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، يؤيد ذلك أن المادة المذكورة قد عبرت عن النقابات بقولها «المنشأة طبقاً للقواعد المقررة قانوناً» ولا يثور البحث فيما إذا كانت النقابة منشأة للقواعد المقررة قانوناً أم لا إلا إذا كانت من النقابات التي ينشئها الأفراد دون الدولة.
رابعاً: المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانونًا ذات نفع عام، وهی تعتبر ذات نفع عام إذا استهدفت تحقيق مصلحة عامة، وأسبغ عليها القانون صفة النفع العام، على أن يستبعد من هذا النطاق مستخدمو المؤسسات والجمعيات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب، إذ يعتبر هؤلاء في حكم الموظفين العموميين طبقًا للمادة 111 ع.
ويلاحظ أنه قد يكون من بين المستخدمين السابق بيانهم من يعتبر في ذات الوقت مكلفًا بخدمة عامة، فيعتبر حينئذ في حكم الموظف العام طبقًا للمادة 111 ع وتوقع عليه، إذا ارتكب الرشوة، العقوبة المقررة لرشوة الموظف العام .
وقد سوى المشرع بالنسبة لرشوة المستخدم في الشركات المساهمة وما إليها - كما هو الشأن في رشوة الموظف العام - بين أن يكون المستخدم مختصاً بالعمل المطلوب منه أو أن يكون زاعما اختصاصه به أو معتقداً خطأ اختصاصه به. وفي ذلك تختلف جناية رشوة المستخدم في الشركات المساهمة وما يلحق بها عن جنحة المستخدم في المشروع الخاص البحت المادة 106)، حيث يشترط المشرع أن يكون مختصاً بالعمل المطلوب منه أداؤه أو الامتناع عنه.
الركن المادي:
قوام الركن المادي في هذه الجريمة هو ذات العناصر التي سبق تحديدها بصدد رشوة الموظف العام، فيتمثل الفعل في الطلب أو الأخذ أو القبول الذي يكون موضوعه العطية أو الوعد بها. ويتحقق الركن المادي بهذا العمل دون توقف على رضاء الهيئة الخاصة التي يعمل بها المستخدم، وتختلف هذه الجريمة في هذا الصدد عن جريمة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
كذلك تقع الجريمة ولو لم ينفذ المستخدم العمل أو الامتناع أو الإخلال المطلوب منه، بل ولو كان يقصد وقت الفعل عدم القيام بالعمل أو عدم الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات وظيفته، وذلك على غرار ما سبق بيانه متعلقاً برشوة الموظف العام، بينما توافر قصد عدم القيام بالعمل يمنع قيام رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
كذلك يعاقب المشرع على الرشوة أو المكافأة اللاحقة حيث يكون الطلب أو الأخذ أو القبول لاحقًا لأداء العمل أو للامتناع عنه أو للإخلال بواجبات الوظيفة إذا كان بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق، بينما هذا الفعل لا يشمله تجريم رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
الركن المعنوي:
يتخذ الركن المعنوي في هذه الجريمة صورة القصد الجنائي العام وفقاً للتحديد الذي سلف بيانه فيما يتعلق برشوة الموظف العام. ويكتفي به المشرع فلا يتطلب قصداً خاصاً كذلك الذي يتطلبه في جريمة رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
العقوبة :
يعاقب المشرع على هذه الجريمة بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ما أعطى للجاني أو وعد به. هذا بالإضافة إلى وجوب الحكم بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة وفقاً للمادة 110 عقوبات.
ويعاقب بذات العقوبة كل من الراشي والوسيط باعتبارهما شريكين في الجريمة (المادتان 41، 107 مكرراً من قانون العقوبات)، كما يستفيد الراشي أو الوسيط من مانع العقاب إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها (م 107 مكرراً).
ويعاقب على الشروع في هذه الجريمة بغير نص لأنها جناية.
التمييز بين استعمال النفوذ والرشوة:
تتميز جريمة استعمال النفوذ عن جريمة الرشوة من ناحيتين: الناحية الأولى: أنه لا يشترط في مرتكبها - كما هو الشأن في الرشوة- أن يكون موظفاً عاماً، ولا أن يكون مستخدماً في أحد المشروعات الخاصة، وإنما تقع جريمة استعمال النفوذ من أي فرد، وليس لصفة الجاني أي تأثير إلا من حيث العقاب حيث يشدده المشرع إذا كان الجاني موظفاً عاماً.
الناحية الثانية، أن الغرض من جريمة استعمال النفوذ يختلف عن الغرض من جريمة الرشوة، فبينما يكون في الرشوة أداء الموظف عملاً أو امتناعه عن عمل، سواء أكان ذلك داخلاً في اختصاصه أو كان يزعم أو يعتقد الاختصاص به، نجد الغرض من جريمة استعمال النفوذ هو مجرد استعمال ما له من نفوذ حقيقي أو ما يزعم من نفوذ للحصول أو لمحاولة الحصول على مزية من أي نوع لدى سلطة عامة أو من جهة خاضعة الإشرافها، فالجاني هنا لا يدعى القيام بالعمل المطلوب بنفسه؛ كما لا يكون مختصاً به ولا زاعماً أو معتقداً الاختصاص به، وإنما يستعمل نفوذه الحقيقي أو المزعوم لحمل موظف على القيام بالعمل المطلوب .
أركان الجريمة :
تقوم جريمة استعمال النفوذ على ركنين: مادی و معنوی:
الركن المادي :
يتمثل الركن المادي لجريمة استعمال النفوذ في طلب أو أخذ أو قبول عطية أو وعد، بهدف استعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم ابتغاء الحصول أو محاولة الحصول على مزية ما من سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، يتبين من هذا التحديد أن الركن المادي يتكون من عدة عناصر:
1- الفعل الإجرامي، وهو يتخذ صورة الطلب أو الأخذ أو القبول الذي ينصب على عطية أو وعد بها، ويخضع الفعل وموضوعه لنفس التحديد الذي سبق تفصيله بصدد جريمة الرشوة.
2- التذرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم: فالجاني يستند في طلبه أو أخذه أو قبوله للوعد أو العطية إلى ما له من نفوذ على الموظف الذي بيده تحقيق مصلحة صاحب الحاجة. سواء أكان هذا النفوذ حقيقياً أم مزعوماً. ولما كان المشرع لم يشترط وقوع الجريمة من موظف عام، فإن النفوذ الذي يتمتع به الجاني قد يكون رسمياً كما إذا كان الجاني موظفاً عاماً فيستمد النفوذ من صفته. وقد يكون غير رسمي إذا كان الجاني غير موظف ومع ذلك كان وضعه الاجتماعي، أو علاقته الشخصية، يجعل له نفوذاً على بعض الموظفين. وأما إذا كان الجاني لا يتمتع بنفوذ حقيقي وإنما يزعم ذلك فإن مجرد الادعاء الكاذب بوجود النفوذ يكفي لتحقق الركن المادي، ولا يشترط أن يدعمه الجاني بمظاهر خارجية، بحيث يرقى إلى مرتبة الطرق الاحتيالية، أما إذا دعم الكذب بمظاهر خارجية بحيث يكون فعل الاحتيال فإن فعله تقوم به جريمتا النصب واستعمال النفوذ، فتوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد وفقاً للمادة 32/ 1 من قانون العقوبات، وهي عقوبة استعمال النفوذ. كذلك يتحقق الزعم بالنفوذ سواء كان الجاني يعلم بعدم توافره أو كان يعتقد خطأ بتوافره.
وليس بشرط أن يكون الاستناد إلى النفوذ عن طريق ادعائه صراحة، بل يكفي أن يكون سلوك الجاني منطوياً ضمناً على زعم منه بهذا النفوذ مثال ذلك أن يتوهم صاحب الحاجة أن للجاني نفوذاً لدى إحدى السلطات العامة فيعرض عليه عطية مقابل أن يستعمل نفوذه لدى هذه السلطة فيأخذها الجاني واعداً بتنفيذ هذه الرغبة.
3- الغرض من الفعل: يجب أن يكون الغرض من الفعل هو استعمال النفوذ للحصول أو محاولة الحصول على مزية من أي نوع من أية سلطة عامة أو من أية جهة خاضعة لإشراف السلطة العامة، مثال ذلك الحصول على ترخيص بقيادة السيارات، أو التوصل إلى إصدار حكم لصالح شخص معین، أو لنقل صاحب الحاجة إلى جهة أخرى فيشترط لتحقق هذا العنصر أن يكون التعهد بالحصول أو محاولة الحصول على المزية عن طريق استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم، فلا تقوم الجريمة إذا كان التعهد بغرض السعي للحصول على المزية دون استعمال ما له أو ما يدعيه من نفوذ. كذلك يشترط لتوافر هذا العنصر أن يكون استعمال النفوذ لدى سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، وهذا الشرط يبرره أن المشرع أراد بتجريم استعمال النفوذ حماية الثقة في أعمال السلطة العامة والجهات الخاضعة لها. وبناء على ذلك فإن الجريمة لا تقوم إذا كان استعمال النفوذ لدى هيئة خاصة غير خاضعة لإشراف السلطة العامة. ومن البديهي أن المقصود بالسلطة العامة السلطة الوطنية، وعلى ذلك فلا قيام للجريمة إذا استعمل المتهم نفوذه لدى سلطة غير وطنية كالسفارات الأجنبية.
ويشترط أخيراً أن تكون السلطة التي يراد الحصول منها على المزية لها وجود فعلي، وأن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق، فإن كانت السلطة وهمية، أو كانت المزية غير ممكنة، أمكن أن تقوم بهذا الفعل جريمة النصب إذا توافر سائر أركانها.
وقد ذكر المشرع بياناً لما يستهدف الحصول عليه باستغلال النفوذ، ومع ذلك فإن ما ورد في هذا البيان لم يرد على سبيل الحصر، وإنما يعتبر مجرد أمثلة للمزايا، يدل على ذلك ما ذكره المشرع في نهاية هذا البيان من قوله «أو أية مزية من أي نوع».
ويكتفي المشرع لتحقق الجريمة يكون الغرض من التذرع بالنفوذ هو الحصول أو محاولة الحصول على المزية، فلا يشترط أن يستعمل النفوذ فعلاً، ومن باب أولى لا يشترط الحصول على المزية.
الركن المعنوي:
يتخذ الركن المعنوي لجريمة استغلال النفوذ صورة القصد الجنائي الذي يلزم لتوافره أن تتجه إرادة الجاني إلى أخذ العطية أو طلبها أو قبول الوعد بها، وأن يكون عالما بأن الغرض منها الحصول على مزية ما من سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، وذلك عن طريق استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم. ولا يشترط أن تكون نية الجاني قد اتجهت إلى استعمال نفوذه ومحاولة الحصول على المزية، بل تقوم الجريمة ولو كانت إرادة الجاني قد اتجهت وقت الفعل إلى عدم استعمال نفوذه لمصلحة صاحب الحاجة. يؤيد ذلك أن المشرع قد سوى بين النفوذ الحقيقي والمزعوم، ولا شك أن الجاني الذي يزعم نفوذاً ليس له لا يتصور أن تتجه نيته إلى استعمال نفوذ غير موجود في الحقيقة.
العقوبة :
ميز المشرع في تحديد العقوبة بين الموظف العام وغيره، فإذا كان الجاني موظفاً عاماً وقعت عليه عقوبة الرشوة المشددة المنصوص عليها في المادة 104 ع وهي السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن ضعف ما أعطى للجاني أو وعد به. بالإضافة إلى مصادرة المال موضوع العطية طبقا للمادة 110 ع. ويلاحظ أن الفرض عند تشديد العقوبة أن يكون الموظف قد تذرع بنفوذ مستمد من صفته كموظف عام، فإذا كان النفوذ المتذرع به مستمداً من علاقة صداقة أو قرابة لا شأن لها بصفة الموظف اعتبر فرداً عادياً فلا توقع عليه العقوبة المشددة .
وإذا كان الجاني فرداً عادياً، اقتصر عقابه على الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، فضلاً عن مصادرة العطية.
ويرجع تشديد العقوبة على الموظف العام إلى أنه أمين على حماية الثقة في وظيفته، فإذا استغل النفوذ المستمد منها لقاء عطية أو وعد كان إثمه أكبر من إثم الفرد العادي.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 37)
التربح
نصت على جريمة التربح المادة 115 من قانون العقوبات في قولها « كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه ، أو حصل أو حاول أن يحصل لغيره ، بدون حق على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالسجن المشدد .
تفترض هذه الجريمة أن الجاني موظف عام ، ويحمل على هذا النحو أمانة السعي إلى تحقيق المصلحة العامة في نزاهة وتجرد غير مبتغ لنفسه أو غيره ربحاً أو منفعة ، ولكنه يخون هذه الأمانة ، فيستغل إختصاصات وظيفته ليحصل (أو يحاول الحصول) لنفسه أو لغيره على ربح أو منفعة وليس من عناصر هذه الجريمة أن ينال الدولة ضرر ، وإن كان ذلك هو الوضع الغالب .
علة التجريم: علة التجريم السياسية هي أن الموظف يجمع بين صفتين لا يجوز الجمع بينهما، وهذا الجمع من شأنه إهدار المصلحة العامة : فاختصاصه الوظيفي يفرض عليه السهر على المصلحة العامة ومباشرة « الرقابة » على من يتعاقدون مع الدولة أو يؤدون عملاً لحسابها ؛ فإذا قام بالعمل بنفسه ، سواء ظاهراً أو مستتراً؛ أو عهد به إلى ش خص يريد أن يحقق له ربحاً أو منفعة ، أي ربط بين العمل وبين مصلحته الخاصة أو المصلحة الخاصة لشخص آخر ، فإنه لن يستطيع أن يؤدي واجبه في الرقابة الذي يفرضه عليه إختصاصه ، وإنما يحابي مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة ، إذ يستحيل أن يكون مراقباً لنفسه ومراقباً من نفسه في ذات الوقت ومن ناحية ثانية ، فإن اختصاصه الوظيفي الذي أساء استغلاله يتيح له أن يحقق ربحاً يزيد عما كان يحققه مقاول أو مورد عادی ، وذلك حتماً على حساب المصلحة العامة وفي النهاية ، فإنه يدخل مع جمهور المقاولين والموردين في منافسة غير متكافئة ، إذ يستطيع بفضل ما لديه من معلومات وظيفية ، وما يحوزه من سلطات أن يتفوق عليهم دون سند مشروع.
أركان التربح : تتطلب هذه الجريمة صفة خاصة في مرتكبها؛ وركناً مادياً ، عنصره الجوهري هو الحصول أو محاولة الحصول على ربح أو منفعة من عمل من أعمال الوظيفة ؛ وركن معنوي يتخذ صورة القصد.
صفة الجاني :
صفة الجاني ذات شقين : فمن ناحية يتعين أن يكون موظفاً عاماً ؛ ومن ناحية ثانية يتعين أن يكون مختصاً بالعمل الذي حصل أو حاول أو يحصل منه على ربح أو منفعة .
فصفة الموظف العام تحدد وفقاً للمدلول الذي نصت عليه المادة 119 مکرراً من قانون العقوبات .
أما اشتراط اختصاصه بالعمل الذي تربح منه فمستخلصه من قول الشارع أن حصوله أو محاولته الحصول على الربح كان « من عمل من أعمال وظيفته » . ويحدد عنصر « الإختصاص » وفقاً للقواعد العامة : فيجوز أن يكون الإختصاص بناءً على قانون أو لائحة أو قرار إداري أو تكليف كتابي أو شفوي من رئيس مختص ولا يشترط أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل الذي تربح منه ، وإنما يكفي أن يكون مختصاً بجزء منه ، وأي قدر من الإختصاص ، ولو يسير ، يكفي وتستوي الصورة التي يتخذها اختصاصه بالنسبة للعمل : فقد يختص باتخاذ القرار في شأنه أو إبداء الرأي فيه أو يختص بتنفيذه مباشرة ، أو إدارة تنفيذه ، أو مجرد الإشراف عليه.
فإذا انتفت عن الجاني صفته فلا يرتكب هذه الجريمة ، ولو حصل لنفسه أو غيره على ربح : فإذا لم يكن موظفاً على الإطلاق ، أو كان موظفاً ولكن لا إختصاص له بالعمل الذي تربح منه ، وإنما أقحم نفسه بما لا شأن له به ، فهو لا يرتكب هذه الجريمة .
والعبرة بتوافر هذه الصفة في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الذي تقوم به الجريمة ولكن إذا لم يكن المتهم موظفا وقت أن تعهد بالقيام بالعمل لحساب الدولة ، أو كان موظفاً ولكن لا شأن له بذلك العمل ، ثم صار مختصاً به بعد أن عين موظفاً أو عدل اختصاصه ، فلم يعتذر عن الإستمرار في القيام بهذا العمل ، وأتى فعل التربح ، فإنه يرتكب الجريمة ، إذ قد اجتمع الإختصاص وفعل التربح ، بما يحقق هذا الركن للجريمة .
الركن المادي للتربح: يقوم الركن المادي للجريمة بكل فعل حصل به الجاني أو حاول به الحصول لنفسه على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته ؛ وبكل فعل حصل أو حاول أن يحصل لغيره « دون حق »على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته .
ويتضح بذلك أن للركن المادي لهذه الجريمة صورتين : حصول الجانى لنفسه على ربح أو منفعة أو محاولته ذلك ؛ وحصول الجاني لغيره على ربح أو منفعة أو محاولته ذلك في الصورة الأولى يستوي أن يكون الحصول أو محاولة الحصول على الربح أو المنفعة بحق أو بغير حق ؛ وفي الصورة الثانية يتعين أن يكون ذلك بغير حق وعلة هذه التفرقة أنه لا يجوز للموظف أن يحصل لنفسه على أي مغنم شخصی (أو يحاول ذلك) من أعمال وظيفته ، ذلك أنه يتعين عليه أن يباشر أعمال وظيفته بتجرد و تنزه عن أية مصلحة خاصة له ، أي أن يتحرى المصلحة العامة وحدها فالفكرة الأساسية في التجريم في هذه الصورة للجريمة هي حظر أن يجمع الموظف بين رعاية مصلحتين : إحداهما عامة والأخرى خاصة، وبينهما تعارض غالب وتطبيقا لذلك ، فإن أي فعل يجعل به الموظف لنفسه مصلحة خاصة في توجيه المصلحة العامة يكفى لقيام الجريمة ، أي أن كل فعل يتحرى به الجاني نفعاً خاصاً عبر العمل العام الذي كلف به يكفي التحقيق الجريمة ولا يحول دون قيام الجريمة - بناءً على ذلك - أن يكون ما حصل عليه الموظف معادلاً لما كان يحصل عليه شخص آخر يقوم بذات العمل لحساب الدولة ؛ وفي تعبير آخر ، فإنه لا يصلح دفاعاً له قوله إن ما حصل عليه من ربح أو منفعة يعادل ، بل ويقل عما قدمه من مواد أو بذله من جهد .
أما الصورة الثانية ، أي حصول الموظف لغيره على ربح أو منفعة أو محاولته ذلك ، فيشترط لقيام الجريمة أن يكون ذلك « بغير حق»، أي أن يكون قد مكنه من الحصول على مزية لا يستحقها ، مثال ذلك الموظف الذي يرسي العطاء على شخص لم يكن عطاؤه أفضل العروض التي قدمت للإدارة ، كأن يرسي المهندس المختص بالإشراف على إحدى العمليات العطاء على مقاول تقدم بعرض لم يكن أقل العروض سعراً أو أفضلها من حيث المواصفات لكي يحقق له ربحا دون حق ؛ أو الموظف المنوط به بيع مال للدولة الذي يرسي المزاد على شخص لم يكن هو الذي عرض أعلى سعر لكي يحقق له ربحاً دون حق أما إذا مكن الموظف الغير من الحصول على منفعة أو ربح ، دون أن ينطوي ذلك على وجه لعدم المشروعية ، أي كان حصول الغير على ذلك بحق ، فلا جريمة في ذلك ، لأن من طبيعة الأمور أن من يتعامل مع الدولة كمقاول أو مورد أو مشتر ، إنما يهدف إلى الحصول على ربح ، وإلا ما سعى إلى التعامل معها ، وما كلف نفسه ما قدمه من مواد أو بذله من جهد.
والفعل الذي تقوم به الجريمة هو كل فعل « من شأنه تحقيق ربح أو منفعة » ، ويتسع هذا الفعل لكل نشاط إيجابي أو موقف سلبي (امتناع) يجعل به الجاني لنفسه أو لغيره مصلحة دون حق في العمل الوظيفي وليس من اليسير حصر أصناف هذا الفعل ، وإنما ضابطه الوحيد أن من شأنه تحقيق ربح أو منفعة والفصل في إنطباق هذا الضابط القاضي الموضوع ، وعليه أن يضع في إعتباره الظروف الخاصة بكل حالة وسواء أن يكون العمل تحضيرياً أو تنفيذياً ؛ نهائياً أو قابلاً للمراجعة ، بل أنه قد يكون استعمالاً السلطة تقديرية على نحو كان إستهداف المصلحة الخاصة هو الدافع إليه وسواء أن يأتي الموظف فعله على نحو مكشوف وباسمه الشخصي ، أو أن يستتر خلف اسم آخر ، لشخص حقیقی أو وهمي.
وتقوم الجريمة بالحصول فعلا على الربح أو المنفعة أو مجرد محاولة ذلك . وتأصيل ذلك يقتضي القول بأن للجريمة حالتين : حالة تفترض تحقق نتيجة ، وسجل ذلك أن يحصل المتهم لنفسه أو لغيره علي الربح أو المنفعة ؛ وحالة تفترض عدم تحقق نتيجة ، وكل ذلك أن يحاول المتهم الحصول لنفسه أو لغيره على الريح أو المستنقعة ، ولكن لا يتحقق شيء من ذلك ، وتعبير المحاولة يأتي - في تقديرنا - الشروع، على أن يحدد البدء في التنفيذ في مشموله الواسع وفقاً للمذهب الشخصي الراجح في الفته و القضاء، وعلى من البيان أن محدد العمل التحضير لا يكفي لتقوم به المحاولة .
ومؤدى المساواة التي قررها الشارع بين الحصول على الربح اور المنفعة ومحاولة ذلك ، أن مجرد المحاولة تعتبر جريمة تامة ، ويترتب على ذلك أن العدو الإختيار اللاحق عليها لا يحول دون العقاب وتفترض محاولة الحصول على الربح أو المنفعة أن المتهم قد بذل نشاطاً استهدف به الحصول على الربح أو المنفعة ولكن لم يتحقق له غرضها ولذلك صور متعددة ، وكلها متعادلة : فقد يقضي العملي بموافقة رئيس أو هيئة معينة ولكن ترفض الموافقة ، وقد يبوء العمل بالخسران خلافاً لما توقعه ، وقد يضبط قبل أن يقبض الريح ، وقد يخل شريکه باتفاقه معه على اقتسام الربح.
ويستوي أن تكون الفائدة التي حصل المتهم عليها لنفسه أو غيره (أو حاول ذلك) مادية أو معنوية ، فقد استعمل الشارع لفظ « منفعة » مطلقاً وتطبيقاً لذلك ، فإنه يرتكب جريمة التربح الموظف الذي يعين شخصاً في وظيفة أو يرقيه دون استحقاق.
وليس من عناصر الركن المادي أن يصيب المصلحة العامة ضرر أو أن تهدد بخطر ، بل إن الجريمة تقوم ولو عاد العمل على مصلحة الدولة بالفائدة ويترتب على ذلك إن الجريمة تتوافر لها أركانها ولو لم يكن المال موضوع فعل المتهم مالاً عاماً ، وإنما كان مملوكاً لفرد أو مشروع خاص ، ولكن كان للدولة شأن به ، وكان الموظف هو المختص بذلك باسم الدولة : فالمحضر الذي يشتري الأموال التي كلف ببيعها ، و قاضي التفليسة الذي يشترى بعض موجوداتها يرتكبان هذه الجريمة.
الركن المعنوي للتربح هذه الجريمة عمدية، فيتخذ ركنها المعنوي صورة القصد ولما كان اشتراط اتجاه النية إلى الحصول على الربح أو المنفعة عنصراً في القصد ، وكان تحققه فعلاً غير متطلب لتمام الركن المادي ، فإن القصد المطلوب في هذه الجريمة قصد خاص .
يتطلب القصد العام علم الجاني بأنه موظف ، وأنه مختص بالعمل الوظيفي الذي أقحم عليه المصلحة الخاصة لنفسه أو لغيره ، وعلمه أن من شأن فعله تحقيق ربح أو منفعة ، وعلمه – في حالة تحقيق الربح أو المنفعة الغيره - أن ذلك « بدون حق » ، وإتجاه إرادته إلى إتيان هذا الفعل فإن جهل أن اختصاصه يتضمن هذا العمل انتفى القصد لديه ، ولو كان هذا الجهل ولید عدم علم بالقوانين واللوائح التي تحدد نطاق اختصاصه ، فذلك جهل بقاعدة غير عقابية ، فيقبل الإعتذار به ولكن لا يقبل منه الإعتذار بأنه كان يجهل أن القانون يحظر إقحام المصلحة الخاصة على العمل الوظيفي ، فذلك جهل بقانون العقوبات ، لا يقبل الإعتذار به وإذا جهل المتهم أن من شأن فعله تحقيق ربح أو منفعة انتفى القصد لديه ، ولو أتى الربح عرضاً وإذا لم تثبت إرادة الجاني للفعل ، كما لو قام به لمصلحته شخص آخر دون علمه ، وتحقق له منه ربح فعلی ، فلا ينسب إليه القصد.
ويتطلب القصد الخاص إتجاه إرادة المتهم إلى الحصول على ربح أو منفعة ، سواء لنفسه أو غيره ، ولا عبرة - كما قدمنا - بأن هذا الربح لم يتحقق فإذا لم تتجه إرادته إلى ذلك ، فلا يتوافر القصد ، ولو ثبت إتجاه إرادته إلى الإضرار بمصلحة الدولة.
عقوبة التربح : حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة فجعلها السجن المشدد ويحكم بالإضافة إلى ذلك بالعزل أو زوال الصفة ، ويقضي كذلك بالغرامة النسبية ، والرد ، وإذا كان فعل المتهم هو مجرد محاولة الحصول على ربح ، حددت الغرامة النسبية بقيمة ما كان يحاول الحصول عليه إن أمكن تحديده ، وإلا قضى بحدها الأدنى ؛ ولا محل في هذا الفرض للحكم بالرد . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 103)
وفي هذه الجريمة يتمثل استغلال الوظيفة العامة من خلال العمل على تحقيق مصلحة خاصة من ورائها فهناك تعارض لا شك فيه بين المصلحة الخاصة التي قد يستهدفها الموظف العام لنفسه أو لغيره، وبين المصلحة العامة المكلف بالسهر عليها. فهذه جريمة من جرائم الخطر، من شأنها تعريض المصلحة العامة للخطر، فلا يشترط أن يؤدي التربح إلى نتيجة مادية تتمثل في الضرر الحقيقي، ولا يشترط أن يكون الخطر حقيقياً فعلياً، بل يقع الخطر بحكم التعارض بين المصلحتين العامة والخاصة، وهذا التعارض مستفاد من جعل أعمال الوظيفة التي يسهر على حماية مصالحها العامة منه للحصول أو محاولة الحصول لنفسه أو لغيره - دون حق - على ربح أو منفعة ولا محل لتحديد ماهية هذا الخطر أو قياسه في كل جريمة على حدة، فالخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة يقع بمجرد السلوك الذي يتعلق به التعارض بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، لأن هذا التعارض من شأنه تعريض المصلحة العامة للخطر.
صفة الجاني:
تفترض هذه الجريمة صفة معينة في فاعلها الأصلي، وهو أن يكون موظفاً عاماً بالمعنى الذي حددته المادة 119 مكرراً عقوبات، ولا يشترط فوق ذلك توافر صفة خاصة في الموظف العام، خلافاً لما كانت تنص عليه المادتان 115 و 116 قبل تعديلهما بالقانون رقم 63 لسنة 1975، وهذا هو ما يسير عليه كل من القانون الفرنسي (المادة 432 - 12) إذ لم يشترط في الجاني سوى أن يكون منوطاً به سلطة عامة أو مكلفاً بخدمة عامة أو ممن يحمل مهمة منتخبة عامة وكل هؤلاء يندرجون تحت معنى الموظف العام في القانون المصري.
ولا أهمية لنوع الأعمال المكلف بها بوصفه موظفاً عاماً، سواء كانت من أعمال الإدارة أو التنفيذ أو الإشراف أو المشورة ولا عبرة بكون الموظف العام يعمل في إطار السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، ولا عبرة بما إذا كانت أعماله تتسم بالطابع الفني أو الذهني أو المادي وهكذا، فجميع أعمال الوظيفة العامة على قدم المساواة، طالما كان المكلف بما هو أحد الفئات المنصوص عليها في المادة 119 مكرراً عقوبات.
ويشترط أن يكون التربح من عمل من أعمال وظيفة الموظف العام، أي أن يكون من اختصاص وظيفته فلا تقوم الجريمة إذا كان لا صلة لها بأعمال وظيفته ولا وظيفة مرءوسيه وليست من مقتضياتها.
وغني عن البيان أنه يشترط توافر الصفة المذكورة في الموظف وقت حصوله على الربح أو محاولة الحصول عليه، إلا أنه يجب ملاحظة أنه إذا اشترك موظف في إحدى العمليات بصفته الشخصية أو تحت اسم مستعار، ثم كلف بعد ذلك بمقتضي وظيفته بإدارة هذه العمليات أو الإشراف عليها، فلم يعتذر عن قبول التكليف أو لم يكن عن الاستمرار في مباشرة هذه العملية - فإن الجريمة تتوافر في حقه قانوناً وعلة ذلك أن المادة 115 عقوبات الجديدة قد أتت بواجب قانوني فرضته على مثل هذا الموظف مقتضاه عدم الجمع بين المصلحتين العامة والخاصة وتربح من ورائها غير هذا مكوناً للجريمة المنصوص عليها في هذه المادة.
ويكفي أن تثبت للجاني هذه الصفة وقت الجريمة ولو ترك بعد ذلك اختصاصه الوظيفي الذي وقعت الجريمة بناءً عليه.
الركن المادي :
يشترط لتوافر الركن المادي للجريمة توفر عنصري التربح، وأن يكون هذا التربح من وراء عمل من أعمال الوظيفة العامة.
أولاً : التربح :
يتوافر هذا العنصر إذا حصل الجاني على أي ربح أو منفعة لنفسه أو لغيره من العمل المكلف به، أو حاول الحصول على هذا الربح أو المنفعة وهنا يلاحظ أن المشرع قد ساوى بين الحصول الفعلي على الربح ومجرد المحاولة في سبيل ذلك والمحاولة هي دون الشروع من الأفعال، فلا يشترط أن تصل إلى مرتبة البدء في التنفيذ وبناءً على ذلك فإن التربح يقوم بالحصول الفعلي على الربح أو بالسعي نحوه .
مستويات أعمال الوظيفة: ويتعين أن يكون هذا التربح من وراء العمل الذي حصل الربح أو المنفعة من خلاله، سواء كان ذلك في أثناء تقريره أو المداولة في اتخاذه أو التصديق عليه أو تعديله على نحو معين أو إبطاله أو إلغائه أو تنفيذه أو عند التصديق عليه أو تعديله على نحو معين ... إلى غير ذلك من التصرفات التي يزاولها طبقا لوظيفته العامة، فلا يكفي مجرد مزاولة العمل مشوبا بالخطأ الإداري أو بالتجاوز في استعمال السلطة، ما لم يكن هذا العمل مقرونا بالسعي نحو الحصول على الربح أو المنفعة لنفسه أو لغيره .
عدم اشتراط الحصول الفعلي على ربح أو فائدة : ولا يشترط لتحقيق هذا النشاط أن يحصل الجاني بالفعل على الفائدة في أثناء مباشرته للعمل المكلف به، بل تكفي مجرد محاولة الحصول على الفائدة، فإن حصل على فائدة ما يستوي أن يحصل عليها بعد الإنتهاء من هذا العمل ، أو أن يكون الحصول عليها رهيناً بتنفيذ اتفاق لم ينفذ، أو يأمل في الحصول عليها دون أن يتحقق مراده، ويكفي مجرد التربح من وراء عمل واحد من أعال الوظيفة ولم تتوافر فيه صفة الاستمرار.
وغني عن البيان أنه لا يشترط حصول الضرر لوقوع هذه الجريمة، لأنها من جرائم الخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة.
عدم الاعتداد بقيمة الفائدة المتوخاة من التربح: وإذا حصل الثاني على فائدة ما، فلا عبرة بقيمتها. ويستوي في هذه الفائدة أن تكون مادية أو غير مادية فقد تتخذ مظهراً مالياً أو اقتصادياً يحقق نفعاً مادياً أو مظهراً اعتبارياً ولا يصلح دفاعاً أن يدعي الجابني بمشروعية الفائدة إذا حصل أو أراد الحصول عليها، فهي حتماً فائدة غير شرعية في نظر القانون ما دام أن الحصول عليها جاء بسبب مباشرة الموظف أحد أعمال الوظيفة العامة المكلف بها.
وقوع التربح سواء لنفس الموظف العام أو لغيره: يستوي أن يكون سعي الموظف من وراء الأعمال المكلف بها أو من أجل الحصول على الربح لنفسه شخصيا أو لغيره من الأشخاص فيستوي أن يحصل الموظف أو يحاول الحصول على الفائدة لنفسه بطريق مباشر أو غير مباشر ومثال الحصول على المساندة لنفسه بطريق مباشر ما حكم به من انطباق هذه الجريمة على عمدة رسا عليه مزاد أرض مملوكة للبلدة التي كان يديرها، وعلى عمدة انضم إلى شركة لاستغلال بيع في البلدة التي كان يشرف عليها، وعلى قاض بمحكمة تجارية عقد صفقة لحساب شركة كلف بالإشراف على تصفيتها باعتباره مأمور للتفليسة ومن أمثلة ذلك أيضاً المهندس الذي يشترك مع المقاول في أعمال المقاولة المحالة عليه، والطبيب الذي يشترك مع المتعهد في عملية توريد الأدوية للمستشفى المحالة عليه إدارتها، وأمين المكتبة الذي يتدخل في أعمال توريد المكتب ... إلى غير ذلك أما الحصول على الفائدة بطريق غير مباشر، فيتم ذلك إذا تدخل وسيط يعمل لحساب الموظف في الأعمال المكلف بها ومثال ذلك أن يتفق المحضر مع أحد الأشخاص للدخول في مزاد بيع منقولات أحد المحجوز عليهم لشرائها لحسابه الخاص، وفي هذه الحالة يتعين مساءلة هذا الوسيط بوصفه شريكاً بطريق الاتفاق والمساعدة.
وجوب أن يكون التربح بغير حق إن كان لصالح الغير:
يجب أن يكون حصول الجاني أو محاولة الحصول لغيره على الربح أو المنفعة بغير حق، فإذا كان الحصول على الربح أو محاولة الحصول عليه للغير بحق، دل ذلك على عدم وجود تعارض بين المصلحة العامة التي يسهر عليها الموظف العام والمصلحة الخاصة لهذا الغير أما حصول الجاني أو محاولة الحصول لنفسه على الربح أو المنفعة فإن القانون اعتبره دائماً بغير حق مادام قد وجد تعارض بين السهر على المصلحة العامة بحكم وظيفته وإشباع رغبته الشخصية في الحصول على ربح أو منفعة من وراء أعمال وظيفته، فلم يشترط القانون في هذه الحالة إثبات أن هذا الحصول کان بغير حق، على أساس أن هذا التعارض يعني أنه بغير حق، بخلاف ما اشترطه صراحة عندما يكون الحصول على الربح أو المنفعة للغير.
والواقع أن الأمر في النهاية مرجعه إلى تقدير محكمة الموضوع لوقائع الدعوى لاستخلاص ما إذا كان الحان قد حصل أو حاول أن يحصل على ربح للغير فالمشرع لا يحرم على الموظف العام تمكين الغير بحق من الحصول على الربح، وإلا استحال على الغير التعامل مع الدولة أو تحتم على الغير أن يخسر بسبب تعامله مع الدولة، وخاصة أن الدولة تنشئ مشروعات خاصة تهدف إلى الاستثمار.
ولا تعني مجرد وجود علاقة بين الموظف العام والغير - كالزمالة أو الصداقة - توافر مصلحة خاصة للموظف العام تتعارض مع المصلحة العامة المكلف بالسهر عليها، مادام تصرفه حقاً، أي مطابقا للقانون واللوائح دون أن ينشأ أي تعارض بين عمله العام وعلاقته الخاصة على أنه يكفي لوقوع الجريمة مجرد تدخل الموظف العام لتحقيق ربح أو منفعة من وراء عمل من أعمال وظيفته إذا كانت تلك العلاقة الخاصة هي السبب الذي دفعه إلى هذا التدخل بالصورة التي تم عليها، لأن الموظف العام يلتزم بألا يجمع في وقت واحد بين رعاية المصلحة العامة ورعاية المصلحة الخاصة، حتى لا ينحرف في استعمال السلطة، وذلك بغض النظر عما إذا كان ما حصل عليه من ربح أو منفعة يعادل أو يقل عما كان سيحصل عليه الغير من لا تربطهم به علاقة خاصة .
تؤدي علاقة السببية بين التربح وأعمال الوظيفة دوراً مهماً في تحديد وقوع جريمة التربح، فهي عنصر من عناصر إثبات التربح وقد عني المشرع بالتأكيد على ضرورة توافر علاقة السببية، إذ نص على وجوب أن يكون الربح أو المنفعة من عمل من أعمال الوظيفة.
ولهذا كان بديهياً وجوب توافر الاختصاص لدى الموظف العام حتى لا يسأل عن فعل لا علاقة له به بحكم وظيفته ولا يشترط أن يكون الموظف العام أو من في حكمه أن يكون مختصاً بالعمل الذي يتربح منه والغير، بل يكفي أن يكون مختصاً بجزء منه بأي قدر من الاختصاص ولو كان يسيراً على نحو يكفي ويستوي الصورة التي اعتنقتها المحكمة لواقعة التربح .
ثانياً : العمل الذي يؤديه الموظف :
لا يتوافر هذا العنصر الثاني في التربح إلا إذا كان الحصول على الفائدة أو محاولة الحصول عليها من خلال عمل من أعمال وظيفته .
وما لم يتوافر التربح من وراء أعمال الوظيفة فلا تقع الجريمة، إذا تربح الموظف العام من وراء مشروع لا يخضع لإشراف وظيفته ولا يعد من أعمالها.
ولا عبرة بطبيعة عمل الوظيفة، فيستوي أن يكون تحضيرياً أو تنفيذياً، أو أن يكون نهائياً أو قابلاً للمراجعة والإلغاء، وسواء كان صحيحاً أو باطلاً .
ويشترط أن يكون الموظف مختصاً بالعمل الذي أداه، فلا تقوم الجريمة إذا تجاوز الموظف اختصاصه و أقحم نفسه في عمل لا يدخل في صميم وظيفته ثم حصل على فائدة من ورائه على أنه لا عبرة بما إذا كان الموظف قد أخل بترتيب العمل وتوزيعه، فباشر عملاً غير مكلف به طالما أنه يدخل في صميم وظيفته مثال ذلك أن يحل محضر محل زميله في بيع بعض المنقولات المحجوز عليها ثم يجني فائدة من وراء ذلك ولا عبرة بما إذا كان العمل يدخل في حدود السلطة المقيدة أو السلطة التقديرية للموظف.
ويجب أن تكون أعمال الوظيفة هي الأدوات التي استخدمها الموظف العام لتحقيق الربح بغير حق، وهو ما يكون عند مباشرة هذه الأعمال بالمخالفة للقانون أو اللوائح، وهو ما يتسع للانحراف في استعمال السلطة وعلة ذلك أن هذه الجريمة من جرائم الخطر التي يكفي لوقوعها بمجرد السعي للحصول لنفسه أو للغير دون حق على المصلحة الخاصة من وراء المصلحة العامة التي كلف الموظف بالسهر عليها، وهو ما ينطوي على مخالفة حظر قانوني أتى به قانون العقوبات من خلال المادة 115 من شأنه أن يؤدي إلى الانحراف في استعمال السلطة.
ثالثاً : تمام الجريمة :
قلنا إن هذه الجريمة من جرائم الخطر يكفي لتوافرها مجرد احتمال الضرر، فتتم الجريمة بمجرد محاولة الموظف الحصول على الربح لنفسه أو لغيره دون حق، أو الحصول عليه بالفعل فإذا حصل الجاني على ربح من وراء العمل المكلف به - وقعت الجريمة تامة منذ تاريخ محاولة هذا الحصول بغض النظر عما يتبع ذلك من فوائد أخرى قد تعود على الموظف كأثر للفعل مصدر الفائدة الأولى ولما كان مجرد محاولة الحصول على الفائدة لا يعد جريمة ما لم تكن مستندة إلى عمل من أعمال الوظيفة التي يؤديها، فإنه عند تقدير وقت تمام الجريمة يجب قياس محاولة الحصول على الربح بالنظر إلى العمل الوظيفي الذي أداه الموظف.
وتعد هذه الجريمة من الجرائم الوقتية التي تتم بمجرد قيام الموظف بالفعل الذي يحصل به الربح (أو يحاول الحصول عليه)، ولا عبرة بعد ذلك باستمرار حصول الجاني على أرباح نتيجة لنشاطه الإجرامي؛ لأن الجريمة تتم وتنتهي بمجرد حدوث الواقعة التي أدت إلى حصوله على الريح أيا كان مقداره أو محاولة الحصول عليه.
الركن المعنوي القصد الجنائي :
هذه جريمة عمدية يقتضي قيامها توافر القصد الجنائي العام، وهو اتجاه إرادة الجاني إلى الحصول على ربح لنفسه، أو لغيره بغير حق من وراء أحد أعمال وظيفته، مع علمه بذلك وبناءً على ذلك، فلا يكفي مجرد التسبب في الحصول على ربح من وراء أعمال الوظيفة العامة المذكورة لقيام هذه الجريمة، ما لم يثبت أن الموظف قد حصل على هذا الربح أو حاول الحصول عليه قاصداً ذلك فإذا كان الموظف العام يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة فقط بوسائل مشروعة - أي بوجه حق - فلا يتوافر القصد العام كما ينتفي هذا القصد إذا لم تتجه إرادة الموظف العام إلى تحقيق الربح للغير بغير حق، إلا أن هذه النتيجة حدثت بصورة عارضة بسبب فعل الغير دون أن تتجه إلى ذلك إرادة الموظف العام. ولا يصلح عذرا أن يدعي الجاني جهله بالواجب المفروض عليه في عدم الجمع بين المصلحتين العامة والخاصة من خلال العمل المكلف به؛ لأن مصدر هذا الواجب هو قانون العقوبات ذاته، ولا يقبل من أحد الأعتذار بالجهل به أو الغلط فيه. إلا أن القصد ينتفي إذا أثبت الموظف جهله بأن العمل الذي أراد يندرج تحت إدارته أو إشرافه، ولو انطوى ذلك على جهل باللوائح الإدارية أو التعليمات؛ لأن الجهل أو الغلط في غير قانون العقوبات يصلح عذراً لانتفاء هذا القصد.
الإشتراك في التربح :
لما كان القانون قد اشترط في تربيح الغير أن يكون ذلك بغير حق، فلا يعد هذا الغير شريكا في الجريمة ما لم يتوافر لديه قصد الاشتراك، وهو ما يتطلب أن يعلم علما يقينيا أن الربح الذي حصل عليه كان بغير حق حتى يعد شريكاً في الجريمة ولو كان قد صدر عنه عمل من أعمال الإشتراك ولا يكفي في ذلك مجرد الشك أو الإحتمال، فليس كافياً لعل الغير شريكاً مجرد ثبوت الجريمة في حق الموظف العام (الفاعل الأصلي)، بل يتعين التحقق من توافر أركان ذلك الإشتراك بأي صورة من صوره.
ويلاحظ أن اتجاه إرادة الجاني إلى الحصول على الربح هو جوهر القصد الجنائي وليس إرادة أداء مصلحة متعارضة مع المصلحة العامة المكلف بالسهر عليها بحكم وظيفته على أنه إذا كان الحصول على الربح أو محاولة الحصول عليه هو لنفع الغير بدون حق - وجب أن تتجه إرادة الماني إلى هذا الباعث، وهو نفع الغير بدون وجه حق وهو ما يتوافر به القصد الجنائي الخاص. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 574).
- العناصر المكونة للجريمة :
أولاً : صفة الجاني :
لابد من توافر صفة الموظف العام في الجاني وفقا لتحديد المادة 119 مکرراً عقوبات والسابق بيانه ولذلك يخرج عن نطاق هذه الطائفة رؤساء وأعضاء مجلس إدارة الشركات المساهمة والعاملين بها طالما أن الدولة أو إحدى الجهات المنصوص عليها بالمادة 119 لا تساهم في مالها بنصيب ما ويلزم أن تتوافر صفة الموظف العام في الفاعل الذي يحقق السلوك الإجرامي أو يشرع في تحقيقه والمتمثل في الحصول أو محاولة الحصول على ربح أو منفعة حتى ولو كان المستفيد الحقيقي شخصا آخر لا تتوافر فيه تلك الصفة ومن ناحية أخرى يلزم أن تتوافر رابطة أو صلة بين اختصاص الموظف وبين السلوك الإجرامي ، بمعنى أن التربح مرتبط بالعمل الوظيفي الداخل في اختصاصه بمقتضى القوانين واللوائح والأنظمة أو الأوامر الصادرة من الرؤساء ولذلك إذا كان التربح ناشئاً عن عمل داخل في اختصاص موظف آخر ، فإن الأول لا يكون فاعلاً أصلياً في الجريمة ولا يلزم أن يكون العمل كله داخلا في اختصاص الموظف ، بل يكتفي صلته بالعمل في أي مرحلة من مراحله.
ثانياً : السلوك الإجرامي :
جريمة التربح من جرائم الشكل المطلق وهي التي يتحدد فيها السلوك بارتباطه بالنتيجة غير المشروعة ومعنى ذلك أن أي سلوك من قبل الموظف يؤدي أو من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق ربح أو منفعة للموظف أو للغير وذلك من عمل من أعمال الوظيفة ، ويعتبر سلوكاً مطابقاً .
وقد ساوى المشرع بين الجريمة التامة والشروع ، فالحصول على ربح أو منفعة يتساوى مع محاولة الحصول على ربح أو منفعة والمحاولة هي السلوك الذي من شأنه أن يؤدي إلى الربح أو المنفعة وهو يكون كذلك إذا كان يملك في ذاته وفي الظروف التي بوشر فيها مقومات أحداث النتيجة المتمثلة في تحقيق الربح أو المنفعة .
ويلاحظ أن تعبير الربح ينصرف إلى مفهوم المضاربة التي تتم في محيط العمليات التجارية التي تصل بالعمل الوظيفي للجاني ، أما المنفعة فهو تعبير أوسع من الربح يتسع له كما يتسع لأي فائدة مادية أو أدبية .. غير أن النص على المنفعة إلى جانب الربح قد يفيد أن المشرع أراد بالمنفعة المدلول المادى لها القابل للتقويم بالمال إلا أن تعبیر منفعة الذي استخدمه المشرع قد جاء مطلقاً وبالتالى يؤخذ على إطلاقه .
ولكن لا يشترط في المنفعة أن تكون لها صفة الربح المعنى الاقتصادي الدقيق لذلك يندرج تحت هذا المعنى للمنفعة العمولة التي يحصل عليها الموظف مقابل إرساء العطاء على مقاول معين أو مقابل التعاقد مع شركة معينة لتوريد سلع أو أدوات لازمة لجهة الإدارة ، وذلك في الأحوال التي لا يتوافر فيها في العمولة شكل الرشوة وإنما توافر فيها صورة العمل التجاري كما يندرج تحت المنفعة قيام الموظف المكلف بالإيجار أو البيع أو بالشراء لمصلحة الإدارة بالتأجير أو البيع أو بالشراء بأكثر من السعر السائد لتحقيق منفعة لنفسه ، إذا كان هو المستفيد من تلك العملية ، أو للغير الذي تعاقد معه ولو لم يحصل على أية منفعة شخصية.
ولا يشترط لتوافر الجريمة أن يتحقق ضرر بجهة الإدارة فالجريمة تتوافر أركانها متى حصل الموظف أو حاول الحصول على ربح ولو كانت العملية التي حققها الجهة الإدارة عادت بالنفع عليها.
والجدير بالذكر أن جريمة التربح يمكن أن تتعدد ماديا مع جريمة الرشوة ولكنهما لا تتعدد أن معنوياً فجريمة الرشوة يتم فيها الحصول على المقابل من الراشي أو يطلب الموظف من صاحب المصلحة أداءه إليه ، بينما جريمة الربح يحصل الموظف فيها على الربح أو المنفعة من ذات العمل الوظيفي الداخل في اختصاصه . وهنا يثور التساؤل بالنسبة الصورة الخاصة بمحاولة الحصول على ربح وتعددها مع جريمة الرشوة إذا طلب الموظف أو وعد بالمشاركة في العملية نظير القيام أو الإخلال بواجبات وظيفته .
نعتقد أنه لو فرض وكانت الصورة تكون جريمة محاولة الحصول على ربح فأننا لا نكون بصدد تعدد معنوي بين جريمة الرشوة وجريمة التربح ذلك أن الحق المعتدى عليه في الجريمتين واحد ، وفعل الجاني أضر بمصلحة واحدة ، وهي مصلحة جهة الإدارة في حسن سير العمل الوظيفي ولذلك ينتفى التعدد المعنوي بين الجريمتين ولا يبقى أذن سوی أعمال قواعد التنازع الظاهري بين النصوص حيث تطبق قاعدة أن النص الخاص يقيد النص العام وواضح أن النص العام هو نص الرشوة والنص الخاص هو المتعلق بجريمة التربح ذلك أن المشرع قد أخذ نوعاً معيناً من الفائدة التي يحصل عليها الموظف والتي تعتبر رشوة وخصها بنص خاص وذلك في الفرض التي تكون فيها الرشوة منحصرة في الحصول على ربح أو منفعة من العمل الذي يؤديه الموظف كل هذا لو افترضنا جدلاً أن مجرد الطلب أو الوعد بالمشاركة في العملية التجارية التي يتصل بها الموظف بمقتضى عمله الوفيني يكون في الوقت ذاته الركن المادي لمحاولة الحصول على ربح إلا أننا نذهب عكس ذلك فمحاولة الحصول على ربح تنطوي على معنى الشروع في الجريمة ولا يخفى ما للشروع من عناصر خاصة لا تتفق مع مجرد الوعد أو الطلب فالوعد في حالة قبول أو الطلب يعتبر من الأعمال الخارجة عن نطاق البدء في التنفيذ والتي من شأنها أن تؤدی حالاً ومباشرة إلى وقوع الجريمة ولذلك فإن المحاولة تتطلب أن يقوم الموظف من جانبه بأعمال من شأنها أن تؤدي وفقاً لمقوماتها المادية إلى تحقيق ربح أو منفعة ، ومثال ذلك انضمام الموظف إلى الشركة المنوط بها القيام بعمل المقاولة أو التوريد لجهة الإدارة ، أو قيامه بعقد صفقة مع جهة الإدارة لم تتم باسم شخص آخر بينما كان سيقوم هو بتنفيذ العملية فالمشرع أراد فقط أن يساوي بين الجريمة التامة والشروع .
ويستوي أن يكون الربح أو المنفعة هي لذات الموظف أو للغير غير انه يتعين التمييز بين الربح أو المنفعة التي يحصل عليها الموظف لنفسه وبين ما يحصل عليه الغير فالجريمة تتوافر بالنسبة للموظف متى يحصل على ربح أو حاول الحصول عليه من أعمال وظيفته أما بالنسبة للغير فيلزم أن يكون الربح أو المنفعة التي يحصل عليها دون وجه حق فإذا كان الربح أو المنفعة التي حصل عليها الغير لها سندها القانوني انتفت الجريمة بغض النظر عن توافر أو عدم توافر علاقة صداقة أو عدم توافر علاقة صداقة أو قربي بين الموظف وبين الغير وإذا تحققت الجريمة بالنسبة للغير فان الفاعل الأصلي يكون هو الموظف العام والغير يكون مساهما إذا توافرت شروط المساهمة التبعية .
الركن المعنوي :
يقوم الركن المعنوي على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة فيجب أن يعلم الجاني بصفته وعلاقته الوظيفية بالعمل الذي يحاول الحصول أو حصل منه على ربح أو منفعة لنفسه أو للغير ويجب أن تتجه الإرادة إلى السلوك الإجرامي المرتكب والذي تحقق منه الربح أو المنفعة أو الذي من شانه أو يؤدي إلى ذلك ويجب أن تتوافر لدى الجاني نية الحصول على الربح أو المنفعة سواء لنفسه أو الغير ولا يلزم أن يتوافر علم الموظف بالتعارض بين سلوكه وبين الواجب الوظيفي.
3 - العقوبة :
العقوبة الأصلية : هي السجن المشدد من ثلاث سنين إلى خمس عشرة سنة .
العقوبة التبعية : هي العزل من الوظيفة أو زوال الصفة .
العقوبة التكميلية : هي الرد في حالة تمام الجريمة والحصول الفعلي على الربح أو المنفعة والغرامة المساوية لقيمة الربح أو المنفعة علي إلا تقل عن خمسمائة جنية ولا محل لتلك الغرامة إذا كان السلوك الإجرامي يتمثل في محاولة الحصول على الربح أو المنفعة دون الحصول الفعلي. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 319 )
وترجع علة التجريم إلى رغبة المشرع في حماية المصلحة العامة من الخطر الذي يتهددها إذا استغل الموظف وظيفته للحصول أو محاولة الحصول لنفسه أو لغيره بدون حق، على ربح أو منفعة، تقديراً منه أن تحقيق أو محاولة تحقيق هذا الهدف الخاص عن طريق العمل الوظيفي سيكون على حساب التضحية بالمصلحة العامة أو تهديدها بالخطر، إذ يتعذر أن يكون رقيباً على نفسه ومراقباً منها في ذات الوقت.
تحديد أركان الجريمة
يقتضي تحقق هذه الجريمة توافر أركان ثلاثة: صفة الجاني، والركن المادي، ثم الركن المعنوي.
- صفة الجاني
يشترط لقيام جريمة التربح أن يكون للجاني صفة خاصة، هي صفة الموظف العام بالمعنى الواسع الذي حددته المادة 119 من قانون العقوبات.
ويعني ذلك أن الجريمة لا تقع من المستخدم في مشروع خاص إذا استغل فرصة عمله في هذا المشروع لتحقيق ربح أو منفعة له أو لغيره بدون حق كذلك يشترط أن يكون مختصا بالعمل الذي حصل منه أو حاول الحصول منه على الفائدة.
ويكتفي المشرع بتحقق صفة الموظف العام، واختصاصه بالعمل لقيام هذا الركن، فلم يتطلب فضلاً عن ذلك – كما كان الوضع قبل قانون سنة 1975 - أن يكون الموظف مكلفا بالمحافظة على مصلحة معينة للدولة أو إحدى الهيئات في صفقة أو عملية أو قضية، ولا أن يكون له شأن في إدارة المقاولات أو التوريدات أو الأشغال المتعلقة بالدولة أو بإحدى الهيئات العامة.
فإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل فإنه يستوي بعد ذلك طبيعة العمل المعهود به إليه بمقتضى وظيفته، فقد يكون قائماً بالتنفيذ أو بالإشراف أو بالإدارة أو بمجرد إبداء الرأي، كذلك يستوي أن يكون العمل الذي تربح أو حاول التربح منه داخلاً كله أو جزءاً منه في اختصاصه، فالجريمة تقع ولو كان مختصا بجزء من العمل فحسب.
ومن البديهي أن الصفة يجب أن تكون قائمة وقت ارتكاب الفعل المادي المكون للجريمة.
فإذا انتفت الصفة وقت الفعل لا تقع الجريمة، ولو تحققت فائدة للمتهم أو لغيره، كما لو كان غير موظف أو كان موظفاً غير مختص بالعمل الذي حصل منه أو حاول الحصول منه على الفائدة، ولكن إذا كان المتهم وقت ارتكاب الفعل غير موظف، أو غير مختص بالعمل وتولى القيام بعملية المصلحة الدولة باعتباره فرداً عادياً سواء بإسمه الشخصي أو متستراً وراء شخص آخر ثم شغل الوظيفة التي تدخل إدارة هذه العملية أو الإشراف عليها في نطاق أعمالها، فلم يعتذر عن شغلها أو يمتنع عن الاستمرار في تنفيذ العملية بحيث أصبح جامعا للصفتين : صفة المنفذ وصفة المشرف على التنفيذ، وبالتالي ممثلاً للمصلحتين الشخصية والعامة، فإن الجريمة تقع منه في هذا الفرض.
الركن المادي
يتمثل الفعل المكون الركن المادي في حصول الموظف أو محاولة حصوله على ربح أو منفعة لنفسه أو لغيره بدون حق، من عمل من أعمال وظيفته ويتضح من ذلك أن المشرع قد سوى بين الحصول على الفائدة ومجرد محاولة الحصول عليها. وإذا كان «الحصول» يعتبر عملاً تنفيذياً فإن المحاولة لا ترقى حتى إلى مرتبة «البدء في التنفيذ»، ويعني ذلك أن المشرع يتوسع في نطاق التجريم، فيعتبر الفعل مكوناً للركن المادي في الجريمة سواء اتخذ صورة التنفيذ الكامل، وهو الحصول على الفائدة، أو البدء في التنفيذ الذي يعتبر - وفقاً للقواعد العامة - شروعا في الجريمة، ويتمثل، وفقاً للفقه والقضاء السائدين في مصر، في كل فعل يؤدي حالاً ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة ولو لم يكن داخلاً في الركن المادي لها، أو مجرد المحاولة ، وهي العمل التحضيري الذي يقترب من الشروع، وإن كان لا يصل إليه.
ويستوي أن يكون حصول الموظف على الربح أو المنفعة لنفسه أو محاولته الحصول على ذلك بطريق مباشر، كالمهندس المعهود إليه بالإشراف على إحدى العمليات الإنشائية، إذا اشترك مع المقاول في تنفيذها، أو الموظف المعهود إليه مراقبة الأغذية إذا اشترك مع المتعهد بتوريدها؛ أو بطريق غيرمباشر كالموظف الذي يعهد إليه بشراء أشياء لحساب المصلحة التي يعمل فيها فيشتريها من محل تجاري يساهم فيه أحد أبنائه القصر، أو المحضر الذي يتولى التنفيذ على المنقولات المحجوز عليها إذا دفع شخصاً إلى شرائها لحسابه.
ويميز المشرع بين حالة حصول الموظف أو محاولة حصوله على ربح أو منفعة لنفسه، وحالة حصوله أو محاولة حصوله على ربح أو منفعة الغيره.
ففي الحالة الأولى : تقع الجريمة ولو كان حصوله أو محاولة حصوله على الفائدة بحق أي بطريق مشروع، فالجريمة تقع ولو كان الموظف لم يحقق أو يحاول أن يحقق إلا نفس القدر من الفائدة الذي كان سيحققه الغير بحق والعلة في ذلك أن المشرع أراد بتجريم هذا الفعل ألا يجمع الموظف بين وصفي العامل لحساب المصلحة العامة والساعي لمصلحته الشخصية، لما في ذلك من استغلال للوظيفة ومساس بنزاهتها، وتعريض المصلحة العامة للخطر لحساب المصلحة الخاصة ، ولذلك افترض المشرع أن استهداف الموظف تحقيق الفائدة لنفسه هو دائما بدون حق فلا يجديه للتملص من العقاب أن يثبت أنه قد حقق أو حاول تحقيق الفائدة بحق.
وفي الحالة الثانية : يشترط لوقوع الجريمة أن يكون حصول الموظف أو محاولة حصوله على ربح أو منفعة للغير بدون حق ، مثال ذلك أن يعهد المهندس المنوط به الإشراف على إحدى العمليات إلى مقاول تقدم بعطاء مرتفع بالقيام بهذه العملية دون من قدموا عطاءات أدني ليحقق له ربحاً دون حق أو أن يعين الموظف المختص بالتعيين في إحدى الوظائف شخصا من المتقدمين لشغل الوظيفة مع تقدم من هو أحق منه ويدخل تقدير ما إذا كانت الفائدة بحق أو بغير حق في سلطة قاضي الموضوع، مع ملاحظة أنه لا يكفي لاعتبارها بغير حق مجرد حصول الغير على ربح بسبب سلوك الموظف، ذلك أن طبيعة الأمور تقتضي أن من يتعامل مع الجهات الحكومية وما في حكمها، سواء في صورة توريد أو مقاولات أو غيرها إنما يستهدف بذلك تحقيق فائدة له، وإلا لما أقدم على ذلك، فالمشرع لا يتطلب من الموظف تجنب تحقق فائدة للغير، وإنما يفرض عليه أن يلتزم في قيامه بأعمال وظيفته واجب الأمانة والنزاهة وتحرى المصلحة العامة، وحينئذ لا تقع الجريمة، ولو تحقق للغير ربح أو منفعة إذ يكون حصوله على الفائدة بحق أما إذا استهدف الموظف تحقيق فائدة للغير على حساب المصلحة العامة، فإنه يكون قد خان أمانة الوظيفة وأخل بواجباتها، ويكون حصول الغير على الفائدة بدون حق، فيقع الموظف تحت طائلة العقاب.
كذلك لا يكفى لقيام الجريمة مجرد وجود رابطة قرابة أو مصاهرة بين الموظف والغير الذي عهد إليه الموظف بتنفيذ عملية يناط به الإشراف عليها مثلاً، أو عينه في وظيفة يختص بالتعيين فيها، إلا إذا قام الدليل على أن هذه العلاقة هي التي دفعت الموظف إلى اختيار هذا الشخص ابتغاء تحقيق فائدة له .
وإذا تحقق حصول الموظف على المنفعة أو الربح لنفسه، أو لغيره بدون حق، أو محاولة ذلك من عمل من أعمال وظيفته، فإن ذلك يكفى لقيام الركن المادي لجريمة التربح ، فيستوي بعد ذلك أن يقع هذا الفعل في مرحلة تقرير العمل الذي يستغله الموظف، أو في مرحلة المداولة في اتخاذه، أو عند التصديق عليه، أو تعديله على نحو معين، أو تنفيذه أو إبطاله أو إلغائه.
كذلك لا عبرة بقيمة الفائدة التي يحصل عليها الموظف، أو يحاول الحصول عليها، فيستوي أن تكون مادية لها مظهر مالي أو اقتصادي، أو أن تكون مجرد فائدة معنوية، ولا يشترط لتحقق النشاط الإجرامي أن يحصل الجاني بالفعل على الربح أو المنفعة أثناء مباشرته العمل المكلف به، بل يستوي أن يحصل الجاني على الفائدة بعد الانتهاء من هذا العمل، أو أن يكون الحصول عليها رهناً بتنفيذ اتفاق لم ينفذ بعد، أو أن يأمل الموظف في الحصول على الفائدة دون أن يتحقق أمله .
وارتكاب الفعل الإجرامي يكفى لقيام الركن المادي لجريمة التربح، فلا يتطلب المشرع لقيامه أن يترتب على الفعل ضرر بالمصلحة العامة ويترتب على ذلك أن الجريمة تقع إذا حصل الموظف أو حاول الحصول على فائدة من أعمال وظيفته ولو كان المال موضوع التربح غير مملوك للدولة، كما لو كان مالاً خاصاً خاضعاً لإشراف الدولة أو لإدارتها، وتطبيقاً لذلك تقع الجريمة من المحضر الذي يشتري المنقولات المحجوز عليها التي عهد إليه ببيعها.
ولما كان المشرع يسوي في تحقق الركن المادي لجريمة التربح بين الحصول على الفائدة ومحاولة ذلك، فإن هذه الجريمة تقع وتتم بمجرد القيام بفعل يكيف بأنه محاولة للحصول على الفائدة وبغض النظر عما إذا كانت المحاولة قد حققت، هدفها بالحصول على الربح أو كانت قد باءت بالفشل، فالجريمة - على هذا النحو - وقتية، فيبدأ سريان التقادم المسقط للدعوى الجنائية منذ القيام بفعل المحاولة، أما حصول الموظف على الربح لنفسه أو الغيره، أو استمرار حصوله عليه، فليس إلا أثرا من آثار الجريمة.
الركن المعنوي
جريمة التربح جريمة عمدية يجب لتحققها توافر القصد الجنائي. وقد ثار الخلاف حول طبيعة القصد المطلوب، فذهب جانب من الفقه إلى ضرورة التمييز بين وضعين: الأول، إذا كان الجاني يستهدف بفعله الحصول على فائدة لنفسه، فالقصد يعتبر قصداً عاماً، والثاني، إذا كان يرمي إلى تحقيق فائدة للغير بدون حق يكون القصد خاصان وذهب الجانب الآخر - الذي نميل إلى تأييده - إلى القول بأن القصد المطلوب في هذه الجريمة هو القصد الخاص فلا يكفى لقيامها القصد العام، استناداً إلى أن اتجاه نية الجاني إلى الحصول على ربح يعتبر عنصرا في القصد، دون أن يكون تحقق الربح عنصراً في الركن المادي.
القصد العام يتمثل القصد العام في العلم والإرادة، فيجب أن ينصرف علم الجاني إلى عناصر الجريمة، فيعلم بأنه موظف مختص بالعمل الذي حاول الحصول على فائدة منه، فإذا جهل أنه موظف فقد جهل الواقع، وإذا جهل أنه مختص، فهذا جهل بقانون آخر غير قانون العقوبات، والجهل يصلح في الحالتين عذراً للمتهم ويجب أن يكون عالما بأن من شأن فعله تحقيق فائدة له أو للغير، فإذا كان يعتقد أن فعله يستهدف تحقيق المصلحة العامة فحسب، انتفى لديه القصد كذلك يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الفعل الذي يقوم به الركن المادي فإذا لم تتحقق هذه الإرادة انتفى القصد مثال ذلك أن يتطوع صديق المحضر المكلف ببيع المحجوزات بأن يشتريها لحسابه دون علم المحضر أو اتجاه إرادته إلى ذلك.
القصد الخاص، يتمثل القصد الخاص في اتجاه إرادة الجاني إلى تحقيق فائدة لنفسه أو لغيره، وفي حالة اتجاه الإرادة إلى تحقيق فائدة للغير يجب أن يكون الجاني عالما بأن حصول الغير على الفائدة بدون حق فإذا كان يعتقد بأن حصول الغير على الفائدة بحق انتفى لديه القصد.
ولا يدخل في عناصر القصد نية الإضرار بالمصلحة العامة، فيستوي في قيام جريمة التربح أن تتوافر لدى الجاني نية الإضرار أو ألا تتوافر، وتفسير ذلك أن وقوع الضرر لا يعتبر عنصرا من عناصر الجريمة ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتجه إرادة الجاني إلى تحقيق فائدة له، أو لغيره بدون حق، لا تقع الجريمة ولو ثبت توافر نية الإضرار بالمصلحة العامة لديه.
العقوبة:
يقرر المشرع الجريمة التربح عقوبة السجن المشدد (م115 ع) كما يقرر بالإضافة إلى ذلك وجوب الحكم بالعزل، وبالغرامة النسبية التي تساوي قيمة ما حصل عليه من ربح أو منفعة على ألا تقل عن خمسمائة جنيه، فضلاً عن الحكم بالرد إذا كان الجاني قد حقق ربحاً (م 118 ع)، ولا نرى محلاً لما يذهب إليه البعض من عدم الحكم بالغرامة النسبية في حالة اقتصار فعل الجاني على محاولة الحصول على الفائدة استنادا إلى عدم إمكان تحديد الغرامة نظراً لعدم إمكان تحديد الربح الذي لم يتحقق، ذلك أنه يمكن في هذه الحالة الحكم بالغرامة النسبية في حدها الأدنى وهو خمسمائة جنيه. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 160)
أركان الجريمة :
تقتضي المادة 115 من قانون العقوبات لانطباقها توفر عناصر ثلاثة هي صفة الجاني و الركن المادي والركن المعنوي.
1- صفة الجاني :
يتعين أن يكون الجاني موظفا عاما وفقا لما يبينه قانون سنة 1975 في المادة 119 مكرراً عقوبات فيدخل في ذلك العاملون بالدولة أو بإحدى الهيئات العامة أو وحدات الإدارة المحلية والقائمون بخدمة عامة وكل من فوضته السلطات العامة في القيام بعمل معين ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارة والمديرون وسائر العاملين في الجهات التي اعتبرت أموالها عامة طبقاً للمادة 119 وكل من يفوض بأداء عمل يتصل بالخدمة بناء على تكليف بمقتضى القانون أو من موظف في حكم المادة 119 مكرراً وهذا ما يمتد إلى المفوض بأداء عمل للجهات الخاصة ذات النفع العام .
ويشترط اختصاص الموظف بالعمل الذي تربح منه وذلك مستخلص من قول الشارع أن حصوله أو محاولته الحصول على الربح كان امن عمل من أعمال وظيفته" ويحدد عنصر الاختصاص وفقاً للقواعد العامة فيجوز أن يكون الاختصاص بناء على قانون أو لائحة أو قرار إداري أو تكليف كتابي أو شفوي من رئيس مختص ولا يشترط أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل الذي تربح منه وإنما يكفي أن يكون مختصاً بجزء منه وأي قدر من الاختصاص ولو يسير يكفي وتستوي الصورة التي يتخذها اختصاصه بالنسبة للعمل فقد يختص باتخاذ القرار في شأنه أو إبداء الرأي فيه أو يختص بتنفيذه مباشرة أو إدارة تنفيذه أو مجرد الإشراف عليه فإذا انتفت عن الجاني صفته فلا يرتكب هذه الجريمة ولو حصل لنفسه أو غيره على ربح فإذا لم يكن موظفاً على الإطلاق أوكان موظفاً ولكن لا اختصاص له بالعمل الذي تربح منه وإنما أقحم نفسه بما لاشأن له به فهو لا يرتكب هذه الجريمة و العبرة بتوافر هذه الصفة في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الذي تقوم به الجريمة بمعنى أنه إذا لم يكن للموظف وقت ارتكاب الفعل المادي أي اختصاص بالعمل الذي حصل بشأنه التربح أو محاولته فإن المادة 115 لا تنطبق عليه سواء في ذلك أكانت له الصفة الاختصاص من قبل ثم زالت وقت الفعل أم لم تكن له على الإطلاق.
ويلاحظ أنه إذا اشترك موظف في إحدى العمليات بصفته الشخصية أو تحت اسم مستعار ثم كلف بعد ذلك بمقتضى وظيفته بإدارة هذه العمليات أو الإشراف عليها فلم يعتذر عن قبول هذا التكليف أو لم يكف عن الاستمرار في مباشرة هذه العملية فإن الجريمة تتوافر في حقه قانونا وعلة ذلك أن المادة 115 عقوبات قد أتت بواجب قانوني فرضته على مثال هذا الموظف مقتضاه عدم الجمع بين المصلحتين العامة والخاصة والتربح من وراء ذلك .
2- الركن المادي :
الفعل المادي المكون للجريمة هو الحصول أو محاولة الحصول سواء للنفس أو للغير على ربح أو منفعة من عمل الوظيفة أو المهمة المعهود بها إلى الفاعل كما في شراء الفاعل شيئاً للحكومة بأكثر من ثمنه أو بيعه شيئاً للحكومة بأقل من ثمنه وأخذه فرق الثمن لنفسه أو لغيره وهذا هو الحصول على الربح أو المنفعة وكما في شراء الفاعل شيئاً أقل جودة مما طلب إليه شراؤه نظير وعد بهدية أو مكافأة من جانب البائع دون أن يقدمها هذا الأخير فعلاً إلى الفاعل وهذه محاولة الحصول للنفس أو للغير على ربح أو منفعة وعند بيع شئ للدولة أو الهيئة عامة تتوافر الجناية ولو ورد الموظف المكلف بالبيع ثمن المثل محتفظاً لنفسه أو لغيره بالقدر الزائد عن ثمن المثل في الثمن الذي تم البيع به لأن هذا يعتبر كذلك تحقيقاً لربح أو منفعة من وراء العمل الوظيفي.
ويتضح من ذلك أن للركن المادي لهذه الجريمة صورتين هما حصول الجانى لنفسه على ربح أو منفعة أو محاولته ذلك وحصول الجاني لغيره على ربح أو منفعة أو محاولته ذلك وفي الصورة الأولى يستوي أن يكون الحصول على الربح أو المنفعة بحق أو بغير حق وفي الصورة الثانية يتعين أن يكون ذلك بغير حق وعلة هذه التفرقة أنه لا يجوز للموظف أن يحصل لنفسه على أي مغتنم شخصي أو يحاول ذلك من أعمال وظيفته ولا يصلح دفاعاً أن يدعى الجاني بمشروعية الفائدة التي حصل أو أراد الحصول عليها فهي حتماً فائدة غير شرعية في نظر القانون ما دام أن الحصول عليها جاء بسبب مباشرة الموظف الأحد أعمال الوظيفة العامة المكلف بها أما الصورة الثانية أي حصول الموظف الغيره على ربح أو منفعة أو محاولته ذلك فيشترط لقيام الجريمة أن يكون ذلك " بغير حق" أي أن يكون قد مكنه من الحصول على مزية لايستحقها.
ويلاحظ أنه لا يلزم لتمام الجريمة المنصوص عليها في المادة 115 ع أن يتحقق بالفعل الربح الذي يقصده الفاعل لنفسه أو لغيره كما لا يلزم أن ينجم عن الربح أو عن محاولة الحصول عليه أي ضرر بالدولة أو الهيئة العامة أو الجهة التي تساهم هذه بنصيب في مالها فالأضرار ليس ركناً في هذه الجنابة لأن الحكمة من العقاب عليها منع الموظف المكلف بإدارة أعمال الحكومة أو الإشراف عليها من كل سعى إلى مصلحة خاصة يحتمل أن تصيب المصلحة العامة بالضرر ولو لم يثبت فعلاً تحقق هذا الضرر لأن الجريمة تعتبر من جرائم الحدث غير المؤذي "الشكلية" ذات السلوك المنتهى.
كما يجدر التنبيه إلى أن المصلحة التي يجب أن يحصل عليها الموظف العام أو يسعى نحو الحصول عليها هي مصلحة مادية فإذا كانت له مصلحة غير مادية مجردة كزمالة أو قرابة فلا يوصف من أجلها فقط بأنه صاحب مصلحة ما لم يعمل على تحقيق مصلحة مادية بغير حق لهذا الزميل أو الغريب.
والسائد حاليا في الفقه أن الغير الذي يتخذه الموظف ليتغطى به في الحصول أو محاولة الحصول على فائدة لنفسه أو الذي يحصل الموظف أو يحاول الحصول له على فائدة دون حق من عمل من أعمال وظيفته يعد شريكاً للموظف في جريمته دون الحاجة إلى نص خاص بذلك و إنما تطبيقاً للقواعد العامة كما أن الشروع يدخل في نطاق التجريم بإعتباره عملاً تنفيذياً ولما كان القانون يعتبر الشروع والمحاولة عملا تنفيذياً تاماً وكانت المحاولة تقتضي فعلاً مادياً يدل على نية مقارفة وتدنو من الشروع لحافته وتلامسه فإن العدول لا يؤثر في قيام مادية الجريمة.
3- الركن المعنوي :
الركن المعنوي أو القصد الجنائي هو اتجاه الإرادة إلى الحصول على ربح مع العلم بكل عناصر الجريمة فيجب أن يتدخل الموظف في العمل عن علم بأنه يختص لإرادته أو الإشراف عليه بحيث إذا جهل ذلك انتفى القصد لديه ولوكان مرجع الجهل هو عدم علم الموظف باللوائح أو التعليمات الإدارية لأن الجهل أو الغلط في غير أحكام قانون العقوبات ينفي القصد الجنائي كذلك يلزم انصراف إرادة الموظف إلى الحصول على ربح سواء حصل عليه أو لم يحصل فإذا لم تتجه إرادته إلى ذلك لايرتكب الجريمة ولو قصد مجرد الإضرار بمصلحة الدولة أو الهيئة أو نفحه صاحب العمل من تلقاء نفسه مكافأة.
العقوبة:
عملاً بنص المادتين 115 ، 118 فإنه يعاقب على هذه الجريمة بالسجن المشدد كما يحكم على الجاني بالعزل من وظيفته وبغرامة نسبية تساوي قيمة الربح أو المنفعة التي حصل عليها بشرط ألا تقل عن خمسمائة جنيه وإذا كان فعل المتهم هو مجرد محاولة الحصول على ربح دون أن يتمكن من الحصول عليه بالفعل فقد ذهب رأي إلى أن الغرامة النسبية تحدد بقيمة ما كان يحاول الحصول عليه أن أمكن تحديده وإلا قضى بحدها الأدنى ولا محل في هذا الفرض للحكم بالرد.
ولكن الرأي المتفق مع نص المادة 46 هو أنه لا محل للحكم بالغرامة النسبية إذا وقف نشاط الجاني عند مجرد الحصول على الربح دون أن يتمكن من الحصول عليه بالفعل وذلك باعتبار أن هذه الغرامة تتوقف على تقدير هذا الربح فإذا لم يكن قد تحقق بعد فلا محل للحكم بهذه الغرامة بالنظر إلى ذاتية الجريمة في هذه الحالة وهذا النظر هو ما اعتمدت عليه محكمة النقض حين قررت عدم جواز الحكم بالغرامة النسبية في جريمة الشروع في الاستيلاء بغير حق على مال مملوك للدولة " المادة 113 ع" . (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 422)
تقوم هذه الجريمة باستغلال الوظيفة للحصول أو محاولة الحصول على ربح للموظف أو لغيره كأن يشترك المهندس المشرف على عملية مع المقاول في تنفيذها، أو قيام قاضي بالمحكمة التجارية بعقد صفقة لحساب شركة كلف بالإشراف على تصفيتها بإعتباره مأموراً للتفليسة.
وعلة التجريم هي حماية المصلحة العامة التي يصيبها الضرر أو تتعرض للخطر إذا استهدف الموظف تحقيق ربح أو منفعة له أو لغيره من الوظيفة، فلابد أن ينشأ تعارض بين مصلحته الخاصة وبين المصلحة العامة، ولاشك أن الموظف سيغلب المصلحة الخاصة ولا يشترط أن ينال المصلحة العامة ضرر فعلي، فهذه الجريمة من جرائم الخطر الذي يتوافر حتما بمجرد التعارض بين المصلحتين.
وتقوم الجريمة على ركن شرعي يتضمن عنصراً مفترضاً هو كون الجاني موظفا عاما، ورکن مادي عبارة عن سلوك يحقق به الموظف أو يحاول أن يحقق به لنفسه أو لغيره ربحاً أو منفعة من أعمال الوظيفة، وركن معنوي يقوم على القصد الجنائي العام.
صفة الجاني :
يتعين أن يكون الفاعل في الجريمة موظفاً عاماً وفقاً لما قررته المادة (119 مكرراً).
ويكتفي المشرع بتوافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل الذي يستهدف به تحقيق الربح.
ولا يهم نوع العمل الذي يقوم به الموظف، فيستوي أن يكون عملاً متعلقاً بالتنفيذ أو بالإدارة أو بالإشراف أو بمجرد إبداء الرأي وتقوم الجريمة ولو كان الموظف مختصة بجزء من العمل الذي تربح من ورائه ومهما كان هذا الجزء بسيطاً، حتى لو كان البت النهائي في العمل لرؤساء الموظف.
وبداهة يتعين أن تتوافر صفة الموظف والاختصاص بالعمل وقت ارتكاب الجريمة وإذا قام شخص بعملية لحساب إحدى الهيئات المنصوص عليها في المادة (119) عقوبات باعتباره فرداً عادياً ثم عين في وظيفة لها الإشراف على هذه العملية أو إدارتها، فاستمر يقوم بها، فإن الجريمة تتوافر في حقه، لأنه من وقت تعيينه نشأ التعارض بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة وهو الأمر الذي تعني المادة التي نحن بصددها بالحيلولة دون حدوثه.
الركن المادي:
يقوم الركن المادي بالسلوك الذي يأتيه الموظف للحصول أو لمحاولة الحصول على ربح له أو لغيره، وبعلاقة سببية تربط بين هذا السلوك وبين النتيجة المجرمة وهي تحقيق الربح أو محاولة تحقيقه، فإذا توافر هذان العنصران قامت الجريمة تامة فقد سوى المشرع بين الحصول على الربح أو محاولة الحصول عليه والمحاولة أوسع نطاقاً من الشروع، فهي تشمل الأعمال التي تعد بدءاً في التنفيذ، كما تدخل فيها الأعمال التحضيرية التي تطمئن لها المحكمة إلى أن الموظف يستهدف بها الحصول على الربح.
وقد يؤدي سلوك الموظف إلى تحقيق النتيجة الإجرامية بطريقة مباشرة، كأن يشترك وهو مكلف بمراقبة الأغذية المقدمة لمستشفي مع المتعهد في توريدها وقد يحقق السلوك النتيجة بطريقة غير مباشرة، كأن يقوم موظف البلدية بشراء المهمات اللازمة لها من محل مملوك لزوجته أو أحد أبنائه.
ولا ينفي قيام الجريمة إذا دفع الموظف بأن الربح الذي حصل عليه من العملية لا يزيد عن الربح الذي كان يمكن أن يحققه الغير، كما لا يقبل احتجاجه بأن الأشياء التي اشتراها من المحل الذي تملكه زوجته مثلاً لا يزيد سعرها عن سعر السوق فالقانون يعتبر أن أي ربح يحصل عليه الموظف من جمعه بين مصلحته الشخصية والمصلحة العامة يعد بدون وجه حق.
أما إذا كان سلوك الموظف بغرض تحقيق أو محاولة تحقيق ربح للغير فلابد أن يكون ذلك بغير حق، كأن يعهد الموظف بالعملية لمقاول تقدم بعطاء مرتفع حالة وجود مقاول قدم عطاء أقل بنفس المواصفات ويعني ذلك أن الجريمة لا تقوم بمجرد حصول الغير أو محاولة حصوله على ربح، فطبائع الأمور تقتضي أن من يتعامل مع الجهات الحكومية ونحوها إنما يسعى لتحقيق ربح وإلا لما أقدم على ذلك فالمشرع في هذه الحالة قصد ألا يعاقب الموظف إلا إذا أتاح للغير الحصول على ربح بغير حق أي على حساب المصلحة العامة.
وبمجرد وجود قرابة أو مصاهرة بين الموظف والغير الذي عهد إليه بالعملية التي يختص الموظف بالإشراف عليها أو تنفيذها لا يكفي لقيام الجريمة، إلا إذا كانت القرابة أو المصاهرة هي الحافز الذي دفع الموظف لاختيار هذا الشخص للقيام بالعملية ويتعين أن يكون الربح المستهدف تحقيقه للقريب أو الصهر بغير حق.
والتربح جريمة وقتية، تتم بإتيان السلوك الذي أدى إلى حصول الربح أو محاولة الحصول عليه، ولو توالت الأرباح على الموظف خلال فترة من الوقت، فاستمرار الموظف أو الغير في الحصول على الربح ليس إلا أثراً من آثار الجريمة.
وقيام الموظف بعدة أفعال لتحقيق ربح له أو لغيره من الوظيفة، يجعلنا بصدد جريمة متتابعة الأفعال، مادامت كل الأفعال داخله في نطاق مشروع إجرامي واحد.
الركن المعنوي :
تقوم جريمة التربح على القصد الجنائي العام، فيكفي أن يعلم الموظف أن العمل الذي يقوم به يدخل في اختصاص وظيفته وأنه يريد به تحقيق ربح، سواء كان الربح لنفسه أو لغيره.
العقوبة:
يعاقب على التربح بالسجن المشدد وبعقوبتين تكميليتين وجوبيتين، هي العزل والغرامة النسبية التي تساوي قيمة ما حصل عليه الموظف لنفسه أو لغيره من ربح أو منفعة على ألا تقل عن خمسمائة جنيه، فضلاً عن الحكم بالرد إذا كان الجاني قد حقق ربحاً. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 477 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 188 ، 189 ، 190
(مادة 367)
يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات كل موظف عام طلب أو قبل لنفسه أو غيره عطية أو منفعة من أي نوع؛ لإستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم ، للحصول أو لمحاولة ذلك من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو إلتزام أو تراخيص أو عقود توريد أو مقاولة، أو على أية وظيفة أو خدمة أو منفعة من أي نوع.
ويعد في حكم السلطة العامة أية جهة خاضعة لإشرافها.
(مادة 374)
يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.