loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،

من المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 63 لسنة 1975 :

نظرا لأن القانون الحالي يعاقب على الإضرار العمدي كما يعاقب على حدوث الضرر فقد استحدث المشروع في صياغة الفقرة الأولى من المادة 116 مكرراً (أ) حكماً جديداً حرم به سلوك الموظف الذي لايتعمد الإضرار وإنما يأتي عمداً فعلاً من شأنه الإضرار بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى ملك الجهة وجعل النص الجديد الضرر حال تحققه بالفعل ظرفاً مشدداً لعقوبة الجريمة وقد روعي في تجريم هذا السلوك توقع الضرر من ورائه وإن لم يتصرف قصد الجاني إلى إحداث هذا الضرر.

الأحكام

1- إن المادة 116 مكرراً/أ من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 63 لسنة 1975 تنص على أن (كل موظف عام تسبب بخطئه فى إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل به بحكم وظيفته أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهودة بها إلى تلك الجهة بأن كان ناشئا عن إهماله فى أداء وظيفته أو عن إخلال بوجباتها أو عن إساءة السلطة ...........) والجريمة المنصوص عليها فى هذه المادة من الجرائم غير العمدية ويتوقف على توافر أركان ثلاثة هي خطأ وضرر جسيم ورابطة سببية بين ركن الخطأ والضرر الجسيم وقد حدد المشرع للخطأ ثلاث صور هي الإهمال فى أداء الوظيفة والإخلال بوجباتها وإساءة استعمال السلطة. والخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً فى الجرائد العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية، وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالمسئول والسلوك العادي والمعقول للموظف الذي تحكمه لحياة لاجتماعية والبيئية والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهمتهم وظروفها. أما الضرر فهو الأثر الخارجي للإهمال المعاقب عليه وشرطه فى هذه الجريمة أن يكون جسيما وقد ترك المشرع تقدير مبلغ جسامته لقاضي لموضوع لاختلاف مقدار الجسامة فى كل حالة عن غيرها تبعاً لاعتبارات مادية عديدة، كما أنه يشترط فى الضرر أن يكون محققا وأن يكون ماديا بحيث يلحق بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال أو مصالح الغير المعهود بها إلى تلك الجهة، أما رابطة السببية فيجب أن تتوافر بين خطأ الموظف والضرر الجسيم بحيث تكون جريمة الموظف نتيجة سلوكه فعلاً. سواء كان السلوك إيجابياً أو سلبياً. ولما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى عرض لأقوال رئيس اللجنة المشكلة من قبل النيابة العامة لمراجعة ملفات المقترضين من البنك وبيان أوجه الخطأ والضرر المترتب عليه بقوله (بان البنك لم يكن يتطلب لصرف قروض المعدات ضمانات معينة فى الفترة السابقة على 7/8/1989 اكتفاء بنظام تملك البنك للمعدات حتى سداد كامل الأقساط أو التوقيع على شيكات) ثم انتهى الحكم المطعون فيه إلى ثبوت مسئولية الطاعن والمحكوم عليه والآخر بعناصرها من خطا وضر جسيم وعلاقة سببية فى قوله ( وكان الثابت من الوراق أن المتهمين موظفين ببنك ناصر الاجتماعي وهو إحدى الجهات المنصوص على اعتبار أموالها أمولا عامة وقد ثبت فى حقهما الركن المادي والمتمثل فى الخطأ الذي أدى إلى ضرر جسيم بأموال الجهة التي يعملان بها وهي جملة القروض التي لم يتم سدادها والركن المعنوي المتمثل فى الخطأ غير العمدي والمتوافر فى حق المتهم الأول فى عدم اتباعه التعليمات الخاصة باستيفاء الضمانات الخاصة بالقروض المنصرفة للعملاء والذي شملهم الفحص وعدم إجراء المعاينات على الطبيعة والتاشير بالاعتماد دون التأكد من سلامتها ووجودها على الطبيعة ومن ثم يكون المتهمان قد أخلا بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها عليهما القانون بالنظر لظروف الواقعة.............) فإن ما انتهى إليه الحكم من مسئولية الطاعن والمحكوم عليه الآخر على النحو المار ذكره من توافر الخطأ والضرر الجسيم وعلاقة السببية بينهما، ذلك لعدم قيام المتهمين بإجراء المعاينات اللازمة والتأكد من صحة البيانات من واقع معاينة المحلات الخاصة بالنشاط، لا تتوافر به أركان الجريمة التي دين بها الطاعن والمحكوم عليه الآخر ذلك أن القروض وقد تم صرفها خلال عامي 1988، 1989 لم يكن حسبما هو ثابت من مدونات الحكم المطعون فيه على النحو سالف العرض يتطلب البنك لصرفها خلال تلك المدة،ضمانات معينة اكتفاء بنظام تملك المعدات للبنك حتى يتم سداد الأقساط. وكان الحكم المطعون فيه لم يستظهر ما إذا كان الطاعن والمحكوم عليه قد تقاعسا عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة باحتفاظ البنك بملكية المعدات التي تم شرائها مقابل تلك القروض حتى يتم سداد تلك القروض من عدمه وهو ما يعد فى زمان صرف القروض الضمان الأساسي لاسترداد تلك القروض. لما كان ما تقدم،فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب.

(الطعن رقم 12640 لسنة 64 جلسة 1999/12/30 س 50 ص 721 ق 162)

2- المادة 116 مكرراً (أ) من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 63 سنة 1975 تنص على أن "كل موظف عام تسبب بخطئه فى إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله فى أداء وظيفته أو عن إخلال بواجباتها أو عن إساءة استعمال السلطة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين....الخ" والجريمة المنصوص عليها فى هذه المادة من الجرائم غير العمدية ويتوقف تحققها على توافر أركان ثلاث هي خطأ وضرر جسيم ورابطة سببية بين ركني الخطأ والضرر الجسيم وقد حدد المشرع للخطأ صور ثلاث هي الإهمال فى أداء الوظيفة والإخلال بواجباتها وإساءة استعمال السلطة، والخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً فى الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالمسئول، والسلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها، أما الضرر فهو الأثر الخارجي للإهمال المعاقب عليه وشروطه فى هذه الجريمة أن يكون جسيماً وقد ترك المشرع تقدير مبلغ جسامته لقاضي الموضوع لاختلاف مقدار الجسامة فى كل حالة عن غيرها تبعاً لاعتبارات مادية عديدة. كما أنه يشترط فى الضرر أن يكون محققاً وأن يكون مادياً بحيث يلحق أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال أو مصالح الغير المعهود بها إلى تلك الجهة بحيث تكون جريمة الموظف نتيجة سلوكه فعلاً كان أو امتناعاً.

(الطعن رقم 3333 لسنة 64 جلسة 2000/04/05 س 51 ص 392 ق 70)

3- لما كانت المادة 8 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية لا تجيز رفع الدعوى الجنائية فى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 116 مكرراً (أ) من قانون العقوبات وهى جريمة التسبيب بالخطأ فى الحاق ضرر جسيم بالأموال والمصالح إلا من النائب العام أو المحامى العام وكان المشرع فى البند(ه) من المادة 119 من قانون العقوبات قد اعتبر رؤساء مجالس الادارة والمديرين وسائر العاملين فى الجهات التى اعتبرت أموالها أموالاً عامة وفقاً للمادة 119 من ذات القانون ومنها وحدات القطاع العام موظفين عامين فى تطبيق أحكام الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات المتضمن للمادة 116 مكرراً منه المنطبقة على واقعة الدعوى وأراد معاقبة جميع فئات العاملين بالحكومة والجهات التابعة لها فعلاً أو الملحقة بها حكماً ، مهما تنوعت أشكالها ، وأيا كانت درجة الموظف العام أو من فى حكمه وأيا كان نوع العمل الملكلف به . وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن يعمل رئيساً للقطاع المالى بشركة ......... وهى إحدى وحدات القطاع العام المملوكة للدولة فإنه يدخل فى عداد الموظفين العاملين فى تطبيق أحكام جريمة التسبب بالخطأ فى إلحاق ضرر جسيم بالاموال وترتيباً على ذلك تنعطف عليه الحماية المنصوص عليها فى المادة 8 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن محكمة ثانى درجة إذا لم تفطن لذلك ، وألغيت الحكم المستأنف الذى قضى وبحق بعدم قبول الدعوى لرفعها على خلاف ما تقضى به هذه المادة تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون ، وإذ كان حكمها المطعون فيه منهياً للخصومة على خلاف ظاهره إعتباراً بأن محكمة أول درجة سوف تحكم حتماً بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ، فإن الطعن فى هذا الحكم يكون جائزاً، وقد استوفى الشكل المقرر فى القانون. لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد أخطأت بقضائها سالف الذكر، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وتصحيحه بالقضاء بتاييد الحكم المستأنف الصادر بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانونى إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.

(الطعن رقم 5085 لسنة 62 جلسة 1995/01/15 س 46 ص 147 ق 19)

4- يبين من نص المادة 116 مكرراً (أ) من قانون العقوبات ومن مقارنته بنص المادة 115 من القانون المذكور ومن المذكرة الإيضاحية المصاحبة له أن جريمة المادة 116 المذكورة تتطلب لقيامها تحقق الضرر سواء فى الواقع أو فى قصد الفاعل , وأن مجرد الاحتمال على أى وجه ولو كان راجحا لا تتوافر به تلك الجريمة فى أى من ركنيها والترجيح بين المصالح المتعارضة - مصلحة الشركة التى يديرها الطاعن - فى التمسك بايقاع الغرامة التهديدية , ومصلحتها فى سير عملها وانتظامه , واختيار أخف الأمرين وأهون الضررين , لا يتحقق به الضرر المقصود فى القانون أو القصد المعتبر الملابس للفعل المادى المكون للجريمة , ومن ثم فان الحكم المطعون فيه إذ خاض فى تقريراته دون التفات إلى ما يشهد من مدوناته لحقيقة الواقع المطابق لصحيح القانون وعلى الأخص شهادة الوزير المختص وفحوى المذكرة المقدمة منه , يكون معيباً .

(الطعن رقم 1275 لسنة 39 جلسة 1969/10/13 س 20 ع 3 ص 1056 ق 208)

5- ان الغرامة التهديدية كما يدل عليه إسمها وتقتضيه طبيعتها هى - كالاكراه البدنى - ليس فيها أى معنى من المعانى الملحوظة فى العقوبة . كما أنه ليس فيها معنى التعويض عن الضرر وإنما الغرض منها هو اجبار المدين على تنفيذ التزامه على الوجه الأكمل ، وهى لا تدور مع الضرر وجودا وعدما ولا يعتبر التجاوز عنها فى ذاته تجاوزا بالضرورة عن ضرر حاصل أو تنازلا عن تعويض الضرر بعد استحقاقه خصوصا إذا اقتضى عدم التمسك بها دواعى العدالة أو دوافع المصلحة كما أن ورودها فى القيود الدفترية الحسابية للمنشأة لا يغير من طبيعتها التهديدية لا التعويضية هذه ، وذلك للعلة المتقدمة ، ولأن من القيود الدفترية ما هو حسابات نظامية بحت لا تمثل ديونا حقيقية ، ومنها ما هو عن ديون تحت التسوية والمراجعة . وإذ كان ذلك ، وكانت الجريمة المسندة إلى المتهم هى الإضرار بمصالح الجهة صاحبة الحق فى التمسك بالغرامة التهديدية ، تعين ابتداء أن يثبت الحكم وقوع الضرر بما ينحسم به أمره ، لأنه لا يستفاد بقوة الأشياء من مجرد عدم التمسك بايقاع تلك الغرامة ، ولا يستفاد كذلك بإدراج مبلغها فى دفاتر المنشأة ، وذلك كله بفرض أن المتهم صاحب الشأن فى إيقاعها أو التنازل عن التمسك بها .

(الطعن رقم 1275 لسنة 39 جلسة 1969/10/13 س 20 ع 3 ص 1056 ق 208)

6- لما كان ذلك و كان مما تثيره النيابة الطاعنة من عدم معاقبة المتهم بالمادة 116 مكرراً "أ" من قانون العقوبات - المستبدلة بالقانون 63 لسنة 1975 أن الحكم أسند إليه إهمالاً يستوجب المساءلة التأديبية فإن ذلك مردود من وجهين أولهما أن إعمال حكم هذه المادة يتطلب توافر أركان ثلاثة أولها الخطأ ثانيها الضرر الجسيم و ثالثها رابطة السببية بين الخطأ و الضرر الجسيم و قد حدد المشرع للخطأ صوراً ثلاث الإهمال فى أداء الوظيفة أو الإخلال بواجباتها أو إساءة إستعمال السلطة و هذا الركن هو محل البحث فى هذا الطعن ، و من الواضح أن الخطأ الذى إشترطه الشارع فى هذا النص يختلف عن الخطأ فى مجال المسئولية الإدارية ، ذلك أنه يجب عدم الخلط بينهما إذ أن كل منهما يمثل وجهاً مغايراً يختلف عن الآخر . فالخطأ فى المسئولية الجنائية قوامه خروج الموظف عن المسلك المألوف للرجل العادى المتبصر الذى يلتزم الحيطة و الحرص على أموال و مصالح الجهة التى يعمل أو يتصل بها حرصه على ماله . و مصلحته الشخصية ، فى حين أن الخطأ فى المسئولية الإدارية قد يتوافر رغم عدم خروج الموظف عن هذا المسلك لمجرد مخالفته لتعليمات أو أوامر إدارية بحتة ، و أنه و إن جاز إعتبار الخطأ فى المسئولية التأديبية إلا أن العكس غير صحيح فى مجال المساءلة الجنائية . لما كان ذلك ، و كان ما أورده الحكم فى مدوناته من أن " الأوراق قد جاءت مليئة بأخطاء إدارية إقترفها المتهم المذكور يجدر بالجهة الإدارية إتخاذ شئونها فيها " فإن هذا القول من الحكم لا يوفر بذاته الخطأ الذى عناه الشارع فى المادة 116 مكرر أ - المستبدلة بالقانون 63 لسنة 1975 - كما سلف بيانه هذا ، و الوجه الثانى أن تهمة الجنحة المنصوص عليها فى هذه المادة هى واقعة جديدة لم تكن تهمتها موجهة للمتهم و لم ترفع بها الدعوى و تختلف عن واقعة جناية الإختلاس المنصوص عليها فى المادة 1/112 ، 2 من قانون العقوبات المرفوعة بها الدعوى و على ذلك فمعاقبته عن الجنحة المنصوص عليها فى المادة 116 مكرراً من قانون العقوبات هو تعديل فى التهمة نفسها يشتمل على إسناد واقعة جديدة إلى المتهم لم تكن واردة فى أمر الإحالة ، و أن قضاء الحكم الصادر بها على المتهم فى جناية الإختلاس لا يمنع النيابة العامة من إقامة الدعوى من جديد أمام المحكمة المختصة على المتهم بمقتضى المادة سالفة الذكر إذا رأت توافر أركان تلك الجريمة و الأدلة فى حق المتهم .

(الطعن رقم 5332 لسنة 59 جلسة 1991/11/19 س 42 ص 1217 ق 167)

7- لما كان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى دلل على توافر أركان جريمة التسبب بإهمال فى إلحاق الضرر بأموال الجهة التى يعمل بها الطاعنون وأقام قضاءه بالإدانة فى حقهم بقوله " وحيث إنه متى كان ما تقدم .... وكانت المحكمة بما لها من سلطة تقديرية فى تقدير الأدلة فى الدعوى تطمئن إلى تقرير اللجنة المشكلة بمعرفة النيابة العامة وتستمد منها ومن سائر أوراق الدعوى أن المتهمين جميعاً موظفون عموميون بشركة ...... إحدى شركات قطاع الأعمال تسببوا بخطئهم فى أحداث ضرر جسيم بمال الشركة وكان ذلك ناشئاً عن إهمالة وإخلال وإساءة استعمال السلطة الوظيفية المخولة لهم .... الأول وهو رئيس مجلس إدارة الشركة تقدم إليه العميل ........ متضمن عرض توريد مائتى طن صوف بصفته وكيلاً عن ........ المجموعة ..... للتبادل التجارى ( ........ ) بتاريخ .... وفى ذات اليوم أشر على الطلب بالإحالة إلى رئيس القطاعين المالى والتجارى ( المتهمين الثانى والثالث ) وفى ذات اليوم أعد المتهم الرابع رئيس الشئون القانونية العقد ولم يتأكد أحدهم من صفة المتعاقد ومدى قانونية وكالته التى لا تبيح له التعاقد أم التوريد أو الشراء والمحكمة تشير بداية أنه وفقاً للمجرى العادى للأمور أن العقود فى الظروف العادية فى التعاقدات المألوفة فى الحياة اليومية يتأكد من صفة المتعاقد وطبيعة وكالته فى التعاقد ، وكان يجب عليهم جميعاً التأكد من تلك الصفة وخاصة مفترض أنهم أصحاب خبرة وكفاءة وأن تعاقدهم معه دون التأكد من صفته هو إهمال وإخلال جسيم بواجباتهم الوظيفية والذى نتج عن هذا الإهمال إضرار جسيم بالمال العام على النحو الذى تم سرد فيه وقائع الجنحة ، وقد تضمن هذا التعاقد مجموعة أعمال تمثل إهمالاً وإخلالاً بواجبات وظائفهم ومخالفات واضحة للائحة الشركة فقد تم التعاقد دون عمل مناقصة لتوريد الأصواف المطلوبة وأن تلك الأصواف ليست من الأشياء المستعجلة التى يستلزم فيها الأداء بالأمر المباشر ، كما أن التعاقد منع العميل من التوريد ولم يتم عمل تقرير كتابى فى لجنة المشتريات بالمخالفة لنص المادة 35 من لائحة المشتريات والمخازن الموحدة وتم التعاقد مع العميل دون التأكد من قيد اسمه فى سجل الموردين بالشركة ولا يقدح فى ذلك ما قرره وتاريخ المتهمين فى تقيد بالسجل التجارى ولم تصدر ضده بروتسات دفع أو أحكام بإفلاسه لأن القيد بالسجل التجارى يختلف عن قيد اسمه بسجل الموردين بالشركة فضلاً على أن القيد بالسجل التجارى تم بعد الواقعة بالإضافة إلى أن العميل صحيفة سوابقه ارتكابه لعدد 57 سابقة شيكات بدون رصيد ونصب ، كما أن المتهمين كل حسب اختصاصه وافقوا جميعاً على التعاقد مع العميل دون عمل أى تحرى عنه ووقعوا البيع له لمنتجات الشركة بالأجل والمقايضة دون أن يكون العميل مقيداً أو معتمداً لدى الشركة للتعامل فى السلعة موضوع التعاقد ، مخالفات لنص المادة 33 من لائحة شروط البيع والتى تشترط أن يكون البيع بالأجل ..... مدة ستة أشهر على تعامله بالشركة ولا يقدح فى ذلك ما قرره دفاع المتهمين فى أن البيع تم نقداً أومقايضة والمتهمين علقوا صرف الشيكات على مدة معينة وهذا فى حد ذاته موافقة على البيع بالأجل ومخالفة لنص المادة 23 من اللائحة لأن التحصيل بموجب أوراق طبع حسب نص المادتين 22 ، 23 لا تعتبر القيمة مسددة إلا بعد ورود إشعار من البنك بتمام قيد القيمة لحساب الشركة أو سداد قيمتها نقداً بخزينة الشركة ولا يقدح فى ذلك كون الشيكات مقبولة الدفع بأن قيمتها قانوناً محفوظة لدى البنك بالكامل لحساب المستفيد لأن المتهمين لم يتحروا من مدى صحة تلك الشيكات والأختام التى عليها وهذا لا يتعارض مع سرية البنوك أن الشيك مقبول الدفع أصبح ملكاً للمستفيد وليس لمصدره بالإضافة أنهم علقوا صرف الشيكات على شرط مرور خمسة وأربعين يوماً بدون سند فى الواقع أو القانون فالعميل استلم بضاعته عيناً فلما يعلق الصرف على هذا الشرط والمصلحة فى أن كان المتهمون حرصين على مصلحة الشركة قيامهم بإهمالهم وإخلالهم الجسيم بواجبات وظيفتهم مكنوا العميل فى تسلم البضاعة دون قبض ثمنها كل بدوره الوظيفى ومكنوه من التعاقد السريع فى ذات يوم تقديمه الطلب دون الغرض اللازم أو عمل المناقصة اللازمة لتمام التوريد حسب التعليمات المقررة للائحة الشركة ووافق رئيس قطاع الشئون المالية والإدارية على إتمام البيع ذات اليوم دون فحص كاف وعمل تقرير فى لجنة المشتريات وقام المتهم الرابع بصياغة العقد ووافق على تعليقه الدفع على شرط غير قانونى وهو مرور فترة زمنية ليبدأ الصرف دون التحقق من صفة المتعاقد والأكثر من ذلك تم التعاقد على شروط غير واردة بالطلب المقدم من العميل وتلك الشروط ليست فى صالح الشركة ولا يقدح فى ذلك دفاع وكيل المتهمين فى أنه لم يعاقب العميل جنائياً لأن كل شخص يعاقب عما ارتكبه من أفعال الشركة فى غير محله وأن الضرر ليس بجسيم فهذا أقوال ترد عليه الأرقام الموضحة بتقرير اللجنة التى انتهت إلى أن قيمة الضرر الذى أصاب الشركة .... جنيه وبالطبع فإن ذلك يمثل قيمة الضرر الجسيم بالمال العام ، وحيث إنه عن طلب وكلاء المتهمين بندب خبير فى الدعوى فإن الأوراق ودفاع المتهمين لا ينفى وجود خلاف على الأرقام الحسابية لقيمة الضرر الذى أصاب الشركة وأن الواقعة تشكل مخالفات قانونية تشكل فى مجموعها الإهمال والإخلال الوظيفى الموقع من المتهمين ، ومن ثم فإن هذا الطلب فى غير محله ومن ثم فإن المحكمة ترى أن أركان الجريمة موضوع القيد والوصف قد توافرت حقاً قبل المتهمين جميعاً وأنه قد لحق ضرر جسيم بمال الشركة نتيجة إهمالهم وإخلالهم بأدنى قواعد أعمالهم الوظيفية بالرغم أنهم فى درجات عليا فى السلم الوظيفى يفترض فيهم الخبرة والكفاءة والتبصر والحيطة لمقتضيات عملهم إلا أن ذلك لم يحدث والمحكمة فى مجال إنزال العقاب عليهم ترى أنهم لا يصلحون للعمل فى مثل تلك المناصب الإدارية فضلاً على معاقبتهم بالعقوبة المقررة بالمادة 116 مكرر/2 والتى تقضى بعقوبة الحبس والمادة 118 والتى تقضى بعقوبة العزل أو زوال الصفة على النحو الذى سيرد بالمنطوق " ثم أضاف عليه الحكم المطعون فيه بعد أن أفصح عن أخذه بأسباب الحكم المستأنف قوله " حيث إن المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها ومن كون المتهمين موظفين عموميين حفاظاً على مستقبلهم الوظيفى ترى المحكمة أخذهم بالرأفة ومن ثم تستبدل عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة الواردة بمنطوق الحكم كما أنها تكتفى بوقف كل منهم عن عمله بمرتب مخفض لمدة شهر بدلاً من عقوبة العزل المقضى بها بالحكم المستأنف عملاً بالمادة 17/2 ع ". لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة أركان الجريمة التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حق كل منهم أدلة سائغة مستمدة من أقوال أعضاء اللجنة المنتدبة من النيابة والتحقيقات التى تمت بشأن الواقعة المطروحة وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الشارع فى صدد تطبيق المادة 116 مكررأ من قانون العقوبات قد حدد للخطأ الجسيم صوراً ثلاث هى الإهمال الجسيم فى أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة ، وكان من المقرر أن الخطأ الذى يقع من الأفراد عمداً فى الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة التى تقضى بها ظروف الحياة العادية ، وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادى المتبصر الذى أحاطت لديه ظروف خارجية مماثلة للظروف التى أحاطت بالمسئول والإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه وقوامه تصرف إدارى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها العامل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها والسلوك المعقول العادى للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها ، فإن قعد عن بذل القدر الذى يبذله أكثر الناس تهاوناً فى أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيماً ، وتقدير ذلك الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو ما يتعلق بموضوع الدعوى ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعنين من الواقع الذى استبان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أنهم أهملوا إهمالاً جسيماً فى أداء أعمال وظيفتهم فأغفل الطاعن الأول ما تتطلبه واجبات عمله كرئيس لمجلس إدارة الشركة من حذر وحيطة ودلل على ذلك بقبوله التعامل بشيكات مؤجلة الدفع مع شخص لم يسبق له التعامل مع الشركة لا يعلم عن قدرته التجارية ويساره المالى شيئاً دون التحقق والتحرى عنه بما يسمح به عمله الوظيفى قبل توقيع العقد واكتفائه بضمان شيكات مؤجلة الدفع دون الاستعلام عن صحتها مما يكون ذلك كافياً لتحقق الخطأ الذى وقع منه ومن الطاعنين الآخرين على نحو ما انتهى الحكم المطعون فيه فى مدوناته مما ترتب عليه إلحاق الضرر الجسيم بأموال الشركة بلغ ...... جنيه فإن هذا القدر الذى أورده الحكم سائغ ويستقم به قضاءه وتندفع به دعوى القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال . 

(الطعن رقم 17410 لسنة 65 جلسة 2004/11/03 س 55 ع 1 ص 736 ق 111)

8- محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم، وأن من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع أوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحاً لأنها وهى تفصل فى الدعوى لا تتقيد بالواقعة فى نطاقها الضيق المرسوم فى وصف التهمة المحال عليها، بل أنها مطالبة بالنظر فى الواقعة الجنائية التى رفعت بها الدعوى على حقيقتها كما تبينتها من الأوراق ومن التحقيق الذى تجريه بالجلسة، إلا أنه يجب أن تلتزم فى هذا النطاق بألا تعاقب المتهم عن واقعة مادية غير التى وردت فى أمر اللأحالة أو طلب التكليف بالحضور دون أن تضيف إليها شيئا وإذ كان الثابت أن الدعوى رفعت على المطعون ضده بتهمة أختلاس أموال أميرية بالمادة112 أ من قانون العقوبات، وكان الفعل المادى لهذه الجريمة يختلف عن الفعل المادى المكون لجريمة الأضرار غير العمدى بالأموال والمصالح المؤثمة 116مكررا أمن القانون ذاته، ومن ثم فهى واقعة مغايرة للواقعة الواردة بقرار الاحالة، فإن ما تثيره النيابة الطاعنة من دعوى الخطأ فى تطبيق القانون يكون ولا محل له.

(الطعن رقم 5720 لسنة 59 جلسة 1993/05/10 س 44 ع 1 ص 457 ق 65)

9- لما كانت المادة 73 آنفة الذكر بصريح لفظها ووضوح معناها على أن القيد الإجرائى الوارد بها أى أخذ رأى الوزير المختص هو عائق إجرائى يختص بإزالته أخذ رأى الوزير وإن كان لا اختصاص له بتحريك أو رفع الدعوى الجنائية إلا أنه يجب اتباعه من قبل النيابة العامة قبل إقامة الدعوى الجنائية ، والقول بغير ذلك يؤدى إلى ضياع الغاية التى تغياها المشرع من وضع هذا القيد ، وذلك أخذاً بمبدأ المواءمة والملاءمة بين ما يسند إلى المتهم وبين إقامة الدعوى الجنائية قبله , إذ إن الجهة الإدارية هى وحدها التى تقدر مناسبة ذلك من عدمه ، ولما قدره المشرع من أن هناك بعض الجرائم ذات طبيعة خاصة لاتصالها بمصالح الدولة الجوهرية والتى تتطلب الموازنة بين اعتبارات تحريك ورفع الدعوى من عدمه وتكون جهات أخرى غير النيابة العامة أقدر على إجراء تلك الموازنة ومن ثم فقد ترك لها تقدير ذلك معلقاً تحريك الدعوى ورفعهاعلى الرأى أو الإذن أو الطلب , وقد حدد المشرع تلك الجرائم والجهة المنوط بها رفع القيد وتقديرها لملابسات تحريك الدعوى ورفعها من عدمه . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وخلص بما أورده فى مدوناته إلى رفض الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها بغير الطريق الذى رسمه القانون دون أن يفطن إلى أن القانون 203 لسنة 1991 صدر وعمل به بعد تحريك الدعوى قبل الطاعنين ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون , الأمر الذى يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها بغير الطريق القانونى باعتبار أن باب المحاكمة موصود دونها وهو أمر من النظام العام لتعلقه بولاية المحكمة واتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية وصحة اتصال المحكمة بالواقعة وذلك إلى أن تتوافر لها الشروط التى فرضها المشرع لقبولها .

(الطعن رقم 19061 لسنة 66 جلسة 2005/10/26 س 56 ص 532 ق 82)

شرح خبراء القانون

التسبب في إلحاق ضرر جسيم بالأموال أو المصالح

نصت على هذه الجريمة المادة 116 مكرراً  (أ) من قانون العقوبات في قولها « كل موظف عام تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة ، بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمال في أداء وظيفته أو عن إخلال بواجباتها أو عن إساءة استعمال السلطة ، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ست سنوات وغرامة لا تجاوز ألف جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الإقتصادي أو بمصلحة قومية لها .

وهذه الجريمة غير عمدية ، ولها صورة بسيطة ، ولها صورة مشددة ، وهي في الصورتين جنحة و الشبه أساسي بين هذه الجريمة وجريمة الإضرار العمدى بالأموال أو المصالح المادة 116 مكرراً من قانون العقوبات ، ويكاد ينحصر الخلاف بينهما في صورة الركن المعنوي ، فهو القصد في إحداهما والخطأ في ثانيتهما .

علة التجريم :

علة التجريم ما « يوجبه بناء المجتمع الجديد على كل فرد من ضرورة التزام الحيطة والحرص على هذه الأموال والمصالح حرصه على ماله ومصلحته الشخصية » : فالشارع يفرض بهذا النص على الموظفين الإسهام الإيجابي في صيانة الأموال والمصالح العامة ، وذلك من أجل مساندة الدولة في خطتها الإقتصادية والإجتماعية والعمل على نجاحها ، فإذا أخل الموظف بهذا الإلتزام ، فأصاب الضرر الجسيم هذه الأموال أو المصالح ، فسلوكه جدير بالعقاب وقد قصر الشارع هذا الإلتزام على الموظفين ، بإعتبارهم الذين يحملون بصفة خاصة أمانة السهر على الأموال والمصالح العامة .

أركان الجريمة، تفترض هذه الجريمة أركاناً أربعة : صفة الجاني ، ورکن مادی ، وموضوع لهذا الركن ؛ وركن معنوي .

أما صفة الجاني فتقتضى كونه موظفاً عاماً وفقاً للمدلول الذي نصت عليه المادة 119 مكرراً من قانون العقوبات ويخضع الركن المادي لذات الأحكام التي يخضع لها الركن المادي لجريمة الإضرار العمدى : فهو يقوم مثله على عناصر ثلاثة : فعل من شأنه الإضرار بالأموال أو المصالح التي أشار إليها النص ، وضرر جسيم يحيق بها فعلاً ، وعلاقة سببية تتوافر بينهما.

ويشترط في الضرر أن يكون محققاً ، وأن يكون مادياً ، وأن يكون جسيماً فاشتراط أن يكون محققاً يعني أن الضرر الاحتمالي لا يكفى لقيام الجريمة ، وعلة ذلك أنه عنصر تطلبه القانون لقيام الجريمة ، ومن ثم يتعين أن يكون له وجود فعلى واشتراط أن يكون مادياً يعلله أن علة التجريم هي مساندة الدولة في خطة التنمية الإقتصادية والإجتماعية ، وهذه الخطة تتصل بمجموعة من المصالح ذات الطابع المادي واشتراط أن يكون الضرر جسيماً قد ورد النص عليه صراحة وتقدير الضرر ، والقول بأنه جسيم هو من شأن قاضي الموضوع وموضوع هذا الركن هو أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها المتهم ، أو يتصل بها بحكم وظيفته ، أو أموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إليها .

أما الركن المعنوي للجريمة فيتمثل في الخطأ غير العمدي على الوجه الذي نفصله فيما يلى :

الخطأ: الخطأ باعتباره صورة الركن المعنوي لهذه الجريمة لا يخرج عن المدلول العام للخطأ فهو إخلال شخص بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون بالنظر إلى الظروف الواقعية التي يباشر فيها تصرفه ، وعدم حيلولته تبعاً لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى إحداث الضرر ، سواء أكان لم يتوقعه في حين كان ذلك في استطاعته ومن واجبه ، أم كان قد توقعه ولكنه اعتقد غير محق أن في استطاعته تجنب إحداثه.

ولكن الشارع ميز الخطأ في هذه الجريمة باشتراط أن يتخذ إحدى صور ثلاث نص عليها على سبيل الحصر ، هذه الصور هي : الإهمال في أداء الوظيفة ، أو الإخلال بواجباتها ، وإساءة استعمال السلطة ونفصل فيما يلي هذه الصور .

يعني « الإهمال في أداء الوظيفة » تقاعس الموظف عن القيام بالواجبات التي تفرضها عليه واجبات وظيفته ، سواء اتخذ ذلك صورة امتناعه كلية عن ممارسة اختصاصه بصفة عامة أو بالنسبة لنوع معين من الأعمال ، أو اتخذ ذلك صورة ممارسة هذا الإختصاص على وجه أغفلت فيه القواعد القانونية أو الفنية التي كان يتعين عليه التزامها كي يؤدي عمله الوظيفي على الوجه الصحيح  والصورة الثانية للخطأ هي « الإخلال بواجبات الوظيفة »، وهي بطبيعتها متسعة النطاق ، وتكاد تشمل الصورتين الأخريين : فهى تتسع لكل اغفال في صورة كلية أو جزئية للواجبات التي تحكم أداء الوظيفة ، سواء أكانت هذه الواجبات تفرض أداء عمل معين ، أو تحدد كيفية أدائه ، أو الغاية المستهدفة منه وليس بشرط أن يكون مصدر هذه الواجبات نص في قانون أو لائحة أو قرار إداري أو تعليمات مكتوبة أو شفوية ، وإنما يمكن أن تستخلص من الروح العامة للنظام الوظيفي ، وتتمثل على هذا النحو فيما يمكن اصطلاحاً التعبير عنه « بأمانة الوظيفة العامة » ، ولذلك فإن التهاون في المحافظة على أسرار للدولة - على جانب ملحوظ من الخطورة - يحقق هذه الصورة من الخطأ والصورة الأخيرة للخطأ ، وهي « إساءة استعمال السلطة » تعني أن يبتغى الموظف بممارسة اختصاصه تحقيق غاية مختلفة عن تلك التي حددها القانون للأعمال الداخلة في هذا الإختصاص : فالموظف ينحرف في استعماله سلطته ويتعسف في ذلك ، والفكرة الجوهرية في هذه الصورة من الخطأ الجسيم أن الشارع حينما خول الموظف سلطة فقد أراد بذلك أن يستعملها لتحقيق مصلحة عامة حددها ، فإن ابتغى بإستعمالها تحقيق مصلحة عامة - سواء لنفسه أو لغيره - فقد أساء استعمال سلطته .

عقوبة الجريمة : حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالحبس بين حديد الأدنى والأقصى العامين والغرامة التي لا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين ، ولا محل للحكم بالعزل أو بالغرامة النسبية أو بالرد .

وقد نص الشارع على ظرف مشدد للجريمة موضعه أن يترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الإقتصادي أو بمصلحة قومية لها والأثر المترتب على التشديد هو إرتفاع العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ست سنوات ، والغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه والحكم بالعقوبتين وجوبي .

تحريك الدعوى الجنائية : لا يجوز لغير النائب العام أو المحامي العام رفع الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة (المادة 8 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية)، ويعني ذلك أنه لا يجوز لسائر أعضاء النيابة العامة تحريك هذه الدعوى ، ولا يجوز ذلك من باب أولى للمضرور من الجريمة وعلة هذا القيد حماية الموظف العام من الدعاوى التي تقام دون تقدير دقيق لمدى ملاءمتها . (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة: 169)

يقوم الشرط المفترض في هذه الجريمة بتوافر عنصرين :

(الأول) صفة الموظف العام في مرتكب الجريمة : وتتحدد هذه الصفة وفقا لذات المعنى الواسع المنصوص عليه في المادة 119 مكرراً عقوبات.

(الثاني) نوع المصالح التي يصيبها الضرر المترتب على الجريمة : وهي ذات المصالح التي تحميها المادة 116 مكرراً عقوبات، والتي أوضحناها فيما تقدم وهذه المصالح يجب أن تكون مادية - كما بينا - فتخرج المصالح الأدبية عن نطاق الحماية المقررة في المادتين 116 مكرراً و 116 مكرراً «أ» عقوبات.

الركنان المادي والمعنوي :

يقوم الركن المادي لهذه الجريمة على فعل يتصف بالخطأ غير العمدي، يقوم به الجاني ويترتب عليه ضرر جسم بإحدى المصالح التي يحميها القانون وهناك ارتباط وثيق بين هذا الركن وبين الركن المعنوي للجريمة، لأن الفعل المادي الذي قارفه الجاني يجب أن ينم عن خطأ غير عمدي، وهو جوهر ركنها المعنوي، فالإضرار العمدي يمثل وجهاً للإجرام يختلف عن الإضرار غير العمدي، مما لا يجوز معه الخلط بينهما في مجال المسئولية الجنائية فالحركة الإجرامية التي يترتب عليها الضرر الجسيم هي الركن المادي، ورصف هذه الحركة بالخطأ غير العمدي هو الركن المعنوي ونظراً لهذا الإرتباط الوثيق بين الركنين، وحرصاً على إيضاح الموضوع وفي سبيل تماسك الفكرة - فسوف ندرس هذين الركنين معاً، فنبين أولاً مدلول الخطأ غير العمدي ثم نحدد بعد ذلك معنى الضرر الجسيم .

(أولاً) الخطأ غير العمدي :

يتعين أولاً تحديد معيار الخطأ غير العمدي، ثم نبين بعد ذلك مدى اشتراط الجسامة في هذا الخطأ.

معيار الخطأ غير العمدي :

يذهب المعيار الموضوعي إلى توافر الخطأ غير العمدي إذا لم يطابق سلوك الجاني مستوى الحيطة والحذر الذي يصل إليه الرجل المعتاد، كما إذا لم يتوقع أمورا تقتضيها الخبرة العامة أو جهل دون مبرر ببعض الظروف التي ضاعفت من خطر سلوكه والتي كان يتعين على الرجل المعتاد الإلمام بها، دون اعتداد بالملكات الشخصية للجاني والظروف الخاصة التي يمر بها على أن هذا المعيار لا يمكن الأخذ به ، لأن الإلتزام بالحذر والحيطة المفروض على الجاني ليس التزاماً عضوياً بعيد الصلة عن اتجاهات ونطاق تفكيره وعقله، وإنما هو التزام يقع على عاتقه في حدود ما لديه من قدرة معينة على التفكير، فليس المطلوب منه بمجرد أن يتصرف بحذر إلا بالقدر الذي يمكن للشخص العادي أن يسلكه إذا كان في مثل ظروفه الشخصية فالخطأ غير العمدي ليس إلا ظاهرة شخصية، وما الجريمة غير العمدية إلا سلوك أدت إليه هذه الظاهرة.

وإذا، فإنه لا يمكن قياس هذا الخطأ مجردا عن الظروف الشخصية بكل شخص على حدة مما يتعين معه أن يكون المعيار الموضوعي واقعياً، بمعنى أنه لا يجوز قياس الخطأ غير العمدي وفقا للملكات الذهنية المجردة للشخص المعتاد بعيداً عن ظروف الحياة وملابسات الواقع، بل يجب أن نحدد السلوك الذي يمكن للرجل المعتاد أن يسلكه لو مر بالظروف الشخصية التي أحاطت بالجاني، سواء ما تعلق منها بخبرته أو بحالته الصحية أو سنة، أو ظروف الزمان والمكان التي يمر بها وبعبارة أخرى، فإن الخطأ غير العمدي يقاس بما يمكن توقعه من رجل عادي الحذر والدقة والنشاط في مثل هذه الظروف.

وتطبيقاً لهذا المعيار لا يمكن اختيار الشخص المعتاد من بين جميع الناس كافة وإنما يتعين أن يكون هذا الشخص من فئة الأشخاص الذين ينتمي إليهم الجاني، فلا يمكن مثلاً تقدير مدى الحيطة والحذر الذي يجب أن يلم به قائد سيارة تعلم القيادة حديثاً بسائق آخر محترف مارس قيادة السيارات فترة طويلة كما لا يجوز أيضا أن نوجب على طبيب يمارس الطب العام اضطرته ظروف قهرية إلى مباشرة عملية جراحية أن يتخذ قدراً من الحيطة والحذر يماثل ما يلتزم به جراح أخصائي وإذا، فإنه عند تقدير مدى الحيطة والحذر التي يجب أن يتصف بها الجاني يجب مراعاة نوع المهنة التي ينتمي إليها الجاني ومقتضياتها ومدى ما يتمتع به من قدرة على مزاولة هذه المهنة وبوجه عام، فإنه عند تقدير توافر الخطأ غير العمدي لشخص معين، يجب قياس هذا الخطأ وفقاً لما يجب أن يتمتع به شخص عادي ينتمي إلى الفئة الخاصة - الاجتماعية أو المهنية - التي جاء منها الجاني وفي الظروف الشخصية نفسها التي يمر بها.

ويجب أن يلاحظ أن الالتزام بمراعاة النصوص التي تفرضها القوانين واللوائح والتعليمات لتحكم سلوك الشخص لا يتطابق تماماً مع الإلتزام بواجب الحيطة والحذر الذي يفرضه عليه قانون العقوبات؛ لأن تلك النصوص قد لا تفرض إلا قدرا معينا من هذا الواجب لا يطال كل ما يتعين أن يباشره الشخص المعتاد وإذا، فلا يصلح دفاعاً أن يدعي الجاني أنه قد التزم في سلوكه ما تنص عليه القوانين أو اللوائح أو التعليمات إذا ثبت أن دائرة هذا الإلتزام تضيق عن دائرة الإلتزام بالحيطة والحذر الذي يخضع له الشخص المعتاد ومن ناحية أخرى، فإن الأصل هو أن مخالفة واجب الحيطة والحذر المنصوص عليه لا يعني حتماً أن الجاني قد حاد عن واجب الحيطة والحذر المفروض على الشخص المعتاد إلا أن بعض التشريعات الجنائية الحديثة قد اعتبرت مخالفة واجبات الحيطة والحذر المنصوص عليها في القوانين واللوائح مخالفة للواجبات التي يقتضيها قانون العقوبات، مثال ذلك المشرع المصري في المادتين 238 و 244 عقوبات.

وغني عن البيان أنه يشترط في الخطأ غير العمدي المتمثل في مخالفة نصوص القوانين واللوائح لمساواته بالخطأ الذي يفرض واجب الحيطة والحذر العام أن يؤدي إلى نتيجة معينة هي الإضرار بالمصالح أو تعريضها للخطر وقد نصت المادة 116 مكرراً "أ" ، على اعتبار الإخلال بواجبات الوظيفة صورة للخطأ غير العمدي الذي يرتكبه الموظف العمومي، وهو ما يتسع لجميع الصور الأخرى التي تحكم كيفية أداء أعمال الوظيفة فضلاً عن غيرها من الواجبات غير المنصوص عليها والتي يقتضيها العمل الوظيفي.

وتطبيقاً لما تقدم، فإنه عند تقدير الخطأ غير العمدي للموظفين العموميين - يجب بادئ ذي بدء تحديد معيار الخطأ وفقا لما يمكن أن يسلكه شخص معتاد يقوم بالوظيفة المسندة إلى هذا الموظف، وهو أمر يخضع لمألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها، ويتطلب ذلك ألا يغفل الحكم بيان صفة الموظف العام وحدود مسئوليته ويختلف الأمر بالنسبة للمسئول عن التخطيط والإشراف عنه بالنسبة إلى القائم بالتنفيذ البحت، ويختلف كذلك بالنسبة للقائم بالعمل الفني أو الاستشاري عنه بالنسبة إلى القائم بالعمل الإداري، كما أن معيار الخطأ الذي قد يتردى فيه عامل بالمصنع يختلف عما قد يقع فيه أحد المهندسين، فالشخص العادي في كل من الفئتين عليه قدر مختلف من الحيطة والحذر وإذا كان خطأ الموظف ناشئاً عن نقص كفايته الإدارية أو عن قصور في إدراك واجبات الوظيفة التي عين فيها، فإنه يجب قياس مدى خطئه غير العمدي وفقاً لما يجب أن يتصرفه الموظف المعتاد الذي تمر به هذه الظروف عينها هذا مع ملاحظة أن هناك أخطاء في التقدير متسامح فيها بقدر معين، كالأخطاء التي تقتضيها طبيعة العمل في بعض الأحوال، والأخطاء الروتينية المصلحية المعتاد الوقوع فيها، والأخطاء الناجمة عن قصور أو سوء تنظيم في المرفق الذي يعمل فيه الموظف كما أنه إذا كان الموظف قد اعتمد على تفسير قانوني معين أو سایر تقليداً مهنياً معيناً فلا يمكن نسبة الخطأ إليه مادام هذا التفسير لا يصطدم مع الحقائق المسلم بها ولا يخالف التعليمات التفسيرية الصادرة إليه والتي يعلم بها، ولا ينطوي على عدم تبصر لا يقع فيه شخص معتاد في مثل خبرته.

عدم اشتراط الجسامة في الخطأ العمدية

كانت المادة 116 مكرراً «ب» القديمة تشترط لوقوع الجريمة أن يكون الخطأ جسيما، وهذا النوع من التشديد في التجريم لجأ إليه المشرع حتي يكفل للموظف عدم التهيب في أداء أعمال وظيفته فإذا كان الخطأ يسيراً فإن ذلك قد يصلح وحده موجبا للمسئولية التأديبية.

وقد جاء القانون رقم 63 لسنة 1975 فلم يشترط وصف الجسامة في الخطأ غير العمدي في المادة 116 مكرراً «أ» الجديدة ولا يعني عدم اشتراط الجسامة معاقبة الموظف عن كل هفوة صغيرة أو عن أي إهمال بسيط، بل إن تقدير معیار الخطأ غير العمدي للموظف العام يجب أن يسمح بتجاوز هذه الهنات على أساس أن مسئولية الوظيفة العامة تقتضي تمكين صاحبها من أن يواجه أتباعها بشجاعة وإقدام دون تفريط في رأب الحيطة والحذر والانتباه الذي يجب أن يتحلى به وهو اعتبار مهم يجب مراعاته عند تقدير خطأ الموظف العام.

تطبيقات:

حددت المادة 116 مكرراً «أ» عقوبات الصور التي يمكن أن تقع بها هذه الجريمة، وهي:

(1) الإهمال في أداء الوظيفة.

(2) الإخلال بواجبات الوظيفة .

(3) إساءة استعمال السلطة.

وإن كانت هذه الصور قد وردت على سبيل الحصر ، إلا أنها تستغرق جميع تطبيقات هذه الجريمة لما يتسم به تعبير أداء الوظيفة وواجباتها واستعمال السلطة من مرونة تغفل تغطية جميع فروض الخطأ غير العمدي.

ويجب أن يلاحظ أن الإهمال في أداء الوظيفة والإخلال بواجباتها في حد ذاته جريمة تأديبية، إلا أن هذا لا يحول دون تأكيد عدم الخلط بين نطاق كل من الجريمتين التأديبية والجنائية، وأن المحاكمة الجنائية ينحصر أثرها في قيام إحدى جرائم القانون العام، بخلاف المحاكمة التأديبية التي تبحث في سلوك الموظف وفي مدى إخلاله بواجبات وظيفته .

وسوف ندرس فيما يأتي المقصود بهذه الصور .

1 - الإهمال في أداء الوظيفة :

يتحقق ذلك إذا ما نكل الموظف عن القيام بالأعمال الوظيفية الملقاة عليه وفقاً للأوضاع المقررة بالقانون وبالقدر الواجب من الحيطة والحذر ومن أوضح صور هذا الإهمال أن يؤدي الموظف عملاً مکلف به من قبل رؤسائه بغير حرص، أو يتأخر في أدائه دون مبالاة بالأخطار المترتبة على ذلك.

2 - الإخلال بواجبات الوظيفة :

لا شك في أن محور الجريمة موضوع البحث هو الإخلال بواجبات الوظيفة بمعناها الواسع وقد ميز المشرع في صدد هذه الواجبات بين ما تعلق منها بأداء الأعمال الوظيفية، وما تعلق باستعمال السلطة التقديرية، فجعل إساءة استعمال السلطة صورة خاصة للخطأ غير العملي.

ويتمثل الإخلال بواجبات الوظيفة في امتناع الموظف صراحة أو ضمناً عن تنفيذ أمر صادر إليه من رؤسائه الذين يجب عليه طاعتهم، أما الامتناع عن القيام بأعباء وظيفته فينصرف إلى التفات الموظف عن أداء ما توجبه عليه القوانين واللوائح والتعليمات من مباشرة أعمال وظيفته، ويعد من هذا القبيل أداء الموظف للعمل القانوني المنوط به على نحو معيب يجعله مشوباً بالبطلان أو الانعدام، أو مباشرته خلافاً للأوضاع المقررة في القانون، كما يتوافر بالتأخير عن أداء العمل في الوقت المحدد له أو في الوقت الملائم لتحقيق الغاية منه، والفرض في كل الأحوال أن امتناع الموظف أو تأخيره لم يكن مستنداً إلى سبب مشروع في القانون، وأنه جاء انحرافاً عن سلوك الشخص المعتاد في مثل ظروفه الشخصية.

ولا يقف معنى الإخلال بواجبات الوظيفة عند حد الإطار الذي رسمه القانون الأعمال الوظيفة وأوضاعها، وإنما يمتد إلى الأمانة المفروضة على الموظف في أدائها، وهي ما تقضي عليه بعدم إفشاء الأسرار التي يقف عليها في أثناء عمله، والتبليغ عن الجرائم التي تصل إلى علمه بسبب وظيفته، والابتعاد عن مواطن الريب درءاً للشبهات، إلى غير ذلك من واجبات فإذا تجاوز الموظف أعباء وظيفته وقام بصفة شخصية بأعمال غير مكلف بها، فإن إهماله في أدائها لا يكون هذه الجريمة دون إخلال بمعاقبته عن غير ذلك من الجرائم حسب الأحوال. ولا يشترط في أداء واجبات الوظيفة القيام بها في مواعيد العمل الرسمية، فإذا قام الموظف بعمله خارج هذه المواعيد فيجب عليه عدم الإخلال بواجبات وظيفته.

إساءة استعمال السلطة

قد يترك المشرع للموظف شيئاً من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر في حدود الصالح العام بمحض اختياره ما يراه محققا لهذه الغاية، وهو ما يسمى بالسلطة التقديرية، فإذا انحرف الموظف عند ممارسة هذه السلطة عن غاية المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار وقام بالعمل تحقيقاً لغاية أخرى لا تمت لتلك المصلحة - فإن تصرفه يكون مشوباً بعيب الانحراف في استعمال السلطة، ولخطورة هذا الفعل نظر إليه المشرع بوصفه نوعاً من الإهمال، والواقع أن مشروعية السلطة التقديرية تتوقف على توخي الغاية المشروعة من وراء استعمال الموظف لها، فإذا انحرف عن هذه الغاية اعتبر عمله غير مشروع.

(ثانياً) الضرر الجسيم

يتعين لتوافر هذه الجريمة أن يترتب على الخطأ غير العمدي ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليه.

ومن المقرر أن فكرة الضرر تمثل نقطة ارتكاز مهمة في كثير من الجرائم، أما جسامة الضرر فهي لا تعدو بحسب الأصل أن تكون عنصراً في تقدير العقاب .

ويشترط في الضرر من حيث المبدأ أن يكون ماديا ومحققا. فلا تقوم الجريمة بمجرد الضرر المعنوي أو بالضرر المحتمل.

وقد ثار البحث حول المعيار الملائم لتقدير مدى جسامة الجريمة غير العملية ، فذهب رأي إلى الاستناد إلى جسامة الضرر، وذلك باعتبار أن الضرر يمثل عنصرا جوهريا لا غنى عنه للعقاب على الجريمة غير العمدية وأن الخطأ بدون هذا الضرر لا يكفي وحده للعقاب بينما ذهب رأي آخر إلى تدرج العقاب وفقاً لجسامة الخطأ لأن الضرر لا يكفل تحقيق الردع الخاص الذي يجب أن تكفله العقوبة، بل إن هذا المعنى لا يتحقق إلا إذا احتسب العقاب وفقاً لجسامة خطأ الجاني.

ولا شك أولا في أنه يتعين على محكمة الموضوع أن تثبت في حكمها توافر الجسامة في الضرر، ما دام هذا الوصف أصبح عنصراً لتوافر الركن المادي للجريمة. فإن تخلف إثباته كان حكمها قاصراً في التسبيب ويتعين نقضه، ويتعين لصحة هذا الحكم أن يكون استخلاص المحكمة للجسامة مبنياً على أدلة سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، حتى يمكن لمحكمة النقض أن تراقبها في سلامة الإستدلال، فيجوز لها أن تخطى هذه المحكمة لإستنادها إلى اعتبارات أو قرائن أو أدلة تؤدي بحسب المنطق والعتل إلى وصف الجسامة، بشرط ألا يصل الأمر إلى حد الخوض في وقائع الدعوى ومراجعتها في تقديرها .

العقوبة

القاعدة : الأصل أن يعاقب القانون على وقوع هذه الجريمة بالحبس وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين (المادة 116 مكرر «ب» / 1.

الظروف المشددة : شدد القانون عقوبة هذه الجريمة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ست سنوات ولا تتجاوز الغرامة خمسمائة جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها.

ويراد بالمركز الاقتصادي كل ما من شأنه أن يلحق الضرر بالنظام الاقتصادي للدولة، كنظام الرقابة على النقد وكل ما يتصل بالإنتاج الزراعي أو الصناعي أو التجارة الخارجية .

أما المصلحة القومية، فيراد بها كل ما يتعلق بمصالح البلاد، سواء من ناحية نظام الحكم الداخلي أو المرافق العامة، أو من الناحية الحربية أو السياسية أو الاقتصادية. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016، الصفحة : 635 )

تتميز هذه الجريمة عن جريمة الإضرار العمدى بعناصر ثلاثة.

أولاً : الخطأ.

ثانياً : الضرر الجسيم.

ثالثاً : توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر الجسيم. .

أولاً : الخطأ :

الخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً في الجرائم غير العمدية يتحقق بإتيان فعل لا يتفق مع واجبات الحيطة التي تقضي بها ظروف الحياة العادية أو يقع بالمخالفة للقوانين واللوائح والأنظمة ، فهو عيب يشوب السلوك لا يأتيه الرجل العادي المتبصر في الظروف التي أحاطت بارتكاب الجريمة .

ولا يشترط لقيام الجريمة أن يكون الخطأ جسيما، فطالما أن سلوك الجاني اتسم بالخطأ فإنه يكفى لقيام الجريمة متى توافرت بقية أركانها وقد حدد المشرع صورا ثلاثا للخطأ.

الأولى: هي الإهمال في أداء الوظيفة ، ويتحقق ذلك بانحراف الجاني على السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه انحرافاً من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة ضارة يتوقعها الجاني أو كان يجب عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها والسلوك المعقول والعادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس في أعمالهم أو طبيعة مهنتهم وظروفها. فإن قعد الجاني عن بذل القدر الذي يبذله الموظف العادي كان تصرفه مشوبا بالإهمال ولا يشترط أن يقع الإهمال بفعل واحد ، بل قد يتحقق بأفعال متعددة إيجابية أو سلبية متلاحقة .

أما الصور الثانية: فهي الإخلال بواجبات الوظيفة والإخلال بواجباته الوظيفية ينصرف إلى السلوك المخالف لما تقضى به القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات والأوامر ، وعموماً القواعد المنظمة للواجبات المفروضة على من يباشر النشاط الوظيفي. ويستوي أن يكون الإخلال جسيمة وهو الذي ينصرف إلى معنى الإستهانة والتفريط بمقتضيات الحرص على المصلحة العامة ، أو يسيرا طالما انه يخالف السلوك العادي والمعقول للموظف العادي في الظروف التي تواجد فيها الجاني.

ويلاحظ أن الإخلال بواجبات الوظيفة يمكن أن يندرج تحت الإهمال كصورة عامة للخطأ تستغرق جميع صوره كذلك أيضاً يلاحظ أن الإخلال بواجبات الوظيفة يتسع لصورة الخطأ المتمثلة في مخالفة القوانين واللوائح والأنظمة.

أما الصورة الثالثة : فهي إساءة استعمال السلطة ، وهي تتوافر في حالة وجود سلطة تقديرية للموظف ، فالمشرع قد يترك للموظف بعضاً من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر بمحض اختياره ، في حدود الصالح العام ووفقاً لظروف الحال ، ما يراه محققاً لهذه الغاية فإذا انحرف عن غاية المصلحة العامة التي يجب عليه أن يتغياها في تصرفه وسلك سبيلاً يحقق باعثاً لا يمت لتلك المصلحة ، فإن تصرفه يكون مشوباً بعيب الإنحراف في استعمال السلطة والجدير بالذكر أن إساءة استعمال السلطة هي في حقيقتها مخالفة لواجبات الوظيفة ، ومن ثم تشكل إخلالاً بتلك الواجبات  .

وعموما فإن الصور الثلاث للخطة التي وردت بالمادة 116 مكرراً وإن كانت في ظاهرها توحي بأنها وردت على سبيل الحصر إلا أن الحقيقة هي أنها تشمل جميع صور الخطأ ذلك أن الإهمال كصور للخطأ تتسع لكل الصور الممكنة باعتبار أنه يتمثل في مخالفة الواجبات المفروضة على الفرد في سلوكه كي يتجنب النتائج غير المشروعة  .

ثانياً : الضرر الجسيم :

الضرر عموماً هو الأمر المترتب على السلوك ، بالنسبة للحق أو المصلحة محل الحماية ، والذي يتمثل في الانتقاص من ذلك الحق أو تلك المصلحة والضرر المعنى في الجريمة التي نحن بصددها هو الضرر المادي ، فالأضرار المعنوية تخرج عن نطاق الحماية الجنائية المقررة للمال العام.

ويشترط في الضرر أن يكون جسيماً وقد ترك المشرع تقدير مبلغ الجسامة لقاضي الموضوع لاختلاف مقدار الجسامة في كل حالة عن غيرها تبعاً لاعتبارات مادية عديدة ومتباينة كما يشترط في الضرر أن يكون محققاً سواء أكان حالا أم محقق الوقوع مستقبلاً ، ويلزم لقيام الجريمة أن يكون ذلك الضرر قد لحق بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال أو مصالح الأفراد العهود بها إلى تلك الجهة والمراد بالمصلحة في هذا المقام المصلحة المادية أي المنفعة التي يمكن تقويمها بالمال ، ذلك أن الشراع لم يتجه إلى إدخال المصالح الأدبية في نطاق الحماية المقررة في المادة 116 مكرراً وهی ترعى أساساً الأموال العامة والمصالح القومية الاقتصادية للبلاد ولذلك فإن الضرر يحمل على انتقاص للمال أو المنفعة أو تضييع لربح محقق.

ثالثاً : علاقة السببية :

يجب أن تتوافر رابطة السببية بين خطة الموظف الناشئ عن إهمال في أداء الوظيفة أو عن إخلال بواجباتها أو عن إساءة استعمال السلطة ، وبين الضرر الجسيم الذي لحق بمصالح أو بأموال الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بحكم وظيفته أو أموال الأفراد ومصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة .

ومناط توافر علاقة السببية هو أن يكون السلوك الخاطئ للموظف ، في ذاته في الظروف التي بوشر فيها ، من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي حدثت وفقاً للمجرى العادي للأمور ، ولذلك تتقطع رابطة السببية إذا كان الضرر قد حدث نتيجة تدخل عوامل لاحقة شاذة وغير مألوفة .

3 - العقوبة :

العقوبة الأصلية المقررة للجريمة هي الحبس من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات والغرامة التي لا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.

الظرف المشدد :

تشدد العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ست سنوات وغرامة لا تجاوز ألف جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها يراعي في بيان ذلك ما سبق ذكره بصدد المادة 113 عقوبات.

العقوبة التبعية :

العزل من الوظيفة أو زوال الصفة. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة: 338 )

ويتضح من النص أن المشرع يتطلب لقيام هذه الجريمة أركاناً ثلاثة :

صفة الجاني، والركن المادي، والركن المعنوي.

صفة الجاني

لا تقع هذه الجريمة إلا ممن تتوافر فيه صفة الموظف العام وفقا للتحديد الوارد في المادة 119 مکرراً من قانون العقوبات، وغني عن البيان أن هذه الصفة يجب أن تتوافر وقت ارتكاب الفعل المقترن بالخطأ ولو زالت علي عن الجاني بعد ذاك.

- الركن المادي

يتحقق الركن المادي بسلوك إيجابي أو سلبي يصدر من الموظف يكون من شأنه الإضرار بالأموال أو المصالح التي أشار إليها النص، وهی أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته، أو أموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى إحدى هاتين الجهتين، فضلاً عن نتيجة معينة تربطها بالسلوك علاقة السببية، وتتمثل في الضرر الجسيم الذي يلحق الأموال أو المصالح المذكورة، والمشرع يتطلب وقوع الضرر فعلاً كأثر للسلوك الإجرامي، فلا يكفي أن يكون الضرر محتملاً أو راجح الوقوع، بل إنه لا يكتفي بوقوع أي قدر من الضرر وإنما يشترط أن يكون هذا الضرر جسيماً وتقدير وجود وجسامة الضرر يدخل في سلطة قاضي الموضوع، وإن كان يؤخذ على هذا الشرط مخالفته لمبدأ الشرعية الذي يقتضي تحديد عناصر الجريمة، بينما جسامة الضرر غير محددة إذ لم يضع لها المشرع معياراً يلتزم القاضي بتطبيقه ويجب أن يكون الضرر مادياً، فالمقصود بالمصالح المذكورة في النص المصالح المادية وهي المنافع التي يمكن تقويمها بالمال، ذلك أن الشارع لم يتجه إلى إدخال المصالح الأدبية للأفراد في نطاق الحماية المقررة في هذه المادة وهي ترعى أساساً الأموال العامة والمصالح القومية والاقتصادية للبلاد، سعياً وراء بناء مجتمع جديد، أما انعطاف حمايته إلى أموال الأفراد أو مصالحهم المادية المعهود بها إلى جهة عامة فذلك لأن نشاط هذه الأموال إنما يتصل بخطة التنمية الاقتصادية والتنظيم الجديد للمجتمع، ويستوي أن يكون الضرر في صورة انتقاص مال أو منفعة أو تضييع ربح محقق.

- الركن المعنوي

يتخذ الركن المعنوي في هذه الجريمة صورة الخطأ، والخطأ هو صلة نفسية بين الجاني وبين نتيجة سلوكه، تتمثل في أحد وضعين: (أ) توقع الجاني نتيجة فعله دون أن يقبلها - معتقداً دون أي أساس - أنها لن تحدث. (ب) عدم توقع الجاني نتيجة فعله بينما كان ذلك واجباً عليه وفي استطاعته.

وقد حصر المشرع صور الخطأ الذي يقوم به الركن المعنوي - للجريمة في ثلاث: 1- الإهمال في أداء الوظيفة، 2- الإخلال بواجبات الوظيفة. 3- إساءة استعمال السلطة. وهذا الوضع محل للنقد إذ أن هذه الصور تتداخل فيما بينها، فالإهمال في أداء الوظيفة أو إساءة استعمال السلطة يدخلان في نطاق الإخلال بواجبات الوظيفة، فضلاً عن أنها من الاتساع بحيث تشمل كل حالات الخطأ المتصورة من جانب الموظف العام، لذلك كان يحسن الإكتفاء بالنص على الخطأ دون تحديد لهذه الصور.

ويقصد بالإهمال في أداء الوظيفة، عدم مباشرة الموظف لأعمال وظيفته بالعناية الواجبة، يستوي أن يتخذ ذلك صورة امتناع كامل عن مباشرة أعمالها دون سبب مشروع، أو التراخي في القيام بها في الوقت المناسب لتحقيق الغرض منها، أو قيامه بهذه الأعمال دون اتخاذ العناية التي يتخذها الموظف المعتاد إذا وجد في مثل ظروف الجاني، وهذا القدر من العناية تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئية والعرف ومألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها.

والإخلال بواجبات الوظيفة يتسع - كما سبقت الإشارة - ليشمل الإهمال في أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة، ولكن هذا الإخلال يتحقق - فضلاً عن ذلك - بكل مخالفة لحسن أداء الوظيفة، سواء تمثل ذلك في مخالفة الواجبات التي حددها القانون أو اللائحة أو القرار الإداري أو في مخالفة أمانة الوظيفة العامة، وهي مجموعة القيم والمبادئ التي تفرضها الروح العامة للنظام الوظيفي، وعلى ذلك يتحقق الإخلال بواجبات الوظيفة - إذا أهمل الموظف في المحافظة على المعلومات التي تتعلق بالعمل فترتب على ذلك تسربها إلى الغير، إذ تقوم الجريمة إذا ترتب على ذلك ضرر جسيم بالأموال أو المصالح التي حددها نص المادة 116 مكرراً (أ).

أما إساءة استعمال السلطة، فتفترض أن المشرع يعطى للموظف سلطة تقديرية بصدد عمل من أعمال وظيفته، فينحرف الموظف بهذه السلطة عن توخي الصالح العام إلى استهداف مصلحة شخصية له أو لغيره، كأن يدخل في سلطة الموظف ترقية بعض المرؤوسين بالإختيار، فيقرر ترقية من هو أقل كفاءة من غيره، أو يكون له سلطة التعيين في وظيفة معينة، فيعين أحد المتقدمين بينما يكون هناك من هو أجدر منه بذلك، وقد يكون ذلك بسوء نية، وحينئذ قد يقع تحت طائلة نص آخر يقرر للفعل عقوبة أشد، كما لو كان الموظف قد أساء استعمال سلطته استجابة لرجاء أو توصية أو وساطة، وقد يكون ذلك بإهمال الموظف في تحري الحقائق وتلمس عناصر التقدير التي يستطيع في ضوئها استعمال سلطته فيأتي اختياره غير محقق للصالح العام، فإذا تسبب بذلك في إلحاق ضرر جسيم بالأموال أو المصالح التي حددها نص المادة 116 مكرراً (أ) وقعت بفعله الجريمة.

العقوبة:

قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة الحبس والغرامة التي لا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.

ثم قرر تشديد هذه العقوبة لتصبح الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ست سنوات، والغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها، وقد بينا فيما تقدم معنى هذا الظرف المشدد. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة: 191)

 أركان الجريمة :

1- صفة الجاني :

يتعين أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه طبقاً للمادة 119 من قانون العقوبات.

2- الركن المادي :

الركن المادي في الجريمة هو نشاط إرادي خاطئ يعبر عنه عادة "بالخطأ" وقد حدد القانون صور الخطأ في المادة 116 مكرراً (أ) وحصرها في ثلاث :

1- الإهمال في أداء أعمال الوظيفة ومن ذلك أن يغفل الموظف اتخاذ إجراء مقيد بموعد معين وإلا سقط الحق فيه أو يتأخر بغفلة منه عن الموعد في اتخاذه.

2- الإخلال بواجبات الوظيفة وهذا يتضمن كل فعل أو امتناع يعد مخالفاً الواجبات الوظيفة أو لما تقتضيه الحيطة الواجبة أو يمس سيرها على السنن القويم.

3- إساءة استعمال السلطة أي استخدامها في غير الغرض العام الذي منحت للموظف من أجله.

ويتعين أن ينتج عن الخطأ ضرر جسيم يشترط فيه أن يكون محققاً وكذلك يشترط أن يكون الضرر مادياً بحيث يلحق أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال أو مصالح الأفراد المعهود بها إلى تلك الجهة والمراد بالمصلحة في هذا المقام المصلحة المادية أي المنفعة التي يمكن تقويمها بالمال ذلك أن الشارع لم يتجه إلى إدخال المصالح الأدبية للأفراد في نطاق الحماية المقررة في المادة 116 مكرراً (أ) وهي ترعى أساساً الأموال العامة والمصالح القومية والاقتصادية للبلاد، أما انعطاف حمايته إلى أموال الأفراد أو مصالحهم المادية المعهود بها إلى جهة عامة فذلك لأن نشاط هذه الأموال إنما يتصل بخطة التنمية الاقتصادية وبذلك يستوي أن تكون صورة الضرر انتقاص مال أو منفعة أو تضييع ربح محقق.

العقوبة :

العقوبة هي الحبس والغرامة التي لاتجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لاتقل عن سنة ولاتزيد على ست سنوات وغرامة لاتجاوز ألف جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادية أو بمصلحة قومية لها ولا تطبق المادة 118 في هذه الجريمة، وقد صدر القانون رقم 63 لسنة 1975 مضيقا إلى قانون الإجراءات الجنائية المادة 8 مكرراً ونصها أنه لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية في الجرائم المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (أ) من قانون العقوبات الأمن النائب العام أو المحامي العام. ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 451 )

هذه الجريمة تعتبر أمراً واجباً ومسلماً به في بعض الدول ولاسيما الدول الاشتراكية لكفالة حماية الأموال أو المصالح التي يقوم على رعايتها الموظفون العاملون، حتى لا يقع إضرار بها سواء تم عمداً أو حدث بإهمال، ولذلك فإنها تتفق إلى حد ما مع الجريمة الواردة في المادة السابقة عليها مباشرة (المادة 116 مکرراً)، ولكنها تختلف عنها في أمور ثلاثة هي: الركن المعنوي، إذ يكفي لقيامه توافر الخطأ، ولا تقوم الجريمة بحدوث ضرر أياً كان بل يتعين أن يلحق الأموال أو المصالح محل الحماية ضرر جسيم، ولا يجوز تحريك الدعوى العمومية عن هذه الجريمة إلا بواسطة النائب العام أو المحامي العام المادة (8 مكرراً إجراءات جنائية) فلا يجوز تحريكها بواسطة سائر أعضاء النيابة العامة، كما لا يجوز تحريكها بواسطة المضرور من الجريمة عن طريق الإدعاء المباشر.

وهدف المشرع من وضع هذه المادة إلزام الموظفين بمراعاة الحيطة والحرص على الأموال أو المصالح التي يتصلون بها بحكم عملهم ضماناً لنجاح خطة الدولة في بناء المجتمع الجديد.

صفة الجاني:

هذه الجرائم من جرائم ذوي الصفة، فالفاعل فيها لابد أن يكون موظفاً عاماً وفقاً التحديد الوارد في المادة (119 مكرراً) ، وأن يكون متصلاً بالأموال أو بالمصالح المشار إليها في النص بحكم عمله.  

الركن المادي:

يستوي أن يكون السلوك المكون للركن المادي للجريمة إيجابياً - كأن يفقد الموظف بإهماله خطاب الضمان المقدم من المقاول - أو سلبية - كأن يهمل فلا يطالب المقاول بخطاب الضمان اعتماداً على الوعد بتقديمه - وفي الحالتين يتحقق الضرر لتعذر الرجوع على المقاول بالتعويض.

ولابد أن يحيق الضرر بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها الموظف أو يتصل بها بحكم وظيفته أو أموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة كما لابد أن تتوافر علاقة السببية بين إهمال الموظف وبين الضرر الجسيم الذي يحدث.

ويتعين أن يقع الضرر فعلاً، فإذا كان محتملاً فلا تقوم الجريمة ولابد أن يكون الضرر جسيمة، وإثبات العناصر التي يستدل منها على جسامة الضرر أمر تستقل به محكمة الموضوع دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض، فإذا انتهت محكمة الموضوع إلى أن إهمال الموظف ترتبت عليه خسارة في الصفقة المكلف بالإشراف على إتمامها بلغت خمسة آلاف جنيه مثلاً، فإنه لا يقبل الجدل في ذلك أمام محكمة النقض، غير أن البت فيما إذا كانت هذه الخسارة تعد جسيمة أم لا، يدخل في اختصاص محكمة النقض، إذ هو وصف أو تكييف يقع على عاتقها عبر استخلاص المعيار الذي يقوم عليه.

الركن المعنوي :

ألغى المشرع عن تعديله للمادة (116 مكرراً "أ") بموجب القانون 63 لسنة 1975 اشتراط أن يكون الخطأ جسيماً، وبذلك عاد إلى القاعدة العامة في المسئولية عن الجرائم الخطيئة، التي تقرر توافرها بأي قدر من الخطأ ومهما كان بسيطاً طالما كان في وسع الرجل المعتاد عدم الوقوع فيه إذا وجد في ذات الظروف التي وقعت فيها الجريمة.

وإذا كان المشرع عند تجريمه للضرر المترتب على أخطاء الموظفين سنة 1962 اشترط أن يكون الخطأ جسيماً حتى لا يتقاعس بعضهم عن تأدية واجبات وظائفهم خوفا من الوقوع في المسئولية الجنائية إذا أخذوا عن أي قدر من الخطأ، إلا أن العمل كشف عن أن هذا الشرط كاد أن يضيع الفائدة المرجوة من النص، إذ ضيق إلى حد كبير من نطاق تطبيقه لأن المحاكم كادت أن تسوي بين الخطأ الجسيم وبين العمد في درجة الأذناب، مما جعل من الصعب إثبات توافر الخطأ الموجب للمسئولية الجنائية.

ويكفي ضماناً لحسن تطبيق المادة بعد تعديلها بحذف هذا الشرط وعدم ملاحقة الموظف الذي يخطئ خطأ مغتفراً، أن سلطة رفع الدعوى الجنائية عن هذه الجريمة في يد النائب العام أو المحامي العام دون غيرهما.

وعلى المحكمة في تقدير توافر الخطأ الاستناد أولاً إلى المعيار العام الذي يقاس الخطأ على أساسه، وهو مسلك الموظف المعتاد في ذات الظروف التي وقعت فيها الجريمة، وبعد تطبيق المعيار العام يتعين أن يتخذ خطأ الموظف إحدى الصور الثلاث التي نصت المادة (116 مكرراً "أ") والتي نحن بصددها وهي الإهمال في أداء الوظيفة، أو الإخلال بواجباتها، أو إساءة استعمال السلطة، وهذه الصور ولو أنها وردت على سبيل الحصر، إلا أنها من السعة بحيث تكفل تغطية كل صور الخطأ التي يمكن أن تنسب للموظف.

ومن قبيل الإهمال في أداء الوظيفة إمتناع الموظف كلياً أو جزئياً عن مباشرة الأعمال التي تفرضها عليه وظيفته، أو ممارسته للعمل مغفة القواعد القانونية أو الفنية أو الإدارية التي تحكم أداءه، ومن تطبيقات هذه الصورة، أن يهمل أمين الصندوق في عد النقود التي تسلمها، وعدم تحقق موظف البنك من مطابقة توقيع الساحب على الشيك لتوقيعه المحفوظ في البنك.

أما صورة الإخلال بواجبات الوظيفة فهي من السعة بحيث تشمل كل عمل لا يتفق مع أمانة الوظيفة ذاتها، كأن يمتنع عن التبليغ عن جريمة علم بها بسبب وظيفته ولو كان قد أبلغ عنها في الوقت المناسب لتمكنت السلطات من الحيلولة دون حدوث الأضرار الجسيمة التي ترتبت عليها.

وإساءة استعمال السلطة تعني ممارسة أعمال الوظيفة على نحو لا يحقق المصلحة العامة، كأن يقبل مدير البنك ضماناً مقدماً من أحد العملاء للحصول على قرض اعتماداً على مظهر العميل دون أن يتحقق من جدية هذا الضمان.

العقوبة:

جريمة الإضرار الجسيم غير العمدي بالأموال أو المصالح جنحة يعاقب عليها بالحبس الذي يتراوح بين أربع وعشرين ساعة وثلاث سنوات وغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.

وتشدد العقوبة فتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ست سنوات والغرامة التي لا تجاوز ألف جنيه إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 514)

شرح خبراء القانون
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 193
 
(مادة 385)
 يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين - كل موظف عام تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال، أو مصالح الجهة التي يعمل بها، أو يتصل بها بحكم وظيفته، او بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة، وكان ذلك ناشئاً عن إهمال في أداء وظيفته، أو عن إخلال بواجباتها، أو عن إساءة استعمال السلطة. 
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تجاوز ألف جنيه [إذا ترتب على الجريمة إضرار بمركز البلاد الاقتصادي، أو بمصلحة قومية لها].