مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثاني ، الصفحة : 596
مذكرة المشروع التمهيدي :
لم يغب عن المشروع ما للفوائد المركبة من بالغ الأثر في زيادة أعباء المدين ، ولا سيما بعد أن عمدت بعض التقنيات الحديثة إلى تحريمها (أنظر مثلاً المادة 105 فقرة 3 من تقنيين الالتزامات السويسري، والمادتين 248 ، 249 من التقنين الألماني) بيد أنه رأى إباحتها بشروط ثلاثة : فاشترط أن تكون واجبة الأداء، وأن تكون مستحقة عن سنة على الأقل، وأن يتم الاتفاق على التجميد ، أو يطالب الدائن به قضائياً ، بعد أن يصبح ما يراد تجميده منها مستحق الأداء (قارن المادة 126/186 من التقنين المصري)، ويظهر أنها تبيح الاتفاق على التجميد قبل حلول الفائدة، وقد جرى القضاءان المصرى والفرنسي على ذلك ، خلافاً الرأي الفقه في فرنسا ، ولا يشترط في هذا الصدد حلول أجل الوفاء برأس المال المنتج لتلك الفوائد.
ويلاحظ أن ما يستحق من الالتزامات في مواعيد دورية الأجرة ، والإيرادات الدائمة ، أو المرتبة مدى الحياة ، لا يعتبر من قبيل الفوائد بمعناها الفني الدقيق ، فيجوز تجميد الأجر والإيرادات وما إليها، دون حاجة إلى توافر الشروط الثلاثة التي تقدم ذكرها، ذلك أن هذه الالتزامات لا تفترق عن سائر ضروب الالتزام بأداء مبلغ من النقود ، فهي تنتج ما يستحق عنها من الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية، أو من التاريخ المتفق عليه ، ولو وقع الاتفاق قبل أن تصبح بذاتها واجبة الأداء، ولا يشترط فوق هذا أن يحل أجل الوفاء بها، أو أن تكون مستحقة عن سنة على الأقل ، وكذلك يكون الحكم في رد الثمرات والفوائد التي يتولى الغير أداءها للدائن بوفاء الدين المدين (أنظر المادة 1155 من التقنين الفرنسي ، والمادة 104 من المشروع الفرنسي الإيطالي) .
ويلاحظ أخيراً أن عرف التجارة قد يقضي بالخروج على النصوص الخاصة بتجميد الفوائد، ومن ذلك مثلاً إجازة تجميد ما يستحق منها عن مدة تقل عن سنة في الحساب الجاري ، دون حاجة إلى اتفاق أو مطالبة قضائية ، ويراعى أن الحساب الجاري خرج من نطاق تطبيق القواعد الخاصة بالفوائد ، وأصبح العرف محكما فيه فقد تقدم أنه استثنى من تلك القواعد فيما يتعلق بيده سريان فوائد التأخير، وفيها يتعلق بتجميد الفوائد، وقد استثنى منها كذلك فيما يتعلق بسعر الفائدة القانونية، فلا تحتم أن يكون هذا السعر 5 % بل يجوز أن يختلف تبعاً لتفاوت الأسعار الجارية في الأسواق .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 310 من المشروع فأقرتها اللجنة كما هي .
وأصبح رقمها 239 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 239 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الثالثة والعشرين
تليت المادة 239 :
فرأت اللجنة أن تستبدل بها بفقرتيها النص الآتي :
ولا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال وذلك كله دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية .
والعلة في ذلك أن الفوائد مكررة وهذا النص الجديد فيه قيد لها وله نظير في الشرائع الشرقية مثل سوريا والعراق .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على النص الجديد للمادة 239 وقد وافقت عليه الحكومة أيضاً .
تقرير اللجنة :
رأت اللجنة أن تستبدل بالمادة بفقرتها النص الآتي :
ولا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، وذلك كله دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية .
وقد راعت اللجنة أن من المصلحة أن يحال بين الدائن وبين استغلال الدين باقتضاء فوائد تجاوز مقدار الدين نفسه ، وبحسب الدائن أن يكون قد اقتضى فوائد تعادل رأس ماله ، وقد أخذت بهذا الحكم دول أخرى منها سوريا والعراق .
وأصبح رقم المادة 232
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1- من المقرر أن مفاد نص المادتين 226 ، 227 من القانون المدني أن هناك نوعين من الفوائد ، فوائد تعويضية يتفق فيها المدين مع دائنه مقدماً عليها وتكون مقابل انتفاع المدين بمبلغ من النقود يكون في ذمته للدائن لأجل محدد ولم يحل أجل استحقاقه ، وفوائد تأخيرية هي تعويض عن التأخير في الوفاء بالالتزام بدفع مبلغ محدد من النقود وتأخر المدين في سداده عند حلول أجل استحقاقه، وفي خصوص الفوائد التأخيرية المستحقة عند التأخير في الوفاء بالديون - وفي غير عمليات البنوك – فقد منع المشرع بنص المادة 227 من القانون المدني الاتفاق على فوائد تأخيرية عن حد أقصى معلوم مقداره (7%) ، ونص على تخفيضها إليه ، وحرم على الدائن قبض الزيادة وألزمه برد ما قبضه منها مع التقيد بما ورد بالمادة 64 من القانون التجاري الحالي من أنه لا يجوز في أية حال أن يكون مجموع العائد الذي يتقاضاه الدائن للتأخير في الوفاء بالديون التجارية في ميعاد استحقاقها أكثر من مبلغ الدين الذي احتُسب عليه العائد إلا إذا نص القانون أو جرى العرف على غير ذلك ، وهو ذات القيد الوارد بالمادة 232 من القانون المدني، ومؤدى ذلك أن كل اتفاق على فائدة تأخيرية تزيد على الحدود المقررة في القانون تكون باطلة بطلانًا مطلقًا لا تلحقها الإجازة ، وذلك لاعتبارات النظام العام التي تستوجب حماية الطرف الضعيف في العقد من الاستغلال. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن طرفي الدعوى قد اتفقا على فوائد تأخيرية مقدارها 2% شهريًا في حالة التأخر في سداد أي قسط من أقساط ثمن الأرض المبيعة من تاريخ استحقاق القسط حتى السداد أي ما يوازي 24 % سنويًا وكانت العلاقة التي تحكم واقعة النزاع لا تندرج ضمن عمليات البنوك فإذ أعمل الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه اتفاق الطرفين دون بحث مدى موافقة ذلك الاتفاق للحد الأقصى المقرر قانونًا للفائدة التأخيرية المتعلقة بالنظام العام في ضوء القواعد المتقدمة ؛ فإنه يكون معيبًا بما يوجب نقضه في هذا الخصوص .
( الطعن رقم 14945 لسنة 91 ق - جلسة 27 / 9 / 2022 )
2- مؤدى نص المادتين 232 من القانون المدنى و64 من قانون التجارة أنه فى خصوص الفوائد التأخيرية _ وفى غير عمليات البنوك _ أن كل اتفاق على فائدة تأخيرية تزيد على مبلغ الدين الذى احتسبت عليه يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لا تلحقه الإجازة وذلك لاعتبارات النظام العام التى تستوجب حماية الطرف الضعيف فى العقد من الاستغلال .
(الطعن رقم 6785 لسنة 75 جلسة 2007/02/26 س 58 ص 228 ق 38)
3- الحساب الجارى ينتهى بإنتهاء العمليات المتبادلة بين العميل والبنك وعدم الاستمرار فيها وفقاً لما تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف الدعوى وملابساتها وبإنتهائها يقفل الحساب وتتم تصفيته ويترتب على قفل الحساب وقوع المقاصة العامة فوراً وتلقائياً بين مفرادته الموجودة فى جانبيه ويستخلص من هذه المقاصة رصيد وحيد هو الذى يحل محل جميع حقوق كل من الطرفين فى مواجهة الآخر .
(الطعن رقم 1834 لسنة 66 جلسة 1997/01/09 س 48 ع 1 ص 103 ق 22)
4- لما كان الثابت فى الدعوى أن الطاعنة تمسكت أمام محكمة الموضوع بقفل الحساب منذ أوائل عام 1985 لتوقفها عن السحب منه اعتباراً من ذلك التاريخ بما ينفى عنه صفة التبادل بين جانبيه فضلاً عن مطالبة المطعون ضده لها سداد رصيده المدين ، وبعدم جواز تقاضى فوائد مركبة على هذا الرصيد أو زيادة سعر الفائدة عن السعر القانونى لخلو العقد من الاتفاق على سعر الفائدة عنه ، ولم يقدم المطعون ضده أمام تلك المحكمة الدليل على وجود عادة تسمح بتقاضى فوائد مركبة بعد قفل الحساب ولم تتمسك الطاعنة أمام محكمة الموضوع بعدم جواز احتساب عمولات بعد قفل الحساب ، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن تحقيق ما تمسكت به الطاعنة من دفاع رغم جوهريته وقضى بالزامها بالفوائد المركبة حتى تاريخ فحص لجنة الخبراء فى 1993/12/31 وبسعر اًعلى من السعر القانونى استناداً إلى ما انتهت اليه خطأ اللجنة من أن الحساب الجاري لا يقفل إلا بعد سداد الرصيد فى حين أن ظهور رصيد وبالتالى سداده لا يكون وبحكم اللزوم العقلى إلا بعد قفل الحساب فإن الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وقد حجبه هذا الخطأ عن تحقيق ما تمسكت به الطاعنة من دفاع جوهرى مما يشوبه بالقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 1834 لسنة 66 جلسة 1997/01/09 س 48 ع 1 ص 103 ق 22)
5- النص فى المادة 232 من التقنين المدنى على أنه " لا يجوز تقاضى فوائد على متجمد الفوائد ...... و ذلك دون إخلال بالقواعد و العادات التجارية " والنص فى المادة 233 منه على أنه " الفوائد التجارية التى تسرى على الحساب الجارى يختلف سعرها القانونى بإختلاف الجهات ، ويتبع فى طريقة حساب الفوائد المركبة فى الحساب الجارى ما يقضى به العرف التجارى . ومفاد هذين النصين أن الشارع قد حرم الفوائد المركبة وإستثنى من ذلك ما تقضى به القواعد والعادات التجارية .
(الطعن رقم 739 لسنة 48 جلسة 1981/03/30 س 32 ع 1 ص 985 ق 182)
6- مفاد نص المادة 95 من قانون التأمينات الإجتماعية الصادر بالقانون رقم 63 لسنة 1964 وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه إذا إستحق المؤمن عليه معاش أوتعويض تعين على الهيئة صرف إستحقاق خلال أربعة أسابيع من تاريخ تقديمه إليها بطلب الصرف مؤيداً بمستنداته فإن هى تراخت فى الصرف كان من حق المؤمن عليه مطالبتها به مضافاً إليه 1 % من قيمته عن كل يوم يتأخر فيه الصرف إعتباراً من تاريخ إستيفاء المستندات المطلوبة به فلا يعفى الهيئة من دفع هذا التعويض أن يكون المطالب به محل نزاع منها ما دام قد ثبت للمحكمة إلزام الهيئة به لأنه طالما أن حق المؤمن عليه أساسه القانون وكانت الهيئة قد خولت إتخاذ الوسائل الكفيلة بتقديره وتحديد مبلغه ، فلان تعذر إن هى لم تف به فى الميعاد ولأن ما دعا الشارع إلى تقدير هذا الحق للمؤمن عليه إنما هو رغبته الأكيدة فى سرعة صرف هذه الحقوق التأمينية لأربابها لما لها من صلة أساسية بأسباب معيشتهم وعلى هذا فقد ألزم الهيئة بأداء جزاء مالى إن هى تراخت فى الصرف بعد إستيفائها المستندات المطلوبة وإذا كان ذلك فإن هذا الجزاء المالى ليس فائدة قانونية مما نصت عليه المادة 226 من القانون المدنى لإختلاف كل منها عن الأخر مصدراً وسبباً فإنه لا يسرى عليه حكم المادة 232 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 10 لسنة 49 جلسة 1980/01/12 س 31 ع 1 ص 138 ق 31)
7- مفاد نص المادة 95 من قانون التأمينات الإجتماعية الصادرة بالقانون رقم 63 لسنة 1964 أن المشرع على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذه المادة قدر ما تنطوى عليه سرعة صرف المعاشات والتعويضات لمستحقيها من أهمية بالغة فى تحقيق الهدف الذى تغياه من أحكام التأمينات الإجتماعية لا يستلزم أن تتخذ الهيئة من الوسائل ما يكفل تقديرها وصرفها خلال أربعة أسابيع على الأكثر من تاريخ تقديم المؤمن عليه طلباً بذلك مشفوعاً بكافة المستندات المطلوبة منه فإذا تأخر صرف المستحقات عن الموعد المقررإستحق المؤمن عليه أو المستحقون عنه 1 % من قيمة المستحقات من كل يوم يتأخر فيه الصرف وتتحمل به الهيئة ، فأوجب المشرع بذلك أداء المعاشات والتعويضات لمستحقيها خلال الميعاد القصير الذى حدده بالمادة 95 المشار إليها ووضع الضابط الذى يكفل تحقيق الهدف المذكور بالنص فى ذات المادة على جزاء مالى يرتبه الأخير فى صرف تلك المستحقات قدره بواقع 1 % من قيمتها عن كل يوم يتأخر فيه الوفاء بها وأطلق مدة إستحقاق هذه النسبة فلم يحددها بأيام معينة فى نطاق فترة سريان القانون رقم 63 لسنة 1964 والقول بأن مجموع تلك النسبة ينبغى ألا تجاوز قيمة المعاش أوالتعويض المقرر فيه تخصيص لعدم نص المادة 95 المنوه عنها بغير مخصص لما كان ذلك وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فيما يتعلق بنطاق تطبيق القانون رقم 63 لسنة 1964 فإن النعى عليه بمخالفة المادة 232 من القانون المدنى التى توجب عدم زيادة مجموع الفوائد من قيمة رأس المال يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 1179 لسنة 48 جلسة 1979/12/01 س 30 ع 3 ص 126 ق 362)
8- متى كان عقد البيع الذي أبرمه البنك مع المطعون عليه هو عقد مدني بطبيعته ، فإن باقي ثمن الأطيان المبيعة المستحق للبنك يسري عليه الحظر المنصوص عليه فى المادة 232 من القانون المدني ولا يخضع للقواعد والعادات التجارية التي تبيح تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ومجاوزة الفوائد لرأس المال وذلك ابتداء من تاريخ العمل بالقانون المدني فى 15/10/1949 ولا محل للتحدي بأن القروض طويلة الأجل التي تفقدها البنوك يسري عليها الإستثناء سالف الذكر ولو تمت لصالح شخص غير تاجر ، ذلك أن هذه القروض إنما تخرج عن نطاق الحظر المذكور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لأنها تعتبر عملاً تجارياً مهما كانت صفة المقترض وأيا كان الغرض الذي خصص له القرض وهو الأمر الذي لا يتوافر فى الدين موضوع النزاع على ما سلف البيان.
(الطعن رقم 357 لسنة 38 جلسة 1975/02/18 س 26 ع 1 ص 417 ق 86)
9- النص فى المادة 212 من قانون المرافعات يدل وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية على أن المشرع قد وضع قاعدة عامة تقضي بعدم جواز الطعن على استقلال فى الأحكام الصادرة أثناء سير الخصومة قبل الحكم الختامي المنهي لها وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى وكذلك الأحكام التي تصدر فى شق من الموضوع متى كانت قابلة للتنفيذ الجبري، ورائد المشرع فى ذلك هو الرغبة فى منع تقطيع أوصال القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم وما يترتب على ذلك أحياناً من تعويق الفصل فى موضوع الدعوى وما يترتب عليه حتماً من زيادة نفقات التقاضي ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 22/1/1969 فى مسألة فرعية وهي بيان طريقة احتساب الفوائد على باقي الثمن المستحق للطاعن دون أن تنتهي به الخصومة كلها وهي فسخ عقد البيع وتسليم الأطيان المبيعة لازال لمحكمة الاستئناف بعد صدور الحكم المطعون فيه أن تستمر فى نظر النزاع المطروح عليها فى الاستئناف الذي رفعه المطعون عليهم عن الحكم الصادر من محكمة أول درجة فى 23/12/1967 بفسخ العقد وتسليم الأطيان لما كان ذلك فإن الطعن فى الحكم المطعون فيه يكون غير جائز ولاوجه لما يقوله الطاعن من أن الحكم المطعون فيه منه للخصومة كلها حسب نظامها الذي رفعت به أمام محكمة الاستئناف وهي طلب احتساب فوائد عن دين البنك البائع - وفقاً للمادة 232 من القانون المدني، أو أن حكم محكمة أول درجة الصادر بفسخ العقد والتسليم هو حكم منه للخصومة كلها وقد استأنفه المطعون عليهم بعد الميعاد ذلك أن نص المادة 212 سالفة الذكر وعلى ما سلف بيانه صريح فى أن الأحكام التي يجوز الطعن فيها هي الأحكام الختامية التي تنهي الخصومة كلها وهي فى الدعوى الحالية فسخ عقد البيع وتسليم الأطيان المبيعة وكذلك الأحكام التي حددتها هذه المادة على سبيل الحصر وهوما يتفق مع العلة التي من أجلها وضع المشرع هذا النص .
(الطعن رقم 134 لسنة 39 جلسة 1975/02/18 س 26 ع 1 ص 424 ق 87)
10- لما كان الحساب الجارى بماله من طابع شخصى يقفل بوفاة العميل وتزول عنه صفته مما لا يجوز معه طبقاً للمادة 232 من القانون المدنى تقاضى فوائد مركبة عن رصيده إلا إذ ثبت وجود عادة تقضى بذلك و هو ما لم يثره الطاعن أمام محكمة الموضوع كما تسرى على الرصيد بعدما أصبح ديناً عادياً محدد المقدار وحال الإداء الفوائد القانونية لا الفوائد الإتفاقية التى خلا العقد من الإتفاق على سريانها بعد قفل الحساب الجارى وهو ما إستخلصته المحكمة من واقع الإتفاق فى حدود سلطتها الموضوعية لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإن النعى عليه يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 371 لسنة 38 جلسة 1974/05/13 س 25 ع 1 ص 867 ق 140)
11- القاعدة التى قررتها المادة 232 من القانون المدنى والتى لا تجيز تقاضى فوائد على متجمد الفوائد بأنه لا يجوز فى أية حال أن يكون مجموع الفوائد التى يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال تعتبر من القواعد المتعلقة بالنظام العام التى يفترض علم الكافة بها وإذ كان نص هذه المادة قد سرى منذ نفاذ التقنين المدنى الجديد فى 1949/10/15 فإن علم المدين بسريانه منذ هذا التاريخ يكون مفترضا فإذا تولى المدين سداد أقساط الدين وفوائده منذ تاريخ الإتفاق وحتى 1958/3/8 فإن علمه بمقدار ما دفعه يكون ثابتا وإذ كان سداد آخر قسط قد تم فى 1958/3/8 بينما لم ترفع الدعوى بإسترداد ما دفع من الفوائد زائدا عن رأس المال إلا فى 1961/4/16 أى بعد إنقضاء أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ علمه بحقه فى الإسترداد فإن الدعوى بالإسترداد تكون قد سقطت وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 430 لسنة 38 جلسة 1974/03/28 س 25 ع 1 ص 602 ق 97)
12- متى كان الطاعنون قد طلبوا برءة ذمتهم من باقى الدين المستحق لبنك الأراضى والحكومة المصرية وشطب قائمة الرهن وكافة تجديداتها على أساس أن الدائنين تقاضوا رأس المال وفوائد يزيد مجموعها عنه على خلاف ما تقضى به المادة 232 من القانون المدنى ، فإن طلب تصفية الحساب بين الطرفين بتحديد مقدار الدين وفوائده وما تم سداده منها يكون من بين العناصر الأساسية التى تضمنها طلب براءة الذمة وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وإنتهى إلى أن طلب براءة الذمة وطلب تصفية الحساب يغاير كل منهما الآخر فى خصوصية هذه الدعوى معولاً على أسباب لا تحمل قضاءه فى هذا الشأن فإنه يكون قد أخطأ فى فهم الواقع فى الدعوى كما أنه إذ تحجب بهذا النظر عن بحث حجية الحكم الصادر من محكمة أول درجة بندب الخبيرفيما قضى به من إعمال نص المادة 232 من القانون المدنى التى تمسك بها الطاعنون وما أثاروه بشأن براءة ذمة مورثهم من دين الرهن بعد قيامهم بعرض وإيداع المبلغ الذى حدده الخبيرفإنه يكون معيباً كذلك بالقصور
(الطعن رقم 164 لسنة 38 جلسة 1973/11/29 س 24 ع 3 ص 1183 ق 205)
13- لما كانت المادة 232 من القانون المدنى تنص على ,, لا يجوز تقاضى فوائد على متجمد الفوائد ولا يجوز فى أية حال أن يكون مجموع الفوائد التى يتقاضها الدائن أكثر من رأس المال وذلك كله دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية ،، كما تنص المادة 233 على أن الفوائد التجارية التى تسرى عل الحساب الجارى يختلف سعرها القانونى بإختلاف الجهات ويتبع فى طريقة حساب الفوائد المركبة فى الحساب الجارى ما يقضى به العرف التجارى مما مفاده أن القانون وإن حظر تقاضى فوائد على متجمد الفوائد كما منع تجاوز الفوائد لرأس المال إلا أنه أخرج من هذا الحظروعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض ما تقضى به القواعد و العادات التجارية كما أقر ما جرى عليه العرف التجارى بتجميد الفوائد فى الحساب الجارى .
(الطعن رقم 149 لسنة 33 جلسة 1968/03/05 س 19 ع 1 ص 482 ق 70)
14- تعتبر العادات التجارية من مسائل الواقع التى يترك أمر التثبت منها لقاضى الموضوع ، فإذا كانت الطاعنة لم تقدم ما يفيد سبق تمسكها أمام محكمة الموضوع بما يستدل منه على قيام عرف تجارى بإحتساب سعر الفوائد التعويضية بواقع 5ر6% إذا لم يتفق الطرفان على تحديدها فانه لا يجوز إثارة هذه المسألة لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 257 لسنة 31 جلسة 1966/02/22 س 17 ع 1 ص 357 ق 50)
15- العادات التجارية تعتبر من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع بأمر التثبت من قيامها وتفسيرها كما أن تحرى العرف فى ذاته والتثبت من قيامه من أمور الموضوع أيضا التى لا تخضع لرقابة محكمة النقض إلا حيث يحيد قاضى الموضوع عن تطبيق عرف ثبت لديه وجوده و هذا يقتضى التمسك به أمام محكمة الموضوع حتى يمكنها التثبت من أمر قيامه فإذا كان الطاعن لم يقدم إلى محكمة النقض ما يدل على سبق تمسكه بقيام عرف أوعادة تجارية بتجميد الفوائد بعد إقفال الحساب الجارى فإنه لا يجوز له التحدى بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 32 لسنة 30 جلسة 1964/12/03 س 15 ع 3 ص 1120 ق 163)
16- القروض التى تعقدها المصارف تعتبر بالنسبة للمصرف المقرض عملاً تجاريا بطبيعته وفقا لنص المادة الثانية من قانون التجارة . أما بالنسبة للمقترض فانه وإن اختلف الرأى فى تكييفها إذا لم يكن المقترض تاجرا أو إذا كان القرض مخصصا لأغراض غير تجارية ، إلا أن محكمة النقض ترى اعتبار القروض التى تعقدها البنوك فى نطاق نشاطها المعتاد عملاً تجاريا مهما كانت صفة المقترض وأيا كان الغرض الذى خصص له القرض ذلك أن البنك المقرض يتحمل عادة فى سبيل الحصول على الأموال التى يلبى بها حاجات المقترضين أعباء أكثر فداحة من المقرض العادى إذ هو يحصل على هذه الأموال من المصارف الأخرى التى تتقاضى منه فوائد على متجمد الفوائد غير مقيدة بالحظر الوراد فى المادة 232 مدنى على أساس أن المعاملة بين المصرفين هى معاملة تجارية تدخل فى نطاق الاستثناء الوارد بتلك المادة ، وليس من المعقول أن يحرم المصرف من هذه المزايا ، وليس من المعقول أن يحرم المصرف من هذه المزايا عندما يقرض الغير ، هذا علاوة على ما يتعرض له المصرف من مخاطر فى القروض الطويلة الأجل ومن حرمانه من أموال كان يمكنه استثمارها فى وجوه أخرى غير القرض تدر عليه أرباحا أكثر ومما يؤيد هذا النظر أن الشارع المصرى قد أصدر فى ظل القانون المدنى الجديد القانون رقم 110 لسنة 1956 بإنشاء بنك الإئتمان العقارى وأجاز لهذا البنك منح قروض طويلة الأجل لغير التجار ولغير أغراض تجارية وهذه القروض تفترض بسبب طول أجلها تجاوز الفوائد لرأس المال مما يفيد أن المشرع قد خرج بهذه القروض عن نطاق الحظر المنصوص عليه فى صدرالمادة 232 من القانون المدنى وهو ما لايمكن تفسيره إلا بأنه قد اعتبر تلك القروض تجارية وتبعا لذلك تخضع للقواعد والعادات التجارية التى تبيح تقاضى فوائد على متجمد الفوائد و مجاوزة مجموع الفوائد لرأس المال
(الطعن رقم 255 لسنة 27 جلسة 1963/06/27 س 14 ص 946 ق 132)
17- المقصود بالعادات التجارية التى تعنيها الفقرة الأخيرة من المادة 232 مدنى هى ما اعتاده المتعاملون ودرجوا على اتباعه بحكم ما استقرمن سنن وأوضاع فى التعامل فيكفى فى العادة التجارية أن تكون معبرة عن سنة مستقرة ولايشترط أن تكون هذه السنة مخالفة لأحكام القانون ولما كان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه فى هذا الخصوص قد استدل على قيام عادة تجارية تجيز تقاضى فوائد على متجمد الفوائد وعلى تجاوز مجموع الفوائد لرأس المال بقوله : " وحيث أن العادة التجارية تثبت بكافة طرق الإثبات وخير دليل عليها ما كان مستمدا من طبيعة العمل نفسه ومن خصائصه الكامنة فيه ولا مرية فى أن عملية القرض الطويل الأجل هى من صميم أعمال البنك العقارى المصرى وفقا لقانونه النظامى وفى أن العادة قد جرت منذ نشوء الائتمان العقارى فى مصر على اقتضاء فوائد تزيد على رأس المال فى كل قرض عقارى ذى أجل طويل وهذه العادة مذكورة فى المؤلفات الإقتصادية وفى كتب القانون على أنها من أبرز العادات التجارية التى تستمد كيانها من طبيعة العمل ذاته والمفروض أن المشرع كان يعلم بها علم اليقين حين عمل على حماية عادات التجارة بالاستثناء المنصوص عليه فى عجز المادة 232 مدنى ولعل صورة هذه العادات بالذات كانت مقدمة الصورالتى كانت بخاطره عندما وضع هذا الاستثناء " . فإن هذا الذى قرره الحكم سائغ ولا عيب فيه
(الطعن رقم 255 لسنة 27 جلسة 1963/06/27 س 14 ص 946 ق 132)
نطاق حظر الفوائد المركبة :
الفوائد، سواء كانت إتفاقية أو قانونية، تستحق بواقع 4% أو 5% إذا كانت قانونية، وبما لا يجاوز 7% إن كانت إتفاقية، وتنسب في سعرها إلى أصل الدين، فإن كان مائة جنيه، وكانت الفائدة 5% سنوياً، فإن الدائن يتسحق فائدة قدرها خمسة جنيهات في نهاية السنة الأولى، ويظل أصل الدين على ما هو عليه ، وفي السنة الثانية يستحق الدائن خمسة جنيهات أخرى ويظل الدين على مقداره ، فتكون الفوائد حينئذ بسيطة غير مركبة وبالتالي جائزة قانوناً.
وتكون الفوائد مركبة عندما تتراكم وتضاف إلى رأس المال ويحتسب سعرها بعد هذا التراكم ، وهو ما حظره القانون فيما عدا ما جرت به العادة التجارية وجعل البطلان المترتب عليه مطلقا لمخالفته النظم التي قام عليها النظام الاقتصادي في الدولة ، وبالتالى مخالفته للنظام العام.
وإذ جرت القواعد والعادات التجارية على احتساب فوائد مركبة حتى عن المستحق عنها لمدة تقل عن سنة ، كما في الحساب الجاري ، دون مطالبة قضائية ودون إتفاق ، فإن هذه القاعدة تخرج عن نطاق الحظر الذي أوردته المادة 232 من القانون المدني ويستحق الدائن الفوائد المركبة.
وينحصر الحظر في الفوائد، فلا يجوز تقاضي فوائد على المتجمد منها، ومن ثم فإن هذا الحظر لا يمتد إلى غيرها من الحقوق الدورية المتجددة، كالأجرة والإيراد المرتب مدى حياة الدائن، فتلك التزامات أصلية قد تتراكم المبالغ المترتبة عليها ، وبالتالي ينتفي عنها وصف الفوائد، فيكون المدين ملزمة بما تراكم منها.
وكان القانون المدني السابق لم يرد به نص يحظر تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ، ولما كان نص المادة 232 من القانون المدني الحالي ، يتعلق بالنظام العام، فيسرى بأثر فورى مباشر على الاتفاقات التي أدركها.
نطاق حظر عدم تجاوز الفوائد لرأس المال :
الفوائد سواء كانت تعويضية أو إتفاقية لا يجوز أن يتجاوز رأس المال ، وقد تكون الفوائد تعويضية ثم يمتنع المدين عن الوفاء بالدين في الأجل المحدد فتصبح الفوائد تأخيرية ، ففي هذا الفرض أيضاً لا يجوز أن يجاوز مجموع نوعي الفوائد رأس المال ، ولكن إذا قطع الحساب وتحدد رأس المال مضافاً إليه الفوائد ، قم اقترض المدين هذا المبلغ ثانية فإنه يعتبر رأس مال جديد ويترتب على ذلك أن الفوائد المستحقة عنه يجب ألا تجاوزه ، ولا يعتد عند إحتساب ذلك بالفوائد السابقة فقد أصبحت ضمن رأس المال وليست منفصلة عنه ، ويشترط لسريان هذا الحكم إنتفاء الغش بأن يقسم الدائن مبلغ القرض الواحد الى مبلغين ليتجاوز الحظر.
ويتعلق النص بالنظام العام ، ومن ثم يقع باطلاً كل اتفاق يقضي بغير ذلك، كما يجوز للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ، وتقصر طلب الدائن على مبلغ يساوي رأس المال ومثله للفوائد ، أما ما تجاوز رأس المال من الفوائد فلا تقضي برده الى المدين إلا إذا طلب هو ذلك، ويتمثل هذا الطلب في رد ما دفع بغير حق، كما له رفع دعوى مبتدئة بذلك.
ولا يسرى هذا الحظر على ما استقرت عليه القواعد والعادات التجارية ، كما هو الحال في الحساب الجاري عملاً بالمادة 233 من القانون المدني ، وأيضاً فيما يتعلق بالقروض طويلة الأجل إذا تعلقت بأعمال تجارية، أما إذا تعلقت بأعمال مدنية ، فإنها تخضع للحظر الذي تضمنته المادة 232 من القانون المدني . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع ، الصفحة : 393)
زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال : رأينا أن المادة 232 مدني تقضي بأنه لا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية ، وفي هذا النص إمعان من جانب التقنين المدني الجديد في كراهية الربا ، إذ هو يستحدث قيداً جديداً علي الفوائد لم يكن في التقنين المدني السابق .
فالقاعدة إذن أن مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن من مدينة لا يصح في حال أن يزيد علي رأس المال.
ومجموع الفوائد التي يتقاضها الدائن يتناول الفوائد بجميع أنواعها : الفوائد التعويضية و الفوائد التأخيرية بالسعر الإتفاقي وبالسعر القانوني .
ويرد علي هذا الحكم القيدان الآتيان :
(أولاً) أن النص استثنى ما تقضي به القواعد والعادات التجارية ، مثل ذلك الحساب الجاري ، وسيأتي أنه يجوز فيه تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد وأن سعر الفائدة التجارية فيه غير مقيد بحد معين.
(ثانياً) زيادة مجموع الفوائد علي رأس المال ممنوعة في الصفقة الواحدة ، لا في مجموع الصفقات إذا تعددت.
الفوائد علي متجمد الفوائد أو الأرباح المركبة : المادة 232 مدني ، كما رأينا ، بأنه لا يجوز تقاضي فوائد علي متجمد الفوائد ، وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية .
(أولاً) ما تقضي به القواعد والعادات التجارية من جواز الأرباح المركبة في بعض الحالات ، وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " ويلاحظ أخيراً أن عرف التجارة قد يقضي بالخروج علي النصوص الخاصة بتجميد الفوائد ، ومن ذلك مثلاً إجازة تجميد ما يستحق منها عن مدة تقل عن سنة في الحساب الجاري ، دون حاجة إلي اتفاق أو مطالبة قضائية .
(ثانياً) الاستحقاقات الدورية غير الفوائد ، كالأجرة والإيرادات المرتبة مدي الحياة و الاستحقاق في الوقف ، لا تعتبر في حكم الفوائد ، فيجوز تقاضي فوائد عن المتجمد من هذه الاستحقاقات .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني المجلد : الثاني ، الصفحة : 1199)
هذا النص يحرم تقاضي الفوائد على متجمد الفوائد وهو ما يعرف بالربح المركب، فلا يجوز ضم الفوائد المستحقة التي لم يتم الوفاء بها إلى رأس المال واحتساب الفوائد بعد ذلك على أساس المجموع.
والحكمة من التحريم أنه يترتب على الربح المركب إثقال كاهل المدين بمديونية لا تتناسب قط مع ما يعود عليه من استثمار رأس المال الأصلي، فالربح المركب يؤدي إلى تضاعف رأس المال في 19 سنة إن كانت الفائدة 4% وفي 14 سنة إن كانت الفائدة 5% وفي عشر سنوات إن كان الفائدة 7%، بدلاً من 25 أو 20 أو 14 سنة على التوالي ، إن كان الربح بسيطاً ، ولذلك رأي المشرع في التقنين الجديد تحريمه ، بعد أن كان جائزاً في التقنين السابق بشروط .
ويلاحظ أن التحريم لا ينصرف إلى كافة الاستحقاقات الدورية ، فهو قاصر على الفوائد بالمعنى الدقيق المعروف ، أما الاستحقاقات الدورية غير الفوائد بالمعنى الفني الدقيق فلا يسري عليها هذا التحريم ، فيجوز تجميد الأجر والإيرادات المرتبة مدى الحياة والاستحقاق في الوقف والمطالبة بفوائد تأخيرية قانونية عنها ، أو الاتفاق على أن التأخر في دفعها ينتج فوائد تأخيرية ، فهذه الاستحقاقات الدورية لا تعد فوائد ، ومن ثم تعتبر رؤوس أموال من حيث استحقاق الفوائد عنها .
وقد حرص النص على أن يستثنى من حكمه ، ما جرى به القواعد والعادات التجارية، التي تسمح بتقاضى فوائد على متجمد الفوائد ، مثل احتساب فوائد مركبة حتى عن المستحق منها لمدة تقل عن سنة ، كما في الحساب الجاري ، دون مطالبة قضائية ودون اتفاق.
لا يجوز أن يزيد مجموع الفوائد على رأس المال :
تقضى المادة بأنه لا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال وهذا الحكم الذي نصت عليه المادة (232) مدنی رددته المادة 64 من قانون التجارة الجديد .
والمقصود بذلك أن مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن من مدينة لا يصح في أية حال أن تزيد على رأس المال ، وقد بررت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ هذا الحكم بأن : "من المصلحة أن يحال بين الدائن وبين استغلال المدين باقتضاء فوائد تجاوز مقدار الدين نفسه، وبحسب الدائن أن يكون قد اقتضى فوائد تعادل رأسماله" ، وهذا الحكم ينصرف إلى جميع أنواع الفوائد ، سواء كانت فوائد تأخيرية أو فوائد استثمارية ، وسواء كانت اتفاقية أو قانونية، غير أن هذا الحكم لا يسرى إلا على القرض الواحد الذي تطول مدته إلى هذا الحد .
أما إذا صفي القرض الأول وأعقبه قرض آخر، فتحسب فوائد كل منهما على حدة ولا عبرة بما يبلغه مجموع فوائد القرضين ، اللهم إلا إذا ثبت أن القرض الثاني لم يقصد به غير الاحتيال على القانون بستر استمرار القرض الأول مدة تجاوز فيها فوائده رأس ماله ، فتكون العبرة حينئذ بمجموع فوائد القرضين .
وقد نصت المادة صراحة على أن هذا الحكم لا يخل بالقواعد والعادات التجارية ، ومؤدى ذلك أنه إذا جرت هذه القواعد والعادات التجارية بإجازة تقاضى فوائد أكثر من رأس المال وجب اتباعها واستبعاد حكم المادة 232 ، كما هو الحال في الحساب الجاري ، إذ يجوز فيه تقاضي فوائد على متجمد الفوائد كما أن سعر الفائدة التجارية غير مقيد بحد معين ، فيحتمل إذن أن يزيد مجموع الفوائد في نهاية الحساب على رأس المال ، ويكون ذلك جائزاً تمشياً مع القواعد والعادات التجارية. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث ، الصفحة : 566)
وهذا النص يعالج حالة المدينين قليلي التبصر الذين يقعون فريسة للمرابين ، وهم في الغالب فئة غير قليلة الكسب ولكنها تنفق في مناسبات مختلفة أكثر مما تكسب وتستدین لذلك اعتماداً على إمكانها الوفاء من کسبها المستقبل ، ثم تعجز عن تدبر الأمر ، فترسب في أغلال الدين زمناً طويلاً مكتفية بوفاء فوائده بین حین و آخر، ولا يضير الدائن شیئاً أن يمد لمثل هذا الدين الآجال طالما أنه يتقاضاه فوائد مجزية أقل ما فيها أنها تبلغ الحد الأقصى للفائدة الاتفاقية ، والغالب أن تجاوزه وأن يحتاط الدائن بشتى الوسائل الستر ذلك .
رأی المشرع المصري عند وضع التقنين المدني الحالي أن يحمي هذه الفئة من المدينين ضد ضعفها وضد استغلال المرابين، فحرم أن يتقاضى الدائن فوائد تبلغ في مجموعها أكثر من رأس المال مهما طال أجل الدين، فوضع بذلك حداً تنتهي عنده مصلحة الدائن المرابي في أن يمد المدينه أجل الدين، ويحفزه على استيفاء حقه قبل أن تبلغ الفوائد قيمة رأس المال، فإذا كان سعر الفائدة المتفق عليه 7% مثلاً كان من مصلحة الدائن أن يستوفي حقه قبل السنة الخامسة عشرة من تاريخ نشوئه، سواء أكان يتقاضى الفوائد أولاً فأولاً، أم كانت الفوائد متأخرة ومتراكمة في ذمة الدين، لأن العبرة بالاستحقاق لا بالاستيفاء، فلا يستحق الدائن فوائد لأكثر من 14 سنة وربع تقريباً ثم يقف استحقاق الفوائد بعد ذلك مهما طال أجل الدين.
ويستوي في ذلك أن تكون الفوائد اتفاقية أو قانونية ، وأن تكون في مقابل الأجل أو تكون فوائد تأخير ، فالعبرة بمجموع الفوائد التي استحقت في ذمة المدين، سواء قبل حلول أجل الدين أو بعد حلوله ، فإذا عقد قرض بفائدة تعويضية لمدة عشر سنوات قدرها 7% سنوياً ، وتأخر الدين عن السداد فلا تستحق في ذمته فوائد تأخير بعد حلول الأجل سوي 30% مهما بلغت سنوات التأخر .
غير أن هذا الحكم لا يسري إلا على القرض الواحد الذي تطول مدته الى هذا الحد، أما إذا صفى الفرض الأول وأعقبه قرض آخر فتحسب فوائد كل منهما على حدة ولا عبرة بما يبلغه مجموع فوائد القرضين، اللهم إلا إذا ثبت أن القرض الثاني لم يقصد به غير الاحتيال على القانون بستر استمرار القرض الأول مدة تجاوز فيها فوائده رأس ماله، فتكون العبرة حينئذ بمجموع فوائد القرضين .
وقد نصت المادة 232 صراحة على أن هذا الحكم لا يخل بالقواعد والعادات التجارية - ومؤدى ذلك أنه اذا جرت هذه القواعد والعادات التجارية باجازة تقاضي فوائد أكثر من رأس المال وجب اتباعها واستبعاد حكم المادة 232 وقد تقدم أن المشرع استثنى في المادة 233 الفوائد التجارية التي تسري على الحساب الجاري من حكم السعر القانوني المنصوص عليه في المادة 226 وجعلها تخضع للعرف المحلى ، وكذلك اذا كانت القواعد أو العادات التجارية الخاصة بالحساب الجاري مثلاً تسمح بأن يتقاضى الدائن فوائد أكثر من رأس المال وجب اتباعها واستبعاد حكم المادة 232 في العلاقة ما بين طرفي الحساب الجاري.
ويعتبر حكم المادة 232 هذا متعلقاً بالنظام العام لأن المشرع استهدف به حمايه فريق كبير من المدينين الضعفاء ، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه ، ويكون واجب التطبيق منذ 15 أكتوبر 1949 تاريخ العمل بالتنين المدني الحالي حتى على الديون التي نشأت قبل هذا التاريخ ، وغاية الأمر أن الفوائد التي دفعت قبل هذا التاريخ يكون دفعها صحيحاً وتبقى كلها للدائن ولو زاد مجموعها عن رأس المال، ولكن يقف سريان الفوائد منذ أن يبلغ مجموعها قيمة رأس المال ولو كان بعض هذه الفوائد قد استحق في ظل القانون القديم .
إذا تأخر المدين بمبلغ من النقود في أداء قسط مستحق من الفوائد ، فيجوز للدائن أن يطالبه بفوائد عن هذه الفوائد المتأخرة ، وهو ما يسمى بالربح المركب ؟
إذا نظرنا إلى كره الشرائع الفوائد وتفاوتها في النص على تحريمها فإن فوائد الفوائد تكون أولى بالتحريم ، لأن في إضافة الفوائد الى الأصل وجعلها تنتج بدورها فوائد جديدة ضرراً أكبر الضرر بالمدين ، إذ يحمل ذلك الدائن على التساهل في المطالبة بالفوائد التي تستحق ، ويغرى المدين على عدم أدائها أولاً فأولاً ، فتتراكم عليه الفوائد وفوائد الفوائد ، حتى يتضاعف الدين في مدة لا تزيد عن 14 سنة تقريباً بدلاً من 20 سنة إذا كان سعر الفائدة 5% وفي مدة لا تزيد عن عشر سنوات بدلاً من 14 سنة اذا كان سعر الفائدة 7% ، وفي ذلك خطر كبير على المدينين يهدد الثروة العامة .
وقد أدرك المشرع منذ أن أباح التعامل بالفوائد ما ينطوي عليه الريح المركب من خطر ، فحرمه أو حاطه بقيود شديدة تحد من ضرره ، ونص المشرع الفرنسي على ذلك في المادتين 1154 و 1155 ، والمشرع المصري في المادتين 126/186 و 127 / 187 من التقنين الملغي ، فخصص كل منهما أولى المادتين للقاعدة العامة ، ونص في الثانية على استثناءات منها.
تردد المشرع عند وضع التقنين المدني الحالي بين إجازة الفوائد المركبة مع تقييدها بمثل القيود التي نص عليها القانون الفرنسي وما جرى به العمل في ظل التقنين الملغي ، وبين تحريمها تحريماً باتاً أسوة بما فعلت بعض الشرائع الحديثة ، وانتهى الأمر بأن رجحت كفة التحريم في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، فقررت اللجنة حذف النص الذي كان مقترحاً في المشروع واستبدلت به النص الذي استقر في المادة 232 مدني، وهو يقرر أنه «لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد وذلك دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية» .
وبناءً على ذلك صارت القاعدة في القانون المصري الحالي تحریم الفوائد المركبة، وتعتبر هذه القاعدة متعلقة بالنظام العام فلا يجوز من تاريخ العمل بهذا التقنين الاتفاق على أن تسري فوائد على متجمد الفوائد ، بل يمتنع إبتداءً من ذلك التاريخ تجميد الفوائد وإضافتها إلى الأصل ولو كان ذلك بناءً على اتفاق ابرم في ظل القانون القديم ، وذلك لأن المادة 232 نصت على أن لا يجوز تقاضي فوائد ... ولم تكتف بأن تقول كما فعلت المادة 227 أنه لا يجوز الاتفاق على الفوائد ، وإذا لم يكن التجميد متفقاً عليه ولكن حصلت المطالبة القضائية به قبل صدور التقنين الحالي تعيين الحكم بتجميد ما كان يجوز تجميده من الفوائد حتى صدور هذا القانون ولو لم يصدر الحكم إلا بعد ذلك لأن العبرة بتاريخ المطالبة القضائية لا بتاريخ الحكم ، وسرى التحريم على فوائد المدة التالية لبدء العمل بالتقنين المذكور أي المدة من 15 أكتوبر 1949 فصاعداً .
وقد أورد المشرع على هذه القاعدة استثناءً واحداً نص عليه في نهاية المادة 232 ذاتها ، حيث أجاز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد إذا وجدت قواعد أو عادات تجارية تسمح بذلك ، وأهم تطبيق لهذا الاستثناء هو العرف التجاري الذي جرى في مصر بتجميد الفوائد في الحساب الجاري ، فقد جرت عادة المصارف بوجه خاص على إضافة الفوائد في نهاية كل شهر إلى الرصيد المدين في الحساب الجاري ، وكان ذلك معتبراً في ظل التقنين المدني استثناءً من قاعدة تحريم إضافة الفوائد الى الأصل لأقل من سنة ، وقد أقر المشرع في التقنين الحالي هذا الاستثناء بالرغم من توسعه في مبدأ التحریم .
على أنه يلاحظ أن هذا التحريم لا يسرى إلا بالنسبة الى فوائد الديون التي يكون محلها مبلغاً من النقود ، فلا يسري على ما عدا الفوائد من استحقاقات دورية كالأجرة والإيرادات المرتبة مدى الحياة و الاستحقاق في الوقف ، إذ أن هذه الاستحقاقات ليست - رغم صفتها الدورية – فوائد مبالغ من النقود ، فيكون حكمها حكم الديون الأصلية لا حكم الفوائد ، فإذا تأخر المدين بها في وفائها ، جازت مطالبته بفوائد تأخير عنها ، وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين الجديد ينص في المادة 310 فقرة ثانية منه على أن الاستحقاقات الدورية غير الفوائد تعتبر رؤوس أموال من حيث استحقاق الفوائد عنها ، غير أن الأمر أنتهى بحذف هذا النص لظهور حكمه وعدم الحاجة إليه. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 245)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني، الصفحة / 39
وهي تأْجيل الدّيْن الْحالّ في مقابل زيادةٍ:
85 - وهذه الصّورة تدْخل في باب الرّبا «إذ الرّبا الْمحرّم شرْعًا شيْئان: ربا النّساء، وربا التّفاضل. وغالب ما كانت الْعرب تفْعله، منْ قوْلها للْغريم: أتقْضي أمْ ترْبي؟ فكان الْغريم يزيد في الْمال، ويصْبر الطّالب عليْه، وهذا كلّه محرّمٌ باتّفاق
الأْمّة». قال الْجصّاص: «معْلومٌ أنّ ربا الْجاهليّة إنّما كان قرْضًا مؤجّلاً بزيادةٍ مشْروطةٍ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأْجل، فأبْطله اللّه تعالى وحرّمه، وقال: وإنْ تبْتمْ فلكمْ رءوس أمْوالكمْ وقال تعالى: وذروا ما بقي من الرّبا حظر أنْ يؤْخذ للأْجل عوضٌ، ولا خلاف أنّه لوْ كان عليْه ألْف درْهمٍ حالّةً، فقال له: أجّلْني وأزيدك فيها مائة درْهمٍ، لا يجوز؛ لأنّ الْمائة عوضٌ من الأْجل».
الصّورة الرّابعة:
وهي تعْجيل الدّيْن الْمؤجّل في مقابل التّنازل عنْ بعْضه «ضعْ وتعجّلْ».
86 - يرى جمْهور الْفقهاء أنّه إذا كان لرجلٍ على آخر ديْنٌ مؤجّلٌ، فقال الْمدين لغريمه: ضعْ عنّي بعْضه وأعجّل لك بقيّته، فإنّ ذلك لا يجوز عنْد الْحنفيّة والْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة. وكرهه زيْد بْن ثابتٍ، وابْن عمر، والْمقْداد، وسعيد بْن الْمسيّب، وسالمٌ، والْحسن، وحمّادٌ، والْحكم، والثّوْريّ، وهشيْمٌ، وابْن عليّة، وإسْحاق فقدْ روي أنّ رجلاً سأل ابْن عمر فنهاه عنْ ذلك. ثمّ سأله، فقال: إنّ هذا يريد أنْ أطْعمه الرّبا.
وروي عنْ زيْد بْن ثابتٍ أيْضًا النّهْي عنْ ذلك وروي أنّ الْمقْداد قال لرجليْن فعلا ذلك: كلاكما قدْ أذن بحرْبٍ من اللّه ورسوله.
واسْتدلّ جمْهور الْفقهاء على بطْلان ذلك بشيْئيْن:
أحدهما: تسْمية ابْن عمر إيّاه ربا، ومثْل ذلك لا يقال بالرّأْي وأسْماء الشّرْع توْقيفٌ. والثّاني: أنّه معْلومٌ أنّ ربا الْجاهليّة إنّما كان قرْضًا مؤجّلاً بزيادةٍ مشْروطةٍ، فكانت الزّيادة بدلاً من الأْجل، فأبْطله اللّه تعالى، وحرّمه، وقال: وإنْ تبْتمْ فلكمْ رءوس أمْوالكمْ وقال تعالى: وذروا ما بقي من الرّبا حظر أنْ يؤْخذ للأْجل عوضٌ. فإذا كانتْ عليْه ألْف درْهمٍ مؤجّلةٌ، فوضع عنْه على أنْ يعجّله، فإنّما جعل الْحطّ مقابل الأْجل، فكان هذا هو معْنى الرّبا الّذي نصّ اللّه تعالى على تحْريمه. ولا خلاف أنّه لوْ كان عليْه ألْف درْهمٍ حالّةٌ، فقال له: أجّلْني وأزيدك فيها مائة درْهمٍ، لا يجوز؛ لأنّ الْمائة عوضٌ من الأْجل، كذلك الْحطّ في معْنى الزّيادة، إذْ جعله عوضًا من الأْجل، وهذا هو الأْصْل في امْتناع جواز أخْذ الأْبْدال عن الآْجال فحرْمة ربا النّساء ليْستْ إلاّ لشبْهة مبادلة الْمال بالأْجل وإذا كانتْ شبْهة الرّبا موجبةً للْحرْمة فحقيقته أوْلى بذلك وأيْضًا فإنّه لا يمْكن حمْل هذا على إسْقاط الدّائن لبعْض حقّه؛ لأنّ الْمعجّل لمْ يكنْ مسْتحقًّا بالْعقْد، حتّى يكون اسْتيفاؤه اسْتيفاءً لبعْض حقّه، والْمعجّل خيْرٌ من الْمؤجّل لا محالة، فيكون فيما لوْ كانتْ له عليْه ألْفٌ مؤجّلةٌ فصالحه على خمْسمائةٍ حالّةٍ خمْسمائةٍ في مقابل مثْله من الدّيْن، وصفة التّعْجيل في مقابلة الْباقي - وهو الْخمْسمائة - وذلك اعْتياضٌ عن الأْجل، وهو حرامٌ.
وأيْضًا لأنّ الأْجل صفةٌ، كالْجوْدة، والاعْتياض عن الْجوْدة لا يجوز، فكذا عن الأْجل.
ويقول ابْن قدامة إنّه بيْع الْحلول، فلمْ يجزْ، كما لوْ زاده الّذي له الدّيْن، فقال له: أعْطيك عشرة دراهم وتعجّلْ لي الْمائة الّتي عليْك، ويقول صاحب الْكفاية: والأْصْل فيه أنّ الإْحْسان متى وجد من الطّرفيْن يكون محْمولاً على الْمعاوضة - كهذه الْمسْألة - فإنّ الدّائن أسْقط منْ حقّه خمْسمائةٍ، والْمدْيون أسْقط حقّه في الأْجل في الْخمْسمائة الْباقية، فيكون معاوضةً بخلاف ما إذا صالح منْ ألْفٍ على خمْسمائةٍ، فإنّه يكون محْمولاً على إسْقاط بعْض الْحقّ، دون الْمعاوضة؛ لأنّ الإْحْسان لمْ يوجدْ إلاّ منْ طرف ربّ الدّيْن.
وروي عن ابْن عبّاسٍ أنّه لمْ ير بأْسًا بهذا «ضعْ عنّي وتعجّلْ»، وروي ذلك عن النّخعيّ، وأبي ثوْرٍ؛ لأنّه آخذٌ لبعْض حقّه، تاركٌ لبعْضه، فجاز كما لوْ كان الدّيْن حالًّا، واسْتثْنى منْ ذلك الْحنفيّة والْحنابلة وهو قوْل الْخرقيّ منْ علمائهمْ أنّه يجوز أنْ يصالح الْموْلى مكاتبه على تعْجيل بدل الْكتابة في مقابل الْحطّ منْه، وذلك لأنّ معْنى الإْرْفاق فيما بيْنهما أظْهر منْ معْنى الْمعاوضة، فلا يكون هذا في مقابلة الأْجل ببعْض الْمال، ولكنْ إرْفاقٌ من الْموْلى بحطّ بعْض الْمال، ومساهلةٌ من الْمكاتب فيما بقي قبْل حلول الأْجل ليتوصّل إلى شرف الْحرّيّة؛ ولأنّ الْمعاملة هنا هي معاملة الْمكاتب مع سيّده، وهو يبيع بعْض ماله ببعْضٍ، فدخلت الْمسامحة فيه، بخلاف غيْره.