مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 602
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - من المبادئ الأصلية في القانون المدني أن أموال المدين تعتبر ضماناً عاماً لدائنيه جميعاً، على أن مجرد تقرير المبدأ في ذاته، لا يكفي لتحقيق نفعه، في الواقع من الأمر، ذلك أن هذا النفع معقود بالتماس الوسائل العملية التي تعين على استخلاص ذلك الضمان، وقضاء الحقوق المتعلقة به، وقد شرع القانون إجراءات تحفظية وإجراءات تنفيذية (أنظر في هذا المعنى المواد 269 ، 270 ، 271 من التقنين اللبناني)، وكفل استعمالها للدائنين تحقيقاً لهذا الغرض ، بيد أن هذه الإجراءات تدخل بشقيها في نظام قواعد المرافعات .
2 - أما ما يعني القانون المدني بإبرازه من فكرة الضمان هذه فهو ما يتفرع عليها من تساوي الدائنين ، عند استخلاص حقوقهم من مال الدين ، ما لم يكن لأحدهم حق في التقدم وفق الأحكام القانون (كالرهن الرسمي ورهن الحيازة وحق الامتياز مثلاً) فهم ، فيما خلا هذا الحق، منزلة سواء لا تمييز بينهم في ذلك بسبب تاريخ نشوء حقوقهم أو تاريخ استحقاق الوفاء بها، مهما يكن مصدر هذه الحقوق، وغني عن البيان أن تلك المساواة تظل أقرب إلى المعاني النظرية، ما لم تشفع بنظام يتناوله تنظیم حالة المدين المعسر كما سيأتي بيان ذلك.
1- الإتفاقية المبرمة بين حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة الجمهورية العربية الليبية وسلطنة عمان بشأن الموافقة على إتفاقية تأسيس المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية والنظام الأساسى الملحق بها والتى تم التوقيع عليها بالقاهرة بتاريخ 1973/8/22 أصبحت بصدور القرار الجمهورى رقم 547 لسنة 1974 وبعد الموافقة عليها من مجلس الشعب قانوناً من قانون الدولة ولما كان الأصل أن أموال المدين جميعها على ما جاء بنص المادة 234 من التقنيين المدنى ضامنة للوفاء بديونه وقد شرع القانون إجراءات تحفظية وأخرى تنفيذية وكفل إستعمالها للدائنين تحقيقاً لهذا الغرض بعد أن نص عليها فى تقنين المرافعات فتسود أحكامه فى شأن ما يتم توقيعه من حجوز بحيث تعتبر النصوص المنظمة للإجراءات سالفة الذكر هى الواجبة التطبيق أصلاً ما لم تطرأ ظروف معينة يرى المشرع معها ضرورة تعطيل بعض أحكامه أوإحلال تشريعات خاصة بديلاً عنها وكان القرار الجمهورى رقم 547 لسنة 1974 سالف الذكر تشريعاً خاصاً فى طبيعته ونطاقه إذ خرج به المشرع عن الأحكام العامة فى شأن إتخاذ إجراءات الحجز القضائي أوالإدارى على حسابات المودعين بالمصرف المطعون عليه الأول ، ووضع لها أحكاماً خاصه ، فرض بمقتضاها عدم جواز إتخاذ تلك الإجراءات على هذه الحسابات وإذ نص فى المادة 13 منه على أن " حسابات المودعين والتى توجد فى بلد العضو سرية ولا يجوز الإطلاع عليها ولا يجوز إتخاذ إجراءات الحجز القضائي أوالإدارى عليها " ، وكان من المقرر قانوناً أنه مع قيام القانون الخاص لايرجع إلى أحكام القواعد العامة إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام ، فلا يجوز إهدار القانون الخاص بذريعة إعمال قاعدة عامة لما فى ذلك من منافاة صريحة للغرض الذى من أجله وضع القانون الخاص.
(الطعن رقم 62 لسنة 52 جلسة 1985/05/30 س 36 ع 2 ص 836 ق 171)
2- مؤدى نص المادة التاسعة من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى أن الملكية فى المواد العقارية لا تنتقل سواء بين المتعاقدين أوبالنسبة للغيرإلا بالتسجيل . وما لم يحصل هذا التسجيل تبقى الملكية على ذمة البائع ومن ثم وعملاً بنص المادة 234 من القانون المدنى يظل العقار المبيع باقياً ضمن أموال البائع الضامنة لإلتزاماته . وإذ خالف الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه ببطلان الحجز العقارى وإعتباره كأن لم يكن على ما حصله من أن الثابت بعقد البيع العرفى أن المطعون ضده قد أوفى البائع له - مدين المصلحة الحاجزة - كامل ثمن القعار المحجوز عليه وإستلم هذا العقار من بائعه فيكون له حق الإنتفاع به من تاريخ إبرام العقد عملاً بالمادة 458 من القانون المدنى و لو لم يكن العقد مسجلاً فيكون الحجز العقارى المتوقع على هذا العقار من المصلحة الحاجزة باطلاً لأنه غير مملوك لمدينها ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون و أخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 709 لسنة 29 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 742 ق 157)
3- تنص المادة 316 مرافعات على " أن للدائن أن يوقع الحجز التحفظى على منقولات مدينة فى الأحوال الآتية 1 - ... ...2 - فى كل حالة يخشى فيها فقدان الدائن لضمان حقه " و المقصود بالضمان هو ضمان العام الذى للدائن على أموال مدينة أما الخشية فهى الخوف من فقدان الدائن لهذا الضمان بسبب ظروف محددة و عبء إثبات ذلك يقع علىعاتق الدائن .
(الطعن رقم 806 لسنة 45 جلسة 1978/04/06 س 29 ع 1 ص 972 ق 190)
4- الأصل أن أموال المدين جميعها على ما جاء بنص المادة / 234 من القانون المدنى ضامنة للوفاء بديونه ، وإذ كان ما ورد بالمادة الأولى من القانون رقم 513 لسنة 1953 من أنه " لا يجوز التنفيذ على الأراضى الزراعية التى يملكها المزارع إذا لم يجاوز ما يملكه منها خمسة أفدنه ، فإذا زادت ملكيته على هذه المساحة وقت التنفيذ ، جاز إتخاذ الإجراءات على الزيادة وحدها " يعتبر إستثناء من هذا الضمان ، فإنه شأن كل إستثناء لا ينصرف إلا لمن تقرر لمصلحته وهو المدين وإذ كانت تركة المدين تعتبر منفصلة شرعاً عن أشخاص الورثة وأموالهم وللدائن حق عينى يخوله تتبعها لإستيفاء دينه منها ، بسبب مغايرة شخصية المورث لشخصية الوارث ، وكان حق الدائن فى ذلك أسبق من حق الوارث الذى لا يؤول له من التركة إلا الباقى بعد أداء الدين ، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر ، وحرم الدائن من إتخاذ إجراءات التنفيذ على أعيان التركة إستناداً إلى أن للورثة بأشخاصهم إذا كانوا من الزراع أن يفيد كل منهم وقت التنفيذ على أموال التركة من الحماية المقررة بالقانون رقم 513 لسنة 1953 بالنسبة إلى خمسة أفدنه ، فإنه يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 56 لسنة 38 جلسة 1973/12/23 س 24 ع 3 ص 1347 ق 231)
الضمان العام للدائنين :
تخضع جميع أموال المدين للضمان العام لدائنيه ، سواء كانت من ضمن هم عناصر ذمته المالية وقت نشوء حق الدائن أم أضيفت إلى هذه الذمة بعد نشوء الحق ، فيكفي أن تكون الأموال الخاضعة للضمان العام موجودة وقت التنفيذ عليها.
وتقسم هذه الأموال بين الدائنين قسمة غرماء كل بنسبة دينه ما لم يوجد دائن له تأمین خاص على تلك الأموال کرهن أو اختصاص أو امتیاز وحينئذ يتقدم هذا الدائن على سائر الدائنين العاديين ، فإن اقتضى حقه كاملاً وبقي شئ من هذه الأموال اقتسمه الدائنون العاديون فيما بينهم قسمة غرماء ، فإن كان التأمين الخاص متعلقاً بأحد هذه الأموال واختص الدائن صاحب التأمين بهذا المال ولكن ثمنه لم يفي بدينه ، فانه لا يستطيع الانفراد بمال آخر للتنفيذ عليه إنما ينضم إلى الدائنين العاديين فيشاركهم التنفيذ على باقي أموال المدين وتقسم فيما بينهم قسمة غرماء فيدخل هذا الدائن في القسمة بالباقي من دينه بينما يدخل كل من الباقين بكل دينه فتقسم حصيلة التنفيذ بنسبة هذه الديون.
كيفية استفادة الدائن من الضمان العام :
(1) اتخاذ الإجراءات التحفظية : لما كان الدائن لا يستطيع التنفيذ إلا على أموال مدينة التي كانت ضمن عناصر ذمته المالية وقت التنفيذ بموجب سند تنفيذي يخول له ذلك، فقد يخشى أن يتصرف مدينه في أمواله قبل التنفيذ عليها مما يضعف الضمان العام ، لذلك خول القانون للدائن اتخاذ الإجراءات التي تكفل له التحفظ على هذه الأموال إلى حين استصدار سند تنفيذي فأجاز له أن يطلب وضع الأختام عليها عند موت أو إفلاس مدينه ، أو أن يطلب حصرها بموجب محضر جرد ، أو أن يتدخل في اجراءات قسمة المال الشائع المملوك لمدينه وفقاً النص المادة 842 من القانون المدني، وله التدخل في الخصومة التي تقام من مدينه أو عليه ليحول دون تواطؤ المدين إذ يعتبر الحكم الصادر فيها ضد المدين حجة عليه ولو لم يكن ممثلاً بنفسه فيها ذلك أن المدين يعتبر ممثلاً لدائنه في الدعاوى التي ترفع منه أو عليه ويكون للدائن أن يطعن في الأحكام التي تصدر ضد مدينه بطرق الطعن العادية وغير العادية ولو لم يكن قد انضم لمدينه ، ويتخذ الدائن هذه الإجراءات بإسمه لا بإسم مدينه بإعتبار أنه يستعمل حقاً خاصاً به ، ويجوز له إتخاذها دون أن يكون بيده سند تنفيذي وحتى لو كان حقه مضافاً إلى أجل أو معلقاً على شرط أو كان إحتمالياً.
ومن الإجراءات التحفظية أيضاً ، الحجوز التحفظية ، فللدائن أن يوقع حجزاً تحفظياً على ما للمدين لدى الغير ، ويوقع كذلك الحجوز التحفظية المنصوص عليها في المواد 316 - 319 من قانون المرافعات.
ومن الإجراءات التي تستند إلى الضمان العام، الدعوى غير المباشرة والدعوي البوليصية ودعوي الصورية والحق في حبس أموال المدين لدى الدائن ودعوى شهر إعسار المدين.
2 - إتخاذ الإجراءات التنفيذية : ولا يستطيع الدائن إتخاذها إلا إذا كان بيده سند تنفيذي ، حكم مذيل بالصيغة التنفيذية أو عقد رسمي، وللدائن التنفيذ على جميع أموال المدين بالحجز التنفيذي ثم البيع، وفقاً للمادة 325 وما بعدها بالنسبة لحجز ما للمدين لدى الغير، والمواد 381 - 397 بالنسبة للتنفيذ على المنقول ، والمواد 401 - 458 بالنسبة للتنفيذ على العقار. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع، الصفحة : 405)
ويتبين من النص المتقدم أن الدائنين ينفذون بحقوقهم علي أموال المدين ، وسواء كان التنفيذ عينياً أو كان بطريق التعويض ، فإن مال المدين هو الذي يكون محلاً لهذا التنفيذ .
فأموال المدين هي إذن الضمان العام للدائنين ، ولا يلتبس هذا الضمان العام بالتأمين الخاص الذي يقع علي مال معين للمدين لمصلحة أحد دائنيه ، فيقدمه علي غيره من الدائنين فالضمان العام يتساوى فيه كل الدائنين ، ولا يتقدم فيه دائن علي آخر ، وإنما يتقدم الدائن علي غيره إذا كان له تأمين خاص كما قدمنا ، كرهن أو إختصاص أو إمتياز .
ولا يكفل الضمان العام حق التتبع لأحد من الدائنين، فإذا باع المدين شيئاً من ماله، خرج هذا المال من الضمان العام ، ولا يستطيع الدائن العادي أن يتبعه في يد المشتري كما كان يستطيع لو أن تأميناً خاصاً علي المال .
والضمان العام الذي للدائن يخول له أن يستأذن حقه من أموال مدينه كما قدمنا وله أن يتخذ علي هذا الأموال طرقاً تحفظية وطرقاً تنفيذية وطرقاً هي وسط ما بين الطرف التحفظية والطرق التنفيذية ، وهذه الطرق جميعاً إنما تترتب علي هذا الضمان العام ، وتقوم علي أساسه ، والغرض منها هو تأكيده وتقويته .
525 - الطرق التحفظية والطرق التنفيذية : والأصل أن جميع أموال المدين يجوز التنفيذ عليها ، ومن ثم يجوز أن تتخذ في شأنها إجراءات تحفظية ، علي أن هناك بعضاً من هذه الأموال استثناه القانون ، من ذلك أموال نص القانون علي عدم جواز النزول عنها للغير ، كحق الاستعمال وحق السكنى ( م 997 مدني ) ، فلا يجوز إذن التنفيذ علي هذه الأموال ولا الحجز عليها ومن ذلك أموال لا يجوز التنفيذ عليها لأسباب إنسانية ترجع إلي الشفقة بالمدين والرغبة في أن يترك له الكفاف من العيش .
وقد نصت المادة 484 من تقنين المرافعات علي أنه " لا يجوز علي الفراش اللازم للمدين وزوجه أقاربه وأصهاره علي عمود النسب المقيمين معه في معيشة واحدة ، ولا علي ما يرتدونه من الشباب " ، ونصت المادة 485 من هذا التقنين علي أنه " لا يجوز الحجز علي الأشياء الآتية إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة :
(1) الكتب اللازمة لمهنة المدين وأدوات الصناعة التي يستعملها بنفسه في عمله .
(2) العتاد الحربي المملوك له إذا كان من العسكريين مع مراعاة رتبته .
(3) الحبوب والدقيق اللازمين لقوته هو وعائلته لمدة شهر.
والطرق التحفظية علي نوعين :
(1) طرق يتخذها الدائن بالنسبة إلي حقه الذي يريد التنفيذ به ، أي يتخذه في ماله . مثل ذلك أن يقطع التقادم بالنسبة إلي هذا الحق حتى يمنعه من السقوط ، أو أن يقوم بقيد رهن ضامن للحق ، أو بتجديد لقيد هذا الرهن ، أو يطلب تحقيق إمضاء مدينه علي سند الدين ، أو نحو ذلك .
(2) وطرق يتخذها بالنسبة إلي أموال المدين حتى يحافظ عليها من الضياع ، وهي الضمان العام لحقه كما قدمنا ، مثل ذلك أن يضع الأختام عليها عند موت المدين أو إفلاسه ، أو أن يحرر محضر جرد بها ، أو أن يتدخل في إجراءات قسمة المال الشائع المملوك لمدينة ( م 842 مدني).
أما الطرق التنفيذية فقد تكفل ببيانها تقنين المرافعات ، ولا يجوز التنفيذ إلا اقتضاء لحق محقق الوجود معين المقدار حال الأداء (م 459 مرافعات) ويجب أن يسبق التنفيذ حصول الدائن علي سند تنفيذ والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر والعقود الرسمية والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة .
والتنفيذ يكون عادة بالحجز علي هذه الأموال وبيعها وقد فصل تقنين المرافعات إجراءات التنفيذ علي منقولات المدين ( م 353 - 352 مرافعات ) ، وحجز ما للمدين لدي الغير ( م 325 - 352 مرافعات ) ، والتنفيذ علي عقارات المدين ( م 458 - 401 مرافعات ).
طرق وسطى ما بين التحفظية والتنفيذية.
فهي الدعوي غير المباشرة والدعوى البوليصية ودعوى الصورية ، ففي الأولي يدفع الدائن عن نفسه نتائج تهاون المدين أو غشه إذا سكت هذا عن المطالبة بحقوقه لدى الغير، فيباشر الدائن بنفسه حقوق مدينة نيابة عنه بالدعوى غير المباشرة ، وبذلك يحافظ علي ضمانه العام تمهيداً للتنفيذ بحقه بعد ذلك ، وفي الثانية – الدعوي البوليصية - يدفع الدائن عن نفسه نتائج غش المدين إذا عمد هذا إلي التصرف في ماله إضراراً بحق الدائن ، فيطعن الدائن في هذا التصرف ليجعله غير نافذ في حقه ، فيعود المالي إلي الضمان العام تمهيداً للتنفيذ عليه ، وفي الثالثة – دعوى الصورية - يدفع الدائن عن نفسه نتائج غشن المدين أيضاً إذا عمد هذا إلي التظاهر بالتصرف في ماله ليخرجه من الضمان العام بتصرف صوري ، فيطعن الدائن في هذا التصرف بالصورية حتى يكشف عن حقيقته.
وهناك طريق رابع استحدث فيه التقنين المدني تجديداً ، هو حق الدائن في حبس مال المدين ، وهذا أيضاً إجراء ما بين التحفظي والتنفيذي.
والطريق الخامس هو أيضاً إجراء فردي ، يتخذه أي دائن بمفرده ، ولكنه إجراء من شأنه أن يغل يد المدين عن ماله ، وذلك هو شهر إعسار المدين ، فقد تكفل التقنين الجديد – علي خلاف التقنين السابق وأكثر التقنينات اللاتينية – بتنظيم إجراءات هذا الإعسار، حتى يستطيع الدائن من وراء ذلك أن يستوفي حقه من أموال مدينة دون أن يخشي غش المدين أو تهاونه .
ونرى من ذلك أن التقنين المدنى الجديد جعل مدة تقادم الدعوى البوليصية معادلة لمدة تقادم دعاوى البطلان والدعاوى الناشئة عن العمل غير المشروع والإثراء بلا سبب، وإن كانت الدعوى البوليصية ليست بدعوى بطلان كما سيجئ ، وقد نزل التقنين الجديد بمدة التقادم إلى ثلاث سنوات حتى لا يبقى مصير التصرف الصادر من المدين معلقاً مدة طويلة .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثاني، المجلد : الثاني، الصفحة: 1221)
تكون أموال المدين جميعاً ضامنة للوفاء بديونه ، بمعنى أن الدائن يستطيع أن ينفذ بحقه على أموال المدين ، سواء كان هذا التنفيذ عينياً أو كان بطريق التعويض ، هذا الحق الذي للدائن یسمی حق الضمان العام ، وهو يتميز بهذا عن الضمان الخاص الذي يتقرر للدائن على مال معين من أموال المدين يعطيه سلطة التنفيذ عليه وتتبعه واقتضاء حقه منه منفصلاً على غيره من الدائنين ، كما هو الحال في حق الرهن مثلاً .
ومع ذلك فقد يخرج القانون بعض الأموال من الضمان العام بحيث لا يجوز التنفيذ عليها ، فقد تضمن قانون المرافعات مثلاً نصوصاً لا تجيز الحجز على بعض الأموال مثل ما يلزم المدين وزوجته وأقاربه وأصهاره علي عمود النسب المقيمين معه في معيشة واحدة من الفراش والثياب وكذلك ما يلزمهم من الغذاء لمدة شهر (م 305).
وكذلك ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته أو حرفته بنفسه (م306).
(راجع أيضاً المواد 307، 308، 309 من قانون المرافعات).
يتميز الضمان العام بالخصائص الآتية :
أولاً : أنه لا يقع على مال معين بالذات بل يقع على مجموع أموال المدين التي تتكون في ذمته وقت التنفيذ ، وهذا يستتبع أمرين :
(أ) إن الضمان العام لا يقع فقط على الأموال التي كانت في ذمة المدين وقت نشوء الدين، بل يشمل أيضاً كل ما دخل في ذمته بعد ذلك ، فالضمان العام ينصب كما يقال على جميع الأموال الحاضرة والمستقبلة .
ويشمل ذلك جميع حقوقه ذات القيمة المالية ، سواء في ذلك الحقوق العينية والحقوق الشخصية والحقوق الأدبية (أو الذهنية) المملوكة فعلاً للمدين وقت شروع الدائن في تنفيذ حقه أو التي ستؤول إليه بعد ذلك ، وهو يعبر عنه بالذمة المالية للمدين .
(ب) أن الأموال التي تخرج من ذمة المدين بعد نشوء الدين تخرج من الضمان العام، بمعنى أن الدائن لا يستطيع أن يتتبع تلك الأموال في يد الغير، فحقه مقصور على ما في ذمة المدين من أموال ، فحق الدائن لا ينصب على مال معين بالذات، وليس له على مال معين حق عيني يجيز له التتبع ، وفي هذا يختلف الدائن العادي وهو صاحب حق شخصي عن صاحب الحق العيني.
ولا يمكن اللدائن أن يتتبع مالاً معيناً من أموال مدینه إلا إذا كان له عليه حق عيني أي ضمان خاص كرهن مثلاً ، فمن مزايا الحق العيني التتبع كما هو معروف فليس إذن للدائن العادي حق التبع أو بعبارة أخرى فإن تصرفات المدين تنقذ في مواجهته ويحتج بها عليه.
ثانياً : يتميز الضمان العام أنه مقرر لجميع الدائنين، فيتساوون جميعاً في اقتضاء ديونهم من أموال المدين ، فإذا اشترك عدة دائنين في التنفيذ على مال الملايين ولم يكن هذا المال كافياً لسداد ديونهم جميعاً ، تحاص الدائنون الحاجزون فيقسم المتحصل من التنفيذ بينهم قسمة غرماء كل بنسبة دينه ، فلا يتقدم دائن على الآخر ولو كان تاريخ نشوء دينه أو تاريخ حلوله سابقاً على غيره ، وذلك إلا إذا كان لأحدهم حق التقدم طبقاً للقانون ، بمقتضى رهن أو اختصاص أو امتياز.
على أنه يجب أن يلاحظ أن تزاحم الدائنين لا يكون إلا إذا تقدموا بديونهم في الوقت المناسب ، أما إذا قام أحد الدائنين بالتنفيذ على مال للمدين ، وانتهت الإجراءات دون أن يتقدم أحد غيره للإشتراك في التنفيذ ، فإنه يستقل بداهة بإستیفاء حقه من المتحصل من التنفيذ .
لا يكفي أن يجعل القانون للدائن الحق في أن ينفذ بحقه على أموال المدينة وإنما يجب أن يوفر له من الوسائل ما يكفل المحافظة على هذه الأموال أو بقاءها في ذمة المدين حتى يستطيع الدائن أن ينفذ عليها لاقتضاء حقه.
وقد نظم قانون المرافعات في هذا الخصوص وسائل تحفظية تتمثل في الحجز التحفظي الذي يستطيع الدائن أن يوقعه على منقول لمدينة ووسائل تنفيذية تتمثل في حجز المنقول لدى المدين وفي حجز ما للمدين لدى الغير وفي التنفيذ على عقار للمدين ، وهذه وتلك من موضوعات قانون المرافعات.
وقد نظم القانون المدنی وسائل لحماية الدائن في هذا الشأن ترمي في مجموعها إلى المحافظة على الضمان العام، وهي أحياناً تقترب من الأعمال التحفظية، وأحياناً أخرى تكون مقدمة للتنفيذ، وهذه الوسائل يمكن ردها جميعها إلى فكرتين تقومان على تلافي الأخطار التي يتعرض لها الدائن.
فحق الضمان العام الذي للدائن لا يحول دون أن يتصرف المدين في أمواله ، ولهذا أعطى القانون للدائن ثلاث دعاوى :
الأولى : يستطيع بها الدائن أن يطالب بحق المدين في ذمة الغير أهمل المدين في المطالبة به، وهو الدعوى غير المباشرة.
والثانية : يمكن للدائن بواسطتها أن يطلب عدم نفاذ تصرف عقده المدين إضراراً به، وهي الدعوى البوليصية.
والثالثة : تجعل للدائن أن يطعن بالصورية في تصرف ضار من المدين کي يثبت أن المال موضوع التصرف مازال في ذمة المدين حتى يستطيع التنفيذ عليه بحقه، وهي دعوى الصورية.
كما خول القانون الدائن أيضاً الحق في الحبس ، وهي وسيلة ضمان تكفل للدائن الحصول على حقه الناشئ عن الشئ الذي يحبسه.
وفي حالة إعسار المدين ، تصبح المساواة بين الدائنين قانونية أكثر منها فعلية ، فبدلاً من أن يعرض الدائن نفسه لخطر التزاحم مع غيره من الدائنين ، فلا يحصل إلا على جزء من حقه ، نراه يبادر إلى التنفيذ بحقه ، فيكون الفوز الدائن الذي يسبق غيره في التنفيذ ، ومن هذا يتبين أن الاقتصار على وسائل فردية تعطى للدائن في هذا الخصوص يؤدي في حالة الإعسار إلى أن يحصل بعض الدائنين على حقوقهم، فتتهدم المساواة المقررة بين الدائنين لهذا كان لا بد للشارع من أن ينظم وسيلة جماعية تجعل الدائنين حقيقة بمنزلة سواء ، فتقيهم من أن يتقدم أحدهم على الباقين بغير حق ، كما تبصر المدين بحقيقة الأمر الواقع ، وهذه الوسيلة تتمثل في نظام الإعسار. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث ، الصفحة : 579)
الأصل أن حق الدائن لا يرد على مال معين للمدين ، وإلا كان حقاً عينياً ، وإنما هو ينصب على مجموعة أموال المدين ، دون أن يثقل واحداً منها بصفة خاصة ، فهو يرد على مجموعة أموال المدين باعتبارها كائناً مستقلاً عن كل وحدة من الوحدات التي تكون هذه المجموعة ، وبهذا يتميز الحق الشخصي عن الحق العيني .
ثم أن هذه المجموعة لا تشمل جميع أموال المدين الحاضرة فحسب وإنما تشمل أيضاً ما يستجد له من مال في المستقبل (2 مكرر) ، فإذا نفذ الدائن على الدين وجرده من كل ما يملك دون أن يفى ذلك بسداد جميع دیونه ، فلا يترتب على ذلك انقضاء حق الدائن كله ، بل ينقضى منه بقدر ما سدد ، ويستمر الباقى تضمنه أموال المدين التي تستحدث بعد ذلك، فكلما آل إلى المدين مال جديد ، وقع هذا المال في ضمان الدائن وجاز للأخير أن ينفذ عليه إلى أن يستوف كامل حقه .
فالنص على أن جميع أموال المدين ضامنة لديونه لا تقصد به جميع أموال المدين الحاضرة فحسب ، بل جميع أمواله المحاضرة والمستقبلة أيضاً ، ويشمل ذلك جميع حقوقه ذات القيمة المالية ، سواء في ذلك الحقوق العينية والحقوق الشخصية والحقوق الأدبية ( أو الذهبية) ، المملوكة فعلاً للمدين وقت شروع الدائن في تنفيذ حقه أو التي ستؤول إليه بعد ذلك، وهو ما يعبر عنه أحياناً بالذمة المالية للمدين .
ولأن الذمة المالية لا تشمل حقوق الشخص المالية الحاضرة والمستقبلة فحسب ، بل تشمل أيضاً ديونه الحاضرة والمستقبلة، أي أنها تتكون من عنصرين أحدهما إيجابي ويشمل الحقوق والثاني سلبي ويشمل الديون ، فإننا نستطيع أن نعبر عن حق الضمان العام بما يأتي :
1 - أن جميع حقوق المدين الحاضرة والمستقبلة التي يتكون منها الجانب الإيجابي من الذمة المالية ضامنة جميع ديونه الحاضرة والمستقبلة التي يتكون منها الجانب السلبي من تلك الذمة .
2 - أن كل مال من أموال المدين يضمن جميع ديونه .
3 - أن كل دين من ديون المدين تضمنه أمواله كلها .
أن المادة 234 فقرة أولى إذ نصت على أن (أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه) ، وقد تقدم أن المقصود بذلك جميع أموال المدين الحاضرة والمستقبلة ، اقتصرت في ذلك على تقرير قاعدة عامة ، ولكن هذه القاعدة ترد عليها استثناءات كثيرة ترجع أحياناً إلى طبيعة بعض الأموال وأحياناً أخرى إلى أسباب تتعلق بالمصلحة العامة ، وقد نص عليها قانون المرافعات وبعض القوانين الخاصة .
ومن هذا القبيل حق الاستعمال وحق السكنى ، فإن طبيعتهما تأبى أن ينتفع بهما غير من تقررا لمصلحته ، فلا يجوز نزوله عنهما ولا الحجز عليهما ( المادة 997 مدنی ) ، فيجب استبعادهما من أموال المدين التي تضمن دیونه .
وكذلك الحقوق و الأموال التي نصت المواد من 305 إلی 309 من تقنين المرافعات على عدم جواز الحجز عليها ، وفي مقدمتها الأجور والمرتبات والنفقات والفراش اللازم للمدين وزوجته وأقاربه وأصهاره علي عمود النسب المقيمين معه في معيشة واحدة وما يرتدونه من ثياب ، وأدوات مهنة المدين أو صناعته التي يستعملها بنفسه في عمله إلخ.
وكذلك الملكية الزراعية الصغيرة التي تقل عن خمسة أفدنة كما ينص على ذلك القانون رقم 513 لسنة 1953 الذي استبدل بقانون 28 نوفمبر 1912.
ومعنى ذلك أنه يجوز لكل واحد من الدائنين أن ينفذ على أي مال من أموال مدينه، وأن الدائنين الآخرين يجوز لهم أن يتدخلوا في الإجراءات التي اتخذها أحدهم وأن يشتركوا معه في استيفاء حقهم من حاصل هذه الإجراءات .
ويستوي في ذلك أن يكون الدائن الذي يريد المشاركة من الدائنين العاديين أو من الدائنين المرتهنين أو الممتازين ، لأن هؤلاء هم دائنون قبل كونهم مرتهنين أو ممتازين، وبهذه الصفة يكون لهم حق المشاركة في توزيع الناتج من بيع أي مال من أموال المدين ولو كان هذا المال غير المال الوارد علیه رهنهم أو امتيازهم .
وقد نصت المادة 234 فقرة ثانية على أن جميع الدائنين متساوون في هذا الضمان، وليس المقصود بالمساواة في هذا الشأن أن يأخذ كل من الدائنين مثل ما يأخذ غيره بالرغم من التفاوت في مقدار الدين المستحق الكل منهم ، بل المقصود أن لا يتقدم أحدهم غيره في استيفاء حقه كاملاً اذا كان المبلغ الذي يجب توزيعه بين الدائنين لا يفي بحقوقهم جميعاً ، فتكون المساواة بين الدائنين أما بإيفاء حق كل منهم کاملاً إذا كان ذلك ممكناً، وأما بقسمة ذلك المبلغ بينهم جميعاً قسمة غرماء ، أي باعطاء كل منهم قدراً من حقه بنسبة قيمة هذا الحق الى قيمة مجموع حقوق الدائنين المتقدمين للمشاركة في التوزيع .
غير أن المشرع بعد أن نص على قاعدة المساواة هذه ، استثنى منها الدائن الذي يكون له حق التقدم طبقاً للقانون ( المادة 234 فقرة ثانية في نهايتها )، والمقصود بذلك كل دائن حاصل على ضمان خاص - فوق ضمان الدائنين العام - يخوله مزية التقدم على غيره من الدائنين ، كالدائن المرتهن ، سواء كان الرهن رسمياً أو حيازياً ، وسواء كان محل الرهن عقاراً أو منقولاً ، وكالدائن الحاصل على حق اختصاص على عقار من عقارات مدينه ، والدائن الممتاز على مال معين من أموال المدين أو على مجموع أمواله ، فهؤلاء يتقدم كل منهم في استيفاء حقه من ثمن المال الوارد عليه ضمانه الخاص ، وذلك استثناء من قاعدة المساواة بين الدائنين.
وإذا نفذ أحد الدائنين على مال معين من أموال مدينه أو تدخل في إجراءات التنفيذ التي اتخذها غيره ، ولم يصب في التوزيع وفاء كامل حقه، كان له أن يعاود التنفيذ على مال أو أموال أخرى مما يملكه المدين حتى يصل الى استيفاء حقه كاملاً .
ويبين من ذلك أن كل واحد من الدائنين له مصلحة في المحافظة على أموال المدين وفي زيادتها من جهة ، وفي نقص دیونه أو على الأقل عدم زيادتها من جهة أخرى ، لأن ذلك يزيد فرص استيفاء حقه كاملاً ، والعكس بالعكس إذ أن الدائنين يضارون بكل ما ينقص من أموال المدين أو يمنع من زيادتها وبكل ما يزيد من دیونه أو يمنع من نقصها فإذا تصرف الدين في بعض ماله تصرفاً مادياً أو قانونياً ، أكان هذا التصرف القانوني جدياً أم صورياً ، قصد انقاص الضامنة لحقوق دائنيه ، كان في ذلك إضرار بهؤلاء الدائنين .
وكذلك إذا أهمل الدائن في المحافظة على حقوقه، أو في استعمالها، أو في المطالبة بها ، أو إذا عقد المدين عقوداً صورية ، تزيد من ديونه والتزاماته لذلك تعين على المشرع أن يحمي الدائن ضد تصرفات المدين وضد إهماله ، فقرر وسائل مختلفة لتحقيق هذا الغرض، بعضها يعتبر وسائل وقائية ، وبعضها يعتبر وسائل علاجية .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس، الصفحة : 271)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 106
مَحَلُّ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ وَاسْتِثْنَاءَاتُهُ:
11 - تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، هُوَ «مَا وَجَبَ مِنْ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ.» وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ أَمْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكُونُ جَمِيعُ أَمْوَالِهِ صَالِحَةً لِوَفَاءِ أَيِّ دَيْنٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَكُونُ الدَّيْنُ مَانِعًا لَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ.
هَذَا هُوَ الأْصْلُ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ، وَلَكِنْ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءَاتٌ، حَيْثُ إِنَّ بَعْضَ الدُّيُونِ تَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ الْمَدِينِ الْمَالِيَّةِ تَأْكِيدًا لِحَقِّ الدَّائِنِ وَتَوْثِيقًا لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ:
12 - أ - الدَّيْنُ الَّذِي اسْتَوْثَقَ لَهُ صَاحِبُهُ بِرَهْنٍ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَكُونُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَيُقَدَّمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهَا عَلَى مَنْ عَدَاهُ مِنَ الدَّائِنِينَ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي ذَلِكَ. (ر: رَهْن، تَرِكَة، إِفْلاَس).
ب - الدَّيْنُ الَّذِي حُجِرَ عَلَى الْمَدِينِ بِسَبَبِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِأَمْوَالِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ لأِنَّ حَجْرَ الْمُفْلِسِ يَعْنِي «خَلْعَ الرَّجُلِ مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ » وَ لأِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقُّ الْغُرَمَاءِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ لَمَا كَانَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ «وَ لأِنَّهُ يُبَاعُ مَالُهُ فِي دُيُونِهِمْ، فَكَانَتْ حُقُوقُهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ كَالرَّهْنِ ». وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الدَّيْنَ هَاهُنَا إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الأْعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِذَوَاتِهَا، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَدِينَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهَا الْمَالِيَّةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلاَ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَيْهَا بِغَبْنٍ يَلْحَقُهُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الإْضْرَارِ بِحُقُوقِ الدَّائِنِينَ. وَتَصِحُّ فِيهِ الْمُبَادَلاَتُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي لاَ غَبْنَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ لأِنَّ هَا إِذَا أَخْرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا فَقَدْ أَدْخَلَتْ فِيهِ مَا يُعَادِلُهُ، فَبَقِيَتْ قِيمَةُ الأْمْوَالِ ثَابِتَةً .
حُقُوقُ الدَّائِنِينَ وَالْوَرَثَةِ فِي مَالِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ، حَيْثُ إِنَّهَا تَتَعَلَّقُ فِيهِ بِمَالِ الْمَرِيضِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَرْحَلَةٌ تَتَهَيَّأُ فِيهَا شَخْصِيَّةُ الإْنْسَانِ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلزَّوَالِ، كَمَا أَنَّهُ مُقَدَّمَةٌ لِثُبُوتِ الْحُقُوقِ فِي أَمْوَالِ الْمَرِيضِ لِمَنْ سَتَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الأْمْوَالُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ دَائِنِينَ وَوَرَثَةٍ. فَيَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تُصْبِحَ الدُّيُونُ مُتَعَلِّقَةً بِمَالِ الْمَرِيضِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الْمَرَضِ؛ لأِنَّ الذِّمَّةَ تَضْعُفُ بِالْمَرَضِ لِعَجْزِ صَاحِبِهَا عَنِ السَّعْيِ وَالاِكْتِسَابِ، فَيَتَحَوَّلُ التَّعَلُّقُ مِنْ ذِمَّتِهِ - مَعَ بَقَائِهَا - إِلَى مَالِهِ تَوْثِيقًا لِلدَّيْنِ، وَتَتَقَيَّدُ تَصَرُّفَاتُهُ بِمَا لاَ يَضُرُّ بِحُقُوقِ الدَّائِنِينَ. كَمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ لِيَخْلُصَ لَهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ تَمَلُّكُ الثُّلُثَيْنِ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ سَدَادِ الدُّيُونِ إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ دُيُونٌ، فَتَتَقَيَّدُ تَصَرُّفَاتُهُ أَيْضًا بِمَا لاَ يَضُرُّ بِحُقُوقِ الْوَرَثَةِ.
أَمَّا الثُّلُثُ فَقَدْ جَعَلَهُ الشَّارِعُ حَقًّا لِلْمَرِيضِ يُنْفِقُهُ فِيمَا يَرَى مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ بِالتَّبَرُّعِ الْمُنْجَزِ حَالَ الْمَرَضِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
15 - عَلَى أَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَ تَعَلُّقِ حَقِّ الدَّائِنِينَ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ، وَهَذَا الْفَرْقُ يَئُولُ إِلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِينَ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَعْنًى لاَ صُورَةً، أَيْ أَنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الأْشْيَاءِ الَّتِي يَمْلِكُهَا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِقْدَارِ مَا فِيهَا مِنْ مَالِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِهِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنِ اسْتِيفَاءِ دُيُونِهِمْ .
أَمَّا تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّتِهِ أَمْ بِعَيْنِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: - فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ أَبِي يَعْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهُ كَحَقِّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَرِيضِ مَعْنًى لاَ صُورَةً، فَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَرِيضِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِلأْجْنَبِيِّ وَلِلْوَارِثِ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ فِي تَصَرُّفِهِ إِبْطَالٌ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ، فَكَانَ الْوَارِثُ وَالأْجْنَبِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءً .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ تَارَةً بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَتَارَةً أُخْرَى بِالْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، فَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُ الْمَرِيضِ مَعَ غَيْرِ وَارِثٍ كَانَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِالْمَالِيَّةِ، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِلأْجْنَبِيِّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لاَ بِأَقَلَّ. وَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ مَعَ وَارِثٍ كَانَ حَقُّهُمْ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ، فَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤْثِرَ أَحَدًا مِنْ وَرَثَتِهِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ بِالْبَيْعِ لَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، إِذِ الإْيثَارُ كَمَا يَكُونُ بِالتَّبَرُّعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، يَكُونُ بِأَنْ يَخُصَّهُ بِأَعْيَانٍ يَخْتَارُهَا لَهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَدَلُ مِثْلَ قِيمَتِهَا .
وَالْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ تَعَلُّقِ حَقِّ الدَّائِنِينَ بِمَالِ الْمَرِيضِ وَبَيْنَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِينَ فِي التَّعَلُّقِ بِمَالِ الْمَرِيضِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لأِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْزِيعِ الْمِيرَاثِ، فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الدَّائِنِينَ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مُسْتَغْرَقَةً، فِي حِينِ لاَ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثَيِ التَّرِكَةِ بَعْدَ وَفَاءِ الدُّيُونِ؛ لأِنَّ لِلْمَرِيضِ حَقَّ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُنْجَزًا أَمْ مُضَافًا إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَأْخُذُ تَبَرُّعُهُ هَذَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ.
د - مَا يُنْفَقُ فِي سَبِيلِ تَسْدِيدِ الدُّيُونِ الْمُحِيطَةِ بِأَمْوَالِ الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عِنْدَ بَيْعِ أَمْوَالِهِ لِلْوَفَاءِ بِدُيُونِهِ كَأُجْرَةِ الْمُنَادِي وَالْكَيَّالِ وَالْحَمَّالِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُؤَنِ، فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِأَمْوَالِ الْمَدِينِ، وَيُقَدَّمُ الْوَفَاءُ بِهَا عَلَى سَائِرِ الدُّيُونِ الْمُطْلَقَةِ .
هـ - دَيْنُ مُشْتَرِي الْمَتَاعِ الَّذِي بَاعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ أَمْوَالِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ إِذَا ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا وَتَلِفَ الثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَدِينِ، وَيُقَدَّمُ بَدَلُ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ عَلَى بَاقِي الْغُرَمَاءِ، وَلاَ يُضَارِبُ بِهِ مَعَهُمْ لِئَلاَّ يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ .
و - الدَّيْنُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الصَّانِعُ كَصَائِغٍ وَنَسَّاجٍ وَخَيَّاطٍ أُجْرَةً عَلَى عَمَلِهِ إِذَا أَفْلَسَ صَاحِبُهُ، وَالْعَيْنُ بِيَدِ الصَّانِعِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَتَاعِهِ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ .
جَاءَ فِي «الْمُدَوَّنَةِ»: «إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَلَهُ حُلِيٌّ عِنْدَ صَائِغٍ قَدْ صَاغَهُ لَهُ، كَانَ هُوَ أَوْلَى بِأَجْرِهِ، وَلَمْ يُحَاصَّهُ الْغُرَمَاءُ، بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ فِي يَدَيْهِ »، «وَكُلُّ ذِي صَنْعَةٍ مِثْلُ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ وَالصَّائِغِ وَمَا أَشْبَهَهُمْ مِنْهُمْ أَحَقُّ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ جَمِيعًا، وَكُلُّ مَنْ تُكُورِيَ عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ فَحَمَلَهُ إِلَى بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، فَالْمُكْرَى أَحَقُّ بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ جَمِيعًا » .
ز - دَيْنُ الْكِرَاءِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ صَاحِبُ الأْرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ إِذَا أَفْلَسَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَمَا زَرَعَهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالزَّرْعِ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ غُرَمَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ . قَالَ التَّسَوُّلِيُّ: «لأِنَّ الزَّرْعَ كَرَهْنٍ بِيَدِهِ فِي كِرَائِهَا، فَيُبَاعُ وَيُؤْخَذُ الْكِرَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ ». وَكَذَا «كُلُّ مَنِ اسْتُؤْجِرَ فِي زَرْعٍ أَوْ نَخْلٍ أَوْ أَصْلٍ يَسْقِيهِ، فَسَقَاهُ ثُمَّ فَلَّسَ صَاحِبُهُ، فَسَاقِيهِ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ » .
- ح - الدَّيْنُ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ كَتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْمَرْهُونِ.
وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّارِعُ هَذَا التَّعَلُّقَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ كَيْ تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ «فَاللاَّئِقُ بِهِ أَلاَّ يُسَلَّطَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ ».
- ط - الدَّيْنُ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي عَجَّلَ الأْجْرَةَ وَتَسَلَّمَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ، إِذَا فُسِخَتْ الإْجَارَةُ قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهَا لِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ، فَإِنَّ مَا يُقَابِلُ الْمُدَّةَ الْبَاقِيَةَ مِنَ الأْجْرَةِ يَكُونُ دَيْنًا مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَإِذَا بِيعَتِ الدُّيُونُ عَلَى مَالِكِهَا الْمُتَوَفَّى كَانَ دَيْنُ الْمُسْتَأْجِرِ مُقَدَّمًا عَلَى دُيُونِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِانْفِسَاخِ الإْجَارَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «فَإِنَّهُ إِذَا أَعْطَى الأْجْرَةَ أَوَّلاً ثُمَّ مَاتَ الآْجِرُ صَارَتِ الدَّارُ هُنَا بِالأْجْرَةِ ».
أَسْبَابُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ:
22 - الأْصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الإْنْسَانِ مِنْ كُلِّ دَيْنٍ أَوِ الْتِزَامٍ أَوْ مَسْئُولِيَّةٍ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُنْشِئُ ذَلِكَ وَيُلْزِمُ بِهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ لاَ بُدَّ لِثُبُوتِ أَيِّ دَيْنٍ مِنْ سَبَبٍ مُوجِبٍ يَقْتَضِيهِ. وَالْبَاحِثُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ يَجِدُ أَنَّ أَسْبَابَ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَدِيدَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ يُمْكِنُ حَصْرُهَا فِي تِسْعَةِ أَسْبَابٍ:
23 - أَحَدُهَا: الاِلْتِزَامُ بِالْمَالِ: سَوَاءٌ أَكَانَ فِي عَقْدٍ يَتِمُّ بَيْنَ طَرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالْقَرْضِ، وَالإْجَارَةِ ، وَالزَّوَاجِ، وَالطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَالاِسْتِصْنَاعِ وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ فِي الْتِزَامٍ فَرْدِيٍّ يَتِمُّ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ كَنَذْرِ الْمَالِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، وَالْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
فَفِي الْقَرْضِ مَثَلاً يَلْتَزِمُ الْمُقْتَرِضُ أَنْ يَرُدَّ لِلْمُقْرِضِ مَبْلَغًا مِنَ النُّقُودِ، أَوْ قَدْرًا مِنْ أَمْوَالٍ مِثْلِيَّةٍ يَكُونُ قَدِ اقْتَرَضَهَا مِنْهُ، وَثَبَتَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.
عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الدُّيُونِ الَّتِي تَثْبُتُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لاَ تَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِهَا إِلاَّ بِقَبْضِ الْبَدَلِ الْمُقَابِلِ لَهَا، إِذْ بِهِ يَحْصُلُ الأْمْنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ إِلاَّ دَيْنًا وَاحِدًا وَهُوَ دَيْنُ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لاَزِمًا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ لاِحْتِمَالِ طُرُوءِ انْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى انْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَسُقُوطِ الدَّيْنِ.
وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّيْنِ فِي أَيِّ عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إِنَّمَا يَعْنِي الأَْمْنَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حُصُولِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ جِنْسِهِ وَامْتِنَاعِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ. وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِدَيْنِ السَّلَمِ دُونَ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ؛ لِجَوَازِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ جِنْسِهَا .
وَالثَّانِي: الْعَمَلُ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ دَيْنٍ عَلَى الْفَاعِلِ: كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ وَالْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلأْرْشِ، وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَكَتَعَدِّي يَدِ الأْمَانَةِ أَوْ تَفْرِيطِهَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا بِحَوْزَتِهِ مِنْ أَمْوَالٍ، كَتَعَمُّدِ الأْجِيرِ الْخَاصِّ إِتْلاَفَ الأْعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ إِهْمَالِهِ فِي حِفْظِهَا .
وَيُعَدُّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ «أَتْلَفَ عَلَى شَخْصٍ وَثِيقَةً تَتَضَمَّنُ دَيْنًا لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ، وَلَزِمَ مِنْ إِتْلاَفِهَا ضَيَاعُ ذَلِكَ الدَّيْنِ، فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ ».
وَالثَّالِثُ: هَلاَكُ الْمَالِ فِي يَدِ الْحَائِزِ إِذَا كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ الْهَلاَكِ، كَتَلَفِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهَلاَكِ الْمَتَاعِ فِي يَدِ الأْجِيرِ الْمُشْتَرِكِ أَوِ الْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
- وَالرَّابِعُ: تَحَقُّقُ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مَنَاطًا لِثُبُوتِ حَقٍّ مَالِيٍّ: كَحَوَلاَنِ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ، وَاحْتِبَاسِ الْمَرْأَةِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَحَاجَةِ الْقَرِيبِ فِي نَفَقَةِ الأْقَارِبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِذَا وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ مَنْ قَضَى الشَّارِعُ بِإِلْزَامِهِ بِهِ.
27 - وَالْخَامِسُ: إِيجَابُ الإْمَامِ لِبَعْضِ التَّكَالِيفِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا لِلْوَفَاءِ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلأْمَّةِ إِذَا عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ عَنِ الْوَفَاءِ بِهَا، أَوْ لِلْمُسَاهَمَةِ فِي إِغَاثَةِ الْمَنْكُوبِينَ وَإِعَانَةِ الْمُتَضَرِّرِينَ بِزِلْزَالٍ مُدَمِّرٍ أَوْ حَرِيقٍ شَامِلٍ أَوْ حَرْبٍ مُهْلِكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْجَأُ النَّاسَ وَلاَ يَتَّسِعُ بَيْتُ الْمَالِ لِتَحَمُّلِهِ أَوِ التَّعْوِيضِ عَنْهُ .
لَكِنْ لاَ يَجُوزُ هَذَا إِلاَّ بِشُرُوطٍ:
الشَّرْطُ الأْوَّلُ: أَنْ تَتَعَيَّنَ الْحَاجَةُ. فَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَقُومُ بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْعَدْلِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْثِرَ بِهِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي سَرَفٍ، وَلاَ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ، وَلاَ يُعْطِيَ أَحَدًا أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَصْرِفَ مَصْرِفَهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجَةِ لاَ بِحَسَبِ الْغَرَضِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلاَ إِجْحَافٍ، وَمَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ، أَوْ لَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ فَلاَ يَغْرَمُ شَيْئًا.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَتَفَقَّدَ هَذَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَرُبَّمَا جَاءَ وَقْتٌ لاَ يَفْتَقِرُ فِيهِ لِزِيَادَةٍ عَلَى مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَلاَ يُوَزَّعُ. وَكَمَا يَتَعَيَّنُ الْمَالُ فِي التَّوْزِيعِ، فَكَذَلِكَ إِذَا تَعَيَّنَتِ الضَّرُورَةُ لِلْمَعُونَةِ بِالأْبْدَانِ وَلَمْ يَكْفِ الْمَالُ، فَإِنَّ النَّاسَ يُجْبَرُونَ عَلَى التَّعَاوُنِ عَلَى الأْمْرِ الدَّاعِي لِلْمَعُونَةِ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ وَتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ وَالاِفْتِقَارِ إِلَى ذَلِكَ .
- السَّبَبُ السَّادِسُ
مِنْ أَسْبَابِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ: أَدَاءُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهُ: كَمَنْ دَفَعَ إِلَى شَخْصٍ مَالاً يَظُنُّهُ دَيْنًا وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَنَفْسِ الأْمْرِ ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَيْهِ . وَقَدْ نَصَّتْ م 207 مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ «مَنْ دَفَعَ شَيْئًا ظَانًّا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ وُجُوبِهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ».
- وَالسَّابِعُ: أَدَاءُ وَاجِبٍ مَالِيٍّ يَلْزَمُ الْغَيْرَ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى طَلَبِهِ: كَمَا إِذَا أَمَرَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ، فَأَدَّاهُ الْمَأْمُورُ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ، فَإِنَّ مَا دَفَعَهُ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الآْمِرِ لِلْمَأْمُورِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ الآْمِرُ رُجُوعَهُ - بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَدِّ دَيْنِي عَلَى أَنْ أُؤَدِّيَهُ لَكَ بَعْدُ - أَوْ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ، بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَدِّ دَيْنِي - فَقَطْ - فَأَدَّاهُ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَهُ، أَوْ بِبِنَاءِ دَارٍ أَوْ دُكَّانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الآْمِرِ بِمَا دَفَعَهُ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ . وَكَذَا لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ بِأَنْ يَكْفُلَهُ بِالْمَالِ فَكَفَلَهُ، ثُمَّ أَدَّى الْكَفِيلُ مَا كَفَلَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ . وَكَذَا إِذَا أَحَالَ مَدِينٌ دَائِنَهُ عَلَى شَخْصٍ غَيْرِ مَدِينٍ لِلْمُحِيلِ، فَرَضِيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَأَدَّى عَنْهُ الدَّيْنَ الْمُحَالَ بِهِ بِنَاءً عَلَى طَلَبِهِ، فَإِنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ .
30 - وَالثَّامِنُ: الْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِتْلاَفُ مَالِ الْغَيْرِ: كَمَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ مُضْطَرًّا لِدَفْعِ الْهَلاَكِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ تَرْخِيصَ الشَّارِعِ وَإِبَاحَتَهُ اسْتِهْلاَكَ مَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ لِدَاعِي الضَّرُورَةِ لاَ يُسْقِطُ عَنِ الْفَاعِلِ الْمَسْئُولِيَّةَ الْمَالِيَّةَ، وَلاَ يُعْفِيهِ مِنْ ثُبُوتِ مِثْلِ مَا أَتْلَفَهُ أَوْ قِيمَتِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِمَالِكِهِ، فَالأْعْذَارُ الشَّرْعِيَّةُ لاَ تُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ، وَالإْبَاحَةُ لِلاِضْطِرَارِ لاَ تُنَافِي الضَّمَانَ ؛ وَلأِنَّ إِذْنَ الشَّارِعِ الْعَامَّ بِالتَّصَرُّفِ إِنَّمَا يَنْفِي الإْثْمَ وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ، وَلاَ يُعْفِي مِنْ تَحَمُّلِ تَبَعَةِ الإْتْلاَفِ، بِخِلاَفِ إِذْنِ الْمَالِكِ وَلِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ «الاِضْطِرَارُ لاَ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ» (م 33) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرِهِمْ .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأِنَّ دَفْعَ الْهَلاَكِ عَنْهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِ، وَالْوَاجِبُ لاَ يُؤْخَذُ لَهُ عِوَضٌ .
وَهُنَاكَ رَأْيٌ ثَالِثٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُضْطَرَّ إِلَى طَعَامِ الْغَيْرِ لِدَفْعِ الْهَلاَكِ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ إِنْ كَانَتْ مَعَهُ - أَيْ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ حَاضِرٌ - وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ بَذْلِ رَبِّهِ لَهُ .
الْقِيَامُ بِعَمَلٍ نَافِعٍ لِلْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ: وَهُوَ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الأْوَّلُ: أَنْ يَأْتِيَ بِعَمَلٍ يَلْزَمُ الْغَيْرَ أَوْ يَحْتَاجُهُ بِدُونِ إِذْنِهِ، كَمَنْ أَنْفَقَ عَنْ غَيْرِهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً عَلَيْهِ، أَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنًا ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُنْفِقُ بِذَلِكَ التَّبَرُّعَ، فَإِنَّ مَا دَفَعَهُ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُنْفِقِ عَنْهُ. وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ . خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ . فَقَدْ جَاءَ فِي مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ (م 205): «إِذَا قَضَى أَحَدٌ دَيْنَ غَيْرِهِ بِلاَ أَمْرِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ عَنِ الْمَدْيُونِ، سَوَاءٌ أَقَبِلَ أَمْ لَمْ يَقْبَلْ، وَيَكُونُ الدَّافِعُ مُتَبَرِّعًا لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِشَيْءٍ مِمَّا دَفَعَهُ بِلاَ أَمْرِهِ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ الْقَابِضِ لاِسْتِرْدَادِ مَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ».
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ نَفَقَةٍ عَلَى قَرِيبٍ أَوْ زَوْجَةٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، فَهُوَ إِمَّا فُضُولِيٌّ، وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَفُوتَ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مُتَفَضِّلٌ فَعِوَضُهُ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَنْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ .
32 - وَقَدْ ذَكَرَ عَلِيّ حَيْدَر فِي كِتَابِهِ: «دُرَرُ الْحُكَّامِ شَرْحُ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ» قَاعِدَةَ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَهِيَ: «أَنَّ مَنْ أَدَّى مَصْرُوفًا عَائِدًا عَلَى غَيْرِهِ بِدُونِ أَمْرِهِ أَوْ إِذْنِ الْحَاكِمِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا ».
وَحَكَى لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعًا كَثِيرَةً مِنْهَا:
أ - إِذَا وَفَّى شَخْصٌ دَيْنَ آخَرَ بِدُونِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا.
ب - إِذَا دَفَعَ الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْتَهِنُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مَصْرُوفًا عَلَى الرَّهْنِ يَلْزَمُ الآْخَرَ بِدُونِ أَمْرِهِ أَوْ إِذْنِ الْحَاكِمِ يُعْتَبَرُ مُتَبَرِّعًا، وَلاَ يَحِقُّ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مُضْطَرًّا لِهَذَا الإْنْفَاقِ طَالَمَا أَنَّهُ مُقْتَدِرٌ عَلَى اسْتِحْصَالِ أَمْرٍ مِنَ الْحَاكِمِ بِهِ لِتَأْمِينِ حَقِّهِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْمُسْتَفِيدِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ. وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّتْ الْمَجَلَّةُ الْعَدْلِيَّةُ فِي (م 725) .
ج - إِذَا أَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَصَارِيفَ اللاَّزِمَةَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِلاَ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا (م 529) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ .
وَإِذَا أَعْطَى الْمُسْتَأْجِرُ الْحَيَوَانَ الْمَأْجُورَ عَلَفًا بِدُونِ أَمْرِ الْمُؤَجِّرِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا .
د - إِذَا كَفَلَ شَخْصٌ دَيْنَ آخَرَ بِدُونِ أَمْرِهِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا .
هـ - إِذَا صَرَفَ الْمُودَعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِلاَ أَمْرِ صَاحِبِهَا أَوْ إِذْنِ الْحَاكِمِ يُعَدُّ مُتَبَرِّعًا .
و - إِذَا عَمَّرَ الشَّرِيكُ الْمِلْكَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بِدُونِ إِذْنِ الشَّرِيكِ أَوِ الْحَاكِمِ يُعَدُّ مُتَبَرِّعًا .
ز - لَوْ أَنْشَأَ أَحَدٌ دَارًا أَوْ عَمَّرَهَا لِصَاحِبِهَا بِدُونِ أَمْرِهِ كَانَ الْبِنَاءُ أَوِ الْعِمَارَةُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ أَوِ الدَّارِ، وَيَكُونُ الْمُنْشِئُ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَنْفَقَهُ .
ح - لَوْ أَنْفَقَ شَخْصٌ عَلَى عُرْسِ آخَرَ بِلاَ إِذْنِهِ كَانَ مُتَبَرِّعًا .
33 - وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْقِيَامِ بِعَمَلٍ نَافِعٍ لِلْغَيْرِ: أَنْ يَقُومَ بِعَمَلٍ يَحْتَاجُهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَلاَ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِإِسْدَاءِ نَفْعٍ لِغَيْرِهِ يَحْتَاجُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ. كَمَا إِذَا أَعَارَ شَخْصٌ لآِخَرَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَمَّا أَرَادَ الْمُعِيرُ اسْتِرْدَادَهَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِالدَّيْنِ. وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَلَيْهِ نَصَّتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ فِي (م 732) مِنْهَا.
أَقْسَامُ الدَّيْنِ:
34 - يَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أ - دَيْنٌ مُطْلَقٌ: وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُرْسَلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالذِّمَّةِ وَحْدَهَا.
ب - دَيْنٌ مُوَثَّقٌ: وَهُوَ الدَّيْنُ الْمُتَعَلِّقُ بِعَيْنٍ مَالِيَّةٍ لِتَكُونَ وَثِيقَةً لِجَانِبِ الاِسْتِيفَاءِ كَدَيْنِ الرَّهْنِ وَنَحْوِهِ. وَثَمَرَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ تَئُولُ إِلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَقْدِيمُ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُوَثَّقِ فِي اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنَ الْعَيْنِ الَّتِي تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِهَا عَلَى سَائِرِ الدَّائِنِينَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَدِينِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَالثَّانِي: تَقْدِيمُ الدُّيُونِ الْمُوَثَّقَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ فِي حَالِ وَفَاةِ الْمَدِينِ عَلَى تَجْهِيزِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ . «إِيثَارًا لِلأْهَمِّ، كَمَا تُقَدَّمُ تِلْكَ الْحُقُوقُ عَلَى حَقِّهِ فِي الْحَيَاةِ ». أَمَّا الدُّيُونُ الْمُرْسَلَةُ فِي الذِّمَّةِ فَيُقَدَّمُ التَّجْهِيزُ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «فَإِذَا رَهَنَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ، فَدَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَهُ شَيْءٌ صُرِفَ إِلَيْهِ ». وَإِنَّمَا قُدِّمَتِ الدُّيُونُ الْمُوَثَّقَةُ عَلَى التَّجْهِيزِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ تَرِكَةً، «وَالأْصْلُ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ يُقَدَّمُ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ فِي الْوَفَاةِ ».
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَقَالُوا بِتَقْدِيمِ حَقِّ الْمَيِّتِ فِي تَجْهِيزِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى حُقُوقِ الدَّائِنِينَ، وَلَوْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ «كَمَا يُقَدَّمُ الْمُفْلِسُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ؛ وَلأِنَّ لِبَاسَ الْمُفْلِسِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ، فَكَذَلِكَ كَفَنُ الْمَيِّتِ، وَلأِنَّ سُتْرَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ».
35 - وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أ - دَيْنُ الصِّحَّةِ: وَهُوَ الدَّيْنُ الَّذِي شُغِلَتْ بِهِ ذِمَّةُ الإْنْسَانِ حَالَ صِحَّتِهِ، سَوَاءٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ فِيهَا أَمْ بِالْبَيِّنَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ فِي الْحُكْمِ الدَّيْنُ الَّذِي لَزِمَهُ وَهُوَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَكَانَ ثُبُوتُهُ بِالْبَيِّنَةِ.
ب - دَيْنُ الْمَرَضِ: وَهُوَ الدَّيْنُ الَّذِي لَزِمَ الإْنْسَانَ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَلَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ لِثُبُوتِهِ غَيْرَ ذَلِكَ .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِوَاءِ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ فِي الاِسْتِيفَاءِ مِنَ التَّرِكَةِ إِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ سَعَةٌ لَهُمَا .
36 - أَمَّا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ لاَ تَفِي بِكِلَيْهِمَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيمِ دَيْنِ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ فِي الاِسْتِيفَاءِ مِنَ التَّرِكَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالتَّمِيمِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ دُيُونَ الصِّحَّةِ تَسْتَوِي مَعَ دُيُونِ الْمَرَضِ فِي الاِسْتِيفَاءِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ قوله تعالي : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) . حَيْثُ لَمْ يُفَضَّلْ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الاِسْتِيفَاءِ؛ وَ لأِنَّهُ مَا حَقَّانِ يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَفِي مَحَلِّهِ.
- أَمَّا السَّبَبُ: فَهُوَ )الإْقْرَارُ الصَّادِرُ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ، مِنْ شَأْنِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ أَنْ يَمْنَعَا مَنْ قَامَا بِهِ عَنِ الْكَذِبِ فِي الإْخْبَارِ، إِذِ )الإْقْرَارُ إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، بَلْ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ يَزْدَادُ رُجْحَانُ جِهَةِ الصِّدْقِ؛ لأِنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ التَّوَرُّعِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالإْنَابَةِ عَمَّا جَرَى فِي الْمَاضِي لِكَوْنِهِ آخِرَ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا، وَأَوَّلَ عَهْدِهِ بِالآْخِرَةِ، فَيَكُونُ خَوْفُ الْمُقِرِّ أَكْثَرَ، كَمَا يَكُونُ أَبْعَدَ عَنِ الْكَذِبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الإْقْرَارُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ أَوْلَى، فَلاَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا.
- وَأَمَّا الْمَحَلُّ: فَهُوَ الذِّمَّةُ، إِذْ هِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَلاَ فَرْقَ.
فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ وَمَحَلِّهِ لَزِمَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الاِسْتِيفَاءِ.
وَالثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي غَيْرِ الأْصَحِّ: هُوَ أَنَّ دُيُونَ الصِّحَّةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِ الْمَرَضِ، وَإِذَا لَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِدُيُونِ الصِّحَّةِ قُسِمَتْ بَيْنَ دَائِنِي الصِّحَّةِ بِالْحِصَصِ. وَكَذَلِكَ الْحَالُ إِذَا لَمْ تَكُنْ دُيُونُ صِحَّةٍ، وَكَانَتْ هُنَاكَ دُيُونُ مَرَضٍ، وَضَاقَتْ عَنْهَا التَّرِكَةُ، فَإِنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَ الدَّائِنِينَ بِالْحِصَصِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مَا لَوْ وُفِّيَتْ دُيُونٌ، وَلَمْ يَفِ مَا بَقِيَ مِنَ التَّرِكَةِ بِدُيُونِ الْمَرَضِ كُلِّهَا .
وَدَلِيلُهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ دُيُونِ الصِّحَّةِ عَلَى دُيُونِ الْمَرَضِ أَنَّ الْحُقُوقَ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ يُقَدَّمُ الأْقْوَى، كَالدَّيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَدَيْنُ الصِّحَّةِ هُنَا أَقْوَى، لأِنَّهُ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ فِي وَقْتٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ حَقٌّ أَصْلاً، وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ نَوْعُ حَجْرٍ، وَلِهَذَا صَحَّ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، بِخِلاَفِ دَيْنِ الْمَرَضِ الَّذِي ثَبَتَ فِي حَالٍ تَعَلَّقَ بِأَمْوَالِهِ دَيْنُ صِحَّتِهِ، وَصَارَتْ هَذِهِ الأْمْوَالُ مَحِلًّا لِلْوَفَاءِ بِهِ، وَضَمَانًا لَهُ، وَوَرَدَ عَلَيْهِ فِيهِ نَوْعُ حَجْرٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّ تَبَرُّعَاتِهِ لاَ تَنْفُذُ إِلاَّ مِنَ الثُّلُثِ، فَكَانَ الأْقْوَى أَوْلَى. وَسَبَبُ إِلْحَاقِ الدُّيُونِ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ بِالْبَيِّنَةِ بِدُيُونِ الصِّحَّةِ فِي الْحُكْمِ هُوَ انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ فِي ثُبُوتِهَا، إِذِ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ لاَ مَرَدَّ لَهُ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ .
37 - وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ الدَّائِنِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أ - دَيْنِ اللَّهِ: وَهُوَ كُلُّ دَيْنٍ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْعِبَادِ مَنْ يُطَالِبُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ يَظْهَرُ فِيهِ وَجْهُ الْعِبَادَةِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَا لاَ مُقَابِلَ لَهُ مِنَ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَفِدْيَةِ الصِّيَامِ، وَدُيُونِ النُّذُورِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا عِبَادَاتٌ يُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُ امْتِثَالاً لأِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ.
وَنَوْعٌ يُفْرَضُ لِتَمْكِينِ الدَّوْلَةِ مِنَ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلأْمَّةِ ، وَهُوَ مَا يُقَابَلُ - فِي الْغَالِبِ - بِمَنْفَعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ لِلْمُكَلَّفِ كَخُمُسِ الْغَنَائِمِ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَمَا يَفْرِضُهُ الإْمَامُ عَلَى الْقَادِرِينَ مِنْ أَفْرَادِ الأْمَّةِ لِلْوَفَاءِ بِالْمَصَالِحِ الَّتِي يَعْجِزُ بَيْتُ الْمَالِ عَنِ الْوَفَاءِ بِهَا. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (دَيْنُ اللَّهِ).
ب - وَدَيْنُ الْعَبْدِ: وَهُوَ كُلُّ دَيْنٍ لَهُ مِنَ الْعِبَادِ مَنْ يُطَالِبُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةِ دَارٍ وَبَدَلِ قَرْضٍ وَإِتْلاَفٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلِصَاحِبِ هَذَا الدَّيْنِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ الْمَدِينَ، وَأَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إِلَى الْقَاضِي إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الأْدَاءِ لِيُجْبِرَهُ عَلَيْهِ بِالطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ. (ر: حَبْس، حَجْر).
وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: صَحِيحٍ وَغَيْرِ صَحِيحٍ .
أ - فَالدَّيْنُ الصَّحِيحُ: هُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ الَّذِي لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَدَيْنِ الْمَهْرِ وَدَيْنِ الاِسْتِهْلاَكِ وَنَحْوِهَا.
ب - وَالدَّيْنُ غَيْرُ الصَّحِيحِ: هُوَ الدَّيْنُ الَّذِي يَسْقُطُ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ وَبِغَيْرِهِمَا مِنَ الأْسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ سُقُوطَهُ مِثْلُ دَيْنِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَائِهِ.
وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِيهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُشْتَرَكٍ وَغَيْرِ مُشْتَرَكٍ .
أ - فَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ: هُوَ مَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَّحِدًا، سَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، بَيْعَ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ الْبَيْعِ مِقْدَارُ ثَمَنِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ، أَمْ دَيْنًا آيِلاً بِالإْرْثِ إِلَى عِدَّةِ وَرَثَةٍ، أَمْ قِيمَةَ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ مُشْتَرَكٍ، أَمْ بَدَلَ قَرْضٍ مُسْتَقْرَضٍ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
ب - الدَّيْنُ غَيْرُ الْمُشْتَرَكِ: هُوَ مَا كَانَ سَبَبُهُ مُخْتَلِفًا لاَ مُتَّحِدًا، كَأَنْ أَقْرَضَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ مَبْلَغًا لِشَخْصٍ أَوْ بَاعَاهُ مَالاً مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَسَمَّى حِينَ الْبَيْعِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ثَمَنًا عَلَى حِدَتِهِ.
40 - وَتَبْرُزُ ثَمَرَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الْمَسَائِلِ التَّالِيَةِ:
أَوَّلاً: إِذَا كَانَتِ الدُّيُونُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْمَدِينِ غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَابِهَا اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ عَلَى حِدَةٍ مِنَ الْمَدِينِ، وَمَا يَقْبِضُهُ يُحْسَبُ مِنْ دَيْنِهِ خَاصَّةً، لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الدَّائِنِينَ الأْخَرِ .
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْمَدِينِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَطْلُبَ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَلاَ يَخْتَصَّ الْقَابِضُ مِنْهُمْ بِمَا قَبَضَهُ، بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ فِيهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ .
ثَانِيًا: إِذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَهِبَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوِ اسْتَهْلَكَهَا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ حِصَّتَهُ مِنْهَا.
فَلَوْ كَانَ مَبْلَغُ أَلْفِ دِينَارٍ دَيْنًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَدِينِ خَمْسَمِائَةٍ وَاسْتَهْلَكَهَا، فَلِلدَّائِنِ الآْخَرِ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. أَمَّا الْخَمْسُمِائَةِ الأْخْرَى فَتَبْقَى بَيْنَ الاِثْنَيْنِ مُشْتَرَكَةً .
ثَالِثًا: إِذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِدُونِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلاَ تَقْصِيرٍ، فَلاَ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّةَ نَفْسِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلشَّرِيكِ الآْخَرِ .
رَابِعًا: إِذَا أَخَذَ أَحَدُ الدَّائِنَيْنِ - دَيْنًا مُشْتَرَكًا - كَفِيلاً بِحِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ أَحَالَهُ الْمَدِينُ عَلَى آخَرَ، فَلِشَرِيكِهِ الآْخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَبْلَغِ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْكَفِيلِ أَوِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ .
وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ أَدَائِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ .
أ - فَالدَّيْنُ الْحَالُّ: هُوَ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عِنْدَ طَلَبِ الدَّائِنِ، فَتَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِأَدَائِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْمُخَاصَمَةُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ. وَيُقَالُ لَهُ «الدَّيْنُ الْمُعَجَّلُ» أَيْضًا.
ب - وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ: هُوَ مَا لاَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ حُلُولِ الأْجَلِ. لَكِنْ لَوْ أُدِّيَ قَبْلَهُ يَصِحُّ، وَيَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَدِينِ.
وَفِي هَذَا الْمَقَامِ تَجْدُرُ الإْشَارَةُ إِلَى أَنَّ مِنَ الدُّيُونِ مَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ حَالًّا، بِحَيْثُ لاَ يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ، فَإِنْ تَأَجَّلَ فَسَدَ الْعَقْدُ. مِثْلُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (ر: السَّلَمُ) وَالْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ (ر: الصَّرْفُ) بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَرَأْسِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (ر: مُضَارَبَة) وَالأْجْرَةِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (ر: إِجَارَة) وَمُصْطَلَحَ: (أَجَل).
_____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
الوسائل التي تكفل حقوق الدائنين
نظرة عامة :
القاعدة أن أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه . فهذه الأموال هي الضمان العام للدانين . وهذا الضمان العام يخول الدائن أن يستأدی حقه من أموال مدینه . فلة أن يتخذ على هذه الأموال طرقاً تحفظية وطرقاً تنفيذية وطرقاً في وسط ما بين الطرق التحفظية والطرق التنفيذية .
وقد تكفل تقنين المرافعات بالطرق التنفيذية . وتكفل التقنين المدني بالطرق الوسطى ما بين التحفظية والتنفيذية لانها تتفرع مباشرة عن مبدأ الضمان العام للدائنين •
وقد نظم التقنين المدني الحالى خمسة من هذه الطرق . فنظم دعاوی ثلاثا ، هي الدعوى غير المباشرة ودعوى عدم نفاذ التصرف ودعوى الصورية . ونظم الحق في الحبس " وهذه الطرق الأربعة كلها اجراءات فرديه ، وليس من شأنها أن تغل يد المدين عن آماله ، و نظم طریقا خامسا هو الاعسار ، وهذا الطريق هو ايضا اجراء فردي ، ولكن من شأنه أن يغل يد الدين عن ماله .
وقد رؤی نقل النصوص الخاصة بالصورية إلى مكانها المناسب بين النصوص المتعلقة بأثار العقد ، لأنها الصق بهذه الآثار ، وعلى الرغم من هذا النقل فلا شك في أن للدائن أن يرفع دعوى الصورية ليدفع عن نفسه نتائج غش المدين اذا قام هذا بتصرف هورى في ماله ليخرجه من الضمان العام ، فیستبقى الدائن بذلك مال المدين في ضمانه العام تمهيدا للتنفيذ عليه بحته . غير أنه يلاحظ أن الدائن قد يتمسك بالعقد الظاهر اذا كان حسن النية ، كما أنه ليس الوحيد الذي يحق له رفع دعوى الصورية كما هي الحال في الدعويين الأخريين ، فقد يرفع دعوی الصورية المتعاقد او الخلف الخاص ، وفي هذا ما يدل بوضوح على أن أحكام الصورية الصق بأثار العقد .
كذلك رؤى عدم ایراد تنظیم الاعسار ، على خلاف التقنين الحالي ، لأن العمل قد دل على أن نظام الاعسار لم يحقق الغاية المرجوة منه لكثرة نفقاته وقلة جدواه للدائنين الذين يجدون في دعوى عدم نفاذ تصرف المدين في حقهم ، وفي سائر وسائل التنفيذ، ما يغنيهم عن طلب الحكم بشهر اعسار مدینهم ، بل قلما يلجأ إلى هذه الوسيلة الا من يريد التشهير بمدينه وتجريح سمعته .
واذا كان من مزايا نظام الاعسار للدائن حلول اجل دينه ، فان نص المادة 261 من المشروع قد كفل له هذه المزية متی ثبت أن اموال مدینه لا تفي بالديون الحالة ، من غير أن يترتب على ذلك صدور حكم يدمغ المدين بالاعسار .
وتلك الاعتبارات التي دعت الى عدم ایراد تنظیم الاعسار هي ذاتها التي دعت إلى عدم ایراد تنظيم للحجر على الدين المفلس ، على خلاف التقنين العراقي والتقنين الأردني •
( مادة ۲۳۷)
1- أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه .
2- وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان ، الا من كان له منهم حق التقدم طبقا للقانون ۰
هذه المادة تطابق المادة 234 من التقنين الحالي .
وتطابق المادة ۳۰۷ من التقنين الكویتی .
و تطابق في حكمها المادة 365 من التقنين الأردني التي تنص على أنه و مع مراعاة أحكام القانون أموال المدين جميعها نامنة للوفاء بديونه وجميع الاثنين متساوون في هذا الفممان ، .
و تطابق المادة ۳۰۷ من التقنين الكويتي .
وفكره ان اموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه موجودة في الفقه الاسلامی ، اذ يستطيع الدائن أن ينفذ على أي مال من أموال المدين استیفاء لحقه وليس لدائن أن يتتبع عيناً خرجت من ذمة المدين أو ان يتقدم على دائن أخر بالنسبة إلى عين معينة الا اذا كان له تأمین خاص کالرهن مثلاً يخوله حق التتبع أو حق التقدم .