مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 629
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- يشترط لمباشرة الدعوى البوليصية أن يكون المدين قد عقد ( تصرفاً قانونياً) إصراراً بحقوق دائنيه ويتحقق معنى الإضرار، متى استتبع التصرف إعسار المدين أو الزيادة في إعساره، ويكون ذلك إما بإنقاص ما لهذا المدين من حقوق، وهو ما يقصد بالإفقار وفقاً للتصوير التقليدي، وإما بزيادة التزاماته، وهو ما استحدث المشروع في هذا الشأن، وتوجيهه جد يسير وعلى هذا النحو لا يقتصر حق الدائن على الطعن فيما يصدر عن المدين من أعمال التصرف (كالبيع والهبة) بل يجاوز ذلك إلى ما يعقد من التزامات تزيد في ديونه، دون أن تنقص من حقوقه والواقع أن أثر هذه الالتزامات، من حيث الإضرار بحقوق الدائنين، لا يختلف في شيء عن أثر أعمال التصرف وقد بسطت المادة 322 من المشروع في نطاق مدلول «التصرف القانوني» في حالتين، لا يزال الشك يكتنف حكمهما في ظل القواعد الراهنة ، وبذالك بوأتهما مكانهما في النصوص، وسدت ذرائع الخلاف فيراعي من ناحية أن هذه المادة أجازت الطعن في الوفاء، متى كفل التقدم لأحد الدائنين دون حق مع أنه تصرف قانوني لا يترتب عليه إعسار المدين أو ازدیاد هذا الإعسار، فإذا كان الوفاء حاصلاً قبل حلول الأجل، فهو والتبرع بمنزلة سواء أما إذا كان حاصلاً عند حلول الأجل، فيشترط توافر التواطؤ بين الدائن والمدين، ويراعي من ناحية أخرى أن المدين إذا لم يقم بالوفاء، بل كفل لأحد دائنيه، دون حق، سبباً من أسباب التقدم على الباقين، بأن رهن له مثلاً مالاً من أمواله رهناً رسمياً أو رهن حيازة ، فتصرفه على هذا الوجه یكون قابلاً للطعن، وفقاً لأحكام النص، شأنه في ذلك بشأن الوفاء، باعتبار وحدة الغاية من كل منهما وقد يكون مثل هذا التصرف من قبيل المعارضات أو التبرعات، تبعاً لما إذا كان الدائن قد أدى مقابلاً لاستنجازه، أو تم له ذلك دون مقابل ، ويجب في الحالة الأولى توافر التواطؤ بين المدين والدائن .
2 - ويشترط فيمن يباشر الدعوى البوليصية أن يكون دينه مستحق الأداء، لأن هذه الدعوى ليست مجرد إجراء تحفظي وهي ليست كذلك إجراء تنفيذياً، وإنما هي من مقدمات التنفيذ وممهداته، وقد يقع أن يليها التنفيذ مباشرة، ولهذا ينبغي أن يكون الدين الذي تباشر بمقتضاه مستحق الأداء ويشترط فوق ذلك أن يكون هذا الدين سابقاً على التصرف الذي يطعن فيه، إذ هذا الوضع يصح أن يتصور أن ضرراً يصيب الدائن، أو أن غشاً يقع من المدين ومع ذلك فيجوز أن تباشر الدعوى البوليصية بمقتضى دين لاحق للتصرف، متى كان هذا التصرف قد عقد، على وجه التخصيص والإفراد، للإضرار بالدائن والعبث بحقوقه، وقد كان في الوسع أن يشترط ثبوت تاريخ الدين، لإقامة الدليل على تقدمه على التصرف، بيد أن المشروع آثر إغفال اشتراط ثبوت التاريخ اقتداء بالمشروع الفرنسي الإيطالى، ولاسيما أن القضاء المصري قد جرى على ذلك ( استئناف مصر 12 مايو سنة 1898 حقوق 13 ص 192، و 4 فبراير سنة 1902 مج ر 3 ص 248 رقم 94 ) والواقع أن الدائن يفاجأ في أغلب الأحيان بالتصرف الضار، دون أن يكون قد احتاط من قبل لإثبات تاريخ سند الدين، ولكن من المسلم أن عبر إقامة الدليل على تقدم الدين، بطرق الإثبات كافة، يقع على عاتق الدائن.
3- وليس يكفى إعسار المدين بمجرده في جميع الأحوال ، فإذا كان التصرف بمقابل وجب أن يتوافر، فضلاً عن ذلك، تواطؤ المدين وخلفه وإذا صدر تصرف ثان من هذا الحلف وجب توافر التواطؤ بينه و بين خلفه، أما إذا كان التصرف تبرعاً فلا حاجة فيه إلى التواطؤ، فهو لا ينفذ في حق الدائن، ولو كان المتبرع له حسن النية، بل ولو ثبت أن المدين لم يرتكب غشا. وهذه هي القاعدة المقررة في نصوص التقنين الحالي في المادة 143/ 204 ) على خلاف ما يقضي به التقنين الفرنسي ( المادة 1167).
4- ولعل أمر الإثبات من أشق ما يصادف الدائن في الدعوى البوليصية، سواء في ذلك إثبات إعسار المدين أم إثبات التواطؤ بينه وبين من يخلفه وقد وضع المشروع قاعدتين لتيسير مهمة الدائن في هذا الصدد : (أ) فاجتزأ من الدائن في إثبات إعسار مدينه بإقامة الدليل على مقدار ما في ذمته من ديون فمتى أقام هذا الدليل ، كان على المدين أن يثبت أن له مالاً يعادل قيمة هذه الديون على الأقل . (ب) ثم إنه جعل من مجرد علم الدين بإعساره قرينة على توافر الغش من ناحية، واعتبر من صدر له التصرف عالماً بهذا الغش، إذا كان قد علم بذاك الإعسار أو كان ينبغي أن يعلم به، من ناحية أخرى .
ويراعى أن حسن النية يفترض فيما يعقد من التصرفات العادية التي تقتضيها صيانة تجارة المدين أو زراعته أوصناعته . فمثل هذه التصرفات تقع صحيحة وتكون بهذه المثابة بمأمن من الطعن ( أنظر المادة 112 من التقنين البرازيلي).
5- وقد أن المشروع فيما يتعلق بآثار الدعوى البوليصية بأهم ما استحدث من الأحكام في هذا الشأن فمن المعلوم أن هذه الدعوى لا تفيد، وفقاً لأحكام التقنين الحالى، والتقاليد اللاتينية، إلا من يباشرها من الدائنين أما نصوص المشروع فتصرف نفعها إلى جميع الدائنين المتقدمة ديونهم على التصرف، ولو كانت هذه الديون قد أصبحت مستحقة الأداء، من جراء إعسار المدين، وهي بوضعها هذا دعوى جماعية لا فردية . على أن وجاهة هذا النظر لا تقتصر على مراعاة ما هو ملحوظ في أن عدم نفاذ التصرف لا يتجزأ من الناحية النظرية، بل تجاوز ذلك، بوجه خاص، إلى تحامی ما يؤخذ على هذه الدعوى في صورتها الفردية من مجافاة للعدالة، ولذلك عنت الحاجة، من عهد غير قريب، إلى إصلاح الأحكام المتعلقة بآثارها إصلاحاً ينتهي بها إلى تلك الصورة الجماعية ( أنظر المادة 1044 من التقنين البرتغالى، والمادة 113 من التقنين البرازيلى ) .
ولما كانت الدعوى البوليصية دعوی اقتصار أو عدم نفاذ فهي لا تمس صحة التصرف المطعون فيه، ومؤدى ذلك أن مثل هذا التصرف يظل صحيحاً منتجاً لجميع آثاره، وكل ما هنالك أنه يصبح غير نافذ في حق الدائنين، بالقدر اللازم لحماية حقوقهم دون إفراط أو تفريط .
6- ولقد تكفلت المواد 320 و 321 و 323 من المشروع ببيان أسباب سقوط الدعوى البوليصية، وهي مستقاة من التقنين البرتغالى ( المادة 1040 ) والتقنين البولوني ( المادة 291 ) والتقنين البرازيلى (المادة 108) والتقنين الصيني (المادة 245). فإذا استوفي مباشر هذه الدعوى حقه من المدين، أو من المتصرف له، أو إذا ظهرت أموال تكفي للوفاء بهذا الحق، وهو ما يعدل الوفاء حكماً، انتفت مصلحته في المضي في دعواه، وسقط حقه فيها تفريعاً على ذلك ولمن صدر له التصرف أن يقيم الدليل على حسن نيته بإيداع ثمن ما آل إليه بمقتضى التصرف، متى كان هذا الثمن قريباً من ثمن المثل، وبذلك يتقى آثار الطعن و تسقط الدعوى، و أخيراً نص على تقادم هذه الدعوى بانقضاء سنة يبدأ سريانها من اليوم الذي يعلم فيه الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف، أو بانقضاء خمس عشرة سنة من الوقت الذي صدر فيه التصرف المطعون فيه، ويراعى أن للدائنين الأخر أن يتمسكوا بهذا التقادم الحولي قبل الدائن الطاعن.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 322 من المشروع فأقرتها اللجنة بعد إدخال تعديلات لفظية، وأصبح النص النهائي ما يأتي :
1- إذا لم يقصد بالغش الا تفصيل دائن على آخر دون حق فلا يترتب عليه إلا حرمان الدائن من هذه الميزة.
2- وإذا وفي المدين المعسر أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل الذي حدد أصلاً للوفاء، فلا يسرى هذا الوفاء في حق باقي الدائنين، وكذلك لا يسرى في حقهم الوفاء حتى لو حصل بعد انقضاء هذا الأجل إذا كان هذا الوفاء قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفي حقه.
وأصبح رقم المادة 249 في المشروع النهائي
وقدمت بعد إبدال كلمة «حدد» بكلمة «عين »، وعبارة «حتى لو» بكلمة «ولو» في الفقرة الثانية .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 249 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة دون تعديل .
وأصبح رقمها 242
محضر الجلسة السابعة والستين
اعترض الدكتور حامد زكي بأن المادة 242 أوجدت فترة ريبة بالنسبة للمدين، ورأى حضرته استبعاد افتراض التواطؤ في هذه الفترة، كما أبدى أنه لا يوافق على ما جاء بهذه المادة عن بطلان الوفاء، لأن القانون الحالى يجعل الوفاء صحيحاً في هذه الحالة .
وقد رد معالي السنهوري باشا على ذلك بأن قرنية الغش متوافرة قطعاً في هذه الحالة، وهذا ما يبرر الحكم الوارد بالمشروع عن الوفاء في الحالة المتقدمة.
قرار اللجنة:
لم توافق اللجنة على هذا الاعتراض
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة دون تعديل.
1- النص فى المادة 573 من القانون المدني - الذي يحكم واقعة النزاع - يدل على أن المشرع قد نظم أسس المفاضلة بين المستأجرين بعقود صحيحة فيما تعارضت فيه حقوقهم وبات من المحتم أن يستأثر أحدهم بالشيء المؤجر ولم يبق لسواه إلا الحق فى التعويض فجعل الأفضلية لمن سبق إلى وضع يده دون غش وقامت فلسفة النص السالف بيانه على أن المستأجرين دائنون عاديون فلا فضل لأحدهم على الآخر ولا امتياز، فمن سبق منهم إلى استيفاء دينه من المدين فقد خلص له حقه كاملاً ما لم يكن المدين معسراً وأراد أن يفضل دائناً على غيره غشاً ففي هذه الحالة يحرم الدائن من هذه الميزة وفقاً لما نصت عليه المادة 242 من القانون المدني، وقاس نص المادة 573 المؤجر على المدين المعسر لأن المؤجر متى سلم العين لأحد المستأجرين صار فى حكم المعسر بالنسبة للباقين، ولم يقصد المشرع بنص المادة 573 أن يحمى الحيازة فى ذاتها واعتبر مجرد علم المستأجر وقت وضع يده بوجود إجارة سابقة نافياً لحسن نيته وكافياً لثبوت الغش ولا يتأثر حق من فضل عقده بسبق وضع يده بفقده الحيازة وانتقالها إلى غيره لأنه أكتسب حقاً والحقوق لا تسقط بفقد الحيازة، ولو شاء المشرع بهذا النص أن يحمى الحيازة ذاتها لجعل التفضيل للحائز الأخير لحسن النية وليس للمستأجر الأسبق فى وضع اليد .
(الطعن رقم 890 لسنة 54 جلسة 2000/03/06 س 51 ع 1 ص 398 ق 71)
2- لما كان الثابت من الأوراق أن التصرف الصادر إلى الطاعن قد تم فى تاريخ 1976/12/17 بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية فإن بالتالى لا ينفذ فى حق المطعون ضدها الثانية التى أوقع عليها البيع وخلفها المطعون ضده الأول وذلك طبقاً لنص المادة 405 من قانون المرافعات ودون اعتداد بعدم تسجيل حكم إيقاع البيع ومن ثم فلها وللمطعون ضده الأول مشترى العقار منها اتخاذ كافة الوسائل لإزالة جميع العوائق التى تقف فى سبيل تحقيق أثر ذلك الحكم، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم نفاذ التصرف الصادر إلى الطاعن إعمالاً لحكم المادة 405 المشار إليها دون إعمال أحكام الدعوى البوليصية المنصوص عليها فى المواد من 237 إلى 243 من القانون المدنى والتى ليست إلا دعوى بعدم نفاذ التصرف الصادر من المدين إضراراً بدائنه وليس من شأنها المفاضلة بين العقود فإنه يكون قد التزم صحيح القانون.
(الطعن رقم 1360 لسنة 60 جلسة 1995/02/02 س 46 ع 1 ص 318 ق 62)
ويخلص من هذا النص أن إعطاء المدين لأحد الدائنين ضمانًا خاصًا يجعله يتقدم على سائر الدائنين دون حق، أى أنه ما كان ليتقدم عليهم لولا هذا الضمان، يعتبر تصرفًا مفقرًا يجوز الطعن فيه بالدعوى البوليصية ويجب التميز فى هذه الحالة بين فرضين، فقد يكون الدائن حصل من المدين على هذا الضمان الخاص بغير مقابل، وقد يكون أدى للمدين مقابلاً له ففي الفرض الأول يكون التصرف تبرعًا، ولا يشترط فى جواز الطعن فيه بالدعوى البوليصية غش الدائن الذى حصل على الضمان الخاص، بل ولا غش المدين الذى أعطى هذا الضمان، أما في الفرض الثاني، إذا أدى الدائن مقابلاً للضمان الذى حصل عليه، كأن مد فى أجل الدين أو أعطى المدين أجلاً جديدًا أو حط جزءًا من الدين، فإن التصرف يكون معارضة ويشترط إذن فى جواز الطعن فيه بالدعوى البوليصية، كما سنرى، إثبات غش كل من المدين والدائن، أى إثبات أنهما قدا من هذا الضمان أن يتقدم الدائن دون حق على سائر الدائنين . وفى الفرضين ، إذا نجح الطعن فى التصرف ، اعتبر الضمان الخاص الذى حصل عليه الدائن غير نافذ فى حق سائر الدائنين ، وفقد الدائن ميزة التقدم التى كان يسعى إليها من غير حق .
ويخلص من هذا النص أن كل وفاء قبل حلول الأجل يجوز الطعن فيه بالدعوى البوليصية، ويعتبر التصرف هذا تبرعًا، فلا يشترط، خلافًا لما كان عليه الأمر فى عهد التقنين المدنى السابق، لا غش المدين الذى عجل الوفاء ولا تواطؤ الدائن الذى تعجله، أما الوفاء عند حاول الأجل فيعتبر معاوضة، لأن الدائن إنما استوفى حقه عند حلول أجله فلم يتبرع له المدين بشيء، ويجوز الطعن فى هذا الوفاء بالدعوى البوليصية.
ولكن يشترط للطعن فى الوفاء عند حلول الأجل ما يشترط فى المعاوضات ، فيجب إثبات غش المدين الذى وفى بدينه وتواطؤ الدائن الذي استوفى حقه.
أما إذا امتنع المدين من زيادة حقوقه أو من إنقاص التزاماته ، كما إذا رفض هبة أو أقر بدين فى ذمته تقادم بسنة واحدة وفقًا للمادة 378 مدني. فظاهر أن هذا العمل ، وأن أضر بالدائن، ليس بعمل مفقر، وليس للدائن أن يشكو منه، فإنه لم يجرد المدين من حق كان داخلاً فى ضمان الدائن ولم يثقل كاهله بدين جديد يضعف من هذا الضمان.
وحتى يكون للدائن مصلحة فى الطعن فى تصرف المدين بالدعوى البوليصية، يجب أن يكون الحق الذى تصرف فيه المدين يستطيع الدائن أن يستوفى منه حقه، وإلا لم تكن له مصلحة فى الطعن فإذا كان هذا الحق مثقلاً بحقوق عينية للغير تستغرقه ولا تدع منه شيئًا للدائن، أو كان الحق لا يجوز الحجز عليه كالمرتبات والنفقة والملكية الزراعية الصغيرة، فإن الدائن لا تكون له مصلحة فى الطعن فى تصرف المدين ، ومن ثم لا يجوز له أن يرفع الدعوى البوليصية .
ويجب أخيرًا أن يكون التصرف الصادر من المدين تاليًا فى الوجود لحق الدائن الذى يطعن فى هذا التصرف . وذلك لأن حق الدائن إذا لم يكن متقدمًا على التصرف المطعون فيه، لم يكن للدائن وجه للتظلم ، إذ لم يوجد حقه إلا بعد صدور التصرف من المدين وفى وقت لم يكن الحق الذى تصرف فيه المدين جزءًا من ضمانه حتى يقال إنه اعتمد على وجود هذا الحق . ولا يمكن أن نتصور وجود الغش فى جانب المدين ، وإنه أراد بتصرفه الإضرار بدائن لم يكن موجودًا وقت التصرف .( الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني المجلد/ الثاني الصفحة/ 1322)
قد يكون سبيل المدين إلى الإضرار بدائنيه هو تفضيل أحد الدائنين على سائرهم، وذلك إما بأن يوفى المدين المعسر لأحدهم دون الآخرين، وإما أن يقرر له سبباً من أسباب التقدم. وقد كان حكم هذه التصرفات، من حيث جواز الطعن فيها بالدعوى البوليصية، محلاً للخلاف في ظل التقنين السابق. فقد كان يبدو أن الدائن الذي يسعى إلى استيفاء حقه أو إلى الحصول على ضمان خاص تأميناً لحقه، إنما يسعى لتحقيق غرض مشروع. ومع ذلك فمن الواضح أن تصرف المدين على هذا الوجه من شأنه الإضرار بالدائنين الآخرين، إذ يترتب عليه الإخلال بمبدأ المساواة، ويؤدي إلى إنقاص نسبة ما يحصل عليه كل منهم عند اقتسام أموال المدين الباقية قسمة غرماء .
وقد جاء التقنين المدني متضمناً لنص صريح في هذه المسألة هو المادة 242، وهي تجيز الالتجاء إلى الدعوى البوليصية في هاتين الحالتين بالتفصيل الذي نذكره في البند التالي.
حالتان يجوز فيهما الالتجاء إلى الدعوى البوليصية :
(أ) وفاء المدين المعسر أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل :
إذا كان المدين المعسر قد أوفي أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل الذي عين أصلاً للوفاء، كان هذا الوفاء بمثابة تبرع، فلا يسري في حق باقي الدائنين، ولا يشترط إثبات الغش حينئذ. أما إذا كان الوفاء حاصلاً عند حلول الأجل، فيشترط الإمكان الطعن فيه بالدعوى البوليصية توافر التواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفي حقه.
(ب) ترتيب المدين المعسر لأحد دائنيه دون حق سبباً من أسباب التقدم :
إذا رتب المدين المعسر لأحد دائنيه دون حق، سبباً من أسباب التقدم على الباقين، بأن رهن له مثلاً مالاً من أمواله رهناً رسمياً أو رهن حيازة فتصرفه على هذا الوجه يكون قابلاً للطعن. فإذا كان تصرف المدين في هذه الحالة من قبل المعاوضات، فإن كان الدائن قد أدى مقابلاً للضمان الخاص الذي تقرر له، بأن مد من أجل الدين مثلاً أو أعطى أجلاً جديداً أو حط جزءاً من الدين عن المدين، وجب إثبات التواطؤ بين المدين والدائن حتى يقبل من الدائنين الآخرين الطعن في التصرف بالدعوى البوليصية. ويترتب على ذلك أن يحرم الدائن الميزة التي قررها له المدين.
أما إذا كان الدائن لم يؤد مقابلاً لما قرر له من ضمان خاص كان تصرف المدين تبرعاً، وبالتالي فلا حاجة لإثبات الغش.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث، الصفحة/646)
منح المدين للدائن ضماناً دون حق :
الأصل أن كل الدائنين العاديين سواء، ولكن قد يمنع الدين أحد الدائنين ضماناً خاصاً، فيرتب له رهناً رسمياً أو حيازياً دون أن يكون لهذا الدائن حق في ذلك مما يجعله يتقدم في التنفيذ بحقه على سائر الدائنين، وحينئذ، يعتبر هذا الضمان تصرفاً مفقراً للمدين مما يخول الطعن فيه بالدعوى البوليصية.
فإن كان هذا التصرف تبرعاً لم يؤد الدائن مقابلاً له، فيكفي لعلم نفاذ أن يطعن عليه الدائن بالدعوى البوليصية فلا يكلف بإثبات التواطؤ بين المدين ومن تقرر له الضمان. أما أن كان التصرف معارضة بأن يكون من تقرر له الضمان دفع مقابلاً له کابراء المدين من بعض الدين أو منحه أجلاً جديداً أو مد في الأجل السابق، فإن الدائن حينئذ يلتزم بإثبات التواطؤ فيما بين المدين ومن تقرر الضمان لصالحه حتى يقضي بعلم نفاذ التصرف في حقه فيثبت انصراف قصدهما إلى منح صاحب الضمان ضماناً دون أن يكون له حق فيه ليتقدم على سائر الدائنين. وكل ذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 238.
وقد لا يكون المدين هو الذي أعطى الضمان، إنما أعطاه کفیل عینی ولدائنی هذا الكفيل أن يطعنوا في هذا الضمان بالدعوى البوليصية، فإن كان من تقرر له الضمان حصل من المدين على مقابل - لا عبرة بالكفيل - كان التصرف معاوضة ووجب إثبات التواطؤ بين الكفيل العينى وبين من تقرر له الضمان، ولا يلزم إثبات ذلك أن كان التصرف تبرعاً.
الوفاء قبل حلول الأجل :
إذا تنازل المدين عن الأجل المقرر لصالحه بالنسبة لأحد الديون، ثم قام بالوفاء به قبل حلول أجله، كان هذا الوفاء تصرفاً مفقراً للمدين قد تم تبرعاً، وحينئذ يكون لباقي الدائنين الطعن عليه بالدعوى البوليصية دون حاجة منهم لإثبات أي تواطؤ.
الوفاء بعد حلول الأجل :
أما إذا تم الوفاء بعد حلول أجل الدين، كان ذلك بمثابة تصرف تم معاوضة، وحينئذ يلتزم الدائن بإثبات التواطؤ بين المدين ومن ثم الوفاء له، ومتى قضى بعدم نفاذ الوفاء، عاد محله للضمان العام للدائنين، فإن امتنع من استوفى دينه عن إعادة محل الوفاء، جاز التنفيذ بمقداره على أمواله.
الوفاء بمقابل :
يسري على الوفاء بمقابل ما يسرى على الوفاء بمحل الالتزام على نحو ما تقدم.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع، الصفحة/ 465)
تقدم في نبذة 166 أن المشرع اعتبر الوفاء الذي يتم من المدين المعسر لأحد دائنيه دون الدائنين الآخرين، وكذلك التصرف الذي يقصد به المدين المعسر تفضيل أحد دائنيه على الآخرين، تصرفاً مفقراً للمدين وضاراً بسائر دائنيه، وأنه نص في المادة 242 على جواز الطعن فيه بالدعوى البوليصية وفقاً لأحكام هذه الدعوى.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 342)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 245)
1- اذا لم يقصد بالغش الا تفضيل دائن على آخر دون حق ، فلا يترتب عليه الا حرمان الدائن من هذه الميزة .
2- واذا وفي المدين المعسر أحد دائنية قبل انقضاء الأجل الذي عين اصلاً للوفاء ، فلا يسري هذا الوفاء في حق باقي الدائنين ، وكذلك لا يسري في حقهم الوفاء ، ولو حصل بعد انقضاء هذا الاجل ، اذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفي حقه .
هذه المادة تطابق المادة 242 من التقنين الحالي •
و تطابق المادة 268 من التقنين العراقي
وتطابق المادة 316 من التقنين الكويتي