loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني، الصفحة : 673

مذكرة المشروع التمهيدي :

تشتمل إجراءات إشهار الإعسار على مرحلتين : أولاهما مرحلة صدور الحكم بإشهار الإعسار، والثانية مرحلة تسجيل هذا الحكم:

(1) أما حكم إشهار الإعسار فيصدر من محكمة المدين مدعى عليه أو مدعياً، فقد يكون الدين مدعى عليه، إذا طلب أحد دائنيه إشهار إعساره، كما هي الحال في أغلب الفروض ولكن قد يطلب المدين نفسه إشهار إعساره ليفيد مما يوفره له نظام الإعسار من مزايا كنظرة الميسرة في أداء الديون الحالة، ومن أجل الديون تغير المستحقة الأداء، والحصول على نفقة تقتطع من إيراده وتكون الأحكام الصادرة في دعاوى طلب إشهار الإعسار قابلة للطعن بطريق المعارضة والاستئناف سواء أكانت صادرة بقبول الطلب أم صادرة برفضه، بيدأن مواعيد الطعن قصرت إلى حد بعيد جعل ميعاد المعارضة ثمانية أيام، وميعاد الاستئناف خمسة عشر يوماً، من تاريخ الإعلان .

(ب) ومتی صدر حكم إشهار الإعسار تولى كاتب المحكمة تسجيله من تلقاء نفسه في يوم النطق به بالذات، ويحصل التسجيل بطريق القيد في سجل عام يعد في المحكمة لهذا الغرض، ويؤشر في هامش السجل بكل حكم صادر بتأييد الحكم الأول أو بالغائه وهذا يتم إشهار حالة الإعسار، ويكون لكل ذي شأن أن يعلم بها بالرجوع إلى هذا السجل في المحكمة التي يقع بدائرتها محل المدين وإذ كان تغيير محل المدين ما يدخل في حدود الاحتمال، فقد شرعت المادة 339 من المشروع إجراءات خاصة تكفل تسجيل الحكم في المحكمة التي يقع في دائرتها محله الجديد. وقد أوجبت المادة 339 على المدين، عند تغيير محله، أن يخطر بذاك كاتب المحكمة التي يقع في دائرتها محله القديم، وبمجرد علم الكاتب بهذا التغيير من طريق الإخطار، أو من أي طريق آخر (كتنبيه أحد الدائنين أو أحد ذوى الشأن مثلاً) يتعين عليه أن يرسل على نفقة المدين صورة من حكم إشهار الإعسار إلى المحكمة التي يقع في دائرتها المحل الجديد لتقوم بقيدها في سجلاتها.

شرح خبراء القانون

تختص المحكمة الابتدائية التي يتبعها موطن المدين بالحكم بشهر الإعسار، وذلك بناء على طلب المدين نفسه حتى تقرر له المحكمة نفقة كما إذا كانت أمواله محجوز عليها م 259، أو سعياً إلى منحه آجالاً للديون الحالة أو لمد الآجال بالنسبة للديون المؤجلة "م "255" فقد يرفع المدين نفسه دعوى بطلب شهر إعساره أمام محكمة موطنه يختصم فيها دائنيه، كما يجوز له رفع دعوى فرعية بذلك أثناء نظر دعوى أقامها عليه دائنه.

وقد يرفع أحد الدائنين الدعوى بشهر إعسار مدينه، ولكن لا يجوز للنيابة العامة أن تطلب ذلك، كما لا يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها أثناء نظر دعوى مطالبة بحق مرفوعة على المدين والدائن الذي يجوز له رفع دعوى شهر الإعسار، هو الدائن الذي حل أجل دينه، إذ لا يسقط الأجل الا بشهر الإعسار وفقاً لما أوضحناه بالمادة 255 ولكن يجوز لهذا الدائن أن يقيم الدعوى مستنداً، لا لدينه هو، إنما لدين آخر مستحق الأداء لا تكفي أموال المدين للوفاء به، ومتی شهر الإعسار سقط الأجل وحلت الديون المؤجلة، وجرت قسمة الغرماء(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع، الصفحة/  607)

المحكمة المختصة بنظر دعوى شهر الإعسار:

 المحكمة المختصة نوعياً :

حدد النص المحكمة المختصة نوعياً بنظر دعوى شهر الإعسار بأنها المحكمة الابتدائية.

وتختص المحكمة الابتدائية نوعياً بنظر الدعوى ولو كانت الدعوى تدخل طبقاً للقواعد العامة في اختصاص المحكمة الجزئية.

وقد روعي في منح الاختصاص للمحكمة الابتدائية في جميع الأحوال، الأهمية التي تحوزها دعوى شهر الإعسار.

والاختصاص النوعي مما يتعلق بالنظام العام. فلا يجوز اتفاق الخصوم على مخالفته ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى، كما يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، ويجب على المحكمة التصدي له من تلقاء نفسها (م 109 مرافعات).

المحكمة المختصة محلياً :

تختص محلياً بنظر دعوى شهر الإعسار - طبقاً لصريح النص- المحكمة الابتدائية التي يتبعها موطن المدين. وذلك سواء كانت الدعوى مرفوعة من الدائن أو المدين.

وهذا الاختصاص المحلي يتمشى مع القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 1/49 مرافعات من أنه: "يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".

والاختصاص المحلي مما لا يتعلق بالنظام العام. ويجب التمسك به صراحة قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول كما يجب التمسك به بصحيفة الطعن (م 108 مرافعات)..

ممن ترفع دعوى شهر الإعسار؟

ترفع دعوى شهر الإعسار إما من أحد الدائنين أو من المدين نفسه.

(أ) رفع دعوى شهر الإعسار من أحد الدائنين :

الغالب أن يكون طلب شهر الإعسار صادراً من أحد الدائنين، ويهدف الدائن عادة من ذلك إما إلى غل يد المدين المعسر عن التصرف في أمواله، وإما إلی وقف السباق بين الدائنين في التنفيذ على أموال المدين وفي أخذ الاختصاصات عليها. وإما إلى إسقاط أجل دينه هو قبل حلوله تفادياً لحرمانه من مشاركة الدائنين المستحقة ديونهم في إجراءات التنفيذ والتوزيع التي يتخذونها على أموال المدين قبل حلول أجل ذلك الدين. ومعنى ذلك أنه لا يشترط أن يكون دين الدائن رافع الدعوى حال الأداء. إنما ينبغي في هذه الحالة الشهر الإعسار وجود ديون أخرى مستحقة الأداء لاتفي بها ديون المدين وإلا تكون دعوی شهر الإعسار غير مقبولة لرفعها قبل الأوان.

الإثبات في الدعوى : 

إذا كان طلب شهر الإعسار صادراً من أحد الدائنين كان عليه عبء إثبات إعسار المدين، أي إثبات أن جميع أموال المدين لاتفي بديونه المستحقة وقت طلب شهر إعساره. ويجوز له إثبات ذلك بكافة الطرق لأن عدم كفاية الأموال واقعة مادية.

وقد ذهب رأى في الفقه إلى أن عدم كفاية أموال المدين واقعة سلبية تقتضي حصر ديون المدين وحقوقه، ولأن المدين هو أقدر الناس على حصر حقوقه وأكثرهم مصلحة في الكشف عنها وإثباتها، فإنه يجوز للمحكمة بمقتضى سلطتها استنباط القرائن القضائية وتجزئة عبء الإثبات بين الدائن والمدين، فتكتفي من الدائن بإثبات الديون المستحقة على المدين، وتكلف الأخير بيان أموال له تفی بهذه الديون. ولا يمكن عملاً تكليف الدائن ببيان أموال مدينه، لأن الدائن يستطيع حينئذ أن يقتصر على إثبات الديون وأن يقرر أنه ليس للمدين مال. فيضطر هذا لتكذيب الدائن إلى إثبات العكس ببيان أمواله التي تفي بديونه.

ويستند هذا الرأي إلى ما تنص عليه المادة 239 مدني الواردة في الدعوى البوليصية من أنه: "إذا ادعى الدائن إعسار المدين، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما في ذمته من ديون وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالا يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها.

إلا أن محكمة النقض لم تأخذ في حكم حديث لها بهذا الرأي، وألقت عبء الإثبات جميعه على الدائن. 

إذ قضت بأن :

"الإعسار لايعدو أن يكون حالة قانونية تستفاد من عدم كفاية أموال المدين للوفاء بديونه المستحقة الأداء، وهو يقوم على أمر واقع له علاماته التي تشهد عليه، وعلى من يدعي أن مدينة معسراً أن يقيم الدليل على إعساره بإثبات الوقائع التي تدل على ذلك دون أن يكلف المدين بإثبات أن يساره يغطي الدين".

طعن رقم 3563 لسنة 69 ق جلسة 2000/5/28

(ب) - رفع دعوى شهر الإعسار من المدين :

قد توجد للمدين مصلحة في شهر إعساره، وذلك في الحالة التي تتعدد فيها دیونه ويلح الدائنون عليه في طلبها أو يحجزون على إيراداته كلها فيحرمونه مما يلزم لنفقته، فتكون مصلحته من شهر إعساره هي أن يحصل على آجال لديونه الحالة إذا كانت ظروفه تسمح بمنحه هذه الآجال (المادة 2/255 مدنی)، أو أن يحصل على تقرير نفقة من إيراداته المحجوز عليها ليستطيع أن يعيش منها إلى أن تتم تصفية أمواله (المادة 259 مدني) .

عندئذ يكون المدين هو المدعى في دعوى شهر الإعسار وعليه أن يختصم فيها دائنيه، فيكونون هم المدعى عليهم. ويغلب أن يتقدم المدين بهذا الطلب في دعوى يرفعها عليه أحد دائنيه مطالباً إياه بالدين فيدعى المدين إعساره ويطلب شهر هذا الإعسار.

ويترتب على ذلك أن يقع على المدين- وفقاً للقواعد العامة باعتباره مدعياً إثبات إعساره، فيجب عليه أن يثبت أمرين ليسا في صالحه وهما وجود ديون مستحقة عليه وعدم وجود أموال له تفي بهذه الديون. ويكتفي منه في ذلك بإقراره بهذين الأمرين .

غير أنه يجوز أن ينازع أحد الدائنين في إقرار المدين، فيلتزم إثبات كذب الإقرار، فيثبت أن الديون التي أقر بها المدين ليست كلها أو بعضها ديوناً حقيقية  أو ليست بعد مستحقة الأداء أو أنها سبق الوفاء بها، أو يثبت أن للمدين أموالاً أخرى غير ما أقر به وأن مجموع أمواله يفي بديونه المستحقة.

لا يجوز للنيابة العامة طلب شهر الإعسار كما لا تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها :

حدد النص من يجوز له طلب شهر الإعسار، بأحد الدائنين أو المدين نفسه، ومن ثم لا يجوز للنيابة العامة طلب شهر الإعسار، كما لا يجوز للمحكمة أن تقضي بشهر الإعسار من تلقاء نفسها.

ويختلف هذا عن المقرر في دعوى شهر الإفلاس. إذ تجرى المادة (552) من قانون التجارة الجديد على أن: "يشهر إفلاس التاجر بناء على طلبه أو طلب أحد الدائنين أو النيابة العامة.

ويجوز للمحكمة أن تقضى بشهر الإفلاس من تلقاء ذاتها.

نظر دعوى شهر الإعسار على وجه السرعة :

تنص المادة على أن تنظر دعوى شهر الإعسار"على وجه السرعة".

وعبارة (على وجه السرعة) مرادفة لعبارة (على وجه الاستعجال إلا أنها تختلف عن (الصفة المستعجلة) التي تنظر بها بعض الدعاوى فالمنازعات التي يوجب القانون نظرها على وجه السرعة avec célérité هی منازعات موضوعية ترفع إلى المحكمة المختصة بحسب القواعد العامة لتصدر فيها حكماً موضوعياً، أما المواد المستعجلة matiere de refene فهي منازعات في طلبات وقتية ترفع إلى المحكمة المستعجلة أو إلى محكمة الموضوع عملاً بالمادة 45 مرافعات لتصدر فيها حكماً وقتياً تكون له حجية مؤقتة ولا يجمع بينهما إلا ما يوجبه القانون من إنجازهما والفصل فيهما فوراً بغير إبطاء.

وكان قانون المرافعات السابق قبل تعديله بمقتضى القانون رقم 100 لسنة 1962 ينص على وجوب عرض الدعاوى التي يفصل فيها على وجه السرعة مباشرة على المحكمة الكاملة في المحاكم الابتدائية دون عرضها على قاضی التحضير (م 118)، ويمنع الطعن بالمعارضة في الحكم الصادر فيها (م 386) ويجعل ميعاد استئنافه عشرة أيام أيا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم (م402)، ويوجب رفع الاستئناف بتكليف بالحضور عملاً بالمادة 405، ويوجب إيداع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه في ميعاد قصير يختلف عن الميعاد المقرر بالنسبة للأحكام الصادرة في المواد الأخرى (م 346)، ويكتفي بالنسبة الصحف الدعاوى التي يوجب القانون الفصل فيها على وجه السرعة بأن يبين المدعي فيها موضوعها وطلباته بالإيجاز دون حاجة إلى ذكر وقائع الدعوى وأدلتها وأسانيد المطلوب وذلك عملا بالمادة 71.

إلا أن المشرع ألغي بالقانون رقم 100 لسنة 1962 كل تفرقة بين الدعاوى التي تنظر على الوجه المعتاد وتلك التي تنظر على وجه السرعة.

ولم يعد المقصود من هذا التعبير إلا مجرد حث المحكمة على إنجاز الدعوى بسرعة .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الثالث، الصفحة/765)

تنص المادة 250 على أن «يكون شهر الإعسار بحكم تصدره المحكمة الابتدائية التي يتبعها موطن المدين، بناء على طلب المدين نفسه أو طلب أحد دائنيه، وتنظر الدعوى على وجه السرعة» .

ويؤخذ من ذلك أن شهر إعسار المدين يكون بحكم قضائي بعد أن ترفع به دعوى أمام المحكمة الابتدائية التي يتبعها موطن المدين، وسيجيء أن المحكمة تملك في ذلك سلطة تقديرية واسعة في الحكم بشهر إعسار المدين أو برفضه رغم توافر شرطه . فإذا صدر الحكم بشهر الإعسار فإنه يكون منشئاً حالة الأعمار القانوني، لا فقررا لها فحسب، لأن المدين يكون قبل ذلك في حالة إعسار فعلي ولا ينتقل من هذه الحالة إلى حالة الإعسار القانوني إلا بصدور ذلك الحكم.

والمحكمة المختصة بشهر الإعسار في المحكمة الابتدائية التي يتبعها موطن المدين، أي أن شهر الإعسار لا يكون من اختصاص المحكمة الجزئية بأي حال.

ويرفع طلب شهر الإعسار إلى المحكمة المختصة أما من أحد الدائنين وأما من المدين نفسه.

(۱) طلب أحد الدائنين شهر إعسار المدين :

الغالب أن يتقدم أحد الدائنين بطلب شهر إعسار المدين، ويهدف الدائن عادة من ذلك إما إلى غل يد المدين المعسر عن التصرف في أمواله، وأما إلى وقف السباق بين سائر الدائنين في التنفيذ على أموال المدين وفي أخذ الاختصاصات عليها ، وأما إلى أسقاط أجل دينه هو قبل حلوله تفادياً لحرمانه من مشاركة الدائنين المستحقة ديونهم في إجراءات التنفيذ والتوزيع التي يتخذونها على أموال المدين قبل حلول أجل ذلك الدين، ولا يشترط في الدائن الذي يرفع دعوى شهر إعسار مدينه أن يكون دينه مستحق الأداء، وإنما يكفي أن يستند إلى أن دائناً غيره له حق مستحق الأداء لا تكفى أموال المدين لوفائه حتى تكون دعوى شهر إعسار المدين مقبولة منه .

وفي جميع هذه الحالات يقع على الدائن عبء إثبات إعسار المدين أي أنه يتعين عليه أن يثبت أن جميع أموال المدين لاتفي بديونه المستحقة وقت طلب شهر إعساره، ويجوز له إثبات ذلك بكافة الطرق لأن عدم كفاية الأموال واقعة مادية .

غير أنه لأن عدم كفاية أموال المدين واقعة سلبية ولكنها تقتضي حصر ديون المدين وحقوقه، ولأن المدين هو أقدر الناس على حصر حقوقه وأكثرهم مصلحة في الكشف عنها وإثباتها، يجوز للمحكمة بمقتضى سلطتها في استنباط القرائن القضائية تجزئة عبء الإثبات بين الدائن والمدين ، فتكتفي من الدائن بإثبات الديون المستحقة على المدين ، وتكلف الأخير ببيان أموال له تفي بهذه الديون وقد تقدم أن الشارع نص في المادة 239 على تجزئة إثبات إعسار المدين في الدعوى البوليصية ولكن تجزئة الإثبات إذا لم يقم بها الشارع نفسه يجوز أن تضطلع بها المحكمة نزولاً على حكم الواقع وأعمالاً لسلطتها في استنباط القرائن القضائية كما تقدم. فاذا أثبت الدائن الديون المستحقة على المدين، ولم تكن للمدين أموال ظاهرة تفي بهذه الديون، جاز للمحكمة أن تستنبط من ذلك رجحان إعساره وأن تكلفة ترجيح العكس ببيان أموال له تفي بسداد تلك الديون، دون حاجة بها إلى أن تستند في ذلك إلى نص خاص.

 (ب) طلب المدين نفسه شهر إعساره :

قد توجد للمدين مصلحة في شهر إعساره ، وذلك في الحالة التي تتعدد فيها ديونه ويلح الدائنون عليه في طلبها أو يحجزون على إيراداته كلها فيحرمونه مما يلزم لنفقته ، فتكون مصلحته من شهر إعساره هي أن يحصل على آجال لديونه الحالة إذا كانت ظروفه تسمح بمنحه هذه الآجال ( المادة 355 فقرة ثانية)، أو أن يحصل على تقرير نفقة له تقتطع من إيراداته المحجوز عليها ليستطيع أن يعيش منها إلى أن تتم تصفية أمواله ( المادة 259).

حينئذ يجوز للمدين أن يتقدم هو إلى المحكمة بطلب شهر إعساره، ويكون هو في هذه الحالة مدعياً في دعوى شهر الإعسار، ويختصم فيها دائنيه، فيكونون هم المدعى عليهم، ويغلب أن يتقدم المدين بهذا الطلب في دعوى يرفعها عليه أحد دائنيه مطالباً اياه بالدين فيدعى المدين إعساره ويطلب شهر هذا الاعسار بدعوى فرعية يكون هو مدعياً فيها.

ويترتب على ذلك أن يقع على المدين وفقاً للقواعد العامة - باعتباره مدعياً إثبات إعساره فيجب عليه أن يثبت أمرين ليسا في صالحه وهما وجود ديون مستحقة عليه وعدم وجود أموال له تفي بهذه الديون، فيكتفي منه في ذلك بإقراره بهذين الأمرين. ويتعين على الدائن الذي ينازع في صحة هذا الإقرار أن يثبت كذبه، فيثبت أن الديون التي أقر بها المدين ليست كلها أو بعضها ديوناً حقيقية أو ليست بعد مستحقة الأداء أو أنها سبق الوفاء بها، أو يثبت أن للمدين أموالاً أخرى غير ما أقر به وأن مجموع أمواله يفي بديونه المستحقة.

نصت المادة 250 في نهايتها على أن تنظر دعوى شهر الإعسار على وجه السرعة.

وكان يترتب على ذلك وفقاً لأحكام قانون المرافعات السابق أن يكتفي في صحيفتها ببيان موضوعها وطلبات المدعى فيها بإيجاز ( المادة 63 مرافعات )۰

ويترتب على ذلك أيضاً أن تقدم المحكمة نظر هذه الدعوى على غيرها من الدعاوى العادية، وأن لا يقبل فيها طلب التأجيل إلا عند الضرورة ولأجل قريب .

وكان مقتضى نظر دعوى الإعسار على وجه السرعة أن يكون الحكم الذي يصدر فيها غير قابل للمعارضة وفقاً للقواعد العامة في المرافعات، ولكن المادة 252 مدنی قد نصت على جواز المعارضة في الأحكام الصادرة في شأن الإعسار، فيعتبر ذلك استثناء من حكم قانون المرافعات وقد جعلت هذه المادة ميعاد المعارضة ثمانية أيام فقط تبدأ من تاريخ إعلان تلك الأحكام وكذلك نصت على جعل ميعاد الاستئناف خمسة عشر يوماً فقط من تاريخ إعلان الحكم. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 399)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة / 251

إِعْسَارُ الْمَدِينِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. وَهَلْ يُحْبَسُ بِذَلِكَ أَمْ لاَ ؟

15 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي فَطَلَبَ مِنَ الْقَاضِي حَبْسَ الْمَدِينِ، أَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ، لأِنَّهُ ظَهَرَ ظُلْمُهُ.

لِلْحَدِيثِ «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». وَالْعُقُوبَةُ الْحَبْسُ.

فَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ غَرِيمَهُ مُعْسِرٌ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، لأِنَّهُ اسْتَحَقَّ الإْنْظَارَ بِالنَّصِّ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنَ الْمُلاَزَمَةِ. وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: هُوَ مُوسِرٌ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ يَسَارَهُ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ مَالٍ كَالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ، أَوِ الْتَزَمَهُ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ حَبَسَهُ، لأِنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَالْتِزَامُهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَلاَ يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ، لأِنَّهُ الأْصْلُ، وَذَلِكَ مِثْلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَنَفَقَةِ الأْقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، إِلاَّ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ مَالاً فَيَحْبِسُهُ، لأِنَّهُ ظَالِمٌ. فَإِذَا حَبَسَهُ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالٌ لَهُ أَظْهَرَهُ، وَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ، خَلَّى سَبِيلَهُ، لأِنَّ الظَّاهِرَ إِعْسَارُهُ فَيَسْتَحِقُّ الإْنْظَارَ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِإِعْسَارِهِ. وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الإْعْسَارِ بَعْدَ الْحَبْسِ بِالإْجْمَاعِ وَقَبْلَهُ لاَ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعْدَ الْحَبْسِ قَرِينَةً، وَهُوَ تَحَمُّلُ شِدَّةِ الْحَبْسِ وَمَضَايِقِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ إِعْسَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ أَبَدًا حَبَسَهُ لِظُلْمِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ، قِيلَ: شَهْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ، وَبَعْضُهُمْ بِأَرْبَعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِسِتَّةٍ. وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي احْتِمَالِ الْحَبْسِ، وَيَتَفَاوَتُونَ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُحْبَسُ الْمَدِينُ الْمَجْهُولُ إِذَا ادَّعَى الْعُدْمَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ بِإِثْبَاتٍ، وَمَحَلُّ حَبْسِهِ مَا لَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ وَالتَّأْخِيرَ إِلَى إِثْبَاتِ عُسْرِهِ، وَإِلاَّ أُخِّرَ مَعَ كَفَالَةِ كَفِيلٍ وَلَوْ بِالنَّفْسِ، وَيُحْبَسُ إِنْ جُهِلَ حَالُهُ إِلَى أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْحَمِيلُ (الْكَفِيلُ) غَرِمَ مَا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ.

وَثُبُوتُ عُسْرِهِ يَكُونُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا لاَ يَعْرِفَانِ لَهُ مَالاً ظَاهِرًا وَلاَ بَاطِنًا، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ عَلَى الْبَتِّ، وَيَزِيدُ فِي مِينِهِ: وَإِنْ وَجَدْتُ الْمَالَ لأََقْضِيَنَّهُ عَاجِلاً، وَإِنْ كُنْتُ مُسَافِرًا عَجَّلْتُ الأْوْبَةَ (الإْيَابَ). وَبَعْدَ الْحَلِفِ يَجِبُ إِطْلاَقُهُ وَإِنْظَارُهُ، لقوله تعالي : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ.

فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَطَالَ حَبْسُهُ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ، لَكِنْ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لاَ مَالَ عِنْدَهُ.

وَلاَ حَبَسَ عَلَى مُعْدَمٍ ثَابِتِ الْعُدْمِ، لِلآْيَةِ الْمَذْكُورَةِ، لأِنَّ حَبْسَهُ لاَ يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ يُوصِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وُفِّيَ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِقَوْلِهِ  عليه السلام (فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ).

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِيعَ مَا ظَهَرَ لَهُ وَدُفِعَ وَلَمْ يُحْبَسْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُبِسَ وَبِيعَ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ عُسْرَهُ قُبِلَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ، لِقَوْلِهِ غز وجل وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).  وَأُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَأُخَلِّيهِ، وَمَنَعْتُ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ، حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَدْ أَفَادَ مَالاً، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي يَدِهِ مَالاً سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ مُضَارَبَةٌ قُبِلَتْ مَعَ يَمِينِهِ، وَلاَ غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُ، فَمَتَى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا وَصَفْتُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَلاَ يَغْفُلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ فَطُولِبَ بِهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ ظَاهِرٌ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً ظَاهِرًا فَادَّعَى الإْعْسَارَ وَصَدَّقَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يُحْبَسْ وَوَجَبَ إِنْظَارُهُ، وَلَمْ تَجُزْ مُلاَزَمَتُهُ، لقوله تعالي  وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)  وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ: (خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ).

وَلأِنَّ الْحَبْسَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لإِثْبَاتِ عُسْرَتِهِ أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَعُسْرَتُهُ ثَابِتَةٌ، وَالْقَضَاءُ مُتَعَذِّرٌ، فَلاَ فَائِدَةَ فِي الْحَبْسِ. وَإِنْ كَذَّبَهُ غَرِيمُهُ فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عُرِفَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ لِكَوْنِ الدَّيْنِ ثَبَتَ عَنْ مُعَاوَضَةٍ، كَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ أَصْلُ مَالٍ سِوَى هَذَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ غَرِيمِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ ذُو مَالٍ حُبِسَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِإِعْسَارِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الأْمْصَارِ وَقُضَاتِهِمْ يَرَوْنَ الْحَبْسَ فِي الدَّيْنِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس عشر ، الصفحة /  310

الْحَبْسُ لِلتَّفْلِيسِ :

83 - يَشْتَرِكُ الْمُفْلِسُ مَعَ الْمَدِينِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأْحْكَامِ  الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَيَفْتَرِقُ عَنْهُ - بِحَسَبِ مَا ذَكَرُوهُ - فِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَدَخَّلُ لِشَهْرِ الْمُفْلِسِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِعْلاَنِ عَجْزِهِ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ الْمُتَبَقِّي لِغُرَمَائِهِ.

وَلاَ يُحْبَسُ الْمُعْسِرُ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ ذَلِكَ لقوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

وَإِذَا كَانَ الْمُفْلِسُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ غِنَاهُ أَوْ فَقْرُهُ حُبِسَ بِطَلَبٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ بِوَجْهٍ أَوْ بِمَالٍ حَتَّى تَزُولَ الْجَهَالَةُ. وَقَالُوا: إِذَا أَخْبَرَ بِإِعْسَارِهِ وَاحِدٌ مِنَ الثِّقَاتِ أُخْرِجَ مِنْ حَبْسِهِ.

وَإِذَا حُبِسَ الْمُفْلِسُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ وَظَهَرَ أَنَّ لَهُ مَالاً، أَوْ عُرِفَ مَكَانُهُ أُمِرَ بِالْوَفَاءِ. فَإِنْ أَبَى أُبْقِيَ فِي الْحَبْسِ - بِطَلَبِ غَرِيمِهِ - حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ بَيْعِ مَالِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَضَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَبْسِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ حَبْسِهِ لإِجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْحَاكِمَ لاَ يُجِيبُ الْغُرَمَاءَ إِلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَعُرُوضِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تَخْسَرَ عَلَيْهِ وَيَتَضَرَّرَ. بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ بِجِنْسِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيُؤَبِّدُ حَبْسَهُ لِحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».

وَإِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ أَوِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وُجُودِ مَالٍ لِلْمَدِينِ الْمُفْلِسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ حُبِسَ حَتَّى يُظْهِرَهُ إِنْ طَلَبَ غَرِيمُهُ ذَلِكَ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِلْحَدِيثِ الآْنِفِ ذِكْرُهُ.

حَبْسُ الْمُفْلِسِ بِطَلَبِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ :

84 - إِنْ طَلَبَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ حَبْسَ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ وَأَبَى بَعْضُهُمْ حُبِسَ وَلَوْ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ أَرَادَ الَّذِينَ لَمْ يَحْبِسُوا مُحَاصَّةَ الْحَابِسِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَلَهُمْ أَيْضًا إِبْقَاءُ حِصَصِهِمْ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ. وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ الْحَابِسِ إِلاَّ حِصَّتُهُ.