مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 671
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 338 من المشروع فوافقت اللجنة عليها دون تعديل .
وقدمت في المشروع النهائي تحت رقم 265 بالصيغة الآتية :
وعلى كتب المحكمة أن يقيد الأحكام الصادرة بشهر الإعسار يوماً فيوماً في سجل عام يرتب بحسب أسماء المعسرين، وأن يؤشر في هامش القيد المذكور بكل حكم يصدر بتأييد حكم سابق أو بإلغائه.
- وعليه أيضاً أن يرسل إلى قلم كتاب محكمة مصر صورة الأحكام لقيدها في سجل عام ينظم وفقاً لقرار يصدر من وزير العدل.
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 265.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الرابعة والعشرين
تليت المادة 265 ورأى وجوب أن يكون تسجيل صحيفة الدعوى وقيد الحكم في محكمة واحدة ووجوب البدء بالكلام على تسجيل صحيفة الدعوى طبقاً للترتيب الطبيعي ولذلك وافقت اللجنة على استبدال النص الآتي بنص المادة 265 ووافقت الحكومة على ذلك :
1- على كاتب المحكمة في اليوم الذي تقيد فيه دعوى الإعسار أن يسجل صحيفتها في سجل خاص يرتب بحسب أسماء المعسرين وعليه أن يؤشر في هامش التسجيل المذكور بالحكم الصادر في الدعوى وبكل حكم يصدر بتأييده أو بإلغائه وذلك كله يوم صدور الحكم.
2- وعلى الكاتب أيضاً أن يرسل إلى قلم كتاب محكمة مصر صورة من هذه التسجيلات والتأشيرات لإثباتها في سجل عام.
تقرير اللجنة :
عدلت الفقرة الأولى من هذه المادة فنص على تكليف كاتب المحكمة أن يسجل صحيفتها في يوم قيد الدعوى وأن يؤشر في هامش التسجيل بالحكم الصادر في الدعوى وبكل ما يصدر بعد ذلك من أحكام بالتأييد أو الإلغاء.
وقد روى أن تسجيل الصحيفة إجراء تستلزمه حماية مصالح الغير.
وأصبح رقم المادة 252 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.
يترتب على الحكم بشهر الإعسار أن يحل كل ما في ذمة المدين من ديون مؤجلة، ويشترط في هذا الحكم أن يكون نهائياً انقضت عليه مدة المعارضة إن كان غيابياً وهي ثمانية أيام من تاريخ إعلانه، أو مدة الاستئناف أن كان حضورياً وهي خمسة عشر يوماً من تاريخ الإعلان، أو يكون الحكم صادراً في الاستئناف المرفوع عنه وذلك على نحو ما أوضحناه بالمادة 252 مدنی .
ومتى حلت الديون المؤجلة، بصيرورة الحكم نهائياً، كان لأصحابها التنفيذ بها على أموال المعسر مشاركين باقي الدائنين فتقسم بينهم قسمة غرماء، ولكن لا ينفذ صاحب الدين المؤجل الذي حل بكل دينه بل بالقدر الباقي بعد استنزال الفوائد الاتفاقية إن وجدت، فإن لم تكن هنالك فوائد تم استنزال الفوائد القانونية من المبلغ بسعر 4% أو 5% حسب ما إذا كان الدين مدنياً أم تجارياً.
وللمدين أثناء نظر الدعوى، ابتدائياً أو استئنافياً، أن يطلب من المحكمة، وفي مواجهة ذوى الشأن من دائنيه، مد الأجل بالنسبة للديون الحالة وكذلك إبقاء الأجل أو مدة بالنسبة للديون المؤجلة إن وجدت حتى يتفادى صدور الحكم باشهار إعساره، وهذا تطبيق لنظرة الميسرة المنصوص عليها في المادة 346 مدنی، ويجب على المدين أن يقدم تبريراً لطلباتنه كأن يوضح أن أمواله إذا أرجى التنفيذ عليها سوف ترتفع قيمتها مما يتمكن معه من الوفاء بديونه، ومتى تحققت المحكمة من ذلك، ولها الاستعانة بأهل الخبرة، أجابت المدين لطلبه مادام أن هذا التأجيل لن يضر بالدائنين ضرراً كبيراً.
ويخضع شهر دعوى الإعسار والحكم الصادر فيها لنظام القيد في سجل الإعسار بالمحكمة الابتدائية الكائن بها موطن المدين، ويترتب على هذا القيد قيام قرينة قانونية قاطعة بتحقق علم الكافة بالحالة المدنية للمدين، وتنقل بيانات هذا السجل إلى السجل العام الخاص بالإعسار بمحكمة القاهرة تيسيراً للتحقق من حالة المدينين. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع الصفحة/ 612)
كفل القانون العلانية للحكم الصادر بشهر الإعسار عن طريقين : ( 1 ) طريق قلم كتاب المحكمة الابتدائية التى أصدرت الحكم بشهر الإعسار ، وهذه هى الجهة المحلية للإعلان عن الحكم . ( 2 ) طريق قلم كتاب محكمة مصر الابتدائية ، وهذه هى الجهة المركزية الرئيسية للإعلان عن الحكم .
أما عن الجنة المحلية ، فقد قضت المادة 253 مدنى، كما رأينا، بأن كاتب المحكمة الابتدائية التي رفعت أمامها دعوى شهر الإعسار ينظم سجلاً خاصاً مرتباً بحسب أسماء المعسرين حتى يتيسر البحث فيه، وعليه، بعد أن تقيد دعوى الإعسار، أن يسجل صحيفة الدعوى فى هذا السجل الخاص، تحت اسم المدين المطلوب شهر إعساره ومتى صدر الحكم فى الدعوى، أشر يوم صدوره، فى هامش التسجيل المذكور، بالحكم الصادر وإذا طعن فى الحكم بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض أو التماس إعادة النظر أو اعتراض الخارج عن الخصومة، أشر، فى هامش التسجيل أيضاً، بالحكم الصادر فى الطعن المذكور بالتأييد أو بالإلغاء، ويكون ذلك يوم صدور الحكم وبذلك تجتمع فى هذا السجل الخاص، تحت اسم كل مدين رفعت عليه دعوى شهر الإعسار، صورة كاملة عن تاريخ رفع الدعوى وصحيفتها وعما صدر من الأحكام فيها فيستطيع كل ذى شأن أن يعرف، من واقع هذا السجل الخاص، حالة المدين وعما إذا كانت دعوى الإعسار قد رفعت عليه وبماذا حكم فى هذه الدعوى، فيتبين الحالة على حقيقتها .( الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني، المجلد/ الثاني، الصفحة/ 1586)
عنى المشرع بأن يحيط حالة الإعسار بعلانية كافية. وقد أراد بذلك أن يكفل علم الدائنين بإعسار مدينهم فلا يتأخر أحدهم عن الاشتراك في التنفيذ بسبب جهله بأحوال مدينه وأراد بذلك أيضاً أن يكفل وسيلة العلم للغير، فلا يقبل ممن يتعامل مع المعسر أن يعتذر بجهله.
وقد نص المشرع على نوعين من العلانية: علانية محلية في محكمة موطن المدين، وعلانية عامة في محكمة القاهرة الابتدائية. وهذه هي الجهة المركزية الرئيسية للإعلان عن الحكم .
وحتى الآن لم يصدر قرار وزير العدل بتنظيم هذا السجل العام.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد ثمة وسائل أخرى تكفل علانية حكم شهر الإعسار. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث، الصفحة/ 777)
ونظراً لأهمية حكم شهر الاعسار بالنسبة الى الدائنين والی المتعاملين مع المدين، رأى المشرع ضرورة تمكين كل من يهمه الأمر من العلم برفع دعوى شهر الاعسار والحكم الذي يصدر فيها وبكل تعديل ط يطرأ عليه، فوضع لذلك نظاماً يكفل علانية هذه الأمور، ونص عليه في المادتين 253 و 254 مدنی ويلخص هذا النظام فيما يأتي :
1) إعداد سجل خاص في قلم كتاب كل محكمة ابتدائية تسجل فيه صحائف دعاوی الإعسار مرتبة بحسب أسماء المعسرين وقد أوجبت المادة 253 على كاتب المحكمة إجراء هذا التسجيل من تلقاء نفسه في اليوم ذاته الذي تقيد فيه دعوى الاعسار كما أوجبت عليه أن يقوم بمجرد صدور الحكم في الدعوى بالتأشير به على هامش تسجيل صحيفة الدعوى، وأن يؤشر أيضاً بكل حكم يصدر بتأييد الحكم المذكور أو بإلغائه ، وذلك كله يوم صدور كل من هذه الأحكام .
فإذا نقل المدين موطنه من دائرة المحكمة التي رفعت إليها دعوی إعساره إلى دائرة محكمة أخرى، أوجبت المادة 254 عليه أن يخطر بذلك كاتب المحكمة التي يتبعها موطنه السابق كما أوجبت على هذا الكاتب بمجرد علمه بتغيير الموطن، سواء أخطره المدين أو علم ذلك من أي طريق آخر، أن يرسل على نفقة المدين صورة من حكم شهر الإعسار ومن البيانات المؤشر بها في هامش التسجيل إلى المحكمة التي يتبعها الموطن الجديد لتقوم بقيدها في سجلاتها والغرض من ذلك تمكين من يتعاملون مع المدين في موطنه الجديد، وبخاصة إذا كانوا لا يعلمون موطنه السابق، من الإحاطة بمركزه من حيث الإعسار أو عدمه بالكشف عن ذلك في سجل الإعسار الموجود بمحكمة الموطن الجديد .
2) تركيز التسجيلات الخاصة بالإعسار بالنسبة إلى جميع سكان الدولة في سجل عام يمسك بقلم کتاب محكمة مصر ويصدر بتنظيمه قرار من وزير العدل، وذلك بإلزام كاتب كل محكمة ابتدائية بأن يرسل إلى قلم كتاب محكمة مصر صورة من التسجيلات والتأشيرات الواردة يسجل محكمته لإثباتها في السجل العام بمحكمة مصر.
وهكذا يستطيع من يهمه الأمر أن يكشف عن حالة المدين من حيث إعساره أما في السجل الخاص بمحكمة آخر موطن للمدين، وأما في السجل العام بمحكمة مصر هذا إذا تمت إجراءات التسجيل والتأشير والتبليغ وفقاً للأحكام التي قررتها المادتان 253 و 254، ونحن نرى أنه لكى يتم ذلك على الوجه الذي يحقق الغرض منه لا بد أولاً من صدور قرار وزير العدل بتنظيم مسك السجل العام بمحكمة مصر الابتدائية، ولا بد أيضاً من فرض جزاءات على مخالفة الواجبات التي قررتها المادتان المتقدم ذكرهما على عاتق المدين وعلى عاتق كتبة المحاكم .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 405)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 134
تَوْثِيقٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّوْثِيقُ لُغَةً: مَصْدَرُ وَثَّقَ الشَّيْءَ إِذَا أَحْكَمَهُ وَثَبَّتَهُ، وَثُلاَثِيُّهُ وَثُقَ. يُقَالُ وَثُقَ الشَّيْءُ وَثَاقَةً: قَوِيَ وَثَبَتَ وَصَارَ مُحْكَمًا.
وَالْوَثِيقَةُ مَا يُحْكَمُ بِهِ الأْمْرُ، وَالْوَثِيقَةُ: الصَّكُّ بِالدَّيْنِ أَوِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَالْمُسْتَنَدُ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى وَالْجَمْعُ وَثَائِقُ. وَالْمُوَثِّقُ مَنْ يُوَثِّقُ الْعُقُودَ، وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّزْكِيَةُ وَالتَّعْدِيلُ:
التَّزْكِيَةُ:
2 - التَّزْكِيَةُ: الْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ، يُقَالُ: زَكَّى فُلاَنٌ بَيِّنَتَهُ أَيْ مَدَحَهَا، وَتَزْكِيَةُ الرَّجُلِ نِسْبَتُهُ إِلَى الزَّكَاءِ وَهُوَ الصَّلاَحُ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الإْخْبَارُ بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ.
وَالتَّعْدِيلُ مِثْلُهُ وَهُوَ نِسْبَةُ الشَّاهِدِ إِلَى الْعَدَالَةِ
فَالتَّزْكِيَةُ وَالتَّعْدِيلُ تَوْثِيقٌ لِلأْشْخَاصِ لِيُؤْخَذَ بِأَقْوَالِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّوْثِيقُ أَعَمُّ لأِنَّهُ يَشْمَلُ التَّزْكِيَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ وَغَيْرِهِمَا.
الْبَيِّنَةُ:
3 - الْبَيِّنَةُ مِنْ بَانَ الشَّيْءُ إِذَا ظَهَرَ، وَأَبَنْتُهُ: أَظْهَرْتُهُ، وَالْبَيِّنَةُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم الشُّهُودَ بَيِّنَةً لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الإْشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّوْثِيقُ أَعَمُّ مِنَ الْبَيِّنَةِ لأِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْبَيِّنَةَ وَالرَّهْنَ وَالْكَفَالَةَ.
التَّسْجِيلُ:
4 - هُوَ الإْثْبَاتُ فِي السِّجِلِّ وَهُوَ كِتَابُ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ.
وَفِي الدُّرَرِ: الْمَحْضَرُ: مَا كُتِبَ فِيهِ مَا جَرَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ إِنْكَارٍ وَالْحُكْمِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الاِشْتِبَاهَ، وَالصَّكُّ: مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالإْقْرَارُ وَغَيْرُهَا. وَالْحُجَّةُ وَالْوَثِيقَةُ يَتَنَاوَلاَنِ الثَّلاَثَةَ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمَحَاضِرُ: مَا يُكْتَبُ فِيهَا قِصَّةُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ عِنْدَ حُضُورِهِمَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا وَمَا أَظْهَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حُجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ وَلاَ حُكْمٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَالسِّجِلاَّتُ: الْكُتُبُ الَّتِي تَجْمَعُ الْمَحَاضِرَ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ وَإِمْضَائِهِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّسْجِيلُ هُوَ إِثْبَاتُ الأْحْكَامِ الَّتِي يَص ْدُرُهَا الْقَاضِي وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. فَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْثِيقِ .
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّوْثِيقِ:
5 - فِي التَّوْثِيقِ مَنْفَعَةٌ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: صِيَانَةُ الأْمْوَالِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِصِيَانَتِهَا وَنُهِينَا عَنْ إِضَاعَتِهَا.
وَالثَّانِي: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّ الْوَثِيقَةَ تَصِيرُ حُكْمًا بَيْنَ الْمُتَعَامِلَيْنِ وَيَرْجِعَانِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فَتَكُونُ سَبَبًا لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَلاَ يَجْحَدُ أَحَدُهُمَا حَقَّ صَاحِبِهِ مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ الْوَثِيقَةُ وَتَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَنْفَضِحَ أَمْرُهُ بَيْنَ النَّاسِ.
وَالثَّالِثُ: التَّحَرُّزُ عَنِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ لأِنَّ الْمُتَعَامِلَيْنِ رُبَّمَا لاَ يَهْتَدِيَانِ إِلَى الأْسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ لِيَتَحَرَّزَا عَنْهَا فَيَحْمِلُهُمَا الْكَاتِبُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا رَجَعَا إِلَيْهِ لِيَكْتُبَ.
وَالرَّابِعُ: رَفْعُ الاِرْتِيَابِ فَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى الْمُتَعَامِلَيْنِ إِذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ مِقْدَارُ الْبَدَلِ وَمِقْدَارُ الأْجَلِ فَإِذَا رَجَعَا إِلَى الْوَثِيقَةِ لاَ يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيبَةٌ .
وَهَذِهِ فَوَائِدُ التَّوْثِيقِ بِالتَّسْجِيلِ، وَهُنَاكَ تَوْثِيقٌ بِالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِحِفْظِ الْحَقِّ.
حُكْمُ التَّوْثِيقِ:
6 - تَوْثِيقُ التَّصَرُّفَاتِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لاِحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهِ فِي مُعَامَلاَتِهِمْ خَشْيَةَ جَحْدِ الْحُقُوقِ أَوْ ضَيَاعِهَا.
وَالأْصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّوْثِيقِ مَا وَرَدَ مِنْ نُصُوصٍ، فَفِي مَسَائِلِ الدَّيْنِ جَاءَ قوله تعالي : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهَ وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) .
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأْمْرِ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
7 - الأْوَّلِ: أَنَّ الأْمْرَ لِلنَّدْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الأْمْرَ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ فِي الْمُبَايَعَاتِ وَالْمُدَايَنَاتِ لَمْ يَرِدْ إِلاَّ مَقْرُونًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الأْمْنَ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِحَسَبِ الظَّنِّ وَالتَّوَهُّمِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا أُمِرَ بِهَا لِطُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ لاَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ مَا قَالَ: ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) ، وَلاَ ثِقَةَ بِأَمْنِ الْعِبَادِ، إِنَّمَا الاِعْتِمَادُ عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّرْعُ مَصْلَحَةً، فَالشَّهَادَةُ مَتَى شُرِعَتْ فِي النِّكَاحِ لَمْ تَسْقُطْ بِتَرَاضِيهِمَا وَأَمْنِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الأْمْرَ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ مَنْدُوبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِلطُّمَأْنِينَةِ.
كَذَلِكَ جَاءَقوله تعالي : ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) عَقِبَ قَوْلِهِ: ( وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الرَّهْنَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الشَّهَادَةِ جَازَ تَرْكُ الإْشْهَادِ.
وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . «وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيلَ وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا فَجَحَدَهُ الأْعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي ذَلِكَ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإْشْهَادِ، وَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَرْكَ الإْشْهَادِ»، «وَكَانَ الصَّحَابَةُرضوان الله عليهم يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الأْسْوَاقِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإْشْهَادِ، وَلاَ نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم ».
وَقَدْ نَقَلَتِ الأْمَّةُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ عُقُودَ الْمُدَايَنَاتِ وَالأْشْرِبَةِ وَالْبِيَاعَاتِ فِي أَمْصَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ مَعَ عِلْمِ فُقَهَائِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الإْشْهَادُ وَاجِبًا لَمَا تَرَكُوا النَّكِيرَ عَلَى تَارِكِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْهُ نَدْبًا.
ثُمَّ إِنَّ الْمُبَايَعَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ وَجَبَ الإْشْهَادُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَايَعُونَهُ أَمْضَى إِلَى الْحَرَجِ الْمَحْطُوطِ عَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) .
فَآيَةُ الْمُدَايَنَاتِ الأْمْرُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِلإْرْشَادِ إِلَى حِفْظِ الأْمْوَالِ وَالتَّعْلِيمِ، كَمَا أَمَرَ بِالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو أَيُّوبَ الأْنْصَارِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ، وَجُمْهُورُ الأْمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
الثَّانِي: أَنَّ الأْمْرَ لِلْوُجُوبِ فَالإْشْهَادُ فَرْضٌ لاَزِمٌ يَعْصِي بِتَرْكِهِ لِظَاهِرِ الأْمْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مُحْكَمَةٌ وَمَا فِيهَا نَسْخٌ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالي عنهما إِذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَإِذَا بَاعَ بِنَسِيئَةٍ كَتَبَ وَأَشْهَدَ.
قَالَ بِذَلِكَ الضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ .
8 - وَقَدْ يَكُونُ التَّوْثِيقُ وَاجِبًا بِالاِتِّفَاقِ كَتَوْثِيقِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الإْشْهَادَ فِيهِ وَاجِبٌ سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ كَمَا يَقُولُ الْجُمْهُورُ أَمْ عِنْدَ الدُّخُولِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ - وَالأْصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . فَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ .
9 - وَقَدْ يَكُونُ التَّوْثِيقُ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا، وَذَلِكَ كَالإْشْهَادِ عَلَى الْعَطِيَّةِ لِلأَْوْلاَدِ إِنْ حَصَلَ فِيهَا تَفَاوُتٌ. إِذِ اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَكْرُوهًا وَاعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمُ الآْخَرُ حَرَامًا . وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلاَدِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»، وَفِي لَفْظٍ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» .
10 - وَمَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي حُكْمِ تَوْثِيقِ الْمُعَامَلاَتِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَهُ. يَقُولُ ابْنُ فَرْحُونَ: إِذَا قُلْنَا إِنَّ الإْشْهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الدَّيْنِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ دَعَى إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوِ الْمُتَدَايِنَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ يُقْضَى لَهُ بِهِ عَلَيْهِ إِنْ أَبَاهُ؛ لأِنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لاَ يَأْتَمِنَهُ؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ بَاعَ سِلْعَةً لِغَيْرِهِ الإْشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ؛ لأِنَّ رَبَّ السِّلْعَةِ لَمْ يَرْضَ بِائْتِمَانِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِغَائِبٍ الإْشْهَادُ فِيهِ وَاجِبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ : ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فَأَمَرَ بِالإْشْهَادِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ اللِّعَانُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاِنْقِطَاعِ نَسَبِ الْوَلَدِ .
طُرُقُ التَّوْثِيقِ:
11 - لِلتَّوْثِيقِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ بِعَقْدٍ - وَهُوَ مَا يُسَمَّى عُقُودُ التَّوْثِيقَاتِ - كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ، وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ وَحَقِّ الْحَبْسِ وَالاِحْتِبَاسِ.
وَمِنَ التَّوْثِيقَاتِ مَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِمَالٍ كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِذِمَّةٍ كَالْكَفَالَةِ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ - الْكِتَابَةُ:
12 - كِتَابَةُ الْمُعَامَلاَتِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ وَسِيلَةٌ لِتَوْثِيقِهَا، أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ: ( إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وَقَدْ وَثَّقَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالْكِتَابَةِ فِي مُعَامَلاَتِهِ، فَبَاعَ وَكَتَبَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَثِيقَةُ التَّالِيَةُ:
هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، لاَ دَاءَ، وَلاَ غَائِلَةَ، وَلاَ خِبْثَةَ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْلِمِ.
كَذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالْكِتَابِ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ عُمَّالَهُ مِنَ الأْمَانَةِ وَأَمَرَ بِالْكِتَابِ فِي الصُّلْحِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ . وَالنَّاسُ تَعَامَلُوهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
وَالْمَقْصُودُ بِكِتَابَةِ التَّصَرُّفَاتِ هُوَ إِحْكَامُهَا بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهَا، وَالْفِقْهُ هُوَ الَّذِي رَسَمَ هَذِهِ الشُّرُوطَ، وَعَنْ طَرِيقِهِ يُعْرَفُ مَا يَصِحُّ مِنَ الْوَثَائِقِ وَمَا يَبْطُلُ؛ إِذْ لَيْسَ لِلتَّوْثِيقِ أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْفِقْهِ، وَمَا يُكْتَبُ يُسَمَّى وَثِيقَةً.
لَكِنْ لَيْسَتْ كُلُّ وَثِيقَةٍ تُكْتَبُ بِتَصَرُّفٍ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تُسَمَّى وَثِيقَةً شَرْعًا، إِنَّمَا تُسَمَّى كَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ حَسَبَ الشُّرُوطِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ - فِيمَا يُسَمَّى بِعِلْمِ الشُّرُوطِ - وَمَا لِذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادٍ، وَصِحَّةٍ وَنَفَاذٍ، وَلُزُومٍ؛ لأِنَّ الأْحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعِبَارَاتِ فِي الدَّعَاوَى وَالإْقْرَارَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَاتِّبَاعُ الشُّرُوطِ الَّتِي وَضَعَهَا الْفُقَهَاءُ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ حُقُوقَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. وَالشَّهَادَةُ لاَ تُسْمَعُ إِلاَّ بِمَا فِيهِ . وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا) .
ب - الإْشْهَادُ:
13 - إِشْهَادُ الشُّهُودِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ وَسِيلَةٌ لِتَوْثِيقِهَا، وَاحْتِيَاطٌ لِلْمُتَعَامِلِينَ عِنْدَ التَّجَاحُدِ؛ إِذْ هِيَ إِخْبَارٌ لإِثْبَاتِ حَقٍّ - وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً فِي الأْحْكَامِ لأِنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَالْمُحْتَمَلُ لاَ يَكُونُ حُجَّةً مُلْزِمَةً؛ وَلأِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لاَ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ، فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَهُوَ الْمُعَايَنَةُ، فَالْقَضَاءُ أَوْلَى. لَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا أَمْرٌ لِلأْحْكَامِ بِالْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ. مِنْ ذَلِكَ قوله تعالي : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) .
وَلَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم الشُّهُودَ بَيِّنَةً لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الإْشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَالَ صلي الله عليه وسلم : «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فِي ذَلِكَ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ الْمُنَازَعَاتِ وَالْخُصُومَاتِ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ.
وَالثَّانِي: مَعْنَى إِلْزَامِ الشُّهُودِ حَيْثُ جَعَلَ الشَّرْعُ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً لإِيجَابِ الْقَضَاءِ مَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ إِذَا ظَهَرَ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ؛ لأِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الشَّهَادَةِ لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.
وَالْبَيِّنَاتُ مُرَتَّبَةٌ بِحَسَبِ الْحُقُوقِ الْمَشْهُودِ فِيهَا، وَلاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ؛ إِذْ لاَ يَجُوزُ الشَّهَادَةُ إِلاَّ بِمَا عَلِمَ وَقَطَعَ بِمَعْرِفَتِهِ لاَ بِمَا يَشُكُّ فِيهِ، وَلاَ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَتُهُ .
وَلِبَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَةِ يُنْظَرُ فِي (إِشْهَادٌ - شَهَادَةٌ).
ج - الرَّهْنُ:
14 - الرَّهْنُ وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ، إِذْ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ لِيَسْتَوْفِيَ الدَّائِنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَالأْصْلُ فِيهِقوله تعالي : ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) .
قَالَ الْجَصَّاصُ: يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا عَدِمْتُمِ التَّوَثُّقَ بِالْكِتَابِ وَالإْشْهَادِ، فَالْوَثِيقَةُ بِرِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ، فَأَقَامَ الرَّهْنَ فِي بَابِ التَّوَثُّقِ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ يَصِلُ (الدَّائِنُ) فِيهَا إِلَى التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ وَالإْشْهَادِ مَقَامَهَا ».
وَلأِنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى تَوْثِيقِ الدَّيْنِ عَنْ تَوَاءِ الْحَقِّ (أَيْ هَلاَكِهِ) بِالْجُحُودِ وَالإْنْكَارِ فَكَانَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَبْسُ الْعَيْنِ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا رَهْنًا. إِذِ التَّوْثِيقُ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا كَانَ يَمْلِكُ حَبْسَ الْعَيْنِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ الْمَدِينَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي أَسْرَعِ الأْوْقَاتِ. وَبِالرَّهْنِ يُؤْمَنُ الْجُحُودُ وَالإْنْكَارُ. وَلِذَلِكَ إِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ كَانَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى الْقَاضِي، فَيَبِيعَ عَلَيْهِ الرَّهْنَ وَيُنْصِفَهُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُجِبْهُ الرَّاهِنُ إِلَى ذَلِكَ. وَمِنْ ثَمَّ يَخْتَصُّ الرَّهْنُ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلًّا قَابِلاً لِلْبَيْعِ، فَلاَ يَجُوزُ التَّوْثِيقُ بِرَهْنِ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْجُمْلَةِ.
وَلأِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَبِبَعْضِهِ، فَإِذَا أَدَّى بَعْضَ الدَّيْنِ بَقِيَ الرَّهْنُ جَمِيعُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ؛ لأِنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ.
وَقِيلَ: يَبْقَى مِنَ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنَ الْحَقِّ؛ لأِنَّ جَمِيعَهُ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَبْعَاضُهُ مَحْبُوسَةً بِأَبْعَاضِهِ .
هَذَا وَلِلرَّهْنِ شُرُوطٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَقْبُوضًا وَكَوْنُهُ بِدَيْنٍ لاَزِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (رَهْنٌ).
د - الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ:
15 - الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ قَدْ يُسْتَعْمَلاَنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الضَّمَانُ لِلدَّيْنِ وَالْكَفَالَةُ لِلنَّفْسِ، وَهُمَا مَشْرُوعَانِ لِلتَّوْثِيقِ. إِذْ فِيهِ ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الأْصِيلِ عَلَى وَجْهِ التَّوْثِيقِ، وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأْكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ دِينَارَانِ، قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟ قَالُوا: لاَ، فَتَأَخَّرَ فَقِيلَ: لِمَ لاَ تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: مَا تَنْفَعُهُ صَلاَتِي وَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ إِلاَّ إِنْ قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ. فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم .
وَلأِنَّ الْكَفَالَةَ تُؤَمِّنُ الدَّائِنَ عَنِ التَّوَى بِإِفْلاَسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْدَمَ الْمَضْمُونُ أَوْ غَابَ أَنَّ الضَّامِنَ يَغْرَمُ الْمَالَ. وَإِذَا حَضَرَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ وَهُمَا مُوسِرَانِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لِلطَّالِبِ أَنْ يُطَالِبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لأِنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَمَلَكَ مُطَالَبَتَهُ كَالأْصِيلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ.
وَفِي قَوْلِهِ الآْخَرِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ مَعَ وُجُودِ الأْصِيلِ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ الأْصِيلِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ فَلاَ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنَ الْكَفِيلِ إِلاَّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الأْصِيلِ كَالرَّهْنِ .
هَذَا وَشُرُوطُ الضَّمَانِ وَمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ وَمَا يَصِحُّ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (كَفَالَةٌ وَضَمَانٌ).
هـ - حَقُّ الْحَبْسِ وَالاِحْتِبَاسِ:
16 - لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّوْثِيقِ صِيَانَةَ الْحُقُوقِ وَالاِحْتِيَاطَ؛ لِذَلِكَ كَانَ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ أَنْ يَتَوَثَّقَ لِحَقِّهِ بِحَبْسِ مَا تَحْتَ يَدِهِ لاِسْتِيفَاءِ حَقِّهِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ:
مِنْهَا: حَقُّ احْتِبَاسِ الْمَبِيعِ إِلَى قَبْضِ الثَّمَنِ - يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا فَلَهُ حَبْسُهُمَا إِلَى اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ، وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ، وَلاَ بِالْكَفِيلِ، وَلاَ بِإِبْرَائِهِ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوفِيَ الْبَاقِي.
وَيَنْظُرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (بَيْعٌ وَحَبْسٌ).
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَنَافِعِ إِلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ الأْجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ، وَكَذَلِكَ لِلصَّانِعِ حَقُّ حَبْسِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ إِذَا كَانَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (إِجَارَةٌ وَاسْتِصْنَاعٌ).
وَمِنْ ذَلِكَ حَبْسُ الْمَدِينِ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ، وَمَاطَلَ فِي الأْدَاءِ، وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنَ الْقَاضِي حَبْسَهُ؛ وَلِلدَّائِنِ كَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ؛ لأِنَّ لَهُ وِلاَيَةَ حَبْسِهِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (دَيْنٌ، أَدَاءٌ، وَفَاءٌ).
17 - هَذِهِ هِيَ أَشْهَرُ أَنْوَاعِ التَّوْثِيقِ، وَهُنَاكَ أُمُورٌ أُخْرَى يَكُونُ الْقِيَامُ بِهَا تَوْثِيقًا لِلْحَقِّ وَصِيَانَةً لَهُ. فَكِتَابَةُ الأْحْكَامِ فِي السِّجِلاَّتِ تُعْتَبَرُ تَوْثِيقًا لِهَذِهِ الأْحْكَامِ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمُفْلِسِ تَوْثِيقٌ لِحُقُوقِ الدَّائِنِينَ. وَهَكَذَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (إِفْلاَسٌ، حَجْرٌ، كِتَابَةٌ).
مَا يَدْخُلُهُ التَّوْثِيقُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
18 - كُلُّ تَصَرُّفٍ صَحِيحٍ مُسْتَوْفٍ لِشُرُوطِهِ يَدْخُلُهُ التَّوْثِيقُ إِذْ التَّوْثِيقُ يُؤَكِّدُ الْحُقُوقَ لأِصْحَابِهَا وَيُسَهِّلُ لَهُمُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَالتَّجَاحُدِ يَقُولُ الْجَصَّاصُ فِي قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوه) . فِي الآْيَةِ الأْمْرُ بِالإْشْهَادِ إِذَا صَحَّتِ الْمُدَايَنَةُ.
وقوله تعالس : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) : فِيهِ أَمْرٌ لِمَنْ تَوَلَّى كِتَابَةَ الْوَثَائِقِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَكْتُبَهَا بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ.
وقوله تعالي : ( وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) قَالَ الْجَصَّاصُ: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا بَيَّنَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُدَايَنَاتِ الثَّابِتَةِ الْجَائِزَةِ لِكَيْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَدَايِنَيْنِ مَا قَصَدَ مِنْ تَصْحِيحِ عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ.
أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ فَالأْصْلُ فِيهَا أَنَّ الإْقْدَامَ عَلَيْهَا حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ، وَبِالتَّالِي يَكُونُ تَوْثِيقُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حَرَامًا؛ إِذْ وَسِيلَةُ الشَّيْءِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لاَ فَائِدَةَ مِنْ تَوْثِيقِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ لأِنَّ هَا مَفْسُوخَةٌ شَرْعًا، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُهَا كَمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ .
كَذَلِكَ «أَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنْ يَشْهَدَ عَلَى - تَصَرُّفٍ جَائِرٍ فَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى هِبَةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ ابْنَهُ النُّعْمَانَ لأِنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْعَطِيَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ بَشِيرًا رَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وَيَقُولُ الدُّسُوقِيُّ: الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ إِذَا شُرِطَ فِيهِ رَهْنٌ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي أَوِ الْمُقْتَرِضُ فَإِنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ فَاسِدًا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ لِلرَّاهِنِ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ.
وَإِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ لاَ يَرِدُ إِلاَّ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ أَكْثَرُ مِنْ تَوْثِيقٍ، وَمِنْهَا مَا يُوَثَّقُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ .
يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: مِنَ الْعُقُودِ مَا يَدْخُلُهُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ وَالشَّهَادَةُ، كَالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَمِنْهُ مَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لاَ بِالرَّهْنِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ، جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِهَا، قَالَ: لأِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ - وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ، وَمِنْهُ الْمُسَابَقَةُ إِذَا اسْتَحَقَّ رَهْنَهَا جَازَ الرَّهْنُ وَالضَّمِينُ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَوْ لاَزِمٌ.
وَمِنْهُ مَا يَدْخُلُهُ الضَّمِينُ دُونَ الرَّهْنِ وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرْكِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ .
بُطْلاَنُ التَّوْثِيقِ:
19 - يَبْطُلُ التَّوْثِيقُ بِعِدَّةِ أُمُورٍ مِنْهَا:
أ - إِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ ضِمْنَ تَصَرُّفٍ فَاسِدٍ، إِذْ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ.
وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ حَتَّى لاَ يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ .
ب - إِذَا فُقِدَتْ شُرُوطُ الْوَثَائِقِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. فَفِي الشَّهَادَةِ مَثَلاً تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ وَشَهَادَةُ مَنْ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُ عَنْهَا مَضَرَّةً، وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْمِدْيَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّ الدَّيْنِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (شَهَادَةٌ).
وَفِي الرَّهْنِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحَلًّا قَابِلاً لِلْبَيْعِ وَهُوَ - كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ - أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالاً مُطْلَقًا مُتَقَوِّمًا مَعْلُومًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلاَ مَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ، وَلاَ رَهْنُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلاَ رَهْنُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَالإْحْرَامِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (رَهْنٌ).
وَفِي الْكَفَالَةِ يُشْتَرَطُ فِي الْكَفِيلِ أَوِ الضَّامِنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، فَيَبْطُلُ ضَمَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ - وَأَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ لَهُ مَعْلُومًا لأِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولاً لاَ يَحْصُلُ مَا شُرِعَتْ لَهُ الْكَفَالَةُ وَهُوَ التَّوَثُّقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (كَفَالَةٌ - ضَمَانٌ).
ج - إِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ مُخَالِفًا لأِمْرِ الشَّرْعِ فَإِذَا كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ لاَ يَجُوزُ حَبْسُهُ لقوله تعالي : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .
كَذَلِكَ لاَ يُحْبَسُ الْوَالِدُ بِدَيْنِ الْوَلَدِلقوله تعالي : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وَقَوْلُهُ: ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وَيَقُولُ الدُّسُوقِيُّ: يَبْطُلُ الضَّمَانُ إِذَا كَانَ الْمُتَحَمَّلُ بِهِ فَاسِدًا كَمَا لَوْ كَانَ رِبًا كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: ادْفَعْ لِهَذَا دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ لِشَهْرٍ، أَوِ ادْفَعْ لَهُ دَرَاهِمَ فِي دَنَانِيرَ إِلَى شَهْرٍ، وَأَنَا حَمِيلٌ بِذَلِكَ (أَيْ كَفِيلٌ) فَالْحَمَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلاَ يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ مُطْلَقًا.
وَكَبَيْعِ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لأِجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ، أَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ - عِنْدَ مَنْ يَرَى بُطْلاَنَهُ - فَإِذَا ضَمِنَ ذَلِكَ الثَّمَنَ إِنْسَانٌ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ، وَلاَ يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ.
وَكَمَا إِذَا كَانَتْ الْحَمَالَةُ بِجُعْلٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. لأِنَّ شَرْطَ الْحَمَالَةِ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ، فَإِذَا كَانَتْ بِمُقَابِلٍ لاَ يُعْتَدُّ بِهَا .
د - إِذَا ضَاعَتْ وَثِيقَةُ الْحَقِّ فَصَالَحَ صَاحِبُهَا ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلاَ قِيَامَ (مُطَالَبَةَ) لَهُ بِهَا جَاءَ فِي الدُّسُوقِيِّ: مَنِ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقُّك ثَابِتٌ إِنْ أَتَيْت بِالْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا الْحَقُّ، فَقَالَ الْمُدَّعِي: ضَاعَتْ مِنِّي فَصَالَحَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدُ فَلاَ قِيَامَ لَهُ بِهَا، وَلاَ يُنْقَضُ الصُّلْحُ اتِّفَاقًا؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا صَالَحَ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِ .
انْتِهَاءُ التَّوْثِيقِ:
20 - يَنْتَهِي التَّوْثِيقُ بِانْتِهَاءِ مَا كَانَ سَبَبًا لَهُ وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - احْتِبَاسُ الْمَبِيعِ لأِجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ يَنْتَهِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ.
وَاحْتِبَاسُ الْمَرْهُونِ يَنْقَضِي بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَيَجِبُ فِكَاكُ الرَّهْنِ وَتَسْلِيمُهُ لِلرَّاهِنِ.
وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الاِحْتِبَاسِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِأَدَاءِ مَا كَانَ الاِحْتِبَاسُ لأِجْلِهِ .
ب - كَذَلِكَ يَنْتَهِي التَّوْثِيقُ بِإِبْرَاءِ الدَّائِنِ لِلْمَدِينِ وَبِحَوَالَةِ الْمَدِينِ لِلدَّائِنِ فِي الْجُمْلَةِ .
ج - بِالْفَسْخِ أَوْ بِالْعَزْلِ كَمَا فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ إِذْ لاَ فَائِدَةَ فِي التَّوْثِيقِ .
د - بِبَيْعِ الْوَثِيقَةِ كَالْمَرْهُونِ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ .
هـ - بِالْمُقَاصَّةِ فِي الدُّيُونِ .
و - بِهَلاَكِ الْمَعْقُود عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ إِذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ .
ز - مَوْتُ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
أَثَرُ التَّوْثِيقِ:
21 - أَهَمُّ أَثَرٍ لِلتَّوْثِيقِ صِيَانَةُ الْحُقُوقِ لأَِرْبَابِهَا وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ التَّجَاحُدِ. وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ التَّبَعِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - مَنْعُ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ بِبَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ، وَيُعْتَبَرُ تَصَرُّفًا بَاطِلاً؛ لأِنَّهُ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ - تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ .
ب - ثُبُوتُ وِلاَيَةِ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِمَا عَلَى الأْصِيلِ، فَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَى الأْصِيلِ، وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يُؤَخِّرُ الْكَفِيلُ إِلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إِحْضَارُهُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْمُدَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ لِلْقَاضِي حَبَسَهُ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ لَهُ .
ج - ثُبُوتُ وِلاَيَةِ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ الأْصِيلَ إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَأَدَّى الْكَفِيلُ مَا عَلَى الأْصِيلِ .
د - بَيْعُ الْمَرْهُونِ فِي الرَّهْنِ إِذَا عَجَزَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَنْ وَفَائِهِ .
التَّوْثِيقُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ:
22 - يَقُولُ الْغَزَالِيُّ: الْمَقْبُولُ رِوَايَتُهُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُسْلِمٍ ضَابِطٍ فَلاَ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِمَا يُخَالِفُ هَذِهِ الشُّرُوطَ.
وَيَثْبُتُ ذَلِكَ إِمَّا بِالاِخْتِبَارِ أَوْ بِالتَّزْكِيَةِ.
وَالتَّزْكِيَةُ هِيَ إِخْبَارُ الْعَدْلِ بِالْعَدَالَةِ. وَالأْصْلُ فِي مَرَاتِبِهَا اصْطِلاَحُ الْمُزَكِّي فِي أَلْفَاظِ التَّزْكِيَةِ، وَالأْشْهَرُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَرْفَعَهَا فِي التَّعْدِيلِ: حُجَّةٌ وَثِقَةٌ، وَحَافِظٌ وَضَابِطٌ، وَهِيَ تَوْثِيقٌ لِلْعَدْلِ، ثُمَّ بَعْدَهَا ثَلاَثَةُ أَلْفَاظٍ.
مَأْمُونٌ، صَدُوقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَهَا.. إِلَخْ.
وَمِمَّا يُعْتَبَرُ تَوْثِيقًا: حُكْمُ الْحَاكِمِ وَعَمَلُ الْمُجْتَهِدِ بِرِوَايَتِهِ .
وَيُرْجَعُ إِلَى هَذَا فِي عِلْمِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ، وَالْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.