loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 681

مذكرة المشروع التمهيدي :

عن المادة 344 : يتفرع على قيام حالة الإعسار عدم نفاذ أي تصرف قانوني للمدين، يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في التزاماته، متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار وكذلك يكون الحكم في كل وفاء يقوم به المدين وفي هذا تطبيق عملي لأحكام الدعوى البوليصية في كنف نظام الإعسار القانوني، وهو بعد تطبيق تصيب من ورائه شروط هذه الدعوى قسطاً ملحوظاً من التيسير ذلك أن مشقة إقامة الدليل على الإعسار والتواطؤ تسقط عن عاتق الدائنين، إذ المدين بحكم الحال معسر عالم بحقيقة حاله ولا يرد على هذه القاعدة إلا استثناء واحد، يعرض في النادر حيث يمتنع على الغير العلم بإعسار المدين، من جراء عدم تسجيل حكم إشهار الإعسار في قلم كتاب المحكمة، بسبب تغيير المدين لمحله غشا على أن هذا الاستثناء قاصر على المعارضات، أما ما يصدر عن المدين من التبرعات في حالة الإعسار فلا ينفذ في حق دائنيه، ولو كان من صدر له التبرع حسن النية (المادة 317 فقرة 2 من المشروع ) طبقاً للقواعد العامة في الدعوى البوليصية، وذلك في غير إخلال العقوبة المقررة بمقتضى المادة 348 من المشروع.

عن المادة 345 : أجاز المشروع للمدين ألا ينتظر إجراءات الدائنين، وأن يتقدم فيتولى أمر التصفية من تلقاء نفسه، فله أن يبيع أمواله بموافقة أغلبية من دائنيه تمثل ثلاثة أرباع الديون، على أن يخصص ثمن المبيع الوفاء بديونه، وأن يودعه خزينة المحكمة، إذا لم يتفق الدائنون جميعاً على كيفية توزيع الثمن.

شرح خبراء القانون

بيع المعسر :

أن أهم مزايا شهر إعسار المدين عدم نفاذ تصرفات المدين في ماله. فالمبيع الذي يصدر من المدين المعسر بعد تاريخ تسجيل صحيفة دعوى الإعسار لا يسري في حق الدائنين، وذلك دون حاجة إلى إثبات إعسار المدين فهو ثابت بحكم شهر الإعسار، ودون حاجة إلى إثبات سوء نية المدين أو سوء نية المشتري.

ويلاحظ أن النص هنا لم يشترط، ليكون البيع نافذاً في حق الدائنين، أن يكون مسجلاً قبل تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، فيكفي أن يكون البيع ثابت التاريخ قبل تسجيل صحيفة الدعوى لينفذ في حق الدائنين، ولو سجل بعد تسجيل هذه الصحيفة وهذا بخلاف ما رأيناه في البيع الصادر من المحجوز عليه، فإنه يجب أن يكون مسجلاً قبل تسجيل التنبيه ليكون نافذاً في حق الدائنين.

والبيع الصادر بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار لا يكون باطلاً أو قابلاً للإبطال ، بل هو بيع صحيح نافذ فيما بين البائع والمشتري ، ولكنه لا ينفذ في حق الدائنين ، شأنه شأن البيع الصادر من المحجوز عليه فيما قدمنا فللدائنين أن ينفذوا على العين المبيعة، فيرجع المشتري على المدين بضمان الاستحقاق أو بدعوى الفسخ، وإن كان هذا الرجوع لأي جدي إذ المفروض أن المدين معسر و ذا ترك الدائنون العين دون أن ينفذوا عليها ، بقتي في ملك المشتري، لأن البيع لا يزال قائماً كما قدمنا . وإذا انتهت حالة الإعسار بسبب من أسباب انتهائه، بقى التصرف غير نافذ في حق الدائنين، ولكنه يبقى أيضاً قائماً ما بين المدين والمشتري. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع الصفحة 448)

قبل تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، تنفذ جميع تصرفات المدين في حق الدائنين إلا ما توافرت بالنسبة له شروط الدعوى البوليصية، أما بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، فلا ينفذ في حقهم تصرفات المدين التي من شأنها إنقاص حقوقه وبالتالي إنقاص الضمان العام للدائنين، كالهبة والبيع، أو تلك التي تزيد في التزاماته كالقرض «انظر م 258» كذلك لا ينفذ الوفاء الذي يقوم به المدين سواء كان لدين حال أو مؤجل، ويرى السنهورى أن المقاصة لا تنفذ في حق الدائنين اذا توافرت شروطها بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار لاكتساب الدائنين حقاً في أموال مدینهم، ونرى أن المقاصة وإن انطوت على معنى الوفاء فإنها تنطوي كذلك على معنى الضمان إذ يضمن الدائن بموجبها دينه مقدماً على سائر الدائنين، كما أن المقاصة ليست تصرفاً قانونياً وليست وفاء اختيارياً يقوم به المدين ومن ثم تخرج عن نطاق نص المادة 257 فتسري أحكامها حتى لو تحققت شروطها بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار.

ويكفي لاعتبار تصرف المدين غير نافذ في حق دائنيه، أن يصدر بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، فلا يلزم أن يكون هناك تواطؤ بين المدين والمتصرف إليه ولو كان التصرف معاوضة «م 242» فإن كان التصرف ثابت التاريخ فلا صعوبة في الأمر، أما إن لم يكن ثابت التاريخ، فإن التاريخ العرفي يكون حجة على الدائن ولكن للأخير أن يثبت أن هذا التاريخ قدم إضراراً به وأنه في حقيقته لاحق لتسجيل الصحيفة، وله هذا الاثبات بكافة الطرق ومن بينها البينة والقرائن، ولا يترتب على عدم نفاذ التصرف، بطلان التصرف، فيظل صحيحاً فيما بين المدين والمتصرف إليه، بحيث إذا نفذ الدائنون على محل التصرف فللمتصرف إليه الرجوع على المدين بالضمان، أما إن انتهى التنفيذ دون أن يمس هذا المحل خلص للمتصرف إليه.

ويترتب كذلك على ما تقدم، أن الدائن الذي نشأ حقه من تصرف قانونی فيما بينه وبين المدين بعد تسجيل صحيفة الدعوى، كمقرض، لا يتساوى مع الدائنين السابقين على تسجيل الصحيفة إذ يتقدمه هؤلاء عند توزيع حصيلة التنفيذ وذلك لعدم نفاذ التصرف في حقهم.

ولا يجوز للمتصرف اليه أن يتمسك بحسن نيته، وبالتالي بنفاذ تصرف الدين ، ذلك أن القانون أقام قرينة قانونية قاطعة تدل على توافر علم الكافة بحالة المدين فور تسجيل دعوى الإعسار، بما ينتفي معه حسن نية من تعامل مع المدين .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع، الصفحة/ 621  )

عدم نفاذ تصرفات المدين في حق دائنيه :

هنا نجد مزية من أهم مزايا شهر إعسار المدين . فقد كان الدائنون قبل شهر إعسار مدينهم موكولين إلى الدعوى البوليصية، لا يستطيعون أن يجعلوا تصرفات المدين غير سارية فى حقهم إلا بعد أن يثبتوا أن المدين المعسر قد تصرف غشاً للإضرار بحقوقهم وأن المتصرف له كان أيضاً سيئ النية، إذا كان التصرف معاوضة . أما بعد شهر إعسار المدين ، فكل تصرف يصدر منه من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى ، ويكون من شأنه أن ينقص من حقوقه كالبيع والهبة، أو يزيد فى التزاماته كالقرض، وأى وفاء يقوم به ولو لدين حال ، يكون غير سار فى حق الدائنين، وذلك دون حاجة إلى إثبات إعسار المدين فهو ثابت بشهر الإعسار، ودون حاجة إلى إثبات سوء نية المدين أو سوء نية المتصرف له ولو كان التصرف معاوضة . وهذه الوقاية تفضل العلاج الذي تقدمه الدعوى البوليصية وغنى عن البيان أن أى تصرف يرى به المدين إلى تفضيل دائن على آخر، بالوفاء له قبل حلول دينه أو بعد حلول الدين أو بإعطائه ضماناً لدينه، يكون غير سار فى حق الدائنين الآخرين.

وعدم نفاذ التصرف فى حق الدائنين لا يمنع من أن يبقى التصرف قائماً فيما بين المدين والمتصرف له, فلو نفذ الدائنون على العين المتصرف فيها، كان للمتصرف له الرجوع بالضمان على المدين ولو ترك الدائنون العين دون أن ينفذوا عليها، بقيت فى ملك المتصرف له، لأن التصرف لا يزال قائماً، وإذا انتهت حالة الإعسار بسبب من أسباب انتهائه، بقى التصرف غير نافذ فى حق الدائنين، ولكنه يبقى أيضاً قائماً ما بين المدين والمتصرف له. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/  الثاني، المجلد/ الثاني، الصفحة/ 1593)

لا يسري في حق الدائنين، منذ تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، أي تصرف  للمدين، يكون من شأنه أن ينقص حقوقه كالهبة أو البيع أو إبرائه مديناً له - أو يزيد في التزاماته كقرض يبرمه، وكذلك أي وفاء يقوم به، ولو كان الدین مستحق الأداء، وذلك كل بغير حاجة إلى إثبات غش المدين أو تواطئة مع المستفيد وبذلك يكون المشرع قد أعمل حكم الدعوى البوليصية في كنف الإعسار بعد أن يسر من شروطها. فقد كفل حماية الدائنين من التصرفات الضارة بمجرد تطبيق أحكام الدعوى البوليصية مع تيسير شروطها، دون أن يذهب إلى حد رفع يد المدين عن أمواله. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الثالث، الصفحة/788)

لا يترتب على شهر الإعسار وجوب تصفية أموال المدين تصفية جماعية كما هو الشأن في شهر إفلاس التاجر، فيبقى لكل من الدائنين حقه في اتخاذ إجراءات فردية على أموال المدين وقد نصت المادة 256 فقرة أولى على أن «لا يحول شهر الإعسار دون اتخاذ الدائنين لإجراءات فردية على أموال المدين » . فيجوز لكل منهم أن ينفذ على أي مال للمدين، ولكن يجوز لسائر الدائنين أن يتدخلوا في إجراءات التنفيذ والتوزيع في أي وقت قبل تمامها وأن يأخذوا نصيبهم من الأموال التي توزع، فلا يترتب على شهر الإعسار أى أثر خاص من هذه الناحية، وإنما تترتب عليه آثار في نواح أخرى.

و قد نصت المادة 255 على أنه يترتب على شهر الإعسار إسقاط آجال الديون المؤجلة، ونصت المادة 257 على عدم نفاذ تصرفات المدين اللاحقة لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار، وألحقت بها المادة 256 فقرة ثانية عدم نفاذ الاختصاصات التي يأخذها بعض الدائنين على عقارات المدين بعد تسجيل صحيفة الدعوى المذكورة، وخولت المادة 259 المدين الحق في نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة، ثم نصت المادة 260 على عقاب الدين الذي شهر إعساره إذا ارتكب أعمالاً معينة.

تنص المادة 257 على أنه « متى سجلت صحيفة دعوى الاعسار ،" فلا يسري في حق الدائنين أي تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في التزاماته، كما لا يسري في حقهم أي وفاء يقوم به المدين».

ويقضي هذا النص بعدم نفاذ تصرفات المدين المفقرة له في حق دائنيه بما في ذلك كل وفاء يقوم به سواء قبل استحقاق الدين أو بعده لمجرد وقوع هذه التصرفات بعد تسجيل صحيفة دعوى الإعسار، فهو يهدف إلى تحقيق آثار الدعوى البوليصية من وقت رفع دعوى الإعسار دون حاجة بالدائنين إلى رفع دعوى خاصة بذلك ولا إلى اثباتهم تواطؤ المدين مع المتعاقد معه على الإضرار بهم.

فتصرفات المدين السابقة على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار لا يسري عليها هذا الحكم وتنفذ في حق دائنيه بشرط ثبوت تاريخها قبل التسجيل المذكور ، والا فانها تعتبر لاحقة له ولا تسري في حق الدائنين. والمقصود بالدائنين الذين لا تنفذ في حقهم تصرفات المدين التالية لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار الدائنون ذوو الديون ثابتة التاريخ قبل ذلك التسجيل، لأن من عداهم تعتبر دیونه ناشئة بعد تسجيل دعوى الإعسار وبالتالي تكون هي نفسها غير نافذة ولا يعتد بها فلا يجوز لأصحابها أن يتمسكوا بعدم نفاذ تصرفات المدين التالية للتسجيل المذكور.

ولا يحول عدم نفاذ تصرفات المدين المذكورة في حق دائنيه دون بقائها صحيحة فيما بينه وبين المتصرف إليه، ويترتب على ذلك أنه إذا لم ينفذ الدائنون على المال الذي حصل التصرف فيه، فإن هذا المال يبقى للمتصرف إليه، وإذا نفذوا عليه وفاض من ثمنه شيء فهو أيضاً للمتصرف إليه، ولكن ليس معنى بقائها صحيحة فيما بين المدين والمتصرف إليه أن يجوز للأخير الرجوع على المدين بتعويض عن عدم نفاذها، لأن هذا الرجوع يقتضي مزاحمة المتصرف إليه الدائنين، وهذه المزاحمة تتعارض مع عدم نفاذ التصرف في حقهم، وإنما يجوز للمتصرف إليه هذا الرجوع عندما تنتهي حالة الإعسار.

وقد أوردت المادة 258 استثناء من حكم المادة 257 الخاص بعدم نفاذ تصرفات المدين اللاحقة لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار حيث قررت أن تصرف المدين اللاحق للتسجيل المذكور يمكن أن ينفذ في حق دائنيه ولو تم بغير رضاهم بشرط أن يقوم المشتري بايداع ثمن المثل خزانة المحكمة حتى يوزع وفقاً لإجراءات التوزيع، سواء أكان التصرف حصل بثمن المثل، أم حصل بأقل من ثمن المثل وقبل المشتري أن يودع فوق الثمن الذي اشترى به ما نقص من ثمن المثل. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس، الصفحة/ 407)