مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 685
مذكرة المشروع التمهيدي :
أجاز المشروع تقرير نفقة للمدين إذا أوقع الدائنون حجزاً على إيراده وللمدين الذي أشهر إعساره أن يطلب إلى رئيس المحكمة تقرير نفقة له تقتطع من إيراداته المحجوزة، لا من رأس المال، وليس لهذا الإجراء الإنساني نظير في التقنين الحالي، مع ما ينطوى فيه من معنى البر بالمدين العاثر الجد ويقدم طلب النفقة في صورة عريضة، ويكون التظلم من الأمر الصادر على هذه العريضة بطريق المعارضة أمام المحكمة، وترفع هذه المعارضة في خلال ثلاثة أيام تبدأ من تاريخ صدور الأمر، إن كان المدين هو المتظلم، وتبدأ من تاريخ إعلان هذا الأمر، إن كانت الظلامة صادرة من الدائنين.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 347 من المشروع فوافقت اللجنة عليها دون تعديل .
وقدمت بعد استبدال كلمة «شهر » بكلمة «إشهار».
وأصبح رقمها 271 في المشروع النهائي.
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
وردت في هذه المادة كلمة «المعارضة» في صدد الاعتراض على الأمر الذي يصدره القاضي على العريضة التي يقدمها المعسر للحصول على نفقة وقد استبدلت اللجنة بهذه الكلمة كلمة «التظلم»، تحديداً للمعنى المقصود ودقة في التعبير.
مناقشات المجلس:
وافق المجلس على هذه المادة تحت رقم 271 بالصيغة الآتية :
إذا أوقع الدائنون الحجز على إيرادات المدين كان لرئيس المحكمة المختصة بشهر الإعسار أن يقرر للمدين بناء على عريضة يقدمها نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة ، ويجوز التظلم من الأمر الذي يصدر على هذه العريضة في مدة ثلاثة أيام من تاريخ صدوره إن كان التظلم من الدين، ومن تاريخ إعلان الأمر للدائنين إن كان التظلم منهم.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة كما عدلها مجلس النواب - وأصبح رقمها 259 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة دون تعديل.
إذا أوقع الدائنون الحجز على أموال المدين التي تستغل وينتج عن استغلالها إيراداً، أو على إيرادات المدين، سواء كان الحجز قد توقع عليها لدى المدين نفسه أو لدى الغير، فله أن يتقدم بعريضة إلى رئيس الدائرة بالمحكمة الابتدائية المختصة بشهر إعساره، وهي الكائنة بالمدينة التي يتبعها موطنه طالباً تقرير نفقة وقتية له ولمن يعول من إيراداته المحجوزة، ويصدر رئيس المحكمة الأمر على ذات العريضة بتقدير المبلغ المناسب کنفقة وصرفه للمدين غير مقيد في ذلك بالمبلغ الذي قدره المدين، وله رفض الطلب دون تسبيب، ويكون للمدين والدائنين التظلم من أمر التقدير للمحكمة التي يتبعها القاضي الأمر وهي المحكمة الابتدائية أو لذات القاضی الأمر، وذلك بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى أي بصحيفة تودع قلم الكتاب، ويكون الحكم الصادر في التظلم قابلاً للطعن وفقاً للقواعد العامة، وتبقى النفقة حتى تصفى أموال المدين.
فإن كانت الأموال المحجوزة لا تنتج إيرادات، فلا يجوز بيع بعضها للإنفاق من ثمنها على المدين، إذ أن مناط تقرير نفقة وقتية للمدين أن تكون إرادته قد حجز عليها، وأن هذه الإيرادات - وهي مبالغ نقدية - هي محل النفقة.
ولما كان تقرير هذه النفقة يؤثر في حصيلة التنفيذ، ومن ثم يكون القرار متعلقة بالتنفيذ، وبالتالي يجوز الالتجاء إلى قاضي التنفيذ بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، عندما يتوافر الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، ليقضي بصفة مستعجلة بتقرير نفقة للمدين المحجوز عليه، إذ المقرر أنه إذا انعقد الاختصاص الموضوعي أو الوقتی لجهة قضائية فلا يسلب قاضي الأمور المستعجلة اختصاصه بنظر الشق المستعجل من ذات المسألة متى توافر الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، فإن تعلقت تلك المسألة بالتنفيذ، انعقد الاختصاص بشقها المستعجل لقاضي التنفيذ فينظرها بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، ومن ثم ينعقد له الاختصاص بنظر الدعوى المستعجلة بتقرير نفقة وقتية للمدين المحجوز على إيراداته، لتعلق المنازعة بالتنفيذ لمساسها بحصيلته التي توزع على الدائنين.
والأمر الصادر بتقدير نفقة للمدين، واجب النفاذ فور صدوره بقوة القانون ويعتبر سنداً تنفيذياً، ولا يترتب على رفع التظلم وقف تنفيذه، ولكن يجوز للمتظلم أن يطلب ذلك في صحيفة تظلمه أو اثناء نظر التظلم، ويكون للقاضي أو المحكمة السلطة المطلقة في وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه ما لم يكن التظلم صالحاً للفصل فيه، وحينئذ ينحصر قضاء الحكم في موضوع التظلم دون حاجة للتصدي للشق المستعجل.
ويجب تقديم الأمر للتنفيذ خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره عملاً بالمادة 200 من قانون المرافعات وإلا سقط.
ويحوز الأمر حجية وقتية تبقى ببقاء الظروف التي صدر فيها، بحيث إذا تغيرت، جاز للمدين أن يتقدم بعريضة جديدة لزيادة النفقة، فإذا وافق رئيس المحكمة على ذلك، وتناول تقدير نفقة للمدين، تعين عليه تسبيب الأمر ببيان الظروف التي جدت بعد صدور الأمر الأول وأدت إلى إصدار الأمر الثاني وأن يكون من شأنها إحداث هذا الأثر ومستمدة من المستندات التي طرحت مع العريضة، فإن لم يسبب أمره، كان باطلاً.
التظلم من الأمر الصادر بتقدير نفقة للمدين :
يرفع التظلم من الأمر الصادر على عريضة بتقدير نفقة للمدين العسر، إما إلى رئيس المحكمة الذي أصدر الأمر أو لمن حل محله، وإما لنفس المحكمة التي يتبعها الرئيس الأمر، بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى، أي بصحيفة تودع قلم الكتاب.
ويعتبر الأمر حضورياً بالنسبة للمدين، ومن ثم يبدأ ميعاد التظلم بالنسبة له من تاريخ صدوره ولمدة ثلاثة أيام، أما بالنسبة للدائنين فيكون ميعاد التظلم ثلاثة أيام أيضاً ولكنه يبدأ من تاريخ إعلانهم بالأمر كسند تنفيذي.
ويقتصر الحكم في التظلم على تأييد الأمر أو تعديله أو إلغائه دون أن يمس الموضوع الذي صدر الأمر بمناسبته وهو تقرير النفقة للمدين.
ويجب تسبيب التظلم إسوة بصحف الطعون حتى تقف المحكمة أو الرئيس الأمر، على ما ينعى به المتظلم على الأمر المتظلم منه، وإلا كان التظلم باطلاً .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع الصفحة/ 625)
تقدير نفقة للمدين المعسر :
وهنا تظهر إحدى فوائد شهر الإعسار للمدين المعسر نفسه . فهو، إذا لم يكن قد شهر إعساره، جاز لدائنيه أن يحجزوا على جميع أمواله، فيما عدا الأموال التى لا يجوز الحجز عليها وقد سبق بيانها . أما إذا شهر إعسار المدين، فبالإضافة إلى الأموال التى لا يجوز الحجز عليها وتبقى غير قابلة للحجز بعد شهر الإعسار، يستطيع المدين، إذا كان الدائنون قد أوقعوا الحجز على إيراداته فبقى دون مورد يعيش منه، أن يقدم عريضة لرئيس المحكمة المختصة بشهر الإعسار – أى المحكمة التى بها موطنه – يطلب فيها أن يقرر له نفقة يتقاضها من إيراداته المحجوزة ( م 259 مدنى ) . فإذا قدر له رئيس المحكمة النفقة المطلوبة، بأمر على العريضة التى قدمها، جاز له أن يتظلم من هذا التقدير، إذا رآه غير كاف، إلى المحكمة فى مدة ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، وجاز أيضاً للدائنين أن يتظلموا من التقدير، إذا رأوه مبالغاً فيه، إلى المحكمة فى مدة ثلاثة أيام من تاريخ إعلانهم بأمر التقدير ( م 259 مدنى ) . ويجوز التظلم من كلا الطرفين إلى الآمر نفسه – رئيس المحكمة – أولاً، ويحكم الرئيس فى التظلم على وجه السرعة بتأييد الأمر أو بإلغائه، ويكون حكمه قابلاً لطرق الطعن المقررة للأحكام التى تصدر على وجه السرعة ( م 199 مرافعات ) .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني المجلد/ الثاني، الصفحة/ 1597)
فرض نفقة للمدين من إيراداته المحجوزة :
يمنع المشرع بصفة عامة التنفيذ على بعض أموال المدين الضرورية لمعيشته، فيقرر عدم جواز الحجز عليها. وتكون هذه الأموال غير قابلة للحجز عليها، سواء شهر إعسار المدين أو لم يشهر.
وفضلاً عن ذلك رأى المشرع أن المدين الذي يشهر إعساره وتغل يده عن التصرف في أمواله وتحجز إيراداته يحتاج إلى وقت يكيف فيه معيشته وفقاً للوضع الجديد. وفي هذه الأثناء يحتاج إلى نفقة يقتات بها فأجاز فرض نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة، فمحل فرض هذه النفقة أن تكون للمدين إيرادات محجوزة أو أموال تنتج إيرادات، أما إذا لم يكن له شئ من ذلك فإنه لا يجوز بيع بعض أمواله وفرض نفقه منها.
كيفية فرض النفقة :
تفرض النفقة من رئيس المحكمة المختصة بشهر الإعسار أي رئيس المحكمة الابتدائية الكائن في دائرتها موطن المدين. ويكون ذلك بناء على عريضة يقدمها المدين إلى رئيس المحكمة تراعى فيها الأوضاع المنصوص عليها بالمادة 194 من قانون المرافعات. ويصدر رئيس المحكمة أمره بتقرير النفقة في اليوم التالى لتقديم العريضة على الأكثر (م 195 مرافعات). ولا يتقيد رئيس المحكمة بالنفقة المطلوبة من المدين. كما أن تقرير نفقة للمدين أمر جوازي لرئيس المحكمة. فإذا رفض تقدير النفقة فلا يلزم بتسبيب قراره. ويسقط الأمر الصادر على عريضة إذا لم يقدم للتنفيذ خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره ولا يمنع هذا السقوط من استصدار أمر جديد (م 200 مرافعات).
ولما كان تقرير هذه النفقة يؤثر في حصيلة التنفيذ، ومن ثم يكون قرار فرض النفقة متعلقاً بالتنفيذ وبالتالي يجوز الالتجاء إلى قاضي التنفيذ بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، عندما يتوافر الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، ليقضي بصفة مستعجلة بتقرير نفقة للمدين المحجوز عليه إذ المقرر أنه إذا انعقد الاختصاص الموضوعي أو الوقتي لجهة قضائية فلا يسلب قاضي الأمور المستعجلة اختصاصه بنظر الشق المستعجل من ذات المسألة متى توافر الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، فإن تعلقت تلك المسألة بالتنفيذ، انعقد الاختصاص بشقها المستعجل لقاضي التنفيذ فينظرها بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، ومن ثم ينعقد له الاختصاص بنظر الدعوى المستعجلة بتقرير نفقة وقتية للمدين المحجوز على إيراداته، لتعلق المنازعة بالتنفيذ لمساسها بحصيلته التي توزع على الدائنين .
وأمر تقرير النفقة وقتی مرهون بعدم تغير الظروف التي صدر فيها فإذا تغيرت هذه الظروف جاز للمدين طلب زيادة النفقة وفقاً لما يقدمه من مستندات.
يكون التظلم من الأمر على عريضة الصادر بتقرير النفقة أو برفضه في مدة ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، إن كان التظلم من المدين، ومن تاريخ إعلان الأمر للدائنين إن كان التظلم منهم وهذا الميعاد استثناء من ميعاد التظلم من الأوامر على عرائض المنصوص عليه بالمادة 197 مرافعات.
ويرفع التظلم إلى رئيس المحكمة الذي أصدر الأمر (م 199 مرافعات) أو إلى المحكمة التي يتبعها رئيس المحكمة الأمر (م 197 مرافعات) بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.
ويحكم رئيس المحكمة أو المحكمة في التظلم بتأييد الأمر أو بتعديله أو بإلغائه ويكون حكمه قابلا لطرق الطعن المقررة للأحكام (م 199 مرافعات).(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث الصفحة/ 792)
بعد أن صار تنفيذ ديون المدين يقع في العصر الحديث على أمواله دون شخصه، رأى المشرع رعاية لشخص المدين وحفظاً لمقومات بقائه، أن يمنع التنفيذ على بعض أمواله الضرورية لمعيشته، فقرر عدم جواز الحجز عليها، وتكون هذه الأموال غير قابلة للحجز عليها سواء شهر إعسار المدين أو لم يشهر .
وفوق ذلك رأي المشرع أن المدين الذي يشهر إعساره والذي تغل يده عن التصرف في أمواله وتحجز إيراداته يحتاج إلى وقت يكيف فيه معيشته وفقاً للوضع الجديد، وفي هذه الأثناء يحتاج إلى نفقة يقتات بها، فأجاز في المادة 259 « لرئيس المحكمة المختصة بشهر الاعسار أن يقرر للمدين، بناء على عريضة يقدمها، نفقة يتقاضاها من إيراداته المحجوزة».
فإذا أصدر رئيس المحكمة أمره على العريضة المذكورة بتقدير نفقة معينة للمدين، جاز للأخير أن يتظلم من هذا التقدير إذا رآه غير كاف، وذلك في خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدور الأمر، وجاز للدائنين أيضاً أن يتظلموا من هذا التقدير إذا رأوه مبالغاً فيه وذلك في خلال ثلاثة أيام من تاريخ إعلان أمر التقدير إليهم .
ويكون التظلم إما إلى المحكمة كلها المنظورة أمامها دعوى الإعسار بالطرق المعتادة للدعاوی، وإما إلى الأمر نفسه أي رئيس المحكمة الذي قدر النفقة، وفي هذه الحالة الأخيرة يحكم الأمر في التظلم بتأييد الأمر أو بتعديله أو بإلغائه، ويكون حكمه قابلاً لطرق الطعن المقررة للأحكام ( المادة 199 مرافعات ) .
ويستمر المعسر في تقاضي النفقة التي قدرت له إلى أن تتم تصفية أمواله، وإذا عين المال الذي يتقاضى المعسر نفقته من ريعه، فإن تقرير النفقة لا يمنع من بيع ذلك المال.
تنقضي بانتهاء حالة الإعسار النفقة التي كانت مقررة للمدين من إيراداته المحجوزة في أثناء قيام هذه الحالة، ولو استمرت المحجوز على إيراداته، وذلك لأن المدين قد استرد حرية التصرف وصار يستطيع أن يدبر أمره فلا محل لاستمرار فرض نفقة له .
وكذلك يرتفع عن المدين بانتهاء حالة الإعسار اعتباره أميناً على أمواله لمصلحة دائنيه، فإذا بدد منها شيئاً أو أخفى بعضها أو اصطنع دیوناً، فلا يعاقب بعقوبة التبديد، ولكن يجوز في كل وقت أن يعاد شهر إعساره إذا توافرت أسباب ذلك، وقد يكون في ذلك ما يكفي لردعه عن إتيان مثل هذه الأعمال. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة / 412 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 319
الإْنْفَاقُ عَلَى الْمُفَلِّسِ وَعَلَى عِيَالِهِ مُدَّةَ الْحَجْرِ وَقَبْلَ قِسْمَةِ مَالِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ:
50 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ: يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمُفَلِّسِ عَلَيْهِ - أَيْ عَلَى الْمُفَلِّسِ - بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ أَدْنَى مَا يُنْفِقُ عَلَى مِثْلِهِ، إِلَى أَنْ يُقْسَمَ مَالُهُ. وَذَلِكَ لأِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ مَالِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُ الْمُفَلِّسَ نَفَقَتُهُ، مِنْ زَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْحَجْرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَهَذَا مَا لَمْ يَسْتَغْنِ الْمُفَلِّسُ بِكَسْبٍ حَلاَلٍ لاَئِقٍ بِهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: وَلاَ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَمَلْبُوسِهِ، وَيُقَدَّرُ لَهُ الْمَعْرُوفُ وَالْكَفَافُ.
أَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَا يُتْرَكُ لَهُ مِنَ النَّفَقَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 246
إِعْسَارٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الإْعْسَارُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَعْسَرَ، وَهُوَ ضِدُّ الْيَسَارِ، وَالْعُسْرُ: اسْمُ مَصْدَرٍ وَهُوَ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ وَالصُّعُوبَةُ، قَالَ تَعَالَى : سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا).
وَفِي التَّنْزِيلِ: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)
وَالْعُسْرَةُ: قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ، وَكَذَلِكَ الإْعْسَارُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفَقَةِ، أَوْ أَدَاءُ مَا عَلَيْهِ بِمَالٍ وَلاَ كَسْبَ.
وَقِيلَ: هُوَ زِيَادَةُ خَرْجِهِ عَنْ دَخْلِهِ وَهُمَا تَعْرِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإْفْلاَسُ:
2 - الإْفْلاَسُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الاِنْتِقَالُ مِنْ حَالَةِ الْيُسْرِ إِلَى حَالَةِ الْعُسْرِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الشَّخْصِ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإْعْسَارِ أَنَّ الإْفْلاَسَ لاَ يَنْفَكُّ عَنْ دَيْنٍ، أَمَّا الإْعْسَارُ فَقَدْ يَكُونُ عَنْ دَيْنٍ أَوْ عَنْ قِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ.
ب - الْفَقْرُ:
3 - الْفَقْرُ: لُغَةً الْحَاجَةُ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْفَقِيرَ: بِأَنَّهُ الَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَا يَكْفِيهِ، وَعَرَّفَهُمَا بَعْضُهُمْ بِعَكْسِهِ. هَذَا إِذَا اجْتَمَعَا، كَمَا فِي قوله تعالي( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) أَمَّا إِذَا افْتَرَقَا بِأَنْ ذُكِرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْحَاجَةِ.
مَا يَثْبُتُ بِهِ الإْعْسَارُ:
4 - يَثْبُتُ الإْعْسَارُ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
أ - إِقْرَارُ الْمُسْتَحِقِّ (صَاحِبُ الدَّيْنِ) فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ مَدِينَهُ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمَدِينِ، لأِنَّهُ اسْتَحَقَّ الإْنْظَارَ بِالنَّصِّ.لقوله تعالي وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُلاَزَمَتُهُ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: لاَ يُمْنَعُ مِنْ مُلاَزَمَتِهِ.
ب - وَيَثْبُتُ الإْعْسَارُ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى كَالشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ وَالْقَرَائِنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِثْبَاتٌ).
إِعْسَارُ الْمَدِينِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. وَهَلْ يُحْبَسُ بِذَلِكَ أَمْ لاَ ؟
15 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي فَطَلَبَ مِنَ الْقَاضِي حَبْسَ الْمَدِينِ، أَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ، لأِنَّهُ ظَهَرَ ظُلْمُهُ.
لِلْحَدِيثِ «لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ». وَالْعُقُوبَةُ الْحَبْسُ.
فَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَنَّ غَرِيمَهُ مُعْسِرٌ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، لأِنَّهُ اسْتَحَقَّ الإْنْظَارَ بِالنَّصِّ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنَ الْمُلاَزَمَةِ. وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: هُوَ مُوسِرٌ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا مُعْسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ يَسَارَهُ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَدَلَ مَالٍ كَالثَّمَنِ وَالْقَرْضِ، أَوِ الْتَزَمَهُ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَنَحْوِهِ حَبَسَهُ، لأِنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ، وَالْتِزَامُهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَلاَ يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إِذَا ادَّعَى الْفَقْرَ، لأِنَّهُ الأْصْلُ، وَذَلِكَ مِثْلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَنَفَقَةِ الأْقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ، إِلاَّ أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ لَهُ مَالاً فَيَحْبِسُهُ، لأِنَّهُ ظَالِمٌ. فَإِذَا حَبَسَهُ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالٌ لَهُ أَظْهَرَهُ، وَسَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ، خَلَّى سَبِيلَهُ، لأِنَّ الظَّاهِرَ إِعْسَارُهُ فَيَسْتَحِقُّ الإْنْظَارَ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِإِعْسَارِهِ. وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الإْعْسَارِ بَعْدَ الْحَبْسِ بِالإْجْمَاعِ وَقَبْلَهُ لاَ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وَجَدَ بَعْدَ الْحَبْسِ قَرِينَةً، وَهُوَ تَحَمُّلُ شِدَّةِ الْحَبْسِ وَمَضَايِقِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ إِعْسَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ أَبَدًا حَبَسَهُ لِظُلْمِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ، قِيلَ: شَهْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِشَهْرٍ، وَبَعْضُهُمْ بِأَرْبَعَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِسِتَّةٍ. وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي احْتِمَالِ الْحَبْسِ، وَيَتَفَاوَتُونَ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُحْبَسُ الْمَدِينُ الْمَجْهُولُ إِذَا ادَّعَى الْعُدْمَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ بِإِثْبَاتٍ، وَمَحَلُّ حَبْسِهِ مَا لَمْ يَسْأَلِ الصَّبْرَ وَالتَّأْخِيرَ إِلَى إِثْبَاتِ عُسْرِهِ، وَإِلاَّ أُخِّرَ مَعَ كَفَالَةِ كَفِيلٍ وَلَوْ بِالنَّفْسِ، وَيُحْبَسُ إِنْ جُهِلَ حَالُهُ إِلَى أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْحَمِيلُ (الْكَفِيلُ) غَرِمَ مَا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ.
وَثُبُوتُ عُسْرِهِ يَكُونُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا لاَ يَعْرِفَانِ لَهُ مَالاً ظَاهِرًا وَلاَ بَاطِنًا، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ عَلَى الْبَتِّ، وَيَزِيدُ فِي مِينِهِ: وَإِنْ وَجَدْتُ الْمَالَ لأََقْضِيَنَّهُ عَاجِلاً، وَإِنْ كُنْتُ مُسَافِرًا عَجَّلْتُ الأْوْبَةَ (الإْيَابَ). وَبَعْدَ الْحَلِفِ يَجِبُ إِطْلاَقُهُ وَإِنْظَارُهُ، لقوله تعالي : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ.
فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَطَالَ حَبْسُهُ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ، لَكِنْ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لاَ مَالَ عِنْدَهُ.
وَلاَ حَبَسَ عَلَى مُعْدَمٍ ثَابِتِ الْعُدْمِ، لِلآْيَةِ الْمَذْكُورَةِ، لأِنَّ حَبْسَهُ لاَ يَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ يُوصِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وُفِّيَ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام (فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِيعَ مَا ظَهَرَ لَهُ وَدُفِعَ وَلَمْ يُحْبَسْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُبِسَ وَبِيعَ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ عُسْرَهُ قُبِلَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ، لِقَوْلِهِ غز وجل وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ). وَأُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَأُخَلِّيهِ، وَمَنَعْتُ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ، حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَدْ أَفَادَ مَالاً، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي يَدِهِ مَالاً سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ مُضَارَبَةٌ قُبِلَتْ مَعَ يَمِينِهِ، وَلاَ غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُ، فَمَتَى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا وَصَفْتُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَلاَ يَغْفُلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ فَطُولِبَ بِهِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ، نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ ظَاهِرٌ أَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالاً ظَاهِرًا فَادَّعَى الإْعْسَارَ وَصَدَّقَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يُحْبَسْ وَوَجَبَ إِنْظَارُهُ، وَلَمْ تَجُزْ مُلاَزَمَتُهُ، لقوله تعالي وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم لِغُرَمَاءِ الَّذِي كَثُرَ دَيْنُهُ: (خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ).
وَلأِنَّ الْحَبْسَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لإِثْبَاتِ عُسْرَتِهِ أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَعُسْرَتُهُ ثَابِتَةٌ، وَالْقَضَاءُ مُتَعَذِّرٌ، فَلاَ فَائِدَةَ فِي الْحَبْسِ. وَإِنْ كَذَّبَهُ غَرِيمُهُ فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عُرِفَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ لِكَوْنِ الدَّيْنِ ثَبَتَ عَنْ مُعَاوَضَةٍ، كَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ أَصْلُ مَالٍ سِوَى هَذَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ غَرِيمِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ ذُو مَالٍ حُبِسَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِإِعْسَارِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الأْمْصَارِ وَقُضَاتِهِمْ يَرَوْنَ الْحَبْسَ فِي الدَّيْنِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 310
الْحَبْسُ لِلتَّفْلِيسِ :
83 - يَشْتَرِكُ الْمُفْلِسُ مَعَ الْمَدِينِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأْحْكَامِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَيَفْتَرِقُ عَنْهُ - بِحَسَبِ مَا ذَكَرُوهُ - فِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَدَخَّلُ لِشَهْرِ الْمُفْلِسِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِعْلاَنِ عَجْزِهِ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ الْمُتَبَقِّي لِغُرَمَائِهِ.
وَلاَ يُحْبَسُ الْمُعْسِرُ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ ذَلِكَ لقوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
وَإِذَا كَانَ الْمُفْلِسُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ غِنَاهُ أَوْ فَقْرُهُ حُبِسَ بِطَلَبٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ بِوَجْهٍ أَوْ بِمَالٍ حَتَّى تَزُولَ الْجَهَالَةُ. وَقَالُوا: إِذَا أَخْبَرَ بِإِعْسَارِهِ وَاحِدٌ مِنَ الثِّقَاتِ أُخْرِجَ مِنْ حَبْسِهِ.
وَإِذَا حُبِسَ الْمُفْلِسُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ وَظَهَرَ أَنَّ لَهُ مَالاً، أَوْ عُرِفَ مَكَانُهُ أُمِرَ بِالْوَفَاءِ. فَإِنْ أَبَى أُبْقِيَ فِي الْحَبْسِ - بِطَلَبِ غَرِيمِهِ - حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ بَيْعِ مَالِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَضَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَبْسِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ حَبْسِهِ لإِجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْحَاكِمَ لاَ يُجِيبُ الْغُرَمَاءَ إِلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَعُرُوضِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تَخْسَرَ عَلَيْهِ وَيَتَضَرَّرَ. بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ بِجِنْسِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيُؤَبِّدُ حَبْسَهُ لِحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».
وَإِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ أَوِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وُجُودِ مَالٍ لِلْمَدِينِ الْمُفْلِسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ حُبِسَ حَتَّى يُظْهِرَهُ إِنْ طَلَبَ غَرِيمُهُ ذَلِكَ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِلْحَدِيثِ الآْنِفِ ذِكْرُهُ.
حَبْسُ الْمُفْلِسِ بِطَلَبِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ :
84 - إِنْ طَلَبَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ حَبْسَ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ وَأَبَى بَعْضُهُمْ حُبِسَ وَلَوْ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ أَرَادَ الَّذِينَ لَمْ يَحْبِسُوا مُحَاصَّةَ الْحَابِسِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَلَهُمْ أَيْضًا إِبْقَاءُ حِصَصِهِمْ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ. وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ الْحَابِسِ إِلاَّ حِصَّتُهُ.