مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 12
مذكرة المشروع التمهيدي:
1- يواجه هذا النص حكم التعليق على الشرط الإرادي المحض، ومن المعلوم أن التقنين الفرنسي يفرق بين الشرط الاحتمالي ( وهو ما يتوقف على المصادفات، دون أن يكون رهيناً بمشيئة الدائن أو المدين : (المادة 1169 من التقنين الفرنسي ) والشرط المختلط ( وهو ما یكون رهيناً بمشيئة أحد المتعاقدين ومشيئة أحد الأغيار في آن واحد : المادة 1171 من التقنين الفرنسي ) والشرط الإرادي (وهو ما يعلق تنفيذ التعاقد فيه على أمر موکول تحققه أو تخلفه إلى إرادة أحد المتعاقدين : المادة 1170 من التقنين الفرنسي)، بيد أن المشروع لم ير الأخذ بهذه التفرقة الفقهية في النصوص، بل قصر همه من الناحية التشريعية على بيان حكم الشرط، إذا عيب على نحو يستتبع عدم قيام الالتزام المعلق عليه.
2- ويراعي أن التعليق بالشرط الفاسخ يقع صحيحاً، احتمالية كان الشرط أو مختلطاً أو إرادياً، فالتفرقه التي تقدمت الإشارة إليها تنحصر أهميتها في حدود الشرط الموقف، على أن التعليق بهذا الشرط يقع صحيحاً إذا كان مدلول فعله احتمالياً، أو مختلطاً، أو إذا كان إرادياً من ناحية الدائن، أما إذا كان إرادياً من ناحية المدين فينبغي التفريق بين صورتين : أولاهما، صورة الشرط الإرادي البسيط، وهو ما لا يعقد على وجه التخصيص والافراد مشيئة المدين وحدها، بل يتوقف كذلك على أمور لا يتحكم فيها هذا الدين تحكماً مطلقاً، والتعليق على مثل هذا الشرط يقع صحيحاً أيضاً، والثانية صورة الشرط الارادي المحض، وهو ما يكون رهيناً بمشيئة المدين وحدها، وفي هذه الصورة يكون التعليق معيباً، ولا يقوم الالتزام المعلق مهما تكن طبيعته ( ومع ذلك أنظر المواد 121 - 125 / 112 -116 من التقنين التونسي والمراكشي، والمواد 84 -87 من التقنين اللبناني )، وغني عن البيان أن حكم الصورة الأخيرة هو الحليق وحده بأن يفسح له مكان في نصوص التشريع.
1- إذ كان القانون هو الذى قرر الشرط وعلق عليه حكماً من الأحكام فإنه يعد عنصراً من عناصر الحق ذاته ولا يتصور قيام الحق بدونه ومن ثم لا يوجد الحكم المشروط ولا يثبت الا عند تحقق شرطه أما قبله فلا لأن الأصل أن الأثر لا يسبق المؤثر .
(الطعن رقم 113 لسنة 61 جلسة 1997/05/29 س 48 ع 1 ص 840 ق 164)
2- لما كان مفاد نص المادة 465 من القانون المدنى - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط فى بيع الوفاء الذى يبطله القانون أن تتجه إرادة الطرفين وقت إبرام العقد إلى إحتفاظ البائع بحق إسترداد المبيع خلال مدة معينة فإذا خلا البيع من هذا الشرط الإرادى المحض المتعلق بمطلق إرادة البائع كان العقد صحيحاً ، و لا يغير من ذلك أن يكون معلقا على شرط فاسخ غير متعلق بإرادة البائع أو متعلق بإرادته فى حالة إخلال المشترى بإلتزاماته .
(الطعن رقم 1797 لسنة 50 جلسة 1986/02/17 س 37 ع 1 ص 211 ق 49)
3- الشرط الواقف من شأنه أن يوقف نفاذ الإلتزام إلى أن تتحقق الواقعة فيكون الإلتزام فى فترة التعليق موجوداً ، غير أن وجوده ليس موكداً ، وأحكام هذا الشرط الواقف إنما تقتصر على الشرط الذى ينشأ عن إرادة الملتزم ، أما إذا كان القانون هو الذى فرض الشرط وعلق عليه حكماً من الأحكام فذلك لا يعتبر شرطاً بمعناه الصحيح ، إذ الشرط أمر عارض لا يلحق الحق إلا بعد تكامل عناصره فيضاف إليه ويمكن تصور الحق بدونه ، وذلك بعكس الشرط الذى يكون القانون مصدره ، لأنه فى هذه الحالة يعد عنصراً من عناصر الحق ذاته ولا يتصور قيام الحق بدونه ومن ثم لا يوجد الحكم المشروط ولا يثبت إلاعند تحقق شرطه أما قبل .ذلك فلا يثبت لأن الأصل أن الأثر لا يسبق المؤثر ، لما كان ذلك وكانت موافقة مجلس الوزراء أمر إشترطه القانون رقم 81 لسنة 1976 لإمكان تملك غير المصريين للعقارات المبنية و الأراضى الفضاء فان هذه الموافقة تعد من عناصر الحق ذاته لا يتصور قيامه بدونها . وبالتالى فإنه لا على الحكم المطعون فيه إن هو لم يستجب لطلب الطاعن وقف الدعوى أو تأجليها لحين حصوله على موافقة مجلس الوزراء و تقديمها.
(الطعن رقم 2070 لسنة 51 جلسة 1985/01/24 س 36 ع 1 ص 142 ق 34)
4- من القواعد العامة فى الأوصاف المعدلة لأثر الإلتزام أنه إذا علق الالتزام على شرط هو ألا يقع أمر فى وقت معين ، فإن الشرط يتحقق إذا إنقضى الوقت دون أن يقع هذا الأمر ، وهو يتحقق كذلك قبل انقضاء الوقت إذا أصبح من المؤكد أنه لن يقع ، فإذا لم يحدد وقت فإن الشرط لا يتحقق إلا عندما يصبح مؤكداً عدم وقوع الأمر ، وقد يكون ذلك بإنقضاء مدة طويلة من الزمن يصبح معها عدم وقوعه أمراً يبلغ حد اليقين ، وتقرير ذلك بأدلة تبرره عقلاً مما يدخل فى سلطة محكمةالموضوع ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعنين بأن يؤدوا للمطعون ضده من تركة مورثهم مبلغ ........ على أساس من القول مفادة أنه أعتبر إلتزام مورث الطاعنين بأداء ثلث المبلغ المخصص لتسجيل عقد شرائه معلقاً على شرط واقف هو قيام البائع الأصلى بالتوقيع مباشرة على العقود الخاصة بالمشترين من مورث الطاعنين بحيث تنتفى الحاجة إلى تسجيل عقد شراء هذا الأخير ولا يسجل فعلاً ، وأن هذا الشرط وأن لم يكن قد تحقق فعلا - يعتبر أنه تحقق حكماً بإنقضاء مدة من الزمن رأت المحكمة معها - ومع ما تبين لها من ظروف الإلتزام وملابساته - أن عدم تسجيل عقد المورث أصبح أمراً يبلغ حد اليقين ، فإنه يكون قد صادف صحيح القانون .
(الطعن رقم 679 لسنة 42 جلسة 1976/03/31 س 27 ع 1 ص 838 ق 161)
5- متى كان البيع معلقاً على شرط واقف هو رسو مزاد الأطيان الواردة به على البائع فى جلسة المزايدة أمام المحكمة الشرعية وكان هذا الشرط قد تخلف برسو المزاد فى تلك الجلسة على الطاعن (المشتري) دون البائع فإنه يترتب على ذلك عدم انعقاد البيع واعتباره كأن لم يكن، ولا يعيده إلى الوجود إجازة صاحب المصلحة فى التمسك بإنعدامه ما دام أنه لم ينعقد أصلاً منذ البداية نتيجة لإعمال الأثر الرجعى لتخلف الشرط الواقف ومن ثم فإستلام الطاعن للأطيان محل النزاع وإقراره بشرائها وسداده أغلب ثمنها وتصرفه بالبيع فى جزء منها كل ذلك ليس من شأنه أن يعيد إلى العقد وجوده.
(الطعن رقم 159 لسنة 26 جلسة 1962/01/11 س 13 ع 1 ص 49 ق 6)
تقسيم الشرط من حيث تعلقه بإرادة الطرفين :
جرى الفقه على تقسيم الشرط من حيث تعلقه بإرادة الطرفين، إلى ثلاثة أنواع : شرط احتمالی وشرط مختلط وشرط إرادى.
ونعرض لها فيما يلى
1- الشرط الاحتمالي :
الشرط الاحتمالي هو الذي لا دخل لإرادة الدائن أو المدين في وقوعه.
فيكون المرجع في وقوعه أو عدم وقوعه إلى المصادقات أو إلى إرادة شخص من الغير، كما في الالتزام باستئجار عربة إذا أصبح الجو صحواً وكما لو التزم موظف بأن يؤجر منزله إذا تقرر نقله إلى بلد أخرى وكما لو اتفق في عقد بيع سلعة معينة على فسخ العقد إذا أصدر وزير الاقتصاد قراراً بمنع تصدير تلك السلعة، والشرط الاحتمالي شرط صحيح سواء كان شرطاً واقفاً أو فاسخاً .
2- الشرط المختلط :
الشرط المختلط هو ما يكون تحققه رهناً بإرادة أحد الطرفين ويعامل خارجي في آن واحد کارادة شخص معين من الغير، ومثله الزواج من سيدة معينة، فهذا شرط يتعلق بإرادة من اشترط عليه الزواج وبإرادة من اشترط الزواج منها، وهو شرط صحيح سواء كان شرطاً واقفاً كما لو التزم شخص بهبة آخر مالاً معيناً إذا تزوج من قريبة له، أو كان شرطاً فاسخاً كما لو وهب والد لابنه مالاً على أن تفسخ الهبة إذا تزوج الإبن من سيدة معينة لا يرضى بها الأب زوجة لابنه.
3- الشرط الإرادي :
الشرط الإرادي هو الذي يكون أمر وقوعه رهناً بإرادة أحد الطرفين، فيكون أمراً يستطيع أحد العاقدين أن يحققه أو يمنع تحققه.
والشرط الإرادي نوعان :
شرط إرادي بسيط وشرط إرادي محض.
والشرط الإرادي البسيط هو الذي يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام، دون أن تكون هذه الإرادة مطلقة، بل تتقيد بإرادة أخرى غير معينة أو بظروف اقتصادية أو الاجتماعية أو ملابسات أخرى، كالزواج والنجاح في الامتحان والبيع والحج مثلاً.
ولا ينفى توقفه على إرادة أحد طرفي الالتزام صفة عدم تحقق الوقوع فيه ، ما دامت هذه الإرادة تتقيد بظروف أخري .
أما الشرط الإرادي المحض قير الذي يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام وحدها، أو بعبارة أخرى يتعلق بمحض إرادته.
وهذا الشرط إما أن يتعلق بمحض إرادة الدائن، أو بمحض إرادة المدين.
حكم الشرط الإرادي المحض :
إذا كان الشرط الإرادي المحض يتعلق باردة الدائن فإنه يكون صحيحاً، ويقوم الالتزام معلقاً على إرادة الدائن سواء كان شرطاً واقفاً كالتزام البائع في البيع بشرط التجربة أم كان شرطاً فاسخاً كالتزام المشتري الذي يحتفظ بحق الرجوع في البيع خلال مدة معينة.
أما إذا تعلق الشرط على محض إرادة المدين بحيث يكون وجود الالتزام متوقفاً على هذه الإرادة، فتجب التفرقة بين الشرط الفاسخ و الشرط الواقف.
فإن كان الشرط فاسخاً كالتزام صاحب العمل في عقد العمل تحت الاختيار وقع الشرط صحيحاً، فالالتزام كان قائماً حالاً لأن وجوده لم يعلق على محض إرادة المدين، واستبقي المدين مصيره في سيره إن شاء أبقاه وإن شاء فسخه .
أما إذا كان الشرط المتعلق بإرادة المدين شرطاً واقفاً كأن يلتزم المدين بالإقراض إذا شاء أو إذا وجد ذلك مناسباً له، فإن هذا الشرط يقع باطلاً ومعه الالتزام الذي علق عليه، لأن الشرط هذا محقق الوقوع بمشيئة المدين، وإن شاء جعله يتخلف، ومن هنا يكون الشرط مستحيل الوقوع بمشيئة المدين أيضاً وعليه تكون الرابطة القانونية مختلة منذ البداية وهذا ما نصت عليه المادة يقولها : "لا يكون الإلتزام قائماً إذا علق على شرط واقف يجعل وجود الالتزام متوقفاً على محض إرادة الملتزم".(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع، الصفحة : 22)
الشرط الاحتمالي
هو ما توقف تحققه على محض الصدفة، كظاهر طبيعية قد تقع وقد لا تقع، أو يتوقف على إرادة أحد الأغيار عن الالتزام كأن يعلق البائع التزامه على أن يبيعه شخص آخر عينياً مملوكة له.
والشرط المختلط هو ما يتوقف محققة على إرادة أحد طرفي الالتزام، الدائن أو المدين، وإرادة شخص آخر، كأن يهب الشخص مالاً للدائن إذا تزوج من إمرأة معينة.
والشرط الإرادي، هوما يتوقف تحققه على إرادة أحد طرفي الالتزام وحده ويكون هذا الشرط بسيطاً إذا اقترن بعمل معين، كأن يهب الأب مالاً لإبنه ويشترط عليه الزواج لإستحقاق الهبة.
فإن لم يقترن الشرط الإرادي بعمل معين، كان شرطاً إرادياً محضاً كأن تعلق الهبة على إرادة الدائن وحده، أو تعلق على إرادة المدين وحده.
ويعتبر الشرط صحيحاً سواء كان إحتمالياً أو مختلطاً أو إرادياً بسيطاً سواء تعلق بارادة الدائن أو المدين وسواء كان واقفاً أو فاسخاً۔
أما الشرط الإرادي المحض، فيعتبر صحيحاً إذا كان فاسخاً سواء تعلق بإرادة الدائن أو بارادة المدين إذ يرتب عليه زوال الالتزام، كذلك الحال إذا كان واقفاً وتعلق بارادة الدائن تعليق الهبة على إرادة الموهوب له، فإن الشرط يكون صحيحاً، أما أن كان واقفاً وتعلق بإرادة للدين، كتعليق الهبة على إرادة الواهب فإن الشرط يكون باطلاً وتكون الهبة غير قائمة، إذ للواهب أن يرفض قيام التزامه وفقاً للشرط الإرادي المتعلق به.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار / أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع، الصفحة : 644)
ويتخلص من النصوص المتقدمة الذكر أن للشرط مقومات ثلاثة : (1) فهو أمر مستقبل (2) غير محقق الوقوع (3) وغير مخالف للنظام العام ولا للآداب، وهناك مقوم رابع، هو أن الشرط أمر عارض إضافي يمكن تصور الالتزام بدونه، وهذه ظاهرة عامة في أوصاف الالتزام، ولكنا أثرنا أن نذكرها في الشرط لأهميتها بالنسبة إليه، إذ هي التي تميز بين الحق المشروط والحق الاحتمالي .
ونستعرض الآن هذه المقومات الأربعة .
أمر مستقبل
يجب أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً : يجب أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً، فإذا وعد شخص آخر بجائزة إذا عثر على مال له مفقود، أو وعد أب ولده بجائزة إذا نجح في الإمتحان، أو وعد الأب ابنه بأن يهب له منزلاً إذا تزوج لهيئ له أمر سكناه، فكل من العثور على المال المفقود والنجاح في الإمتحان والزواج أمر مستقبل، ومن ثم كان كل من الالتزام بالجائزة أو الهبة التزاماً معلقاً على شرط، إذ يتوقف وجوده على تحقق هذا الشرط .
وإذا أوصى زوج لزوجته بدار تسكنها على أن تتفرغ لتربية أولادها منه فلا تتزوج بعده وإلا فسخت الوصية، أو باع شخص أحد متجريه واشترط على المشترى أن يكون البيع مفسوخاً إذا نافسه في المتجر الآخر الذي استبقاه، فكل من الزواج في المثل الأول ومن المنافسة في المثل الثاني أمر مستقبل، ومن ثم كانت الالتزامات المترتبة على كل من الوصية والبيع معلقة على شرط، إذ يتوقف زوالها على تحقق هذا الشرط .
لا يجوز أن يكون الشرط أمراً ماضياً أو حاضراً : فلا بد إذن أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً، أما إذا كان أمراً ماضياً أو حاضراً فهو ليس بشرط، حتى لو كان طرفاً الالتزام يجهلان وقت التعامل ما إذا كان الأمر الماضي قد وقع أو لم يقع، أو ما إذا كان الأمر الحاضر واقعاً أو غير واقع، فلو أن الواعد بالجائزة، في المثل المتقدم، وقت أن وعد بها كان الموعود له قد عثر على المال المفقود ولا يعلم الواعد ذلك، فالتزام الواعد بالجائزة التزام منجزاً غير معلق على شرط، وهو واجب الوفاء في الحال، ولو أن الأب الذي وعد ابنه بجائزة إذا نجح في الامتحان كان وقت أن وعد بها لا يعلم أن نتيجة الامتحان قد ظهرت بالفعل وأن ابنه قد رسب، فالتزام الأب بإعطاء ابنه الجائزة التزام لم يوجد ولن يوجد، فهو التزام غير موجود أصلاً منذ البداية وليس التزاماً معلقاً على شرط، ولو أن الأب وقت أن وعد ابنه بأن يهب له منزلاً إذا تزوج كان لا يعلم أن ابنه قد تزوج فعلاً، فالتزام الأب بالهبة يكون التزاماً منجزاً غير معلق على شرط، وهو واجب الوفاء في الحال .
واعتقاد الملتزم، في الأمثلة المتقدمة، أن التزامه معلق على شرط بينما هو التزام منجز، بل اعتقاد الطرفين معاً، المدين والدائن، أن الشرط لم يتبين مآله بعد وأن الالتزام معلق على شرط، لا يؤثر في أن الالتزام منجز لو كان هذا الأمر قد تحقق فعلاً قبل وجود الالتزام، أو في أن الالتزام غير موجود أصلاً لو كان هذا الأمر لم يتحقق.
قد يكون الأمر المستقبل أمراً إيجابياً أو أمراً سلبياً – والأمر المستقبل الذي ينطوي عليه الشرط قد يكون أمراً إيجابياً أو أمراً سلبياً، فالأب الذي التزم بان يهب ابنه داراً إذا تزوج قد علق التزامه على شرط هو زواج ابنه، وهذا أمر إيجابي، والزوج الذي يوصى لامرأته بدار على شرط إلا تتزوج بعده قد علق الوصية على شرط هو عدم زواج امرأته، وهذا أمر سلبي.
ولا فرق في الحكم بين ما إذا كان الشرط أمراً إيجابياً أو أمراً سلبياً، ولا يكاد يكون للتفرقة أهمية عملية إلا من ناحية تقدير الوقت الذي يعتبر فيه الشرط قد تحقق أو تخلف . ففي الشرط الإيجابي تحدد عادة مدة قصيرة إذا لم يتحقق الشرط فيها اعتبر متخلفاً، وفي الشرط السلبي تكون المدة عادة طويلة فالزوجة الموصى لها بالدار بشرط ألا تتزوج بعد موت زوجها عليها إلا تتزوج طول حياتها .
على أن الأمر الواحد – كما يقول بودري وبارد - قد تكون له ناحية ايجابية وناحية سلبية وهو هو لم يتغير، فيستطاع وضعه في صورة شرط إيجابي أو في صورة شرط سلبي، فإذا التزم شخص لآخر، وعلق التزامه على شرط هو أن يعيش الملتزم له خارج مدينة القاهرة حتى يبعده عن ملاهيها، فقد وضع الشرط في صورة أمر إيجابي، ويستطيع أن يضع نفس الشرط في صورة أمر سلبي إذا اشترط على الملتزم له إلا يعيش في مدينة القاهرة.
غير محقق الوقوع
يجب أن يكون الشرط غير محقق الوقوع : تقول الفقرة الأولى من المادة 286 من التقنين المدني العراقي : " يشترط لصحة التعليق أن يكون مدلول فعل الشرط معدوماً على خطر الوجود، لا محققاً ولا مستحيلاً"، وهذا تعبير استعير من الفقه الإسلامي لهذا المقوم من مقومات الشرط، فالشرط يجب أن يكون أمراً غير محق الوقوع، وهذا الشك في وقوع الأمر هو لب الشرط والصميم فيه .
فإذا كان الأمر محقق الوقوع، فإنه لا يكون شرطاً، وكذلك لا يكون شرطاً أمر مستحيل الوقوع، وإنما يكون الشرط أمراً محتمل الوقوع، لا محققاً ولا مستحيلاً.
لا يكون شرطاً الأمر محقق الوقوع : فإذا كان الأمر مستقبلاً ولكنه محقق الوقوع، فإنه لا يكون شرطاً، بل يكون أجلاً كما سبق القول، فإذا أضاف الملتزم التزامه إلى موسم الحصاد، كان الالتزام مقترناً بأجل لا معلقاً على شرط، لأن موسم الحصاد في المألوف من شؤون الدنيا لابد آت، فالأمر هنا محقق الوقوع، فيكون أجلاً لا شرطاً .
ويكون الأمر محقق الوقوع أجلاً حتى لو لم يكن موعد وقوعه محققاًَ، كالموت، فإذا التزم المشتري بأن يدفع للبائع ثمناً هو إيراد مرتب طول حياته، فقد جعل المشتري لالتزامه أجلاً فاسخاً هو موت البائع، والموت أمر محقق وإن كان لا يعرف متى يقع، والتزام شركة التأمين على الحياة بأن تدفع مبلغ التأمين إلى ورثة المؤمن عليه عند موته هو التزام مضاف إلى أجل واقف لا معلق على شرط واقف.
على أن الموت قد يكون شرطاً إذا اقترن بملابسات تجعله غير محقق الوقوع في نطاق هذه الملابسات ، فإذا وهب شخص داراً لاثنين على التعاقب بشرط إلا تنتقل الدار إلى الثاني إلا إذا عاش بعد موت الأول، فإن الهبة الأولى تكون معلقة على شرط فاسخ هو أن يموت الموهوب له الأول قبل موت الموهوب له الثاني، وتكون الهبة الثانية معلقة على شرط واقف هو أن يعيش الموهوب له الثاني بعد موت الموهوب له الأول، فالموت في هاتين الهبتين شرط لأجل، إذ اقترن بملابسات جعلته في كل منهما غير محقق الوقوع، هو محقق الوقوع في ذاته، ولكن أن يموت أحد الموهوب لهما قبل الآخر هذا هو الأمر غير محقق الوقوع، فيصبح الموت في نطاق هذه الملابسات شرطاً لا أجلاً.
لا يكون شرطاً الأمر مستحيل الوقوع : كذلك لا يكون شرطاً الأمر مستحيل الوقوع فإذا علق الملتزم وجود التزامه على أمر مستحيل استحالة مطلقة، فإن الالتزام لا يوجد أصلاً، ويجب أن تكون الاستحالة مطلقة، أي أن يستحيل تحقق الشرط بالوسائل المعروفة للإنسان، فإذا وعد شخص آخر بإعطائه جائزة إذا وصل إلى القمر كانت هذه الاستحالة مطلقة، لأن وسائل الطيران المعروفة حتى اليوم تعجز عجزاً مطلقاً عن الوصول إلى القمر، وإن كان العلماء يتحدثون عن إمكان ذلك في المستقبل.
أما إذا كانت الاستحالة نسبية فإنها لا تعيب الالتزام، بل يكون في هذه الحالة قائماً يتوقف وجوده أو زواله على تحقق الشرط، وتعتبر الاستحالة نسبية إذا غلب على الظن أن تقدم المعارف البشرية تجعل الشرط غير مستحيل الوقوع، وإن كان لم يقع حتى اليوم، فيجوز لشخص أو لهيئة أو تعد بمنح جائزة، إذا استطاع الموعود له أن يجد علاجاً لبعض الأمراض المستعصية التي يوجد لها علاج حتى اليوم.
وكما تكون الاستحالة طبيعية كما رأينا في الأمثلة المتقدمة، قد تكون أيضاً قانونية فالالتزام المعلق على شرط أن يبيع المشترط عليه تركة مستقبلة، أو على شرط أن يتزوج محرماً، أو على شرط أن يطلق زوجته إذا كان الطلاق غير جائز في شريعته، لا يكون التزاماً قائماً، لأنه علق على شرط مستحيل استحالة مطلقة، والاستحالة هنا استحالة قانونية لا استحالة طبيعية، إذ بيع التركة المستقبلة باطل، وباطل كذلك الزواج من المحرم، والطلاق محرم في شريعة المشترط عليه.
الشرط الإرادي : وهناك شرط ممكن الوقوع، ولكن وقوعه يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام، الدائن أو المدين، ذلك أن الشرط - من حيث تعلقه بإرادة طرفي الالتزام - قد يكون شرطاً لا علاقة له بهذه الإرادة أصلاً، فهو شرط متروك للصداقة، مثل ذلك تعليق الالتزام على شرط وصول الطائرة سليمة إلى مطار الوصول، وقد يكون شرطاً متعلقاً بإرادة أحد طرفي الالتزام، كالزواج فهو متعلق بإرادة من يشترط عليه الزواج، وقد يكون شرطاً مختلطاً يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام وبعامل خارجي معها كمجرد الصدفة أو إرادة الغير، وذلك كالزوج من شخص معين فهذا شرط متعلق بإرادة من اشترط عليه الزواج وبارادة من اشترط الزواج منه .
وكل من الشرط المتروك للصدفة والشرط المختلط شرط صحيح، لأنه أمر لا هو محقق الوقوع ولا هو مستحيل الوقوع، إذ أن وقوعه لا يتعلق بمحض إرادة تحكمية، وهو حتى إذا تعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام فإنه في الوقت ذاته يتعلق بأمر خارج عن هذه الإرادة يجعل وقوعه محتملاً، لا محققاً ولا مستحيلاً .
أما الشرط الإرادي فهو إما أن يكون شرطاً إرادياً بسيطاً أو شرطاً إرادياً محضاً فالشرط الإرادي البسيط يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام، ولكن هذه الإرادة ليست مطلقة، بل هي مقيدة بظروفها وملابساتها، فالزواج شرط إرادي يتعلق بإرادة الدائن أو المدين ولكن إرادة المشترط عليه الزوج ليست مطلقة، إذا الزواج أمر تحوط به الظروف والملابسات الاجتماعية والاقتصادية.
ويقال مثل ذلك عن شرط النجاح في الامتحان، بل أن هذا الشرط يكاد يكون شرطاً مختلطاً فهو يتعلق بالإرادة وبظروف أخرى قد لا يكون للشخص سلطان عليها، ومن ثم يكون الشرط الإرادي البسيط شرطاً صحيحاً، سواء تعلق بإرادة الدائن أو بإرادة المدين.
بقى الشرط الإرادي المحض، وهذا إما أن يتعلق بمحض إرادة الدائن أو بمحض إرادة المدين، فإن تعلق بمحض إرادة الدائن كان شرطاً صحيحاً، وكان الالتزام قائماً معلقاً على إرادة الدائن، إن شاء تقاضى المدين الشيء الذي ألزمه به، وإن شاء أحله من التزامه، أما أن تعلق الشرط بمحض إرادة المدين، فإن كان شرطاً فاسخاً، كان يلتزم المدين حالاً ويجعل فسخ هذه الالتزام معلقاً على إدارته المحضة، كان الشرط صحيحاً وكان الالتزام قائماً، لأن الالتزام لم يعلق وجوده على محضر إرادة المدين، فهو إذن قد وجد، وإنما استبقى المدين زمامه في يده، إن شاء أبقاه وإن شاء فسخه وإن كان الشرط المتعلق بمحض إرادة المدين شرطاً واقفاً، كأن يلتزم المدين إذا أراد، أو يلتزم إذا رأى ذلك معقولاً أو مناسباً فهذا شرط يجعل عقدة الإلتزام منحلة منذ البداية، إذ أن الإلتزام قد علق وجوده على محض إرادة المدين، إن شاء حقق الشرط ومن هنا يكون الشرط محقق الوقوع بمشيئة المدين، وإن شاء جعله يتخلف ومن هنا يكون الشرط مستحيل الوقوع بمشيئة المدين أيضاً ومن ثم يكون هذا الشرط باطلاً، ويسقط كل التزام معلق على شرط واقف هو محض إرادة المدين، وهذا ما تقرره المادة 267 مدني، إذا تقول كما رأينا : " لا يكون الالتزام قائماً إذا علق على شرط واقف يجعل وجود الالتزام متوقفاً على محض إرادة الملتزم. .
غير مخالف النظام العام أو الآداب
الشرط المخالف للنظام العام : وقد يكون الشرط مخالفاً للنظام العام، فيكون في هذه الحالة باطلاً ولا يقوم الالتزام الذي علق وجوده عليه.
وأمثلة الشروط المخالفة للنظام العام كثيرة متنوعة، فإذا علق الملتزم التزامه على إلا يتزوج الدائن إطلاقاً، كان الشرط مخالفاً للنظام العام إذا لم يكن هناك غرض مشروع يرمي إليه المشترط من وراء هذا الشرط، فإذا رمى مثلاً إلى منع زوجته بعد موته من الزواج غيرة منه وأثره، فالشرط باطل لمخالفته للنظام العام، أما إذا رمى إلى جعل زوجته بعد موته تتفرغ لتربية أولادها منه لا يشغلها زوج آخر، فالشرط صحيح والالتزام قائم.
كذلك الشرط القاضي بألا يحترف المشترط عليه مهنة معينة يكون باطلاً لمخالفته للنظام العام، ما لم يكن هناك غرض مشروع يرمى إليه المشترط، كأن تكون المهنة المحرمة مهنة وضعية تزرى بالكرامة، أو أن يكون المشترط قد أراد أن يحمى نفسه حماية مشروعة من منافسة المشترط عليه .
وإذا اشترطت الزوجة غير المسلمة أن تكون أولادها من زوجها المسلم على دينها هي لا على دين زوجها وإلا كان لها حق الطلاق من زوجها، فإن هذا الشرط باطل لمخالفته النظام العام.
وإذا اشترطت الزوجة المسلمة على زوجها إلا يطلقها، فإن الشرط باطل لمخالفته للنظام العام، وللزوج بالرغم من هذا الشرط أني طلق زوجته لسبب مشروع وفي غير تعنت، ولكن يجوز للزوجة أن تشترط مبلغاً من المال تعويضاً لها عما يصيبها من الضرر إذا طلقها زوجها، وفي هذه الحالة ينظر إن كان الطلاق لغير سبب مشروع فالشرط صحيح ويجب دفع التعويض، وإلا فالشرط باطل والتعويض غير مستحق.
وشرط عدم تعدد الزوجات الذي قد تشترطه الزوجة على زوجها المسلم، وإلا صارت مطلقة منه أو أعطاها تعويضاً، شرط صحيح في نظرنا وليس مخالفاً للنظام العام، ولكن لا يجوز أن تشترط الزوجة على زوجها المسلم إلا يتزوج غيرها وإلا كان الزواج الآخر باطلاً أو كانت الزوجة الأخرى هي الطالقة.
ويمكن التمييز بين شرط مخالف للنظام العام وشرط مستحيل استحالة قانونية، وإن كان كل من الشرطين باطلاً، فاشتراط عدم الزواج قد يكون شرطاً مخالفاً للنظام العام ولكنه شرط غير مستحيل، أما اشتراط الزواج من محرم فشرط مستحيل استحالة قانونية وهو في الوقت ذاته مخالف للنظام العام لأن الإستحالة القانونية كثيراً ما ترجع إلى مخالفة النظام العام.
الشرط المخالف للآداب :
وقد يكون الشرط مخالفاً للآداب، فيكون باطلاً أيضاً، ويسقط الالتزام الذي علق عليه قيامه، فإذا التزم شخص نحو آخر بمبلغ من النقود بشرط أن يقوم بارتكاب عمل غير مشروع، فإن الشرط يكون مخالفاً للآداب ويكون باطلاً كما قدمنا، وكذلك الحكم إذا اشترط على شخص إلا يرتكب جريمة، أو أن يمحو آثار جريمة ارتكبت كأن يعيد مخطوفاً أو يرد مسروقاً، أو اشترط عليه أن يقوم بعمل واجب عليه قانوناً على أن يتناول أجراً على القيام به كأن تدخل الزوجة في طاعة زوجها أو أن يمتنع الزوج عن معاشرة غير زوجته أو أن يكف شخص عن التشهير بشخص آخر ونحو ذلك، فكل هذه شروط تعتبر مخالفة للآداب لأنها جزاء مادي على القيام بالواجب، والواجب يتعين القيام به دون جزاء.
أمر عارض
الشرط أمر عارض : ويدخل في مقومات الشرط، بحكم أنه وصف يلحق الحق بعد تكوينه، أنه أمر عارض يلحق عنصراً جوهرياً من عناصر الحق .
ويترتب على أن الشرط يلحق عنصراً جوهرياً من عناصر الحق أن كلا من الحق المضمون برهن والحق غير معين القيمة والحق التبعي لا يعتبر حقاً معلقاً على شرط، لأن الوصف هنا لا يلحق عنصراً جوهرياً من عناصر الحق، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .
أما أن الشرط أمر عارض فمعناه أنه وصف يدخل على الحق بعد تمام هذا الحق وتكامل عناصره، فيكون الشرط أمراً عارضاً لا يساهم في تكوين الحق ذاته، بل يضاف إليه بعد تكوينه، ويمكن تصور قيام الحق بدونه، فالشرط إذن، بإعتباره أمراً عارضاً، قد يوجد وقد لا يوجد، وهو إذا وجد فالحق يصبح موصوفاً، وإذا لم يوجد فالحق يقوم بالرغم من ذلك، لأنه استكمل عناصره، ويكون حقاً غير موصوف أي حقاً بسيطاً منجزاً.
التمييز بين الحق المشروط والحق الاحتمالي : ومن هنا يجيء التمييز بين الحق المشروط والحق الاحتمالي، فالوصف في الحق المشروط أمر عارض يلحق الحق بعد تكامل عناصره كما قدمنا أما الوصف في الحق الاحتمالي فأمر غير عارض، ذلك أن الحق الاحتمالي هو حق ينقصه عنصر من عناصره الجوهرية، والوصف في الحق الاحتمالي هو بالذات نقصان هذا العنصر الجوهري .
ومن الأمثلة على الحق الاحتمالي ما يأتي : (1) حق الشفيع قبل أن يعلن إدارته في الأخذ بالشفعة، إذ الشفيع قبل إعلان هذه الإرادة ليس له حق كامل، بل مجرد حق إحتمالي، ولا يصبح هذا الحق الاحتمالي حقاً كاملاً إلا إذا أعلن الشفيع إدارته في الأخذ بالشفعة، فالحق الاحتمالي هنا قد نقصه عنصر من العناصر الجوهرية هو إعلان هذه الإرادة، ولا يعتبر هذا الإعلان شرطاً، بل هو عنصر من عناصر الحق كما قدمنا.
(2) حق الموصي له قبل أن يموت الموصى، وهنا أيضاً لا يكون للموصي له إلا حق احتمالي قد نقصه عنصر من العناصر الجوهرية للحق الكامل هو موت الموصي، ولا يعتبر هذا الموت شرطاً، بل هو عنصر من عناصر الحق.
(3) الحق المترتب على حساب جار قبل أن يدفع صاحب الحساب أو يقبض شيئاً، فالحق هنا حق احتمالي ينقصه عنصر من العناصر الجوهرية للحق الكامل هو الدفع أو القبض، ليتكون رصيد دائن أو مدين للحساب الجاري، فيصبح الحق كاملاً لا مجرد حق احتمالي، ولا يعتبر الدفع أو القبض شرطاً، بل هو عنصر من عناصر الحق .
ونرى من ذلك أن هناك فرقين أساسيين بين الحق المشروط والحق الاحتمالي :
(أولاً) يمكن تصور قيام الحق المشروط دون الشرط، إذ الشرط أمر عارض كما قدمنا، أما الحق الاحتمالي فحق ينقصه عنصر من العناصر الجوهرية حتى يكون حقاً كاملاً كما سبق القول، ومن ثم لا يمكن تصور هذا الحق الكامل دون هذا العنصر الجوهري.
(ثانياً) إذا تحقق الشرط في الحق المشروط، كان لتحققه أثر رجعي على الوجه الذي سنفصله فيما يلي، أما إذا استكمل الحق الاحتمالي العنصر الجوهري الذي ينقصه فأصبح حقاً كاملاً، فإنه يصبح حقاً كاملاً دون أثر رجعي، ومن ثم يوجد الحق الكامل من وقت استكمال العنصر الجوهري، لا من وقت وجود الحق الاحتمالي .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة : 15)
والأمر الذي يعتبر شرطاً له - من ناحية تعلقه بالإرادة - ثلاث صور :
الأولى يكون فيها الأمر المستقبل غير المحقق وقوعه مستقلاً عن إرادة طرفي الالتزام، أي أن وقوعه أو عدمه غير متوقف على ارادة أحد منهما، وهذه الصورة هي الغالبة عمالاً، ويسمى الشرط فيها شرطاً احتمالية ويكون شرطاً صحيحاً يترتب عليه أثره في حالتي تحققه أو تخلفه، ومن هذا القبيل النجاح في الامتحان وورود الكتب من الخارج في الأمثلة المتقدمة.
والثانية يكون فيها الأمر المستقبل حادثاً يتوقف وقوعه على ارادة أحد الطرفين وإرادة الغير كما في تعليق الالتزام على إبرام صفقة معينة أو على الزواج من شخص معين، ويسمى الشرط في هذه الصورة شرطاً مختلطاً ويقع صحيحاً ويترتب على تحققه أو تخلفه ما قصده العاقدان من أثر.
والثالثة هي التي يتوقف فيها تحقق الأمر المستقبل على ارادة أحد الطرفين دون إرادة الغير، ويسمى الشرط فيها شرطاً إرادياً، فان توقف على الارادة مقترنة بعمل كالسفر مثلاً أو كالزواج أو بيع شيء معين أو شرائه دون تعیین الطرف الآخر كان الشرط شرطاً إرادياً بسيطاً.
وهو شرط صحيح سواء تعلق بإرادة الدائن أو بارادة المدين، وان توقف على محض الإرادة دون أن تقترن بعمل كمشيئة الدائن أو المدين، كان شرطاً إرادياً محضاً وحكمة يختلف بحسب ما إذا كان واقفاً أو فاسخاً، وما إذا كان متوقفاً على ارادة الدائن أو على إرادة المدين.
وقد نصت المادة 267 مدني على أن «لا يكون الالتزام قائماً اذا علق على شرط واقف يجعل وجود الالتزام متوقفاً على محض ارادة الملتزم ». ومؤداها أن الشرط الإرادي المحض إذا كان واقفاً ويجعل نشوء الالتزام معلقاً على محض إرادة المدين، فإنه يمنع من وجود الالتزام قانوناً، لأن بين الالتزام القانوني وبين التعليق على محض مشيئة الملتزم تنافياً تاماً، كما اذا قلت لك أتعهد بأن أعطيك مائة جنيه إذا أنا أردت، أما إذا كان الشرط الإرادي فاسخاً فإنه يصح في جميع صوره - أي سواء كان منوطاً بإرادة الدائن أو بارادة المدين - وينتج أثره .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس، الصفحة : 504)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 6
- الشَّرْطُ الْمَحْضُ:
5- وَهُوَ مَا يَمْتَنِعُ بِتَخَلُّفِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَتِ الْعِلَّةُ فَيَصِيرُ الْوُجُودُ مُضَافًا إِلَى الشَّرْطِ دُونَ الْوُجُوبِ، مِثَالُهُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ وَاشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ.
ثُمَّ يَنْقَسِمُ الشَّرْطُ الْمَحْضُ إِلَى قِسْمَيْنِ: شُرُوطٌ شَرْعِيَّةٌ، وَشُرُوطٌ جَعْلِيَّةٌ.
فَالشُّرُوطُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الشَّارِعُ إِمَّا لِلْوُجُوبِ كَالْبُلُوغِ لِوُجُوبِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأْمُورِ التَّكْلِيفِيَّةِ، وَإِمَّا لِلصِّحَّةِ كَاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ.
وَإِمَّا لِلاِنْعِقَادِ كَاشْتِرَاطِ الأْهْلِيَّةِ لاِنْعِقَادِ التَّصَرُّفِ وَصَلاَحِيَّةِ الْمَحَلِّ وَلِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ.
وَإِمَّا لِلُّزُومِ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْخِيَارِ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ، وَإِمَّا لِنَفَاذِ اشْتِرَاطِ الْوِلاَيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِنَفَاذِ التَّصَرُّفِ.
وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَيِّ شَرْطٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ عَدَمُ الْحُكْمِ الْمَشْرُوطِ لَهُ فَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ لَزِمَ عَدَمُ وُجُوبِ الْفِعْلِ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْفِعْلِ وَهَكَذَا، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الاِنْعِقَادِ بُطْلاَنُ التَّصَرُّفِ بِحَيْثُ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْ حُكْمٍ.
6 -وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْجَعْلِيَّةُ فَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا الْمُكَلَّفُ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَصِيَّةِ وَهُوَ نَوْعَانِ شَرْطٌ تَعْلِيقِيٌّ مِثْلَ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (تَعْلِيقٌ)، وَشَرْطٌ تَقْيِيدِيٌّ مِثْلُ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلاَدِي مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَالِبًا لِلْعِلْمِ.
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الْجَعْلِيَّةُ تَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:
(1) شَرْطٌ لاَ يُنَافِي الشَّرْعَ: بَلْ هُوَ مُكَمِّلٌ لِلشُّرُوطِ وَذَلِكَ كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الْمُقْرِضُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلاً.
(2) شَرْطٌ غَيْرُ مُلاَئِمٍ لِلْمَشْرُوطِ: بَلْ هُوَ مَنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ.
(3) شَرْطٌ لاَ يُنَافِي الشَّرْعَ مَا شُرِطَ فِيهِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لأِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَقْتَضِيهِ فَلاَ تُعْرَفُ مُلاَءَمَتُهُ أَوْ عَدَمُ مُلاَءَمَتِهِ لِلْعَقْدِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ مَنْزِلاً عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ الْبَائِعُ مَثَلاً فَتْرَةً مَعْلُومَةً أَوْ يَسْكُنَهُ فُلاَنٌ الأْجْنَبِيُّ.
وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ خِلاَفٍ . وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 243
بَيْعٌ وَشَرْطٌ
1 - وَرَدَتْ فِي الشَّرِيعَةِ الإْسْلاَمِيَّةِ نُصُوصٌ شَرْعِيَّةٌ تُقَرِّرُ لِلْعُقُودِ آثَارَهَا، وَوَرَدَتْ فِيهَا نُصُوصٌ أُخْرَى، بَعْضُهَا عَامٌّ، وَبَعْضُهَا خَاصٌّ، فِيمَا يَتَّصِلُ بِمَبْلَغِ حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي تَعْدِيلِ آثَارِ الْعُقُودِ، بِالإْضَافَةِ عَلَيْهَا، أَوِ النَّقْصِ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ يَشْتَرِطَانِهَا فِي عُقُودِهِمَا.
فَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَرَدَ قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قوله تعالي: (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .
وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَرَدَ حَدِيثُ: «... الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً» وَفِي رِوَايَةٍ: «عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».
وَحَدِيثُ: «مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ»، وَحَدِيثُ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ» أَيْ لَيْسَ فِيمَا كَتَبَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَهُ فِي شَرِيعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا. وَحَدِيثُ: عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، «عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ: نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ».
فَهَذِهِ النُّصُوصُ - فِي مَجْمُوعِهَا - تُشِيرُ إِلَى أَنَّ هُنَاكَ: شُرُوطًا مُبَاحَةً لِلْمُتَعَاقِدِينَ، يَتَخَيَّرُونَ مِنْهَا مَا يَشَاءُونَ لِلاِلْتِزَامِ بِهَا فِي عُقُودِهِمَا، وَشُرُوطًا مَحْظُورَةً، لاَ حَقَّ لأِحَدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي عُقُودِهِمَا، لِمَا أَنَّهَا تُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ، أَوْ تُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ الْعَامَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، أَوْ تُصَادِمُ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.
وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، كُلُّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ لِلاِخْتِلاَفِ الشَّدِيدِ بَيْنَهَا فِي ذَلِكَ.
أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:
2 - وَضَعَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الضَّابِطَ لِلشَّرْطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، الَّذِي يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهُوَ: كُلُّ شَرْطٍ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلاَ يُلاَئِمُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا، أَوْ لأِجْنَبِيٍّ، أَوْ لِمَبِيعٍ هُوَ مِنْ أَهْلِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِهِ. وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ .
3 - أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَيْ يَجِبُ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَقَعُ صَحِيحًا، وَلاَ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ . كَمَا إِذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَبِيعَ، أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ، أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، أَوِ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَبِيعُ، أَوِ اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ، أَوْ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا وَشَرَطَ الْحَصَادَ عَلَى الْبَائِعِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لأِنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَكَانَ ذِكْرُهَا فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ تَقْرِيرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلاَ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ .
4 - وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مُلاَئِمًا لِلْعَقْدِ، بِأَنْ يُؤَكِّدَ مُوجَبَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَلَوْ كَانَ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، لأِنَّهُ يُقَرِّرُ حُكْمَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيُؤَكِّدُهُ، فَيُلْتَحَقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، كَشَرْطِ رَهْنٍ مَعْلُومٍ بِالإْشَارَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ، وَشَرْطِ كَفِيلٍ حَاضِرٍ قَبْلَ الْكَفَالَةِ، أَوْ غَائِبٍ فَحَضَرَ وَقَبِلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ .
وَاشْتِرَاطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالثَّمَنِ، قَالُوا: فَسَدَ قِيَاسًا، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا .
لَكِنَّ الْكَاسَانِيَّ اعْتَبَرَ شَرْطَ الْحَوَالَةِ مُفْسِدًا، لأِنَّهُ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلاَ يُقَرِّرُ مُوجَبَهُ؛ لأِنَّ الْحَوَالَةَ إِبْرَاءٌ عَنِ الثَّمَنِ وَإِسْقَاطٌ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُلاَئِمًا لِلْعَقْدِ، بِخِلاَفِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ .
5 - وَيَشْمَلُ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَهُمْ مَا يَأْتِي:
أ - أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: كَمَا إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا، ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي قَرْضًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ هِبَةً، أَوْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ كَذَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ قَمِيصًا، أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا، أَوْ ثَمَرَةً عَلَى أَنْ يَجُذَّهَا، أَوْ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ الْبَائِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا، لأِنَّهَا زِيَادَةٌ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الرِّبَا، وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا فَاسِدٌ، أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ، كَحَقِيقَةِ الرِّبَا .
ب - وَيَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لأِجْنَبِيٍّ، كَمَا إِذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَسْجِدًا، أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ يَكُنْ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لأِجْنَبِيٍّ.
ج - وَيَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يُوصِيَ الْمُشْتَرِي بِعِتْقِهَا، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمَبِيعِ، وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا أَوْ لاَ يَهَبَهَا، لأِنَّ الْمَمْلُوكَ يَسُرُّهُ أَنْ لاَ تَتَدَاوَلَهُ الأْيْدِي . وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ اشْتِرَاطِ الإْعْتَاقِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
أَمَّا مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ فَلاَ يَتَنَاوَلُهُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَلاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهُ، أَوْ لاَ يَهَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ دَابَّةً عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَهَا، أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ وَلاَ يَبِيعَهُ، فَهَذَا شَرْطٌ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، فَلاَ يُوجِبُ فِي الصَّحِيحِ الْفَسَادَ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ - كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ - لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ، لأِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، وَلاَ مَطَالِبَ لَهُ بِهِ، فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا، وَلاَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
6 - أَمَّا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لأِحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّوْبَ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوِ الدَّارَ عَلَى أَنْ يُخَرِّبَهَا، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ شَرْطَ الْمَضَرَّةِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ. وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ فَسَادُ الْبَيْعِ .
وَمَا لاَ مَضَرَّةَ وَلاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، فَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَكْلِهِ، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ لُبْسِهِ.
7 - وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ الْمُفْسِدِ، مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، وَتَعَامَلَ بِهِ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِشِرَاءِ حِذَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ الْبَائِعُ نَعْلاً (أَوْ كَعْبًا) أَوِ الْقَبْقَابَ بِشَرْطِ أَنْ يُسَمِّرَ لَهُ الْبَائِعُ سَيْرًا، أَوْ صُوفًا مَنْسُوجًا لِيَجْعَلَهُ لَهُ الْبَائِعُ قَلَنْسُوَةً (أَوْ مِعْطَفًا) أَوِ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا الْبَائِعُ بِطَانَةً مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ خُفًّا أَوْ ثَوْبًا خَلَقًا عَلَى أَنْ يُرَقِّعَهُ أَوْ يَرْفُوَهُ لَهُ الْبَائِعُ.
فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَا، وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ اسْتِحْسَانًا، لِلتَّعَامُلِ الَّذِي جَرَى بِهِ عُرْفُ النَّاسِ.
وَالْقِيَاسُ فَسَادُهُ - كَمَا يَقُولُ زُفَرُ - لأِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لاَ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَفِيهَا نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي هُنَا، لَكِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهَا، وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ .
8 - وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله - عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ. فَلَوْ حَدَثَ عُرْفٌ فِي غَيْرِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي بَيْعِ الثَّوْبِ بِشَرْطِ رَفْوِهِ، وَالنَّعْلِ بِشَرْطِ حَذْوِهِ، يَكُونُ مُعْتَبَرًا، إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله - عَنِ الْمِنَحِ، أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنَ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا عَلَى حَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» لأِنَّ الْحَدِيثَ مُعَلَّلٌ بِوُقُوعِ النِّزَاعِ الْمُخْرِجِ لِلْعَقْدِ عَنِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَالْعُرْفُ يَنْفِي النِّزَاعَ، فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْنَى الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْمَوَانِعِ إِلاَّ الْقِيَاسُ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَيْهِ .
9 - كَمَا يُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ مُخَالَفَةِ اقْتِضَاءِ الْعَقْدِ، مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَهَذَا كَشَرْطِ الأْجَلِ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ، لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى النِّزَاعِ . وَكَذَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ رضي الله عنه الْمَعْرُوفِ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ».
وَقَدْ عَدَّدَ الْحَنَفِيَّةُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ مَوْضِعًا لاَ يَفْسُدُ فِيهَا الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ .
10 - وَهَلْ يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِالْعَقْدِ؟ وَمَا حُكْمُ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَا حُكْمُ ابْتِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؟
أ - أَمَّا الْتِحَاقُهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَنِ الْمَجْلِسِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مُصَحَّحَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ: إِحْدَاهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَالأْخْرَى عَنِ الصَّاحِبِينَ - وَهِيَ الأْصَحُّ - أَنَّهُ لاَ يُلْتَحَقُ.
وَأُيِّدَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: بِمَا لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّأْجِيلُ، لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَبِمَا لَوْ بَاعَا بِلاَ شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْوَعْدِ، جَازَ الْبَيْعُ، وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إِذِ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لاَزِمَةً، فَيُجْعَلُ لاَزِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ. وَبِمَا لَوْ تَبَايَعَا بِلاَ ذِكْرِ شَرْطِ (الْوَفَاءِ) ثُمَّ شَرَطَاهُ، يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الْوَفَاءِ، إِذِ الشَّرْطُ اللاَّحِقُ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لاِلْتِحَاقِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ.
ب - وَأَمَّا ابْتِنَاءُ الْعَقْدِ عَلَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، كَمَا لَوْ شَرَطَا شَرْطًا فَاسِدًا قَبْلَ الْعَقْدِ، ثُمَّ عَقَدَا الْعَقْدَ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَدَمَ فَسَادِ الْعَقْدِ، لَكِنَّهُ حَقَّقَ ابْتِنَاءَ الْفَسَادِ لَوِ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ: بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَيْعِ الْهَزْلِ.
وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ - نَقْلاً عَنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ - فِي رَجُلَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ قَبْلَ عَقْدِهِ، وَعَقَدَا الْبَيْعَ خَالِيًا عَنِ الشَّرْطِ: بِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ .
ثَانِيًا: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:
11 - فَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ حُصُولُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ إِمَّا أَنْ لاَ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ وَيُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. وَإِمَّا أَنْ يُخِلَّ بِالثَّمَنِ.
وَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ، وَإِمَّا أَنْ لاَ يَقْتَضِيَهُ وَلاَ يُنَافِيَهُ.
فَالَّذِي يَضُرُّ بِالْعَقْدِ وَيُبْطِلُهُ هُوَ الشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ مُنَاقَضَةُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْبَيْعِ، أَوْ إِخْلاَلٌ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَحْمَلُ حَدِيثِ «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»، دُونَ الأْخِيرَيْنِ .
فَمِثَالُ الأْوَّلِ ، وَهُوَ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَيُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْهُ - وَوَصَفَهُ ابْنُ جُزَيٍّ: بِاَلَّذِي يَقْتَضِي التَّحْجِيرَ عَلَى الْمُشْتَرِي - أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ السِّلْعَةَ لأِحَدٍ أَصْلاً، أَوْ إِلاَّ مِنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، أَوْ لاَ يَهَبَهَا، أَوْ لاَ يَرْكَبَهَا، أَوْ لاَ يَلْبَسَهَا، أَوْ لاَ يَسْكُنَهَا، أَوْ لاَ يُؤَاجِرَهَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ بَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ. أَوْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ إِلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ.
فَفِي هَذِهِ الأْحْوَلِ كُلِّهَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ.
12 - وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ مُنَافَاةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَعْضَ الصُّوَرِ:
الأْولَى: أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُشْتَرِي الإْقَالَةَ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: عَلَى شَرْطٍ إِنْ بِعْتَهَا غَيْرِي فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ. فَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ الْبَيْعِ مِنْ أَحَدٍ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمْ، لأِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الإْقَالَةِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَقِفَ الْمَبِيعَ، أَوْ أَنْ يَهَبَهُ، أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذِهِ مِنَ الْجَائِزَاتِ، لأِنَّهَا مِنْ أَلْوَانِ الْبِرِّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّرْعُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبِيعَ أَمَةً بِشَرْطِ تَنْجِيزِ عِتْقِهَا، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهَذَا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ، بِخِلاَفِ اشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَاتِّخَاذِ الأْمَةِ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
13 - أَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي، وَهُوَ الإْخْلاَلُ بِالثَّمَنِ، فَهُوَ مُصَوَّرٌ بِأَمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ: الْجَهْلُ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا يَتَمَثَّلُ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ، أَيِ الْقَرْضِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلآْخَرِ.
فَإِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْمُشْتَرِي، أَخَلَّ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلٍ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَإِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْبَائِعِ، أَخَلَّ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلٍ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ النَّقْصِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُثَمَّنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ .
الآْخَرُ: شُبْهَةُ الرِّبَا؛ لأِنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ السَّلَفِ، يُعْتَبَرُ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا:
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُقْتَرِضَ، صَارَ الْمُقْرِضُ لَهُ هُوَ الْبَائِعَ، فَيَنْتَفِعُ الْبَائِعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ - وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُقْتَرِضَ، صَارَ الْمُقْرِضُ لَهُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ، فَيَنْتَفِعُ الْمُشْتَرِي بِنَقْصِ الثَّمَنِ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي هَذَا الصَّدَدِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ .
14 - أَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَهُوَ كَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَالْقِيَامِ بِالْعَيْبِ، وَرَدِّ الْعِوَضِ عِنْدَ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ، فَهَذِهِ الأْمُورُ لاَزِمَةٌ دُونَ شَرْطٍ، لاِقْتِضَاءِ الْعَقْدِ إِيَّاهَا، فَشَرْطُهَا تَأْكِيدٌ - كَمَا يَقُولُ الدُّسُوقِيُّ .
15 - وَأَمَّا الرَّابِعُ مِنَ الشُّرُوطِ، فَهُوَ كَشَرْطِ الأْجَلِ الْمَعْلُومِ، وَالرَّهْنِ، وَالْخِيَارِ، وَالْحَمِيلِ (أَيِ الْكَفِيلِ) فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لاَ تُنَافِي الْعَقْدَ، وَلاَ يَقْتَضِيهَا، بَلْ هِيَ مِمَّا تَعُودُ عَلَيْهِ بِمَصْلَحَةٍ، فَإِنْ شُرِطَتْ عُمِلَ بِهَا، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَصَحَّحُوا اشْتِرَاطَ الرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَتَوَقُّفَ السِّلْعَةِ حَتَّى يُقْبَضَ الرَّهْنُ الْغَائِبُ.
أَمَّا اشْتِرَاطُ الْكَفِيلِ الْغَائِبِ فَجَائِزٌ إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، لاَ إِنْ بَعُدَتْ، لأِنَّهُ قَدْ يَرْضَى وَقَدْ يَأْبَى، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْقُرْبُ.
16 - وَقَدْ عَرَضَ ابْنُ جُزَيٍّ لِصُوَرٍ مِنَ الشَّرْطِ، تُعْتَبَرُ اسْتِثْنَاءً، أَوْ ذَاتَ حُكْمٍ خَاصٍّ، مِنْهَا هَذِهِ الصُّورَةُ، وَهِيَ: مَا إِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ، كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطَ صَحِيحٌ .
فَيَبْدُو أَنَّ هَذَا كَالاِسْتِثْنَاءِ مِنَ التَّفْصِيلِ الرُّبَاعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ . وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ
الْمَعْرُوفُ وَهُوَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: وَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فَقَالَ: بِعْنِيهِ، فَقُلْتُ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَشَرَطْتُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».
وَيَبْدُو أَنَّ هَذَا شَرْطٌ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ، فَقَدْ عَلَّقَ الشَّوْكَانِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً، وَحَدَّهَا بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَقَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَمْ كَثُرَتْ .
وَالْحَدِيثُ - وَإِنْ كَانَ فِي الاِنْتِفَاعِ الْيَسِيرِ بِالْمَبِيعِ إِذَا كَانَ مِمَّا يُرْكَبُ مِنَ الْحَيَوَانِ - لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَاسُوا عَلَيْهِ الاِنْتِفَاعَ الْيَسِيرَ بِكُلِّ مَبِيعٍ بَعْدَ بَيْعِهِ، عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِمْرَارِ، تَيْسِيرًا، نَظَرًا لِحَاجَةِ الْبَائِعِينَ.
17 - وَالْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، هُوَ أَنَّهُ: إِنْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ الْمُخِلُّ بِالْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ بَيْعِ الْمَبِيعِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَاشْتِرَاطِ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالِ سِوَى أَنْ يَكُونَ الإْسْقَاطُ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ.
فَقَدْ عَلَّلَ الْخَرَشِيُّ صِحَّةَ الْبَيْعِ هُنَا، بِحَذْفِ شَرْطِ السَّلَفِ، بِقَوْلِهِ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ .
18 - وَهَلْ يَسْتَوِي الْحُكْمُ فِي الإْسْقَاطِ، فِي مِثْلِ شَرْطِ الْقَرْضِ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ؟ قَوْلاَنِ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ:
أ - فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ: إِذَا رُدَّ الْقَرْضُ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُقْتَرِضِ عَلَى الْقَرْضِ غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ.
ب - وَقَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، هُوَ: أَنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ مَعَ الْغَيْبَةِ عَلَى الْقَرْضِ، وَلَوْ أُسْقِطَ شَرْطُ الْقَرْضِ، لِوُجُودِ مُوجِبِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، أَوْ لِتَمَامِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا - كَمَا عَبَّرَ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ - فَلاَ يَنْفَعُ الإْسْقَاطُ.
وَالْمُعْتَمَدُ الأْوَّلُ عِنْدَ الدَّرْدِيرِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَمَالَ الدُّسُوقِيُّ إِلَى الآْخَرِ، كَمَا يَبْدُو مِنْ كَلاَمِهِ وَنَقَلَهُ الآْخَرُ، فَقَدْ حَكَى تَشْهِيرَهُ، وَكَذَا الَّذِي يَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْعَدَوِيِّ .
وَهُنَا سُؤَالاَنِ يُطْرَحَانِ:
19 - السُّؤَالُ الأْوَّلُ: مَا الَّذِي يَلْزَمُ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُخِلُّ بِالثَّمَنِ، وَفَاتَتِ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَمَا لَوْ هَلَكَتْ) سَوَاءٌ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ الشَّرْطِ شَرْطَهُ، أَمْ لَمْ يُسْقِطْهُ؟ وَفِي الْجَوَابِ أَقْوَالٌ:
الأْوَّلُ: وَهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ أَوِ الْبَائِعَ:
أ - فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْبَائِعَ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الأْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ. فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ وَالْقِيمَةُ ثَلاَثُونَ، لَزِمَهُ ثَلاَثُونَ.
ب - وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْمُشْتَرِيَ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الأْقَلُّ مِنَ الثَّمَنِ وَمِنَ الْقِيمَةِ، فَيَلْزَمُهُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عِشْرُونَ، لأِنَّهُ أَقْرَضَ لِيَزْدَادَ، فَعُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
الثَّانِي: يُقَابِلُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ لُزُومُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَلِّفُ هُوَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ تَغْرِيمَ الْمُشْتَرِي الأْقَلَّ، إِذَا اقْتَرَضَ مِنَ الْبَائِعِ مَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَغِبْ عَلَى مَا اقْتَرَضَهُ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ .
وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ، لأِنَّهُ كَعَيْنِهِ، فَلاَ كَلاَمَ لِوَاحِدٍ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ كَانَ قَائِمًا، وَرُدَّ. بِعَيْنِهِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي:
20 - مَا الَّذِي يَلْزَمُ، لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ مُنَاقِضٍ لِلْمَقْصُودِ، وَفَاتَتِ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَأُسْقِطَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، أَمْ لَمْ يُسْقَطْ؟
قَالُوا: الْحُكْمُ هُوَ: أَنَّ لِلْبَائِعِ الأْكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَمِنَ الثَّمَنِ، لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِأَنْقَصَ مِنَ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ، لأِجْلِ الشَّرْطِ .
ثَالِثًا: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:
21 - الْتَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ نَهْيَ الشَّارِعِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْتَزَمُوا حَدِيثَ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» وَلَمْ يَسْتَثْنُوا إِلاَّ مَا ثَبَتَ اسْتِثْنَاؤُهُ بِالشَّرْعِ، وَقَلِيلاً مِمَّا رَأَوْا أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَوْ مَصَالِحِهِ، فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ بِذَلِكَ أَضْيَقَ الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ.
وَمَعَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُهُمُ الشَّرْطَ، فَقَالَ:
الشَّرْطُ إِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَالْقَبْضِ وَالاِنْتِفَاعِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، أَوْ لاَ.
فَالأْوَّلُ: لاَ يَضُرُّ بِالْعَقْدِ.
وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ - إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَشَرْطِ الرَّهْنِ، وَالإْشْهَادِ وَالأْوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ - مِنَ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - أَوْ لاَ.
فَالأْوَّلُ: لاَ يُفْسِدُهُ، وَيَصِحُّ الشَّرْطُ نَفْسُهُ.
وَالثَّانِي: - وَهُوَ الَّذِي لاَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ - إِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، كَشَرْطِ أَنْ لاَ تَأْكُلَ الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ إِلاَّ كَذَا، فَهُوَ لاَغٍ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، فَهَذَا هُوَ الْفَاسِدُ الْمُفْسِدُ، كَالأْمُورِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَاهُ، نَحْوِ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَعَدَمِ التَّصَرُّفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَخُلاَصَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ:
(1) أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَتِهِ أَوْ بِصِحَّتِهِ، صَحِيحٌ.
(2) وَأَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لاَ غَرَضَ فِيهِ لاَغٍ، وَلاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ.
(3) وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَا فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، فَهُوَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ، وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ .
22 - وَمِنْ أَهَمِّ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ تَطْبِيقًا لِلْحَدِيثَيْنِ وَلِهَذَا التَّقْسِيمِ:
(1) الْبَيْعُ بِشَرْطِ بَيْعٍ، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأْرْضَ بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي بِكَذَا، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ، لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.
(2) الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ، كَأَنْ يَبِيعَهُ أَرْضَهُ بِأَلْفٍ، بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَمِثْلُ الْقَرْضِ الإْجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالإْعَارَةُ .
(3) شِرَاءُ زَرْعٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ، أَوْ ثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ، وَمِنْهُ كَمَا يَقُولُ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: شِرَاءُ حَطَبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، فَالْمَذْهَبُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بُطْلاَنُ الشِّرَاءِ، لاِشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ عَمَلٍ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ، وَلأِنَّهُ - كَمَا قَالَ الإْسْنَوِيُّ - شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فِي الأْصَحِّ . وَإِنْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ.
وَثَانِيهِمَا: يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِمَا يُقَابِلُ الْمَبِيعَ مِنَ الْمُسَمَّى.
23 - وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَسَائِلَ مَعْدُودَةً مِنَ النَّهْيِ صَحَّحُوهَا مَعَ الشَّرْطِ وَهِيَ:
أ - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الأْجَلِ الْمُعَيَّنِ، لقوله تعالي: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)
ب - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ، وَقَيَّدُوهُ بِالْمَعْلُومِيَّةِ.
ج - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَفِيلِ الْمَعْلُومِ أَيْضًا، لِعِوَضٍ مَا، مِنْ مَبِيعٍ أَوْ ثَمَنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لاَ يَرْضَى إِلاَّ بِهِمَا.
د - الإْشْهَادُ عَلَى جَرَيَانِ الْبَيْعِ، لِلأْمْرِ بِهِ فِي الآْيَةِ قَالَ تَعَالَى: (وَأُشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) .
هـ - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، لِثُبُوتِهِ بِحَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، الْمَعْرُوفِ .
24 - الْبَيْعُ بِشَرْطِ عِتْقِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ عِنْدَ
هُمْ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ: وَهُوَ أَصَحُّهَا، أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، وَالْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم أَنَّ شَرْطَ الْوَلاَءِ لَهُمْ، إِذْ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»
وَلأِنَّ اسْتِعْقَابَ الْبَيْعِ الْعِتْقَ عَهْدٌ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ، فَاحْتُمِلَ شَرْطُهُ. وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ.
عَلَى أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُشْتَرِي، دُنْيَا بِالْوَلاَءِ، وَأُخْرَى بِالثَّوَابِ، وَلِلْبَائِعِ بِالتَّسَبُّبِ فِيهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ أَوْ هِبَتَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ .
25 - وَمِمَّا اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا مِنَ النَّهْيِ: شَرْطُ الْوَلاَءِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي مَعَ الْعِتْقِ، فِي أَضْعَفِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، «وَقَوْلُهُ - عليه الصلاة والسلام - لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ».
لَكِنَّ الأْصَحَّ بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَالْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ، مِنْ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.
فَأَجَابَ هَؤُلاَءِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ» بِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَقَعْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَبِأَنَّهُ خَاصٌّ بِقَضِيَّةِ عَائِشَةَ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: «لَهُمْ» بِمَعْنَى: عَلَيْهِمْ
26 - وَمِمَّا اسْتَثْنَوْهُ أَيْضًا: شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ، لأِنَّهُ يَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِيهِ إِلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ، لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لاَ يَعْلَمُهُ مِنَ الْخَفِيِّ، دُونَ مَا يَعْلَمُهُ، مُطْلَقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَصَحَّ الشَّرْطُ أَمْ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّهُ شَرْطٌ يُؤَكِّدُ الْعَقْدَ، وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ، وَهُوَ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ.
وَتَأَيَّدَ هَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي. فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ: لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
قَالُوا: فَدَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَصَارَ مِنَ الإْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.
27 - وَمِمَّا اسْتَثْنَوْهُ أَيْضًا:
أ - شَرْطُ نَقْلِ الْمَبِيعِ مِنْ مَكَانِ الْبَائِعِ، قَالُوا:
لأِنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ .
ب - شَرْطُ قَطْعِ الثِّمَارِ أَوْ تَبْقِيَتِهَا بَعْدَ صَلاَحِهَا وَنُضْجِهَا، فَهُوَ جَائِزٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، كَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ بَيْعُهَا بَعْدَ النُّضْجِ مُطْلَقًا مِنَ الشَّرْطِ. لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا» . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لاَ تَتَبَايَعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا»
فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بَدْوِ صَلاَحِهِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلِّ الأْحْوَالِ الثَّلاَثَةِ: بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إِبْقَائِهِ .
ج - شَرْطُ أَنْ يَعْمَلَ الْبَائِعُ عَمَلاً مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، فِي أَضْعَفِ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
د - اشْتِرَاطُ وَصْفٍ مَقْصُودٍ فِي الْمَبِيعِ عُرْفًا، كَكَوْنِ الدَّابَّةِ حَامِلاً أَوْ ذَاتَ لَبَنٍ، فَالشَّرْطُ صَحِيحٌ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِنْ تَخَلَّفَ الشَّرْطُ. قَالُوا: وَوَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ.
وَلأِنَّهُ الْتِزَامٌ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْتِزَامُهُ عَلَى إِنْشَاءِ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، ذَاكَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ، فَلَمْ يَشْمَلْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ.
هـ - اشْتِرَاطُ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ.
و - شَرْطُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، لأِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
ز - خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا إِذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ، لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ .
رَابِعًا: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:
28 - قَسَّمَ الْحَنَابِلَةُ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأْوَّلُ: صَحِيحٌ لاَزِمٌ، لَيْسَ لِمَنِ اشْتُرِطَ عَلَيْهِ فَكُّهُ.
الآْخَرُ: فَاسِدٌ يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ.
(1) فَالأْوَّلُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الصَّحِيحُ اللاَّزِمُ، ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، كَالتَّقَابُضِ، وَحُلُولِ الثَّمَنِ، وَتَصَرُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ.
فَهَذَا الشَّرْطُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، لاَ يُفِيدُ حُكْمًا، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، لأِنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.
الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، أَيْ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِطِ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: الْخِيَارُ، وَالشَّهَادَةُ، أَوِ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ، كَتَأْجِيلِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ رَهْنِ مُعَيَّنٍ بِهِ، أَوْ كَفِيلٍ مُعَيَّنٍ بِهِ، أَوِ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَالصِّنَاعَةِ وَالْكِتَابَةِ، أَوِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الدَّابَّةِ ذَاتَ لَبَنٍ، أَوْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ، أَوِ الْفَهْدِ صَيُودًا، أَوِ الطَّيْرِ مُصَوِّتًا، أَوْ يَبِيضُ، أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ كَوْنِ خَرَاجِ الأْرْضِ كَذَا.. فَيَصِحُّ الشَّرْطُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ، وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً»، وَلأِنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لَفَاتَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي لأِجْلِ هَا شُرِعَ الْبَيْعُ.
فَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ وَفَّى بِهِ لَزِمَ، وَإِلاَّ فَلِلْمُشْتَرَطِ لَهُ الْفَسْخُ لِفَوَاتِهِ، أَوْ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ تَعَيَّنَ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، كَالْمَعِيبِ إِذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي .
الثَّالِثُ: شَرْطٌ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلاَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلاَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، لَكِنْ فِيهِ نَفْعًا مَعْلُومًا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي.
أ - كَمَا لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ سُكْنَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ شَهْرًا، أَوْ أَنْ تَحْمِلَهُ الدَّابَّةُ (أَوِ السَّيَّارَةُ) إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ رضي الله عنه، حِينَ بَاعَ جَمَلَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم إِذْ قَالَ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي»
وَحَدِيثِ: جَابِرٍ أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ» وَالْمُرَادُ بِالثُّنْيَا الاِسْتِثْنَاءُ.
وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ دَارًا مُؤَجَّرَةً.
وَمِثْلُ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا: اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ، وَكَذَا اشْتِرَاطُهُ الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَلَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَطِ اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهَا، قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْبَائِعِ النَّفْعَ:
فَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَتَفْرِيطِهِ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، لِتَفْوِيتِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ .
ب - وَكَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَ الْحَطَبِ، أَوْ تَكْسِيرَهُ، أَوْ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، أَوْ تَفْصِيلَهُ، أَوْ حَصَادَ زَرْعٍ، أَوْ جَزَّ رُطَبِهِ، فَيَصِحُّ إِنْ كَانَ النَّفْعُ مَعْلُومًا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ فِعْلُهُ. وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مَتَاعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَالْبَائِعُ لاَ يَعْرِفُهُ، فَلَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ .
ثُمَّ إِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ الْمَشْرُوطُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ، أَوِ اسْتَحَقَّ النَّفْعَ بِالإْجَارَةِ الْخَاصَّةِ، أَوْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِ الْبَائِعِ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِعِوَضِ ذَلِكَ النَّفْعِ، كَمَا لَوِ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ عِوَضِهَا، رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعِوَضِ الْمَنْفَعَةِ.
وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَرَضٍ، أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالأْجْرَةُ عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا فِي الإْجَارَةِ .
29 - اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ الْمَعْلُومِ، مَا لَوْ جَمَعَ فِي الاِسْتِثْنَاءِ بَيْنَ شَرْطَيْنِ، وَكَانَا صَحِيحَيْنِ: كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِحَدِيثِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .
أَمَّا إِنْ كَانَ الشَّرْطَانِ الْمَجْمُوعَانِ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ حُلُولِ الثَّمَنِ مَعَ تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلاَ خِلاَفٍ. أَوْ يَكُونَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ مُقْتَضَاهُ.
(2) وَالآْخَرُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ الْمُحَرَّمُ، تَحْتَهُ أَيْضًا ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الأْوَّلُ:
30 - أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ: كَعَقْدِ سَلَمٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ شَرِكَةٍ، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ أَمِ الْمُشْتَرِي.
وَهَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ احْتِمَالاً عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.
وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ:
أ - أَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، «وَأَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» . وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
ب - وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا.
ج - وَلأِنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي آخَرَ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَنِكَاحِ الشِّغَارِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ دَارِي بِكَذَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى دَابَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِي مِنْ ذَلِكَ، قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا .
النَّوْعُ الثَّانِي:
31 - أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ. مِثْلُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ الْمَبِيعَ، وَلاَ يَهَبَهُ، وَلاَ يُعْتِقَهُ، أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَقِفَهُ، أَوْ أَنَّهُ مَتَى نَفَقَ (هَلَكَ) الْمَبِيعُ فَبِهَا، وَإِلاَّ رَدَّهُ، أَوْ إِنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالْوَلاَءُ لَهُ، فَهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ.
وَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِهَا رِوَايَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَلاَ يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ، بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يُبْطِلِ الْعَقْدَ.
32 - وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ الْعِتْقَ، فَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمَذْكُورِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ إِنْ أَبَاهُ، لأِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالنَّذْرِ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِهِ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا، كَالنَّذْرِ.
33 - وَبِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَبِفَسَادِ الشَّرْطِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلَّذِي فَاتَ غَرَضُهُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِفَسَادِ الشَّرْطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ - مَا يَلِي:
أ - فَسْخُ الْبَيْعِ، لأِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرْطِ.
ب - لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ مِنَ الثَّمَنِ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا بَاعَ بِنَقْصٍ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالنَّقْصِ.
ج - وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَى بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي سَمَحَ بِهَا، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا.
فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ.
وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ مَا زَادَهُ عَلَى الثَّمَنِ .
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا احْتِمَالَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، بِدُونِ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ: قِيَاسًا عَلَى مَنْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا، فَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ وَالضَّمِينُ. وَلأِنَّهُ مَا يَنْقُصُهُ الشَّرْطُ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولاً. وَلأِنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَحْكُمْ لأَِرْبَابِ بَرِيرَةَ بِشَيْءٍ»، مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ الْبَيْعِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ:
34 - أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي شَرْطًا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ إِنْ رَضِيَ فُلاَنٌ، وَكَقَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ إِنْ جَاءَ زَيْدٌ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ لأِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ حَالَ التَّبَايُعِ، وَالشَّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ. وَلأِنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ إِذَا جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ قَوْلَ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَوْلَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَيْعَ الْعُرْبُونِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، لأِنَّ نَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلاَّ لَهُ كَذَا وَكَذَا . (ر: مُصْطَلَحُ عُرْبُون)
بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ:
35 - وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» .
وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه. قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ».
وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ .
وَأَشَارَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى تَوَهُّمِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ حَدِيثُ الْبَيْعَتَيْنِ أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الصَّفْقَتَيْنِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ خُصُوصُ صَفْقَةٍ مِنَ الصَّفَقَاتِ، وَهِيَ الْبَيْعُ، وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّفْقَتَيْنِ فَهُوَ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ، كَالإْجَارَةِ . وَاخْتَلَفَتِ الصُّوَرُ الَّتِي أَلْقَاهَا الْفُقَهَاءُ لِتَصَوُّرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ).
----------------------------------------------------------
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 253)
لا يعتبر الالتزام قائماً إذا علق على شرط واقف يجعل وجود الالتزام متوقفاً على محض إرادة الملتزم •
هذه المادة تطابق المادة 267 من التقنين الحالي مع تعديل لفظی بسيط .
و تطابق المادة 325 من التقنين الكويتي مع اختلاف لفظی بسيط .
انظر المذكرة الايضاحية للمادة المقابلة في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي (م۳۸۷) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج۳ ص۱۲ و ۱۳ .
( مادة 260)
اذا تبين من الالتزام ان المدين لا يقوم بوفائه الا عند المقدرة أو الميسرة عين القاضي ميعاداً مناسباً لحلول الأجل ، مراعياً في ذلك موارد المدين الحالية والمستقبلية ، ومقتضياً منه عناية الرجل الحريص على الوفاء بالتزامه .
وخيار التعيين في الفقه الاسلامی ، وهو الذي يقابل التخيير في الالتزام التخییری : لا يجوز أن يقع على اكثر من أشياء ثلاثة ، ويلزم به ذكر المدة التي يتم فيها الخيار على خلاف في الرأي، ويكون الخيار أما للمشتري أو للبائع حسب الشرط ( راجع المبسوط للسرخسي ج 13 ص 55 البدائع للكاسانی ج 5 ص 157 : فتح القدير للكمال بن الهمام ج5 ص ۱۳۱ • عبد الرزاق احمد السنهورى ، الوسيط ج۳ ص 141 و 142 هامش 1)
وانظر ايضا م 316 من المجلة وم 410 من مرشد الحيران .
والظاهر أن نقل الملكية في خيار التعيين في الفقه الإسلامي يستند الى الماضي في حالة ما اذا كان الخيار للمشتري أي للدائن ( انظر البدائع ج5 ص 261 - 262. عبد الرزاق السنهورى ، الوسيط ج 3 ص 165 هامش 1)