مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 36
تعدد محل الالتزام
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
عمد المشروع، فيما تعلق بالأوصاف الخاصة بتعدد محل الالتزام - إلى الجمع بين الالتزام التخييري والالتزام البدلي في الفصل المعقود لها، مقتدياً في ذلك بالتقنين اللبناني، ولعل في دقة التفريق بين هذين الضربين من الالتزام ما يمتنع معه الأعضاء عن إهمال التقنين المصري والتقنين الفرنسي، بل والمشروع الفرنسي الإيطالي للالتزامات البدلية.
ومع أن أحكام الالتزام التخييرى ظفرت بحظ موفور من التفصيل في نصوص التقنين الحالى - إذ اختصت بما لا يقل عن مواد أربع - إلا أنها كانت بحاجة إلى شيء من الضبط والتحديد، وقد تكفل المشروع بذلك، فعين كيفية إعمال حق الخيار بين محلى التخيير إذا امتنع من ثبت له هذا الحق من العاقدين عن مباشرته، ووضع الآثار استحالة التنفيذ نظاماً أدى إلى المنطق .
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- سمة الالتزام الذي يلحق به وصف التخير أن محله لا ينحصر في الالتزام بأمر واحد، أو بأمور متعددة يتعين أداؤها في جملتها، بل يشمل أموراً متعددة، يجترأ بالوفاء بواحد منها حسب، ويكون الخيار للمدين، مالم يوكل أمره إلى الدائن بمقتضى اتفاق خاص أو نص في القانون، ذلك أن الالتزام التخييرى قد يكون مصدره التعاقد، أو القانون، وقد تقدمت الإشارة إلى نصين تكفل كل منهما بإنشاء التزام تخييري : أولهما يتعلق باضعاف التأمينات الخاصة بفعل الدين، وهو ينشئ التزاماً تخييرياً عهد بالخيار فيه للدائن، فله أن يستأدي الدين، أو أن يطالب بتأمين إضافي (أنظر المادة 396 فقرة 2 من المشروع)، والثاني، يتعلق بالمحافظة على حقوق الدائن إذا خشي إفلاس المدين، أو إعساره و استند في ذلك إلى سبب معقول، وهو ينشىء إلتزاماً تخييرياً وكل أمر الخيار فيه إلى المدين، فله أن يفي بالتزامه فور الوقت، أو أن يقدم تأميناً خاصاً (انظر المادة 398 من المشروع).
2- ويشترط لألحاق وصف التخيير بالالتزام أن يتعدد ما يرد الالتزام عليه، على نحو يتحقق معه قیام مكنة فعلية الخيار، فإذا امتنع الالتزام بأكثر من أمر واحد، بسبب عدم توافر الشرائط القانونية فيما عداه، ( ما إذا كان الأمر الآخر تكليفاً غير ممكن أو غير مشروع ) فلا يكون للالتزام من وصف التخيير إلا الظاهر، إن الواقع أنه ينعقد بسيطة غير موصوف، ويقتصر محله على ذلك الأمر الذي قامت به صلاحية الإلزام دون غيره، وهذا هو المعنى الذي استظهره التقنين الفرنسي في المادة 1192 (ونقله عنه المشروع الفرنسي الإيطالي في المادة 123) ونصها : و يعتبر الالتزام بسيطة مجردة من الوصف، ولوعقد على سبيل التخيير، إذا امتنع أن يكون أحد الأمرين اللذين يرد التعهد عليهما محلاً للالتزام.
وقد عنى التقنين البولوني بتقرير حكم آخر، لا يقل عن الحكم المتقدم سلامة ووضوحاً، فنص في الفقرة الثانية من المادة 22 على أنه لا يجوز للدائن أو المدين أن يقتصر على الوفاء بشق من أحد محلى التخيير وشق من المحل الآخر ( أنظر كذلك المادة 1191 من التقنين الفرنسي، والمادة 60 من التقنين اللبناني، والمادة 121 من المشروع الفرنسي الإيطالي، والمادة 56 / 46 من التقنيين التونسي والمراکشی، والمادة 1177 من التقنين الإيطالي .
3- أما فيما يتعلق بكيفية استعمال من يوكل إليه أمر الخيار لحقه هذا، فقد تضمن التقنينان الألماني والبولوني نصوصاً في (المادة 263 من التقنين الألماني، والمادتان 23 و 28 من التقنين البولوني ) ليست في الواقع سوى تطبيق القواعد العامة، فيعتبر الخيار تاماً، وفقاً لهذه القواعد، متى أخطر صاحب الحق فيه الطرف الآخر بما استقر عليه رأيه، أو من قام المدين بالوفاء بشيء مما يرد التخيير عليه، إن كانت الخيرة له، أو متى طالب الدائن بالوفاء بشيء من الأشياء التي يشتمل عليها محل الالتزام، إن كان مرجع الاختيار إليه ( أنظر كذلك المادتين 57 و 58 من التقنين اللبناني، والمادة 152 / 142 من التقنيين التونسي والمراكشي)، ومتى تم الاختبار امتنع العدول عنه بغير رضاء الطرف الآخر، ويعتبر الشيء الذي وقع الاختيار عليه، كما لو كان هو الواجب الأداء وحده من باديء الأمر.
1- مؤدى ما نصت عليه الفقرة د من المادة 49 من القانون رقم 49 لسنة 1977 أن المشرع ألقى على عاتق المالك المرخص له بهدم مبناه لإعادة بنائه بشكل أوسع بإلتزام تخييرى قبل كل من مستأجرى وحدات هذا المبنى وهو أن يوفر له مكان مناسب بأجر مماثل لأجر الوحدة التى كان يستأجرها بالمبنى المرخص له بهدمه وأما بتعويضه تعويضاً نقدياً على الوجه المبين بالنص، وجعل الخيار فى ذلك للمالك بإعتباره المدين بهذا الإلتزام التخييرى.
(الطعن رقم 2173 لسنة 52 جلسة 1991/01/20 س 42 ع 1 ص 245 ق 42)
2- النص فى المادة 2/22 من القانون رقم 136 سنة 1981 ، على أنه " إذا أقام المستأجر مبنى مملوكاً له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات فى تاريخ لاحق لإستئجاره يكون بالخيار بين الإحتفاظ بمسكنه الذى يستأجره أوتوفير مكان ملائم لمالكه أوأحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بالمبنى الذى أقامه بما لايجاوز مثلى الأجرة المستحقة له عن الوحدة التى يستأجرها منه " . يدل على أن إلتزام المستأجر الناشىء عن هذا النص هو إلتزام تخييرى بين محلين الإلتزام الأول هوإخلاء العين المؤجرة له والإلتزام الثانى هو توفير مكان ملائم لمالك العين المؤجرة فى المبنى الذى أقامه المستأجر ، والخيار بين تنفيذ أى من هذين الإلتزامين معقود للمستأجر وهو المدين فى الإلتزام ، ومتى كان مصدر الخيار هو نص فى القانون الذى جعل الخيار للمدين ، فإنه لا يجوز للدائن وهو مالك العين المؤجرة أن يختار بمشيئته تنفيذ أحد هذين الإلتزامين دون الآخر وذلك وفقاً للأحكام العامة فى القانون المدنى .
(الطعن رقم 1069 لسنة 56 جلسة 1987/06/25 س 38 ع 2 ص 860 ق 182)
3- متى كان الواقع فى الدعوى هو أن عقد البيع الابتدائى قد ورد على حصة مفرزة محددة مقدارها 36 فدانا وفقا لوضع يد البائع مع تحديد سعر الوحدة للفدان بمبلغ معين فلما قامت إجراءات الشهر العقارى حائلا دون تسجيل العقد على هذا الوجه حور الطرفان اتفاقهما فى العقد النهائى دون المساس بجوهره بأن جعلا البيع منصبا على الحصة الشائعة بحسب النصيب الشرعى و مقدارها 30 فدانا والتى لا تجادل المساحة فى جواز ورود العقد عليها كما جعلاه منصبا أيضا على القدر المفرز الوارد فى العقد الابتدائى و حرصا على النص على سعر الوحدة للفدان الواحد بمبلغ معين فى كلتا الحالتين ، وكان المفهوم من هذا التحوير اللاحق فى العقد النهائى أن البيع شمل محلين الأول بيع النصيب الشائع و الآخر يبيع هذا النصيب حسب وضع اليد وان العلاقه بينهما تسوى على أساس المحل الذى يصح به العقد ، وكانت مصلحة الشهر العقارى قد نقلت أولا ملكية القدر الشائع دون المحدد وجرت المحاسبة فى العقد على ثمن هذا القدر وحده ، ثم تبين بعد ذلك أن المحل الآخر قد استقام أمره وهو ال 36 المحددة ببيع المشترى له دون اعتراض من الشهر العقارى ، فإنه يكون للبائع الحق فى الرجوع على المشترين بثمن الفرق على أساس الوحدة المتفق عليه ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر البيع جزافا بالثمن المحدد للحصة الشائعة قد خالف فى تفسيرة الثابت بالأوراق .
(الطعن رقم 106 لسنة 22 جلسة 1955/05/12 س 6 ع 3 ص 1128 ق 149)
متى يقوم وصف التخيير
(1) تحديد منطقة الالتزام التخييري :
ليكون الالتزام تخييرياً فيقوم به وصف التخيير، يجب توافر شروط ثلاثة :
(1) يتعدد محل الالتزام فيكون للالتزام محلان أو أكثر. (2) ويتوافر في كل محل منها الشروط الواجب توافرها في المحل . (3) ويكون الواجب الأداء، حتى تبرأ ذمة المدين براءة تامة من التزامه، محلاً واحداً من هذه المحال المتعددة .
(1) تعدد محل الالتزام : يجب أن يكون محل الالتزام متعدداً كما قدمنا، فيصح أن يلتزم البائع للمشتري أن يبيع منه الدار أو الأرض، ويصح أن يلتزم الشريك بتقديم حصته في الشركة مبلغاً من النقود أو أرضاً أو سيارة أو أسهماً أو سندات أو غير ذلك، ونرى من ذلك أن محل الالتزام قد يكون شيئين، وقد يكون أكثر من شيئين . كذلك يصح أن يكون شيئاً غير معين بالذات كالنقود، أو عيناً معينة عقاراً أو منقولاً، ويصح أن يجمع التعدد هذه كلها، فيكون محل الالتزام نقوداً وعقاراً ومنقولاً، بل يصح إني كون محل الالتزام عملاً أو امتناعاً عن عمل، ويصح أن يجتمع كل هؤلاء في الالتزام الواحد، فيلتزم الشريك مثلاً بتقديم حصته للشركة مبلغاً من النقود أو أرضاً أو عملاً يقوم به لمصلحة الشركة أو امتناعاً عن الإتجار فيما تقوم به الشركة من عمل.
فأي أداء يصلح أن يكون محلاً للالتزام يمكن - إذا اقترنت به اداءات أخرى من نوعه أو من غير نوعه - أن يكون محلاً للالتزام التخييري - والمهم هو أن يتعدد هذا المحل، فلا يقتصر على أداء واحد .
(2) توافر الشروط في كل من الاداءات المتعددة : ويجب أن يتوافر في كل أداء من الأداءات المتعددة للالتزام التخييري جميع الشروط الواجب توافرها في محل الالتزام، لاحتمال أن يقع الاختيار على أي أداء منها فيصبح هو المحل الوحيد، ويكون متوافراً فيه الشروط اللازمة، فيجب أن يكون كل أداء موجوداً إذا كان شيئاً، أو ممكناً إذا كان عملاً أو امتناعاً عن عمل، ويجب أيضاً أن يكون الأداء معيناً أو قابلاً للتعيين، وأن يكون صالحاً للتعامل فيه، وأن يكون مالاً منقولاً، وأن يكون التعامل فيه مشروعاً .
فإذا كان الالتزام التخييري محله شيئان فقط، وكان أحدهما لم تتوافر فيه الشروط المتقدمة الذكر، وتوافرت في الشيء الآخر هذه الشروط، فإن الالتزام لا يكون له إلا محل واحد هو هذا المحل الذي توافرت فيه الشروط، ويكون الالتزام بسيطاً غير تخييري.
وقد نصت المادة 1192 من التقنين المدني الفرنسي صراحة على هذا الحكم إذا تقول : " يكون الالتزام بسيطاً، ولو عقد فى صورة التزام تخييري، إذا كان أحد الشيئين محل الالتزام لا يمكن أن يكون محلاً له "، وتنص المادة 61 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني على الحكم فيما إذا كان شئ واحد من الأشياء المتعددة هو الذى يمكن تنفيذه دون الأشياء الأخرى، فتقول : " إذا كان أحد المواضيع وحده قابلاً للتنفيذ، فالموجب يكون أو يصبح من الموجبات البسيطة "، والحكم كما نرى ظاهر البداهة، فلا حاجة للنص عليه، إذ يمكن استخلاصه فى يسر من تطبيق القواعد العامة.
والعبرة، فى معرفة ما إذا كانت الشروط الواجبة متوافرة فى الأداءات المتعددة للالتزام التخييري، تكون بوقت نشوء هذا الالتزام، فإن توافرت الشروط فى هذا الوقت، كان الالتزام تخييرياً، حتى لو أصبحت الأداءات بعد ذلك لا تصلح كلها أو بعضها محلاً للالتزام، وعلى النقيض من ذلك، إذا لم تتوافر الشروط إلا فى أداء منها، كان الالتزام بسيطاً منذ البداية ومحله هذا الأداء الذى توافرت فيه الشروط، ولا ينقلب تخييرياً حتى لو أصبحت الأداءات الأخرى بعد ذلك متوافراً فيها الشروط الواجبة.
(3) محل واحد من المحال المتعددة هو الواجب الأداء : وإذا كان للالتزام التخييرى محال متعددة، فإن محلاً واحداً منها فقط هو الواجب الأداء، أو كما تقول المادة 275 مدنى فى صدرها : " تبرأ ذمة المدين براءة تامة إذا أدى واحداً منها ".
وينبني على ذلك أمران : ( أولهما ) أنه قبل اختيار المحل الواجب الأداء، يكون كل من المحال المتعددة ممكناً طلبه، فيقوم التضامن بين هذه المحال على غرار التضامن الذي يقوم بين المدينين المتضامنين، فكما إن كل مدين متضامن تمكن مطالبته بكل الدين فإذا وفاه انقضى، كذلك أى محل من المحال المتعددة للالتزام التخييرى تمكن المطالبة به فإذا وفى انقضى الالتزام، فالتخيير إذن هو ضرب من التضامن ما بين الأشياء شبيه بالتضامن ما بين الأشخاص، هو تضامن عينى موضوعى إلى جانب تضامن المدينين الشخصي الذاتي والتضامن العيني من شأنه، كالتضامن الشخصى، أن يقوى ضمان الدائن، فإذا أصبح تنفيذ محل من المحال المتعددة للالتزام التخييرى مستحيلاً جاز أن ينفذ محل آخر، فيتسع بذلك مجال التنفيذ ويقوى ضمان الدائن والأمر الثانى) أنه بعد اختيار المحل الواجب الأداء يصبح هذا وحده هو محل الالتزام، وينقلب الالتزام التخييري عند ذلك التزاماً بسيطاً ليس له إلا محل واحد .
ويستتبع ذلك أن المحال المتعددة للالتزام التخييرى تكون فى الكثرة الغالبة من الأحوالى متعادلة فى قيمتها، ما دام أن تنفيذ أي محل منها يغني عن تنفيذ المحال الأخر، غير أن هذا ليس بضرورى، فقد تتفاوت قيم المحال إذا تفاوتت شروط أدائها، مثل ذلك أن يلتزم شخص نحو آخر بأن يبيع له الدار بألفين أو الأرض بألف، فتكون قيمة الأرض نصف قيمة الدار، وقد يعد شخص آخر باقراضه ألفاً بفوائد سعرها 5 % أو خمسمائة بفوائد سعرها 6 %، بل قد لا تتفاوت شروط الأداء ومع ذلك تكون القيم متفاوتة، فقد يكون المبلغ الموعود بإقراضه هو ألف أو ألفان على حسب إختيار المدين ويكون سعر الفائدة فى الحالتين 5 % .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة :161)
إن كان للالتزام محل واحد، فهو التزام بسيط غير موصوف، أما إن تعدد المحل وكانت ذمة المدين تبرأ إذا قام بالوفاء بأي محل، كان الالتزام تخييراً، والأصل في الالتزام التخييري أن يكون تعیین محل الوفاء للمدين، ومفاد ذلك، أن للمدين الوفاء بما يحدده من محال هذا الالتزام ويكون هذا الوفاء مبرئاً لذمته، وله أن يلجأ في ذلك إلى العرض والإبداع، ولا يكون للدائن الاعتراض على هذا التحديد إلا إذا أثبت وجود إتفاق بينه وبين المدين يجعل تعيين المحل له دون المدين، أو كان هناك نص في القانون يعطيه هذا الحق كنص المادة 1048 مدنی، وقد يكون الاتفاق على من له الحق في التعيين صريحاً أو ضمنياً كما لو إتفق صاحب معرض سيارات على أن يبيع للمشتري إحدى سيارتين، فإن ذلك يتضمن جعل الخيار للدائن وهو المشتري، وإذا تفاوتت القيمة بين محال الالتزام، تعذر تحديد قيمة الدعوى إلا بعد تعيين المحل ممن له الحق في ذلك.
فإن كان الخيار للدائن، فقد يفصح عن إرادته صراحة أو ضمناً، فإذا طلب من المدين تسليمه المنقول الذي وقع اختياره عليه، أصبح هذا المنقول هو محل التزام المدين، فلا تبرأ ذمته إلا بالوفاء به بالذات، فإن امتنع، جاز إجباره على ذلك، ويكون الرجوع عليه عن طريق استصدار أمر بالأداء عملاً بالمادة 201 من قانون المرافعات بعد تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 التي أوجبت سلوك هذا الطريق إذا كان محل الالتزام منقولاً معيناً بذاته أو بنوعه أو مقداره.
وحتى نكون بصدد التزام تخیيرى يجب :
1- أن يوجد أكثر من محل للالتزام ويتم تعيين واحد منها بعد التعاقد ليصبح هو محل الالتزام، ولذلك فان هذا المحل لا يكون معيناً عند التعاقد إنما يتم التعيين عند تنفيذ العقد، ومن ثم يكفي أن يكون المحل قابلاً للتعيين فلا يشترط أن يكون معيناً تعييناً تاماً عند التعاقد، فقد يتفق البائع على أن يسلم المشتري سيارة من بين ثلاث سيارات، أو قطعة أرض من بين خمس قطع أو حجرة مكتب من بين حجرتين وهكذا، ومتى تم التعيين محدد محل الالتزام وانحصر الوفاء فيه فلا تبرأ ذمة المدين إذا عرض الوفاء بمحل آخر حتى لو كان التعيين له.
2- أن تتوفر في كل محل أو في إثنين على الأقل، الشروط القانونية اللازمة بأن يكون موجوداً إذا كان شيئاً أو ممكناً اذا كان عملاً أو امتناعاً عن عمل وأن يكون مشروعاً ومعيناً أو قابلاً للتعيين، فإن لم توفر هذه الشروط إلا في محل واحد كان الالتزام بسيطاً وليس تخییریاً، والعبرة بتوافر هذه الشروط تكون وقت التعاقد.
والتنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام الدين، فلا يترتب على ذلك إعتبار الالتزام بالتعويض إلتزاماً تخییریاً بجانب التنفيذ العيني على ما أوضحناه بالمادة 203 فيما تقدم.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس، الصفحة : 5)
الالتزام التخييري هو الذي لا ينحصر محله في الالتزام بأمر واحد، أو بأمور متعددة يتعين على المدين أداؤها جميعاً، بل هو يشمل أموراً متعددة يجب على المدين أن يوفي بواحد منها فحسب.
فيشترط لقيام وصف التخيير، بحيث يكون الالتزام تخييرياً ثلاثة أمور : الأول : أن يتعدد محل الالتزام فيكون له محلان أو أكثر، ومثال ذلك أن يبيع شخص لآخر إحدى سياراته الثلاث : المرسيدس والبويك والبيجو.
أو يلتزم الشريك بأن يقدم للشركة حصة نقدية أو حصة عينية أو عملاً.
الثاني : أن يتوافر في كل محل من محال الالتزام التخييري الشروط الواجب توافرها في محل الالتزام بصفة عامة وهي : الوجود أو الإمكان والتعيين والمشروعية، فإذا لم تتوافر هذه الشروط إلا في محل واحد، فلا يكون الالتزام تخييرياً بل بسيطاً ذا محل واحد.
الثالث : أن يكون أحد هذه المحال وحده واجباً أداؤه، بحيث تبرأ ذمة المدين براءة تامة إذا أدي واحداً منها .
قد يكون مصدر الالتزام التخييرى هو العقد أو القانون.
فيجوز للمتعاقدين أن يتفقا على أن يلتزم المدين بعدة أشياء أو أداءات على أن تبرأ ذمته بالوفاء بواحد من هذه الأشياء أو الأداءات فقط، فيكون الالتزام التخييري ناشئاً في هذه الحالة عن العقد.
وقد ينص القانون على التزام المدين بعدة أشياء، ويكتفي منه بالوفاء بواحد منها فقط لكي تبرأ ذمته، فيكون الالتزام التخييرى ناشئاً في هذه الحالة عن القانون.
ومثال ذلك ما يأتي :
1- ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 273 مدنی من سقوط الأجل إذا كان المدين قد أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطى الدائن من تأمين خاص، ولو كان هذا التأمين قد أعطى بعقد لاحق أو بموجب القانون، هذا ما لم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين، أما إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا إرادة للمدين فيه، فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المدين للدائن ضماناً كافياً.
2- ما تنص عليه الفقرتان الأولى والثانية من المادة 1048 مدنى من أنه :
1- إذا تسبب الراهن بخطئه في هلاك العقار المرهون أو تلفه، كان الدائن المرتهن مخيراً بين أن يقتضي تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً.
2- فإذا كان الهلاك أو التلف قد نشأ عن سبب أجنبي ولم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين، كان المدين مخيراً بين أن يقدم تأميناً كافياً أو أن يوفي الدين فوراً قبل حلول الأجل.
3- ما تنص عليه المادة 49 من القانون رقم 49 لسنة 1977 أنه : يجوز لمالك المبنى المؤجرة كل وحداته لغير أغراض السكن، أن ينبه علی المستأجرين بإعلان على يد محضر بإخلاء المبنى بقصد إعادة بنائه وزيادة مسطحاته وعدد وحداته وفقاً للشروط والأوضاع الآتية :
(د) أن يقوم المالك بتوفير وحدة مناسبة بأجر مماثل ليمارس المستأجر نشاطه فيها وإلا التزم بتعويضه بمبلغ مساو للفرق بين القيمة الإيجارية للوحدة التي يشغلها والقيمة الإيجارية للوحدة التي يتعاقد على ممارسة نشاطه فيها لمدة خمس سنوات أو للمدة التي تتقضى إلى أن يعود إلى المكان بعد بنائه بذات القيمة الإيجارية الأولى، أو يدفع مبلغاً مساوياً للقيمة الإيجارية للوحدة التي يشغلها خالية عن مدة عشر سنوات بحد أدنى قدره ألفاً جنيه أيهما أكبر فهذا الالتزام تخييري، الخيار فيه للمالك.
تعيين من له الخيار :
إذا كان مصدر الالتزام التخييري هو تراضى الطرفين (الدائن والمدين)، فالغالب أن يحدد العقد من يكون له الخيار من بينهما، ويجوز أن يعهد المتعاقدان بهذا الخيار إلى شخص ثالث.
ولا يشترط في هذا الاتفاق أن يكون صريحاً بل يصح أن يستفاد ضمناً من الظروف، فإذا اتفق تاجر الأصواف على أن يبيع عميلاً قماش بدلة من أحد صنفین، فإن ظروف هذا البيع وكون البائع تاجراً يستوي عنده أن يبيع من هذا الصنف أو ذاك تفيد حتماً اتفاق الطرفين على أن يكون الخيار للمشتري وهو الدائن في هذا الالتزام التخييري.
فإذا كان مصدر الالتزام التخييري هو القانون، فالنص القانوني الذي أنشأ الالتزام هو الذي يعين من له الخيار ومثال ذلك ما يأتي :
1- ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 1048 مدني من أن الراهن إذا تسبب بخطئه في هلاك العقار المرهون أو تلفه، كان الدائن المرتهن مخيراً بين أن يقتضي تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً .
2- ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 22 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر من أنه : "وإذا أقام المستأجر مبنى مملوكاً له يتكون من أكثر من ثلاث وحدات في تاريخ لاحق لاستئجاره يكون بالخيار بين الاحتفاظ بسكنه الذي يستأجره أو توفير مكان ملائم لمالكه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بالمبنى الذي أقامه بما لا يجاوز مثلى الأجرة المستحقة له عن الوحدة التي يستأجرها منه".
فقد ترك النص للمستأجر حق الخيار بين الاحتفاظ بمسكنه المؤجر، أو توفير مكان ملائم للمستفيد من حكم النص.
ولا يستطيع المستفيد إجبار المستأجر على أي من الأمرين ذلك أن النص ترك الخيار المستأجر وليس للمستفيد.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع، الصفحة : 82)
عرفت المادة 275 مدني الالتزام التخييري بأنه التزام يشمل محله أشياء متعددة ولكن تبرأ منه ذمة المدين براءة تامة إذا أدى واحداً منها، ومثل ذلك أن التزم بأن أعطيك كتاباً في مصادر الالتزام أو كتاباً في أحكام الالتزام، فالمحل متعدد ولكن تعدده بهذا الشكل ليس الغرض منه إلزامي بأن أعطيك كلا الكتابين بل المقصود منه بالعكس من ذلك أن ذمي تبرأ من الالتزام إذ أنا أعطيتك الكتاب الأول دون الثاني أو إذا أعطيتك الثاني دون الأول، وكذلك إذا التزم المشتري بدفع الثمن بالعملة المحلية أو بعملة أجنبية معينة فالمحل في الالتزام التخييري ليس معيناً من وقت نشوئه تعييناً تاماً بل هو محصور في أحد أمرين أو أحد أمور عدة، وقابل للتعيين قبل التنفيذ، ولكن يشترط في اعتبار الالتزام تخييرياً أن تكون كل الأمور التي ورد عليها الالتزام أو إثنان منها على الأقل متوافرة فيها وقت نشوء الالتزام الشروط اللازمة في المحل بوجه عام من حيث التعيين والامكان والمشروعية أما إذا لم تتوافر هذه الشروط إلا في واحد من هذه الأمور، كان هذا الأمر وحده هو محل الالتزام وكان الالتزام بسيطاً لا تخییریاً.
ويمكن القول أن الالتزام التخييري متعدد محله عند نشوئه ولكنه واحد عند الوفاء به.
وبناءً عليه يكون الأصل أن الخيار للمدين، فإذا ادعى الدائن لأن الخيار له هو وجب عليه أن يستند في ذلك الى نص في القانون يخوله إياه أو أن يثبت أن الاتفاق تم بينه وبين المدين على ذلك.( الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس، الصفحة : 555)
والفقه الإسلامي يعني عناية خاصة بالالتزام ذى المحال المتعددة ، ويميز تمييزاً واضحاً بين التزام محله أشياء متعددة كلها واجبة الأداء وبين التزام محله أشياء متعددة أحدها وحده هو الواجب الأداء بحسب اختيار المدين ويسمى هذا بخيار التعيين ( البدائع جزء 5 ص 156 – ص 158 ) . وسنعود إلى خيار التعيين عند الكلام في الالتزام التخييري .
أما الالتزام الذي يكون محله أشياء متعددة كلها واجبة الأداء فيفصل الفقه الإسلامي أحكامه في كثير من الإسهاب ، ويحرص فيه بوجه خاص على عدم تفريق الصفقة ، ثم إذا هي تفرقة يحرص على عدم جهالة الثمن فيما تفرقت الصفقة فيه . " فإذا أوجب ( البائع ) في العبدين فقبل ( المشتري ) في أحدهما ، بان قال بعت منك هذين العبدين بألف درهم ، فقال المشترى قبلت في هذا العبد وأشار إلى واحد معين ، لا ينعقد ، لان القبول في أحدهما تفريق الصفقة على البائع ، والصفقة إذا وقعت مجتمعة من البائع لا يملك المشترى تفريقها وقبل التمام . لان من عادة التجار ضم الردئ إلى الجيد ترويجا للردئ بواسطة الجيد ، فلو ثبت للمشترى ولاية التفريق لقبل في الجيد دون الردئ ، فيتضرر به البائع والضرر منفى . ولان غرض الترويج لا يحصل الا بالقبول فيهما جميعا ، فلا يكون راضيا بالقبول في أحدهما . ولان القبول في أحدهما يكون اعراضا عن الجواب بمنزلة القيام عن المجلس . . . . . ثم إذا قبل المشترى بعض ما أوجبه البائع كان هذا شراء مبتدأ من البائع ، فان اتصل به الايجاب من البائع في المجلس فينظر : ان كان للبعض الذى قبله المشترى حصة معلومة من الثمن جاز ، والا فلا . بيانه إذا قال بعت منك هذين الكرين بعشرين ، بيع كل كر بعشرة لتماثل قفزان الكرين . وكذلك إذا قال بعت منك هذين العبدين بألف درهم ، فقبل المشترى في أحدهما وبين ثمنه ، فقال البائع بعت ، يجوز . فاما إذا لم يبين ثمنه لا يجوز ، وان ابتدأ البائع الايجاب . بخلاف مسألة الكرين وسائر الاشياء المتماثلة ، لما ذكرنا ان الثمن في المثليات ينقسم على المبيع باعتبار الاجزاء ، فكان حصة كل واحد معلوما . وفيما لامثل له لا ينقسم الثمن على المبيع باعتبار الاجزاء ، لانعدام تماثل الاجزاء وإذا لم ينقسم بقيت حصة كل واحد منهما من الثمن مجهولة ، وجهالة الثمن تمنع صحة البيع . هذا إذا لم يبين البائع حصة كل واحد من العبدين ، بأن قال بعت منك هذين العبدين بألف درهم . فاما إذا بين بأن قال بعت منك هذين العبدين هذا بألف وهذا بخمسمائة ، فقبل المشترى في أحدهما دون الآخر ، جاز البيع لانعدام تفريق الصفقة من المشترى ، بل البائع هو الذى فرق الصفقة حيث سمى لكل واحد منهما ثمنا على حدة ، وعلم انه لا ضرر له فيه ، ولو كان فهو ضرر مرضى به وانه غير مدفوع " ( البدائع جزء 5 ص 136 – ص 137 ) .
ويعني الفقه الإسلامي – من حيث تكوين العقد أيضاً – بفكرة أن الالتزام ذا المخل المتعدد ، وهو صفقة واحدة ، إذا داخله بطلان في بعض محاله المتعددة ، قد يختل باختلال وحدة الصفقة . فلو جمع البائع " بين ما هو مال وبين ما ليس بمال في البيع ، بان جمع بين حر وعبد أو بين عصير وخمر أو بين ذكية ، وميتة وباعهما صفقة واحدة ، فان لم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن ، لم ينعقد العقد أصلا بالاجماع . وان بين ، فكذلك عند أبى حنيفة . وعندهما ( أي عند أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة ) يجوز في العصير والعبد والذكية ، ويبطل في الحر والخمر والمية . . . وجه قولهما ان الفساد بقدر المفسد لان الحكم يثبت بقدر العلة ، والمفسد خص أحدهما فلا يتعمم الحكم مع خصوص العلة ، فلو جاء الفساد انما يجئ من قبل جهالة الثمن ، فإذا بين حصة كل واحد منهما من الثمن فقد زال هذا المعنى أيضا . . . ولابي حنيفة رضى الله عنه ان الصفقة واحدة وقد فسدت في احدهما فلا تصح في الآخر ، والدليل على ان الصفقة واحدة ان لفظ البيع والشراء لم يتكرر والبائع واحد والمشترى واحد ، وتفريق الثمن وهو التسمية لكل واحد منهما لا يمنع اتحاد الصفقة ، دل ان الصفقة واحدة ، وقد فسدت في أحدهما بيقين لخروج الحر والخمر والميتة عن محلية البيع بيقين : فلا يصح في الآخر لاستحالة كون الصفقة الواحدة صحيحة وفاسدة ، ولهذا لم يصح إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فكذا إذا سمى لان التسمية وتفريق الثمن لا يوجب تعدد الصفقة لاتحاد البيع والعاقدين . . . . ولانه لما جمع بينهما في الصفقة فقد جعل قبول العقد في أحدهما شرط القبول في الآخر ، بدليل انه لو قبل العقد في احدهما دون الآخر لا يصح ، الحر لا يحتمل قبول العقد فيه فلا يصح القبول في الآخر . . . . ولان في تصحيح العقد في أحدهما تفريق الصفقة على البائع قبل التمام ، لانه أوجب البيع فيهما قالقبول في أحدهما يكون تفريقا وهذا لا يجوز . . . ثم إذا جاز البيع في أحدهما عندهما ( أي عند الصاحبين ) فهل يثبب الخيار فيه ؟ ان علم بالحرام يثبت لان الصفقة تفرقت عليه ، وان لم يعلم لا لانه رضى بالتفريق " ( البدائع جزء 5 ص 145 – ص 146 ) .
وتفرق الصفقة أيضاً هي التي يعني بها الفقه الإسلامي في تقرير أحكام العقد بعد انعقاده صحيحاً ، فإذا هلك بعض المبيع قبل القبض هلك على البائع ، ثم ينظر : " ان كان النقصان نقصان قدر ، بان كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ، ينفسخ العقد بقدر الهالك وتسقط حصته من الثمن ، لان كل قدر من المقدرات معقود عليه فيقابله شئ من الثمن ، وهلاك كل المعقود عليه يوجب انفساخ البيع في الكل وسقوط كل الثمن ، فهلاك بعضه يوجب انقساخ البيع وسقوط الثمن بقدره . والمشترى بالخيار في الباقي ، ان شاء أخذه بحصته من الثمن ، وان شاء ترك لان الصفقة قد تفرقت عليه " ( البدائع جزء 5 ص 239 ) . وللبائع حبس المبيع حتى يستوفى الثمن ، فلو باع " شيئين صفقة واحدة ، وسمى لكل واحد منهما ثمنا ، فنقد المشترى حصة أحدهما ، كان للبائع حبسهما حتى يقبض حق الاخر لما قلنا ، ولان قبض أحدهما دون الآخر تفريق الصفقة الواحدة في حق القبض ، والمشترى لا يملك تفريق الصفقة الواحدة في حق القبول بأن يقبل الايجاب في أحدهما دون الآخر ، فلا يملك التفريق في حق القبض ايضا ، لان للقبض شبها بالعقد . وكذلك لو أبرأه من حصة أحدهما ، فله حبس الكل لاستيفاء الباقي لما ذكرنا " ( البدائع جزء 5 ص 250 ) .
وظاهر من هذه النصوص التي قدمناها أن أحكام الفقه الإسلامي في الالتزام ذى المحل المتعدد مقبولة بوجه عام ، ويمكن تخريجها على المبادئ العامة في القانون الحديث .
وخيار التعيين في الفقه الإسلامي – وهو الذي يقابل التخيير في الالتزام التخييري – لا يجوز أن يقع على أكثر من أشياء ثلاثة ، ويلزم فيه ذكر المدة التي يتم فيها الخيار على خلاف في الرأي ، ويكون الخيار إما للمشتري أو للبائع حسب الشرط . جاء في المبسوط للسرخسي جزء 13 ص 55 ) : " ولو اشترى ثوبين كل واحد منهما بعشرة دراهم ، على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيهما شاء ويرد الآخر ، جاز العقد عندنا استحسانا . وكذلك هذا في ثلاثة أثواب ، وفيما زاد على الثلاثة العقد فاسد . . . . وجه الاستحسان ان هذا الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لانه شرط الخيار لنفسه ، وبحكم خياره يستند بالتعتين ، والجهالة التى لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة العقد . . . . فقد يشترى الانسان لعياله ثوبا ولا يعجبه أن يحمل عياله إلى السوق ولا يرضي البائع بالتسليم إليه ليحمله إلى عياله بغير عقد ، فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة . وهذه الحاجة مقصورة على الثلاث ، لان كل نوع يشتمل على أوصاف ثلاثة ، جيد ووسط وردئ ، فإذا حمل الثلاثة إلى أهله ثم المقصود . فأخذنا فيما زاد على ذلك بالقياس لعدم الحاجة فيه . . . ثم نص في هذا الموضع على تقدير الخيار بثلاثة أيام ، وهو الصحيح ، لان هذا خيار ثبت بالشرط فلابد فيه من اعلام المدة ، وان أطلق ذلك في غير هذا الموضع " وجاء في البدائع للكاساني ( جزء 5 ص 157 ) في خصوص المدة ما يأتي : " وهل يشترط بيان المدة في هذا الخيار ؟ اختلف المشايخ فيه لاختلاف ألفاظ محمد في هذه المسألة في الكتب ، فذكر في الجامع الصغير على أن يأخذ المشترى أيهما شاء وهو فيه بالخيار ثلاثة أيام ، وذكر في الاصل على أن يأخذ أيهما شاء بألف ولم يذكر الخيار . فقال بعضهم لا يجوز هذا البيع الا بذكر مدة خيار الشرط ، وهو ثلاثة أيام فما دونها عند أبى حنيفة رحمه الله ، وعندهما الثلاث وما زاد عليها بعد أن يكون معلوما ، وهو قول الكرخي والطحاوى رحمهما الله . وقال بعضهم يصح من غير ذكر المدة . وجه قول الاولين ان المبيع لو كان ثوبا واحدا معينا وشرط فيه الخيار كان بيان المدة شرط الصحة بالاجماع ، فكذا إذا كان واحدا غير معين ، والجامع بينهما ان ترك التوقيت تجهيل لمدة الخيار وانه مفسد للبيع . . . . . وجه قول الآخرين ان توقيت الخيار في المعين انما كان شرطا لان الخيار فيه يمنع ثبوت الحكم للحاجة إلى دفع الغبن بواسطة التأمل فكان في معنى الاستثناء ، فلا بد من التوقيت ليصح استثناء ذلك في الوقت عن ثبوت حكم البيع فيه ، وخيار التعيين لا يمنع ثبوت الحكم بل يثبت الحكم في أحدهما غير عين وانما يمنع تعين المبيع لا غير ، فلا يشترط له بيان المدة والله سبحانه وتعالى أعلم . والدليل على التفرقة بينهما أن خيار الشرط لا يورث على أصل أصحابنا ، وخيار التعيين يورث بالاجماع " هذا وكون الخيار يجوز أن يكون للبائع إنما جاء على سبيل الاستحسان ، جاء في فتح القدير للكمال بن الهمام ( جزء 5 ص 131 ) : " وإذا ظهر أن جواز هذا البيع للحاجة إلى اختيار ما هو الارفق والأوفق لمن يقع الشيء له حاضرا أو غائبا ، ظهر أنه لا يجوز للبائع ، بل يختص خيار التعيين بالمشتري ، لأن البائع لا حاجة له إلى اختيار الأوفق والأرفق لأن المبيع كان معه قبل البيع وهو ادرى بما لاءمه منه ، فيرد جانب البائع إلى القياس ، فلهذا نص في المجرد على أنه لا يجوز في جانب البائع . وذكر الكرخي أنه يجوز استحساناً ، لأنه بيع يجوز مع خيار المشتري فيجوز مع خيار البائع قياسا على الشرط " .
وحكم البيع مع خيار التعيين أنه غير لازم لمن له الخيار سواء كان المشتري أو البائع . جاء في البدائع ( جزء 5 ص 261 ) في حالة ما إذا كان الخيار للمشتري : " الملك الثابت بهذا البيع قبل الاختيار ملك غير لازم ، وللمشترى أن يردهما جميعا ، لان خيار التعيين يمنع لزوم العقد كخيار العيب وخيار الرؤية ، فيمنع لزوم الملك ، لكان محتملا للفسخ . وهذا لان جواز هذا النوع من البيع انما يثبت بتعامل الناس لحاجتهم إلى ذلك لما بينا فيما تقدم ، ولا تنعدم حاجتهم الا بعد اللزوم لانه عسى لا يوافقه كلاهما جميعا فيحتاح إلى ردهما " . وجاء أيضاً ( ص 263 ) في حالة ما إذا كان الخيار للبائع : " وللبائع أن يفسخ البيع لأنه غير لازم " .
ويبدو أن خيار التعيين يكون مقترناً بخيار الشرط . وهذا ما يعلل أن البيع المقترن بخيار التعيين يكون يغر لازم على النحو الذي قدمناه ، وعدم لزومه إنما جاء من خيار الشرط المقترن بخيار التعيين لا من خيار التعيين ذاته . وهذا ما يعلل أيضاً أن خيار التعيين ينتقل إلى الورثة ولكن البيع يكون لازماً لهم خلافاً للمورث ، وذلك لأن خيار الشرط المقترن بخيار التعيين لا يورث ، فينقطع هذا الخيار عن الورثة ومن ثم يلزمهم البيع ، ويبقى لهم خيار التعيين وحده دون خيار الشرط . وهذا ما يعلل أخيراً أن الشيئين إذا تعيبا معاً في يد المشتري وكان له خيار التعيين ، فللمشتري أن يأخذ أيهما شاء بثمنه وليس له أن يردهما جميعاً ، لأن خيار الشرط المقترن بخيار التعيين هو الذي بطل بتعيب الشيئين وبقى خيار التعيين على حاله . وفي هذا يقول صاحب البدائع ( جزء 5 ص 262 ) : " ولو تعيبا جميعا ، فان كان على التعاقب تعين الاول للبيع ولزمه ثمنه ويرد الاخر لما قلنا ، ولا يغرم بحدوث العيب شيأ لما قلنا انه أمانة . وان تعيبا معا لا يتعين أحدهما للبيع لانه ليس أحدهما بالتعيين أولى من الآخر ، وللمشترى أن يأخذ أيهما شاء بثمنه ، لانه إذا لم يتعين أحدهما للبيع بقى المشترى على خياره . الا انه ليس له أن يردهما جميعا ، لان البيع قد لزم في أحدهما بتعيينهما في يد المشترى وبطل خيار الشرط ، وهذا يؤيد قول من يقول من المشايخ ان هذا البيع فيه خياران ، خيار التعيين وخيار الشرط ، ولا بد له من رتبة معلومة ، إذ لو لم يكن لملك ردهما جميعا كما لو لم يتعيب أحدهما أصلا ، لكنه لم يملك لان ردهما جميعا قبل التعييب ثبت حكما لخيار الشرط ، وقد بطل خيار الشرط بعد تعينهما معا فلم يملك ردهما ، وبقى خيار التعيين فيملك رد أحدهما . . . . ولا يبطل هذا الخيار بموت المشترى بل يورث بخلاف خيار الشرط ، لان خيار التعيين انما يثبت للمورث لثبوت الملك له في أحدهما غير عين ، وقد قام الوارث مقامه في ذلك الملك فله أن يختار أيهما شاء دون الآخر ، الا انه ليس له أن يردهما جميعا وقد كان للمورث ذلك . وهذا يؤيد قول أولئك المشايخ انه لابد من خيارين في هذا البيع ، وقد بطل أحدهما وهو خيار الشرط بالموت لانه لا يورث على أصل أصحابنا فبطل الحكم المختص به وهو ولاية ردهما جميعا " . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/ الاول ).