loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 57

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- لعل تعیین صلة الدائنين المتضامنين بالمدين أسبق ما يعرض من المسائل بصدد التضامن الايجابي، وقد عنيت المادتان 404 و 405 ببيان حكم هذه الصلة بصدد الوفاء حسب، باعتباره أهم سبب من أسباب انقضاء الالتزامات، أما ما عداه من الأسباب، أو ما عدا ذلك من آثار هذا التضامن في صلة الدائنين بالمدين بعبارة أعم، فسيشار عند تفصيل الأحكام الخاصة بالتضامن السلبي، وهو أوفر حظا من الأهمية في نطاق العمل، إلى تطبيقات تلك الأحكام في نطاق التضامن الإيجابي، ومع ذلك في المستطاع، بادىء ذي بدء، تقرير قاعدة عامة أفرغت في المادة 406 من المشروع في العبارة الآتية : و إذا برئت ذمة المدين قبل أحد الدائنين المتضامنين بسبب غير الوفاء، فلا تبرأ ذمته قبل باقي الاثنين إلا بقدر حصة الدائن الذي برأت ذمة المدين قبله، ولا يجوز لأحد الدائنين المتضامنين أن يأتي عملاً من شأنه الإضرار بالدائنين الآخرين. 

2 - أما فيما يتعلق بالوفاء، فلكل دان من الدائنين المتضامنين أن يستأدی المدين كل الدين، ولهم، مجتمعين أو منفردین، مطالبة المدين بالوفاء أمام القضاء، ولا يجوز له إذا عمد أحدهم إلى مطالبته، على هذا الوجه، أن يحتج إلا بأوجه الدفع الخاصة بهذا الدائن أو بالأوجه المشتركة بين الدائنين جميعاً، أما أوجه الدفع الخاصة بغيره من الدائنين كالغش، أو الإكراه الصادر منهم  فيمتنع عليه الاحتجاج بها.

وقد يلحق رابطة بعض الدائنين المتضامنين بالمدين وصف يختلف عن الوصف الذي تتسم به رابطة البعض الآخر، كأن يكون الدين معلقاً على شرط بالنسبة الفريق منهم، ومضافة إلى أجل بالنسبة للباقين، وفي هذه الحالة يتعين على كل منهم أن يعتد بالوصف اللاصق برابطته، عند مطالبة المدين بالوفاء، وقد يطرأ مثل هذا الوصف على الرابطة بعد تمام التعاقد، فقد يرتضي بعض الدائنين مثلاً أن يولى المدين اجلاً للوفاء بالدين، وفي هذه الحالة، لا يجوز أن يحتج على الدائنين الآخرين بهذا الأجل، ما لم يتضح نقيض ذلك من مشارطة ترتيب الالتزام، أو من طبيعة التعامل، أو من نص في القانون ( أنظر المادة 19 من التقنين اللبناني ).

وليس يقتصر الأمر على تحويل كل من الدائنين المتضامنين حق اقتضاء الدين بأسره من المدين، بل للمدين كذلك أن يبريء ذمته بالوفاء لأهم، ما لم يقم أحدهم ما يحول دون ذلك . فاذا اتخذ أحد الدائنين قبل المدين إجراءات المطالبة، تعين عليه أن يقوم بالوفاء، لمن باشر هذه الإجراءات وغيره من الدائنين الذين أصبحوا طرفاً فيها، وصفوة القول أن الدائن المتضامن، لا يكون من حقه أن يستأدى الدین بأسره فحسب، بل ويكون من واجبه كذلك أن يقبل الوفاء به.

4- وتظل وحدة الدين مكفولة ما يبقى الدائن المتضامن حياً، فإذا مات انقسم الدين بين ورثته، ما لم يكن غير قابل للانقسام، فلو فرض مثلاً أن ثلاثة من الدائنين تضامنوا في استيفاء دین مقداره 300 جنيه، وتوفي أحدهم عن وارثين متكافئ الغرض، فلا يجوز لأيهما، أن يطالب المدين إلا بمبلغ 150 جنيهاً.

الأحكام

1- المدين وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة يعتبر ممثلاً لدائنه العادى فى الخصومات التى يكون هذا المدين طرفاً فيها فيفيد الدائن من الحكم الصادر فيها لمصلحة مدينة كما يعتبر الحكم على المدين حجة على دائنه فى حدود ما يتأثر بالحكم حق الضمان العام الذى للدائن على أموال مدينه كما أن للدائن ولو لم يكن طرفاً فى الخصومة بنفسه أن يطعن فى الحكم الصادر فيها يطرق الطعن العادية وغير العادية بالشروط التى رسمها القانون لأطراف الخصومة وذلك لما هو مقرر من أن الطعن يقبل ممن كان طرفاً بنفسه أو ممن ينوب عنه فى الخصومة التى إنتهت بالحكم المطعون فيه كما يفيد الدائن من الطعن المرفوع من مدينه ويحتج عليه بالطعن المرفوع على هذا المدين

(الطعن رقم 955 لسنة 48 جلسة 1982/01/14 س 33 ع 1 ص 118 ق 23)

2- إن تمثيل الوارث لبقية الورثة في الدعوى التي ترفع من التركة أو عليها للمطالبة بالتعويض الموروث) مقصور على ما يفيد الورثة لا ما يضرهم فالنيابة التبادلية بين الدائنين المتضامنين أو المدينين المتضامنين حسبما يستفاد من نص المادتين ۲۸۲، 296 من القانون المدني مقصور على ما ينفع لا ما يضر والقول بغير ذلك يهدر الحكمة من النص في المادة ۲۱۸ من قانون المرافعات على ضرورة اختصام باقي المحكوم لهم أو من فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم في حکم صادر في موضوع لا يقبل التجزئة ولا يستفيد خصيم التركة من خطئه الناتج عن عدم القيام بواجبه باختصام كل الورثة، ومن ثم فإن الحكم بالتعويض الموروث لوارث في دعوى سابقة يفيد منه بقية الورثة فيما أرساه من حيث استحقاق التركة لهذا التعويض، وهذا لا يمنع من لم يكن خصما من الورثة فيه من المطالبة في دعوی لاحقه بتقدير تعويض يزيد عما حكم به لغيره من الورثة".

(طعن رقم 3860 لسنة 74 ق جلسة  12 / 6 / 2006 )

3- إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه انه قضى برفض الدفع بسقوط حق المطعون ضدهما في المطالبة بالتعويض بالتقادم الثلاثي على سند من أن المحاكمة الجنائية أوقفت التقادم حتى صدور الحكم البات من محكمة النقض بجلسة 1/12/1992 بعدم قبول الطعن شكلا وان المطعون ضدهما أودعا صحيفة دعواهما في 21/11/1994  تكون الدعوى قد أقيمت قبل اكتمال مدة التقادم ولا يجدي الطاعن بصفته التحدي بان الطعن بالنقض رفع بعد فوات ميعاده بما يجعله باتا وان الحكم الصادر بعدم القبول يعتبر كاشفا وليس منشئا فكان يتعين احتساب التقادم من تاريخ فوان ميعاد الطعن من تاريخ الحكم الصادر في الطعن بالنقض . ذلك أنه يترتب على الطعن بالنقض - حتى بعد فوات ميعاده - وقف تقادم الدعوي المدنية طوال الفترة التي تدوم فيها المحاكمة الجنائية باعتبار أن تقدير العذر الذي أدى إلى فوات ميعاد الطعن وقبوله منوط بمحكمة النقض دون غيرها ذلك أن بقاء الحق في رفع الدعوى الجنائية أو تحريكها أو السير فيها طالما ما زال قائما يعد مانعا معنى المادة 1۲۸۲ من القانون المدني يتعذر معه على المضرور المطالبة بحقه في التعويض ولا يعود سريان تقادم دعوى التعويض إلا بصدور حكم بات فيها من محكمة النقض وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فانه يكون قد أصاب صحيح القانون.

(الطعن رقم 146 - لسنة 66 ق - جلسة 7/1/1998)

4- مدة سقوط دعوى المؤمن له قبل المؤمن فى التأمين من المسئولية تبدأ - عملاً بالمادة 753 من القانون المدنى - من وقت مطالبة المضرور للمؤمن له ودياً أو قضائياً بعد وقوع الحادث المؤمن منه ، إلا أنه لما كان التقادم المقرر للمؤمن له قبل المؤمن تسرى فى شأنه القواعد العامة الخاصة بوقف مدة التقادم و إنقطاعها فإنه إذا كانت الواقعة التى يستند إليها المؤمن له فى دعواه قبل المؤمن هى جريمة و رفعت الدعوى الجنائية على مقارفها سواء كان هو بذاته المؤمن له أو أحد ممن يعتبر المؤمن له مسئولاً عن الحقوق المدنية عن فعلهم ، فإن سريان التقادم بالنسبة لدعوى المؤمن له قبل المؤمن يقف طوال المدة التى تستغرقها المحاكمة الجنائية و لا يعود التقادم إلى السريان إلا منذ صدور الحكم الجنائي النهائى أو إنتهاء المحاكمة بسبب آخر ذلك أنه وفقاً للمادة 3/253 من قانون الإجراءات الجنائية المنطبقة على واقعة الدعوى - قبل تعديلها بالقانون 85 لسنة 1976 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 35 مكرر بتاريخ 1976/7/28 - لا يستطيع المؤمن له توجيه دعوى الضمان الفرعية إلى المؤمن أمام المحكمة الجنائية ، كما أنه إذا رفع دعواه على المؤمن أمام المحكمة المدنية أثناء السير فى الدعوى الجنائية كان مصيرها الحتمى هو وقف السير فيها حتى يحكم نهائياً فى الدعوى الجنائية لأن مسئولية المؤمن قبل المؤمن له ، لا تقوم إلا بثبوت مسئولية المؤمن له قبل المضرور ، فإذا كانت هذه المسئولية الأخيرة ناشئة عن الجريمة التى رفعت عنها الدعوى الجنائية فإنها تكون مسألة مشتركة بين هذه الدعوى و الدعوى المدنية التى رفعها المؤمن له على المؤمن و لازما للفصل فيها فى كليهما فيتحتم لذلك على المحكمة المدنية أن توقف دعوى المؤمن له هذه حتى يفصل نهائياً فى تلك المسألة من المحكمة الجنائية عملاً بقاعدة أن الجنائي يوقف المدنى إلتزاما بما تقضى به المادة 406 من القانون المدنى من وجوب تقيد القاضى المدنى بالحكم الجنائي فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم ، و كان فصله فيها ضرورياً و ما تقضى به المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية من أن ما يقل فيه الحكم الجنائي نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة و نسبتها إلى فاعلها تكون له قوة الشىء المحكوم به أمام المحاكم المدنية فى الدعاوى التى لم يكن قد فصل فيها نهائياً ، و متى كان ممتنعاً قانوناً على المؤمن له أن يرفع دعواه على المؤمن أمام المحاكم الجنائية بعد رفع الدعوى العمومية على الجاني محدث الضرر سواء كان بذاته المؤمن له أو أحد ممن يعتبر المؤمن له مسئولاً عن الحقوق المدنية عن فعلهم ، و كان إذا رفع دعواه أمام المحاكم المدنية أثناء السير فى الدعوى الجنائية فإن رفعها فى هذا الوقت يكون عقيماً إذ لا يمكن النظر فيها إلا بعد أن يفصل نهائياً فى تلك الدعوى الجنائية فإن رفع الدعوى الجنائية يكون فى هذه الحالة مانعاً قانونياً يتعذر معه على المؤمن له مطالبة المؤمن بالضمان . مما يترتب عليه المادة 282 من القانون المدنى وقف سريان التقادم ما دام المانع قائماً ، و بالتالى يقف سريان التقادم بالنسبة لدعوى المؤمن له قبل المؤمن طوال المدة التى تدوم فيها المحاكمة الجنائية .

(الطعن رقم 955 لسنة 48 جلسة 1982/01/14 س 33 ع 1 ص 118 ق 23)

شرح خبراء القانون

استخلاص المبادئ الأساسية : ويستخلص من هذه النصوص المبادئ الأساسية الثالثة الآتية :

أولاً – لأى دائن متضامن مطالبة المدين بكل الدين، وللمدين أن يفي بكل الدين لأي مدين متضامن، والوفاء بكل الدين لأى دائن متضامن يبرئ ذمة المدين من الدين نحو سائر الدائنين  م 280 - 281 مدنى  .

ثانياً – أما أسباب انقضاء الالتزام الأخرى، من تجديد ومقاصة واتخاذ ذمة وإبراء وتقادم، فإنها إذا تحققت بالنسبة إلى أحد الدائنين المتضامين، اقتصر أثرها على حصة هذا الدائن، ولا يحتج المدين بأيها على سائر الدائنين إلا بمقدار هذه الحصة (م 282 / 1 مدنى).

ثالثاً – ولا يجوز لأى من الدائنين المتضامنين أن يأتي عملاً من شأنه أن يضر بسائرهم، ولكن إذا أتى عملاً من شأنه أن يفيدهم أفادوا منه (م 282 / 2 مدني) .

والأصل فى ذلك أن ك دائن متضامن يعتبر، فى استيفاء الدين من المدين، أصيلاً عن نفسه فى حصته ونائباً عن سائر الدائنين فى حصصهم، فيكون استيفاؤه للدين مبرئاً لذمة المدين نحو سائر الدائنين، أما فى أسباب الانقضاء الأخرى، فليس الدائن نائباً عن الدائنين الآخرين، بل هو أصيل عن نفسه فحسب، وما يقع من هذه الأسباب يقتصر عليه وحده ولا يتعداه إلى سائر الدائنين، ثم إن نيابة كل دائن عن سائر الدائنين تقوم أيضاً فى كل عمل من شأنه أن يفيد هؤلاء الدائنين، دون الأعمال التى يكون من شأنها أن تضر بها.

فعندنا إذن مسائل ثلاث نتناولها بالبحث على التعاقب : (1) انقضاء الدين بالوفاء. (2) انقضاء الدين بأسباب أخرى غير الوفاء. (3) أعمال الدائن التى من شأنها أن تفيد سائر الدائنين أو أن تضر بهم .

1 - انقضاء الدين بالوفاء

للمدين أن يوفى أى دائن كل الدين : وهذا ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 280 مدنى كما رأينا، إذ تقول : " إذا كان التضامن بين الدائنين، جاز للمدين أن يوفى الدين لأى منهم "، فللمدين إذن أن يختار أى دائن من الدائنين المتضامنين فيوفيه كل الدين، وليس لم اختاره المدين من الدائنين أن يرفض استيفاء الدين كله، بل ليس له أن يقتصر على قبض نصيبه من هذا الدين ويرفض قبض الباقى، وإنما عليه أن يقبض كل الدين، وهذه هى الميزة الجوهرية للتضامن بين الدائنين، فإن هذا التضامن كما قدمنا أقرب أن يكون ضماناً للمدين منه ضماناً للدائنين المتضامنين، إذ يستطيع المدين أن يوفى أحد هؤلاء الدائنين الدين كله دون أن يضطر إلى تجزئة الدين وإعطاء كل دائن نصيبه، وإذا رفض الدائن الذى اختاره المدين قبض الدين، جاز للمدين أن يعرضه عليه عرضاً حقيقياً طبقاً للإجراءات المقررة للعرض الحقيقى، ومتى قبض الدائن الدين أو تمت إجراءات العرض، برئت ذمة المدين من الدين، لا فحسب قبل الدائن الذى قبض الدين وحده، بل قبله وقبل سائر الدائنين.

وكما أن الدائن لا يستطيع أن يفرض على المدين وفاءً جزئياً بحصته من الدين فقط، كذلك لا يستطيع المدين أن يفرض على الدائن أى وفاء جزئي ولو بقدر حصة هذا الدائن، بل إنه إذا أراد إجباره على قبول الوفاء وجب عليه أن يعرض الدين طالما غير منقوص.

وهذا لا يمنع بداهة من أن يتفق المدين مع الدائن على أن يفي له بنصيبه وحده فى الدين، ومتى قبل الدائن منه هذا الوفاء، برئت ذمة المدين بقدر هذا النصيب، وصار لأى دائن آخر من الدائنين المتضامنين أن يطالب المدين بالدين بعد أن يستنزل منه نصيب الدائن الذي استوفى حصته فإذا ما استوفاه على هذا النحو، كان لكل دائن آخر – عدا الدائن الذى استوفى نصيبه طبعاً – أن يرجع بنصيبه على من قبض الدين.

ما لم يمانع أحد الدائنين : وتقضى الفقرة الأولى من المادة 280 مدنى، كما رأينا، بأنه يجوز للمدين أن يفى بكل الدين لأى من الدائنين " إلا إذا مانع أحدهم فى ذلك "، وقد كانت هذه العبارة الأخيرة الواردة فى النص نتيجة تحوير غريب فى لجنة مجلس الشيوخ، كان من شأنه أن يقلب المعنى الذي كان المشروع التمهيدى قد قصد إليه، فقد كان نص هذا المشروع على الوجه الآتى : " . . . جاز للمدين أن يوفي الدين وفاءً صحيحاً لأى من الدائنين المتضامنين، إلا إذا قام دائن آخر بإجراءات تمنع المدين من ذلك "، وكان المقصود من هذه العبارة هو عين ما ذهب إليه التقنين المدنى الفرنسى فى الفقرة الأولى من المادة 1198، وهى تنص على أنه " يكون للمدين الخيار فى أن يوفى الدين لواحد أو لآخر من الدائنين المتضامنين، ما دام لم يمنعه من ذلك مطالبة أحد الدائنين له بالوفاء، فيكون المعنى المقصود فى المشروع التمهيدي أن للمدين أن يوفي كل الدين لأى دائن يختاره من الدائنين المتضامنين، إلا إذا طالبه بالدين دائن آخر، واتخذ هذا الدائن إجراءات للمطالبة تمنع المدين من الوفاء لغيره، ويؤكد ذلك ما ورد فى هذا الشأن فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي، فهي تقول : " وليس يقتصر الأمر على تخويل كل من الدائنين المتضامنين حق اقتضاء الدين بأسره من المدين، بل للمدين كذلك أن يبرئ ذمته بالوفاء لأيهم، ما لم يقم أحدهم بما يحول دون ذلك، فإذا اتخذ أحد الدائنين قبل المدين إجراءات المطالبة، تعين عليه أن يقوم بالوفاء لمن باشر هذه الإجراءات وغيره من الدائنين الذين أصبحوا طرفاً فيها ". .

ولكن لجنة مجلس الشيوخ لم تلفت إلى المعنى المقصود، وظنت أن عبارة  " إلا إذا قام دائن آخر بإجراءات تمنع المدين من الوفاء " يقصد بها مجرد الممانعة من دائن آخر أن يفى المدين للدائن الذى اختاره وذلك عن طريق إجراءات يتخذها الدائن الممانع، فحورت العبارة بحيث أصبحت : " إلا إذا مانع أحدهم فى ذلك "، لأن المقصود كما تقول اللجنة، هو الاكتفاء بمجرد اعتراض أحد الدائنين المتضامنين على وفاء الدين لدائن آخر، فى حين أن عبارة : إلا إذا قام دائن آخر بإجراءات تمنع المدين من ذلك، قد توحى بأن الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات رسمية معينة، على أن المسألة لا تعدو مجرد الاعتراض، ومن المفهوم أن الاعتراض يثبت وفقاً للقواعد العامة فى الإثبات ".

وواضح أن لجنة مجلس الشيوخ قلبت بهذا التحوير المعنى المقصود، فلم يعد الأمر فى التقنين المدنى المصرى، كما هو فى التقنين المدني الفرنسي وغيره من التقنينات، أن يطالب دائن متضامن آخر المدين بالوفاء فيتعين عندئذ على المدين أن يوفى الدين لهذا الدائن دون الدائن الذي اختاره هو، بل صار الأمر على الوجه الآتى : إذا اختار المدين دائناً متضامناً يوفي الدين له، جاز لأى دائن آخر أن يعترض على هذا الوفاء فيمنعه، ولكن ذلك لا يعنى أن المدين يتعين عليه أن يوفى الدين كله للدائن المعترض، فليس هذا الدائن أولى بالوفاء له من الدائن الذى اختاره المدين، ونرى فى هذه الحالة أن الدائن الذى يعترض على الوفاء لغيره يكون قد نقض الوكالة المستخلصة من التضامن، والتى بموجبها كان للدائن الذى اختاره المدين أن يقبض نصيب الدائن المعترض، فيتعين على المدين أن يعطى لهذا الدائن نصيبه، وألا يوفى للدائن الذى اختاره إلا نصيبه وأنصبة الدائنين الآخرين الذين لم يعترضوا، ولهؤلاء أن يرجعوا على هذا الدائن كل بنصيبه، فنوفق بذلك بين حق الدائن المعترض من جهة وحق الدائن الذى اختاره من جهة أخرى، وقد زال بهذا التحوير غير المقصود عيب من عيوب التضامن بين الدائنين، وأصبح لأى دائن متضامن أن يتوقى نتيجة تضامنه مع الدائنين الآخرين إذا اختار المدين غيره للوفاء، فما عليه إلا أن يعترض فيستوفى نصيبه رأساً من المدين، دون أن يعرض نفسه لإعسار الدائن الذى اختاره المدين، وقد وقف التقنين المدنى المصرى بهذا الحكم – عندما تتعارض رغبة المدين فى الوفاء لدائن معين مع رغبة دائن آخر فى أن يستوفى هو الدين – موقفاً وسطاً بين التقنين المدنى الفرنسى الذى يقدم رغبة الدائن على رغبة المدين والتقنين المدنى الألمانى الذى يقدم رغبة المدين على رغبة الدائن، فأن هذا التقنين الأخير فى المادة 428 منه لا يمنع المدين من أن يوفى الدين كله للدائن الذى اختاره بالرغم من مطالبة دائن آخر باستيفاء الدين.

والاعتراض الذى يصدر من الدائن الممانع لا يشترط فيه شكل خاص، كما تذكر لجنة مجلس الشيوخ، فيصح أن يكون بإنذار رسمى على يد محضر، ويصح أن يكون مجرد إخطار كتابي أو شفوي، على أن يكلف الدائن الممانع بإثباته، ويكون الإثبات خاضعاً للقواعد العامة التي تتطلب الكتابة فيما إذا كان نصيب الدائن الممانع يزيد على عشرة جنيهات، ويوجه الاعتراض إلى المدين، حتى يمتنع من وقت وصول الاعتراض إليه من دفع نصيب الدائن المعترض إلى أى دائن آخر من الدائنين المتضامنين، وعلى الدائن المعترض أن يبين فى اعتراضه مقدار هذا النصيب، تحت مسئوليته، حتى يحتجزه المدين له .

لا يحول التضامن دون انقسام الدين بين ورثة الدائن المتضامن : وتنص الفقرة الثانية من المادة 280 مدنى، كما رأينا، على ما يأتى : " ومع ذلك لا يحول التضامن دون انقسام الدين بين ورثه أحد الدائنين المتضامنين، إلا إذا كان الدين غير قابل للانقسام "، ومقتضى هذا الحكم أنه إذا مات أحد الدائنين المتضامنين عن ورثة متعددين، فإن الدين ينقسم عليهم كل بقدر نصيبه فى الميراث، وذلك فيما يختص بالعلاقة بينهم وبين المدين . وقد كان المدين يستطيع أن يوفى الدين كله لمورثهم قبل موته على النحو الذي سبق بيانه، وكان المورث يستطيع أن يطالب المدين بالدين كله على النحو الذي سيأتي بيانه، ولكن بعد موت المورث لا يستطيع المدين أن يفى لأحد الورثة من الدين كله إلا بنسبة نصيبه فى الميراث، ولا يستطيع هذا الوارث أن يطالب المدين بالوفاء إلا بنسبة هذا النصيب، فلو أن الدائنين المتضامنين كانوا أربعة، وكان الدين ستمائة، ومات أحد الدائنين المتضامنين عن ورثة ثلاثة بأنصبة متساوية فى الميراث، فإن كل وارث منهم يستوفى من الدين مائتين فقط، فإذا ما استوفاها رجع عليه كل من الدائنين المتضامنين الثلاثة الآخرين بخمسين، ويستبقى الوارث خمسين هى نصيبه فى الإرث من حصة مورثه فى الدين، وقد بلغت هذه الحصة مائة وخمسين.  .

هذا إذا كان الدين قابلاً للانقسام، أما إذا كان غير قابل له، فإنه لا ينقسم على الورثة، بل يجوز للمدين أن يوفى الدين كله لأى وارث من ورثة الدائن المتضامن الذى مات، كما يجوز لأى وارث أن يطالب المدين بكل الدين، فإذا استوفى أحد الورثة الدين كله، أعطى منه لكل دائن متضامن الحصة التى له فى الدين، ثم أعطى لكل وارث نصيبه فى الإرث من حصة المورث، ففي المثل المتقدم، إذا قبض أحد الورثة الدين كله وهو ستمائة، أعطى لكل من الدائنين المتضامنين الثلاثة الآخرين مائة وخمسين، فيبقى معه مائة وخمسون هى حصة مورثه، يعطى منها خمسين لكل من الوارثين الآخرين، ويستبقى لنفسه خمسين هى نصيبه فى الإرث من حصة مورثه .

وكثيراً ما يشترط فى التضامن بين الدائنين أن يكون الدين قابل للانقسام، توقياً من انقسامه على ورثة الدائنين، وتيسيراً على المدين أن يوفى الدين كله لأى من الدائنين المتضامنين ولأى من ورثة هؤلاء.

ولأي دائن مطالبة المدين بكل الدين : وكما يجوز للمدين أن يوفى الدين كله لأى دائن متضامن على النحو الذى سبق بيانه وهذه هى فائدة التضامن بالنسبة إلى المدين، كذلك يجوز لأى متضامن أن يطالب المدين بالدين كله وهذه هى فائدة التضامن بالنسبة إلى الدائنين المتضامنين، وقد  نصت الفقرة الأولى من المادة 281 مدنى، كما رأينا، صراحة على هذا الحكم إذ تقول : " يجوز للدائنين المتضامنين، مجتمعين أو منفردين، مطالبة المدين بالوفاء، ويراعى فى ذلك ما يلحق رابطة كل دائن من وصف يعدل من أثر الدين".

فإذا طالب أحد الدائنين المتضامنين المدين بالوفاء، وجب على المدين أن يفي له بالدين كله، ويجوز لهذا الدائن إجبار المدين على ذلك، ومتى استوفى الدائن الدين، فإن ذمة المدين تبرأ منه بالنسبة إلى الدائن الذى استوفى الدين وبالنسبة إلى سائر الدائنين، ذلك أن التضامن، كما قدمنا، يجعل لكل دائن صفة في استيفاء الدين كله، بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن غيره من الدائنين المتضامنين، والمخالصة التى يعطيها من استوفى الدين من الدائنين تنفذ فى حقهم جميعاً، ولو لم تكن ثابتة التاريخ.

وللدائنين المتضامنين أن يطالبوا مجتمعين المدين بالوفاء، وفي هذه الحالة يتعين على المدين أن يوفى كلاً منهم نصيبه فى الدين.

وعندما يطالب الدائن المتضامن المدين بكل الدين، يجب عليه، كما تقول الفقرة الأولى من المادة 281 مدني، أن يراعى ما يلحق رابطته بالمدين من وصف يعدل من أثر الدين، فإذا كانت هذه الرابطة معلقة على شرط واقف أو مقترنة بأجل، وجب على الدائن ألا يطالب المدين إلا عند تحقق الشرط وإلا عند حلول الأجل، وقد تكون رابطة أحد الدائنين معلقة على شرط، ورابطة مدين ثان مقترناً بأجل، ورابطة مدين ثالث منجزة، فالأول لا يطالب بالدين إلا عند تحقيق الشرط، والثانى لا يطالب به إلا عند حلول الأجل، وللثالث أن يطالب به فوراً.

أوجه الدفع التى يحتج بها على الدائن المطالب : تنص الفقرة الثانية من المادة 281 مدنى، كما رأينا، على ما يأتى : " ولا يجوز للمدين إذا طالبه أحد الدائنين المتضامنين بالوفاء أن يحتج على هذا الدائن بأوجه الدفع الخاصة بغيره من الدائنين، ولكن يجوز له أن يحتج على الدائن المطالب بأوجه الدفع الخاصة بهذا الدائن وبأوجه الدفع المشتركة بين الدائنين جميعاً "، فإذا طالب أحد الدائنين المتضامنين المدين بالوفاء، على الوجه الذى بيناه فيما تقدم، كان للمدين أن يدفع هذه المطالبة بأوجه الدفع الخاصة بالدائن المطالب وبأوجه الدفع المشتركة بين الدائنين جميعاً، وليس له أن يدفع المطالبة بأوجه الدفع الخاصة بغير الدائن المطالب من الدائنين .

أما أوجه الدفع الخاصة بالدائن المطالب، فمثلاً أن تكون الرابطة التى تربط المدين بهذا لدائن مشوبة بعيب فى رضاء المدين لغلط أو تدليس أو إكراه، أو تكون هذه الرابطة قابلة للفسخ، أو تكون قد انقضت لمقاصة وقعت بين المدين وهذا الدائن أو تجديد أو إبراء أن تقادم أو نحو ذلك، وهذه جميعاً يحتج بها المدين على الدائن، وسنرى تفصيلها فيما يلى.

وأما أوجه الدفع المشتركة بين الدائنين جميعاً، فمثلها أن يكون العقد الذى أنشأ الالتزام التضامني باطلاً فى الأصل أو قابلاً للإبطال لنقض فى أهلية المدين أو لعيب فى رضاه من شأنه أن يحتج به على جميع الدائنين، أو أن يكون العقد قابلاً للفسخ بالنسبة إلى هؤلاء جميعاً، أو أن يكون المدين قد وفى الدين جميعه لدائن آخر غير الدائن المطالب فبرئت ذمته نحو الجميع على الوجه الذي قدمناه، فهذه الأوجه كلها يحتج بها المدين، ويدفع بها مطالبة الدائن .

ولا يحتج المدين بأوجه الدفع الخاصة بدائن غير الدائن المطالب، كما سبق القول، مثل ذلك تدليس أو إكراه صدر من دائن آخر، أو سبب للفسخ قائم فى جانب دائن آخر، أو مقاصة أو إبراء أو تجديد أو تقادم وقع بالنسبة إلى دائن آخر إلا فيما يتعلق بحصة هذا الدائن.

انقضاء الدين بأسباب أخرى غير الوفاء

المبدأ العام  : رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 282 مدنى تنص على أنه " إذا برئت ذمة المدين قبل أحد الدائنين المتضامنين بسبب غير الوفاء، فلا تبرأ ذمته قبل باقى الدائنين إلا بقدر حصة الدائن الذى برئت ذمة المدين قبله "، وقد قدمنا أن الأصل فى ذلك أنه إذا كان كل دائن متضامن وكيلاً عن سائر الدائنين فى استيفاء الدين إذ أن هذا الاستيفاء فى مصلحتهم جميعاً فيرجعون على الدائن كل بحصته فى الدين، فإنه بالنسبة إلى أسباب الانقضاء الأخرى لا يعتبر الدائن المتضامن وكيلاً عن سائر الدائنين، بل يكون أصيلاً عن نفسه فحسب، فإذا انقضى الالتزام بسبب من أسباب الانقضاء غير الوفاء، وقام هذا السبب بأحد الدائنين المتضامنين، برئت ذمة المدين بالنسبة إلى سائر الدائنين من حصة هذا الدائن وحده، وبقيت مشغولة بباقى الدين . وذلك لأن أسباب الانقضاء الأخرى غير الوفاء لا تفيد سائر الدائنين كالوفاء، فلا يجوز أن يضاروا بها.

ونستعرض الآن أسباب الانقضاء المختلفة لنطبق في شأنها هذا المبدأ، وقد طبقه التقنين المدني الجديد تطبيقاً تشريعياً فى التضامن بين المدينين لكثرة وقوعه، واقتصر فى التضامن بين الدائنين على إيراد المبدأ لندرة هذا التضامن  فى العمل كما قدمنا.

التجديد : فإذا جدد أحد الدائنين المتضامنين الدين مع المدين، إما بتغيير محل الدين أو مصدره أو بتغيير المدين أو بتغيير الدائن نفسه، فإن التجديد يقضى حصة الدائن فى الدين بالنسبة إلى سائر الدائنين، ولأى دائن آخر أن يرجع على المدين ببقية الدين بعد أن يستنزل حصة الدائن الذى وقع منه التجديد، فلا تبرأ ذمة المدين إذن نحو سائر الدائنين إلا بقدر حصة هذا الدائن  . فإذا ما رجع دائن آخر على المدين بالدين على الوجه المذكور، فإن المدين يكون قد دفع كل الدين أولاً عن طريق التجديد، ثم دفعه مرة أخرى منقوصاً منه حصة الدائن الذى وقع منه التجديد، فيرجع على هذا الدائن بما دفعه فى المرة الأخرى فإن هذا هو القدر الذى دفعه زائداً على ما في ذمته .

وهذا الحكم يختلف قليلاً عن الحكم المقابل له فى التضامن السلبي، حيث تنص المادة 286 مدنى على أنه " يترتب على تجديد الدين بين الدائن وأحد المدينين المتضامنين أن تبرأ ذمة باقى المدينين، إلا إذا احتفظ الدائن بحقه قبلهم "، وسيأتى تفصيل ذلك فيما يلى .

المقاصة : وإذا وقعت مقاصة ما بين أحد الدائنين المتضامنين والمدين، فإن هذه المقاصة لا تقضي الدين بالنسبة إلى سائر الدائنين المتضامنين إلا بقدر حصة الدائن الذى وقعت مع المقاصة، فلا يجوز إذن للمدين أن يتمسك قبل الدائنين بالمقاصة التى وقعت مع واحد منهم إلا بقدر حصة هذا الدائن، ثم يرجع المدين على الدائن الذى وقعت مع المقاصة بما دفعه للدائنين الآخرين زائداً عما في ذمته، وهذا هو أيضاً حكم المقاصة فى التضامن السلبي (انظر م 287 مدني) .

إتحاد الذمة : وإذا اتحدت ذمة أحد الدائنين المتضامنين بذمة المدين، بأن ورث المدين أحد هؤلاء الدائنين، فإن اتحاد الذمة لا يقضى الدين بالنسبة إلى سائر الدائنين المتضامنين إلا بقدر حصة الدائن الذى وقع معه اتحاد الذمة، فلا يتمسك المدين باتحاد الذمة إلا بقدر حصة هذا الدائن.

وهذا هو أيضاً كحم اتحاد الذمة فى التضامن السلبي (انظر م 288 مدني) .

الإبراء : وإذا أبرأ أحد الدائنين المتضامنين المدين، لم تبرأ ذمة المدين نحو سائر الدائنين المتضامنين إلا بقدر حصة الدائن الذى صدر منه الإبراء، ويرجع أى دائن آخر على المدين ببقية الدين بعد أن يستنزل نصيب هذا الدائن، وهذا هو أيضاً حكم الإبراء فى التضامن السلبي (انظر المادة 289 / 1 مدني) .

التقادم : وإذا تقادم الدين بالنسبة إلى أحد الدائنين المتضامنين ولم يتقادم بالنسبة إلى الآخرين – بأن كان الآخرون مثلاً قد علق حقهم على شرط واقف أو أضيف إلى أجل، فلم يسر التقادم بالنسبة إليهم إلا بعد سريانه بالنسبة إلى الدائن الأول ذي الحق المنجز، فلنقضى حق هذا بالتقادم دون أن تنقضي حقوق أولئك – فإن المدين لا يحتج على سائر الدائنين الذين لم ينقص حقهم بالتقادم إلا بقدر حصة الدائن الذي قضى التقادم حقه وهذا هو أيضاً حكم التقادم فى التضامن السلبى (انظر المادة 292 / 1 مدني) .

3 - أعمال الدائن التى من شأنها تقع سار الدائنين أو الإضرار بهم

المبدأ العام : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 282 مدني تنص على ما يأتي : " ولا يجوز لأحد الدائنين المتضامنين أن يأتى عملاً من شأنه الإضرار بالدائنين الآخرين"، وقد قدمنا أن الأصل فى ذلك أن وكالة كل دائن متضامن عن سائر الدائنين المتضامنين إنما تقوم فى كل عمل من شأنه أن ينفعهم، وهى لا تقوم فى أى عمل من شأنه أن يضر بهم . وهذا جد معقول، فإن الدائنين المتضامنين إذا وكل كل منهم الآخر فإنما يوكله فيما ينفعه لا فيما يضره، والمبدأ ذاته متبع أيضاً فى التضامن السلبى كما سنرى.

ونطبقه الآن – كما طبقه المشرع فى صدد التضامن السلبى – على نوعين من الأعمال : (1) أعمال من شأنها نفع الدائنين الآخرين فيسرى أثرها فى حقهم، ونستعرض منها قطع التقادم ووقفه وإعذار المدين ومطالبته مطالبة قضائية والصلح معه صلحاً يفيد الدائنين وإقراره بالدين والحكم الذى يصدر لصالح أحد الدائنين . (2) وأعمال من شأنها الإضرار بالدائنين الآخرين فلا يسرى أثرها فى حقهم، ونستعرض منها إعذار الدائن والخطأ الذي يصدر منه والصلح مع المدين صلحاً يضر الدائنين ونكول الدائن عن اليمين وتوجيه اليمين للمدين والحكم الذي يصدر لصالح المدين.

الأعمال النافعة : إذا قطع أحد الدائنين المتضامنين التقادم ينقطع لصالح سائر الدائنين المتضامنين، لأن الدائن الذى قطع التقادم يعتبر وكيلاً عنهم فى هذا العمل الذى يفيدهم جمعياً، وعكس ذلك هو حكم قطع التقادم فى التضامن السلبي، إذا قطع الدائن التقادم ضد أحد المدينين المتضامنين، فإن قطع التقادم ضده لا يضر بالمدينين الآخرين  انظر المادة 29 / 2 مدنى، وإذا كان سريان التقادم موقوفاً بالنسبة إلى أحد الدائنين المتضامنين، بأن كان مثلاً ناقص الأهلية وليس له ولى، فإنه لا يوقف بالنسبة إلى باقى الدائنين ممن لا يقوم بهم سبب لوقف التقادم.

وإذا أعذر أحد الدائنين المتضامنين المدين، اعتبر المدين معذراً لصالح سائر الدائنين المتضامنين، لأن الإعذار عمل يفيدهم جميعاً، وكذلك إذا طالب الدائن المدين مطالبة قضائية بالفوائد، فإن الفوائد تسرى أيضاً لصالح سائر الدائنين، والحكم عكس ذلك فى التضامن السلبي، فإنما يعتبر مفيداً للدائن يكون ضاراً بالمدين (انظر المادة 293 / 2 مدني) .

وإذا صالح أحد الدائنين المتضامنين المدين، وتضمن الصلح إقرار المدين بالدين أو رتب فى ذمته التزاماً أو زاد فى التزامه، فإن هذا الصلح يفيد منه باقى الدائنين  انظر فى التضامن السلبى المادة 294 مدنى، وإذا أقر المدين لأحد الدائنين المتضامنين بالدين، أفاد سائر الدائنين من هذا الإقرار، بخلاف ما إذا أقر أحد الدائنين للمدين فإن هذا الإقرار لا يسرى فى حق الباقين (انظر فى التضامن السلبى المادة 295 / 1 مدني) .

وإذا صدر حكم على المدين لصالح أحد الدائنين المتضامنين، جاز للدائنين المتضامنين الباقين أن يتمسكوا بهذا الحكم لصالحهم، إلا إذا كان الحكم مبيناً على سبب خاص بالدائن الذى صدر الحكم لصالحه  (انظر فى التضامن السلبى المادة 296 / 2 مدني) .

الأعمال الضارة : أما إذا أعذر المدين أحد الدائنين المتضامنين، فإن هذا الإعذار لا يسرى فى حق الباقين، لأن هذا عمل من شأنه الإضرار بهم وهم لم يوكلوا الدائن المعذر فى عمل يضرهم (انظر فى التضامن السلبى المادة 293 / 2 مدنى ).

وإذا ارتكب أحد الدائنين المتضامنين خطأ استوجب مسئوليته قبل المدين، فإن هذا الخطأ لا يتعدى أثره إلى سائر الدائنين المتضامنين ولا يكونون مسئولين عنه، ولا يكون أى دائن متضامن مسئولاً إلا عن فعله (انظر فى التضامن السلبى المادة 293 / 1 مدنى ) .

وإذا صالح أحد المتضامنين المدين وكان الصلح ينطوى على نزول من الدائن عن بعض حقه، فإن هذا الصلح لا يسرى فى حق الدائنين المتضامنين الآخرين، ولا يعد هؤلاء نازلين عن بعض حقهم إلا إذا قبلوا هذا الصلح ( انظر في التضامن السلبي المادة 294 مدني) .

وفى توجيه اليمين، إما أن يوجه المدين اليمين لأحد الدائنين المتضامنين أو يوجه أحد الدائنين المتضامنين اليمين للمدين، ففى الحالة الأولى، إذا حلف الدائن المتضامن أفاد من حلفه الباقون، وإذا نكل لم يضار الباقون بنكوله، وفى الحالة الثانية، إذا حلف المدين لم يضار الدائنون الآخرون بحلفه، وإذا نكل أفاد من نكوله الدائنون الآخرون (انظر في التضامن السلبي المادة 259 / 2 و3 مدني) .

وإذا صدر حكم ضد أحد الدائنين المتضامنين لصالح المدين، فإن هذا الحكم لا يحتج به ضد سائر الدائنين المتضامنين  انظر فى التضامن السلبى (المادة 296 / 1 مدني).

وهكذا يضطرد المبدأ الذى قدمناه : ما كان من عمل يفيد سائر الدائنين فإنهم يفيدون منه، وما كان من عمل يضرهم فإنهم لا يضارون به .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة : 237)

إذا برئت ذمة المدين بالوفاء، كان له أن يحتج بذلك في مواجهة جميع الدائنين عندما يكون الوفاء لأحدهم، اذ يعتبر من قبض الدين أصيلاً عن نفسه ونائباً عن باقي الدائنين، وتنتفي هذه النيابة عندما يرجع انقضاء الدين لأسباب أخرى غير الوفاء، وحينئذ لا يكون هناك وجه للإحتجاج بهذه الأسباب إلا في مواجهة الدائن الذي توافرت بالنسبة له، فيكون لأي من الدائنين الآخرين مطالبة المدين بكل الدين منقوصاً منه حصة الدائن الذي قام في حقه سبب الانقضاء.

وينقضي الدين بغير الوفاء عن طريق التجديد والمقاصة واتحاد الذمة والإبراء والتقادم، وقد أوضحها المشرع بالنسبة للتضامن السلبي، واكتفى في التضامن الإيجابي بالإشارة إليها.

فإذا جدد أحد الدائنين المتضامنين الدين مع المدين، فلا تبرأ ذمة الدين قبل باقي الدائنين إلا بقدر حصة الدائن الذي جدد الدين، فيلتزم المدين بالوفاء بالدين منقوصاً منه تلك الصحة، ثم يعود المدين على من جدد معه الدين بقدر ما وفاء زائداً عن تلك الحصة .

إما أن وقعت المقاصة بين المدين واحد الدائنين المتضامنين، فإن المدين لا يستطيع التمسك بالمقاصة في مواجهة باقي الدائنين إلا بقدر حصة من وقعت معه المقاصة أما باقى الذي فيلتزك بالوفاء به ثم يعود على الأخير بما يكون قد وفاه زائداً عما في ذمته.

وإذا اتحدت ذمة أحد الدائنين المتضامنين بذمة المدين بأن يرث المدين أحد الدائنين فإن الدين ينقضي بقدر حصة الدائن الذى اتحددت ذمته بذمة المدين فيرجع باقى الدائنين على المدين بالدين منقوصاً منه حصة الدائن الذي اتحدت ذمته.

وإن أبرأ أحد الدائنين المتضامنين المدين فإن ذمة الأخير لا تبرأ إلا بقدر حصة الدائن المبرئ فيلتزم المدين بالوفاء لباقى الدائنين بالدين منقوصاً منه حصة المبرئ.

وإذا تقادم حق أحد الدائنين المتضامنين فلا تبرأ ذمة المدين من الدين إلا بقدر حصة هذا الدائن ومن ثم يكون المدين ملزماً بالوفاء لباقى الدائنين بالدين منقوصاً منه حصة الدائن التى انقضت بالتقادم ويتحقق التقادم بالنسبة لأحد الدائنين دون الباقين بأن ينشأ حق الأول منجزاً فيسري في شأنه التقادم فور نشوئه بينما يكون التزام الآخرين معلقاً على شرط واقف او مضافاً لأجل فلا يسري التقادم الا بتحقق الشرط أو من وقت حلول الأجل.

أعمال الدائن الضارة

لا يجوز لأحد الدائنين المتضامنين أن يأتي عملاً من شأنه الإضرار بالدائنين الآخرين فإذا ارتكب أحد الدائنين المتضامنين خطأ فهو وحده الذى يسأل عنه قبل المدين وأن تصالح أحد الدائنين المتضامنين وتنازل للمدين عن بعض حقه لا يتعدى هذا الصلح إلى باقى الدائنين وأيضاً أن وجهة اليمين الحاسمة إلى المدين فحلفها فإن أثرها لا يتعدى إلى سائر الدائنين أما إن نكل عنها أفاد باقى الدائنين من هذا النكول فإن وجهت اليمين من المدين إلى أحد الدائنين فحلفها أفاد من الحلف باقى الدائنين وان نكل عنها اقتصر أثر النكول وأن استصدر الدائن المتضامن حكماً ضد المدين افاد به باقى الدائنين أما ان صدر الحكم ضده فإن أثره لا يتعدى لباقى الدائنين .

أعمال الدائن النافعة :

يستفيد باقى الدائنين من الأعمال النافعة التي يأتيها أحدهم، كقطع التقادم والإعذار والمطالبة بالفوائد والصلح المتضمن إقرار المدين بالدين.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس، الصفحة : 23)

إذا برئت ذمة المدين قبل أحد الدائنين المتضامنين بسبب غير الوفاء فلا تبرأ ذمته قبل باقي الدائنين، إلا بقدر حصة الدائن الذي برئت ذمة المدين قبله. ذلك أن الدائن المتضامن لا يعتبر نائباً عن جميع الدائنين إلا في استيفاء الدين حين يرجع عليه كل منهم بحصته فيه، دون أسباب الانقضاء الأخرى التي لا يكون فيها إلا أصيلاً عن نفسه. فإذا انقضى الدين لسبب غير الوفاء كالمقاصة أو اتحاد النمة أو الإبراء مثلاً، بالنسبة لأحد الدائنين المتضامنين، برئت ذمة المدين قبل بقية الدائنين بقدر حصة هذا الدائن وحده وظل ملتزما قبلهم ببقية الدين.

سريان النيابة التبادلية بين الدائنين المتضامنين فيما ينفع لا فيما يضر:

أشارت الفقرة الثانية من المادة إلى استبعاد مبدأ النيابة التبادلية كلما كان في الأخذ به ما يسئ إلى مركز الدائنين المتضامنين، فالنيابة التبادلية تكون بين الدائنين المتضامنين فيما ينفع لا فيما يضر، وذلك بنصها على أن: "لا يجوز الأحد الدائنين المتضامنين أن يأتي عملاً من شأنه الإضرار بالدائنين الآخرين".

فإذا أعذر أحد الدائنين المتضامنين المدين استفاد الباقون من هذا الإعذار.

أما إذا أعذر المدين أحد الدائنين المتضامنين فلا يكون لذلك أثر بالنسبة إلى باقي الدائنين.

وإذا قطع أحد الدائنين التقادم انقطع بالنسبة للباقين. ويستحق الدائنون جميعا الفوائد من وقت أن يطالب أحدهم بها مطالبة قضائية. ويستفيدون جميعا من إقرار المدين لأحدهم، ومن الحكم الذي يصدر لصالح أحدهم إلا إذا كان الحكم مبنياً على سبب خاص بهذا الدائن، ولا يحتج عليهم بالحكم الذي يحصل عليه المدين ضد أحد الدائنين إلا بقدر حصة هذا المدين، وهكذا .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الرابع الصفحة/   117)

يترتب على التضامن بين الدائنين في علاقتهم بعضهم ببعض :

(أولاً) أن يعتبر كل منهم نائباً عن الآخرين في مطالبة المدين بحقهم جميعاً وفي استيفائه منه، لا فيما عدا ذلك.

فتضامن الدائنين يوجد بينهم نيابة تبادلية فيما ينفعهم لا فيما يضرهم (المادة 282 فقرة ثانية)، بمقتضاها يجوز لكل منهم مطالبة المدين بالدين كله واستيفاؤه منه كله واتخاذ الإجراءات المؤدية لذلك، ويتفرع على هذا :

1) أنه إذا أعذر أحد الدائنين المدين، فإن هذه الإعذار يفيد منه كل الدائنين .

2) وكذلك إذا قطع أحدهم سريان التقادم استفاد من قطعة الباقون .

3) وإذا طالب أحدهم المدين بالفوائد مطالبة قضائية سرت الفوائد على الدين كله لمصلحة جميع الدائنين.

4) وإذا حصل أحد الدائنين على حكم لمصلحته ضد المدين، فإن هذا الحكم يفيد منه كل الدائنين .

5) وبالعكس من ذلك إذا نزل أحد الدائنين عن الدين كله، أو حصلت المقاصة في شخصه بالنسبة إلى الدين كله، أو سقط حقه بالتقادم، أو حكم برفض دعواه، فإنه لا يعد نائباً عن الآخرين في شيء من ذلك، ويجوز أكل منهم مطالبة المدين بالباقي من الدين بعد استنزال نصيب ذلك الدائن ( المادة 282 فقرة أولى ).

(ثانياً) أن ما يستوفيه أحد الدائنين المتضامنين يكون من حقهم جميعاً ويتحاصون فيه، أي أنه إذا استوفى أحدهم الدين كله أو بعضه، فإن ما استوفاه يجب أن يقسم بينهم ( المادة 283 فقرة أولى )، وتكون قسمته بينهم بالتساوي أي بقدر عدد الرؤوس، إلا إذا وجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ( المادة 283 فقرة ثانية )، فإذا كان ما استوفاه أحد الدائنين لا يجاوز قدر نصيبه في الدين فلا يجوز له أن يحتفظ به لنفسه باعتباره مستحقاً له وحده، بل يجب عليه أن يقتسمه مع سائر الدائنين على أن يكون له بدوره مقاسمة كل منهم فيما حصله أو يحصله مستقبلاً.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء :  السادس، الصفحة : 572)

الفقة الإسلامي

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 ( مادة ۲۷۰)

١- اذا برئت ذمة المدين قبل أحد الدائنين المتضامنين بسبب غير الوفاء ، فلا تبرأ ذمته قبل باقي الدائنين إلا بقدر حصة هذا الدائن .

٢- واذا أتي أحد الدائنين المتضامنين عملاً من شأنه الأضرار بغيره من الدائنين ، فلا ينفذ هذا العمل في حقهم .

هذه المادة تطابق في حكمها المادة ۲۸۲ من التقنين الحالي التي تنص على ما باتی :

1 - اذا برئت ذمة المدين قبل أحد الدانتين المتضامنين بسبب غير الوفاء فلا تبرأ ذمته قبل باقي الدائنين الا بقدر حصة الدائن الذي برئت ذمة الدين قبله .

2- ولا يجوز لأحد الدائنين المتضامنين أن یأتی عملاً من شأنه الإضرار بالدائنين الاخرين  •

وقد عدلت صياغة هذه المادة الأخيرة على النحو الوارد في المادة المقترحة ، مع الإبقاء على حكمها .

والمادة المقترحة تطابق في حكمها المادة ۳۱۸ من التقني العراقی .

و تطابق المادة 344 من التقنين الكویتی

والفقرة الأولى منها تطابق المادة 414 من التقنين الأردنی :

أنظر في الفقه الاسلامي : البدائع ج 6 ص ۷۰ و ۷۲ و 74 و 76 وم 169 و ۱۷۱ و ۱۷۲ - ۱۸۷ من مرشد الجيران .