مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 60
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- يعتبر الدين وحدة لاتقبل التجزئة في صلة الدائنين بالمدين، ولكنه على نقيض ذلك ينقسم في صلة الدائنين بعضهم ببعض، ويتفرع على ذلك أن كل ما يستوفي أحد الدائنين من الدين بصير من حق هؤلاء الدائنين جميعاً، ويتحاصون فيه بنسب أنصبائهم، وفقاً لما اتفقوا عليه صراحة أو ضمناً، فإذا كان أحدهم هو صاحب المصلحة في الدين وحده، وكان الباقون مجرد وكلاء سخروا في الواقع من الأمر، استقل هذا الدائن وحده بالدين بأسره إن كان قد استوفاه، وله أن يرجع به كله على من يستأديه من سائر الدائنين.
2 - فإذا لم يكن ثمة اتفاق أو نص في القانون بشأن القسمة، اقتسم الدين صوبة بين الدائنين، فلو فرض أن أحد دائنين ثلاثة استوفي كل الدين، وكان مقداره 300 جنيه، تعين اقتسام المبلغ بينهم بالتساوي، فيكون لكل من الدائنين الآخرين أن يرجع على الدائن الأول بمبلغ 100 جنيه، ولو فرض أن هذا الدائن أعسر إعساراً جزئياً، لا يتاح معه إلا أداء نصف ديونه، تحمل الدائنان الآخران تبعة هذا الإعسار كل بنسبة نصف نصيبه وكذلك يكون الحكم لو أن المدين نفسه هو الذي أعسر ولم يتيسر لمن طالبه من الدائنين المتضامنين إلا استيفاء نصف الدين أي مبلغ 150 جنيهاً فلا يكون لكل من الدائنين الآخرين في هذه الحالة أن يستوفي إلا مبلغ 50 جنيهاً وعلى هذا النحو يتحمل الدائنون الثلاثة تبعة هذا الإعسار كل بنسبة النصف من نصيبه .
3- وليس يبقى بعد ذلك سوى بيان الأساس الفقهي الذي يقوم عليه رجوع الدائنين المتضامنين فيما بينهم، وغني عن البيان أن دعوى الحلول لا يتصور أن تتخذ أساساً في هذا الشأن، فالأمر ينحصر إذن في الدعوى الشخصية وهي تؤسس على ما يكون بين هؤلاء الدائنين من علاقات سابقة قد يكون مصدرها وكالة أو فضالة.
إذا كان الدين لا ينقسم على علاقة الدائنين المتضامنين بالمدين، بل يجوز لأى دائن استيفاء كل الدين من المدين ويجوز للمدين دفع الدين كله لأى دائن، فإن الدين فى علاقة الدائنين بعضهم ببعض ينقسم، وما يستوفيه أحد الدائنين المتضامنين من الدين يصير من حق الدائنين جميعاً، منقسماً بينهم لكل منهم حصته (م 283 / 1 مدنى) .
وهذه القاعدة تسري أياً كانت طريقة الدائن فى استيفاء الدين، فيجوز أن يستوفيه رأساً من المدين، كما يجوز أن يستوفيه من كفيل للمدين، أو من محال عليه إذا حول المدين الدائن بحق للمدين على الغير وهذه هى حوالة الحق، أو حوله بالدين على مدين آخر وهذه هى حوالة الدين.
وتسري القاعدة أيضاً أياً كان المقدار الذي استوفى الدائن : كل الدين أو بعضه، فإذا كان قد استوفى بعض الدين، جاز لكل دائن آخر أن يرجع عليه رجوعاً جزئياً بقدر حصته فى هذا لبعض، أما إذا اتفق الدائن مع المدين على أن يفي له بحصته وحده فى الدين، فقد قدمنا أن هذا الاتفاق يصح، وتبرأ ذمة المدين بقدر هذه الحصة، ويكون لأى دائن آخر أن يطالب المدين ببقية الدين بعد أن يستنزل حصة الدائن الذى استوفى حصته، وإن كان هناك رأي يذهب إلى أن الدائنين الآخرين لهم حتى فى هذه الحالة الرجوع على المدين الذى قبض حصته كل بنسبة حصته فى الدين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
الأساس القانون لرجوع كل دائن بحصته : ويجب أن نلتمس الأساس القانون لرجوع كل دائن بحصته فى العلاقة التى قام التضامن على أساسها بين الدائنين المتضامنين، فهم ولا شك شركاء فى مصلحة واحدة، فقد يكونون ملاكاً على الشيوع لدار باعوها معاً متضامنين فى استيفاء الثمن من المشترى، فعقد البيع الذى أنشأ الالتزام بالثمن وأنشأ فى الوقت ذاته علاقة التضامن ما بين البائعين يمكن أن تستخلص منه، فى هذه الحالة، وكالة ضمنية صادرة من كل بائع للبائعين الآخرين في استيفاء الثمن نيابة عنه وبتوكيله، فإذا أمكن استخلاص ذلك - وهو ممكن فى أكثر الأحوال - كان أساس الرجوع هو عقد الوكالة الضمني المستخلص من رابطة التضامن.
وإذا لم يمكن استخلاص وكالة ضمنية، فإن قبض أحد الدائنين لجميع الدين إنما يكون أصالة فى حصته، وفضالة فى حصص سائر الدائنين، فيرجع هؤلاء على الدائن الذى استوفى الدين، كل بقدر حصته، على مقتضى قواعد الفضالة.
وسنري فى التضامن السلبي أن المدين المتضامن، إذا وفى كل الدين، رجع على المدينين المتضامنين كل بقدر حصته، إما بدعى شخصية تقوم على الوكالة أو الفضالة كما فى التضامن الإيجابى، وإما بدعوى الحلول فيحل المدين الذى وفى الدين محل الدائن فى الدين الذى وفاة، ولا تتصور دعوى الحلول فى التضامن الإيجابى، فإن هذه الدعوى لا تكون إلا لمدين دفع الدين ويريد الرجوع على المدينين الآخرين فيحل محل الدائن فى هذا الرجوع، ولا شئ من ذلك فيما نحن فيه.
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في بيان الأسس الذى يقوم عليه حق الرجوع ما يأتى : " وليس يبقى بعد ذلك سوى بيان الأساس الفقهى الذى يقوم عليه رجوع الدائنين المتضامنين فيما بينهم، وغنى عن البيان أن دعوى الحلول، لا يتصور أن تتخذ أساساً فى هذا الشأن، فالأمر سينحصر إذن فى الدعوى الشخصية، وهي تؤسس على ما يكون بين هؤلاء الدائنين من علاقات سابقة، قد يكون مصدرها وكالة أو فضالة ".
كيف تتعين حصة كل دائن متضامن : يغلب أن يكون هناك إتفاق سابق بين الدائنين المتضامنين يعين لكل دائن حصته فى الدين، وقد يتولى القانون هذا التعيين إذا لم يكن هناك إتفاق، فإذا أغفل البائعون فى الشيوع مثلاً تعيين نصيب كل منهم فى الثمن، فإن القواعد القانونية تقضي بأن الثمن ينقسم بينهم كل بنسبة حصته فى الدار الشائعة المبيعة.
بل إن القواعد القانونية قد تقضي بأن يكون أحد الدائنين المتضامنين هو وحده صاحب المصلحة فى الدين، وذلك إذا كان الدائنون الآخرون ليسو إلا وكلاء سخرهم للعمل بالنيابة عنه، وجعلهم دائنين متضامنين معه، ففى مثل هذه الحالة إذا كان الذى استوفى الدين من المدين هو الدائن صاحب المصلحة فيه، فليس لأحد من الآخرين حق الرجوع عليه بشيء، أما إذا كان الذى استوفى الدين هو دائن آخر، فإن صاحب المصلحة فى الدين يرجع عليه بكل ما قبض، لأنه هو وحده صاحب الدين.
فإذا لم يوجد إتفاق بين الدائنين أو نص فى القانون، لم يبق إلا اعتبار الدائنين المتضامنين متساوين جميعاً فى حصصهم، وقسم الدين بينهم بحسب الرؤوس، وهذا ما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 283 مدني.
فلو فرض – كما تقول فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى – أن أحد دائنين ثلاثة استوفى كل الدين، وكان مقداره 300 جنيه، تعيين انقسام المبلغ بينهم بالتساوى، فيكون لكل من الدائنين الآخرين أن يرجع على الدائن الأول بمبلغ مائة جنيه، ولو فرض أن هذا الدائن أعسر إعساراً جزئياً لا ياح معه إلا أداء نصف ديونه، تحمل الدائنان الآخران تبعة هذا الإعسار كل بنسبة نصف نصيبه ( فيحصل كل منهما على خمسين جنيهاً بدلاً من مائة، ولا يتحمل المدين تبعة إعسار الدائن وهذه هى فائدة التضامن بالنسبة إليه )، وكذلك يكون الحكم لو أن المدين نفسه هو الذى أعسر ولم يتيسر لمن طالبه من الدائنين المتضامنين إلا استيفاء نصف الدين أى مبلغ 150 جنيه، فلا يكون لكل من الدائنين الآخرين فى هذه الحالة أن يستوفى إلا مبلغ خمسين جنيهاً، وعلى هذا النحو يتحمل الدائنون الثلاثة تبعة هذا الإعسار كل بنسبة النصف من نصيبه.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة : 258)
يعتبر الدين وحده لا تقبل التجزئة في صلة الدائنين بالمدين، ولكنه على نقيض ذلك ينقسم في صلة الدائنين بعضهم ببعض، ويتفرع على ذلك أن كل ما يستوفيه أحد الدائنين من الدين يعتبر من حق هؤلاء الدائنين جميعاً ويتحاصون فيه بنسبة أنصبائهم وفقاً لما اتفقوا عليه صراحة أو ضمناً، والأصل أن يقسم الدين عليهم بالتسوية فيما بينهم على أساس تساوي الحصص ولكن يجوز لمن يدعي من الدائنين خلاف هذا الأصل أن يثبت ما يدعيه وفقاً للقواعد العامة في الإثبات فإن كانت الحصة التي يرد عليها الإثبات تجاوز نصاب البينة تعين إثباتها بالكتابة أو ما يقوم مقامها.
وإذا كان ما استوفاه أحد الدائنين جزء من الدين، وجب قسمة هذا الجزء على جميع الدائنين على نحو ما تقدم، أما إن كان أحد الدائنين قد اتفق مع المدين على إستبقاء حصته من الدين، فإنه ينفرد بهذه الحصة رغم اعتبار ذلك وفاءً بجزء من الدين، ويكون لباقي الدائنين، مجتمعين أو منفردين، الرجوع على المدين بباقي الدين، وهناك رأي يوجب قسمة هذه الحصة على جميع الدائنين بحسب أنصبائهم بإعتبار ذلك وفاءً جزئياً.
فإن كان أحد الدائنين هو صاحب المصلحة وحده في الدين، وكان الباقون مجرد وکلاء سخروا في الواقع من الأمر، استقر هذا الدائن وحده بالدين كله إن كان قد استوفاه، وله أن يرجع به كله على من يستأدیه من سائر الدائنين.
ويؤسس رجوع الدائنين فيما بينهم على الدعوى الشخصية ويكون مصدرها وكالة إذا أمكن استخلاص توافر الوكالة الضمنية بالنسبة لاستيفاء الدين، فان لم يمكن ذلك كان الرجوع بدعوى الفضالة، ولا يتصور إتخاذ دعوى الحلول أساساً في هذا الشأن.
إعسار من استوفى الدين :
إذا إستوفى أحد الدائنين الدين وليكن 300 جنيه، وكان الدائنون ثلاثة، فيخص كل واحد مائة فيرجع كل دائن بقدر هذا المبلغ على الدائن الذي إستوفی الدين، فلو كان هذا الدائن قد أعسر إعساراً جزئياً لا يتاح معه إلا أداء نصف دیونه، تحمل الدائنان الآخران تبعة هذا الاعسار كل بنسبة نصف نصيبه .
إعسار المدين :
فإن كان المدين هو الذي أعسر إعساراً جزئياً ولم يوف لأحد الدائنين إلا نصف الدين أي 150 جنيهاً كما في المثل المتقدم، قسم على الدائنين الثلاثة فيأخذ كل منهم خمسين ويتحمل تبعة إعسار المدين بالنسبة لباقي ما يستحقه.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس الصفحة : 26)
يعتبر الدين وحدة لا تقبل التجزئة في صلة الدائنين بالمدين، ولكنه على نقيض ذلك ينقسم في صلة الدائنين بعضهم ببعض، ويتفرع على ذلك أن كل ما يستوفيه أحد الدائنين المتضامنين من المدين ليس حقاً خالصاً له، بل يشاركه فيه باقي الدائنين.
ويكون لكل من الدائنين المتضامنين الحق في الرجوع على الدائن المستوفي لمطالبته بنصيبه من هذا الدين.
والدعوى التي يرجع بها الدائن هي دعوى الشخصية، إذ لا يتصور أن يتخذ دعوى الحلول أساساً في هذا الشأن.
ويتأسس حق الرجوع على الوكالة الضمنية، ذلك لأن قبض أحد الدائنين لجميع الدين إنما يكون أصالة في حصته ووكالة عن سائر الدائنين وإن تعذر وجود هذه الوكالة، فإن الدائن المستوفي يكون أصيلاً عن نفسه وفضولياً عن سائر الدائنين .
يكون رجوع الدائنين المتضامنين على بعضهم بالدين الذي استوفاه أحدهم، وفقاً للاتفاق الذي تم بينهم أو النص القانوني إن كان هناك نص.
وإذا لم يوجد اتفاق على تحديد على تحديد نصيب كل من الدائنين في الدين، أو لم يوجد نص يحدد هذا النصيب، افترض أن حصة كل منهم مساوية لحصة الآخرين، وينقسم الدين بينهم بطريق التساوي .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع، الصفحة : 119)
يترتب على التضامن بين الدائنين في علاقتهم بعضهم ببعض :
(أولاً) أن يعتبر كل منهم نائباً عن الآخرين في مطالبة المدين بحقهم جميعاً وفي استيفائه منه، لا فيما عدا ذلك.
فتضامن الدائنين يوجد بينهم نيابة تبادلية فيما ينفعهم لا فيما يضرهم (المادة 282 فقرة ثانية)، بمقتضاها يجوز لكل منهم مطالبة المدين بالدين كله واستيفاؤه منه كله واتخاذ الإجراءات المؤدية لذلك، ويتفرع على هذا :
1) أنه إذا أعذر أحد الدائنين المدين، فإن هذه الإعذار يفيد منه كل الدائنين .
2) وكذلك إذا قطع أحدهم سريان التقادم استفاد من قطعة الباقون .
3) وإذا طالب أحدهم المدين بالفوائد مطالبة قضائية سرت الفوائد على الدين كله لمصلحة جميع الدائنين .
4) وإذا حصل أحد الدائنين على حكم لمصلحته ضد المدين، فإن هذا الحكم يفيد منه كل الدائنين .
5) وبالعكس من ذلك إذا نزل أحد الدائنين عن الدين كله، أو حصلت المقاصة في شخصه بالنسبة إلى الدين كله، أو سقط حقه بالتقادم، أو حكم برفض دعواه، فإنه لا يعد نائباً عن الآخرين في شيء من ذلك، ويجوز أكل منهم مطالبة المدين بالباقي من الدين بعد استنزال نصيب ذلك الدائن (المادة 282 فقرة أولى).
(ثانياً) أن ما يستوفيه أحد الدائنين المتضامنين يكون من حقهم جميعاً ويتحاصون فيه، أي أنه إذا استوفى أحدهم الدين كله أو بعضه، فإن ما استوفاه يجب أن يقسم بينهم (المادة 283 فقرة أولى)، وتكون قسمته بينهم بالتساوي أي بقدر عدد الرؤوس، إلا إذا وجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك (المادة 283 فقرة ثانية)، فإذا كان ما استوفاه أحد الدائنين لا يجاوز قدر نصيبه في الدين فلا يجوز له أن يحتفظ به لنفسه باعتباره مستحقاً له وحده، بل يجب عليه أن يقتسمه مع سائر الدائنين على أن يكون له بدوره مقاسمة كل منهم فيما حصله أو يحصله مستقبلاً.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس، الصفحة : 572)
صورة خاصة من التضامن بين الدائنين (الدين المشترك)
الدين المشترك صورة خاصة من التضامن بين الدائنين يعرفها الفقه الإسلامي والتقنين المدني العراقي دون التقنين المدني المصري وسائر التقنينات المدنية العربية : وهناك صورة خاصة من التضامن بين الدائنين لا تصل إلى المدى الذى رسمناه فيما تقدم، بل تقصر عنه فى بعض النواحى، وهذه الصورة الخاصة هى ما يعرفه الفقه الإسلامى تحت اسم " الدين المشترك، وقد نقلها عن الفقه الإسلامى – وعن المجلة بنوع خاص – التقنين المدنى العراقى، ولم ينقلها التقنين المدنى المصرى ولا التقنينات المدنية العربية الأخرى . ومن ثم يكون هذا البحث مقصوراً، من ناحية التطبيق، على التقنين المدني العراقي دون غيره من التقنينات المدنية العربية .
ونبحث الدين المشترك كما بحثنا التضامن بين الدائنين، فنستعرض (أولاً) مصدر الدين المشترك (ثانياً) الآثار التي تترتب على الاشتراك فى الدين .
المطلب الأول
مصدر الدين المشترك :
نص في التقنين المدني العراقي :
تنص المادة 303 من التقنين المدني العراقي على ما يأتي :
1- يكون الدين مشتركاً بين عدة دائنين إذا نشأ من سبب واحد، وكان غير متجزئ إما لوحدة الصفقة أو لسبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين".
2- فيعتبر ديناً مشتركاً ثمن المبيع المشترك بين اثنين أو أكثر، وثمن الشيئين ولو كانا غير مشتركين، ما دام البيع فى الحالتين قد صدر صفقة واحدة من غير تعيين ثمن حصة كل واحد، ويعتبر ديناً مشتركاً كذلك الدين الآيل بالإرث إلى عدة ورثة، وقيمة المال المشترك إذا استهلك، وبدل القرض المستقرض من مال مشترك " .
ويتبين من هذا النص أن الدين المشترك بين عدة دائنين له مصدر واحد لا يتعدد، ويجب إلى جانب ذلك أن يكون هناك إشتراك فى الدين بين الدائنين، فما لم يوجد هذا الاشتراك انقسم الدين على الدائنين المتعددين وأصبح ديناً متعدد الأطراف على النحو الذى قدمناه .
والإشتراك في الدين إما أن يرجع إلى طبيعة الأشياء بأن يكون المال الذى نشأ عنه الدين مالاً مشتركاً (أى شائعاً ) بين الدائنين فينشأ الاشتراك فى الدين من سبق الإشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين، وإما أن يرجع إلى إتفاق المتعاقدين إذا تعدد الدائنون واتفقوا مع المدين على أن يكون الدين مشتركاً بينهم وذلك بأن يجعلوا الصفقة واحدة .
فهناك إذن مصدران للإشتراك فى الدين : (1) سبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين (2) ووحدة الصفقة . فنتناولهما متعاقبين بالبحث .
سبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين : فى هذه الصورة يكون هناك مال شائع بين اثنين أو أكثر ويكون هذا المال هو مصدر الدين المشترك .
ويصح فى هذه الحالة أن ينشأ الدين مشتركاً مذ البداية، ويتحقق ذلك إذا آل دين للتركة إلى ورثة متعددين، فإذا كان للتركة دين فى ذمة مدين لها، وكان الورثة ثلاثة مثلاً – زوجاً وابناً وبنتاً – فكان للزوج الربع وللإبن النصف وللبنت الربع، كان هذا الدين الذى للتركة ديناً مشتركاً منذ البداية بين الورثة الثلاثة بالحصص المتقدمة الذكر.
وقد يكون الموجود فى البداية هو المال الشائع لا الدين المشترك، ثم ينشأ الدين المشترك بعد ذلك عن المال الشائع، مثل ذلك أن يرث ورثة متعددون عيناً من أعيان التركة على الشيوع ويبيع الورثة العين صفقة واحدة، فالدين بالثمن الذي نشأ عن هذا المال الشائع يكون ديناً مشتركاً بين الورثة المتعددين، وقد يكون سبب الشيوع فى العين سبباً آخر غير الميراث ويبيع الملاك فى الشيوع العين صفقة واحدة، فيكون الدين بالثمن هنا أيضاً ديناً مشتركاً بين البائعين المتعددين، وإذا كانت العين الشائعة بين الملاك المتعددين قد أتلفها شخص فوجب عليه التعويض لملاك العين، فالدين بالتعويض الذى نشأ عن هذا المال الشائع يكون ديناً مشتركاً بين الملاك المتعددين، وإذا أقرض الملاك المتعددون شخصاً مالاً شائعاً بينهم، فالدين يرد القبض وقد نشأ عن مال شائع يكون ديناً مشتركاً بين المقرضين المتعددين.
ونرى من الأمثلة المتقدمة أن الدين المشترك فى الصورة التى نحن بصددها هو دين قابل للتجزئة، ولكن طبيعة الأشياء – أى سبق الاشتراك فى المال – اقتضت أن يبقى الدين مشتركاً بين الدائنين المتعددين .
الآثار التى ترتبت على الاشتراك فى الدين
المبادئ الرئيسية : يترتب على الاشتراك فى الدين ضرب من التضامن بين الدائنين هو فى جملته أقل توثيقاً من التضامن العادى الذى سبق بيانه، ويجب التمييز فى هذا الصدد بين علاقة الدائنين بالمدين وعلاقة الدائنين بعضهم ببعض .
(أولاً) فمن حيث علاقة الدائنين بالمدين : ينقسم الدين على الدائنين، ولا يستطيع أى دائن منهم أن يرجع على المدين إلا بحصته فى الدين، يستوفيها بأى طريق من طرق الاستيفاء، أى يقضيها بأى سبب من أسباب الانقضاء، وفى هذا يختلف الاشتراك فى الدين عن التضامن بين الدائنين اختلافاً بينا، فقد رأينا أن الدائن المتضامن يستطيع الرجوع على المدين بكل الدين، بحصته وبحصص شركائه، وهؤلاء يرجعون عليه بعد ذلك كل منهم بحصته، وبينا أن هذا هو موضع الضعف فى التضامن، فهو ضمان للمدين أكثر منه ضماناً للدائن، إذ المدين تبرأ ذمته بدفع الدين كله لأحد الدائنين، فإذا ما استوفى هذا كل الدين تعرض شركاؤه لخطر إعساره عند رجوعهم عليه بحصصهم .
وينبني على أن الدائن في الدين المشترك لا يرجع على الدين إلا بحصته أن كثيراً من مسائل التضامن فى الحالات التى ينقضى فيها الالتزام التضامنى بسبب غير الوفاء، كالمقاصة والتجديد واتحاد الذمة والإبراء والتقادم، لا تعرض فى الدين المشترك، إذ الدائن فى هذا الدين لا يستوفى إلا حصته، فلا محل للتساؤل عما إذا كان الدائنون الآخرون يحتج عليهم بانقضاء الدين كله أو بمقدار حصة شريكهم فحسب، ثم إن النيابة التبادلية لا محل لها فى الدين المشترك، فالدائن في هذا الدين لا يقبض إلا حصته، فلا محل للقول بأنه يمثل شركاءه فى قبض حصصهم، ونرى من ذلك أن كثيراً من الصعوبات التى تقوم فى نظام التضامن لا وجود لها فى نظام الدين المشترك، وأن هذا النظام يفضل نظام التضامن من حيث علاقة الدائنين بالمدين.
(ثانياً) أما من حيث علاقة الدائنين بعضهم ببعض، فهنا تتجلى ذاتية نظام الدين المشترك، وإذا كان هذا النظام لا يخرج كثيراً عن القواعد العامة فى ناحية علاقة الدائنين بالمدين، فإنه فى علاقة الدائنين بعضهم ببعض ينحرف كثيراً عن هذه القواعد وتبرز مقوماته الرئيسية، بل هو يقرب فى هذه الناحية من نظام تضامن الدائنين .
فالدائن إذا قبض حصته في الدين من المدين، كان للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيما قبض كل بنسبة حصته في الدين ثم يرجعون، وهو معهم، على المدين بما بقي لهم في ذمته، وللدائنين الآخرين أن يتركوا الدائن الذي قبض حصته ويتبعوا المدين بحصصهم، فإذا كان المدين معسراً عند مطالبتهم إياه كان من حقهم أن يرجعوا على الدائن الذي قبض حصته ليحملوه نصيبه من التبعة عن إعسار المدين، وفى هذه القواعد يتمثل الضمان الذى ينطوى عليه نظام الدين المشترك، فكل دائن إذا قبض حصته لم تخلص له، بل يبقى ضامناً للدائنين الآخرين حصصهم ويتحمل معهم تبعة إعسار المدين وللدائنين الآخرين في هذا وسيلتان : فأما أن يشاركوه في حصته التي قبضها، وإما أن يرجعوا عليه بالضمان إذا طالبوا المدين بحصصهم فوجدوه معسراً، وهذا ما يسبغ على نظام الدين المشترك قوته من حيث هو ضمان للدائنين، وهذا فى الوقت ذاته موطن الضعف في هذا النظام، فالدائن الذي يقبض حصته لا تخلص له الحصة كما قدمنا، ولا يستطيع أن يطمئن إلى أنه قد استولى على حصته إلا بعد أن يستولى الدائنون الآخرون أيضاً على حصصهم .
ونظام تضامن الدائنين لا يبعد كثيراً عن هذا النظام، فقد رأينا أن الدائن المتضامن إذا قبض من المدين جزءاً من الدين، حتى لو كان هذا الجزء معادلاً لحصته على خلاف فى الرأى، جاز للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيما قبض كل بنسبة حصته، ورأينا كذلك أن المدين إذا أعسر تحمل كل الدائنين تبعة هذا الإعسار،. ففى هذه الأحكام يتلاقى نظام الدين المشترك مع نظام تضامن الدائنين .
جواز الاتفاق على استبعاد الاشتراك فى الدين : ومهما يكن من أمر الدين المشترك، أو ما ينطوى عليه نظامه من مزايا وعيوب، فإنه يجوز أن يتفق ذوو الشأن على استبعاد هذا النظام، وقد نصت المادة 314 من التقنين المدنى العراقى على أنه " 1 - فى الدين المشترك يجوز الاتفاق فيما بين الشركاء على أن يكون لكل منهم الحق فى قبض حصته من الدين، من غير أن يكون لسائر الشركاء الرجوع عليه لو توت حصصهم .
2- وفى هذه الحالة ينقسم الدين المشترك على الدائنين قسمة تامة، ويختص كل منهم بحصته فى الدين من غير أن يشاركه فيها غيره بوجه من الوجوه ".
ونظام الدين المشترك، فى حالة وحدة الصفقة، ليس فى حالة إلى الاستبعاد، لأن ذوى الشأن فى هذه الحالة هم الذين أرادوا هذا النظام وعبروا عن هذه الإرادة من طريق وحدة الصفقة، فإذا كانوا لا يريدونه فليس أيسر عليهم من أن يتجنبوا طريقه، ولكن نظام الدين المشترك فى حالة سبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين هو الذى يكون فى حاجة إلى الاستبعاد، فإن النظام فى هذه الحالة يكون مفروضاً على ذوى الشأن إلا إذا اتفقوا على استبعاده، كما تقضى المادة 314 من التقنين المدنى العراقى سالفة الذكر .
والاستبعاد يكون باتفاق الدائنين فيما بينهم على أن يستقل كل دائن بحصته فى الدين، فإذا قبضها لم يشاركه فيها الدائنون الآخرون، وتخلص له الحصة حتى لو أعسر المدين بعد ذلك، فلا يكون للدائنين حق الرجوع عليه لتحميله نصيبه فى هذا الإعسار، ومن ثم ينقسم الدين المشترك قسمة تامة على الدائنين، ويصبح ديناً متعدد الأطراف كل دائن له جزء من الدين يستقل به ولا يشاركه فيه الدائنون الآخرون بوجه من الوجوه، وقد لجأ التقنين المدنى العراقي إلى هذه الوسيلة حتى يفتح الطريق أمام ذوى الشأن لتجنب عيوب نظام الدين المشترك إذا شاءوا ذلك.
ونبحث الآن آثار الاشتراك فى الدين : (1) من حيث علاقة الدائنين بالمدين (2) ومن حيث علاقة الدائنين بعضهم ببعض وهى الناحية التي تبرز فيها مقومات الدين المشترك كما قدمنا .
العلاقة ما بين الدائنين والمدين فى الدين المشترك
المسائل الرئيسية : قدمنا أن كل دائن فى علاقته بالمدين يطالبه بحصته فى الدين وحدها، فيستوفيها بطريق من طرق الوفاء، ومن ثم ينقسم الدين على الدائنين فى علاقتهم بالمدين خلافاً للدين التضامنى، ثم أن علاقة كل دائن بالمدين قد تنقضى بسبب من أسباب انقضاء الالتزام غير الوفاء، ولا تقوم بين الدائنين المشتركين فى الدين أية نيابة تبادلي، لا فيما يضر ولا فيما ينفع، هذه هي المسائل الرئيسية الثلاث التي نتناولها بالبحث مسألة مسألة..
الوفاء : لأي دائن أن يطالب المدين بحصته فى المدين كما قدمنا، ولا يستطيع أن يطالبه بأكثر من حصته ولو كان الدين كله مضموناً بتأمين شخصى أو عينى، كذلك يستطيع المدين أن يفي لأي دائن بحصته فى الدين دون زيادة، فتبرأ ذمته من هذه الحصة، إلا إذا شارك فيها الدائنون الآخرون فعند ذلك يعود الدائن الذي قبض حصته فيطالب المدين بما نقص منها بعد هذه المشاركة، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 304 من التقنين المدني العراقي على أنه " إذا كان الدين مشتركاً، فلكل واحد من الشركاء أن يطلب حصته منه "، وحصة كل دائن فى الدين تتحدد باتفاق بين الدائنين، وقد يكون القانون هو الذى يحددها كما لو كان الدائنون ورثة فى مال شائع وباعوه صفقة واحدة فيكون الثمن ديناً مشتركاً بينهم كل له فيه بنسبة حصته فى الإرث على الوجه الذي يحدده قانون الميراث، فإذا لم يوجد إتفاق أو نص فى القانون يحدد مقدار حصة كل دائن، فالمفروض أن حصصهم متساوية .
وقد يستوفي الدائن حصته من كفيل أو محال عليه، بأن يكون للمدين كفيل فيرجع عليه الدائن بحصته، أو يحيل المدين الدائن بحصته على مدين آخر .
وتنص المادة 306 من التقنين المدنى العراقى فى هذا الصدد على أنه " إذا أخذ أحد الشركاء من المدين كفيلاً بحصته فى الدين المشترك، أو أحاله المدين على آخر، فللشركاء أن يشاركوه فى المبلغ الذي يأخذه من الكفيل أو المحال عليه "، بل يجوز أن يستوفى الدائن حصته بأن يحيل هو شخصاً آخر بهذه الحصة على المدين، والحوالة هنا تكون حوالة حق لا حوالة دين .
وللدائن كذلك أن يستوفي حصته في الدين عن طريق الوفاء بمقابل، فيأخذ من المدين مالاً آخر بحصته، يشتريه أو يستأجره، وهذا ما تنص عليه المادتان 307 و308 من التقنين المدني العراقي، فتنص المادة 307 على أنه " إذا اشترى أحد الشركاء بحصته من الدين المشترك مالاً من المدين، فشركاؤه مخيرون إن شاءوا ضمنوه ما أصاب حصصهم من ثمن ما اشتراه، وإن شاءوا رجعوا بحصصهم على المدين "، وتنص المادة 308 على أنه " إذا استأجر أحد الشركاء بحصته من المدين المشترك شيئاً، صار قبضاً لحصته، ولشركائه الخيار في تضمنيه ما أصاب حصصهم وفى أتباع المدين ".
انقضاء الدين بأسباب أخرى غير الوفاء : وقد ينقضى التزام المدين بحصة الدائن بسبب آخر غير الوفاء فينقضى الالتزام بالتحديد، بأن يتفق الدائن مع المدين على تجديد هذه الحصة فى الدين بتغيير المحل أو السبب أو الدائن أو المدين، وينقضى الالتزام بالمقاصة بأن يثبت للمدين فى ذمة الدائن، قبل وجوب الدين المشترك أو بعده ( م311 من التقنين المدنى العراقي)، دين مقابل نشأ عن عقد كأن يكفل الدائن للمدين مديناً للمدين ويرجع المدين عليه باعتباره كفيلاً (م312 / عراقي)، أو نشأ عن عمل غير مشروع كأن يتلف الدائن للمدين مالً فيجب عليه التعويض (م312 / 1 عراقي)، أو نشأ عن أى مصدر آخر، وتوافرت شروط المقاصة القانونية، فإن الدينين يتلاقيان قصاصاً فينقضيان، وينقضى الالتزام باتحاد الذمة، بأن يموت الدائنين ويرثه المدين . وينقضي الالتزام بالإبراء أو بالهبة، بأن يبرئ الدائن المدين من حصته فى الدين أو يهبه إياها (م 313 عراقي )، فينقضى الدين بالإبراء أو بالهبة، وينقضي الالتزام بالتقادم، وقد تتقادم حصة أحد الدائنين دون أن تتقادم حصص الآخرين بأن يقطع الدائنون الآخرون التقادم، دون أن يقطعه الدائن الأول، فتنقضى حصة هذا الدائن بالتقادم دون أن تنقضى حصص الآخرين .
ويلاحظ أنه فى أسباب الانقضاء المتقدمة الذكر لا ينقضى الدين كله كما قدمنا، وإنما تنقضى حصة أحد الدائنين، فلا يعرض فى هذه الحالات ما كان يعرض فى صدد تضامن الدائنين من أن للمدين أن يحتج بمقدار حصة من قام به سبب الانقضاء، ذلك لأن أى دائن فى الدين المشترك لا يطالب المدين إلا بحصته فى الدين، وليس بكل الدين كما فى تضامن الدائنين، فلا محل لأن يحتج المدين عليه بانقضاء حصة دائن آخر ما دام الدائن الأول لا يطالب إلا بحصته هو .
وسنرى، عند الكلام فى علاقة الدائنين بعضهم ببعض، كيف يرجع الدائنون الآخرون على الدائن الذى انقضت حصته بسبب غير الوفاء.
عدم قيام النيابة التبادلية بين الدائنين : ثم إن الدائنين فى الدين المشترك لا تقوم بينهم نيابة تبادلية كما تقوم فى التضامن على ما قدمنا، وذلك لا فيما يضر ولا فيما ينفع .
فإذا قطع أحد الدائنين التقادم على المدين، فإنما يقطعه فى حصته، ولا ينقطع التقادم بالنسبة إلى حصص الآخرين، وكذلك إذا وقف التقادم بالنسبة إلى أحد الدائنين، فإنه لا يقف تبعاً ذلك بالنسبة إلى الآخرين .
وكل دائن مسئول وحده عن خطأه، ولا يسأل عن خطأ الآخرين .
وإذا أعذر أحد الدائنين المدين أو قاضاه، فإنما يعذره أو يقاضيه فى حصته وحدها، ولا يتعدى أثر ذلك إلى حصص الدائنين الآخرين، وإذا أعذر المدين أحد الدائنين، فلا يكون هذا إعذاراً للباقين .
وإذا صالح أحد الدائنين المدين فإنما يصالحه على حصته وحدها، ولا يضر هذا الصلح الدائنين الآخرين ولا ينفعهم .
وإذا أقر أحد الدائنين للمدين، أو أقر المدين لأحد الدائنين، فإن الإقرار يقتصر أثره على المقر، ولا يفيد الدائنين الآخرين ولا يضرهم.
واليمين إذا وجهت من أحد الدائنين إلى المدين، أو وجهت من المدين إلى أحد الدائنين، فحلف من وجهت إليه اليمين أو نكل، فإن أثر ذلك كله لا يتعدى إلى الدائنين الآخرين .
والحكم الصادر لمصلحة أحد الدائنين أو ضده لا يسرى فى حق الدائنين الآخرين، إلا إذا كان الدائنون ورثة فكل منهم يعتبر ممثلاً للآخرين.
علاقة الدائنين بعضهم ببعض فى الدين المشترك
المسائل الرئيسية : قدمنا أن أياً من الدائنين إذا قبض حصته من الدين المشترك أو استوفاها بأى سبب آخر، كان للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيها عيناً، أو أن يتبعوا المدين فإن كان معسراً رجعوا على الدائن الذى قبض حصته فحملوه نصيبه فى إعسار المدين، فنتكلم فى حالة ما إذا شارك الدائنون الآخرون الدائن، ثم فى حالة ما إذا رجعوا عليه بنصيبه فى إعسار المدين .
مشاركة الدائنين الآخرين للدائن فى حصة : تنص الفقرة الثانية من المادة 304 من التقنين المدني العراقي على ما يأتى : " فإذا قبض أحد الشركاء شيئاً من الدين المشترك، فالشركاء الآخرون بالخيار، إن شاءوا شاركوه فيما قبض عيناً ويتبعون هم والقابض المدين بما بقى لكل منهم فى ذمته، وإن شاءوا تركوا للقابض ما قبضه واتبعوا المدين بحصتهم "، ويتبين من هذا النص أنه إذا قبض أحد الدائنين من المدين شيئاً من الدين المشترك، سواء كان ذلك بمقدار حصته أو بأقل أو بأكثر كان للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيما قبضه عيناً كل بنسبة حصته فى الدين، فلو فرضنا أن الدين المشترك تسعمائة وأن الدائنين ثلاثة بحصص متساوية، وقبض أحدهم من المدين حصته وهى ثلثمائة، كان لكل من الدائنين الآخرين أن يشارك الدائن الأول فيما قبض فيأخذ منه مائة، وعند ذلك يكون كل من الثلاثة الدائنين قد استوفى من حصته مائة، ويبقى له مائتان، فإذا فرض أن دائناً منهم استوفى بعد ذلك من المدين مائة وخمسين، جاز لكل من الدائنين الآخرين أن يشارك هذا الدائن فيما قبض فيأخذ منه خمسين، وعند ذلك يكون كل من الثلاثة الدائنين قد استوفى من حصته مائة وخمسين، ويبقى له مائة وخمسون، فإذا قبض أحدهم من المدين بعد ذلك مائة وخمسين، جاز لكل من الآخرين أن يشاركه فيما قبض فيأخذ منه خمسين، وعند ذلك يكون كل من الثلاثة الدائنين قد استوفى من حصته مائتين، ويبقى له مائة، وهكذا كلما قبض أحد الدائنين من المدين ما بقى من حصته أو جزءاً من ذلك، جاز للدائنين الآخرين أن يشاركاه فيما قبض على النحو المتقدم الذكر، حتى يستوفى كل من الثلاثة حصته بأكملها.
وقد يقبض أحد الدائنين شيئاً من الدين المشترك ويتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات أو يستهلكه، فعند ذلك يكون للدائنين الآخرين – إذا اختاروا مشاركته – أن يرجعوا عليه بالضمان بنسبة حصة كل منهم على الوجه المتقدم الذكر، أما إذا كان المقبوض عيناً وتلفت فى يد القابض بسبب أجنبي، فإن القابض يعتبر مستوفياً لما قبضه ويحسب عليه من حصته، ولا يكون للدائنين الآخرون رجوع عليه، وإنما يطالبون المدين بحصصهم فى الدين، وتنص المادة 305 من التقنين المدنى العراقى فى هذا الصدد على ما يأتى : " 1- إذا قبض أحد الشركاء حصته من الدين المشترك، وأخرجها من يده بوجه من الوجوه أو استهلكها، فللشركاء الآخرين أن يضمنوه نصيبهم منها . 2- أما إذا تلفت فى يده بلا تقصير منه، فلا يضمن نصيب شركائه فى المقبوض ويكون مستوفياً حقه وما بقى من الدين بذمة المدين يكون للشركاء الآخرين " .
وما قدمناه من رجوع الدائنين على الدائن الذى قبض شيئاً من الدين المشترك يسرى أياً كانت كيفية استيفاء الدائن لما قبض، فقد يقبض عن طريق وفاء المدين له للجزء الذى قبضه، وقد يقبض عن طريق رجوعه على كفيل المدين أو من أحال عليه المدين الدين ( م 306 عراقي، م 421 أردني ) .
أما إذا قبض أحد الدائنين مقابلاً لحصته، فليس للدائنين الآخرين أن يشاركوه عيناً فيما قبض من المقابل، بل كل ما لهم هو أن يرجعوا عليه بالضمان بنسبة حصة كل منهم، فإذا اشترى أحد الشركاء بحصته من الدين المشترك مالاً من المدين، فشركاؤه مخيرون، إن شاءوا ضمنوه ما أصاب حصصهم من ثمن ما اشتراه، وإن شاءوا رجعوا بحصصهم على المدين، وليس لهم أن يشاركوه في المال المشتري إلا إذا تراضوا على ذلك (م 307 عراقي)، وإذا استأجر أحد الشركاء بحصته من الدين المشترك شيئاً، صار قابضاً لحصته، ولشركائه الخيار في تضمينه ما أصاب حصصهم أو اتباع المدين ( م 308 عراقى ) .
وإذا صالح أحد الدائنين المدين عن حصته من الدين المشترك، فإن كان بدل الصلح من جنس الدين، شركاؤه إن شاءوا شاركوه فى المقبوض وإن شاءوا اتبعوا المدين، وإن كان بدل الصلح من خلاف جنس الدين، فالشركاء بالخيار أيضاً فى اتباع المدين أو الشريك المصالح، وللشريك المصالح في حالة الرجوع عليه الخيار إن شاء سلم إليهم نصيبهم فى المقبوض وإن شاء دفع إليهم نصيبهم فى الدين (م 309 عراقى).
وإذا مات المدين وورثه أحد الدائنين، فالدائنون الآخرون يطالبون تركة المدين كل منهم بمقدار حصته في الدين، فإن لم تف التركة بحصصهم، قسمت على الدائنين جميعاً وفيهم الدائن الذى ورث المدين، بنسبة حصة كل منهم (م 310 عراقي) وبذلك يتحمل كل من الدائنين نصيبه فى إعسار المدين كما سنرى .
وإذا استوفى أحد الدائنين حصته فى الدين المشترك عن طريق المقاصة، فإذا كان الدين المشترك قد ثبت فى ذمة المدين قبل أن يثبت حقه فى ذمة الدائن، فإن الدائن يكون قد استوفى حصته من الدين عن طريق الحق الذي ثبت في ذمته للمدين، وللدائنين الآخرين أن يشاركوه في هذا الحق الذي استوفى به دينه، ويستوي في ذلك أن يكون الحق الذى ثبت فى ذمة الدائن للمدين مصدره عقد أو عمل غير مشروع أو أى مصدر آخر، حتى إذا أتلف أحد الشركاء في دين مشترك مالاً للمدين وتقاصا بحصته ضماناً فلشركائه أخذ نصيبهم منه أما إذا كان الدين المشترك قد ثبت فى ذمة المدين بعد أن ثبت حقه فى ذمة الدائن، فيكون المدين هو الذى استوفى حقه من الدائن بحصة هذا الدائن فى الدين المشترك، وليس للدائنين الآخرين أن يرجعوا بحصصهم على شريكهم، كذلك إذا كان الدين المشترك قد ثبت فى ذمة المدين قبل أن يثبت حقه فى ذمة الدائن، ولكن هذا الحق الذى ثبت فى ذمة الدائن لم يكن له مقابل أخذه الدائن من المدين، كأن كفل الدائن للمدين ديناً واجباً له على شخص آخر وصارت حصته قصاصاً بالدين الذى كفله، فلا رجوع للدائنين الآخرين على شريكهم، وإذا رجع الدائن على المكفول عنه وقبض منه مبلغ الضمان لم يكن لشركائه أن يشاركوه فيه ومثل ذلك أيضاً ما إذا كان الدائن قد وهب حصته فى الدين المشترك للمدين أو أبرأ ذمته منها، فإنه لا يكون قد قبض شيئاً من المدين، فلا رجوع لشركائه عليه، وهذه الأحكام نصت عليها المواد 311 - 313 من التقنين المدني العراقي، فنصت المادة 311 على أنه : " 1- إذا كان للمدين فى دين مشترك على أحد الشركاء دين خاص به ثابت له قبل وجوب الدين المشترك عليه هذا الشريك، 2- أما إذا حدث للمدين دين على أحد الشركاء وثبت له ذلك بعد وجوب الدين المشترك عليه وصار دينه قصاصاً به، فلشركائه الحق فى الرجوع عليه بحصصهم منه "، ونصت المادة 312 على أنه " 1- إذا أتلف أحدا الشركاء فى دين مشترك مالاً للمدين وتقاصا بحصته ضماناً، فلشركائه أخذ نصيبهم منه . 2- أما إذا ضمن للمدين ديناً واجباً له على شخص آخر، وصارت حصته قصاصاً بالدين الذى ضمنه، فلا شئ لشركائه عليه، وإذا رجع على المكفول عنه وقبض منه مبلغ الضمان، لم يكن لشركائه أن يشاركوه فيه "، ونصت المادة 313 على أنه " إذا وهب أحد الشركاء حصته من الدين المشترك للمدين أو أبرأ ذمته منها، فهبته وإبراؤه صحيحان، ولا يضمن نصيب شركائه فيما وقب أو أبرأ ".
ويتبين من النصوص المتقدمة الذكر أن الدائن إما أن يقبض حقه من جنس الدين، أو يقبض مقابلاً لحصته، أو تبرأ ذمة المدين من حصته دون أن يقبض شيئاً، فإذا قبض حصته من جنس الدين، سواء قبضها من المدين نفسه أو من كفيل أو من محال عليه أو صالح المدين عن حصته وكان بدل الصلح من جنس الدين، فللدائنين أن يشاركوه عيناً فيما قبض، وإذا قبض الدائن مقابلاً لحصته، كأن اشترى أو استأجر بحصته مالاً للمدين أو صالح عن حصته وكان بدل الصلح من خلاف جنس الدين، ومثل ذلك أيضاً ما إذا قبض حصته من جنس الدين ولكنه تصرف فيها أو استهلكها، فإن الدائنين الآخرين يرجعون عليه بضمان حصصهم إذ ليس في يده شئ من جنس الدين حتى يشاركوه فيه عيناً، وإذا برئت ذمة المدين من حصة الدائن دون أن يقبض هذا شيئاً، كأن وفى الدائن ديناً عليه للمدين بحصته فى الدين المشترك فانقضى الدينان قصاصاً أو انقضت حصته فى الدين المشترك قصاصاً بدين مثله للمدين أو وهب حصته للمدين أو أبرأ ذمته منها، ومثل ذلك أيضاً أن يقبض الدائن حصته فتتلف في يده بسبب أجنبى فيكون فى حكم من لم يقبض شيئاً، لم يرجع الدائنون الآخرون عليه بشئ، فهم لا يشاركونه عيناً إلا شئ فى يده من جنس الدين حتى تمكن المشاركة فيه، ولا يرجعون عليه ضماناً إذ هو لم يقبض شيئاً يضمنه لشركائه، ويعتبر الدائن قد استوفى حصته هو، ولا يبقى لشركائه إلا أن يتبعوا المدين بحصصهم.
ويمكن أن نستخلص من المبادئ المتقدمة حلولاً لمسائل لم يرد فيها نص، من ذلك أن التقنين المدنى العراقى قد أغفل النص على حالتى التجديد والتقادم، ويمكن القول بأنه إذا انقضت حصة أحد الدائنين فى الدين المشترك عن طريق التجديد، فإن الدائن يكون قد قبض حصته ولكن من غير جنس الدين، فيرجع عليه شركاؤه بالضمان، يكون له الخيار إن شاء سلم إليهم أنصبتهم فى الدين الجديد الذى حل محل حصته وإن شاء دفع إليهم نصيبهم فى الدين المشترك، وهذا قياساً على الصلح إذا كان بدله من خلاف جنس الين (انظر المادة 309 عراقى)، وإذا انقضت حصة أحد الدائنين بالتقادم دون أن تنقضى حصص الدائنين الآخرين، فإن الدائن لا يكون قد قبض شيئاً، ومن ثم لا يرجع عليه شركاؤه بشئ، ويتبعون المدين بحصصهم .
رجوع الدائنين الآخرين على الدائن بنصيبه فى إعسار المدين : وقد يختار الدائنين الآخرون ألا يشاركوا الدائن فى حصته التى قبضها من الدين المشترك، فيتركوها له ويتبعوا المدين بحصصهم، " فإن اختاروا متابعة المدين – كما تقول الفقرة الثالثة من المادة 304 من التقنين المدنى العراقى – فلا يرجعون على القابض بشئ، إلا إذا توى نصيبهم، فيرجعون عندئذ على القابض بحصتهم فيما قبضه، ويأخذون منه مثل المقبوض لا عينه "، فإذا كان الدين، كما ذكرنا فى مثل سابق، تسعمائة، وكان الدائنون ثلاثة بحصص متساوية، وقبض أحدهم حصته من الدين وهي ثلثمائة، ولم يختر الدائنان الآخران أن يشاركا الدائن الأول في هذه الحصة وتركاها له، طالب كل منهما المدين بحصته في الدين وهي ثلثمائه، فإن استوفى كل منهما حصته انقضى الدين جميعاً، وبرئت ذمة المدين نحو الدائنين الثلاثة، وخلص للدائن الأول حصته التى قبضها كما خلص لكل من الدائنين الآخرين حصته، أما إذا كان المدين قد أعسر عند مطالبة الدائنين الآخرين له بحصتيهما في الدين المشترك، تحمل الدائنون الثلاثة إعسار المدين كل بنسبة حصته، ومن ثم يجرع الدائنان الآخران بالضمان على الدائن الأول الذى قبض ثلاثمائة، فيأخذ كل منهما مائة من هذا الدائن – مثلاً لا عيناً لأنهما يرجعان بالضمان لا بالمشاركة فى عين المقبوض – ويبقى للدائن مائة مثلهما، وإذا كان إعسار المدين إعساراً جزياً بحيث أن الدائنين الآخرين لم يخلص لكل منهما إلا نصف حصته أى مائة وخمسون، فإن الدائنين الثلاثة يتحملون هنا أيضاً إعسار المدين كل بنسبة حصته، فيرجع الدائنان الآخران بالضمان على الدائن الأول الذى قبض ثلثمائة، فيأخذ كل منهما خمسين من هذا الدائن، ويكون كل من الدائنين الثلاثة قد خلص له من حصته فى الدين مائتان بدلاً من ثلثمائة بسبب إعسار المدين هذا الإعسار الجزئى .
ويستوي أن تنقضي حصة أحد الدائنين فى الدين المشترك بطريق الوفاء أو بأى طريق آخر يستوفى به الدائن مقابلاً لحصته كالوفاء بمقابل والمقاصة والتجديد، ففي جميع هذه الأحوال يرجع الدائنون الآخرون على هذا الدائن الذى استوفى حصته كاملة بنصيبه فى إعسار المدين.
وقد يقع أن شركاء الدائن الذى قبض حصته أو أخذ ما يقابلها، عند رجوعهم عليه لتحميله نصيبه فى إعسار المدين، يجدونه هو أيضاً معسراً، فلا مناص فى هذه الحالة من أن يستقلوا هم دونه بتحمل إعسار المدين، ومثل ذلك ما إذا وجد الشركاء شريكهم معسراً عندما أرادوا مشاركته فى حصته التى قبضها، ثم لما طالبوا المدين بحصصهم وجدوه هو أيضاً معسراً، فلا مناص من أن يتحملوا وحدهم، هنا أيضاً، إعسار المدين. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة : 263).
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۲۷۱)
كل ما يستوفية أحد الدائنين المتضامنين من الدين يصير من حق الاثنين جميعاً ، ويقتسمونه بالتساوی الا إذا وجد اتفاق او نص يقضي بغير ذلك .
هذه المادة تطابق في حكمها المادة ۲۸۳ من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي :
«1 - كل ما يستوفيه أحد الدائنين المتضامنين من الدين يصير من حق الاثنين جميعا ويتحاصون فيه .
٢- وتكون القسمة بينهم بالتساوي ، إلا إذا وجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك .
و تطابق المادة ۳۱۹ من التقنين العراقي
وتطابق المادة 416 من التفنين الأردنی .
وتطابق المادة 345 من التقنين الكويتي
انظر في الفقه الاسلامي : البدائع ج 6 ص 59 و 61 و 169 – 171 و 172 – 187 من مرشد الحيران .