مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 78
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- إذا أبرأ الدائن أحد المدينين المتضامنين، استتبع ذلك براءة ذمته من الدين، أما الباقون فلا تبرأ ذمتهم إلا إذا أعلن الدائن ذلك، فإن لم يفعل، بقى كل منهم ملزماً بأداء الدين بأسره، بعد استنزال حصة من أبريء بيد أن للدائن أن يرجع، رغم ذلك، على كل من المدينين المتضامنين بكل الدين إذا احتفظ لنفسه بهذا الحق، ويكون لمن يقوم بالوفاء من هؤلاء المدينين، في هذه الحالة، حق الرجوع على من أبرىء بحصته في الدين.
ويستخلص مما تقدم أن ثمة قرينتين : (أ) الأولى قرينة انصراف إرادة الدائن إلى عدم إبراء سائر المدينين، ما لم يعلن خلاف ذلك (ب) والثانية قرينة انصراف إرادة الدائن إلى إبراء ذمتهم من حصة المدين الذي صدر الإبراء لصالحه، ما لم يحتفظ لنفسه بحق الرجوع بجملة الدين.
2 - أما إذا اقتصر الدائن على إبراء أحد المدينين المتضامنين من التضامن، فلا ينهض هذا الإبراء قرينة على أن نيته قد انصرفت إلى إبراء ذمة الباقين من حصة من أبرىء، وعلى ذلك يكون للدائن أن يرجع على كل من هؤلاء المدينين بجملة الدين، ما لم يصرح أنه أبرأ ذمتهم من حصة من صدر الإبراء لصالحه، ولا يجوز له في أي حال أن يرجع على من أبريء من التضامن إلا بقدر حصته في الدين.
وقد تكفلت المادة 1211 من التقنين الفرنسي (وهي التي نقل عنها نص المادة 142 من المشروع الفرنسي الإيطالي ) بإقامة قرينتين يستخلص منهما الدليل على الإبراء من التضامن، فيعتبر الدائن، وفقاً لأحكام هذه المادة، قد ارتضى إبراء أحد المدينين عن التضامن : (أ) إذا ذكر في المخالصة أنه قبل الوفاء بحصة هذا المدين، دون أن يشفع ذلك بالنص على الاحتفاظ بالتضامن، أو الاحتفاظ بحقوقه بوجه عام . (ب) أو إذا طالب أحد المدينين المتضامنين بحمته أمام القضاء، فسلم له هذا المدين بحقه، أو صدر حكم بإلزامه بالوفاء ( انظر كذلك المادة 43 فقرة 4 من التقنين اللبناني ).
ويراعى أن تمشي هاتين القرينتين مع حكم العقل خليق بأن يهيئ لهما من أسباب القبول ما يكفل إعمالهما دون حاجة إلى نص خاص، ولا سيما أنهما ذكرتا على سبيل المثال، فلو طالب الدائن مثلاً أحد المدينين بحصته، فقد تستخلص من مسلكه هذا قرينة على الإبراء من التضامن، ولو لم يسلم المدين بالحق أو يصدر حكم بإلزامه بالوفاء به وثمة قرينة معقولة أخرى تقررت في المادة 1212 من التقنين الفرنسي ( نقلتها عنه المادة 142 من المشروع الفرنسي الإيطالى ) ونصها : ولا يفقد الدائن حقه في التضامن إذا قبل الوفاء مجزءاً بحصة أحد المدينين المتضامنين في ريع الدين أو فوائده بدون تحفظ، إلا بالنسبة لما استحق من هذه الفوائد وذاك الريع، دون ما يستحق منهما فيما بعد ودون أصل الدين، ما لم تستمر تجزئة الوفاء خلال عشر سنوات متواليات»، على أن تحديد المدة بعشر سنوات لا يزال محلا للنظر من وجوه، فقد تكفي مدة أقصر من تلك المدة لإقامة القرينة، وقد لا تكفي في هذا الشأن مدة أطول منها، إذ الأمر في جملته مرهون بالظروف.
3- ويستخلص مما تقدم أن الدائن إذا أبرأ أحد المدينين المتضامنين من الدين أو من التضامن فله أن يرجع على كل من الباقين بكل الدين، بعد استنزال حصة من أبرىء، أو دون استنزال هذه الحصة، ولا يكون لمن يقوم بالوفاء من المدينين بجملة الدين، بعد استنزال حصة المدين الذي أبرأه الدائن، أن يرجع بشيء على هذا المدين ولكن يثبت له حق الرجوع عليه بحصته، لو أنه قام بالوفاء بجملة الدين دون أن يستنزل تلك الحصة فلو فرض مثلاً أن مدينين أربعة التزموا على وجه التضامن بالوفاء بدين قدره 1200 جنيه، وأن دائهم أبرأ أحدهم من الدين أو من التضامن فلهذا الدائن أن يرجع على كل من الثلاثة الباقين بمبلغ 900 جنيه، أو بمبلغ 1200 جنيه على حسب الأحوال، فإذا اقتصر أحد هؤلاء الثلاثة على الوفاء بمبلغ 900 جنيه، فليس له الرجوع بشيء على من أبرىء، أما إذا أدى مبلغ 1200 جنيه، فله أن يرجع عليه بمبلغ 300 جنيه، وله أن يرجع في كلتا الحالتين على كل من المدينين الآخرين بمبلغ 300 جنيه، ولو فرض أن أحد هذين المدينين معسر لا مال له، فلا يكون لمن قام بالوفاء إلا أن يرجع على المدين الموسر، وفي هذه الحالة يتحمل من أبرىء من المدينين، سواء أألزم بأداء مبلغ 300 جنية أم برئت ذمته براءة تامة، نصيبه في تبعة هذا الإعسار، فيؤدي، فضلاً عن حصته في الدين ( مبلغ 300 جنيه ) مبلغ 100 جنيه عند الاقتضاء، وهو نصيبه في حصة المعسر، على أن هذا الحكم لا يعدو أن يكون مجرد تفسير لنية المتعاقدين، فهو يقوم على قرينة يجوز نقض دلالتها بإثبات ألعكس فإذا أثبت من أبرىء من المدينين أن إرادة الدائن قد انصرفت إلى إبرائه من کل مسئولية عن الدين تحمل الدائن نصيب هذا المدين في تبعة إعسار من يعسر من المدينين المتضامنين (وهو مبلغ 100 جنيه في الفرض الذي تقدمت الإشارة إليه).
4 - ولا يجوز أن يحتج في التضامن الإيجابي بالإبراء الصادر من أحد الدائنين المتضامنين على الباقين، فلكل من هؤلاء أن يرجع على المدين بجملة الدين، بعد استنزال حصة من صدر الإبراء منه ( أنظر المادة 14 فقرة 1 من التقنين اللبنانی، والمادة 154 من المشروع الفرنسي الإيطالي، والمادة 1188 فقرة 2 من التقنين الفرنسي، والمادة 429 فقرة 3 من التقنين الألماني، والمادة 20 من التقنين البولوني ).
ومن الميسور أن يتصور الإبراء من التضامن بصدد التضامن الإيجاب أيضاً فإذا أرتضى أحد الدائنين المتضامنين أن يستوفي نصيبه من الدين برئت ذمة المدين بقدر هذه الحصة بالنسبة للدائنين الآخرين ( المادة 13 فقرة 2 من التقنين اللبناني). ويجوز أيضاً أن يصدر الإبراء من التضامن من أحد الدائنين المتضامنين، دون أن يستوفي حصته من الدين فعلاً، وفي هذه الحالة يكون لسائر الدائنين الذين لم يرتضوا هذا الابراء حق الرجوع على المدين بكل الدين.
فلو فرض أن دائنين أربعة تضامنوا في استيفاء دين مقداره 1200 جنيه وأبرأ أحدهم المدين من الدين، فلكل من الثلاثة الباقين أن يرجع على المدين بمبلغ 900 جنيه فإذا أعسر هذا المدين إعساراً جزئياً، ولم يستطع إلا أداء مبلغ 600 جنيه وجب أن يتحمل جميع الدائنين، حتی من صدر الإبراء منه، تبعة الخسارة الناشئة من هذا الإعسار ( وقدرها 300 جنيه).
1- إذا كان محل حق المضرور من حادث سيارة واحد هو اقتضاء تعويض ، فقد أوجد له القانون مدينين أحدهما التابع المتسبب فى الحادث والمسئول عنه طبقاً للمسئولية التقصيرية والآخر هو المتبوع باعتباره مسئولاً عن أعمال تابعه غير المشروعة ، وأعطى للمضرور الخيار فى مطالبة من يشاء منهما بالتعويض فإن استوفاه من أحدهما برئت ذمة الآخر قبله عملاً بنص المادة 284 من القانون المدنى ، ولكن إبرائه لذمة أحدهما أو إسقاطه لحقه قبله لا يترتب عليه براءة ذمة الآخر عملاً بنص المادة 289 من ذات القانون . ولا على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عن التصالح الصادر من المطعون ضدهما لتابع الطاعن لعدم استفادة الطاعن منه .
(الطعن رقم 8014 لسنة 79 جلسة 2012/03/20 س 63 ص 455 ق 70)
2- تفسير القواعد الخاصة بالتضامن السلبي والإيجابي منوط بفكرتين هما وحدة الدين، وتعدد الروابط. ومن مقتضى الفكرة الأولى فى التضامن السلبي أن يكون كل من المدينين المتضامنين ملتزماً فى مواجهة الدائن بالدين كاملاً غير منقسم وللدائن أن يوجه مطالبته إلى من يختاره منهم على إنفراد أو إليهم مجتمعين وإذا وجهها إلى أحدهم ولم يفلح فى استيفاء الدين منه كله أو بعضه فله أن يعود لمطالبة المدينين الآخرين وأي واحد منهم يختاره بما بقى من الدين، كما أن له إذا ما طالبهم مجتمعين أمام القضاء أن يتنازل عن بعضهم ويحصر مطالبته بجملة الدين فى أحدهم أو فى بعضهم دون أن يسوغ لهؤلاء أن يطالبوه باستنزال حصة من حصل التنازل عن مطالبته منهم. ومن مقتضى الفكرة الثانية أن كل مدين تربطه بالدائن رابطة مستقلة ومتميزة عن الروابط التي تربط المدينين الآخرين بهذا الدائن فإذا شابت رابطة أحد المدينين المتضامنين بالدائن عيوب خاصة بها مع بقاء الروابط الأخرى التي تربط هذا الدائن بالمدينين الآخرين سليمة فإن عيوب رابطة منها لا تتعداها إلى رابطة أخرى وإذا زال الالتزام بالنسبة للمدين الذي اعترى رابطته الفساد فإن زوال هذا الالتزام لا يمس التزام المدينين الآخرين فيظل كل واحد منهم ملتزماً قبل الدائن بالدين بأسره ويكون للمدين الذي تعيبت رابطته وحده الحق فى التمسك بالعيب الذي شاب رابطته ولا يكون له أن يطالب باستنزال حصة المدين الذي تعيبت رابطته فهذه الحصة لا تستنزل ما دام العيب قاصراً على رابطة دون غيرها - وكل هذا تطبيق لما نصت عليه المادة 285 من القانون المدني.
(الطعن رقم 582 لسنة 25 جلسة 1961/03/16 س 12 ع 1 ص 234 ق 31)
3- إذا حصل أحد الشركاء فى إجازة من وزارة الأوقاف على مخالصة من مأمور الأوقاف قرر فيها أنه دفع جميع المطلوب منه فى الدعوى التى رفعت عليه ولذلك فقد أخلاه من الحراسة و الحجز و الدعوى و الضمانة ، وإعتبر هذا الشريك تلك المخالصة مبرئة له من التضامن مع شركائه فى عقد الإيجار فى وفاء الباقى من أجرة الأطيان المؤجرة إليهم جميعاً متضامنين بحسب نص العقد ، ولكن المحكمة ذهبت إلى أنه - لكى يكون للمخالصة هذا الأثر - يجب أن يقيم الصادرة له المخالصة - بإعتبار أنه هو المتمسك بها - الدليل على أن من أصدرها يملك التنازل عن حق الوقف فى إستيفاء أجرة كل الأطيان المؤجرة ، فإن المحكمة تكون قد طبقت قواعد الإثبات تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى
(الطعن رقم 171 لسنة 17 جلسة 1949/04/14 س ع ع 5 ص 759 ق 409)
الإبراء : تنص المادة 289 من التقنين المدني على ما يأتي :
1 – إذا أبرأ الدائن أحد المدينين المتضامنين، فلا تبرأ ذمة الباقين إلا إذا صرح الدائن بذلك.
2 – فإذا لم يصدر منه هذا التصريح، لم يكن له أن يطالب باقي المدينين المتضامنين إلا بما يبقى من الدين بعد خصم حصة المدين الذي أبرأه، إلا أن يكون قد احتفظ بحقه في الرجوع عليهم بكل الدين وفي هذه الحالة يكون لهم حق الرجوع على المدين الذي صدر الإبراء لصالحة بحصته في الدين.
وتنص المادة 290 على ما يأتي :
إذا أبرأ الدائن أحد المدينين المتضامنين من التضامن، بقى حقه في الرجوع على الباقين بكل الدين، ما لم يتفق على غير ذلك.
وتنص المادة 291 على ما يأتي :
1 – في جميع الأحوال التي يبرئ فيها الدائن أحد المدينين المتضامنين سواء أكان الإبراء من الدين أم من التضامن، يكون لباقي المدينين أن يرجعوا عند الاقتضاء على هذا المدين بنصيبه في حصة المعسر منهم وفقاً للمادة 298".
2 – على أنه إذا أخلى الدائن المدين الذي أبرأه من كل مسئولية عن الدين، فإن الدائن هو الذي يتحمل نصيب هذا المدين في حصة المعسر.
وهذه النصوص تواجه حالتين :
( الحالة الأولى ) أن يبرئ الدائن أحد المدينين المتضامنين من الدين فإذا اقتصر الدائن على هذا الإبراء، ولم يصرح بغير ذلك، افترض أنه أراد إبراء ذمة هذا المدين وحده، فلا يستطيع أن يطالبه بشيء بعد هذا الإبراء، ولكنه يستطيع أن يطالب كلا من المدينين الآخرين بالدين بعد أن يستنزل حصة المدين الذي أبرأه ففي المثال السابق – الدين ثلثمائة والمدينون المتضامنون ثلاثة حصصهم متساوية – إذا أبرأ الدائن أحد المدينين، كان له أن يطالب أياً من المدينين الآخرين بمائتين، ومن وفى منهما المائتين يرجع على الآخر بمائة هي حصته من الدين، فإذا كان هذا الآخر معسراً، كان للمدين الذي وفى المائتين أن يرجع على المدين الذي أبرأه الدائن بنصيبه في حصة المعسر وهو خمسون، ما لم يتضح أن الدائن عند ما أبرأ هذا المدين أراد أن يخليه من كل مسئولية عن الدين، ففي هذه الحالة يتحمل الدائن نفسه نصيب هذا المدين في حصة المعسر، ولا يستطيع مطالبة المدين غير المعسر بالمائتين كلها بل يطالبه بمائة وخمسين.
ولكن يجوز للدائن عند إبرائه المدين أن يصرح بما انصرفت إليه نيته بالنسبة إلى المدينين الآخرين، فقد يصرح أنه أراد بابرائه لأحد المدينين أن يبرئ الباقين، وعند ذلك ينقضي الدين بالإبراء بالنسبة إليهم جميعاً، ولا يستطيع الدائن بعد ذلك أن يطالب أحداً منهم بشيء، ولا رجوع لأحد منهم على الآخرين وقد يصرح، على النقيض من ذلك، أنه لم يرد بابرائه للمدين أن يبرئ المدينين، الآخرين حتى من حصة المدين الذي أبرأه، وأنه يحتفظ لنفسه بحق الرجوع عليهم بكل الدين وفي هذه الحالة لا يطالب الدائن المدين الذي أبرأه بشيء، لكنه يستطيع أن يطالب أياً من المدينين الآخرين بكل الدين، أي بثلثمائة، ولمن دفع منهما أن يرجع على الآخر بمائة وهي حصته من الدين، ويرجع كذلك على المدين الأول الذي أبرأه الدائن بمائة وهي حصته من الدين هو أيضاً، فكأن إبراء الدائن للمدين مع احتفاظه بحقه في مطالبة الآخرين بكل الدين لا يعفي المدين من دفع حصته، ولكن لا للدائن، بل للمدين الذي وفي كل الدين وقد يجد المدين الذي وفي كل الذين شريكه الآخر معسراً فيرجع في هذه الحالة على المدين الأول الذي أبرأه الدائن بنصيبه في حصة المعسر، وهي خمسون، فيكون مجموع ما يرجع به عليه مائة وخمسين وهذا ما لم يتضح أن الدائن عندما أبرأ المدين الأول أراد أن يخليه من كل مسئولية عن الدين، فعند ذلك يتحمل الدائن نفسه نصيب هذا المدين في حصة المعسر، كما يتحمل أيضاً حصة هذا المدين في الدين ما دام قد أخلاه من كل مسئولية عنه، ولا يستطيع أن يطالب المدين غير المعسر إلا بمائة وخمسين هي حصته من الدين أضيف إليها نصيبه في حصة المعسر.
( الحالة الثانية ) أن يبرئ الدائن أحد المدينين المتضامنين من التضامن فقط فعندئذ لا يستطيع أن يطالبه إلا بحصته في الدين، وهي المائة. ولكنه يستطيع أن يطالب كلا من المدينين الآخرين بكل الدين، أي بثلثمائة، ومتى وفي أحدهما الدين كله رجع على المدين الآخر بمائة وهي حصته في الدين، ثم رجع على المدين الأول الذي أبرأه الدائن بمائة وهي حصته في الدين كذلك فإذا كان المدين الآخر معسراً، رجع المدين الذي وفى الدين كله على المدين الأول الذي أبرأه الدائن بنصيبه في حصة المعسر تضاف إليه حصته هو في الدين، فيرجع عليه بمائة وخمسين وقد يتفق الدائن عند إبرائه للمدين الأول من التضامن، مع هذا المدين أو مع غيره من المدينين أو معهم جميعاً، على أن يرجع على أي من المدينين الآخرين بالدين بعد استنزال حصة المدين الذي أبرأه من التضامن، فيرجع عندئذ على أي منهما بمائتين، ويرجع المدين الذي وفي المائتين على المدين الآخر بحصته في الدين وهي مائة فإذا كان هذا المدين الآخر معسراً، رجع المدين الذي وفى المائتين على المدين الذي أبرأه الدائن من التضامن بنصيبه في حصة المعسر، كل هذا ما لم يتضح أن الدائن عندما أبرأ المدين من التضامن أراد أين يخيله من كل مسئولية عن الدين فيما عدا حصته منه، فعندئذ ذلك يتحمل الدائن نفسه نصيب هذا المدين في حصة المعسر، ولا يرجع على المدين الموسر إلا بمائه وخمسين.
ويلاحظ أن الإبراء تصرف قانوني كالتجديد، ومن ثم يتسع فيهما، كما رأينا، أن تتجه الإرادة إلى نيات مختلفة فيقف المشروع عند إحدى هذه النيات يفترض وجودها، إلا إذا قام الدليل على وجود نية أخرى وهذا بخلاف أسباب الانقضاء الأخرى – المقاصة واتحاد الذمة واستحالة التنفيذ والتقادم – فهذه كلها وقائع مادية لا تتسع إلا لحكم واحد لا يتغير، كما رأينا في المقاصة واتحاد الذمة واستحالة التنفيذ، وكما سنرى في التقادم .
التقادم : تنص الفقرة الأولى من المادة 292 من التقنين المدني على ما يأتي :
إذا انقضى الدين بالتقادم بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين، فلا يستفيد من ذلك باقي المدينين إلا بقدر حصة هذا المدين. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث، المجلد/ الأول، الصفحة/ 361)
إذا إقتصر تصرف الدائن على إبراء أحد المدينين المتضامنين من الدين، انصرف هذا الإبراء إلى هذا المدين وحده فلا يتعداه إلى غيره، لأن الإبراء إسقاط للحق ولذلك فإنه لا يفترض بالنسبة لباقي المدينين. لكن إذا أراد الدائن إبراء هؤلاء أيضاً وجب أن يفصح عن ذلك وحينئذ ينقضي الدين بالنسبة لجميع المدينين.
فإن إقتصر الإبراء على مدين معين، كان للدائن أن يرجع على باقي المدينين مجتمعين أو منفردين بكل الدين إذا إحتفظ لنفسه بهذا الحق وفي هذه الحالة يكون لمن قام بالوفاء الرجوع على باقي المدينين ومن بينهم الدين الذي أبرأه الدائن، كل بقدر حصته، أما إن رجع الدائن بالدين منقوصاً منه حصة من أبرأه وذلك عندما لا يحتفظ لنفسه بحق الرجوع بكل الدين إذ تقوم حينئذ قرينة على أنه أبرأ باقي المدينين من حصة من أبرأه ومن ثم لا يكون لمن قام بالوفاء الرجوع على المدين صاحب الإبراء لأن أحداً لم يدفع عنه شئ، لكن يكون للموفى الحق في هذا الرجوع إذا وجد مديناً آخر معسراً فيرجع على صاحب الإبراء بما يخصه من حصة المعسر، فإن كان المدينون ثلاثة والدين ثلثمائة بالسوية بينهم فتقسم حصة المعسر وقدرها مائة على صاحب الإبراء ومن قام بالوفاء فيخص كل منهما. خمسين، فإن تبين أن نية الدائن قد انصرفت إلى عدم إلزام من أبرأه بأي شئ من الدين، تحمل هو ما يخصه من حصة المعسر، كما يتحمل حصة من أبرأه في حالة رجوعه بكل الدين وذلك عند مطالبة الموفي لصاحب الإبراء بحصته.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/ 44)
الإبراء معناه - نزول الدائن كان حقه في ذمة المدين دون مقابل. ويعتبر تصرفاً من جانب واحد، ويتحدد من ثم نطاقه بإرادة الدائن الذي أصدره.
فقد يبرئ الدائن أحد المدينين المتضامنين من الدين، وقد يقتصر على إبراءه من التضامن.
فإذا أبرأ الدائن المدين من الدين، اقتصر الإبراء على هذا المدين وحده. ويستطيع الدائن أن يطالب كلا من المدينين الآخرين بالدين بعد استنزال حصة المدين الذي أبرأه. ويكون لمن وفي من المدينين أن يرجع على كل من الباقين بقدر حصته.
ذلك أن الدائن طالما اقتصر على إبراء أحد المدينين المتضامنين من الدين، دون أن يصرح بما انصرفت إليه إرادته بالنسبة لباقي المدينين فمن المعقول أن يفهم من ذلك أنه لا يريد إبراء ذمتهم إلا بقدر حصة المدين الذي صدر الإبراء لصالحه .
إذا صرح الدائن بأنه أراد بإيراء المدين المتضامن من الحين، إبراء سائر المدينين، فإن الإبراء في هذه الحالة يكون سبباً لانقضاء الالتزام في جملته.
احتفاظ الدائن بحقه في الرجوع على باقي المدينين بكل الدين:
إذا أبرأ الدائن أحد المدينين المتضامنين من الدين، ولكنه احتفظ لنفسه بحقه في الرجوع على باقي المدينين بكل الدين، فإنه لا يجوز لهؤلاء التمسك بالإبراء ولو بقدر حصة المدين الذي أبرأه الدائن، بل يتعين عليهم الوفاء بالدين كاملاً، ويكون لمن يقوم بالوفاء منهم حق الرجوع على المدين الذي صدر الإبراء لصالحه بحصته في الدين. وفي هذه الحالة الأخيرة تقتصر الفائدة التي تعود على المدين من الإبراء على امتناع مطالبة الدائن له، فلا يعفى من دفع حصته ولو أنه لا يوفي بها للدائن وإنما للمدين الآخر الذي أوفي بكامل الدين.
إبراء الدائن أحد المدينين المتضامنين من التضامن فحسب :
قد يقتصر إبراء الدائن أحد المدينين المتضامنين على الإبراء من التضامن فحسب، وهذا الإبراء يختلف عن الإبراء من الدين في أنه ليس سبباً لانقضاء الدين كله أو بعضه، بل يقتصر أثره على محو التضامن بالنسبة لهذا المدين، فلا يجوز للدائن أن يطالبه إلا بقدر حصته فحسب. أما بالنسبة لباقي المدينين فللدائن الرجوع على أي منهم بكل الدين، إلا إذا انصرفت إرادة الدائن إلى إبراء ذمتهم من حصة المدين الذي صدر الإبراء لصالحه.
أما إذا كان الدائن قد أبرأ المدينين جميعاً من التضامن، فإن الدين ينقسم عليهم فتتعدد الالتزامات بقدر عددهم ولا يكون للدائن أن يطالب أياً منهم إلا بقدر حصته.
وعلى أي الأحوال، إذا استوفى الدائن من المدين الذي أبرأه من التضامن حصته، فلا تجوز له مطالبة المدينين الآخرين إلا بالباقي بعد استنزال ما استوفاه. أما إذا لم يستوف الدائن من هذا المدين شيئاً، فوفي أحد المدينين الآخرين بالدين كله، كان لهذا المدين أن يرجع على المدين الذي أبرئ من التضامن بقدر حصته. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع، الصفحة/ 137)
الإبراء - يجوز للدائن أن يبرىء جميع المدينين من الدين كله، فتبرأ ذمتهم جميعاً، ويجوز له أن يبرىء أحدهم دون الباقين، فينقضي التزام الأول ويبقى الترام الآخرين ( المادة 289 فقرة أولى ) - غير أنه في هذه الحالة الأخيرة لا يكون له أن يطالب باقي المدينين المتضامنين إلا بما يبقى من الدين بعد خصم حصة المدين الذي أبرأه ( المادة 289 فقرة ثانية )، هذا ما لم يكن قد احتفظ عند ارائه ذلك المدين بحقه في الرجوع على الباقين بكل الدين، فحينئذ يجوز له مطالبة كل منهم بالدين بأكمله .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس، الصفحة/ 585)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۲۷۷)
1- اذا أبرأ الدائن أحد المدينين المتضامنين ، فلا تبرأ ذمة الباقين إلا اذا صرح الدائن بذلك.
۲- واذا لم يصدر منه هذا التصريح ، فليس له أن يطالب باقی المدينين المتضامنين إلا بما بقي من الدين بعد خصم حصة المدين الذي أبرأه ، إلا أن يكون قد احتفظ بحقه في الرجوع عليهم بكل الدين ، وفي هذه الحالة يكون لهم حق الرجوع على المدين الذى صدر الإبراء لصالحه بحصته في الدين.
هذه المادة تطابق المادة ۲۸۹ من التقنين الحالي
وتطابق في حكمها المادة 351 من التقنين الكويتي
و تقابل المادة 326 من التقنين العراقي التي تنص على ما يأتي :
1- اذا أبرأ الدائن أحد المدينين المتصانین سقط عنه الدين ، ولا تبرا ذمه الباقين الا اذا صرح الدائن بدلك .
2- فاذا لم يصدر منه هذا التصريح فليس له أن يطالب باقی المدينين المتضامنين الا بما يبقي من الدين بعد خصم حصة المدين الذي أبرأه،
وتطابق في حكمها المادتين 430 و 431 من التقنين الأردنی .
فالمادة 430 من هذا التقنين تنص على أنه «إذا انقضت حصة أحد المدينين المتضامنين في الدين بطريق المقاصة أو اتحاد الذمتين أو الابراء فان الدین لا ينقضي بالنسبة لباقي المدينين الا بقدر حصة هذا الدین ،۰
والمادة 431 من هذا التقنين تنص على أنه : اذا لم يوافق الدائن علی ابراء باقي المدينين المتضامنين من الدين فليس له أن يطالبهم بغير الباقي بعد خصم حصة الدين الذي أبرأة الا اذا احتفظ بحقه في الرجوع عليهم بكل الدين وعندئذ يحق لهم الرجوع على المدين بحصته فيه.
أنظر في الفقه الاسلامي : البدائع ج ۱ ص ۱۱ وج6 ص ۱۱