loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث ، الصفحة : 104

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- لا تظهر أهمية عدم قابلية الالتزام للانقسام إلا حيث يتعدد المدينون أو الدائنون ، إما ابتداء عند إنشاء الرابطة القانونية ، وإما بعد ذلك إذا تعدد ورثة من كان بمفرده طرفاً من طرفي الالتزام ، أما حيث لا يتعدد الدائن ولا المدين ، فيتعين الوفاء بالالتزام كاملاً ، دون تبعیض ، منقسماً كان أم غير قابل للانقسام ، وللدائن أن يرفض الوفاء الجزئي .

2- وقد واجهت المادة 425 حالة تعدد المدينين ، وفي هذه الحالة ، يلتزم كل مدين في صلته بالدائن بالوفاء بكل الإلتزام كما هو الشأن في التضامن ، و تستبعد كذلك فكرة النيابة حيث يكون إعمالها ضار ، وتستبقى إذا كان في ذلك نفع للمدينين ( أنظر المادة 74 من التقنين اللبناني ) ، أما بالنسبة لعلاقة المدينين فيما بينهم فينقسم الإلتزام ، وفقاً للقواعد التي تقدم ذكرها بصدد التضامن ، ويشتركون جميعاً في تحمل تبعة إعسار من يعسر من بينهم ، وللمدين إذا طولب بالإلتزام بأسره أمام القضاء ، أن يطلب أجلاً لاختصام سائر المدينين ، لا ليدرأ عن نفسه تبعة الوفاء بالإلتزام كاملاً ، بل ليحصل على حكم بشأن حقه في الرجوع على هؤلاء المدينين ، ولو كان الدين بطبيعته لا يتيسر الوفاء به إلا من هذا الدين ، ( أنظر المادة 1125 من التقنين الفرنسي ، والمادة 164 من المشروع الفرنسي الإيطالي ) ويكون الرجوع في هذه الحالة بمقتضى الدعوى الشخصية ، أو بمقتضى دعوى الحلول ، كما هو الشأن في التضامن.

3- ومهما يكن من أمر ما بين عدم القابلية للانقسام والتضامن من أوجه الشبه فثمة فارقان يتمثل فيهما اختلاف هذين الوضعين :

(أ) فيراعي من ناحية أن عدم القابلية للانقسام قد تكون أقوى إلزاماً من التضامن ، باعتبار أن الالتزام الذي لا يقبل القسمة لا ينقسم بين ورثة المدين ، ولهذه العلة يجرى المتعاملون على اشتراط التزام المدينين التزاماً تضامنية غير قابل للانقسام ، إتقاء لتجزئة الدين بين الورثة فيما لو اقتصر الأمر على النص على التضامن فحسب ، ولا يعرض مثل هذا الفرض في الشريعة الإسلامية ، لأن الدين لا ينتقل من طريق الميراث ، فيكون بهذه المثابة غير قابل للانقسام ، ويستأدى بجملته من التركة.

(ب) ويراعي من ناحية أخرى أن عدم القابلية للانقسام قد تكون أضعف إلزاماً عند قيامها على طبيعة المحل ، فهي تظل قائمة مادام هذا المحل عصياً على التجزئة بطبعه ، ولكن إذا اتفق أن استحال الإلتزام إلى تعويض مالى ، زالت عدم قابلية الإنقسام وانقسم مبلغ التعويض ، أما المدينون المتضامنون ، فيظل كل منهم ، على نقيض ذلك ، ملزماً قبل الدائن بالدين بأسره ، ولو استحسان الدين إلى تعويض مالي .

الأحكام

1 ـ إذا كان موضوع النزاع يدور حول إستحقاق الطاعن إعانة غلاء المعيشة و بدل الأجازات و فى أحقية المطعون عليهم فى فصله من عمله و هو على هذه الصورة موضوع غير قابل للتجزئة لأن الطاعن كان يقوم بعمل واحد لدى المطعون عليهم و لدى مورثهم من قبل فلا يتصور أن يستحق إعانة غلاء معيشة أو بدل أجازة قبل بعضهم دون البعض الآخر كما لا يتصور أن يكون فصله من العمل قد تم دون مبرر فى حق البعض دون الآخر .

(الطعن رقم 86 لسنة 33 جلسة 1968/04/17 س 19 ع 2 ص 769 ق 111)

2 ـ متى كان المطعون عليهم قد رفعوا الدعوى على الطاعنين بطلب إزالة مبنى الفيلا الخاصة بالمطعون عليه الأول وإعادة بنائها على نفقة الطاعنين و بإلزامهم بالتعويض متضامنين للتأخير فى تسليم الفيلا ، فقضى الحكم المطعون فيه بالإزالة و إعادة البناء و حصل التأخير فى تسليم الفيلا ، و رتب عليه القضاء بالتعويض فإن موضوع الخصومة يكون مما لا يقبل التجزئة ، ويترتب على بطلان الحكم بالنسبة لبعض الطاعنين بطلانه بالنسبة لباقيهم .

(الطعن رقم 300 لسنة 33 جلسة 1967/02/28 س 18 ع 1 ص 509 ق 77)

3 ـ إذا كان النزاع - فى الطعن بالنقض - يقوم على بطلان عقد البيع الصادر من المطعون عليه الثانى للمطعون عليه الأول تأسيساً على أن العقد قد تضمن شرطاً مانعاً من التصرف ، و كان النزاع على هذه الصورة غير قابل للتجزئة إذ لا يتصور أن يكون عقد البيع صحيحاً بالنسبة للبائع و باطلاً بالنسبة للمشترى فإن بطلان الطعن بالنسبة للأول لعدم صحة إعلانه يستتبع بطلانه بالنسبة للثانى مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الطعن.

(الطعن رقم 131 لسنة 27 جلسة 1962/11/15 س 13 ع 2 ص 1028 ق 158)

4 ـ متى كان الطاعنات قد أقمن الدعوى بطلب الحكم بصحة و نفاذ العقد الصادر لهن من مورثهن و مورث المطعون ضدهم ، و إذ دفع المطعون ضدهم الثلاثة الأولون الدعوى بأن ذلك العقد لا يتضمن بيعا منجزا بل ينطوى فى حقيقته على تصرف مضاف إلى ما بعد الموت ، و كان النزاع فى هذه الصورة يدور حول المركز القانونى للمطعون ضدهم و المستمد بالنسبة لهم جميعا من طعنهم عل التصرف الصادر من مورثهم إضرارا بحقهم فى الإرث بإعتبارهم من الغير بالنسبة لهذا التصرف ، و إذ يعد المطعون ضدهم جميعا سواء فى هذا المركز ما داموا يستمدونه من مصدر واحد هو من حقهم فى الميراث و لا يحتمل الفصل فى طعنهم على التصرف غير حل واحد ، و كان لا يصح فى هذه الصورة أن يكون التصرف بيعا بالنسبة لبعضهم و يكون فى نفس الوقت وصية بالنسبة للآخرين منهم و كان مؤدى ذلك هو عدم قابلية موضوع النزاع للتجزئة ، فإن بطلان الطعن بالنسبة للمطعون ضدها الثالثة يستتبع بطلانه بالنسبة للمطعون ضدهم الآخرين ، لأن حق المطعون ضدها الثالثة و قد إستقر بحكم حائز لقوة الأمر المقضى يعلو على الأمل المرتقب للطاعنات فى كسب الطعن . للمطعون عليها الثالثة .

(الطعن رقم 113 لسنة 33 جلسة 1968/04/30 س 19 ع 2 ص 881 ق 128)

5 ـ تقضى الفقرة الثانية من المادة 218 من قانون المرافعات بأنه إذا كان الحكم صادراً فى موضوع غير قابل للتجزئة - جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم أو قبل الحكم أن يطعن فيه أثناء نظر الطعن المرفوع فى الميعاد من أحد زملائه منضماً إليه فى طلباته ، و مفاد ذلك - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع أجاز خروجاً على مبدأ نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات أن يفيد خصم من طعن مرفوع من غيره فى الميعاد فى حالة الحكم فى موضوع غير قابل للتجزئة بالتدخل فى الطعن بالوسيلة التى بينتها المادة المذكورة ، و لما كانت هذه رخصة قد أجازها الشارع فى هذه الحالة لمن قبل الحكم أو لمن لم يطعن فى الميعاد ، فخوله أن يطعن فى الحكم أثناء نظر الطعن المقام فى الميعاد من أحد المحكوم عليهم أو أن - يتدخل فيه منضماً إليه فى طلباته فإن هو قعد عن إستعمال هذه الرخصة ، فلا يؤثر ذلك فى شكل الطعن متى كان قد أقيم من باقى المحكوم عليهم صحيحاً فى الميعاد ، و لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد صدر ضد ورثة المرحومة ... فإنه يجوز الطعن فيه من الطاعنة فقط - أحد المورثة - و إن كان الحكم صادراً على ما يقول المطعون عليه فى موضوع غير قابل للتجزئة.

(الطعن رقم 592 لسنة 40 جلسة 1976/03/30 س 27 ع 1 ص 792 ق 154)

6 ـ النص فى المواد 300 و 301 و 302 من القانون المدنى يدل على أن وصف عدم قابلية الإلتزام للإنقسام ، و إن كان ينبعث فى جوهره من محل الإلتزام ، إلا أنه ينصرف فى آثاره إلى أطراف الإلتزام ، ذلك أنه - و على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدنى - لا تظهر أهمية عدم قابلية الإلتزام للإنقسام إلا حيث يتعدد المدينون أو الدائنون إما إبتداء عند إنشاء الرابطة القانونية ، و إما بعد ذلك إذ تعدد ورثة من كان بمفرده طرفاً من طرفى الالتزام .

(الطعن رقم 1278 لسنة 48 جلسة 1979/03/17 س 30 ع 1 ص 839 ق 154)

7 ـ النص فى المادتين 1/300 ، 1/301 من القانون المدنى يدل و على ما جاء بمذكرة المشرع التمهيدى أن الإلتزام الذى لا يقبل التجزئة بطبيعته كما هو الشأن فى تسليم شىء معين بذاته أو الإلتزام بالأمتناع عن عمل أو نقل حق غير قابل للإنقسام يعتبر كلا لا يحتمل التبعيض إذ الأصل أن يعتبر غير قابل للإنقسام ، فيتحتم إقتضاؤه من الدائن و يؤديه المدين كاملاً غير مجزأ فهذا الإلتزام يتميز بأن تنفيذه يتم بآداء كل موضوعه من غير أن يحتوى هذا الموضوع تجزئة أو قيام لما كان ذلك ، و كان عقد الإيجار سند الدعوى قد حظر على المستأجر للعين محل النزاع التنازل عن الإيجار ، و كان هذا الحظر مقرراً بنص المادة 5/23 من القانون رقم 52 لسنة 69 - المقابلة للمادة 31/ب من القانون رقم 49 لسنة 77 - إلا إذا أذن به المالك كتابة ، فإن هذا الحظر الوارد فى العقد و القانون هو إلتزام بالإمتناع عن عمل ، و أى عمل يأتيه أحد المستأجرين مخالفاً لهذا الحظر يعتبر فرقاً للإلتزام إذ أنه بطبيعته لا يقبل التجزئة ، و يترتب على مخالفته فسخ عقد الإيجار ورد العين المؤجرة ، لما كان ذلك ، فلا يجدى الطاعن التمسك بقاعدة الأثر النسبى للعقود ، بإعتبار أن البيع بالجدك قد صدر من المستأجر الآخر ، إذ أن إستجاره للعين محل النزاع مع المستأجر الآخر كان دون تضامن ، و يحق للمؤجر مطالبتها بالآثار المترتبة على تنازل أحدهم عن الإيجار بغير إذنه وهى فسخ عقد الإيجار و الإخلاء .

(الطعن رقم 913 لسنة 52 جلسة 1988/05/05 س 39 ع 2 ص 900 ق 146)

8 ـ مؤدى قاعدة " أن لا تركة إلا بعد سداد الدين " أن تركة المدين تنشغل بمجرد الوفاة بحق عينى لدائنى المتوفى يخول لهم تتبعها و إستيفاء ديونهم منها تحت يد أى وارث أو من يكون الوارث قد تصرف إليهم ما دام أن الدين قائم دون أن يكون لهذا الوارث حق الدفع بإنقسام الدين على الورثة . أما إذا كان الدين قد إنقضى بالنسبة لأحد الورثة بالتقادم فإن لهذا الوارث - إذا ما طالبه الدائن قضائياً - أن يدفع بإنقضاء الدين بالنسبة إليه . كما لا تمنع المطالبة بالدين من تركة المدين المورث من سريان التقادم بالنسبة إلى بعض ورثة المدين دون البعض الآخر الذين إنقطع التقادم بالنسبة إليهم متى كان محل اللإلتزام بطبيعته قابلاً للإنقسام .

(الطعن رقم 495 لسنة 26 جلسة 1962/06/07 س 13 ع 2 ص 774 ق 116)

شرح خبراء القانون

المبادئ الأساسية : فى علاقة الدائن بالمدينين يكون للالتزام غير القابل للانقسام محل واحد لا يتجزأ ، فوحده المحل يشترك فيها الالتزام غير القابل للانقسام والالتزام التضامنى ، ولكن الأول يزيد على الثانى فى أن هذا المحل الواحد غير قابل للتجزئة .

 ويترتب على فكرة وحدة المحل وعدم قابليته للتجزئة ما يأتي :

أولاً - فيما يتعلق بالوفاء يستطيع الدائن أن يطالب أياً من المدينين المتعددين بالدين كله ، فإنه دين واحد غير قابل للتجزئة .

ثانياً - وفيما يتعلق بأسباب انقضاء الالتزام الأخرى غير الوفاء ، إذا انقضى الالتزام بأى سبب منها بالنسبة إلى أحد المدينين المتعددين ، فإنه – نظراً لوحدة الالتزام وعدم قابليته للتجزئة – ينقضى بالنسبة إلى الآخرين ، وقد رأينا فى التضامن أن ينقضى بقدر حصة من قام به سبب انقضاء الالتزام .

ثالثاً - ولما كان المدينون المتعددون فى الالتزام غير القابل للانقسام لا يربطهم بعضهم ببعض إلا أن المحل واحد غير قابل للتجزئة ، فهذه رابطة ترجع إلى طبيعة الأشياء ولا تقوم على أساس من النيابة التبادلية ، ومن ثم لا يترتب فى عدم القابلية للانقسام ما كان يترتب فى التضامن على النيابة التبادلية.

ونتناول بالبحث كل مبدأ من هذه المبادئ الثلاثة .

انقضاء الالتزام غير القابل للانقسام بالوفاء – إمكان الدائن مطالبة أى مدين بالالتزام كله : يجوز للدائن أن يطالب أى مدين بالالتزام غير القابل للانقسام ، فإن محل هذا الالتزام واحد لا يتجزأ ، فأى مدين من المدينين المتعددين تعتبر ذمته مشغولة بالنسبة إلى الدائن بكل الالتزام.

وكذلك يجوز لأى مدين أن يفى بكل الالتزام للدائن ، ويجبر الدائن على قبول هذا الوفاء ، ولا يستطيع أن يقتصر على قبول حصة المدين فى الالتزام إذا أراد هذا أن يفى بكل الالتزام ، ومتى وفى المدين الالتزام كله للدائن ، برئت ذمة المدينين الآخرين نحو الدائن بهذا الوفاء .

وإذا طالب الدائن أحد المدينين المتعددين بكل الدين على الوجه الذى قدمناه ، كان لهذا المدين أن يدخل فى الدعوى باقى المدينين حتى يحكم عليهم جميعاً بالدين ، إذا كان الالتزام يمكن لأى مدين تنفيذه ، أو كان لا يمكن تنفيذه إلا بوساطتهم جميعاً ، وحتى إذا كان المدين المطالب بالدين هو وحده الذى يمكن استيفاء الدين منه ، كان له أيضاً أن يدخل بقية المدينين فى الدعوى ، حتى يستصدر عليهم أحكاماً برجوعه على كل منهم بحصته في الدين.

ولكل مدين أن يدفع مطالبة الدائن له بكل الدين بأوجه الدفع الخاصة به وبأوجه الدفع المشتركة بين المدينين جميعاً ، كما فى التضامن ، ولكن ، كما فى التضامن أيضا ، لا يجوز له أن يدفع هذه المطالبة بأوجه الدفع الخاصة بمدين آخر غيره فيجوز إذن للمدين أن يدفع بأنه كان نقص الأهلية وقت عقد الدين ، أو أن إرادته قد شابها عيب من غلط أو تدليس أو إكراه ، وهذه أوجه دفع خاصة به ، ويجوز له أيضاً أن يدفع بأن الدين قد انقضى بسبب  من أسباب الانقضاء أو أنه باطل لسبب من أسباب البطلان ، أو أنه لم يحل أجله أو يتحقق شرطه ، وهذه أوجه دفع مشتركة بين المدينين ، ولا يجوز للمدين أن يدفع بنقص أهلية أو غلط أو تدليس أو إكراه قام بمدين آخر غيره ، فإن هذه أوجه دفع خاصة بغيره من المدينين .

وإذا مات أحد المدينين ، فإن الدين لا ينقسم على ورثته كما كان فى التضامن، ويكون كل وارث مسئولاً عن الدين بأكمله ، ولسنا فى حاجة إلى هذا الحكم إذا طبقنا فى الميراث أحكام الشريعة الإسلامية ، فإن هذه الأحكام تجعل التركة لا الورثة مسئولة عن الديون ، فيصبح الدين غير قابل للتجزئة سواء كان في أصله قابلاً أو غير قابل للانقسام.

هذا ويلاحظ أنه إذا استحال محل الالتزام غير القابل للانقسام إلى تعويض نقدي ، أصبح الالتزام قابلاً للانقسام ، وينقسم فعلاً على المدينين المتعددين ، فقد زالت العقبة التى كانت تحول دون انقسام الدين ، أما فى التضامن فيبقى الدين ، حتى لو استحال إلى تعويض نقدى ، غير منقسم وتجوز مطالبة أى مدين بكل التعويض ، وإذا كان التعويض مقدراً فى شرط جزائى ، فإنه ينقسم كذلك فى الالتزام غير القابل للانقسام على المدينين المتعددين كما ينقسم التعويض الذى يقدره القاضى ، إلا أنه إذا كان أحد المدينين هو الذى صدر منه خطأ فى الإخلال بالالتزام كان مسئولاً عن الشرط الجزائى بأجمعه ، أما الباقون فينقسم عليهم الشرط الجزائى (أنظر م 1232 و 1233 مدنى فرنسى). 

انقضاء الالتزام غير القابل للانقسام بغير الوفاء : ولما كان محل الالتزام غير قابل للتجزئة كما قدمنا ، فإن انقضاء الالتزام بأى سبب آخر غير الوفاء ، ولو بالنسبة إلى أحد المدينين ، يجعله منقضياً بالنسبة إلى المدينين الآخرين .

فإذا قام أحد المدينين بقضاء الالتزام عن طريق التجديد ، انقضى الالتزام بالنسبة إليه وبالنسبة إلى المدينين الآخرين .

وإذا وقعت مقاصة بين الدائن وأحد الدائنين ، فانقضى الالتزام بالمقاصة بالنسبة إلى هذا المدين ، انقضى أياً بالنسبة إلى باقى المدينين ويستطيع أى من هؤلاء أن يدفع مطالبة الدائن له بالمقاصة التى وقعت مع المدين الأول ، وذلك فى كل الدين ، لا بمقدار حصة المدين الأول فقط كما هو الحكم فى التضامن .

وإذا أتحدث ذمة الدائن بذمة أحد المدينين ، انقضى الدين كله ، لا بالنسبة إلى هذا المدين وحده ، بل أيضاً بالنسبة إلى جميع المدينين ، وكان هؤلاء ، فى التضامن ، لا يحتجون باتحاد الذمة إلا بمقدار حصة من أتحدث ذمته فقط .

وإذا أبرأ الدائن أحد المدينين من الالتزام غير قابل للانقسام ، برئت ذمة المدينين الآخرين ، لأن طبيعة الالتزام لا تحتمل أن تبرأ منه ذمة مدين دون ذمة مدين آخر ما دام الالتزام غير قابل للتجزئة .

وكذلك إذا تقادم الدين غي المتجزئ بالنسبة إلى أحد المدينين المتعددين ، تقادم أيضا بالنسبة إلى المدينين الآخرين ، أما فى التضامن فان كلا من المدينين المتضامنين لا يحتج بالتقادم الحاصل لغيره ، إلا بمقدار حصة هذا المدين فقط . 

عدم قيام نيابة تبادلية بين المدينين فى الالتزام غير القابل للانقسام : ولما كانت الرابطة التى تربط ما بين المدينين المتعددين فى التزام غير قابل للانقسام هى وحدة المحل غير القابل للتجزئة ، فليس يقوم بينهم ، كما يقوم فى التضامن ، نيابة تبادلية ، لا فيما يضر ولا فيما ينفع . 

ويترتب على ذلك ما يأتي :

(1) انقطاع التقادم أو وقفه : إذا انقطع التقادم أو ووقف بالنسبة إلى أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام ، فإن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضى أن ينقطع التقادم أو يقف بالنسبة إلى المدينين الآخرين ، أما فى التضامن ، فلا ينقطع التقادم أو يقف كما قدمنا ، لانعدام النيابة التبادلية بين المدينين المتضامنين فيما يضر .

(2) خطأ أحد المدينين : وخطأ أحد المدينين المتعددين فى التزام غير قابل للانقسام لا يتعدى أثره إلى المدينين الآخرين ، بل يقتصر على المدين الذى ارتكب الخطأ فهو وحده يكون مسئولاً عنه ، وهذا الحكم إنما يترتب على أن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة لا تقتضى أن يتعدى أثر الخطأ الصادر من أحد المدينين إلى المدينين الآخرين ، وهذا هو الحكم أيضاً فى التضامن ، إلا أنه  يقوم هناك على أن النيابة التبادلية بين المدينين المتضامنين لا أثر لها فيما يضر المدينين ، كما تقدم القول.

(3) الإعذار والمطالبة القضائية : وإذا أعذر الدائن أحد المدينين المتضامنين فى الالتزام غير القابل للانقسام ، فإن هذا الإعذار لا يسرى فى حق المدينين الآخرين ولا يعتبرون معذرين ، إذ لا توجد نيابة تبادلية فيما بينهم ولا تقتضي طبيعة المحل غير القابل للتجزئة أن يكون أعذار أحد المدينين إعذاراً للباقين وإذا أعذر أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام الدائن ، لم يفد هذا الأعذار المدينين الآخرين ، لانعدام النيابة التبادلية حتى فيما ينفع ، ولعدم اقتضاء طبيعة المحل غير القابل للتجزئة هذا الحكم وقد رأينا فى للتضامن أن أعذار الدائن لأحد للدينين المتضامنين لا يكون أعذار للباقين لعدم قيام النيابة التبادلية فيما يضر ، ورأينا أن أعذار أحد المدينين المتضامنين للدائن يفيد المدينين الآخرين لقيام النيابة التبادلية فيما ينفع .

ومطالبة الدائن لأحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام مطالبة قضائية لا تضر المدينين الآخرين ولا تجعل الفوائد تسرى عليهم ، لانعدام النيابة التبادلية ، ولأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة لا تقتضي هذا الحكم ، وقد رأينا فى التضامن كذلك أن مطالبة أحد المدينين المتضامنين لا تضر بالباقين ، ولكن يرجع السبب فى هذا إلى أن النيابة التبادلية فى التضامن لا تقوم فيما يضر .

(4) الصلح : وإذا صالح أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام الدائن ، فإن كان فى الصلح إبراء من الدين ، أفاد منه المدينون الآخرون ، ولكن ليس ذلك لأن هناك نيابة تبادلية فيما ينفع كما هو الأمر فى التضامن ، بل لأن الإبراء من الدين وهو غير قابل للتجزئة يتضمن إبراء ذمة المدينين الآخرين.

وإذا كان الصلح يتضمن زيادة الالتزام أو تسوئه مركز المدين ، لم يتعد أثره إلى المدينين الآخرين إلا إذا قبلوه ، لأن الصلح عقد يقتصر أثره على المتعاقدين ، ولأن طبيعة المحل غير القابل  للتجزئة لا تقتضى أن يتعدى أثر الصلح إلى المدينين الآخرين ، وهذا هو الحكم أيضاً فى التضامن ، ولكنه مبنى على انعدام النيابة التبادلية فيما يضر كما قدمنا.

(5) الإقرار : وإذا أقر أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام ، فإن إقراره لا يتعدى أثره إلى المدينين الآخرين ، لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر ، ولأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة لا تقتضى أن يسرى الإقرار فى حق المدينين الآخرين ، وهذا هو الحكم أيضاً فى التضامن ، ولكنه مبنى على انعدام النيابة التبادلية فيما يضر كما رأينا .

وإذا أقر الدائن لأحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام ، فإن كان الإقرار غير متعلق بأمر خاص بهذا المدين بل يتناول الدين ذاته ، فإنه يسرى فى حق المدينين الآخرين ، وذلك لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضى ذلك وهذا هو الحكم أيضاً في التضامن ، ولكنه مبنى على قيام نيابة تبادلية بين المدينين المتضامنين فيما ينفع .

(6) اليمين : وإذا وجه الدائن اليمين إلى أحد المدينين في التزام غير قابل للانقسام فحلفها ، وكان اليمين يتعلق بالدين ذاته ، فإن المدينين الآخرين يفيدون من ذلك ، ولكن ليس للسبب الذي ذكرناه فى التضامن من أن هناك نيابة بين المدينين المتضامنين فيما ينفع ، ولكن لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضى هذا الحكم ، وإذا نكل المدين ، فإن نكوله يكون إقراراً ، وقد قدمنا أن الإقرار لا يتعدى أثره إلى المدينين الآخرين.

وإذا وجه أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام اليمين إلى الدائن فحلف ، فإن توجيه اليمين لا يضر بالمدينين الآخرين لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة لا تقتضي أن يضر توجيه اليمين بالمدينين الآخرين ، وقد رأينا أن السبب فى التضامن يرجع إلى عدم قيام النيابة التبادلية فيما يضر ، وإذا نكل الدائن ، انتفع بنكوله المدينون الآخرون ، لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضى ذلك ، للقيام نيابة تبادلية بين المدينين فيما ينفع كما هو الأمر فى التضامن.

(7) الحكم : وإذا صدر حكم على أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام ، وكان الحكم مبنياً على أسباب ترجع إلى الدين ذاته ، فإن أثر الحكم يسرى فى حق المدينين الآخرين ، لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضى ذلك ، وقد رأينا فى التضامن أنه إذا صدر حكم على أحد المدينين المتضامنين ، لم يحتج بهذا الحكم على الباقين ، وذلك راجع إلى انعدام النيابة التبادلية فيما يضر ، هذا وإذا كان الحكم على المدين فى الالتزام غير القابل للانقسام مبنياً على أسباب خاصة بهذا المدين ، فإن أثر الحكم لا يسرى فى حق الباقين ، إذ لا تقضى طبيعة المحل سريانه فى حقهم. 

وإذا صدر الحكم لصالح أحد المدينين فى التزام غير قابل للانقسام ، أمكن الباقين أن يحتجوا به ، لأن هذا هو ما تقتضيه طبيعة المحل غير القابل للتجزئة وهذا هو أيضاً شأن التضامن ، ولكن ذلك يرجع إلى قيام نيابة تبادلية بين المدينين فيما ينفع كما سبق القول.

انقسام الدين على المدينين : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 301 مدنى تقضى بأن " للمدين الذى وفى بالدين حق الرجوع على الباقين ، كل بقدر حصته ، إلا إذا تبين من الظروف غير ذلك " ، ولما كان الدين الذى وفاة أحد المدينين للدائن غير قابل للانقسام فرضاً ، فإن رجوع المدين على المدينين الآخرين كل بقدر حصته لا يكون بنفس الدين ، فإنه غير قابل للانقسام ، ولكن بدين شخصى مصدره الوكالة أو الفضالة كما قدمنا فى التضامن ، وحتى إذا رجع المدين بنفس الدين بمقتضى دعوى الحلول ، فإن الدين فى علاقة المدينين بعضهم ببعض يصبح قابلاً للانقسام ، فإن استعصت طبيعته على التجزئة كان رجوع المدين بحصة فى قيمة الدين لا بصحة فى عينه .

تعيين حصة كل مدين : ويتبع فى تعيين حصة كل مدين ، فر رجوع المدين الذي وفى الدين على باقى المدينين ، القواعد الذى قدمناها فى التضامن ، فالأصل أن حصص المدينين جميعاً متساوية ، ما لم يوجد هناك اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك .

وقد يتبين من الظروف – كما تقول العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 301 مدنى – أن أحد المدينين هو وحده صاحب المصلحة فى الدين ، فيتحمله وحده ، فإن كان هو الذي رجع عليه الدائن بكل الدين ، فلا رجوع له على أحد من المدينين الآخرين ، وإن كان الدائن قد رجع على غيره ، فإن هذا المدين الأخير الذى وفى الدين يرجع به كله على الدائن صاحب المصلحة فيه دون أن يرجع بشىء على الباقين ، وقد تقدم تفصيل ذلك فى التضامن .

إعسار أحد المدينين : كذلك إذا أعسر أحد المدينين فى دين غير قابل للانقسام ، فإن المدينين الباقين يتحمل كل منهم نصيباً فى هذا الإعسار بنسبة حصته فى الدين ، كما رأينا فى التضامن .

فإذا كان محل الالتزام فرسا مثلاً ، وأداه للدائن أحد المدينين ، فإنه يرجع على كل مدين آخر بحصته فى قيمة الفرس ، فإذا كانت قيمته ستين ، وكان المدينون أربعة حصصهم متساوية ، وأدى الفرس للدائن أحد هؤلاء الأربعة ، فإنه يرجع على كل من المدينين الثلاثة الآخرين بخمسة عشر مقدار حصته في الدين ، فإذا كان أحد الثلاثة معسراً ، تحمل سائر المدينين هذا الإعسار كل بنسبة حصته . فيرجع المدين الذى أدى الفرس للدائن على كل من المدينين الاثنين غير المعسرين بعشرين ، ويتحمل هو العشرين الباقية مثلهما ، ويكون الثلاثة قد اشتركوا فى تحمل حصة المعسر بقدر متساوي .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث المجلد : الأول ، الصفحة : 438)

أن الالتزام يكون غير قابل للانقسام ، وفقاً لما قصد إليه المتعاقدون صراحة أو ضمناً ، وحينئذ يصبح الالتزام غير قابل للانقسام حتى لو كانت طبيعة المحل تقبل الانقسام ، كما لو باع الملاك على الشيوع أرضاً بقصد إقامة مشروع إستثماري عليها ، فان الإرادة الضمنية للمتعاقدين تكون قد انصرفت الى اعتبار التزام البائعين بتنفيذ البيع غير قابل للانقسام ، وقد يتفق المتعاقدون على ذلك صراحة بتضمين عقد البيع نصاً على أن التزام البائعين غير قابل للانقسام .

وقد يكون الالتزام غير قابل للانقسام وفقاً لطبيعة محله ، كبيع مبنى أو سيارة أو حيوان مملوك لعدة أشخاص ، مما يتعذر معه تقسيم تنفيذ هذا الالتزام بين البائعين وهم المدينون ، مما يوجب تنفيذه بأكمله على أي منهم ، فيرجع المشتري وهو الدائن على أي من هؤلاء بتسليم المبيع.

فإذا نشأ هذا الالتزام بين بائع ومشتري ، ثم توفي البائع قبل تسليم المبيع ، فإن التزامه ينتقل إلى ورثته غير قابل للانقسام بينهم ، وبالتالي يلتزم كل منهم على إنفراد بتنفيذ التزام مورثه بالتسليم ، مما يجوز معه للمشتري الرجوع على أي منهم بطلب التسليم ، ومتى قام الوارث بذلك ، برئت ذمة باقي الورثة ولا يرجعون بشئ على الوارث الذي قام بالتسليم ، باعتباره قد انتصب خصماً عنهم ويترتب على ذلك إنفراده في الطعن الذي قد يرفع عن الحكم ، سواء كان مستأنفاً أو مستأنفاً عليه ، وهو ما يعني المحكمة الاستئنافية من تكليف المستأنف بإدخال باقي الورثة ، ويسري ذلك أيضاً إذا كان الالتزام الذي رجع به الدائن مما يقبل الانقسام كطلب معجل الثمن الذي قبضة المورث والتعويض ، متی اختصم الدائن أحد الورثة منتصباً عن باقي الورثة ، أما إن اختصم الدائن جميع الورثة ، فلا ينوب أحدهم عن الآخر ويكون كل منهم مستقلاً في أوجه دفاعه وفي الطعن في الحكم ، وإذا رفع أحدهم طعناً صحيحاً فلا يزيل البطلان الذي لحق طعن مرفوع من غيره.

في الالتزام بالتضامن بين المدينتين ، تقوم علاقة شخصية بينهم ، تنشأ بموجبها نيابة تبادلية مفترضة بينهم فيما ينفع وليس فيما بضر على نحو ما أوضحناء في نصوص التضامن بين المدينين.

أما في الالتزام الذي لا يقبل الانقسام بين المدينين ، فيجمع بينهم محل عینی واحد سواء كان عملاً أو امتناع عن عمل أو نقل حق عيني ، لا يقبل الانقسام بينهم ، وهو ما أدى إلى جارة خلاف حول النيابة التبادلية في هذا الالتزام ، فذهب رأي الى توافر تلك النيابية فيما ينفع وليس فيما يضر كما هو الحال في التضامن ، بينما ذهب رأي آخر أی انتفاء هذه النيابة ، سواء فيما ينفع أو فيما يضر استناداً الى أن مشروع القانون المدني كان يتضمن نصاً يجعل النيابة التبادلية تسري على الالتزام الذي لا يقبل الانقسام ، ثم حذف هذا النص بمعرفة لجنة مجلس الشيوخ التي أفصحت عن استبعاد فكرة النيابية التبادلية ، ويعد هذا الحذف ظلت المذكرة الايضاحية على ما كانت عليه متضمنة وجود تلك النيابة فيما ينفع وليس فيما يضر.

ولما كان المقرر في ظل القانون المدنى القديم ، قيام نياية تبادلية بين المدينين في الالتزام بالتضامن وفي الالتزام الذي لا يقبل الانقسام ، وذلك فيما ينفع وفيما يضر، ولما صدر القانون المدني الجديد، أخذ بالنيابة التبادلية بين المدينين في الالتزام بالتضامن ، وقصرها على ما ينفع واستبعادها فيما يضر، ولم يورد ما يدل على استبعاد هذا النهج بالنسبة للالتزام الذي لا يقبل الانقسام ، ومن ثم تعين مساواة هذا الالتزام بالالتزام بالتضامن ، كما كان عليه الحال في ظل القانون المدني القديم الذي كان يساوي بين الالتزامين .

ويترتب على ذلك ، أن الأعذار الذي يوجهه أحد المدينين إلى الدائن ، يفيد منه باقي المدينين ، فإذا هلك الشيء ، تحمل الدائن تبعة الهلاك - على خلاف في الرأي - فإذا أعذر الدائن أحد المدينين ، فلا ينصرف أثره الى باقي المدينين وبالتالي لا تسري في حقهم الفوائد التي تستحق بموجب هذا الاعذار ، وإن وجه الدائن اليمين الحاسمة إلى أحد المدينين ، فحلفها استفاد من الحلف باقي المدينين ، أما ان نكل عنها، فلا يمتد أثر النكول إلى باقي المدينين ، وإذا ردها إلى الدائن فحلفها ، فلا يمتد أثر الحلف إلى باقي المدينين أما إن نكل عنها ، استفاد باقی المدينين من هذا النكول ، ولذلك إذا وجه المدين تلك اليمين إلى الدائن ، واذا أقر أحد المدينين للدائن ، فلا ينصرف إقراره إلى باقي المدينين ، وإذا أقر الدائن لأحد المدينين ، استفاد باقي المدينين من هذا الإقرار ، وإذا تصالح الدائن مع أحد المدينين وأبراه من الدين ، استفاد باقي المدينين من هذا الإبراء في حدود حصة هذا الدين ، وإذا اتخذ الدائن إجراءً قاطعاً للتقادم في مواجهة أحد المدينين ، فلا ينصرف أثر هذا الإجراء إلى باقي المدينين ، ويسري على وقف التقادم ما يسري على قطعة ، واذا صدر حكم لصالح أحد المدينين ، احتج به باقي المدينين ، أما إن صدر عليه فلا تتعدى حجيته اليهم .

إدخال باقي المدينين في الدعوى :

يترتب على عدم إنقسام الالتزام بين المدينين ، أن يكون للدائن الحق في الرجوع عليهم جميعاً أو على بعضهم أو على أحدهم بكل الدين ، فإن رجع على أحدهم ، جاز للمدين الذي رجع عليه الدائن ، أن يطلب أجلاً لادخال باقي المدينين للحكم له عليهم ، كل بقدر حصته في الدين ، وليس للحكم عليهم معه للدائن بالدين ، إذا لا يحكم للدائن إلا على المدن الذي رجع عليه دون الباقيين .

ووفقاً للمادة 118 من قانون المرافعات ، يجوز للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بادخال باقي المدينين ، وتعين للدائن ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أسابيع حضورهم ويكون ذلك بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى ، وحينئذ ينضمون لباقي المدينين للقضاء على الجميع بطلبات الدائن وفقاً لما تتضمنه صحيفة إدخالهم ، وذلك لحسن سير العدالة وتفادي الأثر النسبي لحجية الحكم.

ولباقي المدينتين التدخل في الدعوى للدفاع عن مصالحهم ، وذلك بالاجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاها في الجلسة ويثبت في محضرها ، للانضمام للمدين المختصم فيها ، وذلك وفقاً للمادة 126 من قانون المرافعات .

ولكل مدين أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع الخاصة به ، كنقص أهليته أو عيب شاب إرادته ، وكذلك بأوجه الدفاع المشتركة بينه وبين باقي المدينين دون أوجه الدفاع الخاصة بغيره من المدينين .

إذا رجع الدائن على أحد المدينين أو على جميع المدينين في التزام لا يقبل الانقسام ، وقضى له بالدين ، وقام المحكوم عليه بالوفاء للدائن ، فإنه يرجع على باقى المدينين ، كل بقدر حصته في الدين ، لأن الالتزام إن كان غير قابل للانقسام في علاقة الدائن بالمدينين ، فإنه يكون قابلاً للانقسام في علاقة المدين المتوفى باقي المدينين ، ما لم يكن المدين الذي قام بالوفاء هو صاحب المصلحة فيه فلا يرجع على أحد ، أو كان وارثاً إنتصب خصماً عن باقي الورثة وقام بالوفاء من أصول التركة ، فلا يرجع على باقي الورثة إذ يكون الوفاء قد تم منهم جميعاً.

وإذا أعسر أحد المدينين ، مرت الأحكام التي أوضحناها في التضامن ويجب الرجوع المدين على باقي المدينين ، أن يكون الوفاء قد تم للدائن ، وإلا قضى بعدم قبول دعوى الرجوع لرفعها قبل الأوان أو قضى فيها بالطلبات مع تعليق تنفيذ الحكم على هذا الوفاء.

وإذا كان الدائن قد رجع على جميع المدينين ، وصدر الحكم لصالحه ، جاز له تنفيذه على أي مدين منهم ، ومن قام بالوفاء الرجوع على باقي المدينين على نحو ما تقدم.

والأصل هو السوية بين المدينين في الحصص ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ، ويكون الرجوع بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول.

أثر انقضاء التزام أحد المدينين بغير الوفاء :

ثار الخلف في هذه المسألة ، فذهب رأي الى أن الانقضاء في هذه الحالة يقتصر على المدين الذي تحقق بالنسبة له سبب الانقضاء فيكون للدائن الرجوع بكل الدين على أي من المدينين الباقيين أو عليهم جميعاً على أن يستنزل من الدين حصة المدين الذي إنقضى دينه أو أن يرد تلك الحصة إن كان قد استوفی الدين كله إلى المدين الذي قام بالوفاء.

وذهب رأي آخر إلى أنه إذا كان عدم الانقسام يرجع إلى طبيعة المحل أي كان مطلقاً فإن الالتزام إذا انقضى بالنسبة لأحد المدينين فإنه لا ينقضي بالنسبة لباقي المدينين فيكون للدائن الرجوع على أي مدين آخر بكل الدين دون استنزال حصة المدين الذي انقضى الالتزام بالنسبة إليه ، أما إن كان عدم الانقسام نسبياً يرجع إلى الاتفاق ، فإن انقضاء الدين بالنسبة لأحد المدينين لا يؤدي إلى انقضائه بالنسبة إلى الساقيين ويكون للدائن الرجوع على أي منهم بالدين كاملاً على أن يدفع لمن قام بالوفاء حصة الدين الذي انقضى التزامه.

ونرى مع فريق ثالث ، أن إنقضاء الالتزام بالنسبة لأحد المدينين ، يؤدي إلى انقضائه بالنسبة للباقيين ، سواء كان عدم القابلية للانقسام مطلقاً أو نسبياً ، فإذا إنقضى الالتزام بالنسبة لأحد المدينين بالتجديد أو المقاصة أو إتحاد الذمة ، إنقضی بالنسبة للباقيين ، ويرجع الدين الذي قضى الدين ، على باقي المدينين ، كل بقدر حصته فيه ، أما إذا انقضى الدين بالإبراء أو التقادم فلا يرجع بشئ ويتفق هذا الرأي مع طبيعة الالتزام الذي لا يقبل الانقسام. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس ، الصفحة : 126)

تعدد المدينين في الالتزام غير القابل للانقسام :

التزام كل مدين بوفاء الدين كاملاً :

إن الأثر الجوهري لعدم قابلية الالتزام للانقسام هو وجوب الوفاء به جملة واحدة ، فالالتزام غير القابل للانقسام لا يقبل الوفاء الجزئي.

فإذا تعدد المدينون في التزام غير قابل للانقسام كان كل منهم ملزماً بوفاء الدين كاملاً ، وبذلك تشتبه الآثار بين الالتزام غير القابل للانقسام وبين الدين التضامني.

ويبنى على ذلك بعض الآثار منها :

1 - من حيث الإبراء :

إذا أبرأ الدائن أحد المدينين في الالتزام غير القابل للانقسام ، جاز له أن يطالب أياً من المدينين الآخرين بالدين كله ولو لم يكن قد احتفظ عند إبرائه ذلك المدين بحقه في الرجوع على الآخرين بكل الدين لأن هذا التحفظ لا يكون ضرورياً إلا حيث يكون الالتزام قابلاً للانقسام ولو كان التزاماً تضامنياً ، وغاية الأمر أن الدائن يلزم في هذه الحالة بأن يدفع إلى المدين الذي يوفي ذلك الالتزام کاملاً قيمة حصة المدين الذي أبرأه.

2 - من حيث التقادم :

إذا تقادم الدين بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين، فإن الالتزام ينقضي بالنسبة لجميع المدينين ، لأنه غير قابل للانقسام ، فلا يتصور انقضاؤه بالنسبة لبعضهم وبقاؤه بالنسبة للبعض الآخر ، ويسرى ذلك على انقطاع التقادم ووقفه ، كما يسرى ذلك على انقضاء الدين بالمقاصة واتحاد الذمة بالنسبة إلى أحد المدينين.

3 - من حيث توجيه اليمين الحاسمة :

إذا وجه الدائن اليمين الحاسمة إلى أحد المدينين فحلفها ، وكانت اليمين تتعلق بالدين ذاته ، فإن باقي المدينين يفيدون من ذلك لأن طبيعة المحل غیر القابل للتجزئة تقتضي هذا الحكم ، وإذا نكل المدين فإن نكوله يكون إقراراً لا يتعدى أثره إلى باقي المدينين.

وإذا وجه أحد المدينين في التزام غير قابل للانقسام اليمين إلى الدائن فحلف ، فإن توجيه اليمين لا يضر بالمدينين الآخرين لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة لا يقتضي أن يضر توجيه اليمين بالمدينين الآخرين ، وقد رأينا أن السبب في التضامن يرجع إلى عدم قيام النيابة التبادلية فيما يضر ، وإذا نكل الدائن انتفع بنكوله المدينون الآخرون ، لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضي ذلك ، لا القيام نيابة تبادلية بين المدينين فيما ينفع كما هو الأمر في التضامن".

4 - الإعذار :

إذا أعذر الدائن أحد المدينين المتضامنين في الالتزام غير القابل للانقسام ، فإن هذا الإعذار لا يسري في حق باقي المدينين.

وإذا أعذر أحد المدينين في التزام غير قابل للانقسام الدائن ، استقاد سائر المدينين من الإعذار ، فإذا هلك محل الالتزام استفاد منه سائر المدنيين فيحملون الأخير تبعة الهلاك ، وذلك ليس تأسيساً على نيابة تبادلية لا وجود لها بينهم، بل كنتيجة لعدم قابلية الالتزام للانقسام.

5 - الصلح :

إذا تصالح الدائن مع أحد المدينين، وتضمن الصلح إيراء الأخير من الدين ، أفاد منه باقي المدينين ، لأن الإبراء من الدين وهو غير قابل للتجزئة يتضمن إبراء ذمة المدينين الآخرين. 

أما إذا تضمن الصلح زيادة الالتزام أو الإساءة إلى مركز المدين، فإنه لا يسري على باقي المدينين.

6 - الإقرار :

إذا أقر أحد المدينين في التزام غير قابل للانقسام ، فإن إقراره لا يتعدى أثره إلى غيره لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر ولأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة لا تقتضي أن يسرى الإقرار في حق المدينين الآخرين.

وإذا أقر الدائن لأحد المدينين ، وكان الإقرار متعلقاً بالدين فإنه يسرى في حق باقي المدينين.

7 - الحكم :

إذا صدر حكم على أحد المدينين في التزام غير قابل للانقسام ، وكان الحكم مبنياً على أسباب ترجع إلى الدين ذاته ، فإن أثر الحكم يسري في حق المدينين الآخرين ، لأن طبيعة المحل غير القابل للتجزئة تقتضي ذلك .

8 - رجوع المدين الموفي للدين على باقي المدينين :

تنص الفقرة الثانية من المادة على أنه : " وللمدين الذي وفي بالدين حق الرجوع على الباقين كل بقدر حصته إلا إذا تبين من الظروف غير ذلك".

وعلى ذلك إذا وفي أحد المدينين بكل الدين كان له الرجوع على الباقين بما يزيد على حصته ، وكذلك الحال إذا كان قد وفي ببعض الدين مادام القدر الذي وفي به يزيد على حصته ، ومثل الوفاء في ذلك التجديد الذي يعقده أحد المدينين مع الدائن فيترتب عليه انقضاء الدين بالنسبة لسائر المدينين دون أن يتحملوا بالدين الجديد ، والمقاصة التي تقع بين الدائن وأحد المدينين إذا تمسك بها هذا المدين عند مطالبة الدائن له ، أو تمسك بها الدائن عندما طالبه المدين بماله ، فانقضى بها الالتزام غير القابل للانقسام أو انقضى منه ما يزيد على حصة المدين فيه.

ويكون رجوع الموفي على بقية المدينين بأحد طريقين :

 إما بدعوى شخصية أي بدين شخصي مصدره الوكالة أو الفضالة.

وإما بدعوى الدائن ، بوصف المدين الموفي قد حل محله نتيجة لقيامه بالوفاء له (م 326 / 1)  وهذه هي دعوى الحلول ، وميزتها أنها تمكن المدين الموفي من الاستفادة من التأمينات التي كانت للدائن.

وقد يفضل المدين مع ذلك الرجوع بالدعوى الشخصية في بعض الحالات ، كما لو كانت دعوى الدائن قد سقطت بالتقادم ، فمدة تقادم تلك الدعوى تحسب من وقت أن أصبح حق الدائن مستحق الأداء وقد يكون حق الدائن مما يسقط بتقادم حولى ، في حين أن مدة تقادم الدعوى الشخصية لا تبدأ إلا من وقت الوفاء ، كما أن للرجوع بالدعوى الشخصية ميزته من حيث استحقاق الفوائد، إذ تحتسب الفائدة القانونية للموفی ، بوصفه وكيلاً أو فضولياً من يوم قيامه بالوفاء (م 710 ، 195 مدنی).

وسواء رجع الموفي بدعواه الشخصية ، أو بدعوى الدائن بماله له من حق الحلول ، فلا يجوز له أن يرجع على أي من الباقين إلا بقدر حصته في الدين ( م 297 / 1 مدنى ) .

غير أنه إذا كان المدين الموفي هو وحده صاحب المصلحة في الدين ، فلا يجوز في هذه الحالة أن يرجع على أي من المدينين الآخرين. 

إعسار أحد المدينين :

إذا قام أحد المدينين في التزام غير قابل للتجزئة بوفاء الدين إلى الدائن، وعند رجوعه على باقي المدينين وجد أحدهم معسراً فلا يتحمل وحده تبعة هذا الإعسار، بل يشترك معه في تحملها سائر المدينين الموسرين كل منهم بقدر حصته في الدين (م 298).

فإذا فرضنا دینا قدره 500 جنيه تضامن فيه (أ، ب ، ج) وكانت حصة (أ) 100 وحصة (ب) 100 وحصة (ج) 300 ، ثم وفي (أ) بالدين كله ، فإن له الرجوع على (ب) بمائة وعلى (ج) بثلاثمائة ، فإذا كان (ب) معسراً ، فلم يحصل (أ) في قسمة الغرماء إلا على 60 جنيهاً ، فهو لا يتحمل الخسارة وحده ، بل توزع الأربعون جنيها الباقية بينه وبين (ج) . فيتحمل (أ) منها 10 جنيهات ويتحمل (ج) 30 جنيهاً ، وبذلك يكون من حق (أ) أن يرجع على (ج) بمبلغ 330 جنيهاً بدل من 300 .

تحديد نصيب كل من المدينين في الالتزام غير القابل للانقسام : قد يعين الاتفاق نصيب كل من المدينين في الالتزام غير القابل للانقسام كما قد يحدده القانون.

فإذا خلا الاتفاق أو نص القانون من هذا التحديد ، فإن الالتزام ينقسم عليهم بحسب الرؤوس أي بأنصبة متساوية.

الفرق بين عدم قابلية الالتزام للانقسام و التضامن :

ومهما يكن من أمر ما بين عدم القابلية للانقسام والتضامن من أوجه الشبه فثمة فارق أن يتمثل فيهما إختلاف هذين الوضعين :

(أ) فيراعى من ناحية أن علم القابلية للانقسام قد تكون أقوى الزاماً من التضامن ، بإعتبار أن الالتزام الذي لا يقبل القسمة لا ينقسم بين ورثة المدين ولهذه العلة يجرى المتعاملون على اشتراط التزام المدينين التزاماً تضامنياً غير قابل للانقسام ، اتقاء لتجزئة الدين بين الورثة فيما لو اقتصر الأمر على النص على التضامن فحسب ، ولا يعرض مثل هذا الفرض في الشريعة الإسلامية ، لأن الحين لا ينتقل من طريق الميراث ، فيكون بهذه المثابة غير قابل للانقسام ، ويستأدى بجملته من التركة.

(ب) ويراعي من ناحية أخرى أن عدم القابلية للانقسام قد تكون أضعف الزاماً عند قيامها على طبيعة المحل ، فهي تظل قائمة ما دام هذا المحل عصياً على التجزئة بطبعه ، ولكن إذا اتفق أن استحال الالتزام إلى تعويض مالی ، زالت عدم قابلية الانقسام وانقسم مبلغ التعويض ، أما المدينون المتضامنون ، فيظل كل منهم ، على نقيض ذلك ، ملزماً قبل الدائن بالدين بأسره ، ولو استحال الدين إلى تعويض مالي. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع ، الصفحة : 200)

يترتب على عدم قابلية الالتزام للانقسام بين المدينين المتعددين أن يكون كل منهم ملزماً بوفاء الدين كاملاً ( المادة 301 فقرة أولى ) ، فيجوز للدائن أن يطالب أياً منهم بالدين كله ، ويجوز له أن يجمع في المطالبة بينهم جميعاً أو أن يتعقب كلاً منهم بدوره حتى يحصل على كامل حقه .

فإذا وجه الدائن المطالبة القضائية إلى أحد المدينين فقط ، جاز لهذا المدين أن يطلب تأجيل الدعوى لادخال المدينين الآخرين فيها ، ( المادتان 117 و 119 مرافعات ) ، وجاز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بادخالهم فيها وفقاً للمادة 118 مرافعات حتى يصدر الحكم بإلزام المدينين جميعاً وكل واحد منهم بكل الدين ، ولكن لا يجوز لمن رفعت عليه الدعوى أن يدفعها بطلب تقسيم الدين بمقولة أنه غير متضامن مع المدينين الآخرين.

وبناءً على ذلك يمكن القول في القانون المصري أنه لا محل في الالتزام غير القابل للانقسام إلى افتراض نیابة تبادلية بين المدينين إلا فيما ينفع ولا فيما يضر ، ولا إلى ترتيب أي أثر من الآثار التي رتبها المشرع عليها في الالتزامات التضامنية ، بل يتعين هنا كما في التضامن مراعاة تعدد الروابط بين المدينين المتعددين والدائن وما رتبناه هناك من نتائج على هذا التعدد ، غير أن هذا لا يمنع من أن تترتب على عدم قابلية الالتزام للانقسام بعض تلك الآثار التي تقدم أنها تترتب في التضامن على فكرة النيابة التبادلية لا باعتبارها كذلك بل باعتبارها نتيجة لطبيعة الالتزام غير القابل للانقسام .

أما في شأن العلاقة بين أولئك المدينين بعضهم ببعض فتقضى المادة 301/2 مدني بأن « للمدين الذي وفي بالدين حق الرجوع على الباقين ، كل بقدر حصته ، إلا إذا تبين من الظروف غير ذلك » ، ومؤدى رجوع المدين الذي أو في الدين على الباقين كل بقدر حصته أن هذا الرجوع لا يمكن أن يكون بنفس الدين لأن القرض انه غير قابل للانقسام أصلاً ، فيتعين أن يكون رجوعه بدين جديد شخصي نشأ في ذمته بسبب وفائه الدين الاصلى غير القابل للانقسام ، سواء باعتباره وكيلاً في الوفاء وكالة ضمنية عن باقي المدينين أو كفيلاً لهم .

وتتبع في تعيين حصة كل من المدينين القواعد التي تقدمت في شأن المدينين المتضامنين ، فيكون الأمل ان يوزع الدين على المدينين بالتساوي ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ، أو ما لم يثبت أن أحد المدينين هو وحده صاحب المصلحة في الدين، فيتحمله وحده ، ويرجع عليه بكل الدين من أوفي به  ، وإذا كان صاحب المصلحة في الدين هو الذي أوفى به فلا يكون له رجوع على أحد من الباقين .

وإذا أعسر أحد المدينين في دين غير تقابل الانقسام ، فيتحمل سائر المدينين نصيب من اعتمر من الدين ، ويكون لمن أو في الدين منهم الرجوع على الباقين غير المعسرين كل منهم بقدر حصته الأصلية في الدين مضافاً إليها نصيبه في حصة من أعسر ، أي أن الدين يقسم على المدينين غير المعسرين بما فيهم المدين الذي أو في الدين ، ويكون لهذا الأخير الرجوع على المدينين غير المعمرين كل منهم بقدر حصه بعد استنزال نصيبه هو في الدين و في حصة المعسر.

في الالتزام المشترك بكل الدين يكون عدة مدينين ملزمين بشيء واحد قبل دائن واحد وبحيث يلزم كل منهم بأداء الدين بأكمله ، دون أن يكون بينهم تضامن ودون أن يكون الدين غير قابل للانقسام ، ويسمى أيضاً ويوصف هذا الالتزام بأنه تضامني ولا تكون العلاقة بين المدينين المتعددين علاقة تضامن وإنما توصف بأنها حالة تضامن .

ومثل ذلك في القانون الفرنسي التزام المسئولين المتعددين عن الضرر الواحد بتعويض هذا الضرر إذ ليس في القانون الفرنسي - فيما عدا النص على التعويض عن الجرائم الجنائية - نص على تضامنهم في هذا الالتزام كنص المادة 169 من التقنين المدني المصري ، ولكن لأن كلاً منهم يعتبر متسبباً في أحداث كل الضرر يكون ملزماً بالتعويض بأكمله ، وهكذا يشتركون جميعاً في الالتزام بالتعويض بأكمله على أن ي كون المضرور مطالبتهم به كله ، ويبين من ذلك أن الالتزام المشترك بكل الدين لا ينشأ من الاتفاق أو من القانون بل من طبيعة الأشياء ومن كون كل واحد من المدينين به ملزماً بكل الدين طبقاً للقواعد العامة.

وكذلك في الالتزام بالنفقة الذي يقع على عدة أقارب من درجة واحدة ، فإن كلاً من هؤلاء الأقارب يكون ملزماً بكل النفقة اللازمة القريبة المعسر ويجوز للأخير أن يطالب أيهم بالنفقة كاملة.

ومن هذا القبيل أيضاً ما تنص عليه المادة 792 في باب الكفالة من أنه إذا تعدد الكفلاء لدين واحد وكانوا غير متضامنين فيما بينهم وكان التزامهم بعقود متوالية ، فإن كل واحد منهم يكون مسئولاً عن الدين كله ، إلا اذا كان قد احتفظ لنفسه بحق التقسيم ، إذ إن مؤدى ذلك أن التزام الكفلاء في هذه الحالة لا يكون تضامنياً لعدم الاتفاق على التضامن ولا يكون غير قابل للانقسام لا بسبب طبيعته ولا بسبب اتفاق الطرفين ، ولكن القانون نص مع ذلك على أن يكون كل من الكفلاء مسئولاً عن الدين كله .

ويبين من التعريف المتقدم أن الالتزام المشترك بكل الدين يتميز بما يأتي : 

1) وحدة المحل مع قابليته للتجزئة بطبيعته ومع عدم الاتفاق على عدم غير قابل للانقسام .

2) تعدد المدينين و التزام كل منهم بالدين كله .

3) انعدام التضامن بين المدينين .

حكم الالتزام المشترك بكل الدين : 

يترتب على الالتزام المشترك بكل الدين :

1) أن يجوز للدائن مطالبة أي من المدينين بالدين كله ، وأن وفاء الدين من أحدهم مبرئهم جميعاً.

2) وأن يجوز لأي مدين وفاء الدين كله على أن يرجع على الباقين كل منهم بنصيبه حتى لا يثرى غير الموف على حساب الموفي : ويكون رجوعه إما بدعوى الحلول وفقاً للمادة 326 فقرة «أ» وأما بدعوى الفضالة .

3) أن لا يكون بين المدينين تضامن ولا تحدث بينهم الآثار التي تترتب فيما بين المدينين المتضامنين على النيابة التبادلية.

4) أن يكون الدين قابلاً للانقسام بين ورثة كل واحد من المدينين بحيث يقتصر التزام كل وارث على قدر نصيبه من الدين ولا يسأل عن نصيب من يعسر منهم .

5) أنه اذا وجهت المطالبه لأحد المدينين جاز له أن يدفع الدعوى بطلب التقسيم ويقضي له به ولكن على أن يبقى مسئولاً عن نصيبه في حصة من يعسر من المدينين الآخرين .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 603)

 صورة خاصة من التضامن بين الدائنين (الدين المشترك)

الدين المشترك صورة خاصة من التضامن بين الدائنين يعرفها الفقه الإسلامي والتقنين المدني العراقي دون التقنين المدني المصري وسائر التقنينات المدنية العربية : وهناك صورة خاصة من التضامن بين الدائنين لا تصل إلى المدى الذى رسمناه فيما تقدم، بل تقصر عنه فى بعض النواحى، وهذه الصورة الخاصة هى ما يعرفه الفقه الإسلامى تحت اسم " الدين المشترك، وقد نقلها عن الفقه الإسلامى – وعن المجلة بنوع خاص – التقنين المدنى العراقى، ولم ينقلها التقنين المدنى المصرى ولا التقنينات المدنية العربية الأخرى ، ومن ثم يكون هذا البحث مقصوراً، من ناحية التطبيق، على التقنين المدني العراقي دون غيره من التقنينات المدنية العربية .

ونبحث الدين المشترك كما بحثنا التضامن بين الدائنين، فنستعرض (أولاً) مصدر الدين المشترك (ثانياً) الآثار التي تترتب على الاشتراك فى الدين .

المطلب الأول

مصدر الدين المشترك : 

نص في التقنين المدني العراقي :

تنص المادة 303 من التقنين المدني العراقي على ما يأتي :

1 - يكون الدين مشتركاً بين عدة دائنين إذا نشأ من سبب واحد، وكان غير متجزئ إما لوحدة الصفقة أو لسبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين".

2 - فيعتبر ديناً مشتركاً ثمن المبيع المشترك بين اثنين أو أكثر، وثمن الشيئين ولو كانا غير مشتركين ، ما دام البيع فى الحالتين قد صدر صفقة واحدة من غير تعيين ثمن حصة كل واحد، ويعتبر ديناً مشتركاً كذلك الدين الآيل بالإرث إلى عدة ورثة، وقيمة المال المشترك إذا استهلك، وبدل القرض المقترض من مال مشترك " .

ويتبين من هذا النص أن الدين المشترك بين عدة دائنين له مصدر واحد لا يتعدد ، ويجب إلى جانب ذلك أن يكون هناك اشتراك فى الدين بين الدائنين ، فما لم يوجد هذا الاشتراك انقسم الدين على الدائنين المتعددين وأصبح ديناً متعدد الأطراف على النحو الذى قدمناه .

و الاشتراك في الدين إما أن يرجع إلى طبيعة الأشياء بأن يكون المال الذى نشأ عنه الدين مالاً مشتركاً (أى شائعاً ) بين الدائنين فينشأ الاشتراك فى الدين من سبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين، وإما أن يرجع إلى إتفاق المتعاقدين إذا تعدد الدائنون واتفقوا مع المدين على أن يكون الدين مشتركاً بينهم وذلك بأن يجعلوا الصفقة واحدة .

فهناك إذن مصدران للاشتراك فى الدين : (1) سبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين (2) ووحدة الصفقة ، فنتناولهما متعاقبين بالبحث .

سبق الاشتراك فى المال الذى نشأ عنه الدين : فى هذه الصورة يكون هناك مال شائع بين اثنين أو أكثر ويكون هذا المال هو مصدر الدين المشترك .

ويصح فى هذه الحالة أن ينشأ الدين مشتركاً مذ البداية ، ويتحقق ذلك إذا آل دين للتركة إلى ورثة متعددين، فإذا كان للتركة دين فى ذمة مدين لها، وكان الورثة ثلاثة مثلاً – زوجاً وابناً وبنتاً – فكان للزوج الربع وللإبن النصف وللبنت الربع، كان هذا الدين الذى للتركة ديناً مشتركاً منذ البداية بين الورثة الثلاثة بالحصص المتقدمة الذكر.

وقد يكون الموجود فى البداية هو المال الشائع لا الدين المشترك، ثم ينشأ الدين المشترك بعد ذلك عن المال الشائع، مثل ذلك أن يرث ورثة متعددون عيناً من أعيان التركة على الشيوع ويبيع الورثة العين صفقة واحدة، فالدين بالثمن الذي نشأ عن هذا المال الشائع يكون ديناً مشتركاً بين الورثة المتعددين، وقد يكون سبب الشيوع فى العين سبباً آخر غير الميراث ويبيع الملاك فى الشيوع  العين صفقة واحدة، فيكون الدين بالثمن هنا أيضاً ديناً مشتركاً بين البائعين المتعددين، وإذا كانت العين الشائعة بين الملاك المتعددين قد أتلفها شخص فوجب عليه التعويض لملاك العين، فالدين بالتعويض الذى نشأ عن هذا المال الشائع يكون ديناً مشتركاً بين الملاك المتعددين، وإذا أقرض الملاك المتعددون شخصاً مالاً شائعاً بينهم، فالدين يرد القبض وقد نشأ عن مال شائع يكون ديناً مشتركاً بين المقرضين المتعددين.

ونرى من الأمثلة المتقدمة أن الدين المشترك فى الصورة التى نحن بصددها هو دين قابل للتجزئة، ولكن طبيعة الأشياء – أى سبق الاشتراك فى المال – اقتضت أن يبقى الدين مشتركاً بين الدائنين المتعددين .

الآثار التى ترتبت على الاشتراك فى الدين

المبادئ الرئيسية : يترتب على الاشتراك فى الدين ضرب من التضامن بين الدائنين هو فى جملته أقل توثيقاً من التضامن العادى الذى سبق بيانه، ويجب التمييز فى هذا الصدد بين علاقة الدائنين بالمدين وعلاقة الدائنين بعضهم ببعض .

(أولاً) فمن حيث علاقة الدائنين بالمدين : ينقسم الدين على الدائنين، ولا يستطيع أى دائن منهم أن يرجع على المدين إلا بحصته فى الدين، يستوفيها بأى طريق من طرق الاستيفاء، أى يقضيها بأى سبب من أسباب الانقضاء، وفى هذا يختلف الاشتراك فى الدين عن التضامن بين الدائنين اختلافاً بيناً، فقد رأينا أن الدائن المتضامن يستطيع الرجوع على المدين بكل الدين، بحصته وبحصص شركائه، وهؤلاء يرجعون عليه بعد ذلك كل منهم بحصته، وبينا أن هذا هو موضع الضعف فى التضامن، فهو ضمان للمدين أكثر منه ضماناً للدائن، إذ المدين تبرأ ذمته بدفع الدين كله لأحد الدائنين، فإذا ما استوفى هذا كل الدين تعرض شركاؤه لخطر إعساره عند رجوعهم عليه بحصصهم .

وينبني على أن الدائن في الدين المشترك لا يرجع على الدين إلا بحصته أن كثيراً من مسائل التضامن فى الحالات التى ينقضى فيها الالتزام التضامنى بسبب غير الوفاء، كالمقاصة والتجديد واتحاد الذمة والإبراء والتقادم، لا تعرض فى الدين المشترك، إذ الدائن فى هذا الدين لا يستوفى إلا حصته، فلا محل للتساؤل عما إذا كان الدائنون الآخرون يحتج عليهم بانقضاء الدين كله أو بمقدار حصة شريكهم فحسب، ثم إن النيابة التبادلية لا محل لها فى الدين المشترك، فالدائن في هذا الدين لا يقبض إلا حصته، فلا محل للقول بأنه يمثل شركاءه فى قبض حصصهم، ونرى من ذلك أن كثيراً من الصعوبات التى تقوم فى نظام التضامن لا وجود لها فى نظام الدين المشترك، وأن هذا النظام يفضل نظام التضامن من حيث علاقة الدائنين بالمدين.

(ثانياً) أما من حيث علاقة الدائنين بعضهم ببعض، فهنا تتجلى ذاتية نظام الدين المشترك، وإذا كان هذا النظام لا يخرج كثيراً عن القواعد العامة فى ناحية علاقة الدائنين بالمدين، فإنه فى علاقة الدائنين بعضهم ببعض ينحرف كثيراً عن هذه القواعد وتبرز مقوماته الرئيسية، بل هو يقرب فى هذه الناحية من نظام تضامن الدائنين .

فالدائن إذا قبض حصته في الدين من المدين، كان للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيما قبض كل بنسبة حصته في الدين ثم يرجعون، وهو معهم،   على المدين بما بقي لهم في ذمته، وللدائنين الآخرين أن يتركوا الدائن الذي قبض حصته ويتبعوا المدين بحصصهم، فإذا كان المدين معسراً عند مطالبتهم إياه كان من حقهم أن يرجعوا على الدائن الذي قبض حصته ليحملوه نصيبه من التبعة عن إعسار المدين، وفى هذه القواعد يتمثل الضمان الذى ينطوى عليه نظام الدين المشترك، فكل دائن إذا قبض حصته لم تخلص له، بل يبقى ضامناً للدائنين الآخرين حصصهم ويتحمل معهم تبعة إعسار المدين وللدائنين الآخرين  في هذا وسيلتان : فأما أن يشاركوه في حصته التي قبضها، وإما أن يرجعوا عليه بالضمان إذا طالبوا المدين بحصصهم فوجدوه معسراً، وهذا ما يسبغ على نظام الدين المشترك قوته من حيث هو ضمان للدائنين، وهذا فى الوقت ذاته موطن الضعف في هذا النظام، فالدائن الذي يقبض حصته لا تخلص له الحصة كما قدمنا، ولا يستطيع أن يطمئن إلى أنه قد استولى على حصته إلا بعد أن يستولى الدائنون الآخرون أيضاً على حصصهم .

ونظام تضامن الدائنين لا يبعد كثيراً عن هذا النظام، فقد رأينا أن الدائن المتضامن إذا قبض من المدين جزءاً من الدين، حتى لو كان هذا الجزء معادلاً لحصته على خلاف فى الرأى، جاز للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيما قبض كل بنسبة حصته، ورأينا كذلك أن المدين إذا أعسر تحمل كل الدائنين تبعة هذا الإعسار،. ففى هذه الأحكام يتلاقى نظام الدين المشترك مع نظام تضامن الدائنين .

جواز الاتفاق على استبعاد الاشتراك فى الدين : ومهما يكن من أمر الدين المشترك، أو ما ينطوى عليه نظامه من مزايا وعيوب، فإنه يجوز أن يتفق ذوو الشأن على استبعاد هذا النظام، وقد نصت المادة 314 من التقنين المدنى العراقى على أنه " 1 - فى الدين المشترك يجوز الاتفاق فيما بين الشركاء على أن يكون لكل منهم الحق فى قبض حصته من الدين، من غير أن يكون لسائر الشركاء الرجوع عليه لو توت حصصهم .

2 - وفى هذه الحالة ينقسم الدين المشترك على الدائنين قسمة تامة، ويختص كل منهم بحصته فى الدين من غير أن يشاركه فيها غيره بوجه من الوجوه ".

ونظام الدين المشترك، فى حالة وحدة الصفقة، ليس فى حالة إلى الاستبعاد، لأن ذوى الشأن فى هذه الحالة هم الذين أرادوا هذا النظام وعبروا عن هذه الإرادة من طريق وحدة الصفقة، فإذا كانوا لا يريدونه فليس أيسر عليهم من أن يتجنبوا طريقه، ولكن نظام الدين المشترك فى حالة سبق الاشتراك فى المال الذى  نشأ عنه الدين هو الذى يكون فى حاجة إلى الاستبعاد، فإن النظام فى هذه الحالة يكون مفروضاً على ذوى الشأن إلا إذا اتفقوا على استبعاده، كما تقضى المادة 314  من التقنين المدنى العراقى سالفة الذكر .

والاستبعاد يكون باتفاق الدائنين فيما بينهم على أن يستقل كل دائن بحصته فى الدين، فإذا قبضها لم يشاركه فيها الدائنون الآخرون، وتخلص له الحصة حتى لو أعسر المدين بعد ذلك، فلا يكون للدائنين حق الرجوع عليه لتحميله نصيبه فى هذا الإعسار، ومن ثم ينقسم الدين المشترك قسمة تامة على الدائنين، ويصبح ديناً متعدد الأطراف كل دائن له جزء من الدين يستقل به ولا يشاركه فيه الدائنون الآخرون بوجه من الوجوه، وقد لجأ التقنين المدنى العراقي إلى هذه الوسيلة حتى يفتح الطريق أمام ذوى الشأن لتجنب عيوب نظام الدين المشترك إذا شاءوا ذلك.

ونبحث الآن آثار الاشتراك فى الدين : (1) من حيث علاقة الدائنين بالمدين (2) ومن حيث علاقة الدائنين بعضهم ببعض وهى الناحية التي تبرز فيها مقومات الدين المشترك كما قدمنا .

 العلاقة ما بين الدائنين والمدين فى الدين المشترك

المسائل الرئيسية : قدمنا أن كل دائن فى علاقته بالمدين يطالبه بحصته فى الدين وحدها، فيستوفيها بطريق من طرق الوفاء، ومن ثم ينقسم الدين على الدائنين فى علاقتهم بالمدين خلافاً للدين التضامنى، ثم أن علاقة كل دائن بالمدين قد تنقضى بسبب من أسباب انقضاء الالتزام غير الوفاء، ولا تقوم بين الدائنين المشتركين فى الدين أية نيابة تبادلي، لا فيما يضر ولا فيما ينفع، هذه هي المسائل الرئيسية الثلاث التي نتناولها بالبحث مسألة مسألة..

الوفاء : لأي دائن أن يطالب المدين بحصته فى المدين كما قدمنا، ولا يستطيع أن يطالبه بأكثر من حصته ولو كان الدين كله مضموناً بتأمين شخصى أو عينى، كذلك يستطيع المدين أن يفي لأي دائن بحصته فى الدين دون زيادة، فتبرأ ذمته من هذه الحصة، إلا إذا شارك فيها الدائنون الآخرون فعند ذلك يعود الدائن الذي قبض حصته فيطالب المدين بما نقص منها بعد هذه المشاركة، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 304 من التقنين المدني العراقي على أنه " إذا كان الدين مشتركاً، فلكل واحد من الشركاء أن يطلب حصته منه "، وحصة كل دائن فى الدين تتحدد باتفاق بين الدائنين، وقد يكون القانون هو الذى يحددها كما لو كان الدائنون ورثة فى مال شائع وباعوه صفقة واحدة فيكون الثمن ديناً مشتركاً بينهم كل له فيه بنسبة حصته فى الإرث على الوجه الذي يحدده قانون الميراث، فإذا لم يوجد إتفاق أو نص فى القانون يحدد مقدار حصة كل دائن، فالمفروض أن حصصهم متساوية .

وقد يستوفي الدائن حصته من كفيل أو محال عليه، بأن يكون للمدين كفيل فيرجع عليه الدائن بحصته، أو يحيل المدين الدائن بحصته على مدين آخر .

وتنص المادة 306 من التقنين المدنى العراقى فى هذا الصدد على أنه " إذا أخذ أحد الشركاء من المدين كفيلاً بحصته فى الدين المشترك، أو أحاله المدين على آخر، فللشركاء أن يشاركوه في المبلغ الذي يأخذه من الكفيل أو المحال عليه "، بل يجوز أن يستوفى الدائن حصته بأن يحيل هو شخصاً آخر بهذه الحصة على المدين، والحوالة هنا تكون حوالة حق لا حوالة دين .

وللدائن كذلك أن يستوفي حصته في الدين عن طريق الوفاء بمقابل، فيأخذ من المدين مالاً آخر بحصته، يشتريه أو يستأجره، وهذا ما تنص عليه المادتان 307 و308 من التقنين المدني العراقي، فتنص المادة 307 على أنه " إذا اشترى أحد الشركاء بحصته من الدين المشترك مالاً من المدين، فشركاؤه مخيرون إن شاءوا ضمنوه ما أصاب حصصهم من ثمن ما اشتراه، وإن شاءوا رجعوا بحصصهم على المدين "، وتنص المادة 308 على أنه " إذا استأجر أحد الشركاء بحصته من المدين المشترك شيئاً، صار قبضاً لحصته، ولشركائه الخيار في تضمنيه ما أصاب حصصهم وفى أتباع المدين ".

انقضاء الدين بأسباب أخرى غير الوفاء : وقد ينقضى التزام المدين بحصة الدائن بسبب آخر غير الوفاء فينقضى الالتزام بالتحديد، بأن يتفق الدائن مع المدين على تجديد هذه الحصة فى الدين بتغيير المحل أو السبب أو الدائن أو المدين، وينقضى الالتزام بالمقاصة بأن يثبت للمدين فى ذمة الدائن، قبل وجوب الدين المشترك أو بعده ( م311 من التقنين المدنى العراقي)، دين مقابل نشأ عن عقد كأن يكفل الدائن للمدين مديناً للمدين ويرجع المدين عليه باعتباره كفيلاً (م312 / عراقي)، أو نشأ عن عمل غير مشروع كأن يتلف الدائن للمدين مالً فيجب عليه التعويض (م312 / 1 عراقي)، أو نشأ عن أى مصدر آخر، وتوافرت شروط المقاصة القانونية، فإن الدينين يتلاقيان قصاصاً فينقضيان، وينقضى الالتزام باتحاد الذمة، بأن يموت الدائنين ويرثه المدين ، وينقضي الالتزام بالإبراء أو بالهبة، بأن يبرئ الدائن المدين من حصته فى الدين أو يهبه إياها (م 313 عراقي )، فينقضى الدين بالإبراء أو بالهبة، وينقضي الالتزام بالتقادم، وقد تتقادم حصة أحد الدائنين دون أن تتقادم حصص الآخرين بأن يقطع الدائنون الآخرون التقادم، دون أن يقطعه الدائن الأول، فتنقضى حصة هذا الدائن بالتقادم دون أن تنقضى حصص الآخرين .

ويلاحظ أنه فى أسباب الانقضاء المتقدمة الذكر لا ينقضى الدين كله كما قدمنا، وإنما تنقضى حصة أحد الدائنين، فلا يعرض فى هذه الحالات ما كان يعرض فى صدد تضامن الدائنين من أن للمدين أن يحتج بمقدار حصة من قام به سبب الانقضاء، ذلك لأن أى دائن فى الدين المشترك لا يطالب المدين إلا بحصته فى الدين، وليس بكل الدين كما فى تضامن الدائنين، فلا محل لأن يحتج المدين عليه بانقضاء حصة دائن آخر ما دام الدائن الأول لا يطالب إلا بحصته هو .

وسنرى، عند الكلام فى علاقة الدائنين بعضهم ببعض، كيف يرجع الدائنون الآخرون على الدائن الذى انقضت حصته بسبب غير الوفاء.

عدم قيام النيابة التبادلية بين الدائنين : ثم إن الدائنين فى الدين المشترك لا تقوم بينهم نيابة تبادلية كما تقوم فى التضامن على ما قدمنا، وذلك لا فيما يضر ولا فيما ينفع .

فإذا قطع أحد الدائنين التقادم على المدين، فإنما يقطعه فى حصته، ولا ينقطع التقادم بالنسبة إلى حصص الآخرين، وكذلك إذا وقف التقادم بالنسبة إلى أحد الدائنين، فإنه لا يقف تبعاً ذلك بالنسبة إلى الآخرين .

وكل دائن مسئول وحده عن خطأه، ولا يسأل عن خطأ الآخرين .

وإذا أعذر أحد الدائنين المدين أو قاضاه، فإنما يعذره أو يقاضيه فى حصته وحدها، ولا يتعدى أثر ذلك إلى حصص الدائنين الآخرين، وإذا أعذر المدين أحد الدائنين، فلا يكون هذا إعذاراً للباقين .

وإذا صالح أحد الدائنين المدين فإنما يصالحه على حصته وحدها، ولا يضر هذا الصلح الدائنين الآخرين ولا ينفعهم .

وإذا أقر أحد الدائنين للمدين، أو أقر المدين لأحد الدائنين، فإن الإقرار يقتصر أثره على المقر، ولا يفيد الدائنين الآخرين ولا يضرهم.

واليمين إذا وجهت من أحد الدائنين إلى المدين، أو وجهت من المدين إلى أحد الدائنين، فحلف من وجهت إليه اليمين أو نكل، فإن أثر ذلك كله لا يتعدى إلى الدائنين الآخرين .

والحكم الصادر لمصلحة أحد الدائنين أو ضده لا يسرى فى حق الدائنين الآخرين، إلا إذا كان الدائنون ورثة فكل منهم يعتبر ممثلاً للآخرين.

علاقة الدائنين بعضهم ببعض فى الدين المشترك

المسائل الرئيسية : قدمنا أن أياً من الدائنين إذا قبض حصته من الدين المشترك أو استوفاها بأى سبب آخر، كان للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيها عيناً، أو أن يتبعوا المدين فإن كان معسراً رجعوا على الدائن الذى قبض حصته فحملوه نصيبه فى إعسار المدين، فنتكلم فى حالة ما إذا شارك الدائنون الآخرون الدائن، ثم فى حالة ما إذا رجعوا عليه بنصيبه فى إعسار المدين .

مشاركة الدائنين الآخرين للدائن فى حصة : تنص الفقرة الثانية من المادة 304 من التقنين المدني العراقي على ما يأتى : " فإذا قبض أحد الشركاء شيئاً من الدين المشترك، فالشركاء الآخرون بالخيار، إن شاءوا شاركوه فيما قبض عيناً ويتبعون هم والقابض المدين بما بقى لكل منهم فى ذمته، وإن شاءوا تركوا للقابض ما قبضه واتبعوا المدين بحصتهم "، ويتبين من هذا النص أنه إذا قبض أحد الدائنين من المدين شيئاً من الدين المشترك، سواء كان ذلك بمقدار حصته أو بأقل أو بأكثر كان للدائنين الآخرين أن يشاركوه فيما قبضه عيناً كل بنسبة حصته فى الدين، فلو فرضنا أن الدين المشترك  تسعمائة وأن الدائنين ثلاثة بحصص متساوية، وقبض أحدهم من المدين حصته وهى ثلثمائة، كان لكل من الدائنين الآخرين أن يشارك الدائن الأول فيما قبض فيأخذ منه مائة، وعند ذلك يكون كل من الثلاثة الدائنين قد استوفى من حصته مائة، ويبقى له مائتان، فإذا فرض أن دائناً منهم استوفى بعد ذلك من المدين مائة وخمسين، جاز لكل من الدائنين الآخرين أن يشارك هذا الدائن فيما قبض فيأخذ منه خمسين، وعند ذلك يكون كل من الثلاثة الدائنين قد استوفى من حصته مائة وخمسين، ويبقى له مائة وخمسون، فإذا قبض أحدهم من المدين بعد ذلك مائة وخمسين، جاز لكل من الآخرين أن يشاركه فيما قبض فيأخذ منه خمسين، وعند ذلك يكون كل من الثلاثة الدائنين قد استوفى من حصته مائتين، ويبقى له مائة، وهكذا كلما قبض أحد الدائنين من المدين ما بقى من حصته أو جزءاً من ذلك، جاز للدائنين الآخرين أن يشاركاه فيما قبض على النحو المتقدم الذكر، حتى يستوفى كل من الثلاثة حصته بأكملها.

وقد يقبض أحد الدائنين شيئاً من الدين المشترك ويتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات أو يستهلكه، فعند ذلك يكون للدائنين الآخرين – إذا اختاروا مشاركته – أن يرجعوا عليه بالضمان بنسبة حصة كل منهم على الوجه المتقدم الذكر، أما إذا كان المقبوض عيناً وتلفت فى يد القابض بسبب أجنبي، فإن القابض يعتبر مستوفياً لما قبضه ويحسب عليه من حصته، ولا يكون للدائنين  الآخرون رجوع عليه، وإنما يطالبون المدين بحصصهم فى الدين، وتنص المادة 305 من التقنين المدنى العراقى فى هذا الصدد على ما يأتى : " 1- إذا قبض أحد الشركاء حصته من الدين المشترك، وأخرجها من يده بوجه من الوجوه أو استهلكها، فللشركاء الآخرين أن يضمنوه نصيبهم منها . 2- أما إذا تلفت فى يده بلا تقصير منه، فلا يضمن نصيب شركائه فى المقبوض ويكون مستوفياً حقه وما بقى من الدين بذمة المدين يكون للشركاء الآخرين " .

وما قدمناه من رجوع الدائنين على الدائن الذى قبض شيئاً من الدين المشترك يسرى أياً كانت كيفية استيفاء الدائن لما قبض، فقد يقبض عن طريق وفاء المدين له للجزء الذى قبضه، وقد يقبض عن طريق رجوعه على كفيل المدين أو من أحال عليه المدين الدين ( م 306 عراقي، م 421 أردني ) .

أما إذا قبض أحد الدائنين مقابلاً لحصته، فليس للدائنين الآخرين أن يشاركوه عيناً فيما قبض من المقابل، بل كل ما لهم هو أن يرجعوا عليه بالضمان بنسبة حصة كل منهم، فإذا اشترى أحد الشركاء بحصته من الدين المشترك مالاً من المدين، فشركاؤه مخيرون، إن شاءوا ضمنوه ما أصاب حصصهم من ثمن ما اشتراه، وإن شاءوا رجعوا بحصصهم على المدين، وليس لهم أن يشاركوه في المال المشتري إلا إذا تراضوا على ذلك (م 307 عراقي)، وإذا استأجر أحد الشركاء بحصته من الدين المشترك شيئاً، صار قابضاً لحصته، ولشركائه الخيار في تضمينه ما أصاب حصصهم أو اتباع المدين ( م 308 عراقى ) .

وإذا صالح أحد الدائنين المدين عن حصته من الدين المشترك، فإن كان بدل الصلح من جنس الدين، شركاؤه إن شاءوا شاركوه فى المقبوض وإن شاءوا اتبعوا المدين، وإن كان بدل الصلح من خلاف جنس الدين، فالشركاء بالخيار أيضاً فى اتباع المدين أو الشريك المصالح، وللشريك المصالح في حالة الرجوع عليه الخيار إن شاء سلم إليهم نصيبهم فى المقبوض وإن شاء دفع إليهم نصيبهم فى الدين (م 309 عراقى).

وإذا مات المدين وورثه أحد الدائنين، فالدائنون الآخرون يطالبون تركة المدين كل منهم بمقدار حصته في الدين، فإن لم تف التركة بحصصهم، قسمت على الدائنين جميعاً وفيهم الدائن الذى ورث المدين، بنسبة حصة كل منهم (م 310 عراقي) وبذلك يتحمل كل من الدائنين نصيبه فى إعسار المدين كما سنرى .

وإذا استوفى أحد الدائنين حصته فى الدين المشترك عن طريق المقاصة، فإذا كان الدين المشترك قد ثبت فى ذمة المدين قبل أن يثبت حقه فى ذمة الدائن، فإن الدائن يكون قد استوفى حصته من الدين عن طريق الحق الذي ثبت في ذمته  للمدين، وللدائنين الآخرين أن يشاركوه في هذا الحق الذي استوفى به دينه، ويستوي في ذلك أن يكون الحق الذى ثبت فى ذمة الدائن للمدين مصدره عقد أو عمل غير مشروع أو أى مصدر آخر، حتى إذا أتلف أحد الشركاء في دين مشترك مالاً للمدين وتقاصا بحصته ضماناً فلشركائه أخذ نصيبهم منه أما إذا كان الدين المشترك قد ثبت فى ذمة المدين بعد أن ثبت حقه فى ذمة الدائن، فيكون المدين هو الذى استوفى حقه من الدائن بحصة هذا الدائن فى الدين المشترك، وليس للدائنين الآخرين أن يرجعوا بحصصهم على شريكهم، كذلك إذا كان الدين المشترك قد ثبت فى ذمة المدين قبل أن يثبت حقه فى ذمة الدائن، ولكن هذا الحق الذى ثبت فى ذمة الدائن لم يكن له مقابل أخذه الدائن من المدين، كأن كفل الدائن للمدين ديناً واجباً له على شخص آخر وصارت حصته قصاصاً بالدين الذى كفله، فلا رجوع للدائنين الآخرين على شريكهم، وإذا رجع الدائن على المكفول عنه وقبض منه مبلغ الضمان لم يكن لشركائه أن يشاركوه فيه ومثل ذلك أيضاً ما إذا كان الدائن قد وهب حصته فى الدين المشترك للمدين أو أبرأ ذمته منها، فإنه لا يكون قد قبض شيئاً من المدين، فلا رجوع لشركائه عليه، وهذه الأحكام نصت عليها المواد 311 - 313 من التقنين المدني العراقي، فنصت المادة 311 على أنه : " 1- إذا كان للمدين فى دين مشترك على أحد الشركاء دين خاص به ثابت له قبل وجوب الدين المشترك عليه هذا الشريك، 2- أما إذا حدث للمدين دين على أحد الشركاء وثبت له ذلك بعد وجوب الدين المشترك عليه وصار دينه قصاصاً به، فلشركائه الحق فى الرجوع عليه بحصصهم منه "، ونصت المادة 312 على أنه " 1- إذا أتلف أحدا الشركاء فى دين مشترك مالاً للمدين وتقاصا بحصته ضماناً، فلشركائه أخذ نصيبهم منه . 2- أما إذا ضمن للمدين ديناً واجباً له على شخص آخر، وصارت حصته قصاصاً بالدين الذى ضمنه، فلا شئ لشركائه عليه، وإذا رجع على المكفول عنه وقبض منه مبلغ الضمان، لم يكن لشركائه أن يشاركوه فيه "، ونصت المادة 313 على أنه " إذا وهب أحد الشركاء حصته من الدين المشترك للمدين أو أبرأ ذمته منها، فهبته وإبراؤه صحيحان، ولا يضمن نصيب شركائه فيما وقب أو أبرأ ".

ويتبين من النصوص المتقدمة الذكر أن الدائن إما أن يقبض حقه من جنس الدين، أو يقبض مقابلاً لحصته، أو تبرأ ذمة المدين من حصته دون أن يقبض شيئاً، فإذا قبض حصته من جنس الدين، سواء قبضها من المدين نفسه أو من كفيل أو من محال عليه أو صالح المدين عن حصته وكان بدل الصلح من جنس الدين، فللدائنين أن يشاركوه عيناً فيما قبض، وإذا قبض الدائن مقابلاً لحصته، كأن اشترى أو استأجر بحصته مالاً للمدين أو صالح عن حصته وكان بدل الصلح من خلاف جنس الدين، ومثل ذلك أيضاً ما إذا قبض حصته من جنس الدين ولكنه تصرف فيها أو استهلكها، فإن الدائنين الآخرين يرجعون عليه بضمان حصصهم إذ ليس في يده شئ من جنس الدين حتى يشاركوه فيه عيناً، وإذا برئت ذمة المدين من حصة الدائن دون أن يقبض هذا شيئاً، كأن وفى الدائن ديناً عليه للمدين بحصته فى الدين المشترك فانقضى الدينان قصاصاً أو انقضت حصته فى الدين المشترك قصاصاً بدين مثله للمدين أو وهب حصته للمدين أو أبرأ ذمته منها، ومثل ذلك أيضاً أن يقبض الدائن حصته فتتلف في يده بسبب أجنبى فيكون فى حكم من لم يقبض شيئاً، لم يرجع الدائنون الآخرون عليه بشئ، فهم لا يشاركونه عيناً إلا شئ فى يده من جنس الدين حتى تمكن المشاركة فيه، ولا يرجعون عليه ضماناً إذ هو لم يقبض شيئاً يضمنه لشركائه، ويعتبر الدائن قد استوفى حصته هو، ولا يبقى لشركائه إلا أن يتبعوا المدين بحصصهم.

ويمكن أن نستخلص من المبادئ المتقدمة حلولاً لمسائل لم يرد فيها نص، من ذلك أن التقنين المدنى العراقى قد أغفل النص على حالتى التجديد والتقادم، ويمكن القول بأنه إذا انقضت حصة أحد الدائنين فى الدين المشترك عن طريق التجديد، فإن الدائن يكون قد قبض حصته ولكن من غير جنس الدين، فيرجع عليه شركاؤه بالضمان، يكون له الخيار إن شاء سلم إليهم أنصبتهم  فى الدين الجديد الذى حل محل حصته وإن شاء دفع إليهم نصيبهم فى الدين المشترك، وهذا قياساً على الصلح إذا كان بدله من خلاف جنس الين (انظر المادة 309 عراقى)، وإذا انقضت حصة أحد الدائنين بالتقادم دون أن تنقضى حصص الدائنين الآخرين، فإن الدائن لا يكون قد قبض شيئاً، ومن ثم لا يرجع عليه شركاؤه بشئ، ويتبعون المدين بحصصهم .

رجوع الدائنين الآخرين على الدائن بنصيبه فى إعسار المدين : وقد يختار الدائنين الآخرون ألا يشاركوا الدائن فى حصته التى قبضها من الدين المشترك، فيتركوها له ويتبعوا المدين بحصصهم، " فإن اختاروا متابعة المدين – كما تقول الفقرة الثالثة من المادة 304 من التقنين المدنى العراقى – فلا يرجعون على القابض بشئ، إلا إذا توى نصيبهم، فيرجعون عندئذ على القابض بحصتهم فيما قبضه، ويأخذون منه مثل المقبوض لا عينه "، فإذا كان الدين، كما ذكرنا فى مثل سابق، تسعمائة، وكان الدائنون ثلاثة بحصص متساوية، وقبض أحدهم حصته من الدين وهي ثلثمائة، ولم يختر الدائنان الآخران أن يشاركا الدائن الأول في هذه الحصة وتركاها له، طالب كل منهما المدين بحصته في الدين وهي ثلثمائة، فإن استوفى كل منهما حصته انقضى الدين جميعاً، وبرئت ذمة المدين نحو الدائنين الثلاثة، وخلص للدائن الأول حصته التى قبضها كما خلص لكل من الدائنين الآخرين حصته، أما إذا كان المدين قد أعسر عند مطالبة الدائنين الآخرين له بحصتيهما في الدين المشترك، تحمل الدائنون الثلاثة إعسار المدين كل بنسبة حصته، ومن ثم يجرع الدائنان الآخران بالضمان على الدائن الأول الذى قبض ثلاثمائة، فيأخذ كل منهما مائة من هذا الدائن – مثلاً لا عيناً لأنهما يرجعان بالضمان لا بالمشاركة فى عين المقبوض – ويبقى للدائن مائة مثلهما، وإذا كان إعسار المدين إعساراً جزياً بحيث أن الدائنين الآخرين لم يخلص لكل منهما إلا نصف حصته أى مائة وخمسون، فإن الدائنين الثلاثة يتحملون هنا أيضاً إعسار المدين كل بنسبة حصته، فيرجع الدائنان الآخران بالضمان على الدائن الأول الذى قبض ثلثمائة، فيأخذ كل منهما خمسين من هذا الدائن، ويكون كل من الدائنين الثلاثة قد خلص له من حصته فى الدين مائتان بدلاً من ثلثمائة بسبب إعسار المدين هذا الإعسار الجزئى .

ويستوي أن تنقضي حصة أحد الدائنين فى الدين المشترك بطريق الوفاء أو بأى طريق آخر يستوفى به الدائن مقابلاً لحصته كالوفاء بمقابل والمقاصة والتجديد، ففي جميع هذه الأحوال يرجع الدائنون الآخرون على هذا الدائن الذى استوفى حصته كاملة بنصيبه فى إعسار المدين.

وقد يقع أن شركاء الدائن الذى قبض حصته أو أخذ ما يقابلها، عند رجوعهم عليه لتحميله نصيبه فى إعسار المدين، يجدونه هو أيضاً معسراً، فلا مناص فى هذه الحالة من أن يستقلوا هم دونه بتحمل إعسار المدين، ومثل ذلك ما إذا وجد الشركاء شريكهم معسراً عندما أرادوا مشاركته فى حصته التى قبضها، ثم لما طالبوا المدين بحصصهم وجدوه هو أيضاً معسراً، فلا مناص من أن يتحملوا وحدهم، هنا أيضاً، إعسار المدين. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة : 263).

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون  ، الصفحة /  118

وَيَنْقَسِمُ الدَّيْنُ بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِيهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُشْتَرَكٍ وَغَيْرِ مُشْتَرَكٍ .

أ - فَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ: هُوَ مَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَّحِدًا، سَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، بَيْعَ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ الْبَيْعِ مِقْدَارُ ثَمَنِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ، أَمْ دَيْنًا آيِلاً بِالإْرْثِ إِلَى عِدَّةِ وَرَثَةٍ، أَمْ قِيمَةَ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ مُشْتَرَكٍ، أَمْ بَدَلَ قَرْضٍ مُسْتَقْرَضٍ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.

ب - الدَّيْنُ غَيْرُ الْمُشْتَرَكِ: هُوَ مَا كَانَ سَبَبُهُ مُخْتَلِفًا لاَ مُتَّحِدًا، كَأَنْ أَقْرَضَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ مَبْلَغًا لِشَخْصٍ أَوْ بَاعَاهُ مَالاً مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَسَمَّى حِينَ الْبَيْعِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَصِيبِهِ ثَمَنًا عَلَى حِدَتِهِ.

40 - وَتَبْرُزُ ثَمَرَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي الْمَسَائِلِ التَّالِيَةِ:

أَوَّلاً: إِذَا كَانَتِ الدُّيُونُ الْمَطْلُوبَةُ مِنَ الْمَدِينِ غَيْرَ مُشْتَرَكَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَابِهَا اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِ عَلَى حِدَةٍ مِنَ الْمَدِينِ، وَمَا يَقْبِضُهُ يُحْسَبُ مِنْ دَيْنِهِ خَاصَّةً، لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الدَّائِنِينَ الأْخَرِ .

أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْمَدِينِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَطْلُبَ حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَلاَ يَخْتَصَّ الْقَابِضُ مِنْهُمْ بِمَا قَبَضَهُ، بَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ فِيهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ .

ثَانِيًا: إِذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَهِبَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوِ اسْتَهْلَكَهَا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ حِصَّتَهُ مِنْهَا.

فَلَوْ كَانَ مَبْلَغُ أَلْفِ دِينَارٍ دَيْنًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَدِينِ خَمْسَمِائَةٍ وَاسْتَهْلَكَهَا، فَلِلدَّائِنِ الآْخَرِ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ. أَمَّا الْخَمْسُمِائَةِ الأْخْرَى فَتَبْقَى بَيْنَ الاِثْنَيْنِ مُشْتَرَكَةً .

 ثَالِثًا: إِذَا قَبَضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِدُونِ تَعَدٍّ مِنْهُ وَلاَ تَقْصِيرٍ، فَلاَ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّةَ نَفْسِهِ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلشَّرِيكِ الآْخَرِ .

رَابِعًا: إِذَا أَخَذَ أَحَدُ الدَّائِنَيْنِ - دَيْنًا مُشْتَرَكًا - كَفِيلاً بِحِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ أَحَالَهُ الْمَدِينُ عَلَى آخَرَ، فَلِشَرِيكِهِ الآْخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَبْلَغِ الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْكَفِيلِ أَوِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ .

_________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة ۲۹۰)

١- اذا تعدد المدينون في التزام غير قابل للانقسام كان كل منهم ملزماً بوفاء الدین کاملاً •

٢- وللمدين الذي وفى بالدين حق الرجوع على الباقين ، كل بقدر حصته الا اذا تبين من الظروف غير ذلك.

هذه المادة تطابق المادة 301 من التفئين الحالي .