loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث ، الصفحة : 109

حوالة الحق

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

عقد التقنين المصري فصلاً لحوالة الحق في باب البيع (المواد 348 - 355 / 434 - 443) مقتفياً في ذلك أثر التقنين الفرنسي (المواد 1689 - 1695) ، وإذا كان الغالب في هذه الحوالة أن تتم في مقابل مبلغ من المال يؤدي بوصفه ثمناً ، وأن تتوافر فيها مقومات البيع من هذا الوجه ، إلا أنها قد تنعقد أحياناً للاعتیاض فتكون وفاء بمقابل ، وقد يتني فيها المقابل فتكون هبة ، وقد يقع أن يقصد منها إلى مجرد إنشاء تأمين خاص ، وفي هذه الحالة تنشيء للمحال رهناً ، ولا يترتب عليها نقل الملك في الحق المحال به ، ومرجع الحكم في كل أولئك هو نية المتعاقدين .

ويتفرع على هذا أن تعين القواعد الواجب تطبيقها في هذا الشأن يناط بطبيعة التصرف الذي يزمع عقده ، وإذا كان من بين هذه القواعد ما يتعين تطبيقه في جميع الأحوال دون تفريق ، كما هو الشأن فيما يتعلق بالإجراءات الخاصة بنفاذ الحوالة في حق الغير ، فثمة قواعد أخرى تختلف حظها من التطبيق ، تبعاً لطبيعة المقصود ، ومن ذلك مثلاً قواعد الضمان .

وغني عن البيان أن الطائفة الأولى من تلك القواعد ترتفع عن الخصوصيات ، على نحو يؤهلها لأن تشغل مكاناً طبيعياً في نطاق النظرية العامة للالتزام ، ولهذه العلة اقتصر المشروع في هذا المقام على الوقوف لدى الأحكام الخاصة بانتقال الالتزام في ذاته (انظر المادة 413 من التقنين الألماني ، والمادة 1078 من التقنين البرازيلي ) دون أن يعتمد في ذلك بسبب الانتقال أو ترتيب الحق ( بيعاً كان ، أم هبة ، أم مقايضة ، أم شركة ، أم رهناً).

مذكرة المشروع التمهيدي :

1-  قد يظل المدين بالحق المحال به بمعزل عن تعاقد المحيل والمحال ، وفقاً لأحكام المادة 427 من المشروع ، ويراعى أن المشروع أعرض إعراضاً بيناً عن مذهب التقنين المدني الأهلي في هذا الشأن ، فقد نصت المادة 349 من هذا التقنين على أن ، ملكية الديون والحقوق المبيعة ، لا تنتقل ، ولا يعتبر بيعها صحيحاً إلا إذا رضي المدين بذلك ، والواقع أن التشريعات الحديثة قد اطرحت هذا المبدأ واختارت ، كما اختار المشروع ، عدم اشتراط رضاء المحال عليه ، مراعية في ذلك أن الدين يستوى لديه استبدال دائن بدائن آخر.

2- والأصل في الحوالة أن ترد على جميع الحقوق أياً كان محلها ، وإذا كان الغالب فيها أن ترد على حق اقتضاه مبلغ من النقود ، فليس ثمة ما يحول دون ورودها على حق استيفاء عمل من الأعمال (التزام بعمل) كإستيفاء منفعة العين المؤجرة ، بمقتضى حق المستأجر قبل المؤجر ، فمثل هذا الحق ينتقل بطريق حوالة الإجارة ، ولا تختلف الحقوق كذلك من حيث صلاحيتها للحوالة ، باختلاف أوصافها أو طبائعها ، فالحقوق المؤجلة ، والمعلقة ، والحقوق المدنية والتجارية تعتبر من هذه الناحية بمنزلة سواه .

وإذا كان الأصل في الحقوق جواز الحوالة ، إلا أن هذا الأصل لا يجري على إطلاقه ، بل ترد عليه استثناءات ثلاثة : فقد يتفق الدائن والمدين على عدم جواز الحوالة ( المادة 427 ) فيتقيد الدائن باتفاقه هذا وقد تمتنع الحوالة ، دون حاجة إلى اتفاق خاص ، إذا كان الحق نافياً بطبعه لفكرة إبدال الدائن كما هو الشأن في الالتزامات التي يكون فيها الشخصية المتعاقد الاعتبار الأول ، وقد يقضي القانون كذلك يمنع الحوالة (المادة 427 ) ، كما هي الحال في الحقوق غير القابلة للحجز (المادة 429) فحيث لا يكون الحق قابلاً للجحر يمتنع التصرف فيه ، وغني عن البيان أن الحق الذي يكون غير قابل للحجز في شق منه فحسب ، لاتمتنع حوالته إلا في حدود هذا الشق (المادة 429).

الأحكام

1 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مؤدى ما نصت عليه المادة 303 من القانون المدنى أو حوالة الحق تتم بمجرد تراضى المحيل والمحال له دون حاجة إلى شكل خاص إلا إذا حال دون ذلك نص القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام، ويترتب على انعقادها صحيحة انتقال الحق المحال به _ مدنياً كان أو تجارياً _ من المحيل إلى المحل له بمجرد انعقادها بماله من ضمانات وبتوابعه فيكون للمحال له أن يحل المحيل فى مباشرة دعاوى الحق المحال به وإجراءات استيفائه دون حاجة إلى إعادة ما سبق منها .

(الطعن رقم 2252 لسنة 58 جلسة 1995/05/28 س 46 ع 1 ص 828 ق 163)

2 ـ مؤدى ما نصت عليه المادة 303 من القانون المدنى أن أحواله الحق تتم بمجرد تراضى المحيل والمحال له دون شكل خاص إلا إذا حال دون ذلك نص فى القانون أو إتفاق المتعاقدين أو كان الحق بسبب طبيعته لا يقبل الحوالة كما إذا كان متصلا اتصالا وثيقا بشخص الدائن، ويترتب على انعقادها صحيحة انتقال الحق المحال به من المحيل إلى المحال له بماله من ضمانات وتوابع .

(الطعن رقم 901 لسنة 63 جلسة 1994/03/09 س 45 ع 1 ص 482 ق 99)
(الطعن رقم 3216 لسنة 58 جلسة 1993/10/28 س 44 ع 3 ص 83 ق 305)

3 ـ مؤدى ما نصت عليه المادة 303 من القانون المدنى أن حوالة الحق تتم بمجرد تراضى المحيل و المحال له دون حاجة إلى شكل خاص إلا إذا حال دون ذلك نص القانون أو إتفاق المتعاقدين أو طبيقة الإلتزام ، و يترتب على إنعقادها صحيحة إنتقال الحق المحال به من المحيل إلى المحال له بمجرد إنعقاد الحوالة بما له من ضمانات بتوابعه ، فيكون للمحال له أن يحل محل المحيل فى مباشرة دعاوى الحق المحال به و إجراءات إستيفائه دون حاجة إلى إعادة ما سبق منها إذ يكفى أن يحل محله فيها و يتابع ما بدأه المحيل منها .

(الطعن رقم 1313 لسنة 50 جلسة 1984/05/30 س 35 ع 1 ص 1495 ق 286)

4 ـ تقضى المادة 303 من القانون المدنى بأن الحوالة تتم دون حاجة إلى رضاء المدين مما مفاده و على ما ورد فى مذكرة المشروع التمهيدى ، أن المشرع إختار المبدأ الذى سارت عليه التشريعات الحديثة التى تجيز أن يظل المدين بالحق المحال به بمعزل عن تعاقد المحيل و المحال له مراعية فى ذلك أن المدين يستوى لديه إستبدال دائن بدائن آخر ، و بالتالى فإن الحق به ينتقل بمجرد إنعقاد الحوالة دون حاجة إلى نفاذها فى حق المدين المحال عليه .

(الطعن رقم 352 لسنة 41 جلسة 1977/03/22 س 28 ع 1 ص 732 ق 133)

5 ـ التنازل عن الإيجار المنصوص عليه فى المادة 593 من القانون المدنى ، حوالة حق بالنسبة لحقوق المستأجر و حوالة دين لالتزاماته ، و تنتقل بمقتضاه إلى المتنازل له عن الإيجار بحوالة الحق حقوق المستأجر الأصلى قبل المؤجر ، و تنتقل إليه بحوالة الدين التزامات الأول نحو الثانى ، و تنشأ علاقة مباشرة بين المؤجر و المتنازل له عن الإيجار ، فيلزم هذا الأخير نحو المؤجر بنفس الإلتزامات التى كان المستأجر الأصلى المحيل يلتزم بها .

(الطعن رقم 1385 لسنة 47 جلسة 1979/06/06 س 30 ع 2 ص 564 ق 291)

6 ـ المقرر أنه إذا بيعت العين المؤجرة و حول المالك البائع عقد إيجارها إلى المشترى كان ذلك كافياً لتخويل الأخير حق رفع دعوى الإخلاء بإسمه . على المستأجر بسبب التأجير من الباطن ، ذلك أنه إذا كانت الحوالة نافذة فى حق المدين لإعلانه بها فإنه للمحال له أن يقاضيه فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى إختصام المحيل لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده . لما كان ذلك و كان الثابت فى الدعوى أن ممثل المالك البائع لعين النزاع قد حول إلى مشتريها - المطعون عليه الأول - عقد تأجيرها إلى مورث المطعون عليهم من الثانية إلى الأخير ، و كان قد تم إعلان المستأجر الأصلى بهذه الحوالة بمقتضى إعلانه بصحيفة إفتتاح الدعوى الماثلة مما يجعل الحوالة نافذة قبله تطبيقاً لنص المادة 315 من القانون المدنى ، و قبل المستأجر من باطنه - الطاعن - بحكم تلقيه الحق فى الإيجار منه ، و ينتقل بذلك إلى المطعون عليه الأول الحق المحال به شاملاً حقه فى إقامة دعوى الأخلاء للتأجير من الباطن ، فإن الدعوى تكون بذلك قد أقيمت من ذى صفة .

(الطعن رقم 618 لسنة 45 جلسة 1979/04/07 س 30 ع 2 ص 40 ق 193)

7 ـ إذ كان الثابت أن الطاعنة - و هى شركة تأمين - أقامت هذه الدعوى طالبة إلزام المطعون عليها الأولى - بوصفها مسئولة عن الضرر المؤمن منه - بما دفعته الشركة المستأمنه ، و إستندت فى مطالبتها إلى شرط الحلول الوارد فى وثيقة التأمين ، و إذ كان هذا الشرط فى حقيقته حوالة حق إحتمالى مشروطه بتحقق الخطر المؤمن منه ، فإنه يكون خاضعاً لأحكام حوالة الحق فى القانون المدنى و هى لا تستوجب لإنعقاد الحوالة رضاء المدين ، و ترتب عليها - بالنسبة للحقوق الشخصية - إنتقال الحق المحال به من المحيل إلى الحال له بمجرد إنعقاد العقد . و لما كانت الحوالة الثابته فى وثيقة التأمين قد تمت بإتفاق طرفيها عليها ، و كان الخطر المؤمن منه و هو حصول عجز تلف و عوار فى الرسالة المؤمن عليها قد وقع فعلاً ، فقد زال عن الحق المحال صفته الإحتمالية و أضحى وجوده محققاً و إنتقل من ثم إلى شركة التأمين الطاعنة ، و إذ كان مؤدى ما سلف أن الحق فى الرجوع عن المسئول عن الضرر قد إنتقل إلى الطاعنة بمقتضى الحوالة الثابتة فى وثيقة التأمين ، و كان إنتقال هذا الحق - على ما سلف القول - غير معلق على الوفاء بالتعويض ، فإن الدعوى تكون قد أقيمت من ذى صفه ، و يكون الحكم المطعون فيه و قد خالف هذا النظر و إنتهى إلى أن الطاعنة حين رفعت دعواها لم يكن لها ثمة حق فى رفعها بسبب وفائها اللاحق بالتعويض ، يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 288 لسنة 38 جلسة 1974/05/12 س 25 ع 1 ص 859 ق 139)

8 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض - أن النص فى المادتين 303 ، 305 من القانون المدنى أن حوالة الحق بحسب الأصل – تنتج آثارها بين طرفيها من تاريخ انعقادها دون حاجة لرضاء المدين أو إعلانه بها أو قبوله لها ، ويترتب عليها انتقال الحق المحال به من المحيل إلى المحال له بكل ضماناته وتوابعه ، إلا أنها لا تنفذ فى حق المدين إلا بقبوله لها قبولاً صريحاً أو ضمنياً أو إعلانه بها بأى ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين وتشتمل على ذكر وقوع الحوالة وشروطها الأساسية ، ولا يغنى عنهما مجرد إخطار المدين بكتاب مسجل ، أو علمه بها علماً فعلياً – ولو أقر به – إلا فى حالة الغش بتواطئه مع المحيل على الوفاء له إضراراً بحقوق المحال له ، إذ إنه متى رسم القانون طريقاً محدداً للعلم فلا يجوز استظهاره إلا بهذا الطريق وحين قرر المشرع لنفاذ الحوالة فى حق المدين قبوله لها أو إعلانه بها قد أراد بذلك تحقيق مصالح افترض وجودها ، ومن ثم فإذا تمسك المدين بما رتبه القانون فى هذه الحالة من عدم نفاذ الحوالة فى حقه وجب على المحكمة أن تحكم له بعدم نفاذها دون أن تطالبه بإثبات مصلحته فى القضاء له بذلك .

(الطعن رقم 802 لسنة 69 جلسة 2009/03/24 س 60 ص 390 ق 65) 

9 ـ المقرر فى - قضاء محكمة النقض - أن النص فى الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون 14 لسنة 1981 بإصدار قانون التعاون الإسكاني على أن "مع عدم المساس بالتصرفات الثابتة التاريخ قبل العمل بهذا القانون، يحظر على العضو خلال العشر سنوات التالية لتاريخ التخصيص أن يتصرف فى العقار التعاوني الذي خصص له أو آل إليه لغير الزوج أو لذوى القربى حتى الدرجة الثالثة أو الجمعية ويصبح من ثم المتصرف إليه عضواً فى الجمعية بحكم القانون والنص فى المادة 20 من لائحة النظام الداخلي للجمعية - المطعون ضدها الثانية - على أن "فيما عدا التنازل للأصول والفروع والزوجة والزوج والأقارب حتى الدرجة الثالثة للعضو أن يتنازل للجمعية دون غيرها عن العقار الذي انتفع به منها خلال السنوات العشر التالية على تخصيص العقار له..........." يدل على أن حظر تنازل العضو عن العقار الذي انتفع به لغير الجمعية آو غير من ورد ذكرهم فى المادة السادسة من القانون 14 لسنة 1981 والمادة 20 من لائحة النظام الداخلي للجمعية المشار إليها هو حظر مقرر لمصلحة الجمعية دون غيرها.

(الطعن رقم 1436 لسنة 70 جلسة 2001/02/18 س 52 ع 1 ص 338 ق 69)

10 ـ إذا كانت الحوالة نافذة قبل المحال عليه لإعلانه بها فإن للمحال له أن يقاضيه فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى إختصام المحيل لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده و منها دعوى الفسخ لعدم تنفيذ البائع لإلتزامه لأنها تكفل للمشترى أن يسترد الثمن فيعتبر بمثابة ضمان له ينتقل بالحوالة مع حقه المحال به .

(الطعن رقم 218 لسنة 34 جلسة 1968/02/22 س 19 ع 1 ص 357 ق 54)

11 ـ إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه تعاقد مع مؤجرة عين النزاع على تبادل العقار الكائنة به العين بعقار آخر بموجب عقد لم يسجل إلا فى تاريخ لاحق لرفع الدعوى و أنها حولت عقد الإيجار المبرم بينها و بين الطاعن عن هذه العين إلى المطعون عليه الذى بادر إلى إرسال كتابين موصى عليهما مصحوبين بعلمى وصول إلى الطاعن يكلفه فيهما بالوفاء بالأجرة المستحقة و ذلك قبل أن يحصل على موافقته على الحوالة أو يعلنه بها حتى تكون نافذة فى حقه ، و هو ما دعا الحكم إلى إعتبار إعلانه بصحيفة الدعوى التى تضمنت بيانات الحوالة إعلاناً له بها ، و إذ كان مؤدى هذا أن الحوالة الصادرة إلى المطعون عليه لم تنفذ فى حق الطاعن إلا من تاريخ إعلانه بصحيفة الدعوى ، بما مفاده أن تكليفاً بالوفاء لم يوجه إلى الطاعن من صاحب الحق فى إستئداء الأجرة المستحقة قبل رفع الدعوى و بذلك ينتفى شرط من شروط قبولها ، و إذ إستجاب الحكم المطعون فيه رغم ذلك إلى طلب الإخلاء فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 958 لسنة 46 جلسة 1978/11/08 س 29 ع 2 ص 1694 ق 325)

12 ـ حوالة الحق هى إتفاق بين المحيل و بين المحال له على تحويل حق الأول الذى فى ذمة المحال عليه إلى الثانى ، و يتعين مراعاة القواعد العامة فى إثبات الحوالة لما كان ذلك و كان المطعون عليه الأول لم يقدم ما يفيد حوالة عقد الإيجار من البائعة إليه ، و كان البين من الإنذار الموجه منه إلى الطاعنين - المستأجرين - إنه أقتصر على الإشارة إلى حلوله محل المؤجر و البائعة فى عقد الإيجار بوصفه خلفاً خاصاً ، فإن ذلك لا يكفى لأثبات حصول إتفاق بينه و بين البائعة للعقار المؤجر على تخويله حقها فى قبض الأجرة من الطاعنين .

(الطعن رقم 601 لسنة 43 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 877 ق 152)

13 ـ التنازل عن الإيجار هو حوالة حق بالنسبة إلى حقوق المستأجر وحوالة دين بالنسبة لإلتزاماته فيتعين إتباع الإجراءات التي تخضع لها الحوالة فى القانون المدني فى نطاق الحدود التي لا تتعارض مع التنظيم التشريعي لعقد الإيجار فلا يصير النزول نافذاً فى حق المؤجر وفق المادة 305 من القانون المدني إلا من وقت إعلانه به أو من وقت قبوله له.

(الطعن رقم 598 لسنة 44 جلسة 1978/06/21 س 29 ع 1 ص 1510 ق 291)

14 ـ الأصل فى الشيك أن يكون مدنياً ، و لا يعتبر ورقة تجارية إلا إذا كان موقعاً عليه من تاجر أو مترتباً على معاملة تجارية . و من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الوصف التجارى للشيك يحدد وقت إنشائه فيعتبر عملاً تجارياً إذا كان تحريره مترتباً على عمل تجارى أو كان ساحبه تاجراً - ما لم يثبت أن سحبه لعمل غير تجارى ، و لا عبرة فى تحديد هذا الوصف بصفة المظهر للشيك أو بطبيعة العملية التى إقتضت تداوله بطريق التظهير، إذ تنسحب الصفة التجارية أو المدنية التى إسبغت عليه وقت تحريره على جميع العمليات اللاحقة التى أدت الى تظهيره .

(الطعن رقم 722 لسنة 44 جلسة 1978/02/06 س 29 ع 1 ص 401 ق 79)

 

15 ـ مؤدى نصوص المواد من 133 إلى 141 و المادة 189 من قانون التجارة أن قواعد تحويل " تظهير" الكمبيالة لا تتبع فى شأن السندات التى تحت الإذن إلا إذا كانت معتبرة عملاً تجارياً على مقتضى ما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية من قانون التجارة مما يخرج السندات المدنية من نطاق هذه القواعد و لو تضمنت شرط الإذن و ذلك بالقدر الذى تعتبر فيه هذه القواعد متعلقة بالإلتزام التجارى وحده دون الإلتزام المدنى . و إذ يعد تطهير السند من الدفوع فى العلاقة بين المدين و الحامل غير المباشر أثرا من آثار التظهير التى تتفق وطبيعة الإلتزام الصرفى و تستقل به الورقة التجارية بحسب ما تنهض به من وظائف ،و كان تطبيق هذا الأثر بالنسبة للسندات المدنية يترتب عليه إقصاء طبيعتها المدنية عنها و ينم عن العنت و الأجحاف بالمدينين فيها ، فإن لازم ذلك هو إطراح هذا الأثر عند تظهير الورقة المدنية .

(الطعن رقم 308 لسنة 35 جلسة 1969/06/17 س 20 ع 2 ص 979 ق 155)

16 ـ لما كان العقد شريعه المتعاقدين و لا يجوز نقضه و لا تعديله إلا بإتفاق الطرفين أو للأسباب التى يقررها القانون ، و كانت الحوالة عقدا ملزما للمحيل و المحال إليه كليهما فلا يجوز لأحدهما العدول عنه بإرادته المفردة ، و كان الحق المحال به ينتقل و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة إلى المحال له بصفاته و دفوعه كما تنتقل معه توابعه ، و كان البين من أوراق الطعن أن مالكى عين النزاع قد أجروها للمطعون ضده الأول بالعقد المؤرخ أول يناير سنة 1960 و أنهم باعوها للطاعنة بعقد البيع الإبتدائى المؤرخ .. و حولوا لها عقد الإيجار و الأجرة الناشئة عنه منذ إبرامه ، مما مؤداه أن الحقوق التى للبائعين عن عقد الإيجار قد إنتقلت إلى الطاعنة و كانت الحوالة و إعمالا لصريح نص المادة 305 من القانون المدنى تنفذ فى حق المحال عليه بإعلانه بها أو قبوله لها ، و كان البين من الأوراق أن المستأجر المطعون ضده الأول قبل الحوالة بالصلح المؤرخ .. الذى نظم كيفية وفائه بالأجرة المستأجرة فتكون الحوالة قد نفذت فى حقه .

(الطعن رقم 181 لسنة 47 جلسة 1983/02/09 س 34 ع 1 ص 442 ق 96)

17 ـ حوالة الحق لا تنشىء إلتزاما جديدا فى ذمة المدين وإنما هى تنقل الإلتزام الثابت أصلاً فى ذمته من دائن إلى دائن آخر باعتبار هذا الإلتزام حقا للدائن المحيل وينتقل بها الإلتزام ذاته بجميع مقوماته وخصائصه وينبنى على ذلك أن يظل هذا الإلتزام بعد حوالته محكوماً بذات القانون الذى نشأ فى ظله من حيث طبيعته وصفاته وإثباته وقابليته للحوالة والشروط اللازمة لذلك فإذا صدر قانون يغير من هذه الأحكام فلا يسرى على هذا الإلتزام إلا فى نطاق ما يستحدثه من قواعد آمرة تتصل بالنظام العام ومن ثم فإذا كان القانون الذى نشأ الإلتزام فى ظله يشترط لإمكان حوالته رضاء المدين بالحوالة فإن صدور قانون جديد يجعل هذا الرضاء غير لازم لا يسرى قبله .

(الطعن رقم 605 لسنة 32 جلسة 1967/11/23 س 18 ع 4 ص 1744 ق 263)

18 ـ لا تنعقد الحوالة إذا كان الحق المحال به قد زال عن المحيل قبل الحوالة . فإذا كان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أن الناقلة الأولى بعد أن استصدرت إذون التسليم من الناقل الثانى تقدمت إليه بطلب لتسليم البضاعة إليها طبقا لنظام تسليم صاحبه ، و أعفته على ما هو مدون بالطلب المذكور من كل مسئولية تترتب على هذا التسليم بما فى ذلك المسئولية عن العجز فى البضاعة أو فقد الطرود بما يعتبر نزولا منها عن الحقوق الثابتة لها بموجب أذون التسليم فان حوالة هذه الأذون منها إلى المرسل إليها بعد ذلك لا تصادف محلا تنعقد به الحوالة و لا تنشأ عنها علاقة مباشرة بين المرسل إليها وبين الناقل الثانى الذى أصدر أذون التسليم المشار إليها .

(الطعن رقم 366 لسنة 27 جلسة 1963/05/23 س 14 ص 736 ق 104)

19 ـ النص فى المادتين 303 ، 305 من القانون المدنى- على حق الدائن فى أن يحول حقه إلى شخص آخر وتتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين ولا تكون الحوالة نافذة قبل المدين إلا إذا قبلها المدين أو أعلن بها، ويعتبر فى الحكم القبول الضمنى لحوالة الحق -وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- قيام المدين بسداد بعض أقساط الدين للمحال له، ومن ثم يجوز للمؤجر أن يحيل حقه فى عقد الإيجار إلى الغير فإذا ما نفذت الحوالة يحق للمحال إليه- تبعاً لذلك- أن يقاضى المستأجر- المحال عليه- فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة لاختصام المؤجر، لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده، ومنها دعوى الفسخ .

(الطعن رقم 179 لسنة 61 جلسة 1995/01/12 س 46 ع 1 ص 148 ق 31)

20- المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مؤدى ما نصت عليه المادة 303 من القانون المدنى أن حوالة الحق تتم بمجرد تراضى المحيل والمحال له ودون حاجة لرضاء المدين أو إعلانه بالحوالة أو قبوله لها أو شكل خاص لها إلا إذا حال دون ذلك نص في القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام ويشترط لانعقادها ألا يكون الحق المحال قد زال عن المحيل قبل إبرام الحوالة وإذا انعقدت الحوالة صحيحة فإنه يترتب عليها بمجرد انعقادها انتقال الحق المحال به – مديناً كان أو تجارياً – من المحيل إلى المحال إليه باعتبار أن حوالة الحق لا تنشئ التزاماً جديداً في ذمة المدين وإنما هى تنقل الالتزام الثابت أصلاً في ذمته كحق للدائن المحيل بتوابعه وجميع مقوماته وخصائصه، كما أنه من المقرر أنه يكفى في إعلان المدين بالحوالة لتنفذ في حقه طبقا لنص المادة 305 من القانون المدنى حصوله بأية ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين وتشتمل على ذكر وقوع الحوالة وشروطها الأساسية، وبالتالى فإن إعلان صحيفة الدعوى التى يرفعها المحال له على المدين مطالباً إياه بوفاء الحق المحال به، يعتبر إعلاناً بالمعنى المقصود قانوناً في المادة 305 المذكورة وتنفذ به في حق المدين. 

(الطعن رقم11779 لسنة 65 جلسة 14 / 11 / 2023)

 
شرح خبراء القانون

كل حق شخصى قابل فى الأصل للحوالة : الحق الشخصى أياً كان محله ، قابل فى الأصل للحوالة به من دائنه الأصلى إلى دائن جديد .

ويغلب فى حوالة الحق أن يكون محل هذا الحق مبلغاً من النقود ، ولكن يجوز أن يكون محل الحق أشياء مثلية غير النقود بل ويجوز أن يكون محل الحق عيناً معينة بالذات ، بشرط أن يكون الحق شخصياً لا عينياً مثل ذلك الوعد ببيع دار ، يجعل للموعود له حقاً شخصياً قبل الواعد متعلقاً بهذه الدار ، فيجوز للموعود له أن ينزل عن هذا الحق لشخص آخر.

كذلك يجوز أن يكون محل الحق عملاً أو امتناعاً عن عمل فيجوز للمستأجر ، وهو دائن للمؤجر بتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة ، أن ينزل  عن حقه إلى شخص آخر ، وهذا هو التنازل عن الإيجار نظمه التقنين المدنى فى المواد 593 - 595 و 597. ويجوز لمشتري المتجر ، إذا اشترط على بائعه عدم المنافسة وهذا التزام بامتناع عن عمل ، أن ينزل عن المتجر الذي اشتراه لشخص آخر ، ويعتبر أنه قد نزل له فى الوقت ذاته عن حقه الشخصى قبل البائع بعدم المنافسة ، وإذا اشترط مالك العقار على جاره قيوداً فى البناء ، كمنعه من مجاوزة حد معين فى الارتفاع بالبناء أو فى مساحة رقعته ، وكانت القيود حقوقاً شخصية ، وليست حقوق ارتفاق وفقاً للمادة 1018 مدنى ، فإن هذه القيود تكون التزامات بالامتناع عن عمل ، ويجوز لمالك العقار عند نزلوه عن عقاره لشخص آخر أن ينزل له عنها مع العقار ، بل هى تنتقل حتماً معه وفقاً لقواعد الخلافة الخاصة ( م 146 مدنى ) .

ويستوى كذلك ، فى القابلية للحوالة ، أن يكون الحق مدنياً أو تجارياً ، أو أن يكون الحق مدوناً فى سند مكتوب – حكم قضائي أو سند رسمى أو سند غير رسمى – أو غير مدون أصلاً ، فتجوز حوالة الحقوق التى لا دليل عليها إلا البينة أو القرينة ، وكذلك تجوز حوالة الأوراق التجارية من كمبيالات وسندات وشيكات وحوالة الأسهم والسندات، وإن كانت الحوالة فى هذه الأوراق لها إجراءات خاصة كما سنرى .

ويستوى أخيراً ، فى القابلية للحوالة ، أن يكون الحق منجزاً أو معلقاً على شرط أو مقترناً بأجل ، بل أن أكثر ما ترد الحوالة عليه هى الحقوق المؤجلة.

الحقوق المستقبلية : وكما تجوز حوالة الحق المؤجل والحق المعلق على شرط ، كذلك تجوز حوالة الحق المستقبل والفرق بين الحق المستقبل والحق الشرطى هو ، كما قدمنا عند الكلام فى الشرط ، أن الحق الشرطى له وجود قانونى فى الحال ، وإن كان هذا الوجود غير بات وغير كامل ، فإذا ما تحقق الشرط أصبح الوجود باتاً كاملاً وبأثر رجعي من وقت نشوء الحق ، وأما الحق المستقبل أو الحق الاحتمالى فليس له وجود قانوني فى الحال ، وإنما هو حق يحتمل وجوده فى المستقبل ، وإذا وجد فليس لوجوده أثر رجعي ، بل يوجد من وقت تحقق الواقعة التى أنشأته ، وقد قدمنا أن الشرط فى الحق الشرطى أمر عارض ، وهو وصف يدخل على الحق بعد تمامه وبعد أن تتكامل عناصره ، أما الحق الاحتمالي فالواقعة التي تحقق وجوده هي عنصر جوهري فيه ، وليست أمراً عارضاً كالشرط ، فالموصي له قبل موت الموصي حقه مستقبل احتمالي ، والشفيع قبل بيع العقار المشفوع فيه حقه كذلك مستقبل احتمالى. 

ومن ثم كان تصور حالة الحق المستقبل أو الحق الاحتمالى أصعب من تصور حوالة الحق الشرطى ، ومن ثم أيضاً ذهب القضاء الفرنسى ، فى بعض أحكامه ، إلى وجوب أن تتحقق عناصر الحق الاحتمالى ولو تحققاً جزئياً ، حتى يكون هذا الحق قابلاً للحوالة.

ولكن الفقه الفرنسى بوجه عام ، ومعه كثير من أحكام القضاء فى فرنسا ، ذهب إلى جواز حوالة الحق الاحتمالى حتى قبل أن يتحقق أى عنصر من عناصره وهذا هو الرأى الصحيح ، فإن التعامل فى الأشياء المستقبلة جائز ، والحوالة ليست إلا ضرباً من ضروب التعامل ، فتجوز تأسيساً على ذلك حوالة الحق المستقبل أو الحق الاحتمالى.

ويؤيد هذا الرأى فى التقنين المدنى المصرى نصان : ( أولهما ) المادة 948 وتنص على أن " يسقط الحق فى الأخذ بالشفعة . . . إذا نزل الشفيع عن حقه فى الأخذ بالشفعة ولو قبل البيع " ، فهنا النزول - وإن كان إسقاطاً لا حوالة - يرد على حق احتمالى ، ( والنص الثانى ) المادة 1040 وتقضى بأنه " يجوز أن يترتب الرهن ضماناً لدين معلق على شرط أو دين مستقبلي أو دين احتمالي " ، فهنا أيضاً للحق الاحتمالي كيان يسمح بأن يترتب له ضمان ، فيصح إذن أن يكون محلاً للتعامل. 

وقد ذهب القضاء فى مصر إلى جواز أن يحول مالك العقار مقدماً الريع الذي ينتجه عقاره فى المستقبل ، وتكون هذه الحوالة سارية حتى فى حق الدائنين المقيدين قبل الحوالة وذهب أيضاً إلى جواز أن يحول المقاول إلى أحد المصارف الأجرة التى ستستحق له فى نظير الأعمال التي سيعهد بها إليه صاحب العمل ، وذلك ضماناً لحساب جار يفتحه له المصرف.

حوالة الحقوق الناشئة عن عقود ملزمة للجانبين : فى العقد الملزم للجانبين يكون كل متعاقد دائناً ومديناً فى وقت واحد ، ففى عقد الإيجار مثلاً ، المستأجر دائن للمؤجر بتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة ، ومدين له بالأجرة ، وفي عقد التوريد ، المورد دائن بالثمن ، ومدين بتوريد ما تعهد بتوريده ، وفي عقد المقاولة ، المقاول دائن بالأجرة ومدين بالعمل ، وفي عقد التأمين ، المؤمن له دائن بمبلغ التأمين ، ومدين بالأقساط ، وهكذا ، فهل يجوز لهؤلاء الدائنين المدنيين أن يحولوا لغيرهم ما لهم من حقوق ، مع استبقاء ما في ذمتهم من التزامات ؟.

لا شك فى أن يجوز لهم ، فى التقنين المدنى الجديد ، بفضل حوالة الحق وحوالة الدين معاً ، أن يحولوا العقد كله للغير ، فيحولوا حقوقهم وفقاً لأحكام حوالة الحق ، ويحولوا دينهم وفقاً لأحكام حوالة الدين.

ولكن هل يجوز لدائن من هؤلاء أن يقتصر على حوالة حقه مع استبقاء الدين فى ذمته ؟ هل يجوز للمستأجر أن يحول حقه بالنسبة إلى العين المؤجرة ، مع استبقاء الأجرة فى ذمته ؟ وهل يجوز للمورد أن يحول حقه فى الثمن ، مع بقائه ملتزماً بالتوريد ؟ وهل يجوز للمقاول أن يحول حقه فى الجرة ، مع بقائه ملتزماً بالعمل ؟ وهل يجوز للمؤمن له أن يحول حقه فى مبلغ التأمين ، مع بقائه ملتزماً بدفع الأقساط ؟.

فى التقنينات التى تجيز حوالة الدين كما تجيز حوالة الحق ، كالتقنين المدني المصري الجديد ، لا تقوم حاجة عملية إلى حوالة الحق دون الدين ، فإن الأيسر على ذوى الشأن أن يحولوا الحقوق والديون جميعاً ، أى الالتزامات الناشئة من العقد الملزم من الجانبين ، وقد نظم التقنين المدنى المصرى الجديد تنظيماً تشريعياً حوالة أحد العقود الملزمة للجانبين ، وهو عقد الإيجار ، بإسم التنازل عن الإيجار ، فأجاز للمستأجر التنازل عن الإيجار ، ولكن أبقاه ضامناً لالتزامات المتنازل له إلا إذا صدر من المؤجر قبول صريح بالتنازل أو استوفى الأجرة مباشرة من المتنازل له دون أن يبدى أى تحفظ فى شأن حقوقه قبل المستأجر الأصلى (انظر المواد 593 و 595 و 597) مدني. .

ولكن الحاجة العملية إلى الترخيص فى حوالة الحق دون الدين إنما تقوم فى التقنينات التى تنظم حوالة الحق دون أن تنظم حوالة الدين ، كالتقنين المدني الفرنسي ففى هذه التقنينات لا يتيسر للمتعاقد ، وهو دائن ومدين فى وقت واحد ، أن يحول دينه ، فهل يستطيع مع ذلك أن يحول حقه ؟ دعا إلى التشكك فى هذا الأمر أن الحق والدين فى العقد الملزم للجانبين مرتبطان أحدهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً ، حمل بعض الفقهاء على القول بأنه لا فكاك بينهما ، وأنه لا يجوز فصلهما بتحويل أحدهما واستبقاء الآخر.

والصحيح أنه تجوز حوالة الحق دون الدين فى الأحوال المتقدمة الذكر ، وإذا كان الحق والدين مرتبطين أحدهما بالآخر فى العقد الملزم للجانبين ، فليس معنى ذلك أنهما غير قابلين للتجزئة. وغنى عن البيان أن حوالة الحق دون الدين جائزة فى التقنينات التى تنظم حوالة الدين كما تنظم حوالة الحق كالتقنين المدني المصري ، وإذا كانت حوالة كل من الحق والدين جائزة فى هذه التقنينات ، فأولى أن تجوز حوالة الحق وحده .

حوالة الحقوق المتنازع فيها والحق الشخصى قابل للحوالة حتى لو كان حقاً ينازع فيه المدين ، ويعتبر الحق متنازعاً فيه إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى أو قام فى شأنه نزاع جدى.

وإذا كانت حوالة الحق المتنازع فيه بيعاً ، فقد اعتبر المشرع المشتري ، وهو يتصيد الحقوق المتنازع فيها ، مضارباً قد وصل فى المضاربة حداً لا تحمد معه مسايرته فيه ، ومن ثم جعل للمدين الذى ينازع فى هذا الحق أن يتخلص من مطالبة المشترى ، إذا هو رد إليه الثمن الحقيقي الذي دفعه – يكون عادة ثمناً بخساً - مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع (م 469 مدني) ، إلا أنه استثنى من هذا الحكم حالات لا تتمحض فيها فكرة المضاربة ، بل يكون للمشترى فى الصفقة التى عقدها مسوغ مشروع ، وذلك إذا كان الحق المتنازع فيه داخلاً ضمن مجموعة أموال بيعت جزافاً بثمن واحد ، أو إذا كان الحق المتنازع فيه شائعاً بين ورثة أو ملاك وباع أحدهم نصيباه للآخر ، أو إذا نزل المدين للدائن عن حق متنازع فيه في ذمة أجنبي وفاء للدين المستحق فى ذمته ، أو إذا كان الحق المتنازع فيه يثقل عقاراً وبيع الحق لحائز العقار.

ولما كان بيع الحقوق المتنازع فيها ليس خاصاً بالحقوق الشخصية ، بل هو عام يشمل الحقوق الشخصية والحقوق العينية على السواء ، متى كانت حقوقاً متنازعاً فيها على النحو الذي أسلفنا ذكره ، ثم هو مقصور على عقد البيع ، فإن هذه المسألة تخرج عن نطاق بحثنا ، فنكتفي هنا بما قدمناه ، وسنبحث المسألة فى تفصيل أو فى عند الكلام فى البيع .

الحقوق العينية لا تكون محلاً لحوالة الحق : وقد قدمنا أن الحق الذى يكون محلاً لحوالة لابد أن يكون حقاً شخصياً ، أما الحقوق العينية فتنتقل من صاحبها إلى غيره بطرق وإجراءات أخرى غير الطرق والإجراءات التى تتبع فى حوالة الحقوق الشخصية .

وأهم فرق بين الحق العيني والحق الشخصي فى هذا الصدد أن الحق العينى لا يتعلق بذمة مدين معين بالذات ، ومن ثم يتم نقله وينفذ بالاتفاق بين صاحب الحق ومن يتعاقد معه ، أما النفاذ فى حق الغير ، فلا يمكن أن يكون ذلك بإعلان الاتفاق إلى مدين معين كما هو الشأن فى حوالة الحق ، ولكن بإجراءات أخرى ، فإذا كان الحق العيني واقعاً على عقار ، حلت إجراءات التسجيل أو القيد محل إجراءات الإعلان ، أما إذا كان الحق العيني واقعاً على منقول ، فإن القاعدة التى تقضى بأن الحيازة فى المنقول سند الملكية من شأنها أن تكفل لمن حاز المنقول حقه قبل الغير. 

فالحق الشخصى لا يكون إذن قابلاً للحوالة : (1) إذا كانت طبيعة تستعصي على الانتقال من دائن الى دائن. (2) إذا نص القانون على عدم قابليته للحوالة ، ويعتبر النص على عدم قابلية الحق للحجز نصاً على عدم قابليته للحوالة بحكم المادة 304 مدنى . (3) إذا اتفق المتعاقدان على أن الحق لا يجوز تحويله. 

عدم القابلية للحوالة بسبب طبيعة الحق : قد يكون الحق بسبب طبيعته متصلاً اتصالاً وثيقاً بشخص الدائن ، فلا يمكن فى هذه الحالة أن بنزل عنه إلى شخص آخر ، ومن ذلك حق الدائن فى النفقة ، وحقه في التعويض عن الضرر الأدبى الذى لحق به ما دام لم تحدد التعويض اتفاق أو يطالب به الدائن أمام القضاء (م 222 / 1 مدنى) ، كذلك يعتبر حق الشريط فى شركة الأشخاص ، وحق المزارع فى المزارعة ، وحق المستأجر فى إيجار اعتبرت فيه شخصيته ، ونحو ذلك من العقود المنظور فيها إلى شخصية المتعاقد ، كل هذه حقوق لا يجوز للدائن تحويلها إلى شخص آخر .

عدم قابلية الحق للحوالة بنص فى القانون أو لعدم قابلية للحجز هناك حقوق شخصية عنى القانون بالنص صراحة على عدم جواز حوالتها ، لاعتبارات ترجع فى الغالب إلى أنه تتصل اتصالاً توثيقاً بشخص الدائن .

من ذلك حق المستعير فى استعمال الشئ المعار ، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 639 مدنى على أنه لا يجوز للمستعير " دون إذن المعير أن ينزل عن الاستعمال للغير ولو على سبيل التبرع ".

ومن ذلك حق المستأجر فى الانتفاع بالعين المؤجرة ، فقد نصت قوانين الإيجار الاستثنائية على عدم جواز تنازل المستأجر عن حقه فى الإيجار بغير إذن كتابى صريح من المالك وإلا جاز للمؤجر طلب الإخلاء ( القانون رقم 121 لسنة 1947 المادة الثانية ) ، وذلك لأن المشرع قد ضمن للمستأجر شخصياً السكن بأجرة مخفضة فلا يجوز لهذا اتخاذ هذه الميزة وسيلة للاستغلال بالنزول للغير عن الإيجار. 

ومن الحقوق التى لا تقبل الحوالة لطائفة معينة من الأشخاص ما نصت عليه المادة 471 مدنى من أنه " لا يجوز للقضاة ولا لأعضاء النيابة ولا للمحامين ولا لكتبة المحاكم أن يشتروا ، لا بأسمائهم ولا باسم مستعار ، الحق المتنازع فيه كله أو بعضه ، إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة التى يباشرون أعمالهم فى دائرتها ، وإلا كان البيع باطلاً " ، فتحريم الحوالة هنا مقصور على عمال القضاء .

وقد قدمنا أن هناك حقوقاً تأبى طبيعتها أن تقبل الحوالة ، وقد يتولى القانون بنص منه بيان هذه الحقوق ، من ذلك ما نصت عليه المادة 625 مدنى من أنه " لا يجوز لى المزارعة أن ينزل المستأجر عن الإيجار أو يؤجر من الباطن إلا برضاء المؤجر "، ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 222 مدنى من أنه " يشمل التعويض الضرر الأدبى أيضاً ، ولكن لا يجوز فى هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق أو طالب الدائن به أمام القضاء " .

ولحق بالحقوق غير القابلة للحوالة بنص القانون الحقوق غير القابلة للحجز عليها بنص القانون ، وذلك بمقتضى المادة 304 مدنى كما سبق القول ، من ذلك ما نصت عليه المادة 486 مرافعات من أنه " لا يجوز الحجز على ما يحكم به القضاء من المبالغ المقررة أو المرتبة مؤقتاً للنفقة أو للصرف منها فى غرض معين ، ولا على المبالغ والأشياء الموهوبة أو الموصى بها لتكون نفقة ، إلا بقدر الربع وفاء لدين نفقة مقررة " ، ومن ذلك ما نصت عليه المادة 488 مرافعات من أنه " لا يجوز الحجز على أجور الخدم والصناع والعمال أو مرتبات المستخدمين إلا بقدر الربع ، وعند التزاحم يخصص نصفه لوفاء ديون النفقة المقررة والنصف الآخر لما عداها من الديون " ، ومن ذلك ما قضى به القانون من عدم جواز الحجز على مرتبات الموظفين والمستخدمين إلا بقدر الربع فى نفقة أو فى دين مستحق للحكومة بسبب الوظيفة ، وغنى عن البيان أن الحق الذى يكون غير قابل للحجز عليه فى شق منه فحسب ، لا تمتنع حوالته إلى فى الحدود التى يكون فيها غير قابل للحجز .

عدم قابلية الحق للحوالة باتفاق المتعاقدين : وقد يتفق المتعاقدان ، الدائن والمدين ، على أنه لا يجوز للدائن حوالة الحق الذى فى ذمة المدين ، أو على أن الحوالة لا تجوز إلا برضاء المدين ، ولما كانت قابلية الحق للحوالة ليست من النظام العام ، فإن الاتفاق على عدم قابليته للحوالة جائز.

من ذلك اشتراط المؤجر على المستأجر ألا ينزل عن الإيجار لغيره ، وتنص المادة 593 مدنى فى هذا الصدد على ما يأتى : " للمستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن ، وذلك عن كل ما استأجره أو بعضه ، ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك ".

وبعد أن جعل التقنين المدنى الجديد حوالة الحق جازة بغير رضاء المدين ، أصبح للمدين ، إذا كان لا يريد الحوالة دون رضائه ، أن يتشرط في عقد الاتفاق على المدين منذ البداية عدم جواز حوالة هذا الحق ، وهذا الشرط جائز معتبر ، لأن النظام العام ، كما قدمنا ، لا يقتضي منعه وهذا بخلاف حق التصرف فى الحقوق العينية ، فإن النظام العام يقتضى التضييق من منع التصرف فيها حتى يسهل تداول الأموال. ومن ثم كان شرط منع التصرف فى المال مقيداً بوجوب قيامه على باعث مشروع ويقصره على مدة معقولة ، وقد نصت المادة 823 مدنى فى هذا الصدد ما يأتى : " 1- إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يقضى بمنع التصرف فى مال ، فلا يصح هذا الشرط ، ما لم يكن مبيناً على باعث مشروع ومقصوراً على مدة معقولة. 2- ويكون الباعث مشروعاً متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو للمتصرف إليه أو للغير . 3- والمدة المعقولة يجوز أن تستغرق مدى حياة المتصرف أو المتصرف إليه أو الغير " .

وأياً كان الغرض من الحوالة ، فهناك قواعد عامة تطبق علي كل حوالة ، بيعاً كانت أو هبة أو رهناً أو وفاء بمقابل أو غير ذلك ، كاتفاق المحيل مع المحال له على الحوالة وكيف تصير الحوالة نافذة في حق المحال عليه وفي حق الغير ، ثم ينفرد بعد ذلك كل عقد بالقواعد الخاصة به ، فالبيع يقتضي الثمن والضمان ، والهبة تقتضي نية التبرع ، والوفاء بمقابل يقتضي وجود دين في ذمة المحيل للمحال له يوفيه بالحوالة ، والرهن يقتضي أيضاً وجود دين في ذمة المحيل للمحال له يرهن فيه المحيل حقه عن طريق الحوالة ، والأهلية اللازمة للحوالة هي الأهلية اللازمة للحوالة هي الأهلية اللازمة للعقد الذي تنطوي عليه فقد تكون أهلية التصرف أو أهلية التبرع بحسب الأحوال ( بلانيول وريبير وردوان 7 فقرة 1107 ص 485 - الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 17 ).(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث ، المجلد : الأول الصفحة : 509)

الحق الشخصي أياً كان محله قابل في الأصل للحوالة ، إذ أن الحق العيني ينتقل بالتسجيل ، وينفذ في حق الغير بالشهر بالنسبة للحقوق العينية الأصلية وبالقيد بالنسبة للحقوق العينية التبعية ، أما قبل الشهر ، فإن العقد يرتب حقوق والتزامات شخصية ، تكون محلاً للحوالة.

يكون المحل نقوداً أو أشياء مثلية أو عيناً معينة بالذات بشرط أن يكون الحق شخصياً كالوعد يبيع منزل وقد يكون عملاً أو امتناعاً عن عمل كالتمكين من العين الأجرة فيجوز للمستأجر التنازل عنها وشرط عدم المنافسة ينتقل للمشتري الجديد ويستوي أن يكون الحق منجزاً أو معلقاً على شرط کتنازل السمسار عن حقه اذا تمت الصفقة أو مقترناً بأجل ولا يشترط أن يكون الحق مدوناً فتجوز حوالة الحقوق التي لا دليل عليها إلا البينة كما تجوز حوالة الحق المستقبل ويكفي في انعقاد الحوالة تراضي المحيل والمحال له دون حاجة إلى رضاء المدين إلا إذا اتفق مع الدائن على ضرورة هذا الرضاء وفي هذا الصدد تختلف حوالة الحق عن تجديد الالتزام بتغيير الدائن ، إذ يلزم لهذا التجديد رضاء المدين ولا يشترط لانعقادها شكل خاص ما لم تكن هبة صريحة وتجب مراعاة القواعد العامة في الإثبات والعبرة في قيمة الالتزام ذاته ولو زادت هذه القيمة على الثمن الذي بيع به وعدم ذكر ثمن للحوالة لا يجعلها باطلة فقد تكون هبة أو رهناً أو وفاء بمقابل وتعتبر في القليل وكالة بالقبض لتحصيل الحق.

ولا يكون الحق قابلاً للحوالة إذا كانت طبيعته تستعصي على الانتقال بسبب اتصال الحق اتصالاً وثيقاً بشخص الدائن كالنفقة وطلب التعويض عن الضرر الأدبي مادام لم يتحدد (م 222) وحق المستعير في استعمال الشئ (م 639) وكذلك إذا اتفق الدائن والمدين على عدم جواز حوالة الحق ، أو بنص في القانون كنص المواد 639 ، 471 ، 593 وتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين ولكنها لا تنفذ في حقه إلا إذا قبلها أو أعلن بها .

حوالة حقوق المشتري :

للمشتري الذي لم يسجل عقده - الوارد على عقار - أما أن يبيع العقار وأما أن يحيل حقوقه الشخصية المتولدة عن البيع.

فإن سلك طريق البيع ، نشأ عن العقد كافة الحقوق والالتزامات التي يرتبها البيع فيما عدا نقل الملكية ، وحتى يتمكن المشتري الأخير من نقل الملكية إليه ، يجب أن يقوم أولاً بتسجيل العقد الصادر من المالك إلى المشتري الأول ثم تسجيل العقد الصادر له من هذا المشتري ، فيلزم تسجيل العقدين ولو في وقت واحد أما تسجيل البيع الأخير وحده فلا تنتقل به الملكية ، فإن لجأ المشتري الأخير إلى دعوى صحة التعاقد تعين عليه اختصام المالك والبائع له - المشتري الأول .

وطالما أن الملكية لم تنتقل إلى المشتري الأخير ، كان للمالك وللمشتري الأول أن يتفاسخا البيع المبرم بينهما ، ولو بعد تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد وينفذ هذا التفاسخ في حق المشتري الأخير مما يحول بينه وبين استصدار حكم بصحة التعاقد «البيع».

المقرر أن لمشتري العقار الحق في الانتفاع به أو استغلاله ولو لم يكن قد سجل عقد البيع طالما كان له الحق في تسلم العقار وقت إبرام العقد ، فإن تم الاتفاق على إرجاء التسليم ، فلا يستحق الثمار إلا بحلول أجل التسليم ، وينحصر الالتزام بالتسليم والآثار المترتبة عليه فيما بين البائع والمشتري ، بحيث اذا كان المشتري الحق في تسلم العقار وامتنع البائع عن تسليمه ، كان للمشتري الرجوع عليه بالضمان ، ولا سبيل للمشتري للرجوع على المستأجر لانتفاء العلاقة المباشرة فيما بينهما ، وفي نطاق نصوص الحوالة ، لا يكفي أن يكون للمشتري الحق في تسلم العقار للرجوع على المستأجر ، وإنما يلزم أن تتوافر له الصفة في هذا الرجوع ، وتتحقق تلك الصفة بانتقال ملكية العقار إليه بتسجيل عقد البيع ، إذ تقوم قرينة قانونية قاطعة تدل على توافر علم المستأجر بأن ملكية العقار المؤجر قد انتقلت الى المشتري وقد حل بذلك محل المؤجر في عقد الإيجار وأصبح هو وحده صاحب الحق في أجرة العين ، فإن لم تكن الملكية قد انتقلت إليه ، ولكن قام المؤجر بتحويل عقد الإيجار إليه ، فإن ذلك لا يكفي لتوافر الصفة للمشتري في الرجوع على المستأجر ، وإنما يجب لتوافر تلك الصفة أن تكون الحوالة قد نفذت في حق المستأجر بقبوله لها أو بإعلانه بها وفقاً لنص المادة 35 من القانون المدني ، فإذا أنفذت بعد توقيع دائن البائع حجزاً على الأجرة تحت يد المستأجر ، تعين إعمال المادة 314 من ذات القانون.

وبنفاذ الحوالة في حق المستأجر ، فان جميع الحقوق المترتبة في ذمته تكون مستحقة للمشتري المحال إليه ومن وقت هذا النفاذ ولو لم يكن تسليم العقار قد تم إذ لا شأن لنفاذ الحوالة بهذا التسليم ولا يعتبر شرطا لنفاذها.

وتنتقل الحقوق الناشئة عن عقد الايجار بتوابعها وبكل ما يؤكد وجودها وما اتخذه المحيل في شأنها من إجراءات ، كالتكليف بالوفاء أو التنبيه بالإخلاء أو دعوى الفسخ أو الطعن في الحكم الصادر فيها ، ذلك أن المشتري المحال له قد الصفة التي حل محل البائع المحيل في الحق محل الحوالة وقام مقامه في شأنه وإنتقلت اليه كانت للمحيل فيما يتعلق بهذا الحق ، فإن كان البائع رفع دعوى الفسخ والإخلاء ، حل المحال له محله فيها واستمر في مباشرة إجراءاتها ، وإن كان الحكم قد صدر فيها ، وطعن فيه ، ونفذت الحوالة ، حل المحال له محل المحيل في الطعن وتوافرت له بذلك الصفة في الطعن.

الأوراق المالية ، هي الأسهم والسندات ، وتتم حوالتها بالتراضى بين صاحب الحق فيها وبين المحال له ، إلا أنها لا تنفذ في حق المدين المحال عليه ولا في حق الغير إلا بقيدها في الدفتر المعد لذلك لدى المدين وغالباً ما يكون شخصاً اعتبارياً ، ويتم تداولها عن طريق إحدى شركات السمسرة وإلا كان العقد باطلاً مما تتصدی له المحكمة من تلقاء نفسها.

أما الأوراق التجارية ، فهي الكمبيالة والسند الإذني والشيك وبوليصة الشحن وبوليصة التأمين وبوليصة التخزين ، متى استوفت تلك الأوراق الصفة التجارية أن حوالتها يتم بطريق التظهير أي بتوقيع صاحب الحق فيها على ظهرها مقروناً بحوالتها إلى المحال إليه ، وتنفذ الحوالة في حق المدين دون حاجة إلى إعلانه بها أو قبوله لها ، ويجب على المدين الوفاء بالقيمة للمظهر له أو الحامل للورقة إن كانت لحاملها ، ولا تبرأ ذمته إلا بهذا الوفاء ، وبالتالي إذا أعلن بحوالة الورقة التجارية إلى حاملها ، فلا يعتد بهذا الإعلان ويظل الوفاء واجباً للحامل وحده ، ومتى تم الوفاء له برئت ذمة المدين ، وكذلك الحال إذا قبل المدين الحوالة ، إذ لا يعتد بالإعلان أو القبول الذي يتعارض مع قواعد حوالة الأوراق التجارية والتي تنحصر في التظهير ما لم تكن لحاملها فتتم حوالتها بتسليمها ويصبح حاملها هو المحال إليه وتنفذ في حق المدين بهذا التسليم دون حاجة لإعلانه بها أو قبوله لها ، بحيث إذا أعلن بها ، كان الإعلان نافلة لعدم لزومه لنفاذ الحوالة.

ومتى تم تطهير الورقة إن كانت إسمية ، أو تسليمها للمحال له أن كانت لحاملها ، فإن الحق الثابت بها ينتقل إلى الأخير مما يحول دون دائني المحيل والحجز على الورقة لدى المحال له وإلا كان الحجز باطلاً لعلم ملكية للدين للحق المحجوز عليه.

فإذا انتفت الصفة التجارية عن الورقة ، كانت سنداً مدنياً وخضع في حوالته إلى قواعد القانون المدني ، فلا تنفذ الحوالة إلا بإعلان المدين بها أو قبوله لها عملاً بالمادة 305 من القانون المدني ، وبالتالي لا يكفى لنفاذها تظهير الورقة إن كانت إسمية أو تسليمها إن كانت لحاملها ، وللمدين في هذه الحالة الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم نفاذ الحوالة في حقه لعدم إعلانه بها أو قبوله لها ، ومتی قضی بعدم قبول الدعوى ، أو رفضها بحالتها ، جاز للمحال له إعادة رفعها بعد أن تنفذ الحوالة في حق المدين ، إذ يحوز الحكم الصادر برفض الدعوى بحالتها أو بعدم قبولها حجية مؤقتة تبقي ببقاء السبب الذي أدى إلى القضاء بذلك قائماً وتزول بزواله.

ومتى تمت حوالة الورقة على نحو ما تقدم ، كان المظهر إليه أو الحامل ، هو صاحب الصفة في المطالبة بقيمتها ، فإن كان المستفيد قد رجع بتلك القيمة على المدين قبل الحوالة ، فإن المحال إليه يصبح هو صاحب الصفة في الدعوى رغم رفعها بمعرفة المستفيد ، وأن كان الحكم قد صدر ضد المستفيد قبل الحوالة ، كان للمظهر إليه الحق في الطعن بالاستئناف إذا تمت الحوالة قبل رفعه ، فإن تمت بعد رفعه كانت له الصفة في الحضور أمام المحكمة الاستئنافية رغم أن الاستئناف مرفوع من المستفيد.

فإن كانت الورقة مدنية ، وجب لنفاذ الحوالة في حق الساحب ، أن يقوم المحال إليه بإعلان الحوالة للساحب ، ويقوم مقام الإعلان ، إعلان أمر رفض إصدار أمر الأداء متی تضمن بيانات الحوالة ، ولا يكفي في ذلك تكليف الساحب بالوفاء كإجراء سابق لاستصدار أمر الأداء ، وذلك عملاً بالمادة 305 من القانون المدني.

وتنحصر الخصومة في المحال إليه والساحب دون المستفيد ، سواء رجع المحال اليه بأمر الأداء أو بالدعوى المباشرة في حالة الشيك.

الآثار المترتبة على حوالة الأوراق التجارية :

متى استوفت الورقة التجارية مقوماتها ، فإن تداولها يتم بطريق التظهير إن كانت إسمية أي تحمل اسم المستفيد منها ، أو بطريق التسليم أن كانت لحاملها ، وقد جرى العرف على أن مجرد التوقيع على ظهر الشيك ، سواء كان مدنياً أو تجارياً ، يعتبر تظهيراً ناقلاً للملكية ما لم يثبت صاحب الشأن أنه أراد بالتوقيع أن يكون تظهيراً توكيلياً ، ولا يوجد مثل هذا العرف بالنسبة للكمبيالة مما يوجب عند تحويلها بالتظهير إيضاح ذلك قرين التوقيع.

ويترتب على تحويل الأوراق التجارية ، تطهيرها من كافة الدفوع المتعلقة بها متى كان المحال إليه حسن النية لا يعلم بقيام السبب الذي يستند إليه المدين في الدفع ، وحسن نية المحال إليه مفترض ومن ثم يقع على المدين اثبات سوء نيته بكافة الطرق ومنها البينة والقرائن.

فإذا افتقدت الورقة الصفة التجارية ، كانت سنداً مدنياً ، يتم تحويله ونفاذه في حق المدين وفقاً لنصوص حوالة الحق في القانون المدني ولا يترتب على الحوالة تطهير السند من الدفوع المقررة للمحال عليه ، ومن ثم يجوز له التمسك بها في مواجهة المحال إليه.

فإن توافرت في الورقة الصفة التجارية ، ولكنها كانت معيبة ، فإن حوالتها يتم أن التطهير ولكن يترتب على العيب الذي شابها عدم تضامن الموقعين عليها .

واعتبار الورقة تجارية أو مدنية ، من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.

الشيك أداة وفاء يقوم مقام النقود ومن ثم يجب أن يكون مستحق الدفع لدى الإطلاع ، ويستقل بكيانه ، فلا يجوز تعيينه إلا من واقع البيانات المدونة به صلباً أو تظهيراً ، فلا يعتد بأي ورقة أخرى حتى لو تضمنت توقيعات أطرافه تدل على صوريته أو صدوره في تاريخ سابق على تاريخ استحقاقه ، إن كان القصد من ذلك عدم إخضاعه للعقوبة المقررة لإصدار شيك بدون رصيد ، أما إن كان القصد عدم جدية الدين الثابت به وصوريته في المطالبة المدنية بقيمته ، كان ذلك دفاعاً يجوز إبداؤه أمام المحكمة المدنية .

تعتبر الكمبيالة دائماً ورقة تجارية متى استوفت مقوماتها حتى لو حررها غير تاجر، وبالتالي يتم تحويلها بطريق التظهير وتنفذ في حق المدين بهذا التظهير دون حاجة لإعلانه بها أو قبوله لها ، ويسري ذلك إذا شاب الكمبيالة عيب بشرط أن تكون محررة بين تجار أو لعمليات تجارية. 

الأصل في السند الإذني ، أن يكون مدنياً ولو أدرج به شرط الإذن ، ويتعين لاعتباره ورقة تجارية ، أن يكون موقعاً من تاجر أو مترتباً على عملية تجارية سواء كان محرره تاجراً أو غير تاجر، فان لم يكن من وقعة تاجراً ولم يكن قد تحرر عن عملية تجارية ، فإنه يكون ورقة مدنية.

ومتى أعتبر السند الاذني ورقة تجارية ، فإن حوالته تتم بالتظهير إن كان إسمياً أو بالتسليم إن كان لحامله ، دون التزام بقواعد حوالة الحق الواردة في القانون المدني ومن ثم فإن حوالته تنفذ في حق المدين بمجرد التظهير أو التسليم دون حاجة الإعلان المدين به أو قبوله له.

أما إن أعتبر السند الإذنى ورقة مدنية ، فإن حوالته تتم وفقاً لقواعد حوالة الحق المقررة في القانون المدني ، ولا تنفذ في حق المدين إلا بإعلانه به أو قبوله له ، ولا ينال من ذلك أن يتضمن شرط الاذن.

إذا كان صاحب الحق دائناً بورقة تجارية واقتصر رجوعه على الساحب أو المحرر أو القابل أو الضامن الإحتياطي لأحدهم ، وجب عليه سلوك طريق أمر الأداء .. والأوراق التجارية هي الكمبيالة والشيك والسند الإذني والسند لحامله ، وتصدر الكمبيالة والشيك بين ثلاثة أشخاص هم الساحب أي محرر الورقة والمسحوب عليه وهو مدين الساحب ثم المستفيد من الورقة ، أما السند الاذني فيصدر بين شخصين هما الساحب والمسحوب عليه.

والدين الوارد بالكمبيالة هو دين مجاري حتى لو كان الساحب غير تاجر وتعلق الدين بمسألة مدنية كثمن عقار ، خلافاً للشيك والسند الإذني والسند لحامله يكون تجارياً إلا إذا تعلق بتجارة الساحب ، وتتداول الأوراق التجارية بطريق التظهير دون اعتداد بطبيعة الدين ، ويثبت الحق فيها لحاملها ، ويكون الساحب لها أو محررها هو الملتزم بقيمتها فقد لا يكون المسحوب عليه مديناً له ومن ثم يمتنع الرجوع على الآخير إلا إذا ألزم نفسه بقيمتها ويتم ذلك بقبوله لها ، وإذا وجد ضامن احتياطي لأحد هؤلاء ، فإنه يكون في حكم المدين مثله مثل الساحب أو المحرر أو القابل ، ولذلك يجوز للحامل الرجوع على أحد هؤلاء منفرداً أو عليهم جميعاً بإعتبار أن كلا منهم مديناً للحامل بقيمة الورقة ، متى أراد الأخير أن يسلك طريق أمر الأداء ، أما إذا أراد الرجوع عليهم جميعاً أو على بعضهم وعلى غيرهم كالظهر ، وجب عليه أن يسلك الطريق العادي المتمثل في الدعوى ، كذلك إذا أراد الرجوع على أحدهم أو بعضهم وعلى المظهرين والكفلاء أو اختار الرجوع على المظهر أو الكفيل .

ومتى استقامت الدعوى على هذا النحو ، ظلت مقبولة حتى لو ترك المدعى الخصومة فيها بالنسبة للمدعى عليهم عدا أحدهم ولو قصر دعواه على الساحب أو المحرر أو التعامل أو الضامن الاحتياطي ، إذ متى رفعت الدعوى بالطريق الصحيح فلا يؤثر في صحتها ما يطرأ عليها من تغيير في الخصوم بعد رفعها ويتوافر قبول الورقة التجارية بإعلان بروتستو القبول إلى المسحوب عليه مرفقاً به الورقة ، فإذا قبلها الأخير أثبت المحضر ذلك وقام المسحوب عليه بإثبات أية عبارة بظهر الورقة تفيد قبوله لها مثل مقبول  أو أقبل الالتزام بالقيمة ، ثم التوقيع قرينها وبيان تاريخه. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار / أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس ، الصفحة : 142) 

المقصود بانتقال الالتزام :

المقصود بانتقال الالتزام أن يحل شخص جديد محل الدائن ، وذلك هو الانتقال الإيجابي أو محل المدين وهذا هو الانتقال السلبي والجوهري في الحالتين أن الالتزام ذاته يظل كما هو رغم تغير أحد طرفيه ، أي مع المحافظة على الالتزام بجميع صفاته ومميزاته وتوابعه ، بحيث يخلف الدائن الجديد الدائن الأصلي في الحق ذاته الذي كان له أو يحل المدن الجديد محل المدين الأصلي في التزامه بالدين ذاته مع إخلاء ذمة الأخير منه.

وانتقال الالتزام إما أن يكون بسبب الوفاة ، وإما أن يتم حال الحياة.

فإذا توفي الدائن انتقل حقه إلى ورثته ، وإذا توفي المدين انتقل الدين إلى الورثة مع تحديد مسئوليتهم عنه بأموال التركة.

أما انتقال الالتزام حال الحياة ، فيجوز أن يكون إيجابياً أو سلبياً ، والانتقال الإيجابي يتم بأحد طريقين : حوالة الحق والوفاء مع الحلول أما الانتقال السلبي فيتم عن طريق حوالة الدين.

تعريف حوالة الحق

حوالة الحق عقد بمقتضاه ينقل دائن حقه قبل المدين إلى شخص من الغير يصبح دائنا مكانه ، فيكون الدائن الأصلي محيلاً ، والدائن الجديد مجالاً له ، والمدين محالاً عليه .

الحوالة تتم بغير رضاء المدين :

طرفاً عقد الحوالة هما المحيل والمحال له ، وتقوم بتراضيهما دون حاجة إلى رضاء المدين الذي ليس طرفاً فيها ، وقد نصت المادة صراحة على ذلك بقولها : "تتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين" ، فالحوالة على هذا الوجه عقد رضائي طرفاه المحيل والمحال له .

والحكمة في ذلك أن المدين يستوي لديه استبدال دائن بدائن آخر .

تمييز الحوالة عما قد يشبه بها : 

تمييز الحوالة عن تجديد الدين بتغيير الدائن :

من السهل أن نفرق بين الحوالة وتجديد الدين بتغيير الدائن ، لأن التجديد يترتب عليه أن ينقضي الالتزام الأصلي وأن ينشأ مكانه التزام جديد ، ومقتضى هذا أن تنقضي التأمينات التي تضمن الالتزام الأصلي والدفوع التي ترد عليه ، ولا تنتقل تلك التأمينات لكفالة الالتزام الجديد إلا بنص القانون استثناء أو الاتفاق ، بينما في حوالة الحق ينتقل الحق إلى المحال له بماله من تأمينات وما عليه من دفوع ، وإلى جانب هذا توجد فروق أخرى تتعلق بضرورة تدخل المدين وشروط النفاذ والالتزام بالضمان.

تمييز الحوالة عن الوفاء مع الحلول :

التفرقة بين الحوالة والوفاء مع الحلول تبدو دقيقة بسبب أن الدائن الجديد في كلاً النظامين يحل محل الدائن القديم في نفس الدين بتأميناته ودفوعه ، غير أن النظامين مع ذلك يختلفان في جوهرها ، فالوفاء مع الحلول عملية وفاء ، بينما حوالة الحق عملية مضاربة غالباً ، وهذا الاختلاف في طبيعة العمليتين يترتب عليه أن الدائن الجديد في الوفاء مع الحلول لا يكون له أن يستوفي من المدين إلا بقدر ما أدى للدائن القديم ، بينما يكون له في الحوالة أن يأخذ من المدين القيمة الأسمية للحق حتى لو كان قد دفع للمحيل أقل من هذه القيمة ، كما أن هناك فروقا أخرى تتعلق بالانعقاد والنفاذ والالتزام بالضمان وغير ذلك مما سنعرض له عند الكلام في الوفاء مع الحلول.

تتخذ الحوالة لأغراض شتى ومن ذلك ما يأتي :

1 - قد تكون الحوالة بيعاً وهو الغالب ، فتتم في مقابل مبلغ من النقود ، وتطبق في هذه الحالة أحكام البيع ، وفي العمل يلجأ الدائن إلى بيع حقه إذا كان في حاجة إلى نقود وكان حقه قبل مدينه لم يحل أجل الوفاء به ، أو إذا كان المدين مماطلاً وأراد الدائن تجنب إجراءات المطالبة بما تسببه من متاعب.

أما المحال له ، فيستفيد من الحوالة ، إذ تكون له الفوائد التي يغلها الدين الحين وفاء المدين به ، وقد يكون الثمن الذي التزم بدفعه للدائن المحيل أقل من قيمة الحق الذي انتقل إليه ، ويغلب ذلك في حالة ما إذا كان المدين مماطلاً تقتضي مطالبته إجراءات طويلة.

2 - قد تكون الحوالة وفاء بمقابل فلا يكون العوض الذي يحصل عليه المحيل ثمناً نقدياً وإنما قضاء دين عليه المحال له فإذا كان (أ) دائناً لـ (ب) وكان (أ) مديناً لـ (ج) فقد يتفق (أ) مع (ج) على أن يكون الوفاء بدينه عن طريق حوالة حقه قبل (ب) فتكون الحوالة في هذه الحالة سبباً لانقضاء دين المحيل قبل المحال له ، وتطبق هنا على الحوالة أحكام الوفاء بمقابل.

3 - قد تكون الحوالة مجاناً دون مقابل ، وفي هذه الحالة تكون الحوالة هبة مباشرة محلها حق الدائن الشخصي ، ويجب أن يتوافر فيها أركان الهبة الموضوعية والشكلية وبصفة خاصة يجب أن تفرغ في محرر رسمي ، أما الحوالة في مقابل عوض فهي اتفاق رضائي ، لا يتطلب شكلاً خاصاً ".

4 - يجوز أن تكون الحوالة لا بقصد نقل الحق بل يقصد رهنه تأميناً لحق في ذمة المحيل للمحال له.

ونية المتعاقدين هي الأساس في تبين الغرض من الحوالة يتبينها قاضي الموضوع من شروط التعاقد وظروفه.

يجب لانعقاد حوالة الحق أن تتوافر لها الأركان التي تتطلبها القواعد العامة لانعقاد العقود وهي التراضي والمحل السبب ، ومحل الحوالة هو الحق الذي يراد نقله إلى المحال له ، فإذا كان هذا الحق قد انقضى فإن الحوالة لا تنعقد.

ويجب لصحة الحوالة أن تتوافر الأهلية لدى طرفيها ، وأن تكون إرادة كل منهما سليمة خالية من العيوب.

وينطبق على الحوالة الأحكام الخاصة بالغرض التي تتخده الحوالة كأحكام البيع أو الهبة.

على أن هناك قواعد عامة تطبق على الحوالة أياً كان الغرض المقصود منها.

القاعدة أن الحوالة ترد على جميع الحقوق الشخصية أياً كان محلها ، وإن كان الغالب أن ترد على حق اقتضاء مبلغ من النقود إلا أنه يجوز أن ترد على أشياء مثلية غير النقود.

بل ويجوز أن يكون محل الحق عيناً معينة بالذات بشرط أن يكون الحق شخصياً لا عينياً ، مثل الوعد ببيع دار، يجعل للموعود له حقاً شخصياً قبل الواعد متعلقاً بهذه الدار ، فيجوز للموعود له أن ينزل عن هذا الحق لشخص آخر .

وقد يكون محل الحق المحال به عملاً أو امتناعاً عن عمل ، كحق المستأجر في تمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة ولا يشترط لجواز الحوالة أن يكون الحق من طبيعة معينة أو يكون ذا وصف معين ، فجميع الحقوق الشخصية تقبل الحوالة ، سواء أكانت مدنية أو تجارية ، وسواء أكانت منجزة أو موصوفة.

ويستوي في هذا المعنى أيضاً أن يكون الحق حاضراً أو متوقع الحصول في المستقبل ، ومثل هذا الأخير أن يحول شخص إلى آخر إيراد عقار مستقبل ولكن يشترط لإمكان تحويل هذا الحق أن يكون قد اكتمل كل عناصر تكوينه ، فالمقاول الذي يتعاقد مع رب العمل يمكنه أن يحول حقه قبل هذا الأخير ولو قبل البدء في البناء ، ولكن لا يمكنه ذلك قبل التعاقد لأنه حينئذ لا يكون هناك حق ترد عليه الحوالة ، والمؤلف الذي يتعاقد مع ناشر کی ينشر له كتاباً في مقابل مبلغ معين لا يكون له أن يحول ما قد يحصل عليه من مقابل لأنه ليس هناك حق يجوز تحويله .

والحق الشخصي قابل للحوالة حتى لو كان متنازعاً فيه .

الحالات التي لا تجوز فيها الحوالة :

تنص المادة على أنه : "يجوز للدائن أن يحول حقه إلى شخص آخر ، إلا إذا حال دون ذلك نص القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام ... الخ".

وعلى ذلك فإن الحوالة لا تجوز في الحالات الآتية :

1 - أن يحول نص القانون دون الحوالة :

فالقانون لا يجيز حوالة بعض الحقوق إما لاتصالها الوثيق بشخص صاحبها أو لطابعها الاجتماعي أو الإنساني والمثل البارز على ذلك كل الحقوق التي لا يجوز الحجز عليها ، فقد نصت المادة 304 مدني على أنه : "لا تجوز حوالة الحق إلا بمقدار ما يكون منه قابلاً للحجز".

ومن ذلك ما يحكم به القضاء من المبالغ المقررة أو المرتبة مؤقتاً النفقة أو للصرف منها في غرض معين و الأموال الموهوبة و الموصي بها لتكون نفقة إلا بقدر الربع وفاء لدين نفقة مقررة (م 307 مرافعات).

والأجور والمرتبات إلا بمقدار الربع (م 309 مرافعات).

ومن ذلك نزول المستعير عن استعمال العارية إلى غيره دون موافقة المعير ولو على سبيل التبرع (م 639 مدنی).

والواقع أنه لو جازت الحوالة على ما يجوز الحجز عليه من هذه لأمكن التحايل على عدم جواز الحجز عليها ، إذ يكفي أن يحيل صاحب الحق حقه إلى دائنيه فيغنيه هذا عن الحجز.

2 - أن يمنع الاتفاق الحوالة :

قد يوجد اتفاق بين الدائن والمدين على منع حوالة الحق ، فبعد أن جعل التقنين المدني الجديد حوالة الحق جائزة بغير رضاء المدين ، أصبح للمدين إذا كان لا يريد الحوالة دون رضائه ، أن يشترط على الدائن منذ البداية في العقد المنشئ للحق عدم جواز حوالة هذا الحق ، وهذا الشرط جائز ومعتبر لأن قابلية الحق للحوالة ليست من النظام العام.

ومثل ذلك ما تشترطه الهيئة القومية للسكك الحديدية على المسافرين من عدم جواز بيع الاشتراكات أو اشتراط المؤجر على المستأجر عدم جواز التنازل عن الإيجار للغير.

3 - أن تمنع طبيعة الالتزام الحوالة :

قد يكون منع الحوالة راجعاً إلى طبيعة الالتزام ذاته بغير حاجة إلى اتفاق خاص ، وذلك هو الحال في الالتزامات التي يكون لشخص الدائن فيها اعتبار خاص ، من ذلك أن يكون الالتزام بالقيام بنفقات تعليم شخص معين.

وكحق الشريك في شركات الأشخاص ، أو حق مدير لإحدى الشركات في تعاقد مع آخر للعمل لديه سكرتير خاص ، لأن شخصيته محل اعتبار في العقد. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع ، الصفحة : 213)

حوالة الحق في اتفاق ينقل بموجبه الدائن حقه في التزام معین إلى شخص آخر يقبل أن يحل فيها محله ، ويسمى الدائن في هذه الحالة محيلاً والشخص الآخر محالاً إليه والدين محالاً عليه. 

وقد تكون حوالة الحق من الحيل الى المحال إليه معاوضة أو تبرعاً ، وقد تكون على سبيل وفاء دين على المحيل أو مقاصة في دين عليه أو رهناً الحقه لمصلحة الدائن المرتهن الذي يقبل أن يقرضه بضمان الحق المحال .

أرکان حوالة الحق :

ولأن الحوالة اتفاق تعين أن تتوافر فيها جميع أركان العقد وشروط صحته .

فالحقوق الشخصية ولو أنها في الأصل قابلة للحوالة إلا أنها تستثنى من ذلك (1) اذا كانت طبيعتها تستعصي على الانتقال من دائن إلى دائن ، (2) أو اتفق المتعاقدان على أن الحق لا تجوز حوالته ، (3) أو نص القانون على عدم قابليته الحوالة ، ويعتبر النص على عدم قابلية الحق للحجز نصاً على عدم قابليته للحوالة بحكم المادة 304 مدنی .

ويكون الحق غیر قابل الحوالة بحسب طبيعته إذا كان متصلاً إتصالاً وثيقاً بشخص الدائن ، كالحق في النفقة والحق في التعويض عن المقرر الأدبي ، فلا تجوز حوالة ، وكذلك كل حق ينشأ من عقد تراعي فيه شخصية العاقد - كحق الشريك في شركة الأشخاص ، وحق المزارع في عقد المزارعة وحق المستأجر في أجارة روعيت فيها شخصيته ، كل هذه الحقوق تكون غير قابلة للتحويل.

ويكون الحق غير قابل للحوالة باتفاق الطرفين ، كما هو الحال في حق المستأجر إذا نص العقد على حظر التنازل عن الإيجار. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 623)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة / 65

أَصِيلٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الأْصِيلُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ أَصْلٍ، وَأَصْلُ الشَّيْءِ أَسَاسُهُ وَمَا يَسْتَنِدُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَيْهِ، وَيُطْلَقُ الأْصِيلُ عَلَى الأْصْلِ. وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْوَقْتِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ اللُّغَوِيَّيْنِ، فَيُطْلِقُونَهُ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ عَلَى الْمُطَالَبِ ابْتِدَاءً بِالْحَقِّ، وَفِي الْوَكَالَةِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ ابْتِدَاءً.

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

2 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ تَبَعًا لِلاِسْتِعْمَالاَتِ الْفِقْهِيَّةِ، فَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الأْصِيلِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لأِنَّ مَعْنَاهَا نَقْلُ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الأْصِيلِ،  َأَمَّا الْكَفَالَةُ فَلاَ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الأْصِيلِ، لأِنَّ مَعْنَاهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَفِيهَا حُلُولُ الْوَكِيلِ مَحَلَّ الأْصِيلِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَفْصِيلُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن عشر ، الصفحة /  198

حَوَالَةُ الدَّيْنِ:

68 - لاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُحَالُ بِهِ دَيْنًا. وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ - عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ وُجُودَهُ - فَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا.

ثَانِيًا: حَوَالَةُ الْعَيْنِ:

69 - الْحَوَالَةُ بِعَيْنٍ - مُطْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مُقَيَّدَةً - لاَ تَصِحُّ، إِذْ لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحُكْمِيُّ. أَمَّا الْحَوَالَةُ عَلَى الْعَيْنِ - أَيْ فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ - أَيًّا كَانَ نَوْعُ الْعَيْنِ، فَلاَ تُعْرَفُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ. إِذْ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ جَمِيعًا شَارِطُونَ فِي الْمَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا. فَالْعَيْنُ لاَ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَمَانَةً أَمْ مَضْمُونَةً، كَوَدِيعَةٍ، وَمَالٍ مُضَارَبَةً أَوْ شَرِكَةً، وَمَرْهُونٍ بَعْدَ فِكَاكِهِ، وَمَوْرُوثٍ، وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيٍّ بَعْدَ رَفْعِ الْحَجْرِ عَنْ قَاصِرِهِ، وَعَارِيَّةٍ، وَمَغْصُوبٍ، وَمَأْخُوذٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

ثَالِثًا: حَوَالَةُ الْمَنْفَعَةِ:

70 - لاَ تَصِحُّ كَذَلِكَ، إِذِ الْمَنْفَعَةُ كَالْعَيْنِ، لاَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحُكْمِيُّ.

أَمَّا الْحَوَالَةُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ نَجِدْ فِي نُصُوصِ الْفُقَهَاءِ مَا يُشْعِرُ بِجَوَازِ كَوْنِهَا مَالاً مُحَالاً عَلَيْهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَنَافِعِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا إِنْسَانٌ بِسَبَبٍ مَا، إِنَّمَا تُسْتَوْفَى شَخْصِيًّا مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهَا، وَهِيَ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ.

رَابِعًا: حَوَالَةُ الْحَقِّ:

لاَ تَصِحُّ كَذَلِكَ حَوَالَةُ الْحَقِّ. وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِدَيْنٍ.

________________________________________________________________ 

الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفة الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/  الاول

انتقال الالتزام في الفقه الإسلامي : ويجدر بناء أن ننظر ، بعد هذه العجالة التاريخية ، ماذا كان موقف الفقه الإسلامي من انتقال الالتزام ، وما مدي التطور الذي بلغه في هذه المسألة  .

يعرف الفقه الإسلامي الحوالة ، ومن أهم المميزات له في تنظيمها هو التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة  . ويوجد في كل من الحوالتين دائن ومدين ثم أجنبي محال عليه ، وهذا الأجنبي المحال عليه هو الذي يتركز فيه التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة .

فإن كان هذا الأجنبي مديناً للمدين أو كان في يده له وديعة أو عين مغصوبة ، وأراد المدين عن طريق الحوالة الوفاء بالدين الذي في ذمته للدائن بالحق الذي له في ذمة الأجنبي ، فهذه هي الحوالة المقيدة  . وهل أقرب إلي أن تكون طريقاً من طرق الوفاء بالدين من أن تكون حوالة بالمعني الدقيق . وتقرها المذاهب جميعاً ، علي خلاف بينها في الصياغة القانونية سنذكره فيما يلي :

أما أن كان الأجنبي غير مدين للمدين ، أو كان مدينا ولكن لم تقيد الحوالة بهذا الدين في المذهب الحنفي ، فهذه هي الحوالة المطلقة . ويمكن في الحوالة المطلقة . أن نتصور أن المدين يريد أن يحيل دينه علي الأجنبي ، وهذه هي حوالة الدين بالمعني الدقيق ، ولا يسلم بها الفقه الإسلامي خلافا لما يقال عادة وهي عنده أقرب إلي أن تكون كفالة أو تجديداً ، من أن تكون حوالة للدين وقد قدمنا أن الكفالة في الفقه الإسلامي هي الأصل في التضامن ، والآن نراها الأصل أيضا في الحوالة . ويمكن كذلك في الحوالة المطلقة أن نتصور أن الدائن هو الذي يريد أن يحيل حقه للأجنبي ، وهذه هي حوالة الحق بالمعني الدقيق . وحوالة الحق أيضا لا يسلم بها الفقه الإسلامي بوجه عام ، خلافا لما يقال عادة . ذلك أن الحنفية والشافعية والحنابلة لا يسلمون بهذه الحوالة ، أما المالكية فيسلمون بها في حدود معينة .

وقبل أن نفصل ما أجملناه ، يحسن أن نشير إلي خطأين شائعين ينسبان إلي الفقه الإسلامي في خصوص الحوالة : ( أولا ) ما يرد ذكره عادة في الفقه والقضاء في مصر علي أنه حوالة الحق في الفقه الإسلامي إنما هو حوالة الدين لا حوالة الحق . ( ثانياً ) ليس صحيحاً أن الفقه الإسلامي عرف حوالة الدين ولم يعرف حواله الحق ، وإلا كان هذا بدعا في تطور القانون . فمن غير الطبيعي أن يعرف نظام قانوني حوالة الدين قبل أن يعرف حوالة الحق ، كما أنه من غير الطبيعي أن يسلم نظام قانوني بانتقال الدين بين الأحياء وهو لم يعترف بانتقاله بسبب الموت . فالفقه الإسلامي كان في طوره طبيعياً كسائر النظم القانونية : لم يعرف حوالة الدين ، لا بسبب الموت إذ الدين لا ينتقل إلي الورثة بل يبقي في التركة حتي تقوم بسداده ، ولا بين الأحياء إلا في صورة من صور الكفالة أو التجديد . وعرف حوالة الحق ، بسبب الموت حوالة كاملة إذ الحقوق الشخصية التي للتركة تنتقل إلي الورثة ، وبين الأحياء بقيود معينة وفي مذهب واحد هو المذهب المالكي  .

والآن ننتقل الي تفصيل ما أجملناه ، في غير إطالة إذ لا يتسع المقام هنا للإسهاب . ونتناول حوالة الدين وهي المعنية بلفظ " الحوالة " في الفقه الإسلامي فإذا ذكرت الحوالة قصد بها حوالة الدين دون غيرها ، ثم حوالة الحق ولا يعرف الفقه الإسلامي هذا التعبير ويسمي حوالة الحق بيع الدين أو هبه الدين .

حوالة الدين : يختلف ، في حوالة الدين ، المذهب الحنفي عن المذاهب الثلاثة الأخري . علي أن التمييز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة ، وإن كان غير منصوص عليه إلا في فقه المذهب الحنفي ، لا يقل أهمية في المذاهب الثلاثية الأخري عنه في المذهب الحنفي ، بل لعله يزيد كما سنري .

ونبدأ بالمذهب الحنفي : ففي هذه المذهب تتم الحوالة المطلقة برضاء الأطراف الثلاثة ، الدائن والمدين والمحال عليه . ويجوز أن تتم برضاء الدائن والمحال عليه دون المدين (  ) ، ولكن لا يرجع المحال عليه في هذه الحالة علي المدين ، إذا دفع الدين للدائن ، إلا إذا كانت الحوالة بأمر المدين . أما الحوالة المقيدة فلا بد فيها من رضاء الأطراف الثلاثة . وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة ، $ 423 $ فإن الدائن يرجع علي المحال عليه بالدين ، فهل انتقل الدين إلي ذمة المحال عليه بالحوالة؟ هنا تتضارب الآراء في المذهب الحنفي . فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ينتقل الدين من ذمة المدين إلي ذمة المحال عليه ، فلو أبرأ الدائن المحال عليه منن الدين صح ذلك ولو أبرأ المدين لا يصح ، ولكن الين يعود إلي ذمة المدين إذا توي عند المحال عليه . وعند محمد ، تنتقل المطالبة وحدها دون الدين من المدين إلي المحال عليه ، ويبقي الدين دون المطالبة في ذمة المدين . فلو أراد هذا أن يقضية للدائن ، لا يكون متبرعاً ، لأنه لا يزال مدينا ، ويجبر الدائن علي الاستيفاء . ولو أبرأ الدائن المحال عليه ، لا يرتد الإبراء بالرد ، لأن الدائن إنما أسقط المطالبة لا الدين ، ولا يرجع المحال عليه علي المدين ولو كانت الحوالة بأمره ، لأن الدائن لم يبريء المحال عليه من الدين بل من مجرد المطالبة . وإذا توي الدين عند المحال عليه ، عادت المطالبة إلي المدين واجتمعت عنده مع الدين فيرجع عليه الدائن بالدين نفسه ، ولو كان الدين قد انتقل إلي المحال عليه لما كان للدائن الرجوع بنفس الدين وإنما كان يرجع بالضمان . وعند زفر ، لا ينتقل الدين ولا المطالبة إلي ذمة المحال عليه ، بل تضم ذمة المحال عليه إلي ذمة المدين في المطالبة ، فيكون المحال عليه كفيلا للمدين .

ثم إن الدائن إذا طالب المحال عليه بالوفاء ، وجب هنا أن نميز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة . ففي الحوالة المطلقة ، إذا دفع المحال عليه الدين للدائن ، فإن لا يرجع علي المدين إلا إذا كانت الحوالة بأمره كما قدمنا ، ويرجع بالدين نفسه لا بما أدي . وهذا يدل إما علي أن الدين لا يزال باقيا في ذمة المدين كما يقول محمد ، فيرجع المحال عليه به . وإما علي أن الدين قد انتقل مع المطالبة إلي المحال عليه كما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ، فأداه المحال عليه وحل محل الدائن فيه ، فيرجع به علي المدين . وإما علي أن الدين والمطالبة لم ينتقلا عن المدين كما يقو زفر ، ولهذا يرجع المحال عليه بنفس الدين ، كما يرجع الكفيل في الكفالة بما كفل لا بما أدي . أما إذا توي الدين عند المحال عليه - بأن مات هذا مفلسا أو أفلس وهو حي أو جحد الحوالة ولم تكن هناك بينه - فإن الدائن يرجع علي المدين بنفس الدين (  ) . كما سبق القول . وفي الحوالة المقيدة يخصص $ 424 $ الحق الذي للمدين في ذمة المحال عليه لوفاء الدين المحال به (  ) ، دون أن ينتقل هذا الحق للدائن ، بل دون أن يكون رهنا عنده لسببين : ( 1 ) إذا أفلس المدين قبل أن يؤدي المحال عليه الدين للدائن ، فليس الدائن أحق من سائر غرماء المدين بالدين الذي خصص له وقيدت به الحوالة . وعند زفر الدائن أحق من سائر الغرماء ، لأن الدين صار له بالحوالة رهنا (  ) . ( 2 ) ولو توي هذا الدين $ 425 $ عند المحال عليه (  ) ، توي علي المدين لا علي الدائن ، ولا يسقط في مقابلته شيء من الدين المحال به (  ) . وهذان السببان يبينان أن الدين الذي تقيدت به الحوالة لا ينتقل إلي الدائن ولا يكون رهنا عنده .

هذه هي جملة أحكام حوالة الدين - المطلقة والمقيدة - في المذهب الحنفي ، أوجزناها متوخين إبراز المقومات الرئيسية لهذه الحوالة في هذا المذهب . ويبقي أن نضيف إلي ما قدمناها أن التأمينات التي كانت تكفل الدين المحال به وهو في ذمة المدين قبل الحوالة تنقضي بالحوالة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ولا تنتقل لتكفل الدين في ذمة المحال عليه (  ) . وننظر بعد ذلك في تأصيل حوالة الدين في $ 426 $ المذهب الحنفي ، أيفي التكييف القانوني الذي يساير المقومات الرئيسة السالفة الذكر . ونبادر إلي القول إن هذا التكييف لا يختلف باختلاف ما إذا كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة . وسنراه في المذاهب الثلاثة الأخري يختلف في الحوالة المطلقة عنه في الحوالة المقيدة ، وهذا يؤكد ما سبق أن قررناه من أن التمييز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة قد تزيد أهميته في المذاهب الثلاثة الأخري عنها في المذهب الحنفي . وإنما يختلف التكييف في المذهب الحنفي باختلاف ما اعتبر انتقاله بالحوالة إلي المحال عليه ، هل هو الدين والمطالبة معا ، أو المطالبة وحدها ، أو أن المحال عليه لم ينتقل إليه بالحوالة لا الدين ولا المطالبة :

  • أما عند زفر ، حيث لا ينتقل الدين ولا المطالبة من ذمة المدين إلي ذمة $ 427 $ المحال عليه ، بل تضم ذمة المحال عليه إلي ذمة المدين في المطالبة ، فالأمر واضح ، ولا تعدو حوالة الدين أن تكون كفالة محضة كما قدمنا . فإذا حول المدين دينه حوالة مطلقة ، كان معني هذا عند زفر أنه اتخذ من المحال عليه كفيلا عاديا له ، وبقيت ذمته هو مشغولة بالدين كما كانت . ويكون للدائن أن يرجع إما علي المحال عليه وإما علي المدين كما يشاء ، شأنه في ذلك شأن الدائن في الكفالة يرجع إما علي الكفيل وإما علي المدين . وإذا كانت الحوالة مقيدة ، بقي المحال عليه عند زفر كفيلا للمدين ، وأضيف إلي ذلك أن الدين الذي تقيدت به الحوالة يصبح مرهونا في الدين المحال به ، فيكون المدين قد قدم للدائن ضمانين " كفيلا ورهنا .
  • وأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، حيث تنتقل المطالبة والدين من ذمة المدين إلي ذمة المحال عليه ، فهذا قول ينبغي ألا يؤخذ علي علاته . والصحيح أن الدين الأصلي قد انقضي ، ومما يقطع في انقضائه انقضاء التأمينات التي كانت تكلفة . وحل محل الدين الأصلي دين جديد في ذمة المحال عليه ، لا تنتقل إليه تأمينات الدين الأصلي كما قدمنا . وتكون حوالة الدين ، مطلقة كانت أو مقيدة ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ليست إلا تجديداً بتغيير المدين فقد استبدل المحال عليه بالمدين الأصلي (  ) . فإذا توي الدين عند المحال عليه ، فسخ التجديد ، وعاد الدين إلي ذمة المدين الأصلي (  ) .
  • أما عند محمد ، حيث لا ينتقل الدين إلي ذمة المحال عليه وإنما تنتقل المطالبة وحدها ، وحيث لا تنقضي التأمينات بل تبقي علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين (  ) ، فإن حوالة الدين ، مطلقة كانت أو مقيدة ، أقرب إلي $ 428 $ أن تكون كفالة محورة ، ووجه التحوير فيها أن الدائن يرجع علي المحال عليه ( الكفيل ) أولا ، لأن المطالبة انتقلت إليه ولم تبق عند المدين . فإن توي الدين عند المحال عليه ، يرجع الدائن علي المدين الأصلي ، إذ تعود المطالبة بالتوي إلي المدين لتنضم إلي الدين كما كانت . أما في الكفالة العادية فالدائن بالخيار إن شاء طالب المدين الأصلي أولا وإن شاء طالب الكفيل (  ) ، لأن المطالبة بقيت عند المدين وإنما ضمت فيها إلي ذمته ذمة الكفيل (  ) .

 ( ب ) وننتقل الآن ، في حوالة الدين ، إلي المذاهب الثلاثة الأخري ، المالكية والشافعية الحنابلة . وهنا يجب أن نميز ، منذ البداية ، بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة . وهذا تمييز جوهري لا تصرح به نصوص هذه المذاهب ، ويرجع ذلك في الغالي إلي أن الفرق بين هاتين الحوالتين كبير إلي حد أن إحداهما – وهي الحوالة المطلقة - ليست بحوالة أصلا كما سنري ، فلا تستحق هذه التسمية حتى لا تكون نوعا ثانياً إلي جانب الحوالة المقيدة . وهذا يعود بنا مرة أخري إلي تأكيد أهمية هذا التمييز في المذاهب الثلاثة .

ففي الحوالة المقيدة – أو الحوالة إطلاقا لأن الحوالة المطلقة لا تدعي في العادة حوالة في المذاهب الثلاثة – يشترط أن يكون للمدين دين في ذمة المحال عليه معادل في الجنس ومساو في المقدار للدين المحال به ، فيوفي المدين الدين الذي في ذمته للدائن بالدين الذي له في ذمة المحال عليه . ومن ثم وجب أن يكون الدين المحال به والدين الذي تقيدت به الحوالة متساويين ، كما قدمنا ، في الصفة $ 429 $ والمقدار (  ) ، فإن اختلفا في شيء من ذلك لم تصح الحوالة (  ) . ويشترط لانعقاد الحوالة المقيدة في المذاهب الثلاثة رضاء كل من الدائن والمدين ، أما رضاء المحال عليه فلا يشترط علي الأرجح ، لأن الدائن يستوفي الدين منه كما كان يستوفيه المدين فلا يتضرر المحال عليه بذلك . بل إن رضاء الدائن عند الحنابلة لا يشترط هو أيضا إذا كان المحال عليه مليئا ، فيكفي إذن عندهم في هذه الحالة إرادة المدين المنفردة . ومتي تمت الحوالة علي هذا النحو ، برئت ذمة المدين نحو الدائن ، وبرئت ذمة المحال عليه نحو المدين ، وصار المحال عليه مدينا للدائن . ولا تنتقل تأمينات الدين المحال به بل تنقضي (  ) ، مما يقطع $ 430 $ في أن هذا الدين قد انقضي ، فليس هو الذي قام في ذمة المحال عليه للدائن . كذلك لا ينتقل إلي الدائن الحق الذي كان للمدين في ذمة المحال عليه للأسباب الآتية : ( 1 ) لا تنتقل أيضا تأمينات هذا الحق لتكفل الحق الذي قام للدائن في ذمة المحال عليه (  ) . ( 2 ) لو كان حق المدين في ذمة المحال عليه قد انتقل إلي الدائن ، فقد كان ينبغي أن يكون للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع التي كان يدفع بها مطالبة المدين دون الدفوع المستمدة من علاقة المديونية ما بين المدين والدائن ، ولكن في بعض النصوص ما يصرح بعكس ذلك (  ) . ( 3 ) ولو كان هذا الحق $ 431 $ قد انتقل إلي الدائن ، وكان المحال عليه معسراً وقت الحوالة أو أعسر بعد ذلك ، فقد كان ينبغي أن يرجع الدائن علي المدين بالضمان ، ولكن الظاهر من النصوص أن المدين لا يضمن إعسار المحال عليه (  ) . ( 4 ) ولو كان مقدراً لهذا الحق أن ينتقل إلي الدائن ، ولكن لم يتمكن المدين من نقله ، كأن كان الحق ثمنا لمبيع استحق أو كان وديعة فهلكت ، فقد كان ينبغي أن يعتبر الدائن غير مستوف لدينه أو أن الحق لم ينتقل إليه ، فيبقي للدائن دينه في ذمة المدين ، ولكن هذا الحكم لا يظهر في وضوح من النصوص .

ويستوقف النظر علي كل حال أن الحوالة ، في المذاهب الثلاثة ، لا تكون إلا حيث يكون المدين دائنا في الوقت ذاته للمحال عليه بجنس ما عليه وبمقداره (  ) . $ 432 $ أليس من البديهي أن يقال في هذه الحالة إن المدين إنما يوفي ، عن طريق ما يسمي بالحوالة ، الدين الذي عليه للدائن بالحق الذي له في ذمة المحال عليه ، ثم يوفي بهذا الحق الذي استوفاه الدين الذي عليه للدائن ، يختصر هاتين العمليتين في عملية واحدة ، فيقضي الدين الذي عليه بالحق الذي له ، دون أن يستوفي شيئا من مدينة أو يوفي شيئا لدائنه ، بل يقتصر علي أن يحيل دائنه علي مدينة هذا هو الظاهر الواضح . ولكن علي أي أساس أجري المدين كل ذلك؟ لا نري أن المدين حول علي مدينة الدين الذي في ذمته للدائن ، لأن تأمينات هذا الدين لا تنتقل بل تنقضي كما قدمنا . وإنما هو وفي لدائنه ما عليه من الدين من طريق التجديد بتغيير المدين ، فانقضي الدين الأصلي ، وحل محله دين جديد استبدل فيه بنفسه المحال عليه ، ومن ثم لم تنتقل التأمينات إلي هذا الدين الجديد . ولا نري أن المدين حول لدائنه الحق الذي له في ذمة المحال عليه ، لأن تأمينات هذا الحق لا تنتقل بل تنقضي كما قدمنا ، وهذا إلي الأسباب الأخري التي سبق ذكرها والتي تدعو إلي القول بأن هذا الحق لم ينتقل . وإنما هو استوفي من المحال عليه حقه هذا عن طريق التجديد بتغيير الدائن ، فانقضي الحق الأصلي ، وحل محله حق جديد استبدل فيه بنفسه الدائن ، ومن ثم لم تنتقل التأمينات إلي هذا الحق الجديد . فهو باعتباره مدينا قد استبدل بنفسه مدينة ، وهو باعتباره دائنا قد استبدل بنفسه دائنه . وخرج علي هذا النحو عن المديونية والدائنية ، فأسقط كلا من الدين والحق . وأنشأ التزاما جديداً ، إذ وضع مدينة مكانه تجاه دائنه ، كما وضع دائنه مكانه تجاه مدينه ، واستطاع بهذا أن يصل بين مدينه ودائنه ، فيجعل الأول هو المدين للثاني في هذا الالتزام الجديد (  ) . $ 433 $ فالحوالة المقيدة في المذاهب الثلاثة هي إذن ، في نظرنا ، وفاء دين بحق ، عن طريق إسقاط كل من الدين والحق ، وإنشاء التزام جديد يستوفي به المدين الحق وبقي بالدين . فتنتهي إلي تجديد بتغيير الدائن بالنسبة إلي استيفاء الحق ، وإلي تجديد بتغيير المدين بالنسبة إلي الوفاء بالدين .

أما ما يمكن أن نسميه بالحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة ، حيث لا يكون للمدين دين في ذمة المحال عليه ، فهذه ليست حوالة أصلا ، حتي بالاسم ، فقد رأينا ان المذاهب الثلاثة لا تسميها حوالة . فإذا حول المدين دائنه علي أجنبي غير مدين له ، فهو إنما يجعل من هذا الأجنبي كفيلا له . فالحوالة هنا كفالة محضة لا تحوير فيها ، أو هي حمالة كما تقول المالكية (  ) . ولابد من رضاء الدائن والمدين والمحال عليه جميعا بهذا الحوالة . فإذا انعقدت ، اعتبر المحال عليه كفيلا للمدين ، وكان الدائن بالخيار إن شاء طالب المدين وإن شاء طالب المحال عليه ، ولا يتعين أن يطالب المحال عليه أولا كما يتعين ذلك في المذهب الحنفي فيما دعوناه بالكفالة المحورة (  ) .

 حوالة الحق : رأينا في حوالة الدين أن المذهب الحنفي يتميز عن المذاهب الثلاثة الأخري . أما هنا ، في حوالة الحق ، فالمذهب المالكي هو الذي يتميز عن المذاهب الثلاثة الأخري ، الحنفية والشافعية والحنابلة .

  • فنبدأ بالمذهب المالكي : والظاهر أن هذا المذهب يقر حوالة الحق فيما يسمييه بهبة الدين وببيع الدين . ويشترط لانعقاد هبه الدين من غير المدين - وهي حوالة حق عن طريق التبرع ما يشترط لانعقاد الهبة بوجه عام . فيشترط إذن القبض ، ويتم بالإشهاد أو بتسليم سند الدين أو " ذكر الحق " كما يقول مالك (  ) . ويشترط لانعقاد بيع الدين من غير المدين - وهو حوالة حق عن طريق المعاوضة - ما يشترط لانعقاد البيع بوجه عام . ويشترط إلي جانب ذلك شروط أخري . منها إقرار من عليه الدين بحق الدائن ، فلا يجوز بيع حق متنازع فيه . ومنها التعجيل بالثمن ، وأن يكون الدين المبيع غير طعام ، وأن يكون الثمن من غير جنس المبيع ، وأن يقع البيع لغير خصم المدين حتي لا يكون في البيع إعنات للمدين بتمكين خصمه منه (  ) . ولا تنتقل التأمينات التي كانت $ 435 $ للحق من رهن أو كفالة ، إلا بالشرط وبإقرار الكفيل بالكفالة وإن كان لا يشترط رضاؤه بالحوالة (  ) .
  • وننتقل الآن ، في حوالة الحق ، إلي المذاهب الثلاثة الأخري ، الحنفية والشافعية والحنابلة . فهذه المذاهب جميعا لا تقر حوالة الحق ، ولا تجيز بيع الدين $ 436 $ إلا ممن عليه الدين ، لأن الدين غير مقدور التسليم إلا للمدين نفسه (  ) . علي أن في المذهب الحنفي تحقق كثيرا من الأغراض التي يراد الوصول إليها من وراء حوالة الحق (  ) .

ويخلص من كل ذلك أن الفقه الإسلامي لم يقر حوالة الدين بالمعني المفهوم في الفقه الغربي في أي مذهب من مذاهبه . وقد أقر حوالة الحق بشروط معينة في أحد مذاهبه ، وهو مذهب مالك ، دون المذاهب الأخري . فلم يكن الفقه الإسلامي إذن بدعا في تطوره كما قدمنا ، ولم يقر حوالة الدين دون أن يقر حوالة الحق ، بل هو قد سار علي السنن المألوفة في التطور ، إذ بدأ بإقرار حوالة الحق بسبب الموت ، ثم بإقرار هذه الحوالة بين الأحياء ولكن في مذهب واحد من مذاهب . ثم وقف تطوره عند ذلك ، فلم يقر حوالة الحق بين الأحياء في المذاهب الأخري ، ولم يقر حوالة الدين أصلا لا بسبب الموت ولا بين الأحياء

ويذهب الأستاذ شفيق شحاته إلي أن الالتزام لا ينتقل ، في الواقع من الأمر ، من دائن إلي دائن أو من مدين إلي مدين ، بل الدائن أو المدين يستخلف شخصا آخر - دائنا أو مدينا - علي الالتزام . فهو يميز ، من ناحية التعبير ، ما بين انتقال الالتزام والاستخلاف عليه ، ففي الحالة الأولي ينتقل الالتزام إلي شخص جديد ، أما في الحالة الثانية فلا ينتقل الالتزام بل يستخلف شخص عليه شخصا آخر . ويقول في هذا المعني ما يأتي : " والواقع ان الذي وصلت إليه التشريعات الحديثة بعد تطور طويل هو إباحة الاستخلاف ما بين الأحياء في الحق الواحد ، كما يحدث تماما عند وفاة الشخص بالنسبة إلي مجموعة حقوقه . فالدائن الجديد يخلف الدائن القديم ، وكذلك المدين الجديد يخلف المدين القديم ، في الحق الشخصي . فلا ينشأ حق جديد ، ولا ينتقل الحق القديم إلي شخص جديد ، بل أن شخصا يحل محل آخر في نفس الحق ، من طريق ما يسمي خطأ في القوانين الوضعية بالحوالة " ( الأستاذ شفيق شحاته : حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 7 ) وقد يقتضي كل هذه الدقة ، فلا يقال إن الالتزام انتقل من شخص قديم إلي شخص جديد ، بل إن شخصا قديما استخلف عليه شخصا جديداً . ويوزان سالي بين العبارتين ، فيري العبارة الثانية أدق ، إذ يقول : " ان استبدال شخص بآخر ، فيما يتعلق بالالتزام ، هو الذي يعدل انتقال الالتزام . ولكن لفظ الاستخلاف أدق من لفظ الانتقال . فما دام الالتزام لصيقا بالشخص ، فنقله لا يعني إلا أن شخصا جديداً أصبحا هو صاحب الالتزام وخلف عليه من نقله . بل إن التعبير الصحيح ، ليس أن يقال أن شخصا قد استخلف علي حق الغير ، بل أن يقال إن شخصا خلف شخصا آخر فيما يتعلق بهذا الحق " ( سالي : بحث في النظرية العامة للالتزام في القانون الألماني فقرة 74 ص 64 ) . ومهما يكن من أمر ، فما لا شك فيه أن عندما يقال ان الالتزام انتقل من شخص إلي شخص آخر ، يكون المقصود دائما أن هذا الشخص الآخر قد خلف الشخص الأول علي هذا الالتزام . فالانتقال هنا معناه الاستخلاف ، واستعمال لفظ الانتقال أيسر من الناحية العلمية . علي أن الأستاذ شفيق شحاته أجاز في مكان آخر أن يقال " إن الحق وقد كان محله الشيء انتقل إلي شخص آخر وبقي محله نفس هذا الشيء " ( النظرية العامة للحق العيني ص 114 و ص115 وهامش رقم 1 في ص 115 ) . ويعترض الأساتذة بلانيول وريبير وبولانجية علي التمسك بهذا القدر من الدقة ، ويذهبون إلي أن الحق ، وبخاصة حق المليكة والحق الشخصي من ناحيته الإيجابية ، ينتقل فعلا من شخص إلي آخر ( بلانيول وريبير وبولانجيه 1 فقرة 2859 ) .

 

هذا التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة مذكور في نصوص المذهب الحنفي دون نصوص المذاهب الأخري . ولكنه تفريق جوهري لتفهم الحوالة في الفقه الإسلامي في المذاهب جميعا لا في المذهب الحنفي وحده ، كما سنري .       

 وفي المذهب الحنفي لا تكون الحوالة مقيدة إلا إذا قيد المدين الحوالة بالدين الذي له في ذمة المحال عليه ، فإذا كان للمدين دين في ذمة المحال عليه ولم يقيد به الحوالة ، فإن الحوالة تكون مطلقة بالرغم من مديونية المحال عليه للمدين .

 أما إذا اتفق المدين مع المحال عليه علي الحوالة ، فان هذا لا يكفي ، بل لابد أيضا من قبول الدائن ، ولا تنعقد الحوالة إلا من وقت هذا القبول دون أثررجعي . ويشترط أيضا لانعقاد الحوالة بلوغ المحال عليه ، لأنه يعتبر في مقام المتبرع . أما المدين والدائن فيكفي فيهما التمييز لانعقاد الحوالة ، ويشترط لنفاذها الإجازة ، فإذا كان المميز هو الدائن اشترط في الإجازة أن يكون المحال عليه أكثر ملاءة من المدين .

ويعتمد المذهب الحنفي - ومعه سائر المذاهب - في مشروعية الحوالة علي حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : مطل الغني ظلم ، وإذا اتبع أحدكم علي ملي فليتبع .  

ويرجع بنفس الدين لا بالضمان ، وسنري أن هذا يمكن حمله علي أن الحوالة تفسخ إذا توي الدين . ولكن قد يؤخذ هذا دليلا علي صحة قول محمد من أن الدين لا ينتقل بالحوالة ، بل يبقي في ذمة المدين ، وتعود المطالبة بالتوي فتجتمع مع الدين ، ومن ثم يرجع الدائن بنفس الدين علي المدين ، وقد سبقت الإشارة إلي ذلك .        

 ونصوص المذهب الحنفي لا تشترط التساوي ما بين الدين المحال به والدين المحال عليه ، أما نصوص المذاهب الثلاثة الأخري فتصرح بوجب هذا التساوي كما سنري .

وفي الحوالة المقيدة في الفقه الحنفي يخصص الدين المحال عليه للوفاء بالدين المحال به كما يخصص مقابل الوفاء ( Provision ) لدفع قيمة الكمبيالة . وقد عرف الفقه الإسلامي الكمبيالة فعلا ، وسماها " السفتجة " ، وبني أحكامها علي أساس الحوالة .

وقد أخذت " المجلة " بقول زفر في هذه المسألة ، إذا نصت المادة 692 منها علي ما يأتي : " ينقطع حق مطالبة المحيل بالمحال به في الحوالة المقيدة ، وليس للمحال عليه أن يعطي المحال به للمحيل فان أعطاه ضمن ، وبعد الضمان يرجع علي المحيل . ولو توفي المحيل قبل الأداء وكانت ديونه أزيد من تركته ، فليس لسائر الغرماء حق في المحال به " . ويقول الأستاذ سليم باز تعليقا علي هذا النص ما يأتي : " التعبير بالمحال به . . غير مصيب ، إذ المقصود هنا ما في يد المحال عليه أو في ذمته من العين والدين كما هو ظاهر . أما أن المحال له أحق من سائر الغرماء في ذلك ، فلم يظهر لي وجهه ، مع أن عامة كتب المذهب قد صرحت بأن المحال له أسوة للغرماء ، لأن العين التي للمحيل في يد المحال عليه والدين الذي له في ذمته لم يصر مملوكا للمحتال بعقد الحوالة ، لا يدا وهو ظاهر ، ولا رقبة لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل ، فيكون بين الغرماء بالأسوة . أما المرتهن فملك المرهون يدا وحبسا ، فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره ، فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه ( درر ) . أما لو كانت الحوالة مطلقة ، فالمحتال أسوة الغرماء عند الكل ( رد مختار ) . والظاهر أن جمعية المجلة لم تخالفهم إلا في الحوالة المقيدة فقط ، ولعلها أخذت بقول زفر ، فمان المحتال عنده أحق من سائر الغرماء ، لأن الدين صار له بالحوالة كالمرتهن بالرهن بعد موت الراهن ( مجمع الأنهر ) ، ( شرح المجلة للأستاذ سليم باز م 692 ص 379 ) . ولو أخذنا برأي زفر ، يكون الدين المحال عليه وهنا في الدين المحال به كما رأينا ، فلا تنتقل ملكية الدين المحال عليه إلي الدائن كما تنتقل في حوالة الحق بالمعني المفهوم في القوانين الغربية . ومن ثم لا تكون الحوالة في رأي زفر ، حتي بالنسبة إلي الدين المحال عليه ، حوالة حق ( انظر الأستاذ مصطفي الزرقا في الحقوق المدنية جزي 2 ص 30 في الهامش - الأستاذ أميل تيان في مقال له بمجلة كلية الحقوق ببيروت في حوالة الدين وحوالة الحق في الفقه الإسلامي علما وعملا - وقارن الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 58 هامش رقم 3 ) .

  أو لم يستوف الدائن الدين لأي سبب آخر ، كأن كان ثمن مبيع فاستحق أو كان وديعة فهلكت . ولكن الحوالة تبطل في هذه الحالة ، لأن الدين الذي قيدت به يعتبر سببا لها ، وقد انعدام فانعدمت .  

 ولو كان الدين الذي قيدت به الحوالة رهنا عند الدائن ، وتوي عند المحال عليه ، ليقسط الدين المحال به بقدر ما توي من الرهن ، لأن المرهون إذا هلك سقط من الدين ما يقابله .        

  أما عند محمد فتبقي التأمينات علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين ، وقد قدمنا أن الحوالة عند محمد لا تنقل الدين وإنما تنقل المطالبة وحدها . وجاء في فتح الغدير : " فعند أبي يوسف ينتقل الدين والمطالبة ، وعند محمد تنتقل المطالبة لا الدين . قال وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألتين : إحداهما أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين ، فله أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبراه عنه ، وعند محمد لا يسترده كما لو أجل الدين بعد الرهن . . " ( فتح القدير جزء 5 ص 446 ) . وجاء في البحر الرائق : " لو أحال المشتري البائع بالثمن علي رجل ، لم يملك ( البائع ) حبس المبيع . وكذا لو أحال الراهن المرتهن ، لا يحبس ( المرتهن ) الرهن . ولو أحال الزوج المرأة بصداقها ، لم تحبس نفسها " ( البحر الرائق 6 ص 268 وما بعدها ) . وجاء في الزيلعي : " ثم اختلفوا في البراءة ، فقال أبو يوسف يبرأ عن الدين والمطالبة ، وقال محمد يبرأ عن المطالبة فقط ولا يبرأ عن الدين . وثمرة الخلاف تظهر في موضعين : أحدهما . . . والثاني أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين علي إنسان ، كان للراهن أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبراه عن الدين ، وعند محمد ليس له ذلك كما لو أجل الدين " ( الزيلعي 4 ص171 ) .

وكما أن التأمينات لا تنتقل لتكفل الدين في ذمة المحال عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، كذلك نحسب أن الدفوع أيضا لا تنتقل . فليس للمحال عليه أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع التي كان المدين يتمسك بها ضد الدائن ، بل ولا يجوز للمحال عليه أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع المستمدة من علاقته هو بالمدين ، وهذا ما لم تكن الحوالة مقيدة وسقط الدين الذي تقيدت به أو هلكت الوديعة علي النحو الذي قدمناه . فيعتبر التزام المحال عليه نحو الدائن التزاما مجرداً ، فلا يتأثر لا بالعلاقة القائمة بين المدين والدائن ولا بالعلاقة القائمة بينه وبين المدين ، وإنما هي علاقة جديدة قامت بينه وبين الدائن مستقلة عن العلاقتين السالفتي الذكر . صحيح أن الدين الذي يقوم في ذمة المحال عليه للدائن يشارك الدين كان في ذمة المدن للدائن في صفته من حيث الحلول والتأجيل ، وقد جاء في المادة 896 من مرشد الحيران : " يتحول الدين علي المحتال عليه بصفته التي علي المحل . فإن كان الدين علي المحيل حالا ، تكون الحوالة به علي المحتال عليه حاله ، ويدفع المحتال عليه الدين المحال به معجلا . وإن كان الدين علي المحيل مؤجلا ، تكون الحوالة به علي المحتال عليه مؤجله ، ولا يلزم بالدفع إلا عند حلول الأجل . فلو مات المحيل بقي الأجل ، وإن مات المحتال عليه صار الدين حالا ويؤدي من التركة إن كان بها ما يفي بأدائه ، وإلا رجع المحتال بالدين أو بما بقي له منه علي المحيل ليؤديه عند حلول الأجل " . ولكن هذا لا يفيد أن المحال عليه يتمسك بالدفوع التي كان يتمسك بها المدين . للمحال عليه طبعا أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة ذاته إذ هو طرف فيه ، فإذا كان هذا العقد باطلا جاز له أن يتمسك ببطلانه . وله أيضا أن يتمسك بالدفوع التي يستمدها من علاقته هو بالدائن ، فله أن يتمسك ببطلانه . وله أيضا أن يتمسك بالدفوع التي يستمدها من علاقته هو بالدائن ، فله أن يتمسك باتحاد ذمته مع الدائن ، وأن يتمسك بالمقاصة بينه وبين الدائن . أما أن يتمسك بالمقاصة بين الدائن والمدين ، فإن جاز له ذلك فإنما يحمل علي أنه يتمسك بدفع مستمد من عقد الحوالة . ذلك أنه إذا كان الدين المحال به قد انقضي بالمقاصة بين الدائن والمدين قبل الحوالة ، فالحوالة باطلة ، لأن من شروط انعقادها أن يكون هناك دين قائم في ذمة المدين للدائن ، فتمسك المحال عليه بالمقاصة في هذه الحالة إنما هو تمسك ببطلان الحوالة ( قارن الدكتور صبحي المحمصاني في النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية 2 ص 355 – انتقال الالتزام في القانون اللبناني ص 58 ) .         

 وفي الحوالة المقيدة تبرأ ذمة المحال عليه نحو المدين بقدر ما أدي من الدين للدائن .      

  ذلك أن المدين يضمن للدائن يسار المحال عليه ، بحيث تنفسخ الحوالة إذا توي الدين عنده . وهذا بخلاف المذاهب الثلاثة الأخري ، فسنري أن المدين لا يضمن يسار المحال عليه ، إلا في مذهب مالك حيث يعتبر المدين قد غر الدائن إذا كان المحال عليه مفلسا وقت الحوالة دون أن يعلم الدائن ذلك ويعلمه المدين . 

 وقد قدما أن التأمينات ، عند محمد ، تبقي علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين ، خلافا لأبي حنيفة ولأبي يوسف : فتح القدير 5 ص 446 – الزيلعي 4 ص 171 – ويقضي المنطق ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، بأن تعود التأمينات إذا فسخت الحوالة بالتوي وعاد الدين إلي ذمة المدين الأصلي ، ولكن لا يوجد في نصوص المذهب الحنفي نص صريح في هذا المعني .     

 بل إن الدائن في الكفالة العادية يغلب أن يرجع أولا علي الكفيل ، لأنه يختار عادة لكفالة الدين من هو أكثر ملاءة من المدين الأصلي ، فيكون الرجوع علي الكفيل أيسر من الرجوع علي المدين . وهذا الذي يقع فعلا في الكفالة العادية يقع قانوناً في حوالة الدين . فالذي تتميز به حوالة الدين إذن هو أن المدين في الحوالة يأمن رجوع الدائن عليه قبل رجوعه علي الكفيل ، فالحوالة من هذا الوجه أقرب إلي أن تكون ضمانا للمدين منها ضمانا للدائن .      

  أو لعل حوالة الدين ، عند محمد ، هي ضرب من الأنابة القاصرة ( delegation imparfaite ) ، ينيب فيها المدين المحال عليه في الوفاء بالدين عن طريق نقل المطالبة إليه ، فيرجع الدائن ( المناب ) هنا أيضا علي المحال عليه ( المناب لديه ) أولا ، فإن توي الدين عنده رجع علي المدين ( المنيب ) .ويستوي في ذلك أن تكون الحوالة مطلقة أو مقيدة .    

 وهذا لا يمنع من أن يكون ما علي المدين للدائن أكثر أو أقل مما علي المحال عليه للمدين . فان كان أكثر ، جازت حوالة جزء منه يعادل في المقدار ما علي المحال عليه للمدين ، وإن كان أقل ، جازت حوالته علي جزء مما علي المحال عليه للمدين معادل له في المقدار . جاء في الشرح الصغير للدردير ( جزء 2 ص 143 ) : " وشرط لصحتها . . تساوي الدينين ، المحال به وعليه ، قدراً وصفة . فلا تصح حوالة بعشرة علي أكثر منها ولا أقل ، ولا بعشرة محمدية علي عشرة يزيدية ولا عكسه ، فليس المراد بالتساوي أن يكون ما علي المحيل مثل ما علي المحال عليه قدراً وصفة ، لأنه يجوز أن يحيل بعشرة علي عشرة من عشرين لي غريمة ، وأن يحيل بخمسة من عشرة علي خمسة علي غريمة " .      

 وتصرح المالكية بأن الحوالة ، في حالة تساوي الدينين ، هي " إحالة " الدين ، وليست بيع الدين بالدين . قال ابن جزي : " والشرط الثاني أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار ، فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر ، أو أدني أو أعلي ، لأنه يخرج عن الأحالة إلي البيع ، فيدخله الدين بالدين " ( القوانين الفقهية ص 327 ) .أما عند الشافعية فالحوالة هي بيع دين بدين . جاء في المهذب : " لا تجوز الحوالة إلا علي دين يجوز بيعه . . لأن الحوالة بيع في الحقيقة ، لأن المحتال يبيع ماله في ذمة المحيل بما له في ذمة المحال عليه ، والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين ، فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه " ( المهذب جزء أول ص 337 ) .        

جاء في أسني المطالب شرح روض الطالب ( جزء 3 ص 232 ) : " لا يعتبر اتفاقهما في الرهن ولا الضمان ، بل لو أحاله بدين أو عي دين به رهن أو ضامن ، انفك الرهن وبريء الضامن ، لأن الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق . ويفارق المحتال الوارث في نظيره من ذلك ، لأن الوارث خليفة مورثه فيما ثبت له من الحقوق " . وجاء في حاشية الشرقاوي علي شرح التحرير ( جزء 2 ص 26 ) . " فلو كان في أحد الدينين توثق برهن أو ضامن ، لم يؤثر ولم ينتقل الدين بصفة التوثق . بل يسقط التوثق ، لأحد الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق " وجاء في نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج ( جزء 3 ص394 ) : " إن أطلق الحوالة ولم يتعرض لتعلق حقه بالرهن ، فينبغي أن تصح وجها واحدا وينفك الرهن ، كما إذا كان له به ضامن فأحال عليه به من له دين لا ضامن به صحت الحوالة وبردي الضامن ، لأنها معارضة أو استيفاء وكل منهما ينقضي براءة الأصيل فكذلك يقتضي فك الرهن . فان شرط بقاء الرهن ، فهو شرط فاسد تبطل به الحوالة إن قارنها " .  

 جاء في الغرر البهية شرح البهجة الوردية ( جزء 3 ص 144 وما بعدها ) : " لو أحاله علي دين به رهن أو ضامن ، انفك الرهن وبريء الضامن ، لأن الحوالة كالقبض " . انظر ايضا ما قدمناه من النصوص : أسني المطالب شرح روض الطالب جزء 3 ص 232 - حاشية الشرقاوي علي شرح التحرير جزء 2 ص 26 - نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج جزء 3 ص 394 .

 أما أنه ليس للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع التي كان يدفع بها مطالبة المدين ما لم يكن الدين الذي في ذمته للمدين غير موجود أصلا ، فقد جاء في المهذب ( جزء أول ص 338 ص339 ) : " وإن أحال البائع رجلا علي المشتري بالألف ، ثم رد المشتري المبيع بعيب ، لم تبطل الحوالة وجها واحدا ، لأنه تعلق بالحوالة حق غير المتعاقدين وهو الأجنبي المحتال فيم يجز إبطاها . وإن أحال البائع علي المشتري رجلا بألف ، ثم اتفقا علي أن البعد كان حرا ، فإن كذبهما المحتال لم تبطل الحوالة . . فان أقاما علي ذلك بينة لم تسمع ، لأنهما كذبا البينة بدخولهما في البيع . وإن صدفهما المحتال بطلت الحوالة ، لأنه ثبتت الحرية وسقط الثمن فبطلت الحوالة " - وهناك خلاف فيما إذا كان يجوز للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع المستمدة من علاقة المديونية ما بين الدائن والمدين ، فقد جاء في المهذب : " وإذا اشتري رجل من رجل شيئا بألف وأحال المشتري البائع علي رجل بالألف ، ثم وجد بالمبيع عيبا فرده ، فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو علي الطبري لا تبطل الحوالة فيطالب البائع المحال عليه بالمال ، ويرجع المشتري علي البائع بالثمن ، لأنه تصرف في أحد عوضي البيع فلا يبطل بالرد بالعيب ، كما لو اشتري عبداً بثوب وقبضه وباعه ثم وجد البائع بالثوب عيبا فرده . وقال أبو اسحق تبطل الحوالة . . فلا يجوز للبائع مطالبة المحال عليه ، لأن الحوالة وقعت بالثمن ، فإذا فسخ البيع خرج المحال به عن أن يكون ثمنا ، فإذا خرج عن أن يكون ثمنا ولم يتعلق به حق غيرهما وجب أن تبطل الحوالة . . ويخالف هذا إذا اشتري عبداً وقبضه وباعه ، لأن العبد تعلق به حق غير المتبايعين وهو المشتري الثاني فلم يمكن إبطاله ، والحوالة لم يتعلق بها حق غيرهما فوجب إبطالها ( المهذب جزء أول ص 338 ) .        

 جاء في القوانين الفقهية لابن جزي : " فإذا وقعت الإحالة ، برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال ، وانتقل إلي طلب المحال عليه . ولا رجوع للمحال علي المحيل إن أفلس المحال عليه أو أنكر ، إلا أن يكون المحيل قد غر المحال لكونه يعلم فليس المحال عليه أو بطلان حقه قبله ولم يعلم المحال بذلك . وقال الشافعي لا يرجع علي المحيل ، غره أو لم يغره " ( القوانين الفقهية ص 327 ) . وجاء في المهذب : " إذا أحال بالدين ، انتقل الحق إلي المحال عليه وبرئت ذمة المحيل ، لأن الحوالة إما أن تكون تحويل حق أو بيع حق ، وأيهما كان وجب أن تبرأ من ذمة المحيل . وإن أحاله علي مليء فأفلس أو جحد الحق وحلف عليه ، ولم يرجع إلي المحيل ، لأنه انتقل حقه إلي مال يملك بيعه ، فسقط حقه من الرجوع ، كما لو أخذ بالدين سلعة ثم تلفت بعد القبض . وإن أحاله علي رجل بشرط أن مليء فبان أنه معسر ، فقد ذكر المزني أنه لا خيار له ، وأنكر أبو العباس هذا وقال له الخيار لأنه غره بالشرط فثبت له الخيار ، كما لو باعه عبدا بشرط أنه كاتب ثم بأن أنه ليس بكاتب . وقال عامة أصحابنا لا خيار له ، لأن الإعسار نقص ، فلو ثبت به الخيار لثبت من غير شرط كالعيب في المبيع ، ويخالف الكتابة فإن عدم الكتابة ليس بنقص وإنما هو عدم فضيلة ، فاختلف الأمر فيه بين أن يشرط وبين ألا يشرط " ( المهذب جزء أول ص 338 ) . وجاء في الأم للشافعي ( جزء 2 ص 203 ) : " اخبرنا الربيع بن سليمان قال اخبرنا الشافعي إملاء قال : والقول عندنا والله تعالي أعلم ما قال مالك بن أنس أن الرجل إذا أحال علي الرجل بحق له ، ثم أفلس المحال عليه أو مات ، لم يرجع       المحال علي المحيل أبداً " . وجاء في المغني : " فإذا اجتمعت شروط الحوالة وصحت ، برئت ذمة المحيل في قول عامة الفقهاء . . . إذا ثبت أن الحق انتقل . فمتي رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار ، لم يعد الحق إلي المحيل أبداً ، سواء أمكن استيفاء الحق أن تعذر لمطل أو فلس أو غير ذلك " ( المغني 5 ص58 ) .

 بل ان الفقه المالكي يشترط فوق ذلك أن يكون الدين المحال به حالا ، فإذا لم يكن حالا وجب علي الأقل أن يكون الدين المحال عليه حالا وأن يقبضه المحال قبل التفرق ، وفي هذا ما يبرز في وضوح أن الحوالة ليست إلا وفاء دين بدين . جاء في الشرح الكبير للدردير ( جزء 3 ص 226 وما بعدها ) : " شرط صحة الحوالة . . حلول الدين المحال به ، وهو الذي علي المحيل لأنه إذا لم يكن حالات أدي إلي تعمير ذمة بذمي فيؤدي إلي بيع الدين بالدين . . إلأا أن يكون المحال عليه حالا ويقبضه قبل أن يتفرقا مثل الصرف فيجوز " .  

 ومما يؤيد أن الدين الذ قام في ذمة المحال عليه للدائن ليس هو نفس الدين الذي كان في ذمة المدين للدائن بل هو نظيره أي التزام جدي معادل له ، ما جاء في كشاف القناع بحل ألفاظ أبي شجاع ( جزء 2 ص48 ) : " وتبرأ بالحوالة الصحيحة ذمة المحيل عن دين المحتال ، ويسقط دينه عن المحال عليه ، ويلزم دين محتال محالا عليه أي يصير نظيره في ذمته " .

ويخلص من كل ذلك أن حوالة الدين في الفقه الإسلامي تدخل في منطقة الوفاء بالدين لا في منطقة بيعه أو انتقاله . ويقول ابن القيم نقلا عن ابن تيمية في هذا المعني : " إن الحوالة من جنس إيفاء الحق لا من جنس البيع ، فإن صاحب الحق إذا استوفي من المدين ما له كان هذا استيفاء ، فإذا أحاله علي غيره كان قد استوفي ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل . . ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص وإن كان فيه شوب المعارضة " ( إعلام الموقعين 1 ص341 ) .     

 يؤيد ذلك النصوص الآتية : جاء في الخطاب ( جزء 5 ص 91 ) : " قال في المدونة وإذا أحالك علي من ليس قبله دين ، فليست حوالة وهي حمالة " . وجاء في الخرشي ( جزء 6 ، 17 )           : " ومن شروطها ثبوت دين للمحيل في ذمة المحال عليه ، وإلا كانت حمالة عند الجمهور " . وجاء في المهذب ( جزء أول ص 337 ) : " ولا تجوز الحوالة إلا علي من له عليه دين ، لأنابينا أن الحوالة بيع ما في الذمة بما في الذمة ، فإذا أحال علي من لا دين له عليه كان بيع معدوم فلم تصح . ومن أصحابنا من قال تصح إذا رضي المحال عليه ، لأنه تحمل دين يصح إذا كان عليه مثله فيصح وأن لم يكن عليه مثله كالضمان . فعلي هذا يطالب المحيل بتخليصه ، كما يطالب الضامن المضمون عنه بتخليصه . فإن قضاه بإذنه رجع علي المحيل . وإن قضاه بغير إذنه لم يرجع " .

 ويخلص من ذلك أن الحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة تختلف في طبيعتها عن الحوالة المقيدة ، فالأولي كفالة محضة ، والثانية تجديد بتغيير المدين وتجديد بتغيير الدائن . أما في المذاهب الحنفي ، فالحوالة المطلقة لا تختلف في طبيعتها عن الحوالة المقيدة ، كلتاهما إما تجديد بتغيير المدين إذا قلنا بانتقال المطالبة والدين جميعا ، وإما كفالة محورة إذا قلنا بانتقال المطالبة وحدها دون الدين ، وإما كفالة محضة إذا قلنا بعدم انتقال أي من الدين والمطالبة . وإنما تزيد الحوالة المقيدة علي الحوالة المطلقة ، في المذهب الحنفي ، بوجود دين في ذمة المحال عليه للمدين يخصص لوفاء الدين المحال به علي قول الأئمة الثلاثة ، أو يكون مرهونا فيه علي قول زفر .

وقد جاء في المدونة : " قلت أرايت أن وهبت لرجل دينا لي عليه كيف يكون قبضه ، قال إذا قال قد قبلت فذلك جائز له ، وهذا قبض لأن الدين عليه ، وهذا قول مالك ، وإذا قبل سقط . قلت فإن وهبت لرجل دينا علي رجل آخر ، قال مالك إذا أشهد له ، وجمع بينه وبين غريمه ، ودفع إليه ذكر الحق ، فهو قد قبض . قلت فإن لم يكن كتب عليه ذكر حق كيف يصنع ، قال إذا أشهد له وأحاله عليه فهذا قبض في قول مالك . قلت فإن كان الغريم غائبا ، فوهب لرجل ماله علي غريمه وأشهد له بذلك ودفع إليه ذكر الحق وأحاله عليه ، أيكون هذا قبضا في قول مالك ، قال نعم . قلت أرايت الدين إذا كان علي الرجل وهو بأفريقية وأنا بالفساط ، فوهبت ذلك الدين الذي لي بأفريقية لرجل معي بالفسطاط ، وأشهدت له ، وقل أتري ذلك جائزاً ، قال نعم . قلت لم أجزته في قول مالك ، قال لأن الديون هكذا تقبض ، وليس هو شيئا بعينه يقبض ، إنما هو دين علي رجل فقبضه أن يشهد له ويقبل الموهوب له الهبة " ( المدونة الكبري جزء 15 ص 126 - 127 ) .        

 وقد جاء في شرح التاودي للتحفة : " وإنما يجوز بيع الدين لغير من هو عليه ، مع حضور المدين وإقراره وإن كان عليه بينه ، لأنه قد يطعن فيها أو يدعي القاضء فيكون من شراء ما فيه خصومة وهو ممنوع علي المشهور . وأجاز ابن القاسم في سماع موسي بن معاوية شراء الدين علي الغائب . . مع تعجيل الثمن وإلا كان من بيع الدين بالدين ، وكونه ليس طعام من يبيع فإن كان الدين طعام من يبيع لم يجز لما تقدم من منع بيع طعام المعاوضة قبل قبضة . وبيعه بغير جنس مرعي : فإن بيع بجنسه لم يجز ، لأنه الشأن في الدين أن يباع بأقل فيكون سلفا بمنفعة . وسادس الشروط ألا يكون المشتري عدوا للمدين يقصد بالشراء إعناته ، وإلا رد البيع وفسخ " ( التاودي علي التحفة 2 ص47 ) .

ونري من هذا النص إنه لا يشترط لجواز بيع الدين لغير من هو عليه رضا المدين ، ولكن يجب مع ذلك توافر الشروط الآتية : ( 1 ) ألا يكون الدين حقا متنازعاً فيه ، لأن شراء ما فيه خصومة ممنوع . ( 2 ) ألا يكون الدين طعاما في ذمة المدين ، لأن بيع الطعام قبل قبضه ممنوع . ( 3 ) ألا يكون الثمن من جنس الدين ، إذ المشتري يشتري الدين المؤجل عادة بأقل من قيمته فيكون سلفا بمنفعة ويداخله الربا . ( 4 ) أن يعجل الثمن ، وإلا كان من بيع للدين بالدين وهذا غير جائز . ( 5 ) ألا يكون المشتري خصما للمدين ، وإلا كان في هذا إعنات للمدين بتسليط خصمه عليه . ( انظر في ذلك أيضا المدونة الكبري 9 ص 128 - ص130 ) . ويبدو أن بيع الدين من غير المدين في المذهب المالكي ، بالشروط المتقدمة الذكر ، أقرب إلي أن يكون وفاء مع الحلول أو وفاء للدين بمقابل صادراً من غير المدين . فالأجنبي يتقدم إلي الائن ويوفيه دينه أو يوفيه مقابلا من غير جنس الدين ، ويرجع بالدين علي المدين . ولو كان هذا بيعا لأمكن تأجيل الثمن ، فمن المسلم أن البيع يجوز تأجيل الثمن فيه ، ولأمكن الأجنبي ، بدلا من الوفاء بالدين أو بمقابل الدين في الحال ، وهذا هو التعجيل بالثمن ، أن يبقيه دينا في ذمته . ولكن المقطوع به في مذهب مالك أنه لا يجوز بيع الدين من غير المدين بثمن مؤجل .

  وقد جاء في شرح التاودي للتحفة : " وإذا بيع الدين أو وهب أو تصدق به ، وكان فيه رهن أو حميل ، لم يدخل واحد منهما إلا بالشرط ، مع حضور الحميل وإقراره بالحمالة ، وإن لم يرض بالتحمل لمن ملكه . ( تنبيه ) من بيع الدين المسألة الملقبة عند العامة بقلب الرهن ، وهي أن يكون بيد رهن في دين مؤجل ، ويحتاج إلي دينه فيبيعه بما يباع به . ويحل المشتري للدين محل بائعه في حوز الرهن ، والمنفعة إن كانت المنفعة جعلت له ، والبيع للرهن بالتفويض الذي جعل للبائع المرتهن ، وغير ذلك . ويكتب في ظهر وثيقة الدين أو في طرتها . فإن سكتا عن الرهن يدخل ، وإن اختلفا في اشتراطه حلفا وفسخ . وحيث دخل فللرهن جعله تحت يد أمين إن لم تشترط منفعته أو اشترطت والحقه ضرر ، وإلا فلا كلام له " ( التاودي علي التحفة 2 ص48 ) .         

 والحنفية تجيز بيع الدين ممن عليه الدين : إما بثمن معجل ، ويبدو أن هذا أقرب إلي أن يكون وفاء للدين بمقابل . وإما بثمن مؤجل ، ويبدو أن هذا أقرب إلي أن يكون تجديداً بتغيير محل الدين .

أما الشافعية ففي أحد قولين في مذهبهم أنه يجوز بيع الدين من غير المدين ، بشرط قبض الدين والثمن في المجلس . وهذا لا يعدو أن يكون بيعا محضا ، عجل فيه الثمن وسلم المبيع . فالبائع تقدم إلي الدائن بسلعته ، وباعها منه بثمن معادل للدين ، ووكله الدائن ( المشتري ) في قبض هذا الدين . فقبض البائع الدين من المدين ، واحتجزه ثمنا ، وسلم المبيع إلي المشتري ، وذلك كله في مجلس البيع .

وأما الحنابلة فلا يجيزون بيع الدين من غير المدين . ويجيزون بيعه من المدين بثمن معجل –وهذا وفاء بمقابل - لا بثمن مؤجل . غير أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يذهبان إلي جواز بيع الدين بالدين ولو بثمن مؤجل ( إعلام الموقعين 1 ص 340 - ص341 ) ، ولا يمنعان إلا ابتداء الدين بالدين ، أي أن يكون المبيع دينا مؤجلاً في الذمة ويكون الثمن كذلك دينا مؤجلاً في الذمة ، كبيع مقدار من القمح مؤجل التسليم في مبلغ من النقود مؤجل الدفع . وهذا يخرج عن منطقة بيع الدين بالدين .

 فيحتال علي حوالة الحق بأحد طريقين : ( 1 ) يوكل الدائن من يريد أن يحول له حقه في قبض هذا الحق من المدين ثم يهبه إياه ، وهو الطريق الذي كان القانون الروماني يلجأ إليه . ولكن يستطيع الموكل ، في هذه الحالة ، عزل الوكيل قبل قبض الدين . ( 2 ) يقر الدائن لمن يريد أن يحول له حقه بأن الحق له . وهذا الإقرار مقصور علي العلاقة فيما بين المقر والمقر له ، أما المدين فلا يطالب بالدفع للمقر له . ولذلك يصحب الإقرار توكيل من الدائن للمقر له بقبض الدين ، أو يصدق المدين علي الإقرار فيسري في حقه ( انظر في ذلك الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 62 - ص 64 . أما ما يذكره الأستاذ شفيق شحاته في ص 57 – ص61 من المسائل التي يستدل بها علي جواز حوالة الحق في الفقه الحنفي ، فيبدو لنا أن التعامل فيها إنما يقع علي حوالة الدين لا علي حوالة الحق ، فتجري أحكام حوالة الدين علي الوجه الذي أسلفناه في هذا المذهب ، أو أن الحوالة في هذه المسائل إنما قصد بها التوكيل بقبض الدين وهذا مألوف في المذهب الحنفي كما قدمنا : انظر في هذا المعني الأستاذ عيسوي أحمد عيسوي مجلة الأزهر 27 ص 1014 – ص 1018 و ص 116 - ص 1120 ) .  

انظر في الحوالة بوجه عام في الفقه الإسلامي في مذاهبه الأربعة : البدائع 6 ص15 - ص 19 – فتح القدير 5 ص 443 – ص 452 - الزيلعي 4 ص 171 – ص 175 - الفتاوي الهندية 3 ص 295 – ص 306 - ابن عابدين 4 ص446 – ص459 - بداية المجتهد 2 ص 250 - 252 - الخرشي 6 ص 16 - ص 21 - الخطاب 5 ص 90 – ص 96 - القوانين الفقهية لابن جزي ص 327 - المهذب 1 ص 338 ص 339 - المغني ( الطبعة الثالثة ) 4 ص 521 – ص534 .

والذي يخلص من كل ذلك أن حوالة الدين هي إما تجديد أو كفالة محورة أو كفالة محضة في المذهب الحنفي ، وهي تجديد للدين بتغيير المدين وبتغير الدائن في المذاهب الأخري . فلم يسلم الفقه الإسلامي أصلا بانتقال الدين ، لا فيما بين الأحياء ولا بسبب الموت ، لا عن طريق الخلافة الخاصة ولا عن طريق الخلافة العامة . وإنما سلم بانتقال الحق بسبب الموت ، عن طريق الخلافة العامة في الميراث ، وعن طريق الخلافة الخاصة في الوصية بالدين . ولا يكاد يسلم بانتقال الحق فيما بين الأحياء إلا عن طريق الحيلة في المذهب الحنفي ، وإلا في كثير من التردد فذ مذهب مالك . ولا عجب في ذلك ، فهذا هو السير الطبيعي في تطور الحالة . أما تسليمه بانتقال الحق بسبب الموت ، فيبدو أن ذلك قد قام علي فكرة الخلافة : خلافة الوارث للمورث وخلافة الموصي له للموصي . وهي خلافة لا تتحقق عنده إلا بالموت ، فيختفي شخص السلف ويحل محله شخص الخلف .

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

انتقال الالتزام في الفقه الاسلامی :

يعرف الفقه الاسلامي الحوالة ، وهو يفرق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة . وفي كل من الحوالتين يوجد دانن ومدين وأجنبي محال عليه ، وهذا الأجنبي هو الذي يتركز فية التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة .

فاذا كان هذا الأجنبي المحال عليه مديناً للمدين أو كان في يده له وديعة أو عين مغصوبة ، وأراد المدين عن طريق الحوالة الوفاء بالدين الذي في ذمته للدائن بالحق الذي له في ذمة الأجبني ، فهده هي الحوالة المقيدة . وهي أقرب إلى أن تكون طريقاً من طرق الوفاء بالدين من أن تكون حوالة بالمعنى الدقيق . وتقرها المذاهب جميعا ، على خلاف بينهما في الصياغة القانونية •

اما اذا كان الأجنبي غير مدين للمدين ، أو كان مديناً ولكن لم تقيد الحوالة بهذا الدين في المذهب الحنفي ، فهذه هي الحوالة المطلقة . فاذا تصورنا أن المدين يريد ان يحيل دينه على الأجنبي ، كانت هذه حوالة للدين بالمعنى الدقيق ، وهذه لا يسلم بها الفقه الاسلامي ، خلافاً لما يقال عادة ، فهي عنده أقرب إلى أن تكون كفالة أو تجديداً، من أن تكون حوالة للدين . وقد قدمنا ان الكفالة في الفقه الاسلامي هي الأصل في التضامن ، وهي هنا أيضا الأصل في الحوالة ، واذا تصورنا كذلك في الحوالة المطلقة ان الدائن هو الذي يريد ان يحيل حقه للأجنی ، كانت هذه حوالة للحق بالمعنى الدقيق و وحوالة الحق ايضا لا يسلم بها الفقه الاسلامي بوجه عام . خلافا لما يقال عادة . ذلك أن الحنفية والشافعية والحنابلة لا يسلمون بهذه الحوالة ، أما المالكية فيسلمون بها في حدود معينة .

وحوالة الدين في الفقه الإسلامي تدخل في منطقة الوفاء بالدين لا في منطقة بيعه أو انتقاله ( أنظر في هذا المعنى ابن القيم نقلاً عن ابن تيمية في أعلام الموقعين ج ۱ ص 341) .

ويخلص من هذا أن الفقه الاسلامي لم يقر حوالة الدين بالمعنی الدقيق المعروف في فقه القانون الوضعي . فهي في الفقه الإسلامي اما تجديد أو كفالة في المذهب الحنفي ، وهي تجديد للدين بتغيير المدين وبتغيير الدائن في المذاهب الأخري (۰)

واقر الفقه الإسلامي حوالة الحق بشروط معينة في احد مذاهبه وهو مذهب مالك ، دون المذاهب الأخری

ويعتمد الفقه الاسلامي في مشروعية الحوالة على حديث عن النبي صلی الله عليه وسلم ، حيث قال : « مطل الغني ظلم ، واذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع » .

( انظر في هذا الموضوع : البدائع ج 6 ص 1- ۱۹ فتح القدیر ج 5 ص 443 - 45۲. الزيلعي ج 4 ص ۱۷۱ - 175 . الفتاوی الهندية ج ۳ ص 295 - 306 • ابن عابدین ج 4 ص 446 - 459 بداية المجتهد ج۲ ص 250 - 252 .الخرشی ج 6 ص 16 - ۲۱. الحطاب ج5 ص ۹۰ - 96 - القوانين الفقهية لابن جزي ۲۲۷ . المهذب ج 1 ص 338 و 339  المغنى ج 4 ص 521 - 534.

وانظر : 673 - ۷۰۰ من المجلة وم 859 - ۸۹۱ من مرشد الحيران .

مادة 391

1- يجوز للدائن أن يحول حقه الى شخص آخر ، الا اذا حال دون ذلك نص القانون أو اتفاق المتعاقدين أو طبيعة الالتزام . وتتم الحوالة دون حاجة الى رضاء المدين •

٢- واذا كانت الحوالة بعوض ، فيشترط فيها ان يعجل العوض واذا كان العوض من جنس الحق المحال به ، وجب أن يكون مساوياً له ۰

الفقرة الأولى من هذه المادة تطابق المادة 303 من التقنين الحالي

الفقرة الثانية من المادة المقترحة مستحدثة .

وبمقتضاها اذا كانت الحوالة بعوض ، فيشترط فيها أن عجل هذا العوض : وهذا الشرط مأخوذ من مذهب الإمام مالك . حيث يجب أن يعجل الثمن ، والا كان من بيع الدين بالدين وهذا غير جائز " فقد نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكاليئ

و هو بيع الدين بالدين ( الشرح الكبير ج 4 ص 165 )۰

 

واذا كان العوض من جنس الحق المحال به ، فيشترط لذلك أن يكون العوض مساوياً للحق فاذا اشترى المشترى الدين بثمن من جنسه أقل من قيمته ، كان سلفاً بمنفعة ويداخله الربا.

والمذهب المالكي ، دون المذاهب الثلاثة الأخرى ، الحنفي والشافعی والحنبلي ، يقر حوالة الحق فيما يسميه بهبة الدين و بيع الدین . ويشترط لانعقاد هبة الدين لغير المدين ، وهي حوالة حق عن طريق التبرع ما يشترط لانعقاد الهبة بوجه عام •

ويشترط لانعقاد بيع الدين إلى غير المدين ، وهو حوالة حق عن طريق المعارضة ، ما يشترط لانعقاد البيع بوجه عام .

 ويشترط المذهب المالكي إلى جانب ذلك شروطا أخرى هي :

(1) الا يكون الدين حقاً متنازعاً فيه ، لان شراء ما فيه خصومة غير جائز (۲) الا يكون الدين طعاماً في ذمة المدين ، لان بيع الطعام قبل قبضه ممنوع • (۳) الا يكون الثمن من جنس الدين ، اذ المشتري يشترى الدين المؤجل عادة بأقل من قيمته فيكون سلفاً بمنفعة ويداخله الربا . (4) أن يعجل الثمن ، والا كان من بيع الدين بالدين وهذا غير جائز . (5) الا يكون المشتری خصماً للمدين ، والا كان في هذا اعنات للمدين بتسليط خصمه عليه.

انظر في ذلك : المدونة الكبرى للامام مالك ج۹ ص۱۲۸ - ۱۳۰ . التساوي على التحفة ج۲ ص 47 - السنهورى ، الوسيط ج 3 فقرة 240 ص 434 و 435

 

وانظر المادة 66 من مشروع تقنين الشريعة الاسلامية على مذهب الامام مالك ( الشرح الصغير وحاشيته ج۲ ص۳۷ • مواهب الجليل ج 4 ص 368)

وقد اعتمد المشروع من هذه الشروط الشرطين الواردين في الفقرة الثانية من المادة المقترحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 174)
يشترط لانعقاد عقود البيع والشراء والإيجار والاستئجار والشركة والحوالة والرهن والوكالة ونحوها من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر أن يكون كل من العاقدين مميزاً يعقل معنى العقد ويقصده ولا يشترط بلوغهما غير أن عقودهما لا تكون نافذة أن كانا محجوراً عليهما.

(مادة 232)
الحوالة والكفالة يصح تعليقهما بالشرط الملائم ويصحان مع اقترانهما بالشرط الفاسد ويلغو الشرط وكذلك ما كان من الإطلاقات كالإذن للصبي بالتجارة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (96) : يصح لمن عليه الحق أن يفوض صاحبه في قبضه ثم إن وجد المستحق المقبوض زائدا زيادة لا يتغابن بها لزمه الأخبار بذلك ولا يجب عليه الرد بلا طلب.