مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث ، الصفحة : 116
مذكرة المشروع التمهيدي :
تكفلت المادة 430 ، ببيان ما يتبع من الإجراءات لإبلاغ الحوالة إلى المدين من ناحية ، وجعلها نافذة في حق الغير من ناحية أخرى .
(أ) فإذا لم يكن المدين قد قبل الحوالة تعين إعلانه بها ، ويكون ذلك إما بورقة إعلان توجه بالأوضاع الخاصة بأوراق المحضرين ، وإما بورقة مائلة كصحيفة تكليف بالحضور مثلاً ، ويكفي في هذه أو تلك أن تتضمن ما يفيد حصول الحوالة وشروطها الجوهرية.
(ب) ويشترط التمسك بالحوالة قبل الغير أن يكون قبول المدين لها ثابت التاريخ وليس هذا سوى مجرد تطبيق القواعد العامة ، وقد أريد من اشتراط ثبوت هذا التاريخ دره صور من الغش قد يضار منها أول محال له (المادة 430) عند تعاقبه الحوالة بذات الدين لمتعددين .
1 ـ المقرر ــ فى قضاء محكمة النقض ــ أن مؤدى نص المادتين 303 ، 305 من القانون المدنى أنه يحق للدائن أن يحول حقه إلى شخص آخر وتتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين ، ولا تكون الحوالة نافذة قبل المدين إلا إذا قبلها المدين أو أُعلن بها .
(الطعن رقم 3169 لسنة 73 جلسة 2013/03/06)
2 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض - أن النص فى المادتين 303 ، 305 من القانون المدنى أن حوالة الحق بحسب الأصل – تنتج آثارها بين طرفيها من تاريخ انعقادها دون حاجة لرضاء المدين أو إعلانه بها أو قبوله لها ، ويترتب عليها انتقال الحق المحال به من المحيل إلى المحال له بكل ضماناته وتوابعه ، إلا أنها لا تنفذ فى حق المدين إلا بقبوله لها قبولاً صريحاً أو ضمنياً أو إعلانه بها بأى ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين وتشتمل على ذكر وقوع الحوالة وشروطها الأساسية ، ولا يغنى عنهما مجرد إخطار المدين بكتاب مسجل ، أو علمه بها علماً فعلياً – ولو أقر به – إلا فى حالة الغش بتواطئه مع المحيل على الوفاء له إضراراً بحقوق المحال له ، إذ إنه متى رسم القانون طريقاً محدداً للعلم فلا يجوز استظهاره إلا بهذا الطريق وحين قرر المشرع لنفاذ الحوالة فى حق المدين قبوله لها أو إعلانه بها قد أراد بذلك تحقيق مصالح افترض وجودها ، ومن ثم فإذا تمسك المدين بما رتبه القانون فى هذه الحالة من عدم نفاذ الحوالة فى حقه وجب على المحكمة أن تحكم له بعدم نفاذها دون أن تطالبه بإثبات مصلحته فى القضاء له بذلك .
(الطعن رقم 802 لسنة 69 جلسة 2009/03/24 س 60 ص 390 ق 65)
3 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن الإعلان الذى تنفذ به الحوالة فى حق المدين أو الغير - بالتطبيق لحكم المادة 305 من القانون المدنى - هو الإعلان الرسمى الذى يتم بواسطة المحضرين وفقاً لقواعد قانون المرافعات ولا يغنى عن هذا الإعلان الرسمى مجرد إخطار المدين بكتاب مسجل أو علمه بالحوالة ولو أقر به إذ متى رسم القانون طريقاً محدداً للعلم فلا يجوز استظهاره إلا بهذا الطريق .
(الطعن رقم 9724 لسنة 75 جلسة 2007/06/27 س 58 ص 619 ق 106)
4 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن حوالة الحق هى اتفاق بين المحيل والمحال له على تحويل حق الأول الذى فى ذمة المحال عليه إلى الثانى ويكفى لانعقادها تراضى المحيل والمحال له أى الدائن الأصلى والدائن الجديد دون حاجة إلى رضاء المدين المحال عليه غير أن نفاذ الحوالة قبل ذلك الأخير أو قبل الغير يستلزم طبقاً لمؤدى نص المادة 305 من القانون المدنى – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – قبول المدين لها فإذا لم يصدر منه قبول للحوالة فإنها لا تنفذ فى حقه أو فى حق الغير إلا إذا أعلنت إليه وفقاً للأوضاع المقررة فى قانون المرافعات باعتبار أن من شأن ذلك تحقيق مصالح افترض المشرع وجودها ورتب على توافرها أو تخلفها نفاذ الحوالة أو عدم نفاذها .
(الطعن رقم 526 لسنة 68 جلسة 2006/05/09 س 57 ص 417 ق 85)
5 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض - أنه يجوز لمشترى العقار – ولو لم يكن عقده مسجلاً – أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار . ومنها الأجرة إذا قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدنى ويحق للمشترى المحال إليه تبعاً لذلك أن يقاضى المستأجر المحال عليه فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة لاختصام المؤجر لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده ومنها دعوى الفسخ .
(الطعن رقم 3426 لسنة 66 جلسة 2003/04/27 س 54 ع 1 ص 739 ق 126)
6 ـ المقرر - ان مؤدى نص المادة 305 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الا تكون حوالة الحق نافذه قبل المدين الا اذا قبلها او اعلن بها، وان القبول الذى يعتد به فى هذا الخصوص هو الذى يصدر من المدين وقت الحوالة او بعدها بحيث ينم علمه بها فيكف عن سداد الدين الى الدائن الاصلى ولا يعامل بشأنه الا الدائن الجديد .
(الطعن رقم 5107 لسنة 65 جلسة 1996/11/05 س 47 ع 2 ص 1245 ق 225)
7 ـ أنه يكفى فى إعلان المدين بالحوالة لتنفذ فىحقه طبقاً لنص المادة 305 من القانون المدنى حصوله بأية ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين وتشمل على ذكر وقوع الحواله وشروطها الاساسية،لما كان ذلك وكان الثابت أن السندات الأذنية موضوع النزاع حررت غنها بروتستات عدم دفع وتم إعلانها للمطعون ضده الأول _ المدين _ فى تاريخ سابق على تخالصه مع المطعون ضده الثانى وهو ما يفيد إعلان المطعون ضده الاول إعلانا بالمعنى المقصود فى المادة المشار إليها تنفذ به الحوالة فى حقه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فأنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه بما يستوجب نقضه.
(الطعن رقم 170 لسنة 59 جلسة 1995/11/30 س 46 ع 2 ص 1272 ق 248)
8 ـ النص فى المادتين 303 ، 305 من القانون المدنى- على حق الدائن فى أن يحول حقه إلى شخص آخر وتتم الحوالة دون حاجة إلى رضاء المدين ولا تكون الحوالة نافذة قبل المدين إلا إذا قبلها المدين أو أعلن بها، ويعتبر فى الحكم القبول الضمنى لحوالة الحق -وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- قيام المدين بسداد بعض أقساط الدين للمحال له، ومن ثم يجوز للمؤجر أن يحيل حقه فى عقد الإيجار إلى الغير فإذا ما نفذت الحوالة يحق للمحال إليه- تبعاً لذلك- أن يقاضى المستأجر- المحال عليه- فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة لاختصام المؤجر، لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده، ومنها دعوى الفسخ .
(الطعن رقم 179 لسنة 61 جلسة 1995/01/12 س 46 ع 1 ص 148 ق 31)
9 ـ من المقرر أنه يكفى فى إعلان المدين بالحوالة لتنفيذ فى حقه طبقاً لنص المادة 305 من القانون المدنىحصوله بأية ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين و تشتمل على ذكر نوع الحوالة وشروطها الأساسية ، وبالتالى فإن إعلان صحيفة الدعوى التى يرفعها المحال له على المدين مطالبا اياه بوفاء الحق المحال به ، يعتبر إعلانا بالمعنى المقصود قانوناً فى المادة 305 المذكورة وتنفيذ به فى حق المدين .
(الطعن رقم 1497 لسنة 55 جلسة 1993/07/19 س 44 ع 2 ص 850 ق 279)
(الطعن رقم 345 لسنة 48 جلسة 1983/01/26 س 34 ع 1 ص 308 ق 69)
10 ـ إذ كان يشترط فى التكليف بالوفاء - السابق على رفع دعوى الإخلاء بسبب التأخير فى سداد الأجرة - أن يصدر إلى المستأجر من المؤجر أصلاً ولو لم يكن مالكاً للعين المؤجرة، فيجوز صدوره بهذه المثابة من مشترى العين المؤجرة حتى ولو لم يكن عقده مسجلاً إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها، لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدنى ويحق للمشترى -المحال له - تبعاً لذلك أن يقاضى المستأجر - المحال عليه - فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى اختصام المؤجر لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده ومنها الفسخ، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق أن الطاعن قد أعلن المطعون ضده بمقتضى البند الثانى من الإنذار المعلن لشخصه فى10/3/1986 بحوالة عقد إيجار العين محل النزاع إليه، وكلفه الوفاء بالأجرة المستحقة فى ذمته، بما يجعل الحوالة نافذة فى حقه تطبيقاً للمادة 305 سالفة الذكر، وينتقل بذلك إلى الطاعن الحق المحال به، شاملة حقه فى إقامة دعوى الإخلاء للتأخير فى سداد الأجرة، وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بعدم قبول الدعوى الماثلة على ما أورده فى مدوناته من أن " أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد تسجيل عقد شراء المستأنف عليه " (الطاعن ) لعين النزاع أو إعلان المستأنف " المطعون ضده " بحوالة بائع عقار التداعي - المؤجر - حقوقه الناشئة عن عقد الإيجار المؤرخ8/11/1957 ومن ثم فإن تكليف المستأنف عليه للمستأنف بالوفاء بالأجرة موضوع التكليف المعلن للمستأنف.... يكون قد وقع على أجرة لا يحق للمستأنف عليه المطالبة بها.... باطلا، ويتعين وفقاً لحكم المادة 18/ب من القانون 136 سنة 1981 إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم قبول الدعوى " فإنه يكون فضلاً عن مخالفته الثابت بالأوراق قد أخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 384 لسنة 58 جلسة 1993/01/27 س 44 ع 1 ص 318 ق 59)
11 ـ مشترى العقار المؤجر و لم يكن عقده مسجلا و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار و منها الأجرة إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه و قبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها ، لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدنى ، و يحق المشترى - المحال إليه تبعاً لذلك أن يقاضى المستأجر - المحال عليه - فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة لإختصام المؤجره لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده منها دعوى الفسخ يستوى فى ذلك أن يحصل إعلان حوالة من المشترى أو البائع طالما بأى ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين و تشتمل على ذكر وقوع الحوالة و شروطها الأساسية .
(الطعن رقم 573 لسنة 56 جلسة 1990/06/06 س 41 ع 2 ص 256 ق 217)
12 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه يجوز لمشترى العقار المؤجر و لو لم يكن عقده مسجلاً أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار و منها الأجرة إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه و قبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدنى و يحق للمشترى - المحال إليه - تبعاً لذلك أن يقاضى المستأجر - المحال عليه - فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى إختصام المؤجر لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التى تؤكده و منها دعوى الفسخ .
(الطعن رقم 597 لسنة 48 جلسة 1983/05/12 س 34 ع 2 ص 1156 ق 232)
13 ـ لما كان العقد شريعه المتعاقدين و لا يجوز نقضه و لا تعديله إلا بإتفاق الطرفين أو للأسباب التى يقررها القانون ، و كانت الحوالة عقدا ملزما للمحيل و المحال إليه كليهما فلا يجوز لأحدهما العدول عنه بإرادته المفردة ، و كان الحق المحال به ينتقل و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة إلى المحال له بصفاته و دفوعه كما تنتقل معه توابعه ، و كان البين من أوراق الطعن أن مالكى عين النزاع قد أجروها للمطعون ضده الأول بالعقد المؤرخ أول يناير سنة 1960 و أنهم باعوها للطاعنة بعقد البيع الإبتدائى المؤرخ .. و حولوا لها عقد الإيجار و الأجرة الناشئة عنه منذ إبرامه ، مما مؤداه أن الحقوق التى للبائعين عن عقد الإيجار قد إنتقلت إلى الطاعنة و كانت الحوالة و إعمالا لصريح نص المادة 305 من القانون المدنى تنفذ فى حق المحال عليه بإعلانه بها أو قبوله لها ، و كان البين من الأوراق أن المستأجر المطعون ضده الأول قبل الحوالة بالصلح المؤرخ .. الذى نظم كيفية وفائه بالأجرة المستأجرة فتكون الحوالة قد نفذت فى حقه .
(الطعن رقم 181 لسنة 47 جلسة 1983/02/09 س 34 ع 1 ص 442 ق 96)
14 ـ الإعلان الذى تنفذ به الحوالة فى حق المدين طبقاً لنص المادة 305 من القانون المدنى هو الذى يتم بورقة من أوراق المحضرين تعلن من المحيل أو من المحال له تتضمن وقوع الحوالة و شروطها الأساسية ، و لا يلزم لنفاذها إعلان المحيل و المحال له معاً .
(الطعن رقم 879 لسنة 47 جلسة 1981/11/26 س 32 ع 2 ص 2121 ق 385)
15 ـ الإعلان الذى تنفذ به الحوالة فى حق المدين أو الغير بالتطبيق لحكم المادة 305 من القانون المدنى - هو الإعلان الرسمى الذى يتم بواسطة المحضرين وفقا لقواعد قانون المرافعات و لا يغنى عن هذا الإعلان الرسمى مجرد اخطار المدين بكتاب مسجل أو علمه بالحوالة و لو أقر به ، اذ متى رسم القانون طريقا محددا للعلم فلا يجوز استظهاره إلا بهذا الطريق .
(الطعن رقم 320 لسنة 39 جلسة 1976/01/05 س 27 ع 1 ص 132 ق 37)
16 ـ إستيفاء الحوالة لشروط نفاذها فى حق المدين أو فى حق الغير بقبولها من المدين أو إعلانه بها طبقاً للمادة305 من القانون المدنى لا يمنع من الطعن عليها بالدعوى البوليصية المنصوص عليها فى المادتين 237 و 238 من القانون المدنى متى توافرت شروطها و ذلك لإختلاف موضوع و نطاق كل من الدعويين .
(الطعن رقم 137 لسنة 41 جلسة 1975/12/08 س 26 ص 1580 ق 297)
17 ـ إن المادة 305 من القانون المدنى إذ تنص على " لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قبلها المدين أو أعلن بها . على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ " فقد أفادت بأنه يشترط لنفاذ الحوالة فى حق الغير أن تكون ثابتة التاريخ سواء أعلن بها المدين أو قبلها ذلك أن الإعلان له تاريخ ثابت حتماً ويكون نفاذها فى حق الغير كنفاذها فى حق المدين فى هذا التاريخ ولأنه يشترط بالنسبة لقبول المدين للحوالة ثبوت التاريخ بصريح النص لنفاذها قبل الغير .
(الطعن رقم 208 لسنة 33 جلسة 1967/04/25 س 18 ع 2 ص 872 ق 133)
(الطعن رقم 70 لسنة 29 جلسة 1964/01/23 س 15 ع 1 ص 123 ق 23)
18 ـ مؤدى نص المادة 305 من القانون المدنى - على ألا تكون حوالة الحق المدنى نافذة قبل المدين إلا إذا قبلها أو أعلن بها - أن القبول الذى يعتد به فى هذا الخصوص هو ذلك الذى يصدر من المدين وقت الحوالة أو بعدها بحيث ينم عن علمه بها فيكف عن سداد الدين إلى الدائن الأصلى و لا يعامل بشأنه إلا الدائن الجديد . أما إذا تضمنت عبارة السند تخويلا للدائن بتحويل الحق موضوع السند لمن يشاء بغير توقف على رضا المدين فإن ذلك لا يعد قبولا بالمعنى الذى قصده المشرع بالمادة 305 من القانون المدنى إذ أن إطلاق عبارة السند على هذا النحو وورودها فيه سابقة على الحوالة لا يتحصل معه علم المدين بشخص المحال إليه وبتاريخ الحوالة ، فلا يغنى عن إعلانه بها وقت إتمامها أو بعده أو الحصول على قبوله لها ، حتى يتحقق الغرض الذى يستهدفه المشرع من وجوب اتخاذ هذين الإجرائين بما يرفع الشك لدى المدين بالنسبة للشخص لذى يجب أن يوفى له الدين عند حلول ميعاد الاستحقاق .
(الطعن رقم 201 لسنة 25 جلسة 1959/11/19 س 10 ع 3 ص 684 ق 104)
19 ـ لما كان الواقع حسبما حصله الحكم المطعون فيه - دون نعي من طرفي الطعن بشأنه - أن الشيكين محلا النزاع قد صدرا لصالح الطاعن وقد شطب فيهما كلمة "لأمر" وأن الأخير قد وقع على ظهر كل منهما مما لازمه أن هذين الشيكين اسميان وبالتالي فلا ينتقل الحق الثابت بهما إلا بحوالة الحق المدني التي لا تعد نافذة قبل المسحوب عليه أو قبل الغير إلا إذ قبلها المسحوب عليه أو أعلن بها وذلك تطبيقاً لأحكام المادة 305 من القانون المدني وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه توقيع الطاعن - المستفيد - على ظهر هذين الشيكين تظهيرا ناقلا لملكية الحق الثابت بهما ورتب على ذلك أحقية المطعون ضده الحامل لهما فى المطالبة بقيمتيهما من الطاعن دون أن يتحقق من قيام الحوالة ونفاذها فى حق المسحوب عليه تمهيدا لترتيب أثارها فى مدى ضمان المحيل (الطاعن) لوجود مقابل الشيك وقت الحوالة وذلك وفقا لأحكام المواد من 308 وحتى 312 من القانون المدني أو أن يعرض لمضمون المستندات التي قدمها الطاعن للتدليل على أن توقيعه على ظهر الشيكين وتسليمهما للمطعون ضده كان بقصد توكيله فى تحصيل قيمتهما, فإنه يكون معيباً.
(الطعن رقم 570 لسنة 70 جلسة 2001/05/22 س 52 ع 2 ص 732 ق 147)
20 ـ لا يجوز لمشترى العقار بعقد غير مسجل أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار - ومنها دعوى الفسخ وتسليم العين المؤجرة - إلا إذا قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها لأنها بالقبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقا لنص المادة 305 من القانون المدني، وأن الإعلان الذي تنفذ به الحوالة بالتطبيق لحكم تلك المادة هو الإعلان الرسمي الذي يتم بواسطة المحضرين وفقاً لقواعد قانون المرافعات ويشتمل على ذكر وقوع الحوالة وشروطها الأساسية.
(الطعن رقم 241 لسنة 61 جلسة 1992/01/07 س 43 ع 1 ص 138 ق 31)
21 ـ لمشترى العقار بعقد غير مسجل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مطالبة المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار إذا ما قام البائع بتحويل عقد الإيجار إليه، وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقاً لنص المادة 305 من القانون المدني، ومن ثم يحق للمشترى تبعاً لذلك - أن يقاضى المستأجر - المحال عليه - فى شأن الحقوق المحال بها لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التي تؤكده ومنها دعوى الفسخ، لما كان ذلك البين من الأوراق أن المطعون ضدها الأولى اشترت نصف العقار بعقد لم يسجل وأن البائع قام بتحويل عقود إيجار إليها ومنها عقد إيجار عين النزاع، وأنها قامت بإعلان المستأجرين ومن بينهم المطعون ضده الثاني ببيانات تلك الحوالة فى ...، فتكون نافذة فى حقه من هذا التاريخ ويحق لها - رفع دعوى الفسخ عليه إذ ما قام موجبها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 2321 لسنة 55 جلسة 1989/11/28 س 40 ع 3 ص 210 ق 354)
22 ـ مفاد نص الفقرة الأخيرة من المادة السابعة من القانون 49 لسنة 1977 - المقابلة للفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون 52 لسنة 1969 - والمادتين السادسة والسابعة من قرار وزير الإسكان رقم 99 لسنة 1978 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن التبادل لا يعدو أن يكون عقداً رضائياً بين مستأجرين يتنازل كل بمقتضاه عن الوحدة السكنية التي يستأجرها للآخر وإذا كان المقصود بالنزول عن الإيجار هو قيام المستأجر الأصلي بنقل حقوقه والتزاماته الناشئة عن العقد إلى شخص آخر يحل محله فيها أي إنه يتضمن حوالة حق بالنسبة لحقوق المستأجر قبل المؤجر وحوالة دين بالنسبة لالتزاماته قبله، ولما كانت الحوالة لا تنفذ فى حق المدين والتزاما بحكم المادة 305 من القانون المدني إلا من وقت قبوله لها أو إعلانه بها. ومن ثم فإن عقد التبادل متى استقام باندراجه فى إحدى الحالات التي أجيز فيها وتوافرت له شرائطه والتزمت قواعده فإنه ينعقد فى حق المالك أو الملاك من تاريخ إخطارهم به بالطريق الذي رسمه المشرع فى اللائحة التنفيذية، ومن ثم فإنه يتعين النظر فى توافر حالاته وشروطه وأوضاعه إلى وقت إخطار المالك بالتبادل باعتبار إنه ومنذ ذلك التاريخ ومتى توافرت للتبادل مقومات صحته يلتزم المالك وإعمالاً للمادة السادسة من اللائحة التنفيذية بتحرير عقد إيجار للمستأجر المتنازل إليه بذات شروط عقد المستأجر المتنازل وإلا قام الحكم بصحة التبادل وعملاً بالمادة السابقة من ذات اللائحة مقام ذلك العقد، أي أن الحكم يعد مقرراً لهذه الحالة وليس منشئاً لها ولازم ذلك أنه لا عبرة بأي تغيير قد يطرأ على ظروف المتعاقدين فى تاريخ لاحق لإخطار الملاك بالتبادل ولو كان من شأنه زوال السبب الذي من أجله أجيز التبادل طالما أبرم وتم ونفذ فى حق الملاك قبل زوال السبب.
(الطعن رقم 2264 لسنة 52 جلسة 1989/02/13 س 40 ع 1 ص 463 ق 85)
23 ـ الإعلان الذي تنفذ به الحوالة فى حق المدين والغير بالتطبيق لحكم المادة 305 من القانون المدني هو الإعلان الرسمي الذي يتم بواسطة المحضرين وفقاً لقواعد قانون المرافعات ولا يغنى عن هذا الإعلان الرسمي مجرد إخطار المدين بكتاب مسجل أو علمه بالحوالة ولو أقر به، إذ متى رسم القانون طريقاً محدداً للعلم فلا يجوز استظهاره إلا بهذه الطريقة.
(الطعن رقم 2860 لسنة 57 جلسة 1988/06/27 س 39 ع 2 ص 1068 ق 177)
24 ـ يجوز لمشتري العقار بعقد غير مسجل أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار ومنها الأجرة إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها، لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة فى حقه طبقاً لنص الفقرة الثانية المادة 305 من القانون المدني ومن ثم فإنه يحق للمشتري - تبعاً لذلك - أن يقاضي المستأجر - المحال عليه - فى شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى اختصام المؤجر - المحيل - لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التي تؤكده ومنها دعوى الفسخ.
(الطعن رقم 958 لسنة 46 جلسة 1978/11/08 س 29 ع 2 ص 1694 ق 325)
25 ـ التنازل عن الإيجار هو حوالة حق بالنسبة إلى حقوق المستأجر وحوالة دين بالنسبة لإلتزاماته فيتعين إتباع الإجراءات التي تخضع لها الحوالة فى القانون المدني فى نطاق الحدود التي لا تتعارض مع التنظيم التشريعي لعقد الإيجار فلا يصير النزول نافذاً فى حق المؤجر وفق المادة 305 من القانون المدني إلا من وقت إعلانه به أو من وقت قبوله له.
(الطعن رقم 598 لسنة 44 جلسة 1978/06/21 س 29 ع 1 ص 1510 ق 291)
26 ـ يكفي فى إعلان المدين بالحوالة لتنفذ فى حقه طبقاً لنص المادة 305 من القانون المدني حصوله بأية ورقة رسمية تعلن بواسطة المحضرين وتشمل على ذكر وقوع الحوالة وشروطها الأساسية وبالتالي فإن إعلان صحيفة الدعوى التي يرفعها المحال له على المدين مطالباً إياه بوفاء الحق المحال به يعتبر إعلاناً بالمعنى المقصود قانوناً فى المادة 305 المذكورة، وتنفذ به الحوالة فى حق المدين.
(الطعن رقم 200 لسنة 45 جلسة 1978/05/16 س 29 ع 1 ص 1261 ق 247)
27 - المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تكليف المستأجر بالوفاء شرط أساسي لقبول دعوى الإخلاء بسبب التأخير في الوفاء بالأجرة ، فإذا خلت منه الدعوى أو وقع باطلاً ، أو صدر ممن لا حق له في توجيهه ، تعين الحكم بعدم قبول الدعوى ، وكان يشترط في هذا التكليف بالوفاء أن يصدر إلى المستأجر من المؤجر أصلاً أو من المحال إليه في حالة حوالة الحق النافذة في حق المستأجر وفقاً للقانون ، وأن مناط نفاذ حوالة عقد الإيجار في حق المستأجر والتزامه بدفع الأجرة للمحال إليه هو إعلانه بالحوالة أو بقبولها أو بقيامه بسداد الأجرة للمحال له ، فإذا ما نفذت الحوالة في حقه فإن ذمته لا تبرأ من أجرة العين المؤجرة إلا بالوفاء بها إلى المحال إليه ، كما أن المقرر - أيضاً - أنه لا يجوز لمشترى العقار بعقد غير مسجل أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار ومنها دعوى الفسخ وتسليم العين المؤجرة إلا إذا قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها ؛ لأنها بالقبول أو الإعلان تكون نافذة في حقه طبقاً لنص المادة 305 من القانون المدني ، وأن الإعلان الذي تنفذ به الحوالة بالتطبيق لحكم تلك المادة هو الإعلان الرسمي الذى يتم بواسطة المحضرين وفقاً لقواعد قانون المرافعات ، ويشتمل على ذكر وقوع الحوالة وشروطها الأساسية .
(الطعن رقم 16484 لسنة 75 ق - جلسة 4 / 3 / 2023 )
28- المقرر أنه يجوز لمشترى العقار بعقد غير مسجل أن يطالب المستأجر بالحقوق الناشئة عن عقد الإيجار ومنها الأجرة إذا ما قام البائع بتحويل العقد إليه وقبل المستأجر هذه الحوالة أو أعلن بها ، لأنها بهذا القبول أو الإعلان تكون نافذة في حقه طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 305 من القانون المدنى ، وأن حوالة الحق هي اتفاق بين المحيل وبين المحال له على تحويل حق الأول الذى في ذمة المحال عليه إلى الثاني ، ويتعين مراعاة القواعد العامة في إثبات الحوالة . لما كان ذلك ، وكان الطاعن والمطعون ضده الثانى لم يقدما ما يفيد حوالة عقد الإيجار سند الدعوى من البائع - المطعون ضده الأول - للمشترى المطعون ضده الثاني ، وكان البين من صورة الإنذار الموجه من الأخير إلى الطاعن - المقدمة من الطاعن رفق صحيفة الطعن - أنه اقتصر على حلوله محل المطعون ضده الأول البائع له بوصفه خلفاً خاصاً دون تقديم عقد البيع أو عقد الإيجار سند الدعوى المحول له ، وهو ما لا يكفى لتخويل المطعون ضده الثانى فى قبض الأجرة من الطاعن ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بالإخلاء فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون ، ويضحى الطعن عليه فى هذا الشأن على غير أساس ، وما يثره الطاعن بشأن الإحالة للخبير أو للتحقيق نعي جديد لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع غير مقبول ، ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
(الطعن رقم 7864 لسنة 89 ق - جلسة 17 / 12 / 2022 )
(الطعن رقم11779 لسنة 65 جلسة 14 / 11 / 2023)
30- إذ كان الثابت بالأوراق أن الشيك محل النزاع قد حُررت بياناته المتعلقة بتاريخه والمبلغ المستحق باللغة العربية وصدر لصالح المستفيد باللغة الإنجليزية "..." وقد شُطب فيه كلمة لأمر "باللغة الإنجليزية" pay to ororder" ومن ثم فإن المعول عليه في التعامل به يكون هو البيانات المثبتة باللغة الإنجليزية ويكون شطب كلمة pay to ororder" بذات اللغة هو المتعين الاعتداد به دون اعتبار لمثيلتها باللغة العربية باعتبارها خارجة عن بيانات الشيك الأصلية، الأمر الذى يكون معه الساحب قد أفصح عن رغبته في عدم قابلية الشيك للتحويل، ويكون الشيك بذلك قد فقد شرط القابلية للتحويل للغير. لما كان ذلك، وكان الواقع حسبما هو ثابت بالأوراق أن الشيك محل النزاع صدر لصالح ... وقد شطب على كلمة لأمر باللغة الإنجليزية وأن الأخير قد وقع على ظهره مما لازمه أن هذا الشيك اسمى وبالتالي لا ينتقل الحق الثابت به إلا بحوالة الحق التي لا تُعد نافذة قبل المسحوب عليه أو قبل الغير إلا إذا قبلها المسحوب عليه أو أُعلن بها وذلك تطبيقاً لأحكام المادة 305 من القانون المدنى. وإذا اعتبر الحكم المطعون فيه توقيع المستفيد على ظهر الشيك تظهيراً ناقلاً لملكية الحق الثابت به ورتب على ذلك أحقية المطعون ضده الحامل له في المطالبة بقيمته من الطاعن دون أن يتحقق من قيام الحوالة و نفاذها في حق المسحوب عليه أو أن توقيعه على ظهر الشيك وتسليمه للمطعون ضده كان بقصد توكيله في تحصيل قيمته، فإنه يكون معيباً (الخطأ في تطبيق القانون) .
( الطعن رقم 7169 لسنة 87 ق - جلسة 18 / 12 / 2018 )
قدمنا أن الحوالة تنعقد بالتراضى بين المحيل والمحال له ، دون حاجة إلى رضاء المدين ، ولكن انعقاد الحوالة لا يكفي لجعلها نافذة فى حق المدين أو فى حق الغير .
أما أن انعقاد الحوالة لا يكفى لجعلها نافذة فى حق المدين ، فذلك لأن الحوالة تنعقد دون حاجة إلى رضائه ، فيصح أن يكون جاهلاً بوقوعها ، فيعامل دائنه الأصلى على أنه دائنه الوحيد ، ويفى له بالدين أو يقضيه معه بأى سبب من أسباب الانقضاء كالتجديد والمقاصة والإبراء ، وينبغي أن يقع هذا التعامل صحيحاً ، وأن يستطيع المدين الاحتجاج به على المحال له ، ومعنى ذلك أن الحوالة لا تكون نافذة فى حق المدين ، وإنما تنفذ الحوالة فى حقه إذا كان عالماً بها ، وعندئذ يصبح المحال له هو دائنه الوحيد ، ولا يجوز له التعامل مع الدائن الأصلي أو الوفاء له بالدين ، فهذا هو معنى صيرورة الحوالة نافذة فى حق المدين .
أما معنى صيرورتها نافذة فى حق الغير ، فهذا يقتضى أولاً تحديد معنى " الغير " هنا ، يمكن اعتبار المدين " غيراً " من وجه ، وطرفاً فى الحوالة من وجه آخر ، وعلى كل حال فإن المدين له وضع خاص فى الحوالة يجعله بين بين .
أما الأشخاص الذين يتمحضون " غيراً " في الحوالة فهم كل شخص كسب حقاً من جهة المحيل على الحق المحال به ، يتعارض مع حق المحال له ، فيكون غيراً محال له آخر غير المحال له الأول ، يبتاع الحق المحال به ، أو يوهب له أو يرتهنه مثلاً ، كما يكون غيراً دائن المحيل إذا وقع حجزاً على الحق المحال به تحت يد المحال عليه ، كذلك إذا شهر إفلاس المحيل أو شهر إعساره ، فدائنوه يصبحون من الغير بالنسبة إلى المحال له . ومعنى صيرورة الحوالة نافذة فى حق هؤلاء الأغيار هو أنه عند تزاحم المحال له مع أحد منهم - محال له ثان أو دائن حاجز أو دائن المفلس أو المعسر - يقدم المحال له إذا كان تاريخ نفاذ حوالته فى حق هذا الغير سابقاً على تاريخ نفاذ الحوالة الثانية أو الحجز أو الإفلاس أو الإعسار فى حقه هو.
إعلان المدين بالحوالة أو قبوله لها ضروري لنفاذ الحوالة في حقه وفي حق الغير : لابد إذن ، لنفاذ الحوالة في حق المدين المحال عليه ، من أن يعلم بها . وقد اختار القانون لإعلامه بها أحد طريقين : إما إعلانه بهذه الحوالة ، وإما قبوله لها ، وقد نصت على ذلك المادة 305 مدنى ، كما رأينا ، ولا فرق بين الطريقين ، فأى منهما يكفي لجعل الحوالة نافذة فى حق المدين. غير أن النتائج التى ترتبت على قبول قد تكون في بعض الأحوال أبعد مدى من تلك التى تترتب على مجرد الإعلان ، من ذلك ما نصت عليه المادة 368 مدنى من أنه : " 1- إذا حول الدائن حقه للغير وقبل المدين الحوالة دون تحفظ ، فلا يجوز لهذا المدين أن يتمسك قبل المحال له بالمقاصة التى كان له أن يتمسك بها قبل قبوله للحوالة ، ولا يكون له إلا الرجوع بحقه على المحيل . 2- أما إذا كان المدين لم يقبل الحوالة ولكن أعلن بها ، فلا تمنعه هذه الحوالة من أن يتمسك بالمقاصة " ، وسنعود إلى هذه المسألة فيما يأتى .
أما لنفاذ الحوالة فى حق الغير ، فإنه يجب أيضاً إما إعلان المدين الحوالة وإما قبوله لها ، ولما كان إعلان المدين بالحوالة لا يصح إلا بورقة رسمية كما سنرى ، فإن هذا الإعلان له تاريخ ثابت حتماً ، ويكون نفاذ الحوالة ، في حق الغير ، كنفاذها في حق المدين ، من هذا التاريخ ، فإذا تزاحم المحال له مع محال آخر أو مع دائن حاجز مثلاً ، وكانت الحوالة نافذة فى حق الغير من طريق إعلانها للمدين ، فتاريخ هذا الإعلان هو الذى يحدد مرتبتها بالنسبة إلى الحوالة الثانية أو إلى الحجز ، أما إذا كان نفاذ الحوالة فى حق الغير من طريق قبول المدين لها ، فليس من المحتم أن يكون لهذا القبول تاريخ ثابت ، ومن ثم لا تكون الحوالة نافذة فى هذه الحالة فى حق الغير إلا من الوقت الذى يكون فيه للقبول تاريخ ثابت ، ونرى من ذلك أن الحوالة ، إذا كان نفاذها من طريق قبول المدين ، تكون نافذة فى حق المدين من وقت هذا القبول ولم لم يكن له تاريخ ثابت ، ولا تكون نافذة فى حق الغير إلا من وقت أن يكون للقبول تاريخ ثابت ، فهى إذن قد تكون نافذة فى حق المدين دون أن تكون نافذة فى حق الغير ، وهذا ما نصت عليه المادة 305 مدنى ، فهى تقضى كما رأينا بأنه " لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قبلها المدين أو أعلن بها ، على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ " وسنعود إلى تفصيل ذلك عند الكلام فى العلاقة ما بين المحال له والغير ".
والغرض من هذه الإجراءات – إعلان المدين أو قبوله – مراعاة مصلحة المدين أولاً وذلك حتى يعلم بالحوالة فيمتنع من معاملة الدائن الأصلى ولا يعامل إلا الدائن الجديد ، ومراعاة مصلحة الدائن الجديد ثانياً وذلك حتى يصبح بعد الإعلان أو القبول هو وحده صاحب الحق المحال به تجاه المدين والغير ، ومراعاة مصلحة الغير أخيراً إذ أنه لا يمكن تركيز شهر الحوالة فى جهة خير من جهة المدين ، فهو الذى يطالبه المحال له بالحق ، وهو الذى يستطيع أن يخبر الغير الذى يريد أن يتعامل فى هذا الحق بما إذا كان الدائن قد تصرف فيه من قبل أو أن حجزاً وقع على الحق تحت يده ، ما دام قد قبل هذا التصرف السابق أو أعلن به أو بالحجز ، فيمتنع الغير بعد ذلك عن التعامل مع الدائن فى هذا الحق.
إعلان المدين بالحوالة : يصدر هذا الإعلان إما من المحيل أو من المحال له ، ولما كان المحال له هو الذي يعنيه قبل غيره أن تكون الحوالة نافذة فى حق المدين وفى حق الغير ، وهو الذي يخشى إن أبطأ فى ذلك أن يعمد المحيل إلى التصرف فى حقه مرة أخرى أو إلى استيفائه من المدين ، لذلك كان الغالب أن يكون هو - لا المحيل إلى التصرف فى حقه مرة أخرى أو إلى استيفائه من المدين ، لذلك كان الغالب أن يكون هو - لا المحيل - الذي يتولى إعلان الحوالة للمدين ، وقد يعنى المحيل إعلان الحوالة ، حتى لا يوقع أحد دائنيه حجزاً تحفظياً تحت يد المدين قبل إعلانها ، فيصبح الحجز نافذاً فى حق المحال له ، ويرجع هذا عليه بالضمان ، ومن ثم يكون المحيل نفسه هو الذي يبادر بإعلان الحوالة درءاً لهذا الخطر .
ويمكن إعلان المدين بالحوالة فى أى وقت بعد صدورها ، ولا يكون الإعلان متأخراً ، إلا إذا سبقه إجراء يمنع من جعله مفيداً ، مثل ذلك أن تصدر من المحيل حوالة أخرى تعلن للمدين أو يقبلها ، فمن وقت إعلان الحوالة الثانية أو قبولها لم يعد من المفيد إعلان الحوالة الأولى ، ومثل ذلك أيضاً توقيع حجز من دائن المحيل تحت يد المدين ، فمن يوم توقيع هذا الحجز لم يعد إعلان الحوالة إلا بمثابة حجز جديد كما سنرى ، ومثل ذلك أخيراً شهر إفلاس المحيل أو شهر إعساره ، فمن ذلك الوقت لا يكون إعلان الحوالة ، ولو صدرت منه قبل شهر الإفلاس أو الإعسار مفيداً ، إذ لا يمكن الاحتجاج بالحوالة فى هذه الحالة على دائني المفلس أو المعسر ، ومن ذلك نرى أن للمحال له مصلحة فى التعجيل بإعلان الحوالة إلى المدين ، حتى لا يسبق الإعلان إجراء مماثل لما قدمناه فيعطل حقه ويجعل الحوالة غير نافذة في حق الغيـر .
ويجب أن يكون إعلان المدين إعلاناً رسمياً على يد محضر فلا يكفى الإعلان الشفوى ، بل ولا الإعلان المكتوب ولو فى كتاب مسجل ، وليس من الضرورى أن يتضمن الإعلان نص الحوالة ، بل يكفى أن يشتمل على ذكر وقوع الحوالة مع بيان لشروطها الأساسية ومن ثم جاز إعلان الحوالة على هذا الوجه حتى لو كانت شفوية غير مدونة في ورقة مكتوبة وأية ورقة رسمية تشتمل على هذه البيانات وتعلن للمدين تقوم مقام الإعلان ، فيقوم مقام الإعلان صحيفة الدعوى التى يرفعها المحال له على المدين مطالباً إياه بوفاء الحق المحال به ، ومن وقت وصول صحيفة الدعوى إلى المدين يعتبر هذا معلناً بالحوالة فتنفذ فى حقه وفى حق الغير ويغنى أيضاً عن الإعلان التنبيه والتقدم فى توزيع وتوقيع المحال له حجراً تحفيظاً تحت يد المدين.
ويوجه إعلان إعلان الحوالة إلى المدين أو إلى نائبه كممثل الجمعية أو مدير الشركة أو الولى أو الوصى أو القيم ، أو إلى أى شخص تكون له صفة فى وفاء الحق عن المدين وإذا كان الحق المحال به حقاً مستقبلاً ، جاز توجيه الإعلان إلى جميع الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا مدينين بهذا الحق.
قبول المدين للحوالة : والطريق الثانى لصيرورة الحوالة نافذة فى حق المدين هو قبوله لها ، فإذا صار للقبول تاريخ ثابت ، أصبحت الحوالة نافذة أيضاً فى حق الغير كما سبق القول .
والوقت الذي يصح فى خلاله هذا القبول هو نفس الوقت الذي يصح فى خلاله إعلان الحوالة ، فيكون القبول متأخراً إذا سبقه إعلان حوالة أخرى أو حجز تحفظى تحت يد المدين أو قبول منه لحوالة أخرى أو شهر إفلاس المحيل أو شهر إعساره ، ويصح صدور القبول وقت صدور الحوالة نفسها وفى نفس الورقة التى دونت فيها الحوالة ، كما يصح صدوره بعد ذلك على الوجه الذي قدمناه ، ولكن لا يصح صدوره قبل صدور الحوالة .
ولا يتضمن قبول المدين للحوالة نزولاً منه عن الدفوع التى كان له أن يدفع بها مطالبة المحيل ، فهو بالرغم من قبوله للحوالة يستبقى هذه الدفوع ، ويجوز له أن يتمسك بها قبل المحال له كما سنرى ، فقبول المحال له للحوالة لا يعنى أكثر من أنه علم بوقوع الحوالة ، فأصبحت سارية فى حقه ، وصار واجباً عليه أن يدفع الدين للمحال له لا للمحيل ، ولكن فى الحدود التى يجب عليه فيها دفع هذا الدين للمحيل ، ويستثنى من ذلك أمر واحد سبقت الإشارة إليه ، هو أن الدفع بالمقاصة الذي كان المدين يستطيع أن يتمسك به قبل المحيل لا يجوز التمسك به قبل المحال له إذا قبل المدين الحوالة دون تحفظ (م 368 / 1 مدنى) ، ولكن هذا لا يمنع المدين من أن يضمن قبوله للحوالة نزولاً عن الدفوع التى كانت له قبل المحيل ، فيصبح بهذا القبول البعيد المدى ملتزماً بدفع الدين للمحال له ، ولا يجوز له التمسك قبله بالدفوع التى كان يستطيع التمسك بها قبل المحيل ، ولكن مثل هذا القبول لا يفترض ، بل لا بد أن يكون الإطلاق فيه على هذا الوجه واضحاً ، فإن قام ثمة شك فسر القبول لصالح المدين ، واعتبر قبولاً للحوالة مع الاحتفاظ بما للمدين من دفوع كان له أن يتمسك بها قبل المحيل.
فالقبول إذن ، بهذا التحديد ، لا يفيد أكثر من إقرار من جانب المدين بأنه علم بوقوع الحوالة كما تقدم القول ، ولا يفيد أن المدين أصبح طرفاً فى عقد الحوالة ، فقد أسلفنا أن هذا العقد يتم دون حاجة إلى قبوله ، ومن ثم إذا رفض المدين أن يقبل الحوالة ، أمكن الاستغناء عن قبوله بإعلان الحوالة إليه ، فالإعلان كالقبول يفيد حتماً علم المدين بوقوع الحوالة ، وهذا هو المقصود من كل من القبول والإعلان .
ويصدر القبول من المدين أو من نائبه أو من أى شخص آخر يمكن أن يوجه إليه الإعلان فيما لو كانت الحوالة قد أعلنت ، وقد تقدم بيان من يوجه إليه إعلان الحوالة. .
وليس للقبول شكل خاص ، فيصح أن يكون فى ورقة رسمية كما يصح أن يكون فى ورقة عرفية ثابتة التاريخ ، أو فى ورقة عرفية غير ثابتة التاريخ ، بل يصح ألا يكون مكتوباً أصلاً ، فيكون قبولاً شفوياً ، وقد يكون قبولاً ضمنياً ، كما يقع فيما إذا دفع المدين بعض أقساط الدين للمحال له ففى هذا قبول ضمني للحوالة وكما يقع فيما إذا استوفى المؤجر الأجرة مباشرة من المتنازل له عن الإيجار دون أن يبدى أى تحفظ فى شأن حقوقه قبل المستأجر الأصلي (م 597 ثانياً مدني) ، ويخضع القبول فى هذه الحالة ، إذا أنكر المدين صدوره منه ، للقواعد العامة فى الإثبات ، فيجوز إثباته بالبينة والقرائن إذا كان الحق المحال به لا يجاوز عشرة جنيهات ، وإلا فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة أو بما يقوم مقامها كل هذا لنفاذ الحوالة فى حق المدين ، أما لنفاذها فى حق الغير فقد قدمنا أن القبول يجب أن يكون فى ورقة مكتوبة ثابتة التاريخ .
هل يقوم علم المدين بصدور الحوالة مقام الإعلان أو القبول : رأينا فيما قدمناه أن المقصود فى إعلان المدين بالحوالة أو قبوله بها هو إثبات علمه بوقوعها ، فهل يستخلص من ذلك أنه متى ثبت علم المدين بالحوالة ، ولو من طريق آخر غير الإعلان أو القبول ، تكون الحوالة نافذة فى حقه ؟.
قد يعلم المدين بوقوع الحوالة دون أن يعلن بها على يد محضر ودون أن يصدر منه قبول بها ، فقد يكون الحق المحال به مضموناً برهن رسمى وأشار المحال له على هامش القيد بالحوالة ، فعلم المدين بها من هذا الطريق . وقد يكون المدين قد حضر مجلس العقد وقت صدور الحوالة ، فعلم بصدورها ، وقد يكون أجنبى أخطره ، شفوياً أو كتابة ، بوقوع الحوالة ، وأيسر من هذا كله أن يكون المحال له أو المحيل هو الذي تولى بنفسه إخطار المدين بصدور الحوالة ، ولكن لا بإعلان رسمى ، بل شفوياً أو كتابة ولو بكتاب مسجل ، فما دام المدين لم يعلن رسمياً على يد محضر ، وما دام لم يصدر منه قبول بالحوالة ، فحتى الكتاب المسجل الذي يخطره فيه المحال له أو المحيل بصدور الحوالة لا يجعل عدمه حاصلاً من أحد الطريقين اللذين رسمهما القانون لذلك .
فى جميع هذه الأحوال لا يكون علم المدين بوقوع الحوالة ، كما قدمنا ، حاصلاً بالطريق الذي رسمه القانون ، فلا يكون هذا العلم ، مهما استطاع ذو المصلحة أن يثبته ، بل ولو أقر به المدين نفسه ، كافياً فى جعل الحوالة نافذة فى حقه ذلك أن القانون متى رسم طريقاً محدداً للعلم بتصرف معين ، فلا يجوز استظهار العلم إلا بهذا الطريق ، فالتسجيل مثلا طريق لشهر انتقال الحقوق العينية العقارية الأصلية ، فلا يكون انتقال هذه الحقوق نافذاً فى حق الغير إلا من طريق التسجيل ، والقيد طريق لشهر إنشاء الحقوق العينية العقارية التبعية ، فلا تنفذ هذه الحقوق فى حق الغير إلا بالقيد ، وكذلك الإعلان أو القبول طريق لشهر انتقال الحقوق الشخصية ، فلا تكون الحوالة نافذة فى حق المدين وفى حق الغير إلا بالإعلان أو القبول. .
هذه هى القاعدة ، ولا تحتمل استثناء إلى فى حالة الغش ، فإن العش بطبيعة الحال يفسد أى تصرف وصورة الغش هنا أن يكون المدين عالماً بوقوع الحوالة عن طريق غير طريقى الإعلان والقبول ، ثم يعمد غشاً ، متواطئاً مع المحيل ، إلى الوفاء له بالدين إضراراً بحقوق المحال له ، وقد يحصل فى مقابل ذلك على منفعة من المحيل كأن ينزل له عن جزء من الدين ، فالوفاء بالدين للمحيل هنا باطل ، أبطله الغش والتواطؤ ، ويجوز فى هذه الحالة للمحال له ألا يعتد بهذا الوفاء ، وأن يعلن الحوالة للمدين فتصبح نافذة فى حقه ، ثم يطالبه بعد ذلك بالحق المحال به ، فيوفيه المدين مرة ثانية للمحال له ، وهو فى هذا إنما يتحمل نتيجة غشه ، وليس له إلا الرجوع على المحيل بما دفعه له أول مرة ، كذلك الحال فيما إذا حول الدائن حقه إلى شخص آخر ، وقبل إعلان المدين بالحوالة أو قبوله بها تواطأ المحيل مع شخص ثالث وحول له الحق مرة أخرى ، وبادر المحال له الثانى إلى إعلان المدين بالحوالة أو حمله على قبولها ، علم المدين بالحوالة الأولى أو لم يعلم ، ففى هذه الحالة أيضاً تواطأ المحيل مع المحال له الثاني ، وتحايلاً على جعل الحوالة الثانية نافذة فى حق الغير قبل نفاذ الحوالة الأولى ، فيجوز للمحال له الأول ألا يعتد بالحوالة الثانية التي وقعت غشاً له ويبادر إلى إعلان الحوالة الأولى للمدين ويطالبه بدفع الحق المحال به ، فإذا لم يكن المدين قد وفى الحق للمحال له الثانى ، فعليه أن يوفيه للمحال له الأول لأن الحوالة الثانية وقعت باطلة للغش كما قدمنا ، أما إذا كان المدين قد وفى الحق للمحال له الثانى ، فإن كان شريكاً فى الغش ، فإن هذا الوفاء لا يعتد به وعليه أن يفي الحق مرة أخرى للمحال له الأول على الوجه الذي قدمناه ، أما إذا لم يكن شريكاً فى الغش ، حتى لو كان مقصراً كل التقصير فى عدم إتخاذه ما ينبغي الاحتياط ، فإن وفاءه الحق للمحال له الثانى يكون مبرئاً لذمته بعد أن أصبحت الحوالة الثانية نافذة فى حقه قبل نفاذ الحوالة الأولى ، ولا يجبر على الدفع مرة أخرى للمحال الأول ، وليس أمام هذا إلا الرجوع بالتعويض على كل من المحيل والمحال له الثانى اللذين تواطأ على الإضرار بحقوقه.
ولكن ليس من الضرورى أن يكون علم المدين بوقوع الحوالة ، من غير الطريقين اللذين رسمهما القانون وهما الإعلان والقبول ، سبباً فى ثبوت الغش فى جانبه ، فقد يصل إلى علمه أن الدائن قد حول حقه إلى آخر ، ولكن لا يعلن بالحوالة ولا تعرض عليه لقبولها ، ثم يطالبه الدائن بالدين ، فيقع فى نفسه أن الحوالة التى سمع بها لا حقيقة لها ، فيوفي الدين للدائن ، ولا يكون قد ارتكب غشاً فى هذا الوفاء بل قد يعلم المدين حق العلم بوقوع الحوالة ، من غير الإعلان أو القبول ، ومع ذلك يطالبه الدائن بالدين ويلح فى الطلب ، ولا يكون لدى المدين دليل على صدق الحوالة ، فلا يسعه – بعد أن يخطر المحال له إن كان يعرفه ثم لا يفعل هذا شيئاً لجعل الحوالة نافذة - إلا أن يفى بالدين للدائن ، فلا يكون قد ارتكب غشاً فى هذه الحالة ، ويكون وفاؤه مبرئاً لذمته بالرغم من علمه بالحوالة .
كذلك ليس من الضرورى أن يكون علم المحال له الثانى بصدور الحوالة الأولى ، من غير طريق الإعلان أو القبول ، سبباً فى ثبوت الغش من جانبه ، فقد يظن ، من جراء إبطاء المحال له الأول فى جعل الحوالة نافذة ، أن الحوالة الأولى قد نقضت بفسخ أو إبطال أو مقابلة أو نحو ذلك ، بل قد يكون المحال له الثانى موقتاً كل اليقين من صدور الحوالة الأولى ومن أنها لا تزال قائمة ، ولكن لا يثبت الغش مع ذلك فى جانبه ، بأن يكون قد اتفق مع المحيل على الحوالة الثانية قبل أن يعلم بالحوالة الأولى ، ثم يعلم بها ، فلا يسعه فى هذه الحالة إلا أن يبادر إلى المحافظة على حقوقه بأن يجعل الحوالة الثانية نافذة بإعلانها إلى المدين بحمله على قبولها ، وهو فى ذلك لم يرتكب غشاً ، ولم يرد الإضرار بحقوق المحال له الأول ، وإنما أراد دفع الضرر عن نفسه ، وهذا هو أيضاً شأن الدائن العادى للمحيل إذا كان حقه ثابتاً قبل صدور الحوالة ، فإنه إذا بادر إلى توقيع حجز تحفظى تحت يد المدين ، حتى بعد علمه بصدور الحوالة ، لا يكون قد ارتكب غشاً للإضرار بالمحال له ، وإنما هو يسعى لدفع الضرر عن نفسه .
إجراءات خاصة لجعل حوالة بعض الحقوق نافذة فى حق المدين والغير : ما قدمناه من وجوب الإعلان أو القبول لنفاذ الحوالة ينطبق ، كما أسلفنا ، على الحقوق المدنية والتجارية على السواء .
إلا أن هناك أوضاعاً خاصة ، هى فى الأصل أوضاع تجارية ، إذا أسبغت على الحقن تجارياً كان أو مدنياً ، أصبحت له إجراءات خاصة لتكون حوالته نافذة فى حق الغير ، فقد يكون سند الحق سنداً رسمياً ، أو سنداً إذنياً ، أو سنداً لحامله .
أما السند الإسمي فيشمل الأسهم والسندات التى تتخذ هذا الوضع ، وهي إما أسهم وسندات للشركات المساهمة أو سندات على الدولة ، وحوالة هذه السندات الإسمية تنعقد فيما بين المحيل والمحال له بالتراضى كما هى القاعدة العامة ، إلا أن هذه الحوالة لا تكون نافذة فى حق المدين أو فى حق الغير إلا بقيد الحوالة فى دفتر خاص يحتفظ به المدين : الشركة أو الدولة .
وأما السند الإذني فيشمل الكمبيالات والسندات الإذنية والشيكات الإذنية ، ويشمل كذلك ما ورد في شأنه نص خاص كبوليصة التأمين وبوليصة الشحن وبوليصة التخزين ، وتنعقد حوالة السند الإذني فيما بين المحيل والمحال له بالتراضى وفقاً للقواعد العامة .
ولكنها لا تكون نافذة فى حق المدين وفى حق الغير إلا بالتطهير، وذلك بأن يضع صاحب السند توقيعه فى ظهر السند ، ومتى تم تظهير السند الإذني : (1) فالمدين لا يجوز له أن يوفي بالدين إلا لحامل السند بالتظهير لا إلى الدائن الأصلى . (2) وإذا تنازع حامل السند بالتظهير مع آخر حول له السند عن طريق الإعلان أو القبول ، فإن الأول هو الذي يتقدم ، ولو تأخر تاريخ التظهير عن تاريخ الإعلان أو القبول . (3) ولا يجوز لدائني المظهر ( أى الدائن الأصلى ) أن يوقعوا حجزاً تحفظياً تحت يد المدين.
وأما السند لحامله فيشمل الأسهم والسندات التى تحرر ابتداءً لحاملها أياً كان ويجوز إضفاء وضع السند لحامله على أى حق تجاري أو مدني ، وبخاصة على الشيكات ، وتنعقد الحوالة فيما بين المحيل والمحال له فى السند لحامله بالتراضى ، وتكون الحوالة نافذة فى حق المدين وفى حق الغير بالتسليم المادة ، فالسندات لحاملها تلحق إذن بالمنقولات المادية .وتقتصر على هذا القدر فى هذه المسألة التى تعد من مباحث القانون التجاري. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري ، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي ، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث ، المجلد : الأول ، الصفحة : 535)
لنفاذ الحوالة في حق المدين وفي حق الغير يجب توافر أحد أمرين.
1 - إعلان المدين بها ويصدر هذا الإعلان أما من المحيل أو من المحال له في أي وقت ولا يكون الإعلان متأخرة إلا إذا سبقه إجراء يمنع من جعله مفيداً كتوقيع حجز من دائن المحيل تحت يد المدين فالإعلان التالي للحجز يعد بمثابة حجز ثان ، ويجب أن يكون الإعلان رسمياً على يد محضر يتضمن وقوع الحوالة وشروطها الأساسية دون حاجة إلى نصها ويعد إعلان رسمياً صحيفة الدعوى التي يرفعها المحال له على المدين للوفاء بالحق المحال به متی تضمنت الصحيفة بيانات الحوالة ، وتنفذ الحوالة اعتباراً من تاريخ الإعلان ، وأيضاً إعلان أمر الرفض ، وكذلك بالتنبيه ، ويتحقق الإعلان من تاريخ وصوله للمدين أو إجرائه ، بمحل إقامته أو لجهة في دارة إن لم يستدل عليه ، وإن تعدد المدينون وجب إعلان كل منهم ، فإن كانوا مدنيين ، أعلن كل منهم بكل الدين ، فإن كانوا غير متضامنين أعلن كل منهم بنصيبه في الدين وإلا كانت الحوالة غير نافذة قبل من لم يعلن ، كما يعد إعلان التقدم في التوزيع وتوقيع المحال له حجزاً تحفظياً تحت يد المدين أما الحج التنفيذي فلا يصح إلا بعد إعلان الحوالة ويوجه الإعلان للمدين أو نائبه.
2 - قبول المدين للحوالة فإن كان لهذا القبول تاریخ ثابت نفذت الحوالة أيضاً في حق الغير وليس للقبول شكل خاص وقد يكون شفوياً فيخضع في إثباته للقواعد العامة وإن كان يشترط أن يكون في ورقة ثابتة التاريخ حتى ينفذ في حق الغير ، ولا يكفي العلم الفعلي فيجوز مع ذلك للمدين أن يوفي للمحيل ويكون هذا الوفاء مبرئة لذمته ما لم يكن مترتبة على غش بالتواطؤ مع المحيل إضراراً بالمحال له فيكون الوفاء باطلاً إذ أن الغش يبطل كل شئ فلا يعتد المحال له بهذا الوفاء فيعلن الحوالة للمدين لتنفذ في حقه ثم يطالبه بالحق فيوفيه المدين مرة ثانية ويرجع على المحيل ومتى انعقدت الحوالة إنتقل الحق إلى المحال له فيكون لدائنيه - دون دائني المحيل - توقيع الحجز تحت يد المحال عليه والغير في هذه الحالة هو كل من له مصلحة في الطعن على الحوالة ، و لتعارض حقه معها ، کدائني المحيل الذين أوقعوا حجزاً تحت يد المحال عليه على الحق محل الحوالة ، والموهوب له أو المرتهن أو محال له آخر ، أما غير هؤلاء من الدائنين ، فلا يعتبرون من فئة الغير إلا إذا أشهر إفلاس أو إعسار المدين ، ولا تنفذ الحوالة في حقهم ولا في حق المدين إلا إذا أعلن الأخير بها بورقة رسمية على نحو ما سلف فيكون للإعلان تاریخ ثابت ، وكذلك بقبول المدين للحوالة وتنفذ في حقه بمجرد هذا القبول بينما لا تنفذ في حق الغير إلا من التاريخ الذي يصبح فيه لهذا القبول تاريخاً ثابتاً ، ويفيد معرفة تاريخ نفاذ الحوالة في حق الغير للفصل في المفاضلة بين هذا الغير وبين المحال له لمعرفة من له الحق في محل الحوالة ، فإن كان تاريخ نفاذ الحوالة في حق الغير لاحقاً للحجز الذي أوقعه الأخير ، كان التفضيل لهذا الغير ، والمدين بإعتباره طرفاً في الحوالة فلا يعتبر من فئة الغير ومثله دائنيه ، فتسري الحوالة في حقهم بمجرد قبول المدين لها ولو لم يكن لهذا القبول تاریخ ثابت طالما انتفى الغش.
ولا يكفي لنفاذ الحوالة على المدين بها أو حتى اقراره بها إذ أن القانون حدد الطرق التي تنفذ الحوالة بها في حق المدين والغير ولا يغني عنها العلم أو الاقرار ولكن يشترط انتفاء الغش ، فإن توطأ المدين مع المحيل على الوفاء للأخير بعد الحوالة وقبل نفاذها ، فإن هذا الوفاء يكون باطلاً وعلى المحال له إعلان المدين بالحوالة بعد هذا الوفاء حتى تنفذ الحوالة في حقه ثم يجبره على الوفاء له ولا يكون للمدين بعد ذلك إلا الرجوع على المحيل ، فإن انتفى الغش كان الوفاء للمحيل مبرئاً لذمة المدين ولو كان عالماً بالحوالة طالما لم يتحقق من صحتها ويحسن أن يخطر المحال له قبل الوفاء ليبادر بإتخاذ إجراء لنفاذ الحوالة إن كانت قائمة ، ولا يكلف المدين بإثبات مصلحته في التمسك بعدم نفاذ الحوالة في حقه فتلك مصلحة مفترضة ، ومتى نفذت الحوالة إمتنع على المدين الوفاء للمحيل والتزم بالوفاء للمحال له.
فإن لم تنفذ الحوالة في حق المدين ، ظل المحيل هو صاحب الصفة في استيفاء الدين ولا تكون للمحال له صفة في الرجوع على المدين وبالتالي يتعين على المحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تقضي بعدم قبول الدعوى أو رفضها بحالتها عملاً بالمادة الثالثة من قانون المرافعات على أن يكون للمحال له رفع دعوى جديدة بعد نفاذ الحوالة ، إذ تكون حجية الحكم السابق مؤقتة تزول بنفاذ الحوالة. ( المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس ، الصفحة : 173)
المقصود بنفاذ الحوالة قبل المدين إمكان الاحتجاج بها عليه ، بحيث يصير المدين ملزماً بالامتناع عن الوفاء للمحيل وبالوفاء للمحال إليه ، ويعتبر الحق قد خرج من ذمة المحيل خروجاً يمنع دائنيه من التنفيذ عليه ، ويحول دون إمكان المحيل التصرف في هذا الحق مرة أخرى تصرفاً يضر بالمحال إليه.
وقد اشترط القانون لذلك توافر أحد أمرين :
الأول : أن يقبل المدين الحوالة.
الثاني : أن يعلن المدين بالحوالة وهو ما نعرض له فيما يلي .
يجب لنفاذ الحوالة قبل المدين أن يقبل المدين الحوالة.
وتنحصر دلالة هذا القبول على مجرد إقرار المدين بحصول الحوالة ، بحيث يكون عليه أن يؤدي الحق المحال به في نفس الحدود التي كان عليه أن يؤديه فيها المحيل ، وبناءً على ذلك فإن هذا القبول لا يجعل المدين طرفاً في الحوالة ، كما أنه لا يتضمن معنى الإقرار بالتزامه قبل المحيل بغير قيد أو شرط ، ولذلك كان للمدين رغم قبوله الحوالة أن يتمسك في مواجهة المحال له بكافة الدفوع التي كان يستطيع أن يتمسك بها قبل المحيل.
ويستثنى من ذلك ، كما سترى الدفع بالمقاصة.
وليس للقبول شكل خاص ، فيمكن أن يكون في ورقة رسمية أو في ورقة عرفية أو شفوياً.
ولا يستثنى من ذلك إلا إذا تمخضت الحوالة هبة مباشرة ، فإنها ككل هبة يجب أن تفرغ في شكلها الرسمي ، ولا تنعقد إلا إذا كانت في ورقة رسمية ، وذلك تطبيقاً للقواعد العامة في الهبة.
ومن الجائز أن يكون قبول الحوالة ضمنياً ، كما لو صدر من المدين أي عمل أو تعبير عن الإرادة يدل على قبوله الحوالة ، كما لو قام بدفع قسط من الدين للمحال له .
ولا يغني عن قبول الحوالة علم المدين علماً فعلياً بالحوالة ولو أقر به إلا في حالة الغش بتواطئه مع المحيل على الوفاء له إضراراً بحقوق المحال له .
لما كان الغرض من اشتراط قبول المدين الحوالة هو الدلالة على علم المدين بالحوالة ، لذلك يجب لكي تكون الحوالة نافذة قبله ، أن يكون قبولاً لاحقاً لانعقادها أو على الأقل معاصراً لها فلا يكفي إذن أن يقرر المدين في سند الدين أنه راض مقدما بحوالة الحق للغير ، ذلك أن إطلاق عبارة السند على هذا النحو لا يتحصل معه علم الدين بشخص المحال إليه وبتاريخ الحوالة.
يخضع إثبات قبول المدين الحوالة للقواعد العامة في الإثبات ، فيجوز إثباته بشهادة الشهود والقرائن إذا كان الحق المحال به لا يجاوز قيمته ألف جنيه ، وإلا فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها .
الإعلان يكون بواسطة المحضر وذلك طبقاً للمادة التاسعة من قانون المرافعات ، وتراعى فيه الأوضاع الخاصة بأوراق المحضرين (مواد 9 مرافعات وما بعدها).
وهو يكون إما بناءً على طلب المحيل ، أو بناءً على طلب المحال له ، وهذا هو الغالب ، إذ أن مصلحة المحال له أن يسارع بمجرد انعقاد الحوالة بما يلزم النفاذها حتى يستقر له الحق المحال.
ويجب أن يشمل الإعلان وقوع الحوالة وشروطها الأساسية ، فلا يشترط أن يشتمل الإعلان على صورة كاملة لعقد الحوالة.
ولا يكفي الإعلان الشفهي ولا الإعلان المكتوب ولو في كتاب مسجل كما لا يقوم علم المدين بالحوالة وشروطها مقام الإعلان ، لأن القانون متی رسم طريقاً محدداً للعلم بتصرف معين ، فلا يجوز استظهار العلم إلا بهذا الطريق.
ولا يعتبر إعلان أحد المدينين المتضامنين بالحوالة إعلاناً للباقين ، كما لا يعتبر قبول أحد المدينين المتضامنين للحوالة قبولاً بها من الباقين .
تعلن الحوالة إلى المدين أو إلى نائبه كممثل الجمعية أو مدير الشركة أو الولي أو الوصي أو إلى أي شخص تكون له صفة في في وفاء الحق.
وإذا كان الحق المحال به حقاً مستقبلاً ، جاز توجيه الإعلان إلى جميع الأشخاص الذين يحتمل أن يكونوا مدينين بهذا الحق ، مثل الثمن الذي سيرسو به المزاد في عين تعرض للبيع بالمزاد ، فتعلن إلى الأشخاص الذين يحتمل أن يرسو المزاد عليهم .
لم يحدد القانون ثمة ميعاد لإعلان الحوالة ومن ثم يجوز إعلانها في أي وقت ، ولا يكون الإعلان أو القبول متأخراً فلا ينتج أثره إلا إذا سبقه إعلان أو قبول حوالة أخرى أو توقيع حجز تحفظى تحت يد المدين أو شهر إفلاس المحيل أو شهر إعساره.
وحوالة الحق المعلق على شرط يجوز إعلانها أو قبولها قبل تحقق الشرط لا يقصد بالغير هنا الغير الأجنبي ، إذ لا شأن لهذا الغير بالحوالة ، فهو لن يضار بها وبالتالى فلا محل للبحث في شروط نفاذها قبله.
وإنما يقصد بالغير كل من يضار بالحوالة نظراً لأنه قد تعلق له حق خاص بالحق المحال به بوصفه لازال في ذمة المحيل لم ينتقل منه إلى المحال له ، فإذا حول الدائن حقه إلى شخصين على التوالى كان كل منهما غيراً بالنسبة للحوالة الصادرة للآخر.
كذلك إذا رهن الدائن حقه ضماناً لدين عليه كان الدائن المرتهن من الغير بالنسبة للمحال له ، ودائن المحيل الذي يحجز على الحق المحال تحت يد المحال عليه يعتبر أيضاً من الغير .
ومعنى صيرورة الحوالة نافذة في حق هؤلاء الأغيار هو أنه عند تزاحم المحال له مع أحد منهم - محال له ثان أو دائن حاجز أو دائن المفلس أو المعسر- يقدم المحال له إذا كان تاريخ نفاذ حوالته.
تنفيذ الحوالة قبل الغير بقبول المدين أو بإعلانه بالحوالة كالشأن بالنسبة لنفاذها قبل المدين.
غير أنه لما كان قبول الحوالة يتم بورقة عرفية ، والقاعدة العامة أن الورقة العرفية لا تكون حجة على الغير في تاريخها إلا منذ أن يصبح لها تاريخ ثابت م 15 من قانون الإثبات ، فقد نص المشرع بالمادة (300) على أن نفاذ الحوالة قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ ، والغرض من ذلك هو منع تواطؤ المحيل والمحال عليه على تقديم تاريخ الحوالة إضراراً بالغير .
أما الإعلان فهو بطبيعته ثابت التاريخ لأنه يتم بورقة رسمية على يد محضر. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع ، الصفحة : 226)
والمقصود بنفاذ الحوالة قبل المدين وجوب تقيد هذا الأخير بها والتزامه بعدم وفاء الدين إلى المحيل ووجوب وغاية الى المحال إليه ، ولا يشترط في ذلك أن يكون قبول المدين الحوالة ثابت التاريخ ، خلافاً لنفاذ الحوالة قبل الغير.
والمقصود بنفاذ الحوالة قبل الغير إمكان الاحتجاج بها على دائني المحيل وخلفه الخاص ، بحيث يعتبر الحق أنه قد خرج من شمعة المخيل خروجاً يمنع دائنيه من التنفيذ عليه ويحول دون المكان المحيل التصرف في هذا الحق مرة أخرى تصرفاً يضر بالمحال اليه .
وقد اشترط القانون لذلك اما قبول المدين الحوالة قبولاً ثابت التاريخ وأما إعلانه بها إعلاناً رسمياً (المادة 305) ، والمقصود بذلك قبول الحوالة قبولاً معاصراً لها أو تالياً لانعقادها ، ولا عبرة بالقبول السابق على انعقادها ، خلافاً لرضا المدين الذي كان يشترطه القانون الأهلي في انعقاد الحوالة ، فقد كان القضاء يسير على الاكتفاء في هذا الرضا بالرضا السابق الذي يبديه المدين مقدماً منذ نشوء الدين في ذمته.
ويخضع القبول في إثباته للقواعد العامة فيجوز إثباته بالبينة والقرائن فيما لا يجاوز نصاب البينة وهذا فيما يتعلق بنفاذ الحوالة في حق المدين ، أما في نفاذها في حق الغير فلا بد من ثبوتها في كتابة ثابتة التاريخ .
وإذا لم يكن المدين قد قبل الحوالة بورقة ثابتة التاريخ تعيينه لنفاذها قبل الكافة إعلانه بها إعلاناً رسمياً أي على يد محضر ، ويقوم مقام هذا الإعلان إعلانه بصحيفة دعوى تتضمن ما يفيد حصول الحوالة وشروطها الجوهرية ، والإعلان الرسمي وصحيفة الدعوى بطبيعة کوئهما أوراقاً رسمية يكونان ثابتي التاريخ مما يحقق الغرض من اشتراط أن يكون قبول الدين الحوالة ثابت التاريخ .
ولا يغني عن أحد هذين الاجراءين علم المدين أو الغير بالحوالة ، غير أنه إذا ثبت أن المدين قد علم بالحوالة وأنه قد تجاهلها عمداً للإضرار بالمحال إليه ، كان ذلك غشاً منه يمكن أن يترتب عليه بطلان ما قد يكون قام به من وفاء المحيل إضراراً بالمحال إليه الأبناء على أن العلم بالحوالة يقوم مقام قبولها أو الإعلان بها ، بل بناء على أن الغش يبطل التصرفات ، وكذلك إذا اشترى الحق المحال به مقال إليه ثان وكان يعلم بالحوالة وقصد الإضرار بالمحال إليه الأول ، أي أن علم المدين بالحوالة من غير طريق القبول أو الإعلان لا يكفي لجعل الحوالة نافذة في حق المدين ولا في حق الغير.
ويلاحظ أنه إذا كان القانون يشترط إجراء آخر لنفاذ نوع معين من الحوالات ، فإن هذه الحوالة لا تنفذ إلا بهذا الإجراء ولا يعني عنه في نفاذها الإعلان أو القبول ، بل يعني هو عنهما ومثل ذلك حوالة الأجرة مقدماً لأكثر من ثلاث سنوات ، فقد نص قانون الشهر العقاري على أن لا تنفذ قبل الغير إلا بتسجيلها ، (المادة 11 شهر عقاري) ، فيغني تسجيلها عن إعلانها أو قبولها ، ولكن الإعلان أو القبول لا يعني أخذهما في هذه الحالة عن التسجيل .
ومن هذا القبيل أيضاً حوالة الحق المضمون برهن رسمی ، فإذا كان القبول أو الإعلان يكفي أحدهما النفاذ حوالة الحق الشخصي فإنه لا يكفي لنفاذ حوالة الرهن إلا التأشير بهذه الحوالة في هامش قيد الرهن بسجل الشهر العقاري.
وكذلك إذا اكتفى القانون في نفاذ نوع معين من الحوالات بإجراء أخف من قبول المدين الحوالة أو إعلانه بها نفذت الحوالة بتمام ذلك الإجراء الأخف ، ومن هذا القبيل حوالة الأوراق التجارية من كمبيالات وسندات تحت الأذن وشيكات ، إذ ينص القانون على أنها تتم وتنفذ في حق المدين وفي حق الغير بمجرد تظهيرها أي التأثير على ظهر السند بحوالته .
ولا يتضمن قبول المدين الحوالة تزولاً منه عن المنازعة فيها أو عن الدفوع التي كانت له قبل المحيل ، فقبول المحال عليه الحوالة لا يعني أكثر من علمه بحدوثها وبما يترتب عليها من أثر ، مع الاحتفاظ بكافة دفوعه كاملة قبل المحيل ، ولا يترتب على علمه بالحوالة المستفاد من قبوله سوى أن يلتزم بالوفاء للمحال اليه كما كان ملتزماً إزاء المحيل ، وان يمتنع عليه الوفاء لهذا الأخير ولكن هذا الأمر غير متعلق بالنظام العام فيجوز للمدين المحال عليه أن يضمن قبول الحوالة نزوله عن الدفوع التي كانت له قبل المحيل ، فينفذ ذلك في حقه ، على أن يكون هذا القبول المطلق واضحاً لا لبس فيه ، وإلا فإن الشك يفسر لمصلحة المدين ويعتبر قبوله الحوالة مقترناً باحتفاظه بكافة الدفوع .
ولا يستثنى من ذلك سوى دفع واحد هو جنم مطالبة الدائن بالمقاصة في حين ثبت إزاء للمدين ، فانه يمتنع على الدين التمسك به ضد المحال إليه إذا كان قبوله الحوالة حصل دون تحفظ فيما يتعلق بهذا الدفع. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 630)
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/ الاول
انتقال الالتزام في الفقه الإسلامي : ويجدر بنا أن ننظر ، بعد هذه العجالة التاريخية ، ماذا كان موقف الفقه الإسلامي من انتقال الالتزام ، وما مدي التطور الذي بلغه في هذه المسألة ( ) .
يعرف الفقه الإسلامي الحوالة ، ومن أهم المميزات له في تنظيمها هو التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة ( ) . ويوجد في كل من الحوالتين دائن ومدين ثم أجنبي محال عليه ، وهذا الأجنبي المحال عليه هو الذي يتركز فيه التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة .
فإن كان هذا الأجنبي مدينا للمدين أو كان في يده له وديعة أو عين مغصوبة ، $ 421 $ وأراد المدين عن طريق الحوالة الوفاء بالدين الذي في ذمته للدائن بالحق الذي له في ذمة الأجنبي ، فهذه هي الحوالة المقيدة ( ) . وهل أقرب إلي أن تكون طريقا من طرق الوفاء بالدين من أن تكون حوالة بالمعني الدقيق . وتقرها المذاهب جميعا ، علي خلاف بينها في الصياغة القانونية سنذكره فيما يلي :
أما أن كان الأجنبي غير مدين للمدين ، أو كان مدينا ولكن لم تقيد الحوالة بهذا الدين في المذهب الحنفي ، فهذه هي الحوالة المطلقة . ويمكن في الحوالة المطلقة . أن نتصور أن المدين يريد أن يحيل دينه علي الأجنبي ، وهذه هي حوالة الدين بالمعني الدقيق ، ولا يسلم بها الفقه الإسلامي خلافا لما يقال عادة وهي عنده أقرب إلي أن تكون كفالة أو تجديداً ، من أن تكون حوالة للدين وقد قدمنا أن الكفالة في الفقه الإسلامي هي الأصل في التضامن ، والآن نراها الأصل أيضا في الحوالة . ويمكن كذلك في الحوالة المطلقة أن نتصور أن الدائن هو الذي يريد أن يحيل حقه للأجنبي ، وهذه هي حوالة الحق بالمعني الدقيق . وحوالة الحق أيضا لا يسلم بها الفقه الإسلامي بوجه عام ، خلافا لما يقال عادة . ذلك أن الحنفية والشافعية والحنابلة لا يسلمون بهذه الحوالة ، أما المالكية فيسلمون بها في حدود معينة .
وقبل أن نفصل ما أجملناه ، يحسن أن نشير إلي خطأين شائعين ينسبان إلي الفقه الإسلامي في خصوص الحوالة : ( أولا ) ما يرد ذكره عادة في الفقه والقضاء في مصر علي أنه حوالة الحق في الفقه الإسلامي إنما هو حوالة الدين لا حوالة الحق . ( ثانياً ) ليس صحيحاً أن الفقه الإسلامي عرف حوالة الدين ولم يعرف حواله الحق ، وإلا كان هذا بدعا في تطور القانون . فمن غير الطبيعي أن يعرف نظام قانوني حوالة الدين قبل أن يعرف حوالة الحق ، كما أنه من غير الطبيعي أن يسلم نظام قانوني بانتقال الدين بين الأحياء وهو لم يعترف بانتقاله بسبب الموت . فالفقه الإسلامي كان في توره طبيعيا كسائر النظم القانونية : $ 422 $ لم يعرف حوالة الدين ، لا بسبب الموت إذ الدين لا ينتقل إلي الورثة بل يبقي في التركة حتي تقوم بسداده ، ولا بين الأحياء إلا في صورة من صور الكفالة أو التجديد . وعرف حوالة الحق ، بسبب الموت حوالة كاملة إذ الحقوق الشخصية التي للتركة تنتقل إلي الورثة ، وبين الأحياء بقيود معينة وفي مذهب واحد هو المذهب المالكي ( ) .
والآن ننتقل الي تفصيل ما أجملناه ، في غير إطالة إذ لا يتسع المقام هنا للإسهاب . ونتناول حوالة الدين وهي المعنية بلفظ " الحوالة " في الفقه الإسلامي فإذا ذكرت الحوالة قصد بها حوالة الدين دون غيرها ، ثم حوالة الحق ولا يعرف الفقه الإسلامي هذا التعبير ويسمي حوالة الحق بيع الدين أو هبه الدين .
حوالة الدين : يختلف ، في حوالة الدين ، المذهب الحنفي عن المذاهب الثلاثة الأخري . علي أن التمييز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة ، وإن كان غير منصوص عليه إلا في فقه المذهب الحنفي ، لا يقل أهمية في المذاهب الثلاثية الأخري عنه في المذهب الحنفي ، بل لعله يزيد كما سنري .
ونبدأ بالمذهب الحنفي : ففي هذه المذهب تتم الحوالة المطلقة برضاء الأطراف الثلاثة ، الدائن والمدين والمحال عليه . ويجوز أن تتم برضاء الدائن والمحال عليه دون المدين ( ) ، ولكن لا يرجع المحال عليه في هذه الحالة علي المدين ، إذا دفع الدين للدائن ، إلا إذا كانت الحوالة بأمر المدين . أما الحوالة المقيدة فلا بد فيها من رضاء الأطراف الثلاثة . وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة ، $ 423 $ فإن الدائن يرجع علي المحال عليه بالدين ، فهل انتقل الدين إلي ذمة المحال عليه بالحوالة؟ هنا تتضارب الآراء في المذهب الحنفي . فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ينتقل الدين من ذمة المدين إلي ذمة المحال عليه ، فلو أبرأ الدائن المحال عليه منن الدين صح ذلك ولو أبرأ المدين لا يصح ، ولكن الين يعود إلي ذمة المدين إذا توي عند المحال عليه . وعند محمد ، تنتقل المطالبة وحدها دون الدين من المدين إلي المحال عليه ، ويبقي الدين دون المطالبة في ذمة المدين . فلو أراد هذا أن يقضية للدائن ، لا يكون متبرعاً ، لأنه لا يزال مدينا ، ويجبر الدائن علي الاستيفاء . ولو أبرأ الدائن المحال عليه ، لا يرتد الإبراء بالرد ، لأن الدائن إنما أسقط المطالبة لا الدين ، ولا يرجع المحال عليه علي المدين ولو كانت الحوالة بأمره ، لأن الدائن لم يبريء المحال عليه من الدين بل من مجرد المطالبة . وإذا توي الدين عند المحال عليه ، عادت المطالبة إلي المدين واجتمعت عنده مع الدين فيرجع عليه الدائن بالدين نفسه ، ولو كان الدين قد انتقل إلي المحال عليه لما كان للدائن الرجوع بنفس الدين وإنما كان يرجع بالضمان . وعند زفر ، لا ينتقل الدين ولا المطالبة إلي ذمة المحال عليه ، بل تضم ذمة المحال عليه إلي ذمة المدين في المطالبة ، فيكون المحال عليه كفيلا للمدين .
ثم إن الدائن إذا طالب المحال عليه بالوفاء ، وجب هنا أن نميز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة . ففي الحوالة المطلقة ، إذا دفع المحال عليه الدين للدائن ، فإن لا يرجع علي المدين إلا إذا كانت الحوالة بأمره كما قدمنا ، ويرجع بالدين نفسه لا بما أدي . وهذا يدل إما علي أن الدين لا يزال باقيا في ذمة المدين كما يقول محمد ، فيرجع المحال عليه به . وإما علي أن الدين قد انتقل مع المطالبة إلي المحال عليه كما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ، فأداه المحال عليه وحل محل الدائن فيه ، فيرجع به علي المدين . وإما علي أن الدين والمطالبة لم ينتقلا عن المدين كما يقو زفر ، ولهذا يرجع المحال عليه بنفس الدين ، كما يرجع الكفيل في الكفالة بما كفل لا بما أدي . أما إذا توي الدين عند المحال عليه - بأن مات هذا مفلسا أو أفلس وهو حي أو جحد الحوالة ولم تكن هناك بينه - فإن الدائن يرجع علي المدين بنفس الدين ( ) . كما سبق القول . وفي الحوالة المقيدة يخصص $ 424 $ الحق الذي للمدين في ذمة المحال عليه لوفاء الدين المحال به ( ) ، دون أن ينتقل هذا الحق للدائن ، بل دون أن يكون رهنا عنده لسببين : ( 1 ) إذا أفلس المدين قبل أن يؤدي المحال عليه الدين للدائن ، فليس الدائن أحق من سائر غرماء المدين بالدين الذي خصص له وقيدت به الحوالة . وعند زفر الدائن أحق من سائر الغرماء ، لأن الدين صار له بالحوالة رهنا ( ) . ( 2 ) ولو توي هذا الدين $ 425 $ عند المحال عليه ( ) ، توي علي المدين لا علي الدائن ، ولا يسقط في مقابلته شيء من الدين المحال به ( ) . وهذان السببان يبينان أن الدين الذي تقيدت به الحوالة لا ينتقل إلي الدائن ولا يكون رهنا عنده .
هذه هي جملة أحكام حوالة الدين - المطلقة والمقيدة - في المذهب الحنفي ، أوجزناها متوخين إبراز المقومات الرئيسية لهذه الحوالة في هذا المذهب . ويبقي أن نضيف إلي ما قدمناها أن التأمينات التي كانت تكفل الدين المحال به وهو في ذمة المدين قبل الحوالة تنقضي بالحوالة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ولا تنتقل لتكفل الدين في ذمة المحال عليه ( ) . وننظر بعد ذلك في تأصيل حوالة الدين في $ 426 $ المذهب الحنفي ، أيفي التكييف القانوني الذي يساير المقومات الرئيسة السالفة الذكر . ونبادر إلي القول إن هذا التكييف لا يختلف باختلاف ما إذا كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة . وسنراه في المذاهب الثلاثة الأخري يختلف في الحوالة المطلقة عنه في الحوالة المقيدة ، وهذا يؤكد ما سبق أن قررناه من أن التمييز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة قد تزيد أهميته في المذاهب الثلاثة الأخري عنها في المذهب الحنفي . وإنما يختلف التكييف في المذهب الحنفي باختلاف ما اعتبر انتقاله بالحوالة إلي المحال عليه ، هل هو الدين والمطالبة معا ، أو المطالبة وحدها ، أو أن المحال عليه لم ينتقل إليه بالحوالة لا الدين ولا المطالبة :
( ب ) وننتقل الآن ، في حوالة الدين ، إلي المذاهب الثلاثة الأخري ، المالكية والشافعية الحنابلة . وهنا يجب أن نميز ، منذ البداية ، بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة . وهذا تمييز جوهري لا تصرح به نصوص هذه المذاهب ، ويرجع ذلك في الغالي إلي أن الفرق بين هاتين الحوالتين كبير إلي حد أن إحداهما – وهي الحوالة المطلقة - ليست بحوالة أصلا كما سنري ، فلا تستحق هذه التسمية حتى لا تكون نوعا ثانياً إلي جانب الحوالة المقيدة . وهذا يعود بنا مرة أخري إلي تأكيد أهمية هذا التمييز في المذاهب الثلاثة .
ففي الحوالة المقيدة – أو الحوالة إطلاقا لأن الحوالة المطلقة لا تدعي في العادة حوالة في المذاهب الثلاثة – يشترط أن يكون للمدين دين في ذمة المحال عليه معادل في الجنس ومساو في المقدار للدين المحال به ، فيوفي المدين الدين الذي في ذمته للدائن بالدين الذي له في ذمة المحال عليه . ومن ثم وجب أن يكون الدين المحال به والدين الذي تقيدت به الحوالة متساويين ، كما قدمنا ، في الصفة $ 429 $ والمقدار ( ) ، فإن اختلفا في شيء من ذلك لم تصح الحوالة ( ) . ويشترط لانعقاد الحوالة المقيدة في المذاهب الثلاثة رضاء كل من الدائن والمدين ، أما رضاء المحال عليه فلا يشترط علي الأرجح ، لأن الدائن يستوفي الدين منه كما كان يستوفيه المدين فلا يتضرر المحال عليه بذلك . بل إن رضاء الدائن عند الحنابلة لا يشترط هو أيضا إذا كان المحال عليه مليئا ، فيكفي إذن عندهم في هذه الحالة إرادة المدين المنفردة . ومتي تمت الحوالة علي هذا النحو ، برئت ذمة المدين نحو الدائن ، وبرئت ذمة المحال عليه نحو المدين ، وصار المحال عليه مدينا للدائن . ولا تنتقل تأمينات الدين المحال به بل تنقضي ( ) ، مما يقطع $ 430 $ في أن هذا الدين قد انقضي ، فليس هو الذي قام في ذمة المحال عليه للدائن . كذلك لا ينتقل إلي الدائن الحق الذي كان للمدين في ذمة المحال عليه للأسباب الآتية : ( 1 ) لا تنتقل أيضا تأمينات هذا الحق لتكفل الحق الذي قام للدائن في ذمة المحال عليه ( ) . ( 2 ) لو كان حق المدين في ذمة المحال عليه قد انتقل إلي الدائن ، فقد كان ينبغي أن يكون للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع التي كان يدفع بها مطالبة المدين دون الدفوع المستمدة من علاقة المديونية ما بين المدين والدائن ، ولكن في بعض النصوص ما يصرح بعكس ذلك ( ) . ( 3 ) ولو كان هذا الحق $ 431 $ قد انتقل إلي الدائن ، وكان المحال عليه معسراً وقت الحوالة أو أعسر بعد ذلك ، فقد كان ينبغي أن يرجع الدائن علي المدين بالضمان ، ولكن الظاهر من النصوص أن المدين لا يضمن إعسار المحال عليه ( ) . ( 4 ) ولو كان مقدراً لهذا الحق أن ينتقل إلي الدائن ، ولكن لم يتمكن المدين من نقله ، كأن كان الحق ثمنا لمبيع استحق أو كان وديعة فهلكت ، فقد كان ينبغي أن يعتبر الدائن غير مستوف لدينه أو أن الحق لم ينتقل إليه ، فيبقي للدائن دينه في ذمة المدين ، ولكن هذا الحكم لا يظهر في وضوح من النصوص .
ويستوقف النظر علي كل حال أن الحوالة ، في المذاهب الثلاثة ، لا تكون إلا حيث يكون المدين دائنا في الوقت ذاته للمحال عليه بجنس ما عليه وبمقداره ( ) . $ 432 $ أليس من البديهي أن يقال في هذه الحالة إن المدين إنما يوفي ، عن طريق ما يسمي بالحوالة ، الدين الذي عليه للدائن بالحق الذي له في ذمة المحال عليه ، ثم يوفي بهذا الحق الذي استوفاه الدين الذي عليه للدائن ، يختصر هاتين العمليتين في عملية واحدة ، فيقضي الدين الذي عليه بالحق الذي له ، دون أن يستوفي شيئا من مدينة أو يوفي شيئا لدائنه ، بل يقتصر علي أن يحيل دائنه علي مدينة هذا هو الظاهر الواضح . ولكن علي أي أساس أجري المدين كل ذلك؟ لا نري أن المدين حول علي مدينة الدين الذي في ذمته للدائن ، لأن تأمينات هذا الدين لا تنتقل بل تنقضي كما قدمنا . وإنما هو وفي لدائنه ما عليه من الدين من طريق التجديد بتغيير المدين ، فانقضي الدين الأصلي ، وحل محله دين جديد استبدل فيه بنفسه المحال عليه ، ومن ثم لم تنتقل التأمينات إلي هذا الدين الجديد . ولا نري أن المدين حول لدائنه الحق الذي له في ذمة المحال عليه ، لأن تأمينات هذا الحق لا تنتقل بل تنقضي كما قدمنا ، وهذا إلي الأسباب الأخري التي سبق ذكرها والتي تدعو إلي القول بأن هذا الحق لم ينتقل . وإنما هو استوفي من المحال عليه حقه هذا عن طريق التجديد بتغيير الدائن ، فانقضي الحق الأصلي ، وحل محله حق جديد استبدل فيه بنفسه الدائن ، ومن ثم لم تنتقل التأمينات إلي هذا الحق الجديد . فهو باعتباره مدينا قد استبدل بنفسه مدينة ، وهو باعتباره دائنا قد استبدل بنفسه دائنه . وخرج علي هذا النحو عن المديونية والدائنية ، فأسقط كلا من الدين والحق . وأنشأ التزاما جديداً ، إذ وضع مدينة مكانه تجاه دائنه ، كما وضع دائنه مكانه تجاه مدينه ، واستطاع بهذا أن يصل بين مدينه ودائنه ، فيجعل الأول هو المدين للثاني في هذا الالتزام الجديد ( ) . $ 433 $ فالحوالة المقيدة في المذاهب الثلاثة هي إذن ، في نظرنا ، وفاء دين بحق ، عن طريق إسقاط كل من الدين والحق ، وإنشاء التزام جديد يستوفي به المدين الحق وبقي بالدين . فتنتهي إلي تجديد بتغيير الدائن بالنسبة إلي استيفاء الحق ، وإلي تجديد بتغيير المدين بالنسبة إلي الوفاء بالدين .
أما ما يمكن أن نسميه بالحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة ، حيث لا يكون للمدين دين في ذمة المحال عليه ، فهذه ليست حوالة أصلا ، حتي بالاسم ، فقد رأينا ان المذاهب الثلاثة لا تسميها حوالة . فإذا حول المدين دائنه علي أجنبي غير مدين له ، فهو إنما يجعل من هذا الأجنبي كفيلا له . فالحوالة هنا كفالة محضة لا تحوير فيها ، أو هي حمالة كما تقول المالكية ( ) . ولابد من رضاء الدائن والمدين والمحال عليه جميعا بهذا الحوالة . فإذا انعقدت ، اعتبر المحال عليه كفيلا للمدين ، وكان الدائن بالخيار إن شاء طالب المدين وإن شاء طالب المحال عليه ، ولا يتعين أن يطالب المحال عليه أولا كما يتعين ذلك في المذهب الحنفي فيما دعوناه بالكفالة المحورة ( ) .
$ 434 $ حوالة الحق : رأينا في حوالة الدين أن المذهب الحنفي يتميز عن المذاهب الثلاثة الأخري . أما هنا ، في حوالة الحق ، فالمذهب المالكي هو الذي يتميز عن المذاهب الثلاثة الأخري ، الحنفية والشافعية والحنابلة .
ويخلص من كل ذلك أن الفقه الإسلامي لم يقر حوالة الدين بالمعني المفهوم في الفقه الغربي في أن مذهب من مذاهبه . وقد أقر حوالة الحق بشروط معينة في أحد مذاهبه ، وهو مذهب مالك ، دون المذاهب الأخري . فلم يكن الفقه $ 437 $ الإسلامي إذن بدعا في تطوره كما قدمنا ، ولم يقر حوالة الدين دون أن يقر حوالة الحق ، بل هو قد سار علي السنن المألوفة في التطور ، إذ بدأ بإقرار حوالة الحق بسبب الموت ، ثم بإقرار هذه الحوالة بين الأحياء ولكن في مذهب واحد من مذاهب . ثم وقف تطوره عند ذلك ، فلم يقر حوالة الحق بين الأحياء في المذاهب الأخري ، ولم يقر حوالة الدين أصلا لا بسبب الموت ولا بين الأحياء
( [1] ) ويذهب الأستاذ شفيق شحاته إلي أن الالتزام لا ينتقل ، في الواقع من الأمر ، من دائن إلي دائن أو من مدين إلي مدين ، بل الدائن أو المدين يستخلف شخصا آخر - دائنا أو مدينا - علي الالتزام . فهو يميز ، من ناحية التعبير ، ما بين انتقال الالتزام والاستخلاف عليه ، ففي الحالة الأولي ينتقل الالتزام إلي شخص جديد ، أما في الحالة الثانية فلا ينتقل الالتزام بل يستخلف شخص عليه شخصا آخر . ويقول في هذا المعني ما يأتي : " والواقع ان الذي وصلت إليه التشريعات الحديثة بعد تطور طويل هو إباحة الاستخلاف ما بين الأحياء في الحق الواحد ، كما يحدث تماما عند وفاة الشخص بالنسبة إلي مجموعة حقوقه . فالدائن الجديد يخلف الدائن القديم ، وكذلك المدين الجديد يخلف المدين القديم ، في الحق الشخصي . فلا ينشأ حق جديد ، ولا ينتقل الحق القديم إلي شخص جديد ، بل أن شخصا يحل محل آخر في نفس الحق ، من طريق ما يسمي خطأ في القوانين الوضعية بالحوالة " ( الأستاذ شفيق شحاته : حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 7 ) وقد يقتضي كل هذه الدقة ، فلا يقال إن الالتزام انتقل من شخص قديم إلي شخص جديد ، بل إن شخصا قديما استخلف عليه شخصا جديداً . ويوزان سالي بين العبارتين ، فيري العبارة الثانية أدق ، إذ يقول : " ان استبدال شخص بآخر ، فيما يتعلق بالالتزام ، هو الذي يعدل انتقال الالتزام . ولكن لفظ الاستخلاف أدق من لفظ الانتقال . فما دام الالتزام لصيقا بالشخص ، فنقله لا يعني إلا أن شخصا جديداً أصبحا هو صاحب الالتزام وخلف عليه من نقله . بل إن التعبير الصحيح ، ليس أن يقال أن شخصا قد استخلف علي حق الغير ، بل أن يقال إن شخصا خلف شخصا آخر فيما يتعلق بهذا الحق " ( سالي : بحث في النظرية العامة للالتزام في القانون الألماني فقرة 74 ص 64 ) . ومهما يكن من أمر ، فما لا شك فيه أن عندما يقال ان الالتزام انتقل من شخص إلي شخص آخر ، يكون المقصود دائما أن هذا الشخص الآخر قد خلف الشخص الأول علي هذا الالتزام . فالانتقال هنا معناه الاستخلاف ، واستعمال لفظ الانتقال أيسر من الناحية العلمية . علي أن الأستاذ شفيق شحاته أجاز في مكان آخر أن يقال " إن الحق وقد كان محله الشيء انتقل إلي شخص آخر وبقي محله نفس هذا الشيء " ( النظرية العامة للحق العيني ص 114 و ص115 وهامش رقم 1 في ص 115 ) . ويعترض الأساتذة بلانيول وريبير وبولانجية علي التمسك بهذا القدر من الدقة ، ويذهبون إلي أن الحق ، وبخاصة حق المليكة والحق الشخصي من ناحيته الإيجابية ، ينتقل فعلا من شخص إلي آخر ( بلانيول وريبير وبولانجيه 1 فقرة 2859 ) .
انظر في هذا الموضوع الدكتور صبحي المحصاني : انتقال الالتزام في القانون المدني اللبناني – النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية 2 ص 341 – ص 356 .
( [1] ) هذا التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة مذكور في نصوص المذهب الحنفي دون نصوص المذاهب الأخري . ولكنه تفريق جوهري لتفهم الحوالة في الفقه الإسلامي في المذاهب جميعا لا في المذهب الحنفي وحده ، كما سنري .
( [1] ) وفي المذهب الحنفي لا تكون الحوالة مقيدة إلا إذا قيد المدين الحوالة بالدين الذي له في ذمة المحال عليه ، فإذا كان للمدين دين في ذمة المحال عليه ولم يقيد به الحوالة ، فإن الحوالة تكون مطلقة بالرغم من مديونية المحال عليه للمدين .
( [1] ) قارن الدكتور حسن الذنون ، وهو يقول : " والشريعة الإسلامية أقرت حوالة الدين دون حوالة الحق علي رأي معظم الفقهاء " ( أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 218 ص 207 ) .
( [1] ) أما إذا اتفق المدين مع المحال عليه علي الحوالة ، فان هذا لا يكفي ، بل لابد أيضا من قبول الدائن ، ولا تنعقد الحوالة إلا من وقت هذا القبول دون أثررجعي . ويشترط أيضا لانعقاد الحوالة بلوغ المحال عليه ، لأنه يعتبر في مقام المتبرع . أما المدين والدائن فيكفي فيهما التمييز لانعقاد الحوالة ، ويشترط لنفاذها الإجازة ، فإذا كان المميز هو الدائن اشترط في الإجازة أن يكون المحال عليه أكثر ملاءة من المدين .
ويعتمد المذهب الحنفي - ومعه سائر المذاهب - في مشروعية الحوالة علي حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : مطل الغني ظلم ، وإذا اتبع أحدكم علي ملي فليتبع .
( [1] ) ويرجع بنفس الدين لا بالضمان ، وسنري أن هذا يمكن حمله علي أن الحوالة تفسخ إذا توي الدين . ولكن قد يؤخذ هذا دليلا علي صحة قول محمد من أن الدين لا ينتقل بالحوالة ، بل يبقي في ذمة المدين ، وتعود المطالبة بالتوي فتجتمع مع الدين ، ومن ثم يرجع الدائن بنفس الدين علي المدين ، وقد سبقت الإشارة إلي ذلك .
( [1] ) ونصوص المذهب الحنفي لا تشترط التساوي ما بين الدين المحال به والدين المحال عليه ، أما نصوص المذاهب الثلاثة الأخري فتصرح بوجب هذا التساوي كما سنري .
وفي الحوالة المقيدة في الفقه الحنفي يخصص الدين المحال عليه للوفاء بالدين المحال به كما يخصص مقابل الوفاء ( Provision ) لدفع قيمة الكمبيالة . وقد عرف الفقه الإسلامي الكمبيالة فعلا ، وسماها " السفتجة " ، وبني أحكامها علي أساس الحوالة .
( [1] ) وقد أخذت " المجلة " بقول زفر في هذه المسألة ، إذا نصت المادة 692 منها علي ما يأتي : " ينقطع حق مطالبة المحيل بالمحال به في الحوالة المقيدة ، وليس للمحال عليه أن يعطي المحال به للمحيل فان أعطاه ضمن ، وبعد الضمان يرجع علي المحيل . ولو توفي المحيل قبل الأداء وكانت ديونه أزيد من تركته ، فليس لسائر الغرماء حق في المحال به " . ويقول الأستاذ سليم باز تعليقا علي هذا النص ما يأتي : " التعبير بالمحال به . . غير مصيب ، إذ المقصود هنا ما في يد المحال عليه أو في ذمته من العين والدين كما هو ظاهر . أما أن المحال له أحق من سائر الغرماء في ذلك ، فلم يظهر لي وجهه ، مع أن عامة كتب المذهب قد صرحت بأن المحال له أسوة للغرماء ، لأن العين التي للمحيل في يد المحال عليه والدين الذي له في ذمته لم يصر مملوكا للمحتال بعقد الحوالة ، لا يدا وهو ظاهر ، ولا رقبة لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل ، فيكون بين الغرماء بالأسوة . أما المرتهن فملك المرهون يدا وحبسا ، فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره ، فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه ( درر ) . أما لو كانت الحوالة مطلقة ، فالمحتال أسوة الغرماء عند الكل ( رد مختار ) . والظاهر أن جمعية المجلة لم تخالفهم إلا في الحوالة المقيدة فقط ، ولعلها أخذت بقول زفر ، فمان المحتال عنده أحق من سائر الغرماء ، لأن الدين صار له بالحوالة كالمرتهن بالرهن بعد موت الراهن ( مجمع الأنهر ) ، ( شرح المجلة للأستاذ سليم باز م 692 ص 379 ) . ولو أخذنا برأي زفر ، يكون الدين المحال عليه وهنا في الدين المحال به كما رأينا ، فلا تنتقل ملكية الدين المحال عليه إلي الدائن كما تنتقل في حوالة الحق بالمعني المفهوم في القوانين الغربية . ومن ثم لا تكون الحوالة في رأي زفر ، حتي بالنسبة إلي الدين المحال عليه ، حوالة حق ( انظر الأستاذ مصطفي الزرقا في الحقوق المدنية جزي 2 ص 30 في الهامش - الأستاذ أميل تيان في مقال له بمجلة كلية الحقوق ببيروت في حوالة الدين وحوالة الحق في الفقه الإسلامي علما وعملا - وقارن الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 58 هامش رقم 3 ) .
( [1] ) أو لم يستوف الدائن الدين لأي سبب آخر ، كأن كان ثمن مبيع فاستحق أو كان وديعة فهلكت . ولكن الحوالة تبطل في هذه الحالة ، لأن الدين الذي قيدت به يعتبر سببا لها ، وقد انعدام فانعدمت .
( [1] ) ولو كان الدين الذي قيدت به الحوالة رهنا عند الدائن ، وتوي عند المحال عليه ، ليقسط الدين المحال به بقدر ما توي من الرهن ، لأن المرهون إذا هلك سقط من الدين ما يقابله .
( [1] ) أما عند محمد فتبقي التأمينات علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين ، وقد قدمنا أن الحوالة عند محمد لا تنقل الدين وإنما تنقل المطالبة وحدها . وجاء في فتح الغدير : " فعند أبي يوسف ينتقل الدين والمطالبة ، وعند محمد تنتقل المطالبة لا الدين . قال وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألتين : إحداهما أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين ، فله أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبراه عنه ، وعند محمد لا يسترده كما لو أجل الدين بعد الرهن . . " ( فتح القدير جزء 5 ص 446 ) . وجاء في البحر الرائق : " لو أحال المشتري البائع بالثمن علي رجل ، لم يملك ( البائع ) حبس المبيع . وكذا لو أحال الراهن المرتهن ، لا يحبس ( المرتهن ) الرهن . ولو أحال الزوج المرأة بصداقها ، لم تحبس نفسها " ( البحر الرائق 6 ص 268 وما بعدها ) . وجاء في الزيلعي : " ثم اختلفوا في البراءة ، فقال أبو يوسف يبرأ عن الدين والمطالبة ، وقال محمد يبرأ عن المطالبة فقط ولا يبرأ عن الدين . وثمرة الخلاف تظهر في موضعين : أحدهما . . . والثاني أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين علي إنسان ، كان للراهن أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبراه عن الدين ، وعند محمد ليس له ذلك كما لو أجل الدين " ( الزيلعي 4 ص171 ) .
وكما أن التأمينات لا تنتقل لتكفل الدين في ذمة المحال عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، كذلك نحسب أن الدفوع أيضا لا تنتقل . فليس للمحال عليه أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع التي كان المدين يتمسك بها ضد الدائن ، بل ولا يجوز للمحال عليه أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع المستمدة من علاقته هو بالمدين ، وهذا ما لم تكن الحوالة مقيدة وسقط الدين الذي تقيدت به أو هلكت الوديعة علي النحو الذي قدمناه . فيعتبر التزام المحال عليه نحو الدائن التزاما مجرداً ، فلا يتأثر لا بالعلاقة القائمة بين المدين والدائن ولا بالعلاقة القائمة بينه وبين المدين ، وإنما هي علاقة جديدة قامت بينه وبين الدائن مستقلة عن العلاقتين السالفتي الذكر . صحيح أن الدين الذي يقوم في ذمة المحال عليه للدائن يشارك الدين كان في ذمة المدن للدائن في صفته من حيث الحلول والتأجيل ، وقد جاء في المادة 896 من مرشد الحيران : " يتحول الدين علي المحتال عليه بصفته التي علي المحل . فإن كان الدين علي المحيل حالا ، تكون الحوالة به علي المحتال عليه حاله ، ويدفع المحتال عليه الدين المحال به معجلا . وإن كان الدين علي المحيل مؤجلا ، تكون الحوالة به علي المحتال عليه مؤجله ، ولا يلزم بالدفع إلا عند حلول الأجل . فلو مات المحيل بقي الأجل ، وإن مات المحتال عليه صار الدين حالا ويؤدي من التركة إن كان بها ما يفي بأدائه ، وإلا رجع المحتال بالدين أو بما بقي له منه علي المحيل ليؤديه عند حلول الأجل " . ولكن هذا لا يفيد أن المحال عليه يتمسك بالدفوع التي كان يتمسك بها المدين . للمحال عليه طبعا أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة ذاته إذ هو طرف فيه ، فإذا كان هذا العقد باطلا جاز له أن يتمسك ببطلانه . وله أيضا أن يتمسك بالدفوع التي يستمدها من علاقته هو بالدائن ، فله أن يتمسك ببطلانه . وله أيضا أن يتمسك بالدفوع التي يستمدها من علاقته هو بالدائن ، فله أن يتمسك باتحاد ذمته مع الدائن ، وأن يتمسك بالمقاصة بينه وبين الدائن . أما أن يتمسك بالمقاصة بين الدائن والمدين ، فإن جاز له ذلك فإنما يحمل علي أنه يتمسك بدفع مستمد من عقد الحوالة . ذلك أنه إذا كان الدين المحال به قد انقضي بالمقاصة بين الدائن والمدين قبل الحوالة ، فالحوالة باطلة ، لأن من شروط انعقادها أن يكون هناك دين قائم في ذمة المدين للدائن ، فتمسك المحال عليه بالمقاصة في هذه الحالة إنما هو تمسك ببطلان الحوالة ( قارن الدكتور صبحي المحمصاني في النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية 2 ص 355 – انتقال الالتزام في القانون اللبناني ص 58 ) .
( [1] ) وفي الحوالة المقيدة تبرأ ذمة المحال عليه نحو المدين بقدر ما أدي من الدين للدائن .
( [1] ) ذلك أن المدين يضمن للدائن يسار المحال عليه ، بحيث تنفسخ الحوالة إذا توي الدين عنده . وهذا بخلاف المذاهب الثلاثة الأخري ، فسنري أن المدين لا يضمن يسار المحال عليه ، إلا في مذهب مالك حيث يعتبر المدين قد غر الدائن إذا كان المحال عليه مفلسا وقت الحوالة دون أن يعلم الدائن ذلك ويعلمه المدين .
( [1] ) وقد قدما أن التأمينات ، عند محمد ، تبقي علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين ، خلافا لأبي حنيفة ولأبي يوسف : فتح القدير 5 ص 446 – الزيلعي 4 ص 171 – ويقضي المنطق ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، بأن تعود التأمينات إذا فسخت الحوالة بالتوي وعاد الدين إلي ذمة المدين الأصلي ، ولكن لا يوجد في نصوص المذهب الحنفي نص صريح في هذا المعني .
( [1] ) بل إن الدائن في الكفالة العادية يغلب أن يرجع أولا علي الكفيل ، لأنه يختار عادة لكفالة الدين من هو أكثر ملاءة من المدين الأصلي ، فيكون الرجوع علي الكفيل أيسر من الرجوع علي المدين . وهذا الذي يقع فعلا في الكفالة العادية يقع قانوناً في حوالة الدين . فالذي تتميز به حوالة الدين إذن هو أن المدين في الحوالة يأمن رجوع الدائن عليه قبل رجوعه علي الكفيل ، فالحوالة من هذا الوجه أقرب إلي أن تكون ضمانا للمدين منها ضمانا للدائن .
( [1] ) أو لعل حوالة الدين ، عند محمد ، هي ضرب من الأنابة القاصرة ( delegation imparfaite ) ، ينيب فيها المدين المحال عليه في الوفاء بالدين عن طريق نقل المطالبة إليه ، فيرجع الدائن ( المناب ) هنا أيضا علي المحال عليه ( المناب لديه ) أولا ، فإن توي الدين عنده رجع علي المدين ( المنيب ) .ويستوي في ذلك أن تكون الحوالة مطلقة أو مقيدة .
( [1] ) وهذا لا يمنع من أن يكون ما علي المدين للدائن أكثر أو أقل مما علي المحال عليه للمدين . فان كان أكثر ، جازت حوالة جزء منه يعادل في المقدار ما علي المحال عليه للمدين ، وإن كان أقل ، جازت حوالته علي جزء مما علي المحال عليه للمدين معادل له في المقدار . جاء في الشرح الصغير للدردير ( جزء 2 ص 143 ) : " وشرط لصحتها . . تساوي الدينين ، المحال به وعليه ، قدراً وصفة . فلا تصح حوالة بعشرة علي أكثر منها ولا أقل ، ولا بعشرة محمدية علي عشرة يزيدية ولا عكسه ، فليس المراد بالتساوي أن يكون ما علي المحيل مثل ما علي المحال عليه قدراً وصفة ، لأنه يجوز أن يحيل بعشرة علي عشرة من عشرين لي غريمة ، وأن يحيل بخمسة من عشرة علي خمسة علي غريمة " .
( [1] ) وتصرح المالكية بأن الحوالة ، في حالة تساوي الدينين ، هي " إحالة " الدين ، وليست بيع الدين بالدين . قال ابن جزي : " والشرط الثاني أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار ، فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر ، أو أدني أو أعلي ، لأنه يخرج عن الأحالة إلي البيع ، فيدخله الدين بالدين " ( القوانين الفقهية ص 327 ) .أما عند الشافعية فالحوالة هي بيع دين بدين . جاء في المهذب : " لا تجوز الحوالة إلا علي دين يجوز بيعه . . لأن الحوالة بيع في الحقيقة ، لأن المحتال يبيع ماله في ذمة المحيل بما له في ذمة المحال عليه ، والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين ، فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه " ( المهذب جزء أول ص 337 ) .
( [1] ) جاء في أسني المطالب شرح روض الطالب ( جزء 3 ص 232 ) : " لا يعتبر اتفاقهما في الرهن ولا الضمان ، بل لو أحاله بدين أو عي دين به رهن أو ضامن ، انفك الرهن وبريء الضامن ، لأن الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق . ويفارق المحتال الوارث في نظيره من ذلك ، لأن الوارث خليفة مورثه فيما ثبت له من الحقوق " . وجاء في حاشية الشرقاوي علي شرح التحرير ( جزء 2 ص 26 ) . " فلو كان في أحد الدينين توثق برهن أو ضامن ، لم يؤثر ولم ينتقل الدين بصفة التوثق . بل يسقط التوثق ، لأحد الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق " وجاء في نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج ( جزء 3 ص394 ) : " إن أطلق الحوالة ولم يتعرض لتعلق حقه بالرهن ، فينبغي أن تصح وجها واحدا وينفك الرهن ، كما إذا كان له به ضامن فأحال عليه به من له دين لا ضامن به صحت الحوالة وبردي الضامن ، لأنها معارضة أو استيفاء وكل منهما ينقضي براءة الأصيل فكذلك يقتضي فك الرهن . فان شرط بقاء الرهن ، فهو شرط فاسد تبطل به الحوالة إن قارنها " .
( [1] ) جاء في الغرر البهية شرح البهجة الوردية ( جزء 3 ص 144 وما بعدها ) : " لو أحاله علي دين به رهن أو ضامن ، انفك الرهن وبريء الضامن ، لأن الحوالة كالقبض " . انظر ايضا ما قدمناه من النصوص : أسني المطالب شرح روض الطالب جزء 3 ص 232 - حاشية الشرقاوي علي شرح التحرير جزء 2 ص 26 - نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج جزء 3 ص 394 .
( [1] ) أما أنه ليس للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع التي كان يدفع بها مطالبة المدين ما لم يكن الدين الذي في ذمته للمدين غير موجود أصلا ، فقد جاء في المهذب ( جزء أول ص 338 ص339 ) : " وإن أحال البائع رجلا علي المشتري بالألف ، ثم رد المشتري المبيع بعيب ، لم تبطل الحوالة وجها واحدا ، لأنه تعلق بالحوالة حق غير المتعاقدين وهو الأجنبي المحتال فيم يجز إبطاها . وإن أحال البائع علي المشتري رجلا بألف ، ثم اتفقا علي أن البعد كان حرا ، فإن كذبهما المحتال لم تبطل الحوالة . . فان أقاما علي ذلك بينة لم تسمع ، لأنهما كذبا البينة بدخولهما في البيع . وإن صدفهما المحتال بطلت الحوالة ، لأنه ثبتت الحرية وسقط الثمن فبطلت الحوالة " - وهناك خلاف فيما إذا كان يجوز للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع المستمدة من علاقة المديونية ما بين الدائن والمدين ، فقد جاء في المهذب : " وإذا اشتري رجل من رجل شيئا بألف وأحال المشتري البائع علي رجل بالألف ، ثم وجد بالمبيع عيبا فرده ، فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو علي الطبري لا تبطل الحوالة فيطالب البائع المحال عليه بالمال ، ويرجع المشتري علي البائع بالثمن ، لأنه تصرف في أحد عوضي البيع فلا يبطل بالرد بالعيب ، كما لو اشتري عبداً بثوب وقبضه وباعه ثم وجد البائع بالثوب عيبا فرده . وقال أبو اسحق تبطل الحوالة . . فلا يجوز للبائع مطالبة المحال عليه ، لأن الحوالة وقعت بالثمن ، فإذا فسخ البيع خرج المحال به عن أن يكون ثمنا ، فإذا خرج عن أن يكون ثمنا ولم يتعلق به حق غيرهما وجب أن تبطل الحوالة . . ويخالف هذا إذا اشتري عبداً وقبضه وباعه ، لأن العبد تعلق به حق غير المتبايعين وهو المشتري الثاني فلم يمكن إبطاله ، والحوالة لم يتعلق بها حق غيرهما فوجب إبطالها ( المهذب جزء أول ص 338 ) .
( [1] ) جاء في القوانين الفقهية لابن جزي : " فإذا وقعت الإحالة ، برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال ، وانتقل إلي طلب المحال عليه . ولا رجوع للمحال علي المحيل إن أفلس المحال عليه أو أنكر ، إلا أن يكون المحيل قد غر المحال لكونه يعلم فليس المحال عليه أو بطلان حقه قبله ولم يعلم المحال بذلك . وقال الشافعي لا يرجع علي المحيل ، غره أو لم يغره " ( القوانين الفقهية ص 327 ) . وجاء في المهذب : " إذا أحال بالدين ، انتقل الحق إلي المحال عليه وبرئت ذمة المحيل ، لأن الحوالة إما أن تكون تحويل حق أو بيع حق ، وأيهما كان وجب أن تبرأ من ذمة المحيل . وإن أحاله علي مليء فأفلس أو جحد الحق وحلف عليه ، ولم يرجع إلي المحيل ، لأنه انتقل حقه إلي مال يملك بيعه ، فسقط حقه من الرجوع ، كما لو أخذ بالدين سلعة ثم تلفت بعد القبض . وإن أحاله علي رجل بشرط أن مليء فبان أنه معسر ، فقد ذكر المزني أنه لا خيار له ، وأنكر أبو العباس هذا وقال له الخيار لأنه غره بالشرط فثبت له الخيار ، كما لو باعه عبدا بشرط أنه كاتب ثم بأن أنه ليس بكاتب . وقال عامة أصحابنا لا خيار له ، لأن الإعسار نقص ، فلو ثبت به الخيار لثبت من غير شرط كالعيب في المبيع ، ويخالف الكتابة فإن عدم الكتابة ليس بنقص وإنما هو عدم فضيلة ، فاختلف الأمر فيه بين أن يشرط وبين ألا يشرط " ( المهذب جزء أول ص 338 ) . وجاء في الأم للشافعي ( جزء 2 ص 203 ) : " اخبرنا الربيع بن سليمان قال اخبرنا الشافعي إملاء قال : والقول عندنا والله تعالي أعلم ما قال مالك بن أنس أن الرجل إذا أحال علي الرجل بحق له ، ثم أفلس المحال عليه أو مات ، لم يرجع المحال علي المحيل أبداً " . وجاء في المغني : " فإذا اجتمعت شروط الحوالة وصحت ، برئت ذمة المحيل في قول عامة الفقهاء . . . إذا ثبت أن الحق انتقل . فمتي رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار ، لم يعد الحق إلي المحيل أبداً ، سواء أمكن استيفاء الحق أن تعذر لمطل أو فلس أو غير ذلك " ( المغني 5 ص58 ) .
( [1] ) بل ان الفقه المالكي يشترط فوق ذلك أن يكون الدين المحال به حالا ، فإذا لم يكن حالا وجب علي الأقل أن يكون الدين المحال عليه حالا وأن يقبضه المحال قبل التفرق ، وفي هذا ما يبرز في وضوح أن الحوالة ليست إلا وفاء دين بدين . جاء في الشرح الكبير للدردير ( جزء 3 ص 226 وما بعدها ) : " شرط صحة الحوالة . . حلول الدين المحال به ، وهو الذي علي المحيل لأنه إذا لم يكن حالات أدي إلي تعمير ذمة بذمي فيؤدي إلي بيع الدين بالدين . . إلأا أن يكون المحال عليه حالا ويقبضه قبل أن يتفرقا مثل الصرف فيجوز " .
( [1] ) ومما يؤيد أن الدين الذ قام في ذمة المحال عليه للدائن ليس هو نفس الدين الذي كان في ذمة المدين للدائن بل هو نظيره أي التزام جدي معادل له ، ما جاء في كشاف القناع بحل ألفاظ أبي شجاع ( جزء 2 ص48 ) : " وتبرأ بالحوالة الصحيحة ذمة المحيل عن دين المحتال ، ويسقط دينه عن المحال عليه ، ويلزم دين محتال محالا عليه أي يصير نظيره في ذمته " .
ويخلص من كل ذلك أن حوالة الدين في الفقه الإسلامي تدخل في منطقة الوفاء بالدين لا في منطقة بيعه أو انتقاله . ويقول ابن القيم نقلا عن ابن تيمية في هذا المعني : " إن الحوالة من جنس إيفاء الحق لا من جنس البيع ، فإن صاحب الحق إذا استوفي من المدين ما له كان هذا استيفاء ، فإذا أحاله علي غيره كان قد استوفي ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل . . ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص وإن كان فيه شوب المعارضة " ( إعلام الموقعين 1 ص341 ) .
( [1] ) يؤيد ذلك النصوص الآتية : جاء في الخطاب ( جزء 5 ص 91 ) : " قال في المدونة وإذا أحالك علي من ليس قبله دين ، فليست حوالة وهي حمالة " . وجاء في الخرشي ( جزء 6 ، 17 ) : " ومن شروطها ثبوت دين للمحيل في ذمة المحال عليه ، وإلا كانت حمالة عند الجمهور " . وجاء في المهذب ( جزء أول ص 337 ) : " ولا تجوز الحوالة إلا علي من له عليه دين ، لأنابينا أن الحوالة بيع ما في الذمة بما في الذمة ، فإذا أحال علي من لا دين له عليه كان بيع معدوم فلم تصح . ومن أصحابنا من قال تصح إذا رضي المحال عليه ، لأنه تحمل دين يصح إذا كان عليه مثله فيصح وأن لم يكن عليه مثله كالضمان . فعلي هذا يطالب المحيل بتخليصه ، كما يطالب الضامن المضمون عنه بتخليصه . فإن قضاه بإذنه رجع علي المحيل . وإن قضاه بغير إذنه لم يرجع " .
( [1] ) ويخلص من ذلك أن الحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة تختلف في طبيعتها عن الحوالة المقيدة ، فالأولي كفالة محضة ، والثانية تجديد بتغيير المدين وتجديد بتغيير الدائن . أما في المذاهب الحنفي ، فالحوالة المطلقة لا تختلف في طبيعتها عن الحوالة المقيدة ، كلتاهما إما تجديد بتغيير المدين إذا قلنا بانتقال المطالبة والدين جميعا ، وإما كفالة محورة إذا قلنا بانتقال المطالبة وحدها دون الدين ، وإما كفالة محضة إذا قلنا بعدم انتقال أي من الدين والمطالبة . وإنما تزيد الحوالة المقيدة علي الحوالة المطلقة ، في المذهب الحنفي ، بوجود دين في ذمة المحال عليه للمدين يخصص لوفاء الدين المحال به علي قول الأئمة الثلاثة ، أو يكون مرهونا فيه علي قول زفر .
( [1] ) وقد جاء في المدونة : " قلت أرايت أن وهبت لرجل دينا لي عليه كيف يكون قبضه ، قال إذا قال قد قبلت فذلك جائز له ، وهذا قبض لأن الدين عليه ، وهذا قول مالك ، وإذا قبل سقط . قلت فإن وهبت لرجل دينا علي رجل آخر ، قال مالك إذا أشهد له ، وجمع بينه وبين غريمه ، ودفع إليه ذكر الحق ، فهو قد قبض . قلت فإن لم يكن كتب عليه ذكر حق كيف يصنع ، قال إذا أشهد له وأحاله عليه فهذا قبض في قول مالك . قلت فإن كان الغريم غائبا ، فوهب لرجل ماله علي غريمه وأشهد له بذلك ودفع إليه ذكر الحق وأحاله عليه ، أيكون هذا قبضا في قول مالك ، قال نعم . قلت أرايت الدين إذا كان علي الرجل وهو بأفريقية وأنا بالفساط ، فوهبت ذلك الدين الذي لي بأفريقية لرجل معي بالفسطاط ، وأشهدت له ، وقل أتري ذلك جائزاً ، قال نعم . قلت لم أجزته في قول مالك ، قال لأن الديون هكذا تقبض ، وليس هو شيئا بعينه يقبض ، إنما هو دين علي رجل فقبضه أن يشهد له ويقبل الموهوب له الهبة " ( المدونة الكبري جزء 15 ص 126 - 127 ) .
( [1] ) وقد جاء في شرح التاودي للتحفة : " وإنما يجوز بيع الدين لغير من هو عليه ، مع حضور المدين وإقراره وإن كان عليه بينه ، لأنه قد يطعن فيها أو يدعي القاضء فيكون من شراء ما فيه خصومة وهو ممنوع علي المشهور . وأجاز ابن القاسم في سماع موسي بن معاوية شراء الدين علي الغائب . . مع تعجيل الثمن وإلا كان من بيع الدين بالدين ، وكونه ليس طعام من يبيع فإن كان الدين طعام من يبيع لم يجز لما تقدم من منع بيع طعام المعاوضة قبل قبضة . وبيعه بغير جنس مرعي : فإن بيع بجنسه لم يجز ، لأنه الشأن في الدين أن يباع بأقل فيكون سلفا بمنفعة . وسادس الشروط ألا يكون المشتري عدوا للمدين يقصد بالشراء إعناته ، وإلا رد البيع وفسخ " ( التاودي علي التحفة 2 ص47 ) .
ونري من هذا النص إنه لا يشترط لجواز بيع الدين لغير من هو عليه رضا المدين ، ولكن يجب مع ذلك توافر الشروط الآتية : ( 1 ) ألا يكون الدين حقا متنازعاً فيه ، لأن شراء ما فيه خصومة ممنوع . ( 2 ) ألا يكون الدين طعاما في ذمة المدين ، لأن بيع الطعام قبل قبضه ممنوع . ( 3 ) ألا يكون الثمن من جنس الدين ، إذ المشتري يشتري الدين المؤجل عادة بأقل من قيمته فيكون سلفا بمنفعة ويداخله الربا . ( 4 ) أن يعجل الثمن ، وإلا كان من بيع للدين بالدين وهذا غير جائز . ( 5 ) ألا يكون المشتري خصما للمدين ، وإلا كان في هذا إعنات للمدين بتسليط خصمه عليه . ( انظر في ذلك أيضا المدونة الكبري 9 ص 128 - ص130 ) . ويبدو أن بيع الدين من غير المدين في المذهب المالكي ، بالشروط المتقدمة الذكر ، أقرب إلي أن يكون وفاء مع الحلول أو وفاء للدين بمقابل صادراً من غير المدين . فالأجنبي يتقدم إلي الائن ويوفيه دينه أو يوفيه مقابلا من غير جنس الدين ، ويرجع بالدين علي المدين . ولو كان هذا بيعا لأمكن تأجيل الثمن ، فمن المسلم أن البيع يجوز تأجيل الثمن فيه ، ولأمكن الأجنبي ، بدلا من الوفاء بالدين أو بمقابل الدين في الحال ، وهذا هو التعجيل بالثمن ، أن يبقيه دينا في ذمته . ولكن المقطوع به في مذهب مالك أنه لا يجوز بيع الدين من غير المدين بثمن مؤجل .
( [1] ) وقد جاء في شرح التاودي للتحفة : " وإذا بيع الدين أو وهب أو تصدق به ، وكان فيه رهن أو حميل ، لم يدخل واحد منهما إلا بالشرط ، مع حضور الحميل وإقراره بالحمالة ، وإن لم يرض بالتحمل لمن ملكه . ( تنبيه ) من بيع الدين المسألة الملقبة عند العامة بقلب الرهن ، وهي أن يكون بيد رهن في دين مؤجل ، ويحتاج إلي دينه فيبيعه بما يباع به . ويحل المشتري للدين محل بائعه في حوز الرهن ، والمنفعة إن كانت المنفعة جعلت له ، والبيع للرهن بالتفويض الذي جعل للبائع المرتهن ، وغير ذلك . ويكتب في ظهر وثيقة الدين أو في طرتها . فإن سكتا عن الرهن يدخل ، وإن اختلفا في اشتراطه حلفا وفسخ . وحيث دخل فللرهن جعله تحت يد أمين إن لم تشترط منفعته أو اشترطت والحقه ضرر ، وإلا فلا كلام له " ( التاودي علي التحفة 2 ص48 ) .
( [1] ) والحنفية تجيز بيع الدين ممن عليه الدين : إما بثمن معجل ، ويبدو أن هذا أقرب إلي أن يكون وفاء للدين بمقابل . وإما بثمن مؤجل ، ويبدو أن هذا أقرب إلي أن يكون تجديداً بتغيير محل الدين .
أما الشافعية ففي أحد قولين في مذهبهم أنه يجوز بيع الدين من غير المدين ، بشرط قبض الدين والثمن في المجلس . وهذا لا يعدو أن يكون بيعا محضا ، عجل فيه الثمن وسلم المبيع . فالبائع تقدم إلي الدائن بسلعته ، وباعها منه بثمن معادل للدين ، ووكله الدائن ( المشتري ) في قبض هذا الدين . فقبض البائع الدين من المدين ، واحتجزه ثمنا ، وسلم المبيع إلي المشتري ، وذلك كله في مجلس البيع .
وأما الحنابلة فلا يجيزون بيع الدين من غير المدين . ويجيزون بيعه من المدين بثمن معجل –وهذا وفاء بمقابل - لا بثمن مؤجل . غير أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يذهبان إلي جواز بيع الدين بالدين ولو بثمن مؤجل ( إعلام الموقعين 1 ص 340 - ص341 ) ، ولا يمنعان إلا ابتداء الدين بالدين ، أي أن يكون المبيع دينا مؤجلاً في الذمة ويكون الثمن كذلك دينا مؤجلاً في الذمة ، كبيع مقدار من القمح مؤجل التسليم في مبلغ من النقود مؤجل الدفع . وهذا يخرج عن منطقة بيع الدين بالدين .
( [1] ) فيحتال علي حوالة الحق بأحد طريقين : ( 1 ) يوكل الدائن من يريد أن يحول له حقه في قبض هذا الحق من المدين ثم يهبه إياه ، وهو الطريق الذي كان القانون الروماني يلجأ إليه . ولكن يستطيع الموكل ، في هذه الحالة ، عزل الوكيل قبل قبض الدين . ( 2 ) يقر الدائن لمن يريد أن يحول له حقه بأن الحق له . وهذا الإقرار مقصور علي العلاقة فيما بين المقر والمقر له ، أما المدين فلا يطالب بالدفع للمقر له . ولذلك يصحب الإقرار توكيل من الدائن للمقر له بقبض الدين ، أو يصدق المدين علي الإقرار فيسري في حقه ( انظر في ذلك الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 62 - ص 64 . أما ما يذكره الأستاذ شفيق شحاته في ص 57 – ص61 من المسائل التي يستدل بها علي جواز حوالة الحق في الفقه الحنفي ، فيبدو لنا أن التعامل فيها إنما يقع علي حوالة الدين لا علي حوالة الحق ، فتجري أحكام حوالة الدين علي الوجه الذي أسلفناه في هذا المذهب ، أو أن الحوالة في هذه المسائل إنما قصد بها التوكيل بقبض الدين وهذا مألوف في المذهب الحنفي كما قدمنا : انظر في هذا المعني الأستاذ عيسوي أحمد عيسوي مجلة الأزهر 27 ص 1014 – ص 1018 و ص 116 - ص 1120 ) .
( [1] ) انظر في الحوالة بوجه عام في الفقه الإسلامي في مذاهبه الأربعة : البدائع 6 ص15 - ص 19 – فتح القدير 5 ص 443 – ص 452 - الزيلعي 4 ص 171 – ص 175 - الفتاوي الهندية 3 ص 295 – ص 306 - ابن عابدين 4 ص446 – ص459 - بداية المجتهد 2 ص 250 - 252 - الخرشي 6 ص 16 - ص 21 - الخطاب 5 ص 90 – ص 96 - القوانين الفقهية لابن جزي ص 327 - المهذب 1 ص 338 ص 339 - المغني ( الطبعة الثالثة ) 4 ص 521 – ص534 .
والذي يخلص من كل ذلك أن حوالة الدين هي إما تجديد أو كفالة محورة أو كفالة محضة في المذهب الحنفي ، وهي تجديد للدين بتغيير المدين وبتغير الدائن في المذاهب الأخري . فلم يسلم الفقه الإسلامي أصلا بانتقال الدين ، لا فيما بين الأحياء ولا بسبب الموت ، لا عن طريق الخلافة الخاصة ولا عن طريق الخلافة العامة . وإنما سلم بانتقال الحق بسبب الموت ، عن طريق الخلافة العامة في الميراث ، وعن طريق الخلافة الخاصة في الوصية بالدين . ولا يكاد يسلم بانتقال الحق فيما بين الأحياء إلا عن طريق الحيلة في المذهب الحنفي ، وإلا في كثير من التردد فذ مذهب مالك . ولا عجب في ذلك ، فهذا هو السير الطبيعي في تطور الحالة . أما تسليمه بانتقال الحق بسبب الموت ، فيبدو أن ذلك قد قام علي فكرة الخلافة : خلافة الوارث للمورث وخلافة الموصي له للموصي . وهي خلافة لا تتحقق عنده إلا بالموت ، فيختفي شخص السلف ويحل محله شخص الخلف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (96) : يصح لمن عليه الحق أن يفوض صاحبه في قبضه ثم إن وجد المستحق المقبوض زائدا زيادة لا يتغابن بها لزمه الأخبار بذلك ولا يجب عليه الرد بلا طلب.