loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 127

مذكرة المشروع التمهيدي :

تتناول المواد من 435 إلى 438 أحكام التزام المحيل بالضمان، وهو التزام يترتب بمقتضى الحوالة ولم يستحدث المشروع جديدة في هذا الشأن، فهو يكاد يقتصر على الأخذ بما استقر من المباديء، على أن هذه المباديء ليست في جملتها إلا قواعد مفسرة لإرادة المتعاقدين ،والأصل في تطبيقها أن يقتصر ضمان المحيل على وجود الحق المحال به (المادة 435)، وأن اشتراط ضمان اليسار لا يتناول إلا مركز المحال عليه وقت الحوالة (المادة 436) مالم يتفق على خلاف ذلك .

على أن إعمال مبدأ سلطان الإرادة يرد عليه في هذا النطاق قیدان : فيراعی من ناحية أن مدى التزام المحيل بالضمان طبقاً للمادة 437 لا يجاوز على وجه الإطلاق رد ما أدى إليه فعلاً مع الفوائد والمصروفات، وقد قصد من نص المشروع على عدم جواز الاتفاق على خلاف هذا الحكم إلى قلع السبيل على المرابين، ويراعی من ناحية أخرى أن اشتراط الإعفاء من المسئولية عن ضمان الاستحقاق يقع باطلاً، إذا كان هذا الاستحقاق يرجع إلى فعل المحيل نفسه (المادة 438)، وليس هذا الحكم سوى مجرد تطبيق للقواعد المقررة بشأن ضمان الاستحقاق بوجه عام.

ويتفرع على هذه القواعد ذاتها أن المحيل يسقط عنه الضمان إذا كانت الحوالة بغير عوض، مالم يتفق على خلاف ذلك (المادة 435 فقرة 2) بيد أنه يسأل في هذه الحالة أيضاً عن فعله الشخصي ( المادة 438).

الأحكام

1 ـ إذا كان المطعون عليه يدعى أنه دفع للطاعنة مبلغ 100 جنيه فى مقابل حوالة حقها فى إستلام السيارة دون أن يثبت هذا المبلغ فى الإتفاق ، و كانت حوالة الحق فى مقابل مبلغ معين أمراً مشروعاً ذلك أن المشرع أجاز فى المادة 308 من القانون المدنى أن تكون الحوالة بعوض ، و هذا العوض وفقاً لما هو مستفاد من المادة 310 من القانون المذكور هو الشىء الذى إستولى عليه المحيل من المحال له فى مقابل الحوالة ، و من ثم فإن هذا المقابل يخضع فى إثباته للقواعد العامة . و لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه فى هذا الخصوص على أن دفع هذا المبلغ يعتبر عملاً غير مشروع و أنه يجوز بالتالى إثباته بالبينه و القرائن و يمتنع فيه توجيهه اليمين الحاسمة تأسيساً على أنه زيادة غير قانونية فى الثمن الذى حددته الحكومة لبيع السيارات شأنه فى ذلك شأن بيع السلعة المسعرة أو المحددة الربح بما يزيد عن السعر أو الربح المحدد ، و كانت المادة الثانية من قرار وزير الصناعة رقم 450 لسنة 1963 المعمول به من تاريخ نشره فى 1963/4/29 و الذى حدد سعر السيارة نصر 1300 قد نصت على أن تسرى الأسعار المبينة بالجداول المرافقة لهذا القرار على العقود الجديدة التى تبرم إعتباراً من تاريخ العمل به و إذ كان الثابت أن حوالة الحق قد تمت فى تاريخ 1963/3/11 و هو سابق على تاريخ العمل بهذا القرار ، و من ثم فإنه لا محل لبحث أثر مخالفة هذا القرار فى خصوص واقعة الدعوى ، لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد إستند فى إلزام الطاعنة بمبلغ المائة جنيه إلى دليل غير كتابى فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 352 لسنة 41 جلسة 1977/03/22 س 28 ع 1 ص 732 ق 133) 

2 ـ عدم دفع المقابل فى الحوالة لا يجعلها صورية إذ تجيز المادة 308 من القانون المدنى الحوالة بغير مقابل

. (الطعن رقم 380 لسنة 35 جلسة 1969/11/20 س 20 ع 3 ص 1220 ق 188)

3 ـ يتضمن التنازل عن الإيجار ، حوالة حق بالنسبة إلى حقوق المستأجر و حوالة دين بالنسبة لإلتزاماته و يعتبر المستأجر المتنازل - فيما يختص بحق الإنتفاع بالعين المؤجرة الذى حوله إلى المتنازل له فى مركز المحيل ومن ثم فإن ضمانه لهذا الحق ولو كان التنازل بعوض يخضع لقواعد المقررة للضمان فى حوالة الحق وليس للقواعد المقررة لضمان البائع فإذا تحقق سبب الضمان وفقاً للمادة 308 من القانون المدنى فإن المستأجر المتنازل لا يلزم طبقاً للمادة 310 إلا برد ما إستولى عليه مقابل حق الإنتفاع الذى حرم منه المتنازل له مع الفوائد والمصروفات ولو وجدإتفاق يقضى بغير ذلك.

(الطعن رقم 343 لسنة 32 جلسة 1966/12/08 س 17 ع 4 ص 1855 ق 267)

4 ـ لما كان الواقع حسبما حصله الحكم المطعون فيه - دون نعي من طرفي الطعن بشأنه - أن الشيكين محلا النزاع قد صدرا لصالح الطاعن وقد شطب فيهما كلمة "لأمر" وأن الأخير قد وقع على ظهر كل منهما مما لازمه أن هذين الشيكين اسميان وبالتالي فلا ينتقل الحق الثابت بهما إلا بحوالة الحق المدني التي لا تعد نافذة قبل المسحوب عليه أو قبل الغير إلا إذ قبلها المسحوب عليه أو أعلن بها وذلك تطبيقاً لأحكام المادة 305 من القانون المدني وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه توقيع الطاعن - المستفيد - على ظهر هذين الشيكين تظهيرا ناقلا لملكية الحق الثابت بهما ورتب على ذلك أحقية المطعون ضده الحامل لهما فى المطالبة بقيمتيهما من الطاعن دون أن يتحقق من قيام الحوالة ونفاذها فى حق المسحوب عليه تمهيدا لترتيب أثارها فى مدى ضمان المحيل (الطاعن) لوجود مقابل الشيك وقت الحوالة وذلك وفقا لأحكام المواد من 308 وحتى 312 من القانون المدني أو أن يعرض لمضمون المستندات التي قدمها الطاعن للتدليل على أن توقيعه على ظهر الشيكين وتسليمهما للمطعون ضده كان بقصد توكيله فى تحصيل قيمتهما, فإنه يكون معيباً.

(الطعن رقم 570 لسنة 70 جلسة 2001/05/22 س 52 ع 2 ص 732 ق 147)

5 ـ ليس للمدين فى حوالة مدنية أعلن بها أن يقيم الدليل فى وجه المحال له على صورية السبب الظاهر فى ورقة الدين متى كان المحال له يجهل المعاملة السابقة - التى أخفى سببها عليه - ويعتقد بصحة السبب المذكور فى تلك الورقة .

(الطعن رقم 55 لسنة 34 جلسة 1967/06/22 س 18 ع 2 ص 1324 ق 201)

6 ـ إذ نظم المشرع فى المواد من 308 إلى 311 من القانون المدنى أحكام الضمان فى حوالة الحق بنصوص خاصة فإنه لا يجوز مع وجود هذه الأحكام الخاصة تطبيق أحكام الضمان الواردة فى باب البيع على الحوالة .

(الطعن رقم 50 لسنة 33 جلسة 1967/02/09 س 18 ع 1 ص 325 ق 51)

شرح خبراء القانون

الضمان فى الحوالة بعوض بحكم القانون :

إذا كانت الحوالة بعوض، ولم يكن هناك اتفاق خاص على الضمان بين المحيل له، فإن المحيل يضمن للمحال له، بحكم القانون وجود الحق المحال به وقت الحوالة وهذا هو ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 308 مدني، فقد رأينا أنها تنص على أنه "إذا كانت الحوالة بعوض، فلا يضمن المحيل إلا وجود الحق المحال به وقت الحوالة.

ويكون الحق المحال به غير موجود وقت صدور الحوالة، فيجب على المحيل  الضمان، إذا كان مصدر هذا الحق عقداً باطلاً فإذا كان مصدر الحق عقداً قابلاً للإبطال لمصلحة لا مدين الذي ترتب الحق فى ذمته، وأبطله هذا فعلاً، صار الحق غير موجود ووجب الضمان على المحيل، حتى لو كان الحكم بالإبطال قد صدر بعد صدور الجوالة، لأن للإبطال أثراً رجعياً فيعتبر الحق كأنه لم يوجد أصلاً، ومن ثم لا يكون موجوداً وقت صدور الجوالة، ويجب الضمان أيضاً على المحيل إذا كان الحق المحال به قد انقضى قبل صدور الحوالة بأي سبب من أسباب الانقضاء، كأن يكون المحيل قد استوفاه أو قضاة بالتجديد أو بالمقاصة أو باتحاد الذمة أو بالإبراء أو أن يكون الحق قد انقضى بالتقادم، أما إذا كان الحق قد انقضى بعد صدور الحوالة بفعل المحيل ، كما إذا كان قد استوفاه أو جدده أو أبرأ منه ذمة المدين بعد أن صدرت منه الحوالة، فإنه يكون ملتزماً بالضمان، ولكن بسبب فعل شخصي قد صدر منه على النحو الذي قدمناه، ويصح أيضاً أن يكون الحق المحال به قد انعدم وقت صدور الحوالة، فيجب الضمان على المحيل، إذا كان هذا الحق معلقاً على شرط فاسخ ولا يعلم المحال له بهذا الشرط، ثم تحقق الشرط الفاسخ قبل صدور الحوالة أو بعد صدورها، فينعدم الحق بأثر رجعي ويتبين أنه لم يكن موجوداً وقت الحوالة، فيكون المحيل ملتزماً بالضمان، أما لو كان المحال له يعلم أن الحق معلق على شرط فاسخ وقبل الحوالة على هذا الوصف، ثم تحقق الشرط بعد صدور الحوالة، فإنه لا يرجع بالضمان على المحيل.

كذلك يكون الحق غير موجود قبل صدور الحوالة، فيجب على المحيل الضمان، إذا ظهر أن المحيل كان قد تصرف فيه قبل حوالته، بأن كان مثلاً، بموجب حوالة سابقة، قد باعه أو وهبه أو رهنه وأصبحت هذه الحوالة السابقة نافذة فى حق الغير، أما إذا كان التصرف قد صدر بعد انعقاد الحوالة ولكنه أصبح نافذاً قبل نفاذها، فإن المحيل يكون ملتزماً بضمان فعله الشخصي على النحو الذي قدمناه.

وكما يكون المحيل ملتزماً بضمان وجود الحق، يكون أيضاً ملتزماً بضمان وجود توابعه التى تنتقل معه، فإن كان للحق المحال به تأمين، كرهن أو امتياز أو كفالة، ضمن المحيل للمحال له، بحكم القانون ودون حاجة إلى اتفاق خاص، هذا التأمين وهو لا يضمن إلا وجود التأمين فى ذاته، أي وجود الرهن أو الامتياز أو الكفالة، دون أن يضمن كفاية الرهن أو الامتياز أو ملاءمة الكفيل إلا إذا كان بينه ومن المحال له اتفاق خاص على ذلك، وفى هذه الحالة نخرج من نطاق الضمان بحكم القانون إلى نطاق الضمان الاتفاقي.

وضمان وجود الحق وتوابعه بحكم القانون إنما ينصب على هذا الوجود وقت انعقاد الحوالة، فإذا كان كل من الحق وتوابعه موجوداً فى ذلك الوقت، فقد برئت ذمة المحيل من الضمان، ولو انقضى الحق أو شيء من توابعه بعد ذلك بسبب لا يرجع إلى المحيل  مثل ذلك أن يكون الحق قد بدأ التقادم يسرى ضده قبل صدور الحوالة دون أن يكتمل، فالحق يكون موجوداً وقت الحوالة ولا ضمان على المحيل، حتى لو أن التقادم اكتمل بعد ذلك وسقط الحق كذلك لو كان للحق المحال به تأمين هو رهن رسمى مقيد، ولم يكن قد مضى على القيد وقت الحوالة عشر سنوات، فإن الرهن يكون محفوظاً وقت صدور الحوالة، فلا ضمان على المحيل، حتى لو انقضت العشر السنوات بعد صدور الحوالة فسقط القيد قل أن يجدده المحال له.

وما دام المحيل لا يضمن إلا وجود الحق وتوابعه، فهو لا يضمن يسار المدين، إلا إذا كان هناك اتفاق بينه وبين المحال له على هذا الضمان، وعندئذٍ نخرج من نطاق الضمان بحكم القانون إلى نطاق الضمان الاتفاقي، ومع ذلك يضمن المحيل يسار المدين دون أن يدخل فى نطاق الضمان الاتفاقي، إذا كان يعلم أن المدين معسر وقد أخفى غشاً هذا الإعسار عن المحال له ، وهنا يكون الضمان ناشئاً عن الغش لا عن عقد الحوالة.

وغنى عن البيان أن المحيل إنما يضمن وجود الحق إذا كان غير متنازع فيه،  أما إذا كان الحق متنازعاً فيه وقد حوله بهذا الوصف، فإنه لا يضمن للمحال له وجوده، إذ أنه إنما حول ادعاء يحق ولم يحول حقاً محقق الوجود، فالحوالة هنا عقد احتمالي.

الضمان فى الحوالة بعوض بحكم الاتفاق :

 وما قدمناه هو الضمان بحكم القانون فى الحوالة بعوض، ولكن قد يتفق المحيل والمحال له على تخفيف هذا الضمان أو على تشديده.

يتفقان على تخفيف الضمان إذا اشترط المحيل مثلاً أنه لا يضمن توابع الحق المحال به، فإذا كان هذا الحق مضموناً برهن، واشترط المحيل عدم ضمان هذا الرهن، فإنه لا يكون مسئولاً إذا تبين أن الرهن باطل، أو أنه قابل للإبطال وأبطله الراهن، أو أنه غير موجود لأى سبب آخر ، وتوابع الحق المحال به تنتقل معه كما قدمنا دون حاجة إلى ذكر ذلك فى عقد الحوالة، ويضمن المحيل، دون حاجة إلى ذكر ذلك أيضاً، وجود هذه التوابع، فإذا أراد المحيل ألا يضمن وجودها، فلابد فى ذلك من اتفاق خاص مع المحال له يقضي بعدم ضمان توابع الحق، وفي هذا الاتفاق تخفيف للضمان بحكم القانون كما هو ظاهر .

بل قد يصل الاتفاق على تخفيف الضمان بحكم القانون إلى محوه أصلاً، فيشترط المحيل ألا يضمن وجود الحق المحال به ذاته، ويقع ذلك غالباً إذا كان المحيل غير مستوثق من أن الحق الذي يحوله هو حقه، فيشترط عدم الضمان حتى إذا تبين أن الحق ليس له لم يكن مسئولاً عن الضمان، أو يكون المحيل غير متأكد من أن الحق الذي يحوله غير خال من العيوب، فيصطنع الحيطة ويشترط عدم الضمان،  ولا شك في أن المحيل ، باشتراطه عدم الضمان على هذا الوجه ، يعرض المحال له لخطر له عادة ما يقابله، فيغلب أن يكون الثمن الذي يتقاضاه أقل بكثير من قيمة الحق المحال به، وقد يستخلص شرط عدم الضمان من الظروف، فإذا باع المحيل حقاً متنازعاً فيه، سواء رفعت به الدعوى أو قام فى شأنه نزاع جدي، وكان المحال له يعلم شأن هذا النزاع، فالمفروض –ما لم يتفق على غير ذلك - أن البائع لا يضمن وجود الحق، ويؤكد هذا الافتراض أن يبيع المحيل الحق المتنازع فيه بثمن بخس، ويدخل فى تقديره احتمال خسارة الدعوى.

ويقع كثيراً أن الاتفاق على الضمان بين المحيل والمحال له يكون الغرض منه التشديد من أحكام الضمان المقررة بحكم القانون، بدلاً من التخفيف فيها، وأكثر ما يكون ذلك فى اشتراط المحال له على المحيل أن يضمن له، لا وجود الحق المحال به فحسب، بل أيضاً يسار المدين، وقد رأينا أن المادة 309 مدني تنص على أنه "لا يضمن المحيل يسار المدين إلا إذا وجد اتفاق خاص على هذا  الضمان . 2 - وإذا ضمن المحيل يسار المدين، فلا ينصرف هذا الضمان إلا إلى اليسار وقت الحوالة، ما لم يتفق على غير ذلك".

فإذا اشترط المحال له على المحيل ضمان يسار المدين، ولم يبين أى يسار يعني، فإن اليسار المضمون ينصرف إلى يسار المدين وقت انعقاد الحوالة، وذلك تفسيراً للشرط بما هو فى مصلحة الملتزم وهو هنا المحيل، فإذا كان المدين موسراً وقت انعقاد الحوالة، فإن ذمة المحيل تبرأ من الضمان، حتى لو أعسر المدين بعد ذلك ولو قبل صيرورة الحوالة نافذة فى حقه، وغني عن البيان أن ضمان المحيل ليسار المدين وقت الحوالة لا يكون إلا باتفاق خاص، ومن غير هذا الاتفاق لا يضمن المحيل إلا وجود الحق، فلا يضمن يسار المدين أصلاً ولو وقت انعقاد الحوالة، وحتى لو كان عالماً بإعساره، فما دام لم يضمن اليسار باتفاق خاص، فإن علمه بهذا الإعسار لا يقوم مقام الاتفاق، وعلى المحال له قبل أن يقدم على قبول الحوالة أن يتحرى عن حالة المدين ومقدار ملاءمته، فإذا لم يستطيع أن يتثبت من ذلك ففي القليل كان الواجب عليه أن يشترط على المحيل ضمان اليسار، فإذا هو لم يفعل، لا هذا ولا ذاك، كان التقصير فى جانبه ولا يلومن إلا نفسه، على أنه إذا أخفى المحيل غشاً عن المحال له إعسار المدين، كان مسئولاً، لا بموجب عقد الحوالة، بل بسبب الغش، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.

فإذا أراد المحال له أن يضمن المحيل يسار المدين فى الاستقبال، أي عند حلول ميعاد الوفاء بالحق المحال به، وجب عليه أن يبين ذلك فى الشرط الذى يأخذه على المحيل، فلا يكتفي باشتراط ضمان اليسار دون تعيين، واشتراط يسار المدين عند حلول الحق المحال به هو الذى يقع فى الكثير من الأحوال، لأنه هو الذي يكفل للمحال له أكبر قدر من الضمان، وعند ذلك يكون المحيل مسئولاً إذا طالب المحال له المدين بالحق عند حلوله، فوجده معسراً، وليس من الضروري أن تكون المطالبة فى اليوم نفسه الذى يحل فيه الحق، بل يجوز أن تكون المطالبة فى خلال مدة معقولة من يوم الحلول، فإذا كان المدين قد أعسر خلال هذه المدة المعقولة، فإن المحيل يكون مسئولاً عن إعساره بموجب شرط الضمان، لكن إذا تأخر المحال له مدة طويلة بعد حلول ميعاد الوفاء فى مطالبة المدين، وكان المدين موسراً خلال المدة المعقولة ثم أعسر بعد ذلك، لم يكن المحيل مسئولاً، لأن المحال له قد قصر بتأخره فى مطالبة المدين في وقت كان فيه موسراً، ومن باب أولى لا يكون المحيل مسئولاً عن إعسار المدين لو أن هذا الإعسار كان بفعل المحال له نفسه، كما لو كان للحق المحال به ضمان فنزل عنه المحال باختياره بأن شطب الرهن مثلاً أو أبرأ ذمة الكفيل.

وحتى يستطيع المحال له الرجوع على المحيل بضمان اليسار، يجب عليه أولاً أن يثبت أن المدين معسر، ولا يتسنى له ذلك إلا إذا كان قد رجع فعلاً على المدين وعلى جميع الضمانات التى تكفل الدين، فلم يتهيأ له أن يستوفى حقه، ومن ثم يكون للمحيل أن يطالب المحال له بتجريد المدين قبل أن يرجع عليه بضمان  اليسار، وليس على المحيل أن يقدم للمحال له مصروفات التجريد، فهو ليس بكفيل للمدين حتى يلتزم بذلك، على أن للمحال له، فى أثناء تجريده للمدين ، أن يتخذ ما يلزم من إجراءات تحفظية ضد المحيل، حتى يتيسر له الرجوع عليه عند ما يثبت بوجه قاطع إعسار المدين.

وإذا ضمن المحيل يسار الدين وقت حلول الحق المحال به، فإنه لا يستطيع أن يأتي عملاً من شأنه أن يناقض هذا الضمان، وإلا كان ساعياً فى نقض ما تم من جهته، وكان سعيه مردوداً عليه، ويتضح ذلك فى الحالة الآتية : إذا كان حق الدائن مقداره ألف، وقد حول منه خمسمائة واستبقى لنفسه خمسمائة، ولم يكن قد ضمن يسار المدين، فإن كلاً من المحيل والمحال له يطالب المدين بخمسمائة مقدار حصته فى الحق، فإذا لم يكن عند المدين إلا خمسمائة، فليست هناك أفضلية للمحال له على المحيل، ولا يبقى إلا أن يقتسم الاثنان ما عند المدين اقتسام الغرماء، فيأخذ كل منهما مائتين وخمسين، أما إذا كان المحيل قد ضمن للمحال له يسار المدين وقت حلول الحق المحال به، فعند ذلك لا يستطيع أن يزاحم المحال له فى الخمسمائة التى عند المدين، بل يتقدم عليه المحال له ويأخذ كل الخمسمائة ذلك أن مزاحمة المحيل للمحال له تناقض ضمانه ليسار المدين، وما دام المحال له يستوف كل حقه بقى ضمان المحيل قائماً، فلا يستطيع المحيل إذن أن يأخذ أي شيء من مال المدين قبل أن يستوفى المحال له كل حقه كما قدمنا الضمان في الحوالة بغير عوض بحكم القانون : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 308 مدني تقضي بأنه إذا كانت الحوالة بغير عوض "فلا يكون المحيل ضامناً حتى لوجود الحق"، وقد كان المشروع التمهيدي لهذا النص يضيف عبارة "ما لم يتفق على غير ذلك" فحذفت هذه العبارة فى لجنة المراجعة حتى يتمشى حكم النص مع حكم المادة 310 مدني، وهى تقضي كما رأينا بأنه إذا رجع المحال له بالضمان لم يلزم المحيل إلا برد ما استولى عليه مع الفوائد والمصروفات ولو وجد اتفاق يقضي بغير ذلك، والمحيل بغير عوض لم يستولي على شيء حتى يرده، فلا يجوز إذن أن يلزم ولو باتفاق خاص أن يرد شيئاً إلى المحال له.

وقد يفهم مما قدمناه أن المحيل بغير عوض لا يضمن شيئاً للمحال له، لا بحكم القانون ولا بموجب الاتفاق، إلا أننا مع ذلك لا نسلم بهذا الحكم على إطلاقه، إذ يجب تنسيق أحكام التقنين وتكميل نصوصه بعضها ببعض، فهناك المادة 494 مدني، وهى تضع القاعدة العامة في ضمان الواهب لاستحقاق الشيء الموهوب، وتجري على الوجه الآتى : 

1 - لا يضمن الواهب استحقاق الشيء الموهوب، إلا إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو كانت الهبة بعوض، وفى الحالة الأولى يقدر القاضي للموهوب له تعويضاً عادلاً عما أصابه من الضرر، وفى الحالة الثانية لا يضمن الواهب الاستحقاق إلا بقدر ما أداه الموهوب له من عوض، كل هذا ما لم يتفق على غيره.

 2 - وإذا استحق الشيء الموهوب، حل الموهوب له محل الواهب فيما له من حقوق ودعاوى.

فحتى يمكن التوفيق بين نصوص التقنين المدني، نرى أن نطاق تطبيق المادة 310 هي الحوالة بعوض ويدخل فى ذلك الهبة بعوض، لأن النص صريح فى أن المحيل قد استولى على شيء من المحال له فى مقابل الحوالة، وهذا الشيء هو الذى يرده مع المصروفات والفوائد فى حالة تحقق الضمان، أما المادة 494 مدني فنطاق تطبيقها الحوالة بغير عوض، أي الحوالة الصادرة على سبيل الهبة المحضة من غير أي عوض مقابل.

فإذا كانت الحوالة هبة بعوض، ضمن المحيل بحكم القانون وجود الحق المحال به وفقاً للفقرة الأولى من المادة 308، فإذا كان هذا الحق غير موجود وقت الحوالة، على الوجه الذى قدمناه، وجب الضمان على المحيل، ورجع المحال له بهذا الضمان وفقاً للمادة 310 مدني، فلا يلزم المحيل إلا برد ما استولى عليه من عوض مع الفوائد والمصروفات على الوجه الذي سنبينه فيما يلي.

وأما إذا كانت الحوالة هبة محضة لا عوض فيها، فإن الذى ينطبق هو نص المادة 494 مدني، فإذا استحق الحق المحال به، كأن كان المحيل وارثاً ظاهراً لهذا الحق مثلاً، أو تبين أن الحق غير موجود أصلاً، لم يجب الضمان على المحيل (الواهب) إلا إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو إلا إذا كان عالماً بانعدام الحق المحال به وأخفى ذلك غشاً عن المحال له، فعند ذلك يقدر القاضى –كما تقرر الفقرة الأولى من المادة 494 مدني - للمحال له (الموهوب له) تعويضاً له من جراء استحقاق الحق المحال به أو من جراء انعدامه، ويبدو أنه لا يكفي أن يكون هذا الضرر هو مجرد فوات الحق الموهوب له، وإلا لوجب الضمان دائماً فى التبرعات وجوبه فى المعاوضات، وإنما يجب أن يكون الضرر خسارة إيجابية لحقت الموهوب له، بأن يكون مثلاً قد اعتمد على الحق الموهوب فى سداد دين أو فى القيام بمشروع، فلما فات عليه هذا الحق تحمل خسارة من جراء ذلك، وفى هذه الحالة يقدر القاضي تعويضاً عادلاً للموهوب له من الضرر، ملاحظاً في ذلك أن المحيل متبرع، فلا يكون للتعويض مدى مماثل للتعويض الذى يدفعه المحيل لو كانت الحوالة بعوض، ومصدر التعويض هنا ليس هو عقد الحوالة، وإنما هو الخطأ الذى ارتكبه المحيل بإخفائه عمداً سبب الاستحقاق أو انعدام الحق حتى ألحق الضرر بالمحال له.

ثم إن الفقرة الثانية من المادة 494 مدني تقضى بأنه "إذا استحق الشيء الموهوب، حل الموهوب له محل الواهب فيما له من حقوق ودعاوى"، ونفرض، لتطبيق هذا النص، أن البائع قبل أن يسلم المبيع وهب الثمن المستحق فى ذمة المشتري إلى آخر عن طريق الحوالة، ثم هلك المبيع قبل تسليمه للمشتري بفعل أجنبي، فالثمن فى هذه الحالة يسقط عن المشتري، ولا يستطيع المحال له الرجوع عليه بشيء، ولكن لما كان الأجنبى متعدياً فى هلاك الشيء، فإن للبائع أن يرجع عليه بدعوى تعويض، فهذه الدعوى قد حلت محل الثمن المحال به، ومن ثم يحل المحال له محل المحيل ( البائع ) فى هذه الدعوى قبل الأجنبي .

الضمان فى الحوالة بغير عوض بحكم الاتفاق :

ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 494 مدني عندما رتبت الضمان على الواهب إذا هو أخفى سبب استحقاق الشيء الموهوب ذكرت بعد ذلك أن هذا الحكم يسري "ما لم يتفق على غيره" ، فإنه يجوز إذن أن يتفق المحيل مع المحال له، إذا كانت الحوالة بغير عوض أصلاً، أنه فى حالة استحقاق الحق المحال به أو فى حالة انعدامه، يرجع المحال له على المحيل بتعويض عادل، حتى لو كان المحيل يجهل أن الحق المحال به مستحق للغير أو منعدم، وفى هذا تشديد للضمان الذى قرره القانون و الذي بسطنا أحكامه فيما تقدم، فإن المحيل لا يكون ملتزماً طبقاً لهذه الأحكام إلا إذا كان يعلم بانعدام الحق أو باستحقاقه للغير ثم يتعمد إخفاء ذلك على المحال له، على أنه لا يجوز أن يكون هذا الاتفاق على الضمان مصدر ربح غير مشروع للمحال له ، فلا يجوز مثلاً أن يتفق المحال له مع المحيل على ضمان الاستحقاق فى الحوالة بغير عوض حتى لو لم يصب المحال له أى ضرر.

ثم إنه لا يجوز الاتفاق على تخفيف الضمان الواجب بحكم القانون في ذمة المحيل المتبرع للمحال له، فلا يصح أن يتفق الاثنان على ألا يكون المحيل مسئولاً عن الضرر الذي يصيب المحال له، حتى لو تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو أخفى غشاً انعدام الحق، ذلك أنه لا يجوز لشخص أن يشترط عدم المسئولية عن خطأه التقصيري.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/  الأول الصفحة/573)

إذا كانت الحوالة بعوض، كانت من عقود المعارضة، مما يتعين معه توافر المحل الذي وردت عليه، بحيث إذا كان موجوداً وقت إبرام الحوالة، فلا يضمن المحيل زواله بعد ذلك، ولما كان المقرر أن حوالة الحق لا تنشئ التزاماً جديداً في ذمة الدين، وإنما هي تنقل الالتزام ذاته الثابت أصلاً في ذمته من دائن إلى دائن آخر حل محل الدائن الأول، بجميع مقوماته وخصائصه وما يرد عليه من دفوع، وبالتالي إذا تقادم الحق بعد الحوالة، فلا يجوز للمحال له الرجوع بالضمان على المحيل، وكان يتعين على المحال له اتخاذ إجراءات قطع هذا التقادم ولو قبل نفاذ الحوالة، ويترتب على هذا التقصير سقوط حقه في الضمان طالما كانت أوراق الحوالة دالة على ميعاد تقادم الحق.

أما إذا كان الحق قد انقضى قبل الحوالة بأي سبب من أسباب الانقضاء كالتقادم أو التجديد أو الإبراء أو المقاصة أو اتحاد الذمة، فإن المحيل يكون ضامناً ويتحقق التزامه بالضمان قبل المحال له، كما يضمن وجود توابع الحق، كل هذا مالم يتفق المحيل والمحال له على تخفيف أو تشديد أو زوال الضمان كما لو اتفق على أن الحيل لا يضمن حتی وجود الحق وقت الحوالة، وهو إعفاء من المسؤولية العقلية يجيزه القانون على نحو ما أوضحناه بالمادة 217 فيما تقدم.

فإن كانت الحوالة بغير عوض، كما لو كانت هبة محضة، فلا يضمن المحيل حتى وجود الحق، لكن إذ توافرت المسئولية التقصيرية في حق المحيل، كما لو كان عالماً بانعدام الحق أو تعمد إخفاء سبب الاستحقاق، وترتب على ذلك ضرر بالمحال له كتفويت فرصة عليه بسبب الحوالة، وجب إلزامه بتعويض يقدره القاضي بما لحقه من خسارة وما فاته من کسب، ولا يجوز للمحيل أن يشترط عدم مسئوليته عن خطأه التقصيري وإلا كان الشرط باطلاً لمخالفته النظام العام.( المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/    192)

إذا كانت الحوالة بعوض، فإن ضمان المحيل يقتصر على وجود الحق المحال به وقت الحوالة.

ومن ثم يقوم هذا الضمان إذا كان الحق المحال به قد نشأ عن تصرف باطل أو تقرر إبطاله أو كان الحق قد انقضى قبل الحوالة، أياً كان سبب انقضائه.

ويشمل الضمان أيضاً ما يتبع الحق من تأمينات عينية وشخصية.

القاعدة هي أن المتبرع غير ضامن، فلا يضمن المحيل (المتبرع) حتى وجود الحق المحال به.

ومثال ذلك إذا تعذر على المحال له استيفاء الحق نظراً لإعسار المدين المحال عليه، أو كان الحق ذاته لا وجود له.

على أن المحيل، ولو كان متبرعاً، يكون مسئولاً عن أفعاله الشخصية كما أنه ينبغي الرجوع إلى القواعد العامة في الضمان بصدد عقود التبرع ومن ذلك نص المادة 494 مدني وهي تضع القاعدة في ضمان الواهب استحقاق الشيء الموهوب، وهي تنص على أنه: "لا يضمن الواهب استحقاق الشيء الموهوب، إلا إذا تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو كانت الهبة بعوض، وفي الحالة الأولى يقدر القاضي للموهوب له تعويضاً عادلاً عما أصابه من الضرر، وفي الحالة الثانية لا يضمن الواهب الاستحقاق إلا بقدر ما أداه الموهوب له من عوض كل هذا ما لم يتفق علي غيره".

وإذا استحق الشيء الموهوب حل الموهوب له محل الواهب فيما له من حقوق ودعاوى.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الرابع الصفحة/245)

 نص القانون في المواد 308 وما بعدها على التزام المحيل بضمان الحق المحال به، وتعتبر هذه النصوص مقررة أو مفسرة لإرادة العاقدين، بمعنى أنه يجوز الخروج على حكمها باتفاق الطرفين على أحكام أخرى تنظم التزام الضمان تنظيماً مختلفاً، وعلى ذلك فإن هذا الالتزام أما أن يتفق الطرفان عليه وعلى حدوده فيكون الضمان اتفاقياً، وأما إلا بعرضا له بشيء فتكون تلك النصوص القانونية هي التي تحدد مداه وحكمه ويسمى الضمان في هذه الحالة بالضمان القانوني.

ففيما يتعلق بضمان وجود الحق المحال به، فرق المشرع أيضاً بين ما إذا كانت الحوالة معاوضة أو تبرعاً، ففي الأولى يضمن الحيل وجود الحق المحال به وقت الحوالة فقط ( المادة 308 فقرة أولى)

ولا يضمن يسار المدين إلا إذا وجد اتفاق خاص على هذا الضمان ( المادة 309 فقرة أولى)، وينصرف هذا الضمان - إن وجد إلى يسار المدين وقت الحوالة ما لم يتفق على غير ذلك ( المادة 309 فقرة ثانية)، أما في الثانية، فلا يكون المحيل ضامناً حتى لوجود الحق (المادة 308 فقرة ثانية) وكلما كان الحيل ضامناً وجود الحق المحال به، فإنه يكون ضامناً توابعه أيضاً.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 642)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع عشر ، الصفحة / 107

تَوًى

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّوَى وِزَانُ الْحَصَى، مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْهَلاَكُ، يُقَالُ تَوَى يَتْوَى كَرَضِي يَرْضَى أَيْ هَلَكَ، وَأَتْوَاهُ اللَّهُ فَهُوَ تَوٌّ. قَالَ فِي اللِّسَانِ: التَّوَى بِالْقَصْرِ. وَقَدْ يُمَدُّ فَيُقَالُ: تَوَاءُ.

وَجَاءَ فِي اللِّسَانِ أَنَّ التَّوَى الْهَلاَكُ، وَذَهَابُ مَالٍ لاَ يُرْجَى مِنْ تَوَى الْمَالُ يَتْوَى تَوًى .

وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْمَعْنَى نَفْسِهِ، أَيِ الْهَلاَكِ، وَذَهَابِ الْمَالِ . وَقَدْ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي بَحْثِ الْحَوَالَةِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ بِجُحُودِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ مُفْلِسًا كَمَا سَيَأْتِي .

التَّوَى فِي الْحَوَالَةِ:

2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا تَوَى حَقُّ الْمُحَالِ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ إِفْلاَسِهِ فَهَلْ لِلْمُحَالِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُحِيلِ أَمْ لاَ؟

فَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَالَ الشَّخْصُ آخَرَ عَلَى ثَالِثٍ بِشُرُوطِ الإْحَالَةِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ، وَلاَ حَقَّ لِلْمُحَالِ فِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِأَيِّ وَجْهٍ، حَتَّى إِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْمُحَالِ بِهِ مِنْهُ بِفَلَسٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَجَحْدٍ، أَوْ مَطْلٍ، أَوْ مَوْتٍ؛ لأِنَّ  الْحَوَالَةَ تَنْقُلُ الدَّيْنَ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: بِعَدَمِ رُجُوعِ الْمُحَالِ وَإِنْ شَرَطَ يَسَارَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّعَذُّرِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ أَصْلاً .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: بِعَدَمِ رُجُوعِ الْمُحَالِ وَلَوْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ بِرِضَاهُ، إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ يَسَارَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ .

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مَا إِذَا كَانَ يَعْلَمُ الْمُحِيلُ فَقَطْ (دُونَ الْمُحَالِ) بِإِفْلاَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَفِي هَذِهِ  الصُّورَةِ يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لأِنَّهُ غَرَّهُ .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ لِلْمُحَالِ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُحِيلِ فِي حَالَةِ التَّوَى، حَيْثُ قَالُوا: لاَ يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إِلاَّ بِالتَّوَى، بِأَنْ يَجْحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلاَ بَيِّنَةَ لِلْمُحِيلِ وَلاَ لِلْمُحَالِ، أَوْ أَنْ يَمُوتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ بِأَنْ يُفَلِّسَهُ الْحَاكِمُ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَلاَ يَصِحُّ عِنْدَهُ .

وَلِلتَّفْصِيلِ اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ: (حَوَالَةٌ).

____________________________________________________________________

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (96) : يصح لمن عليه الحق أن يفوض صاحبه في قبضه ثم إن وجد المستحق المقبوض زائداً زيادة لا يتغابن بها لزمه الأخبار بذلك ولا يجب عليه الرد بلا طلب.