مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث ، الصفحة : 149
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- وقف المشروع نصوص المواد من 448 إلى 454 على آثار حوالة الدين، فبدأ بما يترتب من تلك الآثار ما بين المحال عليه والمدين الأصلي، ثم تناول ما يترتب منها بين الدائن والمحال عليه، وانتهى أخيراً إلى ما يترتب منها بين الدائن والمدين الأصلي.
2- آثار الحوالة فيما بين المال عليه والربيع قبل إقرار الدائن وعند الرفض :
من المسلم أن للمتعاقدين كامل الخيار في تحديد ما يترتب بينهما من الآثار بمقتضى تعاقد صریح، فلهما أن يشترطا اعتبار الحوالة غير قائمة إلى أن يتم إقرارها، كما أن لها أن يشترطا اقتصار الحوالة على إنشاء مجرد التزام على عاتق المحال عليه بقضاء حتى الدائن .
ويختلف الحكم باختلاف التشريعات عند سكوت المتعاقدين عن اشتراط أمر معین، (فالتقنين اللبناني في المادة 287 فقرة 3) والتقنين الصيني (المادة 302) يفترضان أن نية المحيل والمحال عليه تنصرف، في هذه الحالة، إلى عدم ترتيب أي أثر لتعاقدهما إذا لم يقره الدائن، أما المشروع (المادة 448 فقرة 1) فقد اقتفى على نقيض ذلك، أثر التقنين الألماني (المادة 41 فقرة 3) واختار الحكم الوارد في النص طبقاً لمبدأ أعمال التصرفات القانونية ما وجد سبيل إلى ذلك .
ولا ينبغي أن يغيب عن البال في هذا الصدد أن المادة 446 قد تكفلت في فقرتها الأخيرة بحماية المدين الأصيل من تعنت الدائن أو تعسفه.
ولا يستتبع التزام المحال عليه بقضاء حق الدائن عند الاستحقاق، تخويل المدين حق مطالبة المحال عليه بأن يعمل على إبراء ذمته قبل الدائن فور الوقت، بل كل ما هنالك أن هذا الالتزام يخول للمدين إذا طالبه الدائن قضائياً حتى الرجوع على المحال عليه باعتبار أنه قد تعهد بالوفاء عنه، ليجنبه هذه المطالبة، وتقضي الفقرة الثانية من المادة 448 بأنه "لا يجوز للمدين الأصلي أن يطالب المحال عليه بالوفاء للدائن ما دام هو لم يقم بما التزم به نحو المحال عليه بمقتضى عند الحوالة " وغنى عن البيان أن هذا الحكم ليس إلا تطبيقاً للقواعد العامة في العقود الملزمة للجانبين .
وإذا تخلف المحال عليه عن الوفاء بالتزامه، فللمدين الأصلي متى طولب بالدين أن يرجع عليه بالتعويضات، وينص تقنين الالتزامات السويسري (مادة 175 فقرة 3) على أن للمدين المحيل أن يطلب إلى المحال عليه تقديم تأمينات خاصة لضمان الوفاء بالتزامه، وبديهي أن للمتعاقدين أن يشترطا ذلك في عقد الحوالة دون حاجة إلى نص في القانون.
وقد أجاز المشروع للدائن إقرار الحوالة متى اتصلت بعلمه، حتى قبل أن يقوم الدين أو المحيل بإعلانه بها، ولكن ليس للدائن أن يتمسك بالحوالة مادام إقراره لم يصل إلى المحيل أو المحال عليه، وعلى هذا الاعتبار يكون لطرفي الحوالة أن يعدلا فيها، أو أن يعدلا عنها، قبل وصول هذا الإقرار إلى أحدهما (المادة 449 ).
وتطبق القواعد العامة فيما يتعلق بلزوم الإيجاب بالحوالة، ومؤدى هذا أن من يصدر منه إيجاب بتحمل الدين عن المدين يتحلل منه، متى انعقدت، قبل قبول هذا الإيجاب، حوالة جديدة، قام المحال عليه بإعلانها إلى الدائن (أنظر المادة 177 ثانياً من تقنين الالتزامات السويسري ).
وقد تقدم أن الحوالة تنعقد موقوفة عند الحنفية ولا تكون لازمة مادام الدائن لم يقرها، وهي بهذا الوصف أقرب لأن تكون صورة من صور الاتفاقات التمهيدية.
3- بعد الإقرار : يقصد المحال عليه من تحمل الدين إلى النتيجة التي كان يصل إليها، لو أنه الترم قبل المدين بأداء تكليف معادل لقيمة هذا الدين، فلو فرض أن المحال عليه تحمل عن المدين دیناً مقداره 100 جنيه فهو يقصد من ذلك، إما إلى إقراض الدين مثل هذا المبلغ، وإما إلى التبرع له به، وإما إلى الوفاء له بدين ترتب في ذمته من قبل ، كباقي بمن لم يتم أداؤه، ويراعى أن نية المحال عليه تنصرف، في هذه الحالة الأخيرة، إلى الوفاء بباقي الثمن من طريق تحمل الدين عن المحيل، وبهذا تبرأ ذمته على الفور من المطالبة بمقتضى عقد البيع.
ويوجه هذا النظر ما قضت به المادة 450 من المشروع إذ نصت على أن إقرار الدائن للحوالة يستتبع براءة ذمة الدين الأصلي، ولهذا لا يكون ثمة محل لإبقاء الأصيل على دعواه قبل المحال عليه.
بيد أن إرادة المتعاقدين قد تنصرف إلى خلاف ذلك ، فالأمر لا يعدو والحال هذه مجرد التنويه بقاعدة مفسرة أو متممة، للأفراد مطلق الخيار في الخروج عليها.
وتطبق القواعد العامة عند إبطال الحوالة، فيراعي أولاً أن الدين القديم يعود مسيرته الأولى بجميع توابعه، دون إخلال بحقوق الغير، ويراعي من ناحية أخرى أن الدائن يكون له أن يقتضي من المحال عليه تعويضاً في مقابل ما لحقه من الضرر، إما بسبب فقد تأمينات سبق ترتيبها، وإما بأي سبب آخر، ما لم يثبت المحال عليه أن بطلان الحوالة والضرر الحادث يرجعان إلى سبب لا يدله فيه ( أنظر المادة 180 من تقنين الالتزامات السويسري، والمادة 453 فقرة 2 من المشروع ، ويلاحظ أخيراً أنه لا يجوز للمدين الأصيل في الشريعة الإسلامية، أن يطالب المحال عليه ماله قبله إلا في حدود ما يربو على الدين المحال به .
4- علاقة الدائن بالمال علي : يترتب على الحوالة نقل الدين ذاته أو تحويله، ولذلك تعرض بالنسبة لعلاقة الدائن بالمحال عليه مسائل ثلاث : أولاها تحمل الدين القديم و قيام المحال عليه مقام الأصيل في (المادة 450 )، والثانية مصير التأمينات المخصصة لضمان الوفاء بالدين (المادة 451) ، والثالثة تعيين الدفوع التي يجوز للمحال عليه أن يتمسك بها قبل المدائن (المادة 453) .
أولاً - الاستخلاف على الدين ذاته : (أ) تبرأ ذمة المدين الأصلي متى أقر الدائن الحوالة المنعقدة بين هذا الدين والمحال عليه، ولا يشترط أن يصرح الدائن بذلك، بل يستفاد هذا المعنى من إقراره، بدلالة الاقتضاء، وتعتبر البراءة نهائية، فلو أعسر الدين الجديد فيما بعد فليس للدائن أن يرجع على الأصيل.
ويستند أثر الإقرار فيعتبر المدين الجديد خلفاً الأصيل على الدين من تاريخ انعقاد الحوالة، ومؤدي هذا أن الدين الذي يلتزم المحال عليه بأدائه قبل الدائن، هو عين الدين الذي كان مترتباً في ذمة الأصيل ورأت منه هذه الذمة بالحوالة، وفي هذه الناحية تختلف الحوالة عن التجديد، فالأولى ينحصر أثرها الرئيسي في إبدال شخص المدين، على نقيض ما يجري بشأن الثاني، ويقع الاستخلاف على الدين بالحالة التي يكون عليها وقت الحوالة.
(ب) ويتفرع على ذلك أن التزام المحال عليه يعتبر تجارياً متى كان هذا الوصف ثابتاً للدين القديم وأن المحال عليه يلزم بأداء الفوائد ولو كان يجهل اشتراطها في الدين القديم متى كان هذا الدين منتجية لفائدة، وأن للمحال عليه أخيراً أن يتمسك قبل الدائن بجميع أوجه الدفع التي يكون للمدين الأصلي حق التمسك بها.
(ج) ومتى أقر الدائن الحوالة يجري الحكم كما لو كان هذا الدائن قد اشترك في التعاقد الذي تم من قبل بين المحيل والمحال عليه (المادة 450 فقرة 2) ، ويراعى أن أثر براءة ذمة المدين الأصلي والتزام الدين الجديد قبل الدائن ينسحب إلى هذا التاريخ، فلو زالت عن المحال عليه أملته بعد انعقاد الحوالة، وقبل الإقرار، فلا يكون لذلك أثر في صحة التزامه قبل الدائن لأن الدائن يعتبر طرفاً في التعاقد السابق، ولو نشأ سبب من أسباب المقاصة لصالح المدين الأصيل، في هذه الفترة، فلا يجوز التمسك بمثل هذا السبب إذ المفروض أن الأصيل قد برئت ذمته من قبل.
(د) وقد تضمنت المادة 890 من مرشد الحيران ما استقر عليه الرأي عند الحنفية فنصت على أنه، إذا قبل المحتال الحوالة ورضى المحتال عليه بها برئ، المحيل وكفيله إن كان له كفيل من الدين ومن المطالبة به معاً، وثبت للمحتال حق مطالبة المحتال عليه، (أنظر المادة 690 من المجلة).
ثانياً - مصير التأمينات : (أ) لما كانت حوالة الدين تقتصر على إبدال المدين مع بقاء الدين ذاته، فمن الطبيعي أن يظل مايتبع هذا الدين من التأمينات ملحقاً به، كما تقضي بذلك المادة 451.
بيد أن كفيل المدين الأصلي، شخصياً كان أم عينياً، قد لا يرتضي كفالة الدين الجديد كما لو كان أقل ملاءمة، ولهذا على المشروع بحمايته فاشترط في الفقرة الثانية من المادة 451 رضاءه بالحوالة، وإلا برئت ذمته من الكفالة.
(ب) وقد يقال إن تنازل الكفيل عن حق التجريد يفيد أنه ارتضى أن توجه إليه المطالبة قبل توجهها إلى المدين، وأنه لم يعلق أهمية خاصة على شخص المدين ملائمته، وبهذا تنتفي ضرورة اشتراط رضانه بالحوالة لبقاء الكفالة، بيد أنه يراعي أن الكفيل لا يكفل معتمداً على ثقته في وفاء المدين من ماله فحسب، بل وعلى ثقته في قيام هذا الدين بالوفاء عند حلول الأجل، وانتفاء الحاجة إلى الرجوع عليه تفريعاً على ذلك، فعلة الكفالة، والحال هذه هي الثقة الشخصية، وهذه لا تتأثر في قليل أو كثير بالنزول عن حق التجريد، وصفوة القول إن التزام الكفيل لايظل قائماً في جميع الأحوال إلا إذا رضى بالحوالة ( المادة 451 فقرة 3) .
(جـ) ويبرأ الكفيل عند الحنفية بمجرد قبول الدائن الحوالة، شأنه في ذلك شأن الأصيل (المادة 890 من مرشد الجيران، و المادة 690 من المجلة).
ولكن الرأي عند محمد أن الدائن يستبق حقه في حبس الرهن المقدم من المدين نفسه، ويراعى أن نظره هذا يتمشى مع مذهبه في أثر الحوالة، فهو لا يترتب عليها براءة ذمة المحيل نهائياً، أما أبو يوسف فيقول على نقيض ذلك بسقوط جميع التأمينات نهائياً، متى تمت الحوالة (أنظر المادة 894 فقرة و من مرشد الحيران ، وقارن المادة 690 من المجلة) .
ثالثاً – تعيين الدفوع التي يجوز التمسك بها : (أ) يتفرع على قاعدة الاستخلاف على الدين تخويل المحال عليه حق التمسك بما كان للأصيل من الدفوع وأوجه الدفع، ذلك أن الدين يؤول إلى المحال عليه بالحالة التي كان عليها في كنف الأصيل، أي بما يتصل به من هذه الأوجه و تلك الدفوع، وقد كان في الوسع أن يتجه الرأي، رغم الإبقاء على فكرة الخلافة ووحدة الدين، إلى افتراض إقرار المحال عليه بوجود الدين بمقتضى التعاقد، وارتباطه بهذا الإقرار ، ولكن افتراضاً کهذا لا يتيسر قبوله، دون تعبير صريح عن الإرادة، ولا سيما أن ما يغلب في نية المحال عليه هو انصرافها إلى تحمل الدين في حدود التزام المحيل به (المادة 453 فقرة 1).
وللمحال عليه أن يتمسك بأوجه الدفع المتعلقة بالدين المحال به إطلاقاً، ومن ذلك، مثلاً ، الدفع بالبطلان ، والغبن ، وعيوب الرضا ، واستحالة التنفيذ، والتقادم، والتخلف عن الوفاء بالالتزام المقابل في عقد من العقود التبادلية، ونقص الأهلية أو انعدامها، والمقامرة.
وعلى نقيض ذلك لا يجوز للمحال عليه أن يتمسك بالدفوع الخاصة بشخص الأصيل، الدفع باتحاد الذمة أو بالحق في الحبس، وقد يقصد إيثار الأصيل شخصياً بالإبراء من الدين، أو امتداد الأجل، وعندئذٍ يمتنع التمسك بهما على المحال عليه، وللمحال عليه أن يتمسك من ناحية أخرى بالدفوع الخاصة بشخصه، كالمقاصة و بالدفوع المتفرعة على تعاقده مع الدائن، كنقص الأهلية أو انعدامها والغلط والتدليس.
(ب) وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة 453 الحكم حوالة الدين من حيث إمكان اعتبارها تصرفاً قانونياً مجردة، ينعزل عن سببه، كما هو الشأن في حوالة الحق، ويراعى أن وجه الحكم بأن لا سبيل إلى الشك فيه، كتى انعقدت حوالة الدين بين المدائن والمحال عليه مباشرة، بمعزل عن الأصيل، فالواقع أن الحوالة تكون في هذه الحالة مستقلة كل الاستقلال عن رابطة المدين الأصيل بالمدين الجديد، ولا يكون للمحال عليه أن يحتج على الدائن بأوجه الدفع المستفادة من الرابطة القانونية التي كانت تربطه بالمدين الأصلي.
ولكن وجه الحكم يختلف عن ذلك متى كانت هذه الرابطة قد قامت مقام السبب من الحوالة، كما هو الشأن في بيع محل تجاري، أو بيع عقار مع حوالة الديون المضمونة برهون عقارية على المشتري، فإن الحوالة تعتبر شقة من البيع.
وغني عن البيان أن هذه الحالة تختلف كل الاختلاف عن حالة انعقاد الحوالة - هو - بين الدائن والمحال عليه مباشرة، إذ أن هذا التعاقد مستقل من وجه عن علاقة المحال عليه بالمدين الأصيل، أما الحالة الثانية فيعرض فيها وضع مرکب، فعلاقات المدينين هي التي تعتبر سبباً قانونياً لالتزام المحال عليه قبل الدائن، ولو قيل بغير ذلك لندر أن يتصدى شخص لتحمل دین عن شخص آخر، في مثل هذه الحالة.
وللمحال عليه، وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 403، أن يحتج على الدائن بالدفع بعدم الوفاء استناداً إلى تخلف الأصيل عن الوفاء بالتزامه في بيع عقد بينهما وله كذاك أن تحتج عليه بالتقايل في هذا البيع.
على أنه يشترط للتمسك بمثل هذه الدفوع أن يكون الدائن - والمفروض أنه يظل بمعزل عن الحوالة - قد علم بشروطها، وليس ينبغي أن يغيب عن البال أن هذه القاعدة مفسرة أو متممة ، فللمتعاقدين ملء الخيار في الخروج عليها .
(جـ) وقد تضمنت المادة 896 من مرشد الخيران قاعدة هامة، إذ قضت بأن الدين يتحول وعلى المحتال عليه بصفته التي على المحيل، وترتب المادة 895 على ذلك أن الدين يحتفظ في كنف المحال عليه بمشخصاته، كما لو كان بسيطاً مجرداً من الوصف، أو معلقاً على شرط أو مضافاً إلى أجل، ومؤدى هذه القاعدة من الناحية المنطقية وجواز تمسك المدين الجديد بالدفوع قبل الدائن.
ويراعى من ناحية أخرى أنه إذا خصص دین کان المحال عليه ملزوماً به قبل المدين الأصيل، وكان هذا الدين باطلاً، فلا يكون المحال عليه ملزماً قبل الدائن بأكثر من التزامه قبل المدين الأصيل، ويكون له أن يتمسك قبل الدائن بطلان دینه قبل المدين الأصيل.
5- عملاقة المدين الأصيل والدائن : (1) تقضى الفقرة الأولى من المادة 450 بأن إقرار الدائن للحوالة يستتبع براءة ذمة المدين الأصلى وإحلال المحال عليه محمله، بيد أن حكم هذه البراءة لا يجري على إطلاقه ، فإذا أقيم الدليل على أن المحال عليه كان معسراً عند انعقاد الحوالة ، وأن الدائن كان يجهل هذا الإعسار، فلا تبرأ ذمة الدين الأصلي في هذه الحالة، وتسري هذه القاعدة من باب أولى متى كان هذا الجهل راجعة إلى تدليس أو إلى عيب آخر من عيوب الرضاء .
(ب) ولا يرتب الحنفية على الحوالة براءة ذمة الدين الأصلى نهائياً، وإنما يعتبر مفهوم هذه البراءة، في رأيهم، أقرب إلى معنى التعليق بالشرط الفاسخ.
فمن رأی محمد وأبي يوسف أن إفلاس المحال عليه بما ينطوي فيه من تعريض حق الدائن لخطر فوات القضاء، يبيح لهذا الدائن مطالبة المدين الأصلي، والظاهر أنهما يرتبان على مجرد إعسار المحال عليه استعادة الدائن لحقوقه قبل المدين الأصلي.
أما الحنابلة فمن رأيهم أن من حق الدائن أن يرجع على الدين الأصلي إذا كان يسار المحال عليه قد شرط صراحة، أو إذا اتفق فيها بعد على اشتراط هذا اليسار .
ويراعى أن من رأى الحنفية أن الحوالة لا تتم إلا من وقت اقتران رضاء المحيل والمحال عليه برضاء الدائن.
1 ـ إنه و إن كانت حوالة الدين - التى إنعقدت بين المطعون عليه الأول و هو المدين الأصلى و بين مورث الطاعنين - غير نافذة فى حق الدائن - المطعون عليه الثانى - لعدم إعلانه بها و قبوله لها ، إلا أنها صحيحة و نافذة بين طرفيها ، و من مقتضاها طبقا للمادة 317 من القانون المدنى إلتزام المحال عليه بالوفاء بالدين فى الوقت المناسب ، و هو عادة وقت حلول الدين ، و قد يتفق الطرفان على تحديد ميعاد آخر للوفاء فإذا خلت الحوالة من النص على شيء فى هذا الخصوص ، فإنه يكون على المحال عليه أن يدرأ عن المدين الأصلى كل مطالبة من الدائن ، سواء بوفائه الدين المحال به للدائن ، أو بتسليمه للمدين الأصلى ليقوم بنفسه بالوفاء به لدائنه ، و لأزم ذلك و مقتضاه أنه طالما كان الدين قائما قبل المدين الأصلى ، فإن إلتزام المحال عليه يظل قائماً كذلك و لا يسقط بالتقادم .
(الطعن رقم 490 لسنة 36 جلسة 1972/01/20 س 23 ع 1 ص 88 ق 14)
2 ـ حوالة الدين بين تاجرين تكتسب الصفة التجارية متى عقدت لشئون تتعلق بتجارتهما و يجوز إثباتها بالبينة و القرائن .
(الطعن رقم 621 لسنة 39 جلسة 1976/05/31 س 27 ع 1 ص 1240 ق 237)
المفروض فى الحالة التى نحن بصددها أن الحوالة انعقدت باتفاق بين المدين الأصلd والمحال عليه، فقبل أن يصدر الدائن إقراره، يكون هذا الاتفاق ملزماً للمحال عليه نحو المدين الأصلي، والذى يلتزم به المحال عليه هو التزام بعمل، إذ يلتزم بتخليص ذمة المدين الأصلى من الدين في الوقت المناسب، والوقت المناسب هو عادة وقت حلول الدين المحال به، ولا يوجد ما يمنع من الاتفاق على أن يكون الوقت المناسب غير ذلك، كأن يكون وقت مطالبة الدائن للمدين الأصلي بالدين، وإذا لم يذكر الطرفان شيئاً فى هذا الخصوص، فالمهم هو أن يدرأ المحال عليه عن المدين الأصلي كل مطالبة من الدائن.
وقيام المحال عليه بالتزامه هذا يكون عادة بوفائه الدين المحال به للدائن، ويجوز أن يسلم المحال عليه مقدار الدين للمدين الأصلي ليقوم هذا بنفسه بالوفاء لدائنه، فإن ذلك يكفي لتخليص المدين الأصلي من مطالبة الدائن.
فإذا لم يقم المحال عليه بالتزامه هذا، كان للمدين الأصلي أن يرجع عليه بالتعويض وفقاً للقواعد العامة.
فهو لا يرجع عليه بالدين المحال به ذاته، بل يرجع عليه بتعويض من جراء إخلاله بالتزامه من درء مطالبة الدائن، ويجوز للمدين الأصلي أن يتفق مع المحال عليه أن يقدم له تأمينات خاصة، كرهن أو كفيل، لضمان الوفاء بهذا الالتزام، أما التأمينات التي تكفل الدين المحال به فهى لا تكفل رجوع المدين الأصلي بالتعويض على المحال عليه.
وهذا الالتزام فى ذمة المحال عليه نحو المدين الأصلي يبقى قائماً حتى لو رفض الدائن إقرار الحوالة، فإن عدم إقرار الدائن للحوالة لا يستتبع سقوط الاتفاق على حوالة الدين بين المدين الأصلي والمحال عليه، بل يبقى المحال عليه ملتزماً نحو المدين الأصلي، بعد رفض الدائن إقرار الحوالة، بأن يخلصه من مطالبة الدائن وله ، في الوفاء بالتزامه هذا، إما أن يفي بالدين فعلاً للدائن – وليس للدائن أن يرفض قبول الوفاء فهو مجبر على قبوله ولو من أجنبي وإما أن يعطي للمدين الأصلي مقدار الدين لدفعه للدائن.
هذا هو الأثر الذي يترتب على الاتفاق بين المحال عليه والمدين الأصلي على حوالة الدين، من حيث إلزام المحال عليه نحو المدين الأصلي، وغني عن البيان أن الطرفين يستطيعان فى عقد الحوالة الاتفاق على غير ذلك، إذ أن لهما الحرية الكاملة فى تحديد العلاقة التى تقوم بينهما بموجب هذا العقد، فلهما مثلاً أن يتفقا على أنه إذا لم يقر الدائن الحوالة، فإن الاتفاق الذي كان قائماً بينهما يسقط تبعاً لذلك، ولا يعود المحال عليه ملزماً لا نحو الدائن ولا نحو المدين الأصلي نفسه بأداء الدين المحال به ولا بتخليص المدين الأصلى من مطالبة الدائن، ولهما كذلك أن يتفقا على أن عقد الحوالة لا ينتج أثره منذ البداية إلا إذا أقره الدائن، بحيث لا يرتب هذا العقد فى ذمة المحال عليه، قبل إقرار الدائن له، أي التزام نحو المدين الأصلي، فإذا ما صدر إقرار الدائن أصبح المحال عليه، ليس ملزماً فحسب بتخليص المدين الأصلي من مطالبة الدائن، بل ملزماً أيضاً نحو الدائن مباشرة بوفاء الدين له، ونفرض فيما قدمناه أن الاتفاق المخالف قد ورد فى عقد الحوالة ذاته، وسنرى فيما يلي أن للطرفين فوق ذلك، بعد إبرام عقد الحوالة وفي اتفاق مستقل، أن يعدلا في هذا العقد أو أن يعدلا عنه.
الاتفاق على الحوالة كل لا يقبل التجزئة – عدم الوفاء بالتزام يستتبع عدم الوفاء بالالتزام المقابل : وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 317 مدني تنص على ما يأتى : "على أنه لا يجوز للمدين الأصلي أن يطالب المحال عليه بالوفاء للدائن، ما دام هو لم يقم بما التزم به نحو المحال عليه بمقتضى عقد الحوالة".
فالاتفاق على الحوالة بين المدين الأصلي والمحال عليه قد يكون اتفاقاً ملزماً للجانبين، مثل ذلك أن يبيع المدين الأصلي للمحال عليه داراً ، وفى مقابل ثمنها يتحمل المحال عليه بدين فى ذمة البائع، في مثل هذه الحالة يكون التزام المحال عليه بتحمل الدين هو فى مقابل الدار التي اشتراها، فإذا لم يقم البائع بتسليم الدار إلى المحال عليه أو بنقل ملكيتها إليه وفقاً للقواعد المقررة، لم يكن له أن يطالب المحال عليه بوفاء الدين المحال به للدائن، ما دام هو – البائع – لم يقم بما التزم به نحول المحال عليه.
ويلاحظ أن ما قدمناه لا يسري فحسب فى علاقة المحال عليه بالمدين الأصلي، بل هو يسري أيضاً فى علاقة المحال عليه بالدائن فيما إذا أقر الدائن الحوالة، فقد رأينا أنه يجوز للمحال عليه أن يحتج على الدائن بالدفوع المستمدة من العلاقة بينه وبين المدين الأصلي، إذا كان الدائن عالماً بهذه العلاقة وبما يترتب عليها من الدفوع، وفقاً للقواعد العامة في نظرية السبب، ففي المثل المتقدم إذا طالب الدائن المحال عليه بالدين المحال به بعد إقراره للحوالة ، وكان يعلم أن المحال عليه إنما التزم بالحوالة فى مقابل الدار التي اشتراها من المدين الأصلي، جاز للمحال عليه أن يمتنع عن الوفاء ما دام المدين الأصلىيلم يسلم له الدار التى باعها إياه والتى كان ثمنها هو السبب في الحوالة.
الاتفاق على الحوالة قابل للتعديل فيه والعدول عنه باتفاق آخر : هذا وإذا كان الاتفاق على الحوالة بين المدين الأصلي والمحال عليه ملزماً للمحال عليه على النحو إلى قدمناه، فإنه من جهة أخرى قابل للتعديل فيه أو للعدول عنه، ولكن ذلك لا يكون بإرادة المحال عليه وحدها، لأنه قد التزم نهائياً بموجب الاتفاق فلا يستطيع أن يتنصل من التزامه، وإنما يجوز ، باتفاق جديد بينه وبين المدين الأصلي، أن يعدل فى الاتفاق الأول أو أن يلغيه أصلًا فتزول الحوالة.
وكل هذا جائز إلى أن يقر الدائن الحوالة، فإذا ما أقرها تعلق حقه بها، ولم يعد يجوز، حتى باتفاق كل من المدين الأصلي والمحال عليه، تعديل الاتفاق أو العدول عنه، بل يصبح انتقال الدين المحال به من ذمة الدين الأصلي إلى ذمة المحال عليه بالنسبة إلى الدائن انتقالاً نهائياً، ويستند بأثر رجعي إلى وقت الاتفاق على الحوالة بين المدين الأصلي والمحال عليه، وللدائن مطالبة المحال عليه بالدين المحال به، بل ليس له أن يطالب به غيره إذ قد برئت ذمة المدين الأصلي منه بموجب الحوالة، وذلك حتى لو اتفق المدين الأصلي والمحال عليه بعد إقرار الدائن للحوالة على إلغائها .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/ الأول : الصفحة/699)
عندما تكون الحوالة غير نافذة في حق الدائن، تكون ملزمة للمحال عليه نحو المدين الأصلي وهذا التزام بعمل فیلتزم المحال عليه بوفاء الدين للدائن أو تسليم الدين للمدين الاصلي ليقوم بالوفاء به لدائنه فإذا لم يقم المحال عليه بهذا الالتزام رجع عليه المدين الأصلي بالتعويض لا بالدين المحال به، ويبقى هذا الالتزام قائماً حتى لو رفض الدائن إقرار الحوالة وليس للدائن أن يرفض قبول الوفاء فهو مجبر عليه ولو من أجنبي، وتختلف هذه الحالة عن الاشتراط لمصلحة الغير، وإذا كان الاتفاق على الحوالة ملزماً للجانبين كان يبيع المدين الأصلي للمحال عليه داراً وفي مقابل ثمنها يتحمل المحال عليه بدين في ذمة البائع فإذا لم يقم البائع بتسليم الدار إلى المحال عليه أو بنقل ملكيتها إليه لم يكن له أن يطالب المحال عليه بوفاء الدين المحال به للدائن" أما عندما تنفذ الحوالة في حق الدائن، تبرأ ذمة المدين الأصلي ولوم المحال عليه بالوفاء فعلاً للدائن، فإذا كانت الحوالة تمت باتفاق مباشر بين الدائن والمحال عليه فإن الأخير يرجع على المدين الأصلي وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب، وأن عرض للحوالة ما يبطلها فإن التزام المحال عليه بالدين الحال به نحو الدائن يزول بزوال الحوالة ويقتضي الدائن من المحال عليه أو من المدين الاصلي تعويضاً عما لحقه من ضرر ما لم يثبت أي منهما أنه لا يد له في بطلان الحوالة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس ، الصفحة/ 218)
قد يتفق المتعاقدان صراحة على الآثار التي يريدان ترتيبها على التعاقد، فلهما أن يقصرا اتفاقهما على مجرد تعهد المدين الجديد بالوفاء للدائن، ف لا يترتب على هذا الاتفاق سوى التزام المدين الجديد نحو المدين الأصلي. ولهما أن يتفقا على الحوالة مع اعتبارها غير قائمة إلى أن يقرها الدائن.
أما إذا اتفق المتعاقدان على الحوالة ولم يشترطا أمراً معيناً، فقبل إقرار الدائن أو عند الرفض ينشأ عن اتفاق المدين الأصلي والمحال عليه علاقة ملزمة يكون لها نفس المدى للتعهد بالوفاء، فيقع على عاتق المدين الجديد التزام بقضاء حق الدائن عند الاستحقاق أي الوقت الذي يحل فيه الأجل، ويكون عليه بالتالي أن يدرأ عن المدين الأصلي كل مطالبة من جانب الدائن، ولكن ليس عليه أن يحصل من الدائن على إبراء ذمة المدين الأصلي قبل استحقاق الدين.
إذا كان المدين الأصلي قد التزم نحو المحال عليه في عقد الحوالة بشيء في مقابل التزام هذا الأخير بتحمل الدين، فليس له أن يطالب المحال عليه بالوفاء للدائن إلا إذا كان قد نفذ التزامه، فهذا ما تقضى به القواعد العامة في العقود الملزمة للجانين وإذا لم يقم المحال عليه بالوفاء بالتزامه، وجب عليه تعويض المدين الأصلي متى طالب الدائن هذا الأخير بالدين.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع، الصفحة / 273)