مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 175
مذكرة المشروع التمهيدي :
يشترط في الموفي، سواء في ذلك المدين أم الغير، أن يكون مالاً لما وفى به، وأن تتوافر لديه أهلية التصرف فيه، وغني عن البيان أن الوفاء بالتزام بنقل حق عيني تتوافر فيه حقيقة التصرف، فلا يقع صحيحاً إذا لم يكن الموف مالكاً لما يوفى به، وامتنع عليه، تفريعاً على ذلك، أن يملكه للدائن، على أن الدائن قد يؤول إليه الملك بالتقادم، أو بمجرد الحيازة في المنقول .
فإذا كان للموفي حق الملك فيها أو وفى به، ولكن لم تتوافر لديه أهلية التصرف فيه، كان الوفاء قابلاً للبطلان، وللمدين أن يسترد ما أداه إذا تمسك بهذا البطلان، وقد تكون له مصلحة في ذلك، كما إذا نجل الوفاء و أراد أن ينتفع بفسحة الأجل، وكما لو أراد أن يفي بشيء آخر مما يرد التخيير عليه في التزام تخيري ثبت له الخيار فيه، فإذا لم يلحق الوفاء أي ضرر بناقص الأهلية، انتفت مصلحته في التمسك بالبطلان، وامتنع عليه الاحتجاج به، ومتى كان الوفاء بمأمن من البطلان، ترتب عليه انقضاء الدين، وبراءة ذمة المدين منه .
ويستخلص من هذا النص أنه يشترط لصحة الوفاء، سواء كان الموفى هو المدين نفسه أو كان غير المدين، أمران :
( 1 ) ملكية الموفى للشيء الذي وفى به.
( 2 ) وأهليته للتصرف في هذا الشيء.
وغني عن البيان أن هذين الشرطين يفترضان أن محل الالتزام شيء لم تنتقل ملكيته إلى الدائن بمجرد نشوء الالتزام أو عين معينة تراخى نقل الملكية فيها، أما إذا كان محل الالتزام نقوداً أو عملاً أو امتناعاً عن عمل، فإن النص لا ينطبق.
ملكية الموفي للشيء الذي وفى به : لا بد أن يكون الموفى مالكاً للشيء الذي يوفى به الدين، لأن المقصود بالوفاء هو نقل ملكية هذا الشىء للدائن، ولا يستطيع الموفى أن ينقل للدائن ملكية شيء لا يملكه، فتتخلف الغاية من الوفاء، ويكون الوفاء قابلاً للإبطال على غرار بيع ملك الغير.
ويبقى الوفاء قابلاً للإبطال حتى لو انتقلت ملكية الشىء إلى الدائن بسبب عارض غير الوفاء، كما لو كان الشىء منقولاً وكان الدائن حين تسلمه من المدين حسن النية فملكه بسبب الحيازة ، أو كان عقاراً وملكه بالتقادم القصير مع حسن النية ففي مثل هذه الأحوال لا يكون الدائن مجبراً على التمسك بالحيازة أو بالتقادم إذا كان ضميره يأبى عليه أن يتمسك بذلك، وله أن يرد الشيء على صاحبه، وأن يطالب المدين بالوفاء مرة ثانية إذ وقع الوفاء الأول باطلاً كما قدمنا.
والذي يتمسك ببطلان الوفاء في الأصل هو الدائن الذي تقرر البطلان لمصلحته، ولما كان هذا الوفاء لا يسري فى حق المالك الحقيقي للشيء الموفى به، فإن لهذا أن يسترده من الدائن بدعوى استحقاق لأن الوفاء لم ينقل ملكية الشيء إلى الدائن كما قدمنا، فبقى الشيء على ملك صاحبه فله إذن أن يسترده، وذلك ما لم يكن الدائن قد ملك الشيء بالحيازة أو بالتقادم كما سبق القول، وكما يستطيع المالك أن يسترد الشىء يستطيع على العكس من ذلك أن يجيز الوفاء فيزول بطلانه، قياساً على صحة بيع ملك الغير بإجازة المالك الحقيقي، فتنتقل ملكية الشيء إلى الدائن بهذه الإجازة، وينقلب الوفاء صحيحاً وينقضي به الدين.
وإذا أجاز الدائن الوفاء زال بطلانه أياً، ولكن ما دام المالك لم يجزه يبقى الوفاء غير سار في حقه ولا تنتقل ملكية الشىء إليه، فيبقى الدين دون وفاء، بل إن للمدين، سواء أجاز الدائن الوفاء أو لم يجزه، أن يطلب استرداد الشىء ليرده على صاحبه، ولكن بشرط أن يوفي الدائن شيئاً معادلاً له تماماً قبل أن يسترده.
ونفرض فى هذا كله أن الشىء الموفى به لا يزال باقياً يد الدائن، أما إذا كان الدائن قد استهلكه، هو وقت تسلمه له ووقت استهلاكه إياه كان حسن النية، أو اختلط بملكه اختلاطاً لا يمكن معه تمييزه وكان حسن النية على الوجه المتقدم فإنه يصبح بحكم الواقع مستوفياً لدينه، وليس له أن يطالب بالوفاء به مرة أخرى، أما المالك الحقيقي فلا يستطيع الرجوع عليه بدعوى الاستحقاق لأن الشيء لم يعد موجوداً، ولا بدعوى تعويض لأنه حسن النية ولم يصدر منه أى خطأ، وإنما يرجع المالك على المدين، إما بدعوى تعويض إذا كان المدين سيء النية، أو بدعوى الإثراء بلا سبب إذا كان حسن النية.
لكن إذا هلك الشيء فى يد الدائن بسبب أجنبي، فإن هلاكه فى هذه الحالة لا يمنع الدائن من طلب إبطال الوفاء، فيطالب المدين بالوفاء مرة أخرى، ولا يكون مسئولاً عن رد الشيء الذي تسلمه لأنه هلك بسبب أجنبي ولا يرجع المالك على المدين فى هذه الحالة إلا إذا كان المدين سيء النية .
وغنى عن البيان أن الدائن لو علم منذ البداية ، وقبل أن يتسلم الشىء الموفى به ، أن هذا الشىء ليس بملك الموفى ، فإن له أن يمتنع عن أخذه ، ولا يستطيع الموفى أن يجبره على تسلمه .
أهلية الموفى للتصرف فى الشىء الموفى به : ويجب لصحة الوفاء كذلك أن يكون الموفي أهلاً للتصرف فى الشيء الموفى به، فلا يكفي إذن أن يكون مالكاً للشيء، بل يجب أن يكون مالكاً وأهلاً للتصرف، وأهلية التصرف تقتضي بلوغ سن الرشد وألا يكون الموفي محجوراً عليه.
فإذا كان الموفي مالكاً للشيء الموفي به ولكنه غير أهل للتصرف فيه، بأن كان مثلاً قاصراً أو محجوراً عليه، فإن الوفاء يكون هنا أيضاً قابلاً للإبطال، ولكن لسبب نقص الأهلية لا لسبب انعدام الملكية، وتختلف القابلية للإبطال هنا عن القابلية للإبطال هناك فيما يأتي :
( 1 ) القابلية للإبطال هنا مقررة لمصلحة ناقص الأهلية، فلا يتمسك به إلا الموفي، ولا يجوز أن يتمسك بها الدائن ما دام كامل الأهلية وقد استوفى حقه استيفاء صحيحاً، وقد رأينا فى حالة انعدام الملكية أن الدائن هو الذي يتمسك فى الأصل بإبطال الوفاء إذ هو مقرر لمصلحته، أما الموفى فيسترد الشيء بدعوى خاصة لا بدعوى الإبطال لاعتبارات تتعلق بالعدالة.
( 2 ) وإذا هلك الشيء بسبب أجنبي فى يد الدائن، كان الهلاك عليه، إذ ليس له حق التمسك بإبطال الوفاء كما قدمنا، وليس من المعقول فى هذه الحالة أن المدين يتمسك بإبطال الوفاء وإلا لما استرد لاشيء بعد أن هلك بسبب أجنبي ولو جب عليه الوفاء بالدين مرة أخرى، وقد رأينا في حالة انعدام الملكية أن الشيء إذا هلك بسبب أجنبي لم يهلك على الدائن، بل له أن يتمسك بإبطال الوفاء وأن يطالب المدين بالوفاء مرة أخرى.
( 3 ) ويمكن القول بوجه عام إن المدين إذا لم تتحقق له مصلحة فى إبطال الوفاء، بأن كان الوفاء لم يلحق به أي ضرر، فإن له أن يبقى الوفاء قائماً فينقضي به الدين : لا يطلب إبطاله إذ لا مصلحة له فى ذلك، ولا يستطيع الدائن إبطاله إذ لاحق له فى التمسك بالإبطال، وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 325 مدني إذ تقول : "ومع ذلك فالوفاء بالشيء المستحق ممن ليس أهلاً للتصرف فيه ينقضي به الالتزام إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموفى".
على أنه قد يحدث أن تكون للمدين مصلحة فى التمسك بإبطال الوفاء ، فعند ذلك يكون من حقه أن يبطله، وأن يسترد الشيء الموفي به على أن يفي الدين بعد ذلك وفاء صحيحاً ويتحقق ذلك بنوع خاص إذا كان المدين قد أدى للدائن صنفاً أعلى من الصنف الواجب أداؤه، فيسترده ثم يفي بالصنف الأقل، أو كان فى التزام تخييري اختار أعلى الشيئين قيمة فوفى به فيسترده ثم يفى بالشىء الأقل قيمة.
يبقى فرض ما إذا كان الدائن الذي تسلم الشيء من الموفى ناقص الأهلية قد استهلكه أو تصرف فيه ولو بحسن نية، أيجوز فى هذا الفرض أن يتمسك الموفى ناقص الأهلية بإبطال الوفاء لتحقق مصلحة له فى هذا الأبطال على النحو الذي قدمناه، أم أن حقه فى الإبطال يكون قد زال باستهلاك الدائن للشيء أو بالتصرف فيه بحسن نية، كما هو الحكم في حال انعدام الملكية، إن الفقرة الثانية من المادة 1238 من التقنين المدني الفرنسي صريحة في زوال حق الموفي ناقص الأهلية فى التمسك بإبطال الوفاء فى هذه الحالة، أما فى التقنين المدني المصري، فإن الفقرة الثانية من المادة 325 تقتصر ، كما رأينا ، على القول بأن الوفاء الشيء المستحق ممن ليس أهلاً للتصرف فيه ينقضي به الالتزام إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموفى، فاشترط النص لمنع الموفى ناقص الأهلية من التمسك بالإبطال ألا يلحقه من الوفاء ضرر، وفي الفرض الذي نحن بصدده لا يتحقق هذا الشرط إذا كان الشيء الموفى به أعلى قيمة من الدين على الوجه الذي أشرنا إليه، إذ يصيب الموفى ضرر من الوفاء، فله إذن أن يتمسك بالإبطال، خلافاً للحكم الوارد في التقنين المدني الفرنسي، وهو حكم منتقد من الفقه الفرنسي، ومن ثم ففي التقنين المدني المصري يجوز للموفى ناقص الأهلية أن يتمسك بإبطال الوفاء، حتى لو كان الدائن قد استهلك الشيء الموفى به أو تصرف فيه بحسن نية، وله أن يطالبه بالتعويض، ثم يفي له بعد ذلك بالدين، فيفيد من الفرق ما بين القيمتين.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث – المجلد الثاني الصفحة/ 762 )
لما كان الوفاء بالالتزام لا يتم إلا بنقل ملكية محل الالتزام للدائن، فإنه يلزم الصحية الوفاء أن يكون الموفي، سواء كان المدين أو غيره، مالكاً للشيء الذي وفي به، فإن لم يكن مالكاً له، كان الوفاء قابلاً للإبطال، وللدائن أن يطل الوفاء حتى لو توافر له سبب آخر غير الوفاء لتملك الشيء الموفي به، كما لو كان منقولاً وتوافرت شروط تملکه بالحيازة أو كان عقاراً وتوافرت لدى الدائن شروط تملك بالمدة القصيرة، وله مطالبة المدين بوفاء جديد ولا يستطيع الأخير دفع ذلك حتى توافر شروط التملك لدى الدائن، فليس للمدين أن يجبر الدائن على التمسك بما توافر لديه من اسباب التملك، إذ يلزم للتملك بالحيازة أو بالتقادم أن يتمك الدائن بذلك، وقد يأباه ضميره، وللدائن طلب الأبطال ومطالبة المدين بوفاء جديد حتى لو هلك الشئ في يده بسبب أجنبي دون أن يلزم برد الشيء.
فإذا لم تتوفر شروط الحيازة أو التقادم، أو توافرت لكن لم يتمسك الدين أو الوفاء لا يسرى في حق المالك الذي يكون له استرداد ماله من الدائن بدعوى استحقاق، كما يكون له إجازة الوفاء فينقلب صحيحاً وينقضي به الالتزام، أما تمسك الدائن بالحيازة أو بالتقادم، تملك الشيء ولا يكون للمالك إلا الرجی على الوقي بالتعويض أما أن ملك الشيء في يد الدائن بسبب أجنبي فلا يرجع المالك على الموقي بالتعويض إلا إذا كان الأخير سيء النية إذ يهلك الشيء على مالكه.
وفيما يتعلق بمدى حق الموفي في استرداد الشي، فهناك خلاف في الفقه
ولا يكفي لصحة الوفاء أن يكون الموفي مالكاً فحسب، بل يلزم أن تتوافر له أهلية التصرف في الشيء الموفي به، فإن لم تتوفر له هذه الأهلية، كان الوفاء قابلاً للإبطال لمصلحته وحده دون الدائن بشرط أن يترتب ضرر بالنسبة له من هذا الوفاء، كما إذا كان قد وفى بشيء في التزام تخییري وكانت مصلحته في الوفاء بالشيء الآخر، أو إذا كان قد عجل بالوفاء وأراد الانتفاع بفسحة الأجل، أو يكون قد وفى بشيء جيد بينما التزامه يتطلب الوفاء بشيء متوسط.
أما إن لم يترتب على الوفاء ضرر، كان الوفاء صحيحاً، وبدیهي أن الضرر يتوافر إذا كان الموفي ناقص الأهلية ليس مسئولاً عن الدين.
ولما كان الدائن لا يستطيع التمسك بالبطلان في حالة نقص الأهلية، فتقع عليه تبعة هلاك الشيء متى وقع بسبب أجنبي، لكن يظل للموفي ناقص الأهلية طلب الإبطال حتى لو كان الدائن قد تصرف في الشيء أو استهلکه بحسن نية، فيكون له المطالبة بتعويض ثم يوفي دينه.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/ 247)
يشترط لصحة الوفاء سواء كان الموفي هو المدين أو الغير توافر شرطين هما :
الشرط الأول: أن يكون الموفي مالكاً للشيء الذي أوفى به :
يشترط لصحة الوفاء أن يكون الموفي مالكاً للشيء الذي أوفى به، فإذا كان الموفي غير مالك لهذا الشيء، فإن الوفاء يقع في هذه الحالة باطلاً، وهذا البطلان مطلق لأنه يرجع إلى استحالة محل العمل القانوني، وبيان ذلك أن الوفاء بالتزام بإعطاء شيء إنما يقصد به نقل ملكية ذلك الشئ من الموفي إلى الموفي له، فإذا كان الموفي غير مالك استحال عليه أن ينقل إلى الموفي له ما لا يملك، وانعدم بذلك أحد شروط انعقاد العمل القانوني.
وبناء على ذلك يجوز للموفي له أن يتمسك بهذا البطلان، ويجوز له ذلك ولو كان يستطيع أن يكسب الحق العيني بالتقادم المكسب أو بالاستناد إلى قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية لأن هذين الطريقين يرجع الأمر فيهما إلى الضمير ولا يجبر الشخص على التمسك بهما.
ويجوز كذلك للموفي أن يتمسك ببطلان الوفاء لأن من مصلحته أن يرد الشئ إلى مالكه حتى لا يتعرض في المستقبل إلى مطالبته به، وفي هذه الحالة يبقى الدين في ذمة المدين ويجوز للدائن مطالبته به.
ويجوز لمالك الشيء أيضاً أن يتمسك ببطلان الوفاء، ولو أنه في غنى عن ذلك إذ الوفاء لا يكون نافذاً في حقه ولا يسلبه ماله رغماً عنه.
أما المدين فلا يحق له أن يطالب ببطلان الوفاء واسترداد الشيء وفقاً للقواعد العامة.
ويترتب على بطلان الوفاء وجوب رد محل الوفاء من الموفي له إلى الموفي، ما لم يكن الموفي له قد استهلكه بحسن نية فلا يلزم برده.
أما إذا لم يتمسك أحد من الموفي أو الموفي له بالبطلان بعد العلم بعدم ملكية الموفي، فإن ذلك يعتبر منهما قبولاً بتحول العمل القانوني من وفاء ناقل الملكية إلى اتفاق يتعهد الموفي بموجبه أن ينقل الملكية إلى الموفي له، ولا يترتب على الوفاء سوى ما يترتب على مثل هذا التعهد.
الشرط الثاني: توافر الأهلية في الموفي:
يجب أن تتوافر لدى الموفي أهلية الوفاء، فالوفاء تصرف قانوني، وتختلف الأهلية المطلوبة بحسب ما إذا كان الموفي هو المدين أو الغير.
فإذا كان الموفي هو المدين وجب أن تتوافر لديه أهلية التصرف في محل الوفاء.
أما إذا لم يكن المدين أهلاً للتصرف فيما وفي به كان وفاؤه قابلاً للإبطال إذا كان الموفي مميزاً، أما إذا كان غير مميز فإن الوفاء يكون باطلاً ولكن قد يقال إنه ليس لناقص الأهلية التمسك بالبطلان، لأنه لو استرد ما دفع، فإن الدين يظل قائماً في ذمته ويتعين عليه أن يوفي به ثانية، ويجوز للدائن أن يجبره على ذلك، فيكون الأولى إذن الإبقاء على هذا الوفاء الذي تم، وعدم إجازة إبطاله بالرغم من نقص أهلية من قام به.
غير أن هذا القول مردود بأنه قد تكون هناك مصلحة الناقص الأهلية في التمسك بالبطلان كأن يكون للدين أجل لم يحل وقت حصول الوفاء، أو كأن يكون المدين قد اختار طريقاً للوفاء ضاراً به بأن اختار الشيء من صنف جيد وهو لا يلتزم إلا بصنف متوسط أو اختار أحد الشيئين في التزام تخييري وأراد الرجوع في هذا الاختيار.
وإذا كان الموفى من الغير وقد قصد بالوفاء التبرع بما وفاه، فلا يكفي أن تتوافر لديه أهلية التصرف، بل يجب توافر أهلية التبرع، أما إذا لم يقصد الغير التبرع، فيكفي أن تتوافر لديه أهلية التصرف فيما وفي به شأنه في ذلك شأن المدين.
الوفاء بالشيء المستحق ممن ليس أهلاً للتصرف فيه ينقضي به الالتزام، إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموفي.
ويكون الوفاء غير ضار بناقص الأهلية مثلاً إذا قام بالوفاء بشئ مساو في قيمته للشئ المتفق عليه.
والعلة في ذلك أن المصلحة مناط الدعوى، فإذا طلب المدين إيطال الوفاء في هذه الحالة لا يحكم له به لانتفاء المصلحة، فيظل الوفاء صحيحاً ويترتب عليه انقضاء الالتزام .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع الصفحة/ 306)
فإذا لم يكن للموفي أهلية التصرف بمقابل في الشيء الذي وف به، فإن الوفاء يكون قابلاً للإبطال لمصلحة الموقف ناقص الأهلية، فيجوز لهذا أن يتمسك بالبطلان أو أن لا يتمسك به، فإن تمسك به جاز له أن يسترد ما دفع.
ولكن قد يقال انه ليس له مصلحة في التمسك بالبطلان، لأنه لو استرد ما دفع، فإن الدين يظل قائماً في ذمته ويتعين عليه أن يوف به ثانية، ويجوز للدائن أن يجبره على ذلك، فيكون الأولى إذن الإبقاء على هذا الوفاء الذي تم، و عدم إجازة إبطاله بالرغم من نقص أهلية من قام به.
غير أن هذا القول مردود بأنه قد تكون هناك مصلحة لناقص الأهلية في التمسك بالبطلان كأن يكون للدين أجل لم يحل وقت حصول الوفاء، أو كان يكون المدين قد اختار طريقة الوفاء ضارة به بأن اختار الشيء من صنف جيد وهو لا يلتزم إلا بصنف متوسط أو أختار أحد الشيئين في الترام تخييري وأراد الرجوع في هذا الاختيار.
لماذا وجدت للموفي ناقص الأهلية مصلحة في التمسك ببطلان الوفاء وتمكن به قصي له به ، وإلا فإن الوفاء يبقى صحيحاً ويكون مبرئاً اللذمة وقد نصت المادة 325 فقرة ثانية على أن الوفاء بالشيء المستحق ممن ليس أهلاً للتصرف فيه ينقضي به الالتزام، إذا لم يلحق الوفاء ضرراً بالموف، أي أن ناقص الأهلية لا يجوز له أن يطلب إبطال ما قام به من وفاء إلا إذا أثبت مصلحته في ذلك أو الضرر الذي أصابه من هذا الوفاء.
ويجوز للموي ناقص الأهلية - متى أثبت ذلك - أن يطلب إبطال الوفاء واسترداد الموف به ولو كان الدائن قد استهلك الشيء الموفي به أو تصرف فيه بحسن نية فيكون له حينئذٍ أن يطالبه بالتعويض على أن يوفي له بعد ذلك بالدين وفاءً صحيحاً بعد بلوغ رشده أو قبل ذلك بواسطة وليه أو وصية، ويستفيد من الفرق بين القيمتين : قيمة التعويض الذي تسلمه وقيمة الدين الذي أوف به فيما بعد.
وإذا كان الوفي أهلاً للتصرف في الشيء الموف به، ولكنه غير مالك إياه، فإن الوفاء يقع في هذه الحالة باطلاً أيضاً، ولكن بطلانه يكون بطلاناً مطلقاً يرجع إلى استحالة محل العمل القانوني وبيان ذلك أن الوفاء بإعطاء شيء إنما يقصد به نقل ملكية ذلك الشيء من الموف إلى الموف له، فإذا كان الموف غير مالك استحال عليه أن ينقل إلى الموفي له ما لا يملك، وانعدم بذلك أحد شروط انعقاد العمل القانوني.
وبناء على ذلك يجوز للموف له أن يتمسك بهذا البطلان، ويجوز له ذلك ولو كان يستطيع أن يكسب الحق العيني بالتقادم المكسب أو بالاستناد إلى قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية أو بالتمس بحماية الوضع الظاهر لأن هذه الطرق يرجع الأمر فيها إلى الضمير ولا يجبر الشخص على التمسك بها.
ويجوز كذلك للموفي أن يتمسك ببطلان الوفاء لأن من مصلحته أن برد الشيء إلى مالكه حتى لا يتعرض في المستقبل الى مطالبته به، وفي هذه الحالة يبقى الدين في ذمته ويجوز للدائن مطالبته به.
ويجوز لمالك الشيء أيضاً أن يتمسك ببطلان الوفاء، ولو أنه في غني عن ذلك أن الوفاء لا يكون نافذاً في حقه ولا يسلبه ماله رغماً عنه، ويجوز له أن يسترده بدعوى الاستحقاق ما لم يكن الموفي له قد كسب ملكية الشيء بالتقادم المكسب.
ويترتب على بطلان الوفاء وجوب رد محل الوفاء من الموف له إلى الموفي، ما لم يكن الموف له قد استهلكه بحسن نية فلا يلزم برده.
أما إذا لم يتمسك أحد من الموف أو الموفي له بالبطلان بعد العلم بعدم ملكية الموف، فإن ذلك يعتبر قبولاً يتحول conversion العمل القانوني، من وفاء ناقل الملكية إلى اتفاق يتعهد الموف بموجبه أن ينقل الملكية إلى الموف له، ولا يترتب على الوفاء سوى ما يترتب على مثل هذا التعهد.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 685)