مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 188
مذكرة المشروع التمهيدي :
1-وثمة فارق آخر بين الحلول والحوالة يعرض في الفرض الذي يواجهه هذا النص، فإذا اقتصر من تم له الحلول على الوفاء بجزء من حق الدائن فالمفروض أن هذا الدائن لم يقبل ذاك الوفاء الجزئي إلا بشرط التقدم على الموفي في استيفاء باقي الدين من المدين، وغني عن البيان أن القرينة التي أقامها المشروع على هذا الوجه تمشي مع المعقول، ولا سيما أنها غير قاطعة، فللمتعاقدين أن يتفقا على الخروج عليها (أنظر في هذا المعنى المادته 505 / 617 من التقنين المصري، والمادة 1252 من التقنين الفرنسي، والمادة 1215 من التقنين الإسباني والمادة 782 من التقنين البرتغالى والمادة 1349 من التقنين الهولندي، والمادة 268 فقرة 3 من التقنين الألماني، والمادة 990 من التقنين البرازيلى، والمادة 312 من التقنين الصيني، وعكس ذلك المادة 1254 فقرة 2 من التقنين الإيطالي، والمادة 806 من التقنين الأرجنتيني والمادة 227 / 215 من التقنينين التونسي والمراكشي، والمادة 316 من التقنين اللبناني والمادة 186 من المشروع الفرنسي الإيطالى، و(المادة 502 من التقنين الياباني )، أما الحوالة، فاذا اقتصرت على جزء من الحق اشترك المحال له مع الدائن المحيل في المطالبة، كل بنسبة مايجب له في ذمة المدني المحال عليه.
2 - وإذا تم حلول أحد الأغيار محل الدائن فيما بقي له من حقه بعد حلول من أوفى في الجزء الآخر، فلا محل لاقتراض انصراف النية إلى تقديم منحل أخيراً على من تقدمه في الحلول عند الرجوع على المدين وعلى ذلك يكون الموفي الأول والموفي الثاني من حيث المطالبة بمنزله سواء، ويرجع كل منهما بقدر ما هو مستحق له وبتقاسيان مايصيان من مال المدين قسمة غرماء ( عكس ذلك المادة 784 من التقنين البرتغالي وهي تقضي بالتوزيع بين الموفين بحسب الدرجات وفقاً لتوالى حلول كل منهم).
والمفروض هنا أن الموفي وفى جزءاً من الدين ، فحل محل الدائن، فى هذا الجزء، فإذا كان المدين قدر رهن عقاراً فى الدين، وليس يفي العقار بكل الدين، وليس للمدين أموال أخرى ، فإن الموفي وقد وفى جزءاً من الدين والدائن الأصلي ولا يزال دائناً بالجزء الباقى لا يجدان أمامهما غير هذا العقار ليستوفي كل حقه منه، ويتقدمان معاً على سائر الغرماء بما لهما من حق الرهن . ولكن فيما بينهما كان ينبغى أن يتعادلا ، فإن كلاً منهما دائن بجزء من دين واحد، فلا محل لتفضيل أحدهما على الآخر، ولكن النص –وهو فى ذلك يترجم عن الإرادة المحتملة للطرفين - يفترض أن الدائن لم يكن ليرضى باستيفاء جزء من حقه إلا وهو مشترط على الموفي أن يتقدم عليه فى استيفاء الجزء الباقي، وعلى هذا الأساس قد قبل وفاءً جزئياً ما كان الموفي يستطيع أن يجبره عليه، ومن ثم يتقدم الدائن الأصلي على الموفي فى الغرض الذى نحن بصدده، ويستولي أولاً الجزء الباقي له من الدين، وما بقى بعد ذلك من ثمن العقار يأخذه الموفي فلا يستوفي به كل حقه.
ونرى من ذلك أن الموفي، وقد حل محل الدائن فى جزء من حقه، لم يعامل معاملة الدائن، بل فضل الدائن عليه، على أن هذه القاعدة يحل منها قيود ثلاثة :
1- أنها ليست إلا افتراضاً لما أراده الدائن والموفى Nemo contra se subrogasse censetur ، فهي ليست قاعدة من النظام العام، ومن ثم يجوز للدائن والموفي أن يتفقا على غير ذلك، فلهما أن يتفقا على أنهما يتعادلان ويتقاسمان مال المدين قسمة الغرماء، بل لهما أن يتفقا على أن الموفى هو الذى يتقدم الدائن فيستوفي أولاً الجزء من الدين الذى وفاه، وما بقى بعد ذلك يأخذه الدائن، وهذا ما يقع غالباً، فإن الموفى وهو يفي للدائن بحقه يكون عادة هو الجانب الأقوى الذى يملى شروط الوفاء، فسرعان ما يشترط أن يتقدم الدائن فى استيفاء حقه من المدين.
2- وحتى لو لم يتفق الدائن والموفي على شىء يخالف القاعدة المتقدمة الذكر ، وتقدم الدائن على الموفي فهذه ميزة شخصية للدائن وحده، لا تنتقل منه إلى شخص آخر يفى له بالجزء الباقي من حقه ويحل محله فيه، وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 330 مدني صراحة على هذا الحكم كما رأينا ، فقضت بأنه : " إذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقى له من حق، رجع من حل أخيراً هو ومن تقدمه فى الحلول كل بقدر ما هو مستحق له، وتقاسما قسمة الغرماء" ولا يستطيع الدائن، وهو يستوفي الجزء الباقي من حقه من هذا الشخص الآخر أن يتفق معه على أن يجعله متقدماً على الموفي الأول، إذ أن الموفي الأول ليس طرفاً فى هذا الاتفاق فلا يسري فى حقه، وإنما يجوز للدائن، عند استيفاء جزء من حقه من الموفي الأول، أن يشترط عليه أنه هو أو من يخلفه فى الجزء الباقي يتقدم على الموفي الأول، وعند ذلك يكون للدائن وهو يستوفي الجزء الباقي، أن يتفق مع الموفي الثاني على أن يتقدم على الموفي الأول، وهذا هو ما رضى به الموفى الأول مقدماً عند اتفاقه مع الدائن.
3- وما قدمناه من أن الموف] بجزء من الدين يتأخر عن الدائن عند ما يريد هذا استيفاء الجزء الباقي، إنما يصح إذا تمسك الموفي بدعوى الحلول، أما إذا تمسك بالدعوى الشخصية، فلا وجه لتفضيل الدائن عليه، فإذا فرض فى المثل المتقدم أن المدين لم يرهن عقاراً لضمان الدين، ووفى الغير الدائن جزءاً من حقه، ولم يكن عند المدين مال يفى بكل الدين، فإن رجوع الموفي بالدعوى الشخصية على المدين يجعله يزاحم الدائن فى رجوعه على المدين بما بقى من حقه ويتقاسمان مال المدين قسمة غرماء، ذلك أن الموفي إنما يرجع، لا بدعوى الدائن عن طريق الحلول حتى يتقدم الدائن عليه، بل بدعوى شخصية خاصة به تعادل دعوى الدائن، فلا محل لتفضيل أحدهما على الآخر.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث – المجلد الثاني الصفحة/ 819)
إذا قام الغير بوفاء جزء من الدين للدائن، وحل محله فيه، فإن الموفي لا يستطيع الرجوع على المدين إلا بقدر ما أداه للدائن، سواء أبرأه الدائن من باقي الدين أو لم يبرئه، فإن لم يتنازل الدائن عن باقي الدين، كان له الرجوع به على المدين، وفي هذه الحالة، يتقدم الدائن على الموفي في استيفاء حقه، فيأخذ الدائن القدر الباقي من حقه من حصيلة التنفيذ على أموال المدين، فإن بقى شيء من هذه الحصيلة بعد ذلك استوفى منها الموفي حقه، فإن بقي شيء بعد ذلك اقتسمه باقي الدائنين قسمة غرماء، وهذا الحكم يفترض أن للدائن حق عيني على عقار للمدين يخوله التقدم على سائر الدائنين، فإن لم يوجد مثل هذا الحق ورجع الموفي على المدين بالدعوى الشخصية لا بدعوى الحلول، تساوى الدائن مع الموفي وباقي الدائنين فيقتسمون جميعاً أموال المدين قسمة غرماء إن لم تكف للوفاء بحقوقهم كاملة، فان رجع من قام بالوفاء الجزئي على الكفيل بالدعوى الشخصية وكذلك رجع الدائن على الكفيل بما تبقى له من حق، فليس للدائن التقدم على الموفی، كذلك إن كان للدائن رهنان على عقار واحد لضمان دینین مختلفين ووفى الغير جزء من الدين المضمون بالرهن الأول، فإن للدائن أن يتقدم على الموفي عند استيفاء الجزء الباقي من هذا الدين فقط ثم يقوم الموفي بالتنفيذ بحقه علی باقی حصيلة التنفيذ فقد حل محل الدائن في جزء الدين الذي وفاه بما له من تأمين متقدم أما الرهن التالي فليس للدائن أن يحتج به على الموفي الذي حل محله في الرهن المتقدم.
وميزة التقدم المشار إليها، هي أولاً متصلة بشخص الدائن، فلا يحل محله فيها من قام بوفاء باقي الدين، فيتساوى من قام بوفاء بعض الدين أولاً مع من قام بوفاء بعضه الآخر ثانياً، ويشتركان معاً في اقتسام أموال المدين قسمة غرماء وليس اللدائن أن يقدم الموفي المتأخر على الموفي المتقدم إلا اذا كان عقد الحلول الأول منصوصاً فيه على ذلك، خلافاً لحوالة الحق م 329، فإن المحال له بجزء من الحق يتعادل مع المحيل ويتقاسمان أموال المدين قسمة غرماء، كما يتقدم المحال له بجزء من الحق على الموفي الذي قام بوفاء جزء آخر منه، وهذه الميزة ثانياً، ليست متعلقة بالنظام العام، ومن ثم يجوز الاتفاق على ما يخالفها، فيصح الاتفاق على أن يتعادل الموفي مع الدائن عند التنفيذ على أموال المدين، أو على أن يتقدم الموفي على الدائن في ذلك وهذا ما يحدث في العمل.( المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/ 269)
مقتضى القاعدة العامة في الحلول أنه إذا اقتصر من تم له الحلول علی الوفاء بجزء من حق الدائن كما إذا قبل الدائن الوفاء بجزء من حقه ولم يستطع المدين أن يدفعه فدفعه عنه آخر وحل محل الدائن في هذا الجزء وبقى الدائن دائناً بالجزء الأخر، فإنه يصبح هو والدائن على حد سواء يتقاسمان مال المدين إذا لم يكن لسدادهما معاً قسمة الغرماء.
غير أن النص جعل للدائن الحق في أن يتقدم على الموفي في استيفاء باقی الدين من المدين، وذلك على أساس افتراض مقتضاه أن الدائن لم يقبل هذا الوفاء الجزئي إلا بشرط أن يكون له هذا التقادم، إلا أن يتفق على غير ذلك، وينهض بهذا الافتراض أن الدائن إذا قبل وفاءً جزئياً من المدين فإنه يكون له أن يستوفي بقية دينه من مال المدين دون أن يزاحمه أحد، فإذا كان الذي قام بهذا الوفاء الجزئي واحد من الغير فإن مركز الدائن يجب ألا يسوء بسبب ذلك، فيظل الوضع كما لو كان المدين هو الذي وفي فيكون استيفاء ما بقى له من حق مقدماً على من وفاه ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك .
وإذا قام شخص آخر بوفاء ما بقى للدائن من حقه وحل محله فيه، فلا مجال الافتراض انصراف النية إلى أن يتقدم هذا على من وفى أولاً عند الرجوع على المدين، وعليه يكون الموفي الأول والموفي الثاني في رجوعهما على المتدین على قدم المساواة يتقاسمان مال المدين قسمة غرماء.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع الصفحة/ 333)
ومقتضى هذا النص أن الموفي إذا وفى جزءاً من الدين وحل فيه محل الدائن، فإنه لا يرجع على المدين إلا بعد أن يستوف الدائن باقي حقه.
ويعلل ذلك بأنه تفسير لنية الطرفين المحتملة، إذ المفروض أن الدائن عندما قبل الوفاء الجزئي احتفظ لنفسه بأن يتقاضى حقه كاملاً قبل أن يحل الموفي في شيء.
وينبني على هذا التعليل أنه يجوز أن يشترط الموفي عكس ذلك، كان يشترط اشتراكه مع الدائن أو تقدمه عليه.
كما ينبني عليه أيضاً أنه إذا استوف الدائن حقه أجزاء متعددة من أشخاص مختلفين، وحل كل منهم محله في بعض الدين، فإنهم يستوون جميعاً ويقتسمون حاصل البيع قسمة غرماء.
ومؤدى ذلك أن الغير الذي يوفي جزءاً فقط من دين المدين إلى دائنه، يحل محل هذا الأخير فيما وفاه له ولكن الدائن يتقدم عليه بما بقي له من الدين ما لم يتفق بينهما على خلاف ذلك، ويظهر ذلك عملياً في حالة وجود رهن ضامن للدين، فإذا فرض أن المال المرهون لا يفي بكل الدين، كان الدائن مقدماً على من وفاه جزءاً من الدين في استيفاء باقي الدين من المال المرهون حيث يفترض أن الدائن لم يقبل الوفاء الجزئي ليضار به بتقديم صاحب الوفاء الجزئي عليه إلا إذا ثبت أنه قبل ذلك فعلاً باتفاق خاص بينه وبين الموفي,
وإذا انعدم مثل هذا الاتفاق فكان للدائن التقدم على موفي جزء من الدين بما بقي له من الدين ، واستوفى الدائن باقي الدين من شخص آخر واحله محله في ذلك الباقي، فحينئذٍ لا يحل هذا الآخر محل الدائن في مرتبته، بل يتساوى مع موفى الجزء الأول من الدين، إذ لا يكون ثمة محل لافتراض أن الدائن عند استيفائه باقي الدين قد احتفظ لنفسه بحق التقدم، بعد أن استوفى باقي الدين وأحل موفيه محله في ذلك الباقي.
على أن ما تقدم محله أن يكون رجوع موفي الدين وفاءً جزئياً بدعوى الحلول Ltion an subrogation، أما إذا كان رجوعه بالدعوي الشخصية، دعوى الوكالة أو دعوى الفضالة، فإنه يزاحم الدائن في رجوعه على المدين بما بقي له من الدين ويتقاسمان قسمة غرماء .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقص، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 767)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 320)
٢- واذا حل شخص آخر محل الدائن فيما بقي له من حق، رجع من حل أخيراً هو ومن تقدمه في الحلول كل بقدر ما هو مستحق له وتقاسما قسمة الغرماء.
هذه المادة تطابق المدة 330 من التقنين الحالي .
وتطابق المادة ۳۸۲ من التقنين العراقي .
و تطابق المادة 397 من التقنين الكويتي.