loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث ، الصفحة : 196

مذكرة المشروع التمهيدي :

لا يستتبع الوفاء لغير الدائن براءة ذمة الدين إلا استثناء ، في حالاته ثلاث :

1 - أولاها حالة إقرار الدائن لمثل هذا الوفاء ، ويكون من أثر هذا الإقرار أن ينقلب الغير وكيلاً بعد أن بدأ فضولياً ، ويتعين عليه تفريعاً على ذلك أن يقدم حساباً للدائن .

2 - أما الحالة الثانية فتعرض حيث تعود على الدائن منفعة من الوفاء على هذا الوجه ، فإذا أوفي المدين للغير وترتبت على وفائه منفعة للدائن برئت ذمة المدين بقدر هذه المنفعة ، ولو لم يقر الدائن هذا الوفاء ، وليس هذا الحكم إلا تطبيقاً للقواعد العامة.

3- وأخيراً تبرأ ذمة المدين إذا أو في الغير بحسن نية بأن اعتقد أنه دائنه الحقيقي متى كان هذا الغير حائزاً للدين ، وتعرض هذه الحالة على وجه الخصوص بالنسبة للوارث الظاهر ، ولا يشترط أن يكون حائز الدين حسن النية ، بل تكفي فيه هذه الحيازة ، وغني عن البيان أن أثر هذا الوفاء في براءة الذمة يقتصر على صلة الدائن بالمدين ، ويكون من حق الدائن أن يرجع على حائز الدين ، وفقاً للقواعد العامة.

الأحكام

 1 ـ إن النص فى المادة 333 من القانون المدنى يدل على أن الأصل أن الوفاء لغير الدائن أو نائبه لا ينقضى به الدين ولا تبرأ به ذمة المدين إلا فى الحالات التى أوردها نص المادة 333 مدنى على سبيل الحصر ، ومنها الوفاء بحسن نية للدائن الظاهر وهو الشخص الذى لا يكون دائناً حقيقياً ، ولكن الدين موجود فى حيازته بحيث يقع فى روع الناس أنه هو الدائن الحقيقى كالوارث الظاهر ، فهذا المظهر وإن كان يتعارض مع الحقيقة ، فقد اطمأنت الناس إليه ومن ثم وجبت حماية من يتعامل مع الوارث الظاهر بحسن نية وهو يتوافر إذا كان يجهل شخص الدائن الحقيقى ويكون الوفاء فى هذه الحالة مبرئاً لذمة المدين ، ويكون للدائن الحقيقى الرجوع على الدائن الظاهر بما استوفاه هذا من الدين دون حق طبقاً لقواعد الإثراء بلا سبب إذا كان حسن النية ، كما يستطيع الدائن الحقيقى أيضاً أن يرجع بالتعويض على الدائن الظاهر إذا كان سئ النية وقت استيفاء الدين .

(الطعن رقم 3904 لسنة 75 جلسة 2006/02/14 س 57 ص 177 ق 37)

2 ـ الوفاء لغير شخص الدائن أو نائبه لا يستتبع - و على ما نصت عليه المادة 333 من القانون المدنى- براءة ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن هذا الوفاء .

(الطعن رقم 1967 لسنة 53 جلسة 1989/11/19 س 40 ع 3 ص 122 ق 337)

3 ـ مفاد نص المادتين 332 ، 333 من القانون المدنى أن الأصل فى الوفاء حتى يكون مبرئاً لذمة المدين أن يكون للدائن أو لنائبه أما الوفاء لشخص غير هذين فلا تبرئ ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن الوفاء له ، و إذ كان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه ببراءة ذمة المطعون ضده الأول من باقى الثمن على أن وكيل الشركة الطاعنة بموجب العقد تسلم المبلغ المعروض بموجب إنذار العرض المعلن لمركزها فى .... - و دون تحفظ منه - أشير فيه إلى دفعات سداد الثمن للشركة الطاعنة و لورثة المرحومة ... و أن الباقى هو مبلغ ... فإنه يحق للمحكمة أن تعتبر عدم منازعة وكيل الشركة الطاعنة بما أوفى به المطعون ضده الأول لغيرها بمثابة التسليم و الإقرار الضمنى بهذا الوفاء .

(الطعن رقم 1199 لسنة 52 جلسة 1986/11/27 س 37 ع 2 ص 885 ق 183)

4 ـ وفاء المدين لغير الدائن ، وعلى ما نصت المادة 333 من القانون المدنى يعتبر مبرئاً لذمة المدين ، إذا أقر الدائن هذا الوفاء .

(الطعن رقم 1048 لسنة 50 جلسة 1984/03/15 س 35 ع 1 ص 690 ق 131)

5 ـ المقرر - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه إذ كان الوفاء لغير الدائن أو نائبه تبرأ ذمة المدين إذ أقر الدائن هذا الوفاء و يكون من أثر هذا الوفاء - على ما تنص به المادة 333 من القانون المدنى و مذكرته التفسيرية أن ينقلب - الغير وكيلاً بعد أن كان فضولياً .

(الطعن رقم 716 لسنة 47 جلسة 1982/06/30 س 33 ع 2 ص 854 ق 155)

6 ـ مفاد نص المادتين 332 ، 333 من القانون المدنى أن الأصل فى الوفاء حتى يكون مبرئاً لذمة المدين أو لنائبه ، أما الوفاء لشخص غير هذين فلا يبرىء ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن الوفاء له أو عادت على الدائن من هذا الوفاة منفعة و بقدر تلك المنفعة أو كان هذا الشخص يحوز الدين و وفى له المدين بحسن نية معتقداً أنه الدائن الحقيقى . و إذا كانت وكاله الزوجة عن زوجها لا تستخلص ضمناً من مجرد قيام رابطة الزوجية ، و كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم المستأنف لأسبابه و الذى إعتبر الإيداع الحاصل من المطعون عليه الأول لدى المطعون عليها الثانية وفاء لزوجها الطاعن بجزء من الثمن المستحق على المطعون عليه الأول إستناداً إلى ورقة تقدم بها موقعة ببصمة إصبع المطعون عليها الثانية بإستلامها مبلغ خمسمائة جنيهاً أمانة تحت الطلب ، و ما قرره المطعون عليه الأول و آخر كان العقد مودعاً لديه من إعتبار المبلغ المودع لدى المطعون عليها الثانية بموجب تلك الورقة وفاء لزوجها الطاعن ، و دون أن يوضح سبيله إلى إعتبار هذا الإيداع وفاء مبرئاً لذمة المطعون عليه الأول ، فإنه يكون معيباً بالقصور .

(الطعن رقم 1395 لسنة 49 جلسة 1981/01/13 س 32 ع 1 ص 189 ق 38)

7 ـ إن إعطاء المشترى المتأخر فى دفع الثمن ميعاداً للوفاء بدلا من الحكم بالفسخ إعمالا للمادة 333 من القانون المدنى القديم من الرخص التى أطلق الشارع فيها لقاضى الموضوع الخيار فى الأخذ بأحد وجهى الحكم فى القانون حسبما يراه هو فى ظروف كل دعوى بغير معقب عليه . فلا يقبل النعى على الحكم بقصور أسبابه عن بيان الاعتبارات التى اعتمد عليها فى منح المهلة للوفاء بمتأخر الثمن .

(الطعن رقم 154 لسنة 18 جلسة 1950/05/25 س 1 ع 1 ص 534 ق 134)
(الطعن رقم 155 لسنة 18 جلسة 1950/03/23 س 1 ع 1 ص 373 ق 94)

8 ـ متى كان المدفوع فى الحساب الجارى ديناً ثابتاً بورقة تجارية حررها العميل لصالح الجهة المفتوح لديها الحساب ، فأن مجرد قيد قيمتها فى الجانب الدائن من الحساب لا يمنع من مطالبته العميل بقيمتها فى ميعاد الإستحقاق ، و ليس له أن يحتج بدخول الورقة فى الحساب الجارى و إندماجها فيه بحيث لا يجوز فصلها عنه و المطالبة بها على إستقلال طالما أنه لم يوف بقيمتها بالفعل إذ من تاريخ هذا الوفاء وحده يعتبر المدفوع قد دخل الحساب الجارى و إندمج فيه بغض النظر عن تاريخ قيده ، إذ يعتبر القيد فى هذه الحالة قيداً مؤقتاً بشرط الوفاء .

(الطعن رقم 346 لسنة 42 جلسة 1976/05/17 س 27 ع 1 ص 1118 ق 214)

9 ـ المقصود بالدائن الظاهر هو من يظهر أمام الجميع بمظهر صاحب الحق ، و لا يشترط فيه أن يكون حائزا لسند الدين فعلا وإن كانت حيازته له تكون عنصراً من العناصر التى يستند إليها المظهر الخادع للدائن الظاهر . ومن ثم فلا يكفى فى اعتبار المطعون عليه دائنا ظاهرا مجرد كونه محكوما له مع باقى الورثة بالدين المنفذ به و ليس فى اتصافه فى إجراءات التنفيذ بصفة الوصى أو الوكيل ما يتوافر به له مركز قانونى يجعله فى حكم الدائن الظاهر بالنسبة لحصة من ادعى الوصاية أو الوكالة عليهم فى الدين الذى أوفاه له الطاعن .

(الطعن رقم 160 لسنة 28 جلسة 1963/05/30 س 14 ص 759 ق 107)

10 ـ إذا كان صحيحاً أن قبض الدائن قيمة الشيك الذي استلمه آخر من المدين يعد إقراراً منه لهذا الوفاء بحيث يصبح هذا الغير فى هذه الحالة وكيلاً بعد أن بدأ فضولياً - على ما تقضي به المادة 333 من القانون المدني ومذكرته التفسيرية - إلا أن هذه الوكالة قاصرة على الوفاء الذي أقره الدائن فلا تتعداه إلى ما يكون هذا الغير قد أقر به فى ورقة أخرى غير الشيك من أن المبلغ الموفى به هو كل الباقي المستحق للدائن لأن هذا الإقرار بالتخالص ليس من مستلزمات الوفاء بالمبلغ الموفى به بل هو إقرار بواقعة قانونية مستقلة عن الوفاء ولا يمكن اعتبار الدائن مقراً لها إلا إذا كان قد علم بها وقت إقراره ذلك الوفاء. كما لا يمكن اعتبار الإقرار بالتخالص من الغير عملاً من أعمال الفضولي إذ لا يتوافر فيه ما يشترط توافره فى عمل الفضولي الذي يلزم به رب العمل وهو أن يكون هذا العمل ضرورياً بالنسبة لرب العمل.

(الطعن رقم 340 لسنة 26 جلسة 1962/04/05 س 13 ع 1 ص 414 ق 61)

11- المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أنه طبقًا للقواعد العامة فى عقد الإيجار فإن المستأجر هو المدين بالأجرة والدائن بها هو المؤجر أو ورثته ، وقد نصت المادة 333 من القانون المدنى على أن الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه لا تبرأ به ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن هذا الوفاء أو عادت عليه منفعة منه وبقدر هذه المنفعة أو تم الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين فى حيازته ، كما يكون الوفاء لغير الدائن مبرئًا لذمة المدين إذا نص عليه القانون ، وأن أسباب الحكم تكون مشوبة بالفساد فى الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفًا لما هو ثابت بأوراق الدعوى ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة فى اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم الواقعة التى تثبت لديها أو استخلاص هذه الواقعة من مصدر لا وجود له أو موجودًا ولكنه مناقض لما اثبتته ، وأن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلان الحكم إذا كان هذا الدفاع جوهريًا ومؤثرًا فى النتيجة التى انتهت إليها إذ يُعتبر هذا الإغفال قصورًا فى الأسباب الواقعية يقتضى بطلانه ، بما مؤداه أنه إذا طرح على المحكمة دفاع كان عليها أن تنظر فى أثره فى الدعوى فإن كان منتجًا فعليها أن تقدر مدى جديته حتى إذا ما رأته متسمًا بالجدية مضت إلى فحصه لتقف على أثره فى قضائها ، فإن هى لم تفعل كان حكمها قاصرًا .

(الطعن رقم 11127 لسنة 80 ق -  جلسة 23 / 11 / 2022)

شرح خبراء القانون

ويخلص من هذا النص أن الوفاء لغير الدائن أو نائبه لا يكون صحيحاً ولا يبرئ ذمة المدين ، إلا أنه مع ذلك يكون صحيحاً استثناء ويبرئ ذمة المدين فى أحوال ثلاثة ذكرها النص ، ونضيف إليها حالة رابعة وردت فى تقنين المرافعات ، وهذه الأحوال الأربع هى :

(أولاً) إذا أقر الدائن الوفاء.

(ثانياً) إذا عادت على الدائن منفعة من الوفاء ، وبقدر هذه المنفعة.

(ثالثاً) إذا تم الوفاء للدائن الظاهر.

(رابعاً) إذا تم الوفاء لدائن الدائن الحاجز تحت يد المدين ، وهنا لا يتقدم دائن الدائن بصفته نائباً عن الدائن كما يفعل فى الدعوى غير المباشرة ، بل يباشر حقاً شخصياً له هو حق الحجز تحت يد الغير.

 إقرار الدائن للوفاء :

قد يوفى المدين الدين لغير الدائن أو نائبه ، كأن يوفيه لوكيل انتهت وكالته أو عزل عن الوكالة وكان ينبغى على المدين أن يعلم ذلك ، ففى هذه الحالة لا يكون الوفاء صحيحاً ولا يبرئ ذمة المدين ، كما سبق القول ، ومع ذلك إذا أقر الدائن الوفاء ، فإن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ، ويصبح الوفاء صحيحاً مبرئاً لذمة المدين . .

وإقرار الدائن للوفاء فى هذه الحالة له أثر رجعي ، فيعتبر الوفاء صحيحاً من وقت أن تم لا من وقت الإقرار فحسب ، والمكلف بإثبات صدور الإقرار من الدائن هو المدين أو الموفى ، فعليه أن يثبت أن الدائن قد أقر الوفاء وفقاً لقواعد الإثبات المقررة فى التصرفات الصادرة من جانب واحد .

منفعة تعود على الدائن من الوفاء :

وقد يوفى المدين الدين لغير الدائن ، ولا يقر الدائن هذا الوفاء ، فعند ذلك ينظر إلى عمل الموفى له ، فإن توافرت فيه شروط الفضالة ، بأن كان قد قبض الدين عن الدائن لإسداء خدمة له عاجلة ، ثم أدى الدين له بعد ذلك ، فإن الوفاء يكون صحيحاً فى هذه الحالة ، لأن الفضولي يعتبر نائباً عن الدائن ، فالوفاء هنا يكون لنائب الدائن وهو صحيح كما تقدم القول .

ولكن قد لا تتوافر شروط الفضالة فى عمل الموفى له ، بأن يكون قبض الدين ليس عملاً عاجلاً ، فعند ذلك لا يكون الوفاء صحيحاً ، إلا إذا عادت منفعة على الدائن من هذا الوفاء وبقدر هذه المنفعة ، ويمكن تصور منفعة تعود على الدائن من مثل هذا الوفاء إذا كان الموفى له أدى الدين فعلاً للدائن ، فيكون الدائن قد قبض حقه كاملاً ، ولا تعود له مصلحة من التمسك بإبطال الوفاء ، فينقلب الوفاء صحيحاً ويبرئ ذمة المدين ، كذلك لو كان الموفى له دائناً للدائن وقد قبض الدين استيفاء لحقه فى ذمة الدائن ، وكان هذا الحق واجب الوفاء فوراً ومقدماً على غيره من ديون الدائن ، أو أدى الموفى له بما استوفاه ديناً على الدائن تتوافر فيه هذه الشروط ، فهنا عادت منفعة على الدائن من الوفاء وذلك بسداد دين فى ذمته واجب السداد فوراًن فتبرأ ذمة المدين بقدر هذه المنفعة ، ذلك أن الدائن إذا رجع على المدين بالدين ، فإن المدين يرجع على الموفى له ، والموفى له يرجع على الدائن بقدر ما عاد عليه من المنفعة ، فلا محل لهذه السلسلة من الرجوع ، ويكون الوفاء فى هذه الحالة صحيحاً مبرئاً لذمة المدير بقدر ما عاد على الدائن من المنفعة. 

الوفاء للدائن الظاهر :

قد يوفي المدين الدين لدائن ظاهر ليس هو الدائن الحقيقي ولا نائبه ، والدائن الظاهر هو الذي لا يملك الدين حقيقة ، ولكن الدين يوجد فى حيازته ، ذلك أن الحيازة ، كما تشمل الأشياء المادية ، تشمل الحقوق المعنوية ، فتقع على الحقوق العينية غير حق الملكية ، وكذلك تقع على الديون .

ويمكن أن نتصور وجود الدائن الظاهر فى فروض مختلة ، من ذلك أن يحول الدائن حقه ، ثم يتضح بعد ذلك أن الحوالة باطلة أو قابلة للأبطال أو الفسخ ، فتبطل أو تفسخ ، ويتبين بذلك أن المحال له لم يكن فى يوم من الأيام مالكاً للحق المحال به ولكنه مع ذلك كان يحوزه ، فهو دائن ظاهر.

كذلك إذا فرضنا أن الحوالة صورية وأعتقد المدين أنها حوالة جدية ، فالمحال له الصورى يعتبر هنا أيضاً دائناً ظاهراً .

ويكون دائناً ظاهراً الشخص الذى وصل إلى حيازته دون حق سند لحامله ، فإن مجرد حمل هذا السند يجعل الحامل يظهر بمظهر المالك له فهو دائن ظاهر .

ويعتبر دائناً ظاهراً الوارث الظاهر فإذا آلت التركة إلى شخص ، ولم يكن هو الوارث الحقيقى بل كان هناك مثلاً وارث يحجبه ، فإن الوارث الظاهر يعتبر دائناً ظاهراً بجميع ما للتركة من حقوق في ذمة الغير ، وإذا أوصى شخص بدين له فى ذمة آخر ، ووضع الموصي له يده على هذا الدين بعد موت الموصي ، ثم أبطلت الوصية لسبب ما ، فإن الموصى له يكون دائناً ظاهراً بالدين الموصى به ، وإذا دفعت الإدارة تعويضاً عن نزع الملكية إلى حائز العقار باعتبار أنه المالك ، ولم يكن فى الحقيقة مالكاً ، فقد أوفت بالدين إلى الدائن الظاهر .

 وقد يعتبر المستحق فى وقف دائناً ظاهراً ، فإذا وزعت وزارة الأوقاف ريع وقف معين على المستحقين كل بحسب الحصة التى قررها مفتيها دون أن يصدر أى اعتراض من أصحاب الشأن ، ثم تبين بعد ذلك بحكم شرعي نهائي أن حصة أحد المستحقين تزيد عما كان يتناوله ، لم يجز له أن يرجع على الوزارة بقيمة الفرق ، لأن هذه القيمة دفعت إلى مستحق آخر كان قبل الحكم الشرعى هو الدائن الظاهر.

ونرى من ذلك أن الدائن الظاهر هو الشخص الذي لا يكون دائناً حقيقياً ، ولكن الدين موجود فى حيازته بحيث يقع فى روع الناس أنه هو الدائن الحقيقى ، فهذا المظهر ، وإن كان يتعارض مع الحقيقة ، قد اطمأنت إليه الناس ، فوجبت حماية من يتعامل بحسن نية على مقتضاه حتى يستقر التعامل .

وليس من الضرورى أن يكون الدائن الظاهر هو نفسه حسن النية ، أى يعتقد أنه الدائن الحقيقى ، وإذا كان يغلب فعلاً أن يكون حسن النية ، إلا أنه يبقى دائناً ظاهراً حتى لو أصبح سيئ النية بعد أن كشف حقيقة أمره ، بل حتى لو كان سيئ النية منذ البداية أى منذ وضع يده على الدين ، ذلك أن القانون لا يحمى الدائن الظاهر نفسه ، بل هو يحمى الذين تعاملوا معه ما داموا هم حسن النية.

ويتبين مما تقدم أن الوفاء للدائن الظاهر ، حتى يكون صحيحاً ، يجب أن يقترن بحسن نية الموفي ،  فمن وفى الدين ، سواء كان المدين أو الغير لدائن ظاهر ، واعتقد بحسن نية أنه هو الدائن الحقيقى وقد وفاه الدين على هذا الاعتبار ، برئت ذمته بهذا الوفاء ، ويرجع الدائن الحقيقي على الدائن الظاهر بما استوفاه هذا من الدين دون حق طبقاً لقواعد الإثراء بلا سبب ، بل يستطيع الدائن الحقيقي أن يرجع بالتعويض على الدائن الظاهر إذا كان هذا سيء النية وقت استيفاء الدين.

والذى يكون صحيحاً مبرئاً للذمة هو الوفاء للدائن الظاهر ، للاعتبارات العملية التى تقدم ذكرها ، أما غير الوفاء من أسباب انقضاء الالتزام فلا يكون صحيحاً إذا صدر من الدائن الظاهر ، ومن ثم إذا أبرأ الدائن الظاهر المدين من الدين ، أو اتفق معه على تجديده ، فإن كلا من الإبراء والتجديد لا يكون صحيحاً ، ولا يسري فى حق الدائن الحقيقي.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث – المجلد : الثاني ، الصفحة :  844 ) 

لا تبرأ ذمة المدين إلا إذا تم الوفاء للدائن أو لمن ينوب عنه على نحو ما أوضحناه بالمادة السابقة ، فإن تم الوفاء لمن لا صفة له في إستيفاء الدين کوکیل عزل أو انتهت وكالته كان الوفاء غير نافذ في حق الدائن فلا يبرئ ذمة المدين والتزم المدين بالوفاء مرة ثانية إذ من يوفي خطأ يوفي مرتين ، ولكن استشتی المشرع أربع حالات من الوفاء جعلها مبرئة لذمة المدين بالرغم أن الوفاء فيها تم لغير الدائن ولغير نائبه :

1- إذا أقر الدائن الوفاء ، فذلك إجازة لقبض الدين، والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة تصحح الوفاء وبأثر رجعي منذ أن تم ، وينقلب من قبض الدين وكيلاً بعد أن بدأ فضولياً ويتعين عليه أن يقدم حساباً وفقاً لأحكام الحوالة ، ويتحمل المدين أو الموفي عبء إثبات صدور إجازة الدين للوفاء وفقاً لقواعد الاثبات الخاصة بالتصرفات الصادرة من جانب واحد.

2- إذا عادت على الدائن منفعة من الوفاء الذي تم لغيره أو لغير نائبه ، ويكفي توفرها وقت الوفاء دون اشتراط لاستمرارها ، فقد يقوم الغير بإصلاحات غير عاجلة ولكنها ضرورية لعقار أو منقول مملوك للدائن ويصبح الغير دائناً للدائن بما أنفقه في هذه الإصلاحات وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب ، وحينئذ فإذا تم الوفاء لدائن الدائن ، كان الوفاء صحيحاً بقدر ما عاد على الدائن من منفعة من تلك الاصلاحات حتى لو تهدمت تلك الاصلاحات بس راجع للغير لخطأ في إجراء الإصلاح ، ويراعي أن الإصلاحات إن كانت عاجلة ، كان الغير فضولياً ، والفضولي نائباً عن الدائن فيكون الوفاء له صحيحاً.

3- إذا تم الوفاء للدائن الظاهر، وهو من يظهر أمام الكافة بمظهر صاحب الحق ولو لم يكن بيده سند الدين ، فيكفي أن يكون حائزاً للحق على نحو يؤدى إلى توافر المظهر الخادع الذي يعتقد معه الموفي أن هذا الدائن هو الدائن الحقيقي وليس دائناً ظاهراً ، ويشترط لصحة الوفاء في هذه الحالة أن يكون الحق في حيازة الدائن الظاهر کالوارث الظاهر الذي يحوز التركة ويظهر أمام الكافة بأنه الوارث الحقیقی ثم يتبين بعد الوفاء أنه غير وارث ، وأيضاً الموصي له الظاهر الذي أبطلت وصيته بعد أن حاز الموصى به ، والمحال له إذا ابطلت الحوالة أو فسخت فإنه لا يكون مالكاً للحق الذي كان يحوزه وفقاً للأثر الرجعي للبطلان أو الفسخ ومن ثم فهو دائن ظاهر يكون وفاء المحال عليه له صحيحاً مادام كان حسن النية وقت الوفاء وحتى لو كان المحال له لم يتخذ إجراءات نفاذ الحوالة في حق المدين ، كما يعتبر دائناً ظاهراً المحال له بحوالة صورية ، أما إن كانت الحوالة مزورة فلا يعد حائزها دائناً ظاهراً لعدم وجود تقصير من الدائن وهو ما ينهض في الإسهام في وجود الدائن الظاهر وحائز السند لحامله الذي ليس له الحق فيه يعتبر دائناً ظاهراً وكذلك حامل الكمبيالة وفقاً للمادة 513 تجاری وراجع ما قررناه بالمادة 303 وحائز العقار المنزوع ملكيته يعتبر دائناً ظاهرة تبرأ ذمة الادارة إذا ما دفعت له التعويض المستحق بينما هو غير مالك له.

كما يشترط أن يكون الموفي حسن النية معتقدا أنه يوفي للدائن الحقيقي ولا يشترط حسن النية في الدائن الظاهر، فيصح الوفاء حتى لو كان الاخير سئ النية.

ويكون للدائن الحقيقي الرجوع على الدائن الظاهر حسن النية بدعوى الإثراء بلا سبب بل له الرجوع كذلك بالتعويض إن كان سيئ النية وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية ، وللمستأجر حسن النية أن يوفي الأجرة للمؤجر حائز العقار ولو كان ماك نزاع على ملكية العين المؤجرة ما لم يعذره الخصم يختصمه فى الدعوى وحينئذ يتعين علي المستأجر إيداع الأجرة المستحقة من وقت الإعذار خزينة المحكمة على ذمة من يقضي  في الدعوى لصالحه .

4 - إذا تم الوفاء لدائن الدائن الحاجز تحت يد الدين ، فوفقاً للمادة 344 مرافعات يلزم المدين بهذا الوفاء ، ويندرج هذا الحكم تحت عموم الحالة الأولى فيكون هذا الوفاء صحيحاً بقدر المنفعة التي عادت منه على الدائن. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الخامس  الصفحة : 275)

إذا تم الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه ، كان الوفاء غير نافذ في حق الدائن وغير مبرئ الذمة المدين ، والتزم المدين بالوفاء مرة ثانية إلى من يوفي خطأ يوفي مرتين.

غير أن المادة استثنت من هذه القاعدة ثلاث حالات يكون فيها الوفاء لغير شخص الدائن أو نائبه مبرئاً لذمة المدين ، ونعرض لهذه الحالات في البند التالي.

الحالات الاستثنائية التي يكون فيها الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه مبرئاً لذمة المدين :

يكون الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه مبرئا لذمة المدين استثناء في الحالات الآتية : 

الحالة الأولى :

إقرار الدائن للوفاء :

إذا أقر الدائن الوفاء الحاصل لغيره ، فذلك يكون إجازة لقبض الدين والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة تصحح الوفاء وبأثر رجعي منذ أن تم ، وينقلب من قبض الدين وكيلاً بعد أن بدأ فضولياً ويتعين عليه أن يقدم حساباً وفقاً لأحكام الوكالة ، ويتحمل المدين أو الموفي عبء إثبات صدور إجازة الدائن للوفاء وفقاً القواعد الإثبات الخاصة بالتصرفات الصادرة من جانب واحد .

الحالة الثانية :

إذا عادت على الدائن منفعة من الوفاء :

إذا عادت على الدائن منفعة من الوفاء لغيره ، برئت ذمة المدين بقدر هذه المنفعة ، وذلك تطبيقاً للقاعدة العامة في الإثراء بلا سبب.

2 - أما الحالة الثانية فنعرض حيث تعود على الدائن منفعة من الوفاء على هذا الوجه فإذا أوفي المدين للغير وترتبت على وفائه منفعة للدائن برئت ذمة المدين بقدر هذه المنفعة، ولو لم يقر الدائن هذا الوفاء ، وليس هذا الحكم إلا تطبيقاً للقواعد العامة.

الحالة الثالثة

الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين في حيازته :

يقصد بهذه الحالة ، حالة الدائن الظاهر أى الشخص الذي يبدو في نظر الكافة أنه صاحب الحق ثم يتضح بعد ذلك أن الدائن الحقيقي شخص آخر.

وعلى ذلك لا يقصد بحائز الدين من بيده سند الدين ، وإن كانت حيازته له تكون عنصراً من العناصر التي يستند إليها المظهر الخادع للدائن الظاهر.

ومثال ذلك أن يتوفى الدائن ويبدو للكافة أن ميراثه قد انحصر في شخص معين فيقوم المدين بالوفاء إليه ، ثم يتضح بعد ذلك أن الوارث الحقيقي شخص .

وهذه هي حالة الوارث الظاهر ومن ذلك أيضاً أن يكون الدائن قد اتفق على حوالة حقه إلى شخص آخر، فقام المدين بالوفاء للمحال له ، ثم أبطلت الحوالة بعد ذلك.

وليس من الضروري أن يكون الدائن الظاهر هو نفسه حسن النية أي يعتقد أنه الدائن الحقيقي ، وإن كان يغلب فعلاً أن يكون حسن النية ، إلا أنه يبقى دائناً ظاهراً حتى لو أصبح سئ النية بعد أن كشف حقيقة أمره ، بل حتى لو كان سئ النية منذ البداية أي منذ وضع يده على الدين ، ذلك أن القانون لايحمي الدائن الظاهر نفسه ، بل هو يحمى الذين تعاملوا معه ما دام هم حسني النية .

ولذلك يجب أن يكون الموفي حسن النية أي يعتقد أنه يوفي للدائن الحقيقي.

وليس معنى ما تقدم أن القانون قد غفل عن رعاية مصلحة الدائن الحقيقي ، ففي القواعد العامة ما يكفل له الحق في الرجوع على الدائن الظاهر ، وذلك سواء كان الدائن الظاهر عند تلقى الوفاء سئ النية أو كان حسن النية ففي المسألة الأولى يكون الدائن الظاهر بقبوله الوفاء قد ارتكب خطأ وقد ترتب على هذا الخطأ ضرر بالدائن الحقيقي إذ قد برئت ذمة مدينه بهذا الوفاء ، لذلك كان للدائن الحقيقي أن يرجع على الدائن الظاهر سئ النية بمطالبته بالتعويض طبقاً للقواعد العامة في المسؤولية التقصيرية.

وفي الحالة الثانية ، حالة ما إذا كان الدائن الظاهر وقت الوفاء حسن النية فهو وإن لم يرتكب خطأ ، فقد أثري على حساب الدائن الحقيقي ، فيكون لهذا الأخير الرجوع عليه بدعوى الإثراء بلا سبب. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع ، المستشار/ محمد عزمي البكري ، الجزء : الرابع ، الصفحة : 342)

واذا حصل الوفاء لغير الدائن أو نائبه ، فانه يكون غير نافذ في حقه بمعنى أنه لا يبريء ذمة الدين ويبقی الدين ملزماً بالوفاء مرة ثانية إلا إذا أقر الدائن هذا الوفاء أو عاد عليه نفع منه أو كان الوفاء قد حصل لحائز الحق ( المادة 333) ، فإذا أقر الدائن الوفاء للغير (49 مكرر) ، برئت ذمة المدين وأنقلب الغير وكيلاً بعد أن بدأ فضولياً وتعين عليه أن يقدم حساباً للدائن عما تسلمه مما هو مستحق له .

وإذا كان قد عاد على الدائن نفع من الوفاء للغير برئت ذمة المدين بقدر هذا النفع ولو لم يقر الدائن هذا الوفاء ، والموفي هو المكلف بإثبات أن الوفاء عاد بمنفعة على الدائن.

ويعتبر وفاء المصرف قيمة شيك مزور مسحوب عليه بإمضاء منسوب إلى الساحب وفاء لغير الدائن أو نائبه ، وبالتالي لا تبرأ ذمة البنك المسحوب عليه قبل عميله الذي عهد إليه بأمواله إذا وفي البنك بقيمة شيك مذيل من الأصل بتوقيع مزور عليه لأن هذه الورقة لم يكن لها في أي وقت صفة الشيك أو الكمبيالة لفقدها شرطاً جوهرياً لوجودها هو التوقيع الصحيح للساحب ، ومن ثم لا تقوم القرينة المقررة في المادة 144 من قانون التجارة التي تفترض صحة الوفاء الحامل من المسحوب عليه ، ويعتبر وفاء البنك بقيمتها وفاء غير صحيح لحصوله لمن لاحق له في تلقيه ، وبالتالي فإن هذا الوفاء - ولو تم بغیر خطأ من البنك - لا يبريء ذمته قبل العميل ، ولا يجوز قانوناً أن يلتزم هذا العميل بمقتضى توقيع مزور عليه ، لأن هذه الورقة المزورة لا حجية لها على من نسبت إليه ، ولهذا فإن تبعة الوفاء تقع على عاتق البنك أياً كانت درجة اتقان التزوير ، وذلك كله بشرط عدم وقوع خطأ في جانب العميل الوارد اسمه في الصك وإلا تحمل هو تبعة خطئه.       

الوفاء لحائز الحق :

استثنى المشرع من عدم نفاذ الوفاء الذي يحصل لغير الدائن الوفاء الذي يحصل لغير الحق ( المادة 333 في نهايتها) ، ويسمى الدائن الظاهر ، وهو الشخص الذي يعتبر في نظر الكافة أنه الدائن مع أنه ليس كذلك في الواقع .

وقد نص المشرع على هذا الاستثناء رغبة منه في كفالة استقرار المعاملات وحماية لحسن النية ، ولذلك يشترط في تطبيقه :

أولاً - أن يكون الموفي له حائزاً الحق ، ذاته کالوارث الظاهر الذي يتبين فيما بعد أنه ليس الوارث وكالموصی له الذي أبطلت وصيته وكالحارس القضائي أو وكيل النيابة اذا أبطلت الحراسة أو التفليسة ، ولا يكفي أن يكون حائزاً سند الحق ، فيجب أن يبدو للكافة أنه صاحب الحق وأن الوفاء واجب له ، أما اذا كان سند الدين بيده على أنه وكيل أو مندوب للتحصيل فلا يكفي ذلك لاعتباره حائزاً الحق .

ثانياً - أن يكون المدين حسن النية أي معتقداً أن الدائن الظاهر هو صاحب الحق فعلاً ، ولا يشترط حسن نية الدائن الظاهر.

فإذا توافر هذان الشرطان کان وفاء المدين للدائن الظاهر مبرئاً ذمته قبل الدائن الحقيقي ، وجاز لهذا أن يرجع على الدائن الظاهر وفقاً للقواعد العامة. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور / سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس ، الصفحة : 695)