loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 205

مذكرة المشروع التمهيدي :

قد يلجأ المدين إلى الإيداع ولو لم يعذر الدائن ، ويقع ذلك : (1) إذا كان يجهل شخصية الدائن أو محله (كما هو الشأن في وارث مجهول ) (ب) أو إذا كانت أهلية أداء الدائن مقيدة أو معدومة، ولم يؤذن لنائب في استيفاء الدين باسمه (ج) أو إذا كان الدين متنازع عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم (د) أو إذا كانت هناك أسباب جدية أخرى تبرر هذا الإجراء (كما إذا كان المدين يطالب بالتزام مقابل لم يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ التزامه، فله أن يقوم بالإبداع في هذه الحالة ).

_______________________________________________________________

 

الأحكام

1 ـ المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أن مفاد نص المادة 27 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن المشرع أراد أن يجنب المستأجر إجراءات العرض والإيداع المنصوص عليها فى المادتين 487 ، 488 من قانون المرافعات إذا ما تعنت معه المؤجر ورفض استلام الأجرة فرسم له - استثناء من القواعد العامة للوفاء بالدين - طريقاً سهلاً ميسراً للوفاء بالأجرة التى رفض المؤجر استلامها تعنتاً بأن خوله – قبل مضى خمسة عشر يوماً من تاريخ استحقاق الأجرة – أن يخطر المؤجر بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول بأن يتسلم منه الأجرة خلال أسبوع فإذا انقضى هذا الأجل ولم يتسلمها كان له أن يودعها خلال الأسبوع التالى ودون رسوم خزانة مأمورية العوائد المختصة أو خزينة الوحدة المحلية الواقع فى دائرتها العقار بالنسبة للمدن والقرى التى لا توجد بها مأموريات عوائد ثم أوجب عليه والجهة المودع لديها الأجرة إخطار المؤجر بهذا الإيداع بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول واعتبر إيصال هذا الإيداع سنداً مبرئاً لذمته من دين الأجرة المستحقة بالقدر المودع ، ولئن لم ينص المشرع على البطلان كجزاء على عدم اتباع المستأجر للإجراءات المشار إليها إلا أن ذلك مستفاد ضمناً من اعتداد المشرع بالإيداع الحاصل وفقاً لهذه الإجراءات التى سجل بها المستأجر على المؤجر بالإخطارات تعسفه وعنته واعتباره هذا الإيداع مبرئاً لذمة المستأجر من دين الأجرة بالقدر المودع توقياً لقيام المؤجر برفع دعوى الإخلاء عليه ، ولا يغير من ذلك ما جرى به نص المادة 338 من القانون المدنى من أن " يكون الإيداع أو ما يقوم مقامه من إجراء جائزاً أيضاً إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه أو كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها ولم يكن له نائب يقبل عنه الوفاء ، أو كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص أو كانت هناك أسباب جدية أخرى تبرر هذا الإجراء " إذ لا تعارض بين النصين سالفى الذكر ، ذلك أن المشرع قصد بنظام الإيداع المنصوص عليه بالمادة 27 سالفة البيان – وعلى ما سلف القول – التيسير على المستأجر إذا تعنت معه المؤجر ورفض استلام الأجرة ، فإذا لم تحصل الإخطارات – المشار إليها فى المادة 27 السالف بيانها – من المستأجر أو وقعت باطلة أو لم تكن هناك أسباب جدية تبرر للمستأجر إيداع الأجرة مباشرة دون عرضها على المؤجر انتفى الدليل على تعسف وعنت المؤجر وبالتالى فلا يعتبر الوفاء بهذا الطريق الاستثنائى قائماً ولا تبرأ به ذمة المستأجر لعدم تحقق الغاية التى هدف إليها المشرع من هذا الإجراء وهى مواجهة امتناع المؤجر عن استيفاء الأجرة الذى أراد به أن يقوم مقام إجراءات العرض والإيداع المنصوص عليها فى المادتين 487 ، 488 من قانون المرافعات التى استقر قضاء هذه المحكمة على أن مخالفة الإجراءات التى تطلبها المشرع فيهما تجعل الإيداع غير مبرئ لذمة المدين .

(الطعن رقم 2063 لسنة 64 جلسة 2007/11/15 س 58 ص 703 ق 121)

2 ـ المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص المادة 338 من القانون المدنى أنه للمدين الوفاء بدينه عن طريق إيداعه مباشرة دون عرضه على الدائن إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك ومن هذه الأسباب حالة ما إذا كان المدين يطالب بالتزام مقابل لم يتيسر له استفاؤه قبل تنفيذ التزامه، فله أن يقوم بالايداع مباشرة على ذمة الدائن دون حاجة إلى عرضه عليه.

(الطعن رقم 3655 لسنة 60 جلسة 1996/02/25 س 47 ع 1 ص 355 ق 70)

3 ـ النص فى 338 من القانون المدنى على أنه " يجوز للمدين الوفاء بدينه عن طريق إيداعه مباشرة دون عرضه على الدائن إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك يدل - وعلى ما صرحت به المذكرة الإيضاحية - على أنه من بين هذه الأسباب حالة ما إذا كان المدين يطالب بإلتزام مقابل لم يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ إلتزامه .

(الطعن رقم 70 لسنة 60 جلسة 1994/09/28 س 45 ع 2 ص 1249 ق 236)

4 ـ مؤدى نص المادة 338 من القانون المدنى أن للمدين الوفاء بدينة عن طريق إيداعه مباشرة دون عرضه على الدائن إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بصحة إيداع باقى الثمن دون أن يسبقه عرض حقيقى على ما أورده من أن البائع أقام دعواه بفسخ عقد البيع قبل رفع المشترية دعواها بصحته ونفاذه فإن هذه الدعامة الصحيحة التى أوردها الحكم تكفى لحمله .

(الطعن رقم 1378 لسنة 59 جلسة 1994/02/24 س 45 ع 1 ص 429 ق 89)
(الطعن رقم 1083 لسنة 50 جلسة 1984/02/21 س 35 ع 1 ص 512 ق 97)

5 ـ العبرة فى تحديد مقدار الدين الذى يشغل ذمة المدين ليست بما يزعمه الخصوم بل بما يستقر به حكم القاضى . و إذ كانت محكمة الموضوع قد إنتهت إلى أن ما عرضته مورثة المطعون عليهم على البنك الطاعن يكفى للوفاء بكل ما هو مستحق له فى ذمتها ، فإن قيام المورثة بإيداع المبلغ المعروض خزانة المحكمة بعد أن رفض البنك رد أمر الصرف إليها مشمولاً بالصيغة التنفيذية ، و مؤشراً عليه بالتخالص يكون قد تم طبقا للقانون ، و إذ قضى الحكم المطعون فيه بصحة العرض و الإيداع الحاصلين بشأنه ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .

(الطعن رقم 94 لسنة 37 جلسة 1972/02/17 س 23 ع 1 ص 211 ق 33)

6 ـ تصريح محكمة الموضوع للطاعنين بإيداع باقى الثمن خزانة المحكمة لا يعتبر فصلاً فى الخصومة مما تستنفد به المحكمة ولايتها ، و يحوز حجية الأمر المقضى .

(الطعن رقم 388 لسنة 48 جلسة 1981/11/18 س 32 ع 2 ص 2052 ق 371)

7 ـ الشرط الذى يجعل العرض و الإيداع غير مبرىء للذمة هو ما لا يكون للمدين حق فى فرضه و من ثم فإن إيداع المطعون ضدهما "المشترين " باقى الثمن مع إشتراط عدم صرفه للطاعنة "البائعة" إلا بعد التوقيع على العقد النهائى طبقاً لنصوص عقد البيع لا يؤثر على صحة العرض و الإيداع و يبرىء ذمتها من باقى الثمن و إذ كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى بحق إلى أن الشرط الصريح الفاسخ لم يتحقق لعدم تمام الإعذار فإن أمر الفسخ فى هذه الحالة يكون خاضعاً لتقدير محكمة الموضوع يشترط للقضاء به أن يظل المدين متخلفاً عن الوفاء حتى صدور الحكم فى الدعوى و متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب فسخ عقد البيع على أن المطعون ضدهما قاما بالوفاء بباقى الثمن فى الوقت المناسب إذ عرضاه على الطاعنة عرضاً حقيقياً و أودعاه و ذلك قبل الجلسة الأولى المحددة لنظر دعوى الفسخ فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 544 لسنة 48 جلسة 1979/01/25 س 30 ع 1 ص 385 ق 75)

8 ـ الشرط الذى يجعل العرض و الإيداع غير مبرىء للذمة هو ما لا يكون للمدين حق فى فرضه و من ثم فإن إيداع المطعون ضدهما "المشترين " باقى الثمن مع إشتراط عدم صرفه للطاعنة "البائعة" إلا بعد التوقيع على العقد النهائى طبقاً لنصوص عقد البيع لا يؤثر على صحة العرض و الإيداع و يبرىء ذمتها من باقى الثمن و إذ كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى بحق إلى أن الشرط الصريح الفاسخ لم يتحقق لعدم تمام الإعذار فإن أمر الفسخ فى هذه الحالة يكون خاضعاً لتقدير محكمة الموضوع يشترط للقضاء به أن يظل المدين متخلفاً عن الوفاء حتى صدور الحكم فى الدعوى و متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب فسخ عقد البيع على أن المطعون ضدهما قاما بالوفاء بباقى الثمن فى الوقت المناسب إذ عرضاه على الطاعنة عرضاً حقيقياً و أودعاه و ذلك قبل الجلسة الأولى المحددة لنظر دعوى الفسخ فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 544 لسنة 48 جلسة 1979/01/25 س 30 ع 1 ص 385 ق 75)

9 ـ المقرر أنه لا يؤثر فى صحة الإيداع أن يكون معلقاً على شرط يكون للمدين الحق فى فرضه و لا يتنافى مع طبيعة الوفاء بالإلتزام .

(الطعن رقم 1083 لسنة 50 جلسة 1984/02/21 س 35 ع 1 ص 512 ق 97)

10 ـ إذا كان الثابت من بيانات الحكم أن عرض المطعون عليهما باقى الثمن على الطاعنين حصل بعد رفع الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى وظلا متمسكين بهذا العرض فى مواجهتهم رغم رفضهم قبوله فإن ذلك يعد بمثابة عرض أبدى أمام المحكمة حال المرافعة و لا يلزم لصحتة اتخاذ إجراءات أخرى كإعلان هذا العرض عملاً بالمادة 792 من قانون المرافعات .

(الطعن رقم 28 لسنة 28 جلسة 1963/03/28 س 14 ع 1 ص 398 ق 62)

شرح خبراء القانون

تعذر الوفاء للدائن :

وقد يجد المدين نفسه فى حالة يتعذر معها أن يوفي دينه لدائن مباشرة، ويتحقق ذلك في الفروض الآتية :

أولاً - إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه، مثل ذلك أن يكون الدائن الأصلي قد مات عن ورثة انتقل إليه الدين ولكن المدين يجهل من هم هؤلاء الورثة أو أين موطنهم، وقد حل الدين ويريد المدين أن يتخلص منه بالوفاء، فلا يعرف لمن يوفيه، عند ذلك لا يسعه إلا أن يودع الدين على ذمة صاحبه، دون عرض حقيقي أو إعذار ، إذ يجهل من هو الدائن الذى يعرض عليه الدين أو أين هو.  .

ثانياً - إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها، ولم يكن له نائب يقبل عنه الوفاء، وقد يكون الدائن عديم الأهلية أو ناقصها منذ نشوء الدين ويبقى على هذا الوضع إلى أن يحل، فلا يجد المدين بُداً من إيداع الدين على ذمة هذا الدائن دون أن يعرضه عليه عرضاً حقيقياً، إذ ليست للدائن أهلية الاستيفاء، وقد يجد المدين نفسه، بعد أن كان دائنه كامل الأهلية ثم مات عن وارث قاصر، أمام هذا الوارث وليس له نائب يقبل عنه الوفاء، فيضطر أيضاً فى هذه الحالة إلى إيداع الدين على ذمته.

ثالثاً - إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص، وهنا أيضاً لا يجد المدين من الحكمة أن يحمل التبعة في حسم هذا النزاع فيوفي الدين لمن يعتقد أنه على حق من المتنازعين، وإلا كان مسئولاً عما قد يقع فيه من الخطأ، فلا يجد بُداً من إيداع الدين على ذمة أي من المتنازعين يكون هو الدائن الحقيقي، دون أن يسبق هذا الإيداع عرض للدين، ومثل التنازع على الدين أن يستوفي الدائن حقه من الغير فيحل الغير محله فيه، ويحول فى الوقت ذاته هذا الحق لمحال له يعلن الحوالة للمدين، فيتنازع الدين الموفي والمحال له كل منهما يدعى أنه الأولى بالدين، ومثل ذلك أيضاً أن يموت الدائن، فيتنازع الدين الوارث وموصى له بالدين إذ يطعن الوارث فى الوصية بالبطلان.

رابعاً - إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر هذا الإجراء، فمتى قام سبب جدي يمنع المدين من عرض الدين على الدائن وهو مع ذلك يريد الوفاء به، فليس أمامه إلا أن يودعه على ذمة الدائن، مثل ذلك أن يريد المشتري الوفاء بالثمن للبائع، ولكن البائع يمتنع عن القيام بما يجب للتصديق على إمضائه فى عقد البيع، فلا يجد المشتري بُداً من إيداع الثمن على ذمة البائع بشرط ألا يقبضه إلا بعد التصديق على الإمضاء، ثم يعمد بعد ذلك إلى رفع دعوى بثبوت البيع، ومثل ذلك أيضاً أن يريد المدين الوفاء بدين لغير الدائن حق فيه، ولا يستطيع المدين أن يحصل على مخالصة من هذا لاغير، فلا يسعه فى هذه الحالة إلا أن يودع الدين.

وفى هذه الفروض المتقدمة التى يتعذر فيها على المدين الوفاء للدائن، ليس على المدين إلا أن يودع الدين، دون حاجة إلى عرض حقيقى كما قدنا ، فتبرأ ذمته من الدين.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث – المجلد الثاني الصفحة/  857)

قدمنا أن المدين لا تبرأ ذمته من الدين إلا إذا قام بعرض الدين عرضاً حقيقياً على الدائن، فإن رفض الدائن هذا العرض، قام المدين بإيداع الدين، بالمكان الذي يحدده القاضي في الحالات التي يوجب القانون استئذانه في الإيداع كما في المنقولات، أما إن كان المعروض نقوداً، قام المحضر بإيداعها خزينة المحكمة بعد رفض الدائن قبضها، وقلنا أنه إذا قام المدين بإيداع الدين مباشرة دون عرضه، فإن ذلك لا يبرئ ذمته، ويكون الإيداع غير صحيح لأنه لم يسبقه عرض، ولكن لا ليله الدائن، قضى الدين ويتحمل المدين مصاريفه إذ يشترط لإلزام الدائن بها أن يكون العرض والإيداع صحيحين ولكن قد يتعذر على المدين إعذار الدائن أو عرض الدين عرضاً حقيقياً عليه، ولذلك أجاز له القانون أن يودعه مباشرة دون عرض أو يقوم بإجراء يماثل الإيداع كالحراسة أو إيداع الثمن وذلك عند حلول الدين، بحيث تبرأ ذمته بهذا الايداع ويتحمل الدائن مصاريفه في الحالات التالية:

1- إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه : فقد يتوفى الدائن وينتقل الدين إلى ورثة لا يعرفهم المدين، وقد يعرفهم المدين ولكنهم لا يتفقون جميعاً على شطب الرهن.

2 - إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها : ولا يوجد نائب يستوفي الدين، يستوي أن يكون الدائن كذلك وقت نشوء الدين، أو أن الدين انتقل إليه وهو بهذه الحالة، كأن يكون وارثة انتقل الدين إليه بعد وفاة مورثه.

3 - إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم، أما إن تثبت من صاحب الحق، وجب عليه أن يوفيه حقه بالطرق الودية أو عن طريق العرض والإيداع وإلا فيظل ملزمة قبله بالدين رغم لجوئه مباشرة للإيداع وتظل الفوائد سارية في حقه ويلتزم المصاريف، مثال ذلك، أن يكون الحق تمت حوالته مرتين، فإن صاحب الحق فيه هو من يعلن المدين أولاً بحوالته، وتكون منازعة المحال له الآخر غير جدية.

4 - إذا وجدت أسباب جدية تبرر الإيداع دون عرض : ذلك أن الأصل في المعاملات أن يقوم المدين بالوفاء مباشرة بالتزامه للدائن، لكن قد لا يلتزم الدائن بما يقتضيه حسن النية في المعاملات، فيمتنع عن قبول الوفاء حتى يثبت أن المدين قد قصر في تنفيذ التزامه ليتخذ من ذلك ذريعة لطلب الفسخ، وحينئذٍ يسلك المدين إجراءات العرض الحقيقي الذي يعقبه إيداع عندما يكون العروس نقوداً، ويتمكن بذلك من الوفاء بالتزامه وبراءة ذمته منه، فإن كان المعروض من غير النقود لجأ للدعوى المستعجلة للترخيص له بالإيداع أو وضع المعروض تحت الحراسة وهو ما يقوم مقام الإيداع المبرئ للذمة على نحو ما تقدم.

وقد يماطل الدائن، فيمتنع عن تنفيذ التزامه المقابل أو يتعرض للمدين على نحو يولد الخشية لدى الأخير، ويقصد من ذلك التحلل من الرابطة العقدية أو  تحقيق مصالح له تتعارض مع التزاماته كما لو كان بائعاً لعقار وقبض جزء من الثمن ويداين المشتري بالباقي منه الذي يستحق في الموعد المتفق عليه وتقديم مستندات الملكية لإشهار العقد، وعند حلول الموعد يمتنع عننا وحينئذٍ يرفع المشتري دعوى بصحة ونفاذ العقد والتسليم، وهو ما يتطلب سداد كامل الثمن، فيلجأ المشتري إلى إيداع باقي الثمن خزانة المحكمة بعد أن تصرح له بذلك إيداعه مشروطة بتقديم مستندات الملكية ليتمكن من التأشير بالحكم على هامش تسجيل الصحيفة وهو ما يتطلب تقديم هذه المستندات إذ يتم تسجيل الصحيفة بدونها أو يشترط صدور حكم نهائي في الدعوى وتسجيله وتسليم المبيع بالتشطيبات التي تضمنها عقد البيع وهي شروط يحق للمشتري فرضها إذ لا يتم تسجيل الحكم بدون تقديم هذه المستندات وأن التشطيبات المتفق عليها من حق المشتري.

وقد يلتزم البائع بشطب القيود التي على العقار المبيع أو يرتب رهناً عليه بعد البيع أو يعيد التصرف فيه، وفي هذه الحالات تتولد لدى المشتري الخشية من نزع المبيع منه، ويحق له تبعاً لذلك أن يوفي بباقي الثمن بطريق الإيداع المباشر دون أن يسبقه عرض ويشترط إزالة هذا التعرض قبل قبض المبلغ المودع، وهو شرط صحيح ومشروع ويجوز للمدين فرضه على الدائن، ويكون مبرئة لذمته مما يحول دون الدائن وطلب الفسخ والادعاء ببطلان الإيداع.

ومتى أخل الدائن بتنفيذ التزامه المقابل، جاز للمدين حبس التزامه والدفع بعدم تنفيذه إذا ما رجع عليه الدائن عملاً بالمادتين 161، 246 من القانون المدني، ويكون الوفاء به عن طريق إيداعه دون أن يسبقه عرض لتوافر الأسباب الجدية التي تبرر هذا الإجراء، فقد جرى نص المادة 338 من ذات القانون على أن يكون الإيداع جائزة دون أن يسبقه عرض إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك، ويتم الإيداع في الحالات المتقدمة بترخيص من المحكمة التي تنظر الدعوى المرفوعة من المدين لإلزام الدائن بتنفيذ التزامه، ولا يلزم هذا الترخيص في حالة رفض الدائن للعرض إذ يقوم المحضر بالإيداع عملاً بالمادة 487 من قانون المرافعات، وإذا أتی الإيداع بدون هذا الترخيص فلا بطلان لمجرد عدم الترخيص، ولكن إذا انتهت مبررات الإيداع الذي لم يسبقه عرض على نحو ما تقدم كان باطلاً وغير مبرئ لذمة الدين، ولا يحول دون هذا البطلان، أن تكون المحكمة قد رخصت بالإيداع إذ ليس من شأن هذا الترخيص تصحيح إجراء باطل.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/    298)

الإيداع أو ما يقوم مقامه كتعيين حارس مثلاً هو الذي يبرئ ذمة المدين، والأصل أن الإيداع لا يجوز - سواء في الحالات التي لا يحتاج فيها إلى ترخيص أو في الحالات التي يحتاج فيها إلى ذلك – إلا بعد عرض الشيء محل الوفاء على الدائن عرضاً فعلياً أو على الأقل عرضاً حكمياً بتكليفه بتسلمه.

غير أنه توجد حالات يتعذر فيها على المدين عرض محل الدين على الدائن مع وجود مصلحة له في قضاء الدين، فأجازت له المادة إيداع الشيء مباشرة دون القيام بإجراء العرض، وهذه الحالات تخلص فيما يلي

1- إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه:ومثال ذلك أن يتوفي الدائن وينتقل الدين إلى ورثة لا يعرفهم المدين، وقد يعرفهم المدين ولكنهم لا يتفقون جميعاً على شطب الرهن.

2 - إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها ولم يكن له نائب يقبل الوفاء ويستوي أن يكون الدائن عديم الأهلية أو ناقصها وقت نشوء الدين أو وقت انتقال الدين إليه، كانتقاله إليه بالإرث.

3 - إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم.

 4 - إذا وجدت أسباب جدية تبرر الإيداع دون عرض، كما إذا كان المدين يطالب بالتزام مقابل لم يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ التزامه، فله أن يقوم بالإيداع في هذه الحالة.

محكمة الموضوع هي التي تستقل بتقدير جدية الأسباب التي تبرر الإيداع دون عرض، دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض متى أقامت ذلك على أسباب سائغة. 

وجوب إعلان محضر الإيداع إلى الدائن خلال ثلاثة أيام من تاريخ حصوله، قاصر على حالة الإيداع التي يسبقها إجراء العرض الحقيقي، إذ لم يستلزم القانون هذا الإعلان بالنسبة للإيداع المباشر الذي لا يسبقه عرض حقیقی. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الرابع     الصفحة/  376)

الإيداع أو ما يقوم مقامه هو الذي يبريء ذمة الدين، والأصل أن لا يجوز الإيداع - سواء في الحالات التي لا يحتاج فيها إلى ترخيص أو في الحالات التي يحتاج فيها إلى ذلك - إلا بعد عرض الشيء محل الوفاء على الدائن عرضاً فعلياً أو على الأقل عرضاً حكماً بتكليفه بتسلمه.

غير أنه توجد حالات يتعذر فيها على المدين عرض محل الدين على الدائن مع وجود مصلحة له في قضاء الدين، كأن يكون المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه، كما هو الشأن في وارث مجهول، أو يكون الدائن معدوم الأهلية أو ناقصها وليس له نائب يقبل عنه الوفاء، أو يكون الدين متنازع عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم، أو تكون هناك أسباب جدية أخرى تبرز هذا الإجراء كما لو كان المدين طرف دائنه دين آخر غير مقدر القيمة بحيث لا يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ التزامه، ففي هذه الحالات أجاز القانون للمدين أن يلجأ إلى الإيداع أو إلى ما يقوم مقامه ليبرىء بذلك ذمته من الدين دون حاجة به إلى أن يسلك قبل ذلك سبيل العرض الفعلي أو الحتمي ( المادة 338 مدنی) (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 751)