تعذر الوفاء للدائن :
وقد يجد المدين نفسه فى حالة يتعذر معها أن يوفي دينه لدائن مباشرة، ويتحقق ذلك في الفروض الآتية :
أولاً - إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه، مثل ذلك أن يكون الدائن الأصلي قد مات عن ورثة انتقل إليه الدين ولكن المدين يجهل من هم هؤلاء الورثة أو أين موطنهم، وقد حل الدين ويريد المدين أن يتخلص منه بالوفاء، فلا يعرف لمن يوفيه، عند ذلك لا يسعه إلا أن يودع الدين على ذمة صاحبه، دون عرض حقيقي أو إعذار ، إذ يجهل من هو الدائن الذى يعرض عليه الدين أو أين هو. .
ثانياً - إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها، ولم يكن له نائب يقبل عنه الوفاء، وقد يكون الدائن عديم الأهلية أو ناقصها منذ نشوء الدين ويبقى على هذا الوضع إلى أن يحل، فلا يجد المدين بُداً من إيداع الدين على ذمة هذا الدائن دون أن يعرضه عليه عرضاً حقيقياً، إذ ليست للدائن أهلية الاستيفاء، وقد يجد المدين نفسه، بعد أن كان دائنه كامل الأهلية ثم مات عن وارث قاصر، أمام هذا الوارث وليس له نائب يقبل عنه الوفاء، فيضطر أيضاً فى هذه الحالة إلى إيداع الدين على ذمته.
ثالثاً - إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص، وهنا أيضاً لا يجد المدين من الحكمة أن يحمل التبعة في حسم هذا النزاع فيوفي الدين لمن يعتقد أنه على حق من المتنازعين، وإلا كان مسئولاً عما قد يقع فيه من الخطأ، فلا يجد بُداً من إيداع الدين على ذمة أي من المتنازعين يكون هو الدائن الحقيقي، دون أن يسبق هذا الإيداع عرض للدين، ومثل التنازع على الدين أن يستوفي الدائن حقه من الغير فيحل الغير محله فيه، ويحول فى الوقت ذاته هذا الحق لمحال له يعلن الحوالة للمدين، فيتنازع الدين الموفي والمحال له كل منهما يدعى أنه الأولى بالدين، ومثل ذلك أيضاً أن يموت الدائن، فيتنازع الدين الوارث وموصى له بالدين إذ يطعن الوارث فى الوصية بالبطلان.
رابعاً - إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر هذا الإجراء، فمتى قام سبب جدي يمنع المدين من عرض الدين على الدائن وهو مع ذلك يريد الوفاء به، فليس أمامه إلا أن يودعه على ذمة الدائن، مثل ذلك أن يريد المشتري الوفاء بالثمن للبائع، ولكن البائع يمتنع عن القيام بما يجب للتصديق على إمضائه فى عقد البيع، فلا يجد المشتري بُداً من إيداع الثمن على ذمة البائع بشرط ألا يقبضه إلا بعد التصديق على الإمضاء، ثم يعمد بعد ذلك إلى رفع دعوى بثبوت البيع، ومثل ذلك أيضاً أن يريد المدين الوفاء بدين لغير الدائن حق فيه، ولا يستطيع المدين أن يحصل على مخالصة من هذا لاغير، فلا يسعه فى هذه الحالة إلا أن يودع الدين.
وفى هذه الفروض المتقدمة التى يتعذر فيها على المدين الوفاء للدائن، ليس على المدين إلا أن يودع الدين، دون حاجة إلى عرض حقيقى كما قدنا ، فتبرأ ذمته من الدين.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث – المجلد الثاني الصفحة/ 857)
قدمنا أن المدين لا تبرأ ذمته من الدين إلا إذا قام بعرض الدين عرضاً حقيقياً على الدائن، فإن رفض الدائن هذا العرض، قام المدين بإيداع الدين، بالمكان الذي يحدده القاضي في الحالات التي يوجب القانون استئذانه في الإيداع كما في المنقولات، أما إن كان المعروض نقوداً، قام المحضر بإيداعها خزينة المحكمة بعد رفض الدائن قبضها، وقلنا أنه إذا قام المدين بإيداع الدين مباشرة دون عرضه، فإن ذلك لا يبرئ ذمته، ويكون الإيداع غير صحيح لأنه لم يسبقه عرض، ولكن لا ليله الدائن، قضى الدين ويتحمل المدين مصاريفه إذ يشترط لإلزام الدائن بها أن يكون العرض والإيداع صحيحين ولكن قد يتعذر على المدين إعذار الدائن أو عرض الدين عرضاً حقيقياً عليه، ولذلك أجاز له القانون أن يودعه مباشرة دون عرض أو يقوم بإجراء يماثل الإيداع كالحراسة أو إيداع الثمن وذلك عند حلول الدين، بحيث تبرأ ذمته بهذا الايداع ويتحمل الدائن مصاريفه في الحالات التالية:
1- إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه : فقد يتوفى الدائن وينتقل الدين إلى ورثة لا يعرفهم المدين، وقد يعرفهم المدين ولكنهم لا يتفقون جميعاً على شطب الرهن.
2 - إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها : ولا يوجد نائب يستوفي الدين، يستوي أن يكون الدائن كذلك وقت نشوء الدين، أو أن الدين انتقل إليه وهو بهذه الحالة، كأن يكون وارثة انتقل الدين إليه بعد وفاة مورثه.
3 - إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم، أما إن تثبت من صاحب الحق، وجب عليه أن يوفيه حقه بالطرق الودية أو عن طريق العرض والإيداع وإلا فيظل ملزمة قبله بالدين رغم لجوئه مباشرة للإيداع وتظل الفوائد سارية في حقه ويلتزم المصاريف، مثال ذلك، أن يكون الحق تمت حوالته مرتين، فإن صاحب الحق فيه هو من يعلن المدين أولاً بحوالته، وتكون منازعة المحال له الآخر غير جدية.
4 - إذا وجدت أسباب جدية تبرر الإيداع دون عرض : ذلك أن الأصل في المعاملات أن يقوم المدين بالوفاء مباشرة بالتزامه للدائن، لكن قد لا يلتزم الدائن بما يقتضيه حسن النية في المعاملات، فيمتنع عن قبول الوفاء حتى يثبت أن المدين قد قصر في تنفيذ التزامه ليتخذ من ذلك ذريعة لطلب الفسخ، وحينئذٍ يسلك المدين إجراءات العرض الحقيقي الذي يعقبه إيداع عندما يكون العروس نقوداً، ويتمكن بذلك من الوفاء بالتزامه وبراءة ذمته منه، فإن كان المعروض من غير النقود لجأ للدعوى المستعجلة للترخيص له بالإيداع أو وضع المعروض تحت الحراسة وهو ما يقوم مقام الإيداع المبرئ للذمة على نحو ما تقدم.
وقد يماطل الدائن، فيمتنع عن تنفيذ التزامه المقابل أو يتعرض للمدين على نحو يولد الخشية لدى الأخير، ويقصد من ذلك التحلل من الرابطة العقدية أو تحقيق مصالح له تتعارض مع التزاماته كما لو كان بائعاً لعقار وقبض جزء من الثمن ويداين المشتري بالباقي منه الذي يستحق في الموعد المتفق عليه وتقديم مستندات الملكية لإشهار العقد، وعند حلول الموعد يمتنع عننا وحينئذٍ يرفع المشتري دعوى بصحة ونفاذ العقد والتسليم، وهو ما يتطلب سداد كامل الثمن، فيلجأ المشتري إلى إيداع باقي الثمن خزانة المحكمة بعد أن تصرح له بذلك إيداعه مشروطة بتقديم مستندات الملكية ليتمكن من التأشير بالحكم على هامش تسجيل الصحيفة وهو ما يتطلب تقديم هذه المستندات إذ يتم تسجيل الصحيفة بدونها أو يشترط صدور حكم نهائي في الدعوى وتسجيله وتسليم المبيع بالتشطيبات التي تضمنها عقد البيع وهي شروط يحق للمشتري فرضها إذ لا يتم تسجيل الحكم بدون تقديم هذه المستندات وأن التشطيبات المتفق عليها من حق المشتري.
وقد يلتزم البائع بشطب القيود التي على العقار المبيع أو يرتب رهناً عليه بعد البيع أو يعيد التصرف فيه، وفي هذه الحالات تتولد لدى المشتري الخشية من نزع المبيع منه، ويحق له تبعاً لذلك أن يوفي بباقي الثمن بطريق الإيداع المباشر دون أن يسبقه عرض ويشترط إزالة هذا التعرض قبل قبض المبلغ المودع، وهو شرط صحيح ومشروع ويجوز للمدين فرضه على الدائن، ويكون مبرئة لذمته مما يحول دون الدائن وطلب الفسخ والادعاء ببطلان الإيداع.
ومتى أخل الدائن بتنفيذ التزامه المقابل، جاز للمدين حبس التزامه والدفع بعدم تنفيذه إذا ما رجع عليه الدائن عملاً بالمادتين 161، 246 من القانون المدني، ويكون الوفاء به عن طريق إيداعه دون أن يسبقه عرض لتوافر الأسباب الجدية التي تبرر هذا الإجراء، فقد جرى نص المادة 338 من ذات القانون على أن يكون الإيداع جائزة دون أن يسبقه عرض إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك، ويتم الإيداع في الحالات المتقدمة بترخيص من المحكمة التي تنظر الدعوى المرفوعة من المدين لإلزام الدائن بتنفيذ التزامه، ولا يلزم هذا الترخيص في حالة رفض الدائن للعرض إذ يقوم المحضر بالإيداع عملاً بالمادة 487 من قانون المرافعات، وإذا أتی الإيداع بدون هذا الترخيص فلا بطلان لمجرد عدم الترخيص، ولكن إذا انتهت مبررات الإيداع الذي لم يسبقه عرض على نحو ما تقدم كان باطلاً وغير مبرئ لذمة الدين، ولا يحول دون هذا البطلان، أن تكون المحكمة قد رخصت بالإيداع إذ ليس من شأن هذا الترخيص تصحيح إجراء باطل.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/ 298)
الإيداع أو ما يقوم مقامه كتعيين حارس مثلاً هو الذي يبرئ ذمة المدين، والأصل أن الإيداع لا يجوز - سواء في الحالات التي لا يحتاج فيها إلى ترخيص أو في الحالات التي يحتاج فيها إلى ذلك – إلا بعد عرض الشيء محل الوفاء على الدائن عرضاً فعلياً أو على الأقل عرضاً حكمياً بتكليفه بتسلمه.
غير أنه توجد حالات يتعذر فيها على المدين عرض محل الدين على الدائن مع وجود مصلحة له في قضاء الدين، فأجازت له المادة إيداع الشيء مباشرة دون القيام بإجراء العرض، وهذه الحالات تخلص فيما يلي
1- إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه:ومثال ذلك أن يتوفي الدائن وينتقل الدين إلى ورثة لا يعرفهم المدين، وقد يعرفهم المدين ولكنهم لا يتفقون جميعاً على شطب الرهن.
2 - إذا كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها ولم يكن له نائب يقبل الوفاء ويستوي أن يكون الدائن عديم الأهلية أو ناقصها وقت نشوء الدين أو وقت انتقال الدين إليه، كانتقاله إليه بالإرث.
3 - إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم.
4 - إذا وجدت أسباب جدية تبرر الإيداع دون عرض، كما إذا كان المدين يطالب بالتزام مقابل لم يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ التزامه، فله أن يقوم بالإيداع في هذه الحالة.
محكمة الموضوع هي التي تستقل بتقدير جدية الأسباب التي تبرر الإيداع دون عرض، دون معقب عليها في ذلك من محكمة النقض متى أقامت ذلك على أسباب سائغة.
وجوب إعلان محضر الإيداع إلى الدائن خلال ثلاثة أيام من تاريخ حصوله، قاصر على حالة الإيداع التي يسبقها إجراء العرض الحقيقي، إذ لم يستلزم القانون هذا الإعلان بالنسبة للإيداع المباشر الذي لا يسبقه عرض حقیقی. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع الصفحة/ 376)
الإيداع أو ما يقوم مقامه هو الذي يبريء ذمة الدين، والأصل أن لا يجوز الإيداع - سواء في الحالات التي لا يحتاج فيها إلى ترخيص أو في الحالات التي يحتاج فيها إلى ذلك - إلا بعد عرض الشيء محل الوفاء على الدائن عرضاً فعلياً أو على الأقل عرضاً حكماً بتكليفه بتسلمه.
غير أنه توجد حالات يتعذر فيها على المدين عرض محل الدين على الدائن مع وجود مصلحة له في قضاء الدين، كأن يكون المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه، كما هو الشأن في وارث مجهول، أو يكون الدائن معدوم الأهلية أو ناقصها وليس له نائب يقبل عنه الوفاء، أو يكون الدين متنازع عليه بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق من بينهم، أو تكون هناك أسباب جدية أخرى تبرز هذا الإجراء كما لو كان المدين طرف دائنه دين آخر غير مقدر القيمة بحيث لا يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ التزامه، ففي هذه الحالات أجاز القانون للمدين أن يلجأ إلى الإيداع أو إلى ما يقوم مقامه ليبرىء بذلك ذمته من الدين دون حاجة به إلى أن يسلك قبل ذلك سبيل العرض الفعلي أو الحتمي ( المادة 338 مدنی) (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 751)