مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 225
مذكرة المشروع التمهيدي :
الأصل في الالتزام أن يستحق أداؤه بمجرد ترتبه، مالم يكن مضافاً إلى أجل اتفاق أو قانوني أو قضائي، وقد يتكفل نص القانون أحياناً بتعيين ميعاد الاستحقاق (كما هو الشأن في الأجرة).
المشروع في لجنة المراجعة تليت المادة 483 من المشروع واقترح معالي السنهوري باشا إدماج الفقرة الثانية من المادة 393 في هذه المادة لأن هذا أنسب في الترتيب فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح نص المادة النهائي ما يأتي :
1- يجب أن يتم الوفاء فوراً بمجرد ترتب الالتزام نهائياً في ذمة المدين مالا يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك .
2- على أنه يجوز للقاضي في حالات استثنائية إذا لم يمنعه نص في القانون أن ينظر المدين إلى أجل معقول أو آجال ينفذ فيها التزامه إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم، وأصبح رقم المادة 308 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 358
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الخامسة والعشرين تليت المادة 358 ، فوردت عليها ثلاثة اعتراضات :
الأول من حضرة الشيخ المحترم أحمد رمزي بك وهو ينصب على عنوان فصل محل الوفاء، لأنه اقتصر على تعيين محل الوفاء، ولم يبين باقي الأحكام التي عرض لها، وقد رأت اللجنة أنه كثيراً ما يكتفي في العنوان بالموضوع الرئيسي .
والثاني من سعادة الرئيس وهو يتعب على الفقرة الأولى من المادة التي تحتم الوفاء فوراً بمجرد ترتب الالتزام نهائياً في ذمة المدين، فيقول سعادته إنه من الجائز أن يترتب الدين في ذمة الدين ولكن لا يحل أجله بسبب تعلقه بشرط أو أجل.
وقدر معالي السنهوري باشا على هذا الاعتراض بأن العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة قد واجهته لأنه إذا وجد اتفاق معلق على شرط أو مقرون بأجل فلا يتم الوفاء إلا بعد حلول الأجل أو تحقق الشرط.
والثالث من معالي حلبي عیسی باشا وهو ينصب على العبارة الأخيرة من الفترة الثانية التي تعطى للقاضى رخصة من أجل المدين للوفاء بالتزامه إذا لم يلحق الذات من هذا الأجل ضرر جسيم، فيقول معاليه إن النص على قيد الضرر الجسيم يلغي الرخصة التي أعطيت القاضي في منح المدين حسن النية في الحظ أجلاً للسداد .
وبحسن ترك الأمر القاضي يقارن بين مصلحة الفاتن والمدين في مثل هذه الحالة .
وقد رد معالي السنهوري باشا على هذا الاعتراض بأن النص فيه محاولة التوفيق بين مصلحة الدائن والمدين .
وقد أضاف سعادة المشاري باشا إلى ذلك أن تأخير الوفاء إلى أي أجل قد يضر الدائن ضرراً جسيماً كأن يكون معولاً على استيفاء هذا الدين وإلا كان معرضاً الإفلاس وفي مثل هذه الحالة نكون قد أصيب صاحب الحق بضرر جسيم رفقاً بالمدين المطالب بالالتزام .
وقد أصر معالي حلمي عيسى باشا على حذف عبارة "ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم، للاعتبارات التي سبق بيانها" .
وعند أخذ الرأي على هذه المادة رئ أن يستبدل بكلمة, جسيم ، كلمة كبير باعتبار أن الجسامة أكبر من الكبر.
ورد على ذلك سعادة العشماوي باشا أن التعبير القانوني بضرر جسيم يقابله ضرر يسير وأمر الجسامة والكبر متروك للقاضي .
قرار اللجنة :
وافقت أغلبية اللجنة على بقاء المادة دون تعديل، وأصبح رقها 346 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة دون تعديل .
1 ـ إذ كان ما أثاره الطاعنون أمام - محكمة النقض - لأول مرة من أن الحكم بإستمرار إقامتهم فى مساكن الشركة المطعون ضدها إلى حين تدبير مساكن مناسبة لهم يعتبر من قبيل الأجل الذى يمنحه القاضى لتنفيذ الإلتزام طبقاً للفقرة الثانية من المادة 346 من القانون المدنى ذلك أن هذا الدفاع الجديد - بإفتراض سداده قانوناً - يخالطه واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع هو التحقق من مدى توافر شروط تطبيق هذا النص - التى تتطلب التحقق من تأثر حالة المدين بالتنفيذ و عدم إلحاق ضرر جسيم بالدائن من إرجائه . و من ثم فلا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 181 لسنة 56 جلسة 1990/12/13 س 41 ع 2 ص 904 ق 314)
2 ـ المهلة التى يجوز للمحكمة أن تمنحها للمدين لتنفيذ إلتزامه متى إستدعت حالته ذلك و لم يلحق الدائن من وراء منحها ضرر جسيم ، إنما هى - و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - من الرخص التى خولها المشرع لقاضى الموضوع بالفقرة الثانية من المادة 2/346 من القانون المدنى إن شاء أعملها و أنظر المدين إلى ميسرة و إن شاء حبسها عنه بغير حاجة منه إلى أن يسوق من الأسباب ما يبرر به ما إستخلصه من ظروف الدعوى و ملابساتها . و يكون النعى على الحكم بالقصور فى هذا الخصوص على غير أساس .
(الطعن رقم 317 لسنة 35 جلسة 1969/11/11 س 20 ع 3 ص 1193 ق 184)
3 ـ إعطاء المشترى المتأخر فى دفع الثمن أجلا للوفاء به طبقا للمادتين 2/157 و 2/346 من القانون المدنىهو من الرخص التى أطلق الشارع فيها لقاضى الموضوع الخيار فى أن يأخذ منها بأحد وجهى الحكم فى القانون حسبما يراه هو من ظروف كل دعوى بغير معقب عليه .
(الطعن رقم 408 لسنة 34 جلسة 1968/05/16 س 19 ع 2 ص 962 ق 143)
غير أنه يستثنى من هذه القاعدة وجود اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، كأن يتفق المتعاقدان على أن يكون للوفاء بالالتزام وقتاً لاحقاً لنشوئه في ذمة المدين، حين يكون الالتزام مضافاً إلى أجل واقف، فلا يجب الوفاء به إلا عند حلول الأجل، وقد يحدد في نص خاص وقت معين للوفاء بالالتزام كالمادة 1003 مدني التي قضت بأن الأجرة في الحكر تكون مستحقة الدفع في نهاية كل سنة.
على أنه إذا طلب الدائن تنفيذ الالتزام في الموعد المحدد للوفاء به بالاتفاق أو بنص القانون، وجب إجابته إلى طلبه.
يجوز للقاضي في حالات استثنائية إذا لم يمنعه نص في القانون، أن ينظر المدين إلى أجل معقول أو آجال ينفذ فيها التزامه، إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم.
فالقاضي يجوز له استثناء من القاعدة السابقة التي ذكرناها في البند السابق، التي تقضي بأن يتم الوفاء فوراً بمجرد ترتيب الالتزام نهائياً في ذمة المدين، أن يحدد لوفاء الالتزام موعداً متأخراً عن الموعد المتفق عليه أو عن الموعد الذي يحدده القانون، فيصبح الوفاء بالالتزام واجباً عند حلول الأجل الذي يعينه القاضي والذي يسمى لذلك "الأجل القضائي أو نظرة الميسرة، فالأجل القضائي أو نظرة الميسرة هي مهلة يمنحها القاضي للمدين دون موافقة الدائن لظروف خاصة به.
ويستخلص من المادة (346) أنه يشترط لمنح المدين نظرة الميسرة ما يأتي:
1 - ألا يوجد نص يمنع إعطاء هذه النظرة أو المهلة
ومثال ذلك نص المادة (158) مدني التي تقضي بأنه: "يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مقسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه". فهذه المادة - كما رأينا في موضعه تنص على الشرط الصریح الفاسخ، فيتحقق الفسخ بمجرد حلول الأجل ونظرة الميسرة تحول دون وقوع الفسخ.
ومثال ذلك أيضاً ما تنص عليه المادة 547 من قانون التجارة الجديد من أنه: "لا يجوز للمحاكم أن تمنح مهلة للوفاء بقيمة الورقة التجارية أو القيام بأي إجراء متعلق بها إلا في الأحوال وفي الحدود التي ينص عليها القانون".
2- أن تستدعي حالة المدين منحه أجلاً أو آجالاً للوفاء: يجب أن تستدعي حالة المدين منحه أجلاً أو آجالاً للوفاء بالتزامه، وتقدير ذلك متروك للقاضي يفصل فيه على ضوء الظروف والملابسات التي تحيط بتنفيذ المدين لالتزامه، وأهمها حسن أو سوء نية المدين.
فالقاضي يوافق على منح المدين مهلة أو أجلاً للوفاء إذا وجد أنه حسن النية حريص على الوفاء بالتزامه، ولا يمنعه من ذلك سوى ظروف خارجة عن إرادته، كمرض لحقه أو لحق أحد أفراد أسرته فاستنفد ما كان أعده من نقود للوفاء بالتزامه، أما إذا وجد القاضي أن المدين سيء النية، وأنه ممتنع عن التنفيذ تعنتا رغم تمكنه منه، فلا يمنحه الأجل.
كذلك يقدر القاضي ما إذا كان العارض الذي منع المدين من تنفيذ التزامه في موعده الأصلي عارضاً مؤقتاً أو دائماً، فإذا كان هذا العارض مؤقتاً، وكانت ظروف المدين تسمح بتوقع زواله في المستقبل، كان لذلك أثره في حمل القاضي على منح الأجل، أما إذا كان ما منع المدين من التنفيذ عارض دائم، أو عارض لا ينتظر زواله خلال مدة معقولة فلا تكون هناك جدوى من منح الأجل، ويدخل ضمن حالة المدين موارده الحالية والمستقبلة، ومدى الضرر الذي يلحقه نتيجة جبره على الوفاء في الحال.
3- ألا يلحق الدائن من تأجيل الوفاء ضرر جسيم: إذا كان القانون يراعي مصلحة المدين ويجيز للقاضي منحه أجلاً للوفاء إذا اقتضت حالته ذلك، فإنه لا يهمل مصلحة الدائن، فيوجب ألا يترتب على منح الأجل المدين ضرر جسيم بالدائن، وعلى ذلك إذا ترتب على تأجيل الوفاء الإضرار بالدائن ضرراً جسيماً فلا يجوز منح المدين أجلاً.
ومثال الضرر الجسيم، أن يكون الدائن قد عول على استيفاء حقه لكی يوفي بديون عليه وإلا كان معرضاً للإفلاس أو كانت نظرة الميسرة تفوت على الدائن صفقة يعود فواتها عليه بضرر جسيم، أما إذا كان ما يلحق بالدائن من جراء التأجيل ضرر يسير، فلا يمنع ذلك من منح المدين الأجل أو المهلة التي يطلبها متى اقتضت حالة المدين ذلك، وتحديد ما إذا كان الضرر جسيماً أم يسيراً مما يخضع لتقدير القاضي.
4- أن يكون الأجل الذي يمنحه القاضي للمدين أجلاً معقولاً: يجب أن يكون الأجل الذي يمنحه القاضي للمدين معقولاً، فلا يكون مسرفاً في الطول بحيث يضر بالدائن ضرراً جسيماً.
ويحدد القانون الفرنسي الأجل بما لا يزيد على سنة، أما في مصر فتحديد الأجل متروك لتقدير القاضي، ولكن السنة أجل يبلغ من الطول قدراً لايظن معه أن القاضي في مصر يمنح أجلاً أطول، إلا إذا اقتضت ذلك ظروف استثنائية خاصة ويجوز للقاضي بدلاً من تحديد أجل واحد للوفاء بالالتزام أن يحدد عدة آجال، أي أن يقسط الالتزام على المدين، ويحدد للوفاء بكل قسط أجلاً معيناً بحيث يتم الوفاء في آجال متعاقبة.
منح نظرة الميسرة جوازي للقاضي:
إذا توافرت الشروط اللازمة لمنح المدين نظرة الميسرة فليس معنى ذلك أن القاضي ملزم بمنحها للمدين، وإنما يخضع الأمر لمطلق تقديره فله أن يجيب المدين إليها أو برفض طلبه دون معقب عليه في ذلك من محكمة النقض، ولكن إن منح القاضى نظرة الميسرة رغم عدم توافر الشروط اللازمة لذلك، فإن حكمه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون .
ومادام الأمر متروكاً لتقدير القاضي، فليس من الضروري أن يسبب حكمه برفض منح المدين نظرة الميسرة، بل ليس من الضروري أن يرفض صراحة الطلب الذي يتقدم به المدين في هذا الشأن، فمادام لم يجبه إليه فإن ذلك يكون بمثابة رفض لهذا الطلب .
لا يجوز منح نظرة الميسرة إلا في مناسبتين: الأولى: أثناء الدعوى التي يرفعها الدائن يطالب فيها بالدين إذ يستطيع المدين أن يطلب من القاضي حال نظر الدعوى منحه نظرة الميسرة. بل يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أن يمنح المدين هذه النظرة، فنظرة الميسرة مما يتعلق بالنظام العام.
الثانية: أثناء مباشرة الدائن الإجراءات التنفيذ بموجب سند رسمي وتكون وسيلة طلب المدين نظرة الميسرة بالاستشكال في التنفيذ.
أما إذا صدر الحكم في الدعوى التي رفعها الدائن ولم يطلب المدين نظرة الميسرة، فلا يجوز له طلبها عن طريق الاستشكال في التنفيذ لأنه لا مناص من تنفيذ الحكم بما قضى به.
نظرة الميسرة تتعلق بالنظام العام :
نظرة الميسرة مما يتعلق بالنظام العام، ولذلك يجوز للمدين طلبها في أية حالة كانت عليها الدعوى، كما يجوز للقاضي منحها للمدين دون طلب إذا تبين توافر شروطها ولا يجوز للطرفين الاتفاق على ألا يكون للقاضي الحق في منح المدين نظرة الميسرة.
الآثار التي تترتب على نظرة الميسرة
يترتب على منح المدين نظرة الميسرة الآثار الآتية:
1- عدم جواز اتخاذ أي إجراء لتنفيذ الالتزام جبراً على المدين، فلا يجوز الحجز على أموال المدين توطئة لبيعها بالمزاد العلني وباستيفاء الدين من ثمنها، ولكن ما تم من إجراءات التنفيذ قبل منح الأجل، يبقى قائماً وصحيحاً، وعلى ذلك إذا كان الدائن قد حجز على مال للمدين ثم صدر حكم بإعطاء المدين مهلة للوفاء، فإن الحجز يظل صحيحاً، ولكن يمتنع على الدائن اتخاذ إجراءات بيع المال المحجوز ما دام الأجل الممنوح للمدين لم ينقض بعد، فإذا انقضى هذا الأجل، كان للدائن أن يقوم بإجراءات البيع دون حاجة إلى حجز جديد.
2- يجوز للدائن اتخاذ الإجراءات التحفظية، كقطع التقادم وقيد الرهن وتجديد قيده ونحو ذلك، وما تم من هذه الإجراءات كالإعذار يبقى حافظاً لآثاره.
3- يجوز للدائن طلب المقاصة رغم أنها ضرب من الوفاء الإجباري، لأن نظرة الميسرة لا تحول دون وقوعها إذ يسقط الأجل بتوافر شروط المقاصة ويلزم المدين بالوفاء.
4- آثار نظرة الميسرة نسبية، فهي مقصورة على المدين الذي منح الأجل دون غيره من المدينين ولو كانوا متضامنين، إلا أن الكفيل ينتفع بهذه النظرة وإلا لجاز للدائن أن يرجع على الكفيل ليتقاضى منه الدين، ولرجع الكفيل على المدين بما وفاء للدائن، فلا تكون هناك فائدة من نظرة الميسرة.
وفي حالة تعدد الدائنين، ولو كانوا متضامنين فإن نظرة الميسرة تكون قاصرة على الدائن الذي صدر الأجل في مواجهته، ولكن طالما أن شروط نظرة الميسرة متوافرة، فإن للمدين المطالبة بها عند رجوع كل دائن آخر عليه دون حاجة لإدخال الدائنين في الدعوى الأولى.
سقوط الأجل :
يسقط الأجل في نظرة الميسرة بما يسقط به الأجل الاتفاقي، وقد نصت المادة 273 مدني على حالات سقوط الأجل الاتفاقي، ومن ثم تسری حالات السقوط هذه على الأجل في نظرة الميسرة.
وهذه الحالات هي:
1- إذا أشهر إفلاس المدين أو إعساره وفقاً لنصوص القانون.
2- إذا أضعف المدين بفعله إلى حد كبير ما أعطى الدائن من تأمين خاص، ولو كان هذا التأمين قد أعطى بعقد لاحق أو بمقتضى القانون، هذا ما لم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين، أما إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة المدين فيه، فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المدين للدائن ضماناً كافياً.
3- إذا لم يقدم للدائن ما وعد في العقد بتقديمه من التأمينات. .
ويضاف إلى هذه الحالة، حالة أخرى هي سقوط الأجل بالمقاصة القضائية، لأن المدين الذي حصل من القاضي على نظرة الميسرة إنما حصل على هذا الأجل لأنه لم يكن في مكنته وفاء الدين في الحال، فنظره القاضي إلى ميسرة، ثم جد بعد ذلك أن حل دين في ذمة الدائن للمدين من جنس الدين الأول، سواء نشأ هذا الدين قبل منح المدين نظرة الميسرة أو نشأ بعد ذلك . موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع الصفحة/ 402 )
هذه المادة خولت القاضي في الفترة الثانية منها أن يأذن للمدين بالوفاء على أقساط أو في ميعاد لائق ( نظرة الميسرة )، وقد أشار النص إلى جواز تعیین میعاد للوفاء بنص قانونی، فإذا لم يتفق على ميعاد للوفاء ولم يوجد نص قانوني أو حكم قضائي يحدد ميعاداً للوفاء فإنه يكون واجباً فوراً، أي أن الأصل في الالتزام أن يؤدي فوراً ما لم يوجد نص أو اتفاق يحدد للوفاء به أجلاً، فلا يستحق الوفاء إلا عند حلول هذا الأجل فإذا كان الأجل معيناً لصالح الدين، فإن هذا الأخير يجوز له أن ينزل عنه وأن يدفع الدين قبل الأجل إذا كانت له مصلحة في ذلك. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 728)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني، الصفحة / 21
مشْروعيّة تأْجيل الدّيون:
34 - لقدْ شرع جواز تأْجيل الدّيون بالْكتاب والسّنّة والإْجْماع. أمّا الْكتاب فقوْله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينْتمْ بديْنٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكْتبوه) فهذه الآْية، وإنْ كانتْ لا تدلّ على جواز تأْجيل سائر الدّيون، إلاّ أنّها تدلّ على أنّ من الدّيون ما يكون مؤجّلاً، وهو ما نقْصده هنا من الاسْتدْلال بها على مشْروعيّة الأْجل.
وأمّا السّنّة فما روي عن السّيّدة عائشة رضي الله عنها «أنّ رسول اللّه صلي الله عليه وسلم اشْترى منْ يهوديٍّ طعامًا إلى أجلٍ، ورهنه درْعًا له منْ حديدٍ». رواه مسْلمٌ واللّفْظ له. فهو يدلّ على مشْروعيّة تأْجيل الأْثْمان، وقدْ أجْمعت الأْمّة على ذلك حكْمة قبول الدّيْن التّأْجيل دون الْعيْن:
35 - نصّ الْفقهاء على أنّ الْفرْق بيْن الأْعْيان والدّيون منْ حيْث جواز التّأْجيل في الثّانية دون الأْولى: أنّ الأْعْيان معيّنةٌ ومشاهدةٌ، والْمعيّن حاصلٌ وموْجودٌ، والْحاصل والْموْجود ليْس هناك مدْعاةٌ لجواز ورود الأْجل عليْه. أمّا الدّيون: فهي مالٌ حكْميٌّ يثْبت في الذّمّة، فهي غيْر حاصلةٍ ولا موْجودةٍ، ومنْ ثمّ شرع جواز تأْجيلها، رفْقًا بالْمدين، وتمْكينًا له من اكْتسابها وتحْصيلها في الْمدّة الْمضْروبة، حتّى إنّ الْمشْتري لوْ عيّن النّقود الّتي اشْترى بها لمْ يصحّ تأْجيلها.
الدّيون منْ حيْث جواز التّأْجيل وعدمه:
36 - أوْضح الْفقهاء أنّ الدّيون تكون حالّةً، وأنّه يجوز تأْجيلها إذا قبل الدّائن، واسْتثْنى جمْهور الْفقهاء منْ هذا الأْصْل عدّة ديونٍ:
أ - رأْس مال السّلم:
37 - وذلك لأنّ حقيقته شراء آجلٍ، وهو الْمسْلم فيه وهو السّلْعة، بعاجلٍ، وهو رأْس الْمال وهو الثّمن فرأْس مال السّلم لا بدّ منْ كوْنه حالًّا، عنْد الْحنفيّة والشّافعيّة والْحنابلة؛ لأنّ منْ شرْط صحّة هذا الْعقْد قبْض رأْس الْمال قبْل انْتهاء مجْلس الْعقْد ولأنّه لوْ تأخّر لكان في معْنى بيْع الدّيْن بالدّيْن، إنْ كان رأْس الْمال في الذّمّة وهو منْهيٌّ عنْه، لما روي أنّ رسول اللّه صلي الله عليه وسلم «نهى عنْ بيْع الْكالئ بالْكالئ» أي النّسيئة بالنّسيئة؛ ولأنّ في السّلم غررًا، فلا يضمّ إليْه غرر تأْخير تسْليم رأْس الْمال، فلا بدّ منْ حلول رأْس الْمال، كالصّرْف، فلوْ تفرّقا قبْل قبْض رأْس الْمال بطل الْعقْد.
ويرى الْمالكيّة أنّ منْ شروط صحّة عقْد السّلم قبْض رأْس الْمال كلّه في مجْلس الْعقْد، ويجوز تأْخير قبْضه بعْد الْعقْد لمدّةٍ لا تزيد على ثلاثة أيّامٍ، ولوْ بشرْط ذلك في الْعقْد؛ لأنّ ما قارب الشّيْء يعْطى حكْمه، وهذا إذا لمْ يكنْ أجل السّلم قريبًا كيوْميْن، وذلك فيما شرط قبْضه في بلدٍ آخر، وإلاّ فلا يجوز تأْخير هذه الْمدّة؛ لأنّه عيْن الْكالئ بالْكالئ، فيجب أنْ يقْبض رأْس الْمال بالْمجْلس أوْ ما يقْرب منْه. وفي فساد السّلم بالزّيادة على الثّلاث بلا شرْطٍ إنْ لمْ تكْثرْ جدًّا - بألاّ يحلّ أجل الْمسْلم فيه - وعدم فساده قوْلان لمالكٍ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاوثون ، الصفحة / 114
مَطْلٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَطْلُ لُغَةً: الْمُدَافَعَةُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ: إِذَا ضَرَبْتَهَا وَمَدَدْتَهَا لِتَطُولَ، وَمِنْهُ يُقَالُ: مَطَلَهُ بِدَيْنِهِ مَطْلاً، وَمَاطَلَهُ مُمَاطَلَةً: إِذَا سَوَّفَهُ بِوَعْدِ الْوَفَاءِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَكَى النَّوَوِيُّ وَعَلِيُّ الْقَارِي أَنَّ الْمَطْلَ شَرْعًا: مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَدْخُلُ فِي الْمَطْلِ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ، كَالزَّوْحِ لِزَوْجَتِهِ، وَالْحَاكِمِ لِرَعِيَّتِهِ، وَبِالْعَكْسِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِنْظَارُ:
2 - الإِنْظَارُ وَالنَّظِرَةُ فِي اللُّغَةِ الإْمْهَالُ وَالتَّأْخِيرُ، يُقَالُ: أَنْظَرْتُ الْمَدِينَ، أَيْ أَخَّرْتُهُ، وَذَكَرَ الأْزْهَرِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظْرِةِ فِي قوله تعالي : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) الإِنْظَارُ وَالإْمْهَالُ إِلَى أَنْ يُوسِرَ وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَطْلِ وَالإِنْظَارِ التَّأْخِيرُ فِي كُلٍّ، لَكِنَّهُ فِي الْمَطْلِ مِنْ جَانِبِ الْمَدِينِ وَفِي الإِنْظَارِ مِنْ جَانِبِ الدَّائِنِ .
ب - التَّعْجِيلُ:
3 - التَّعْجِيلُ لُغَةً: الإْسْرَاعُ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: عَجَّلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ أَسْرَعْتَ إِلَيْهِ بِحُضُورِهِ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَطْلِ وَالتَّعْجِيلِ الضِّدِّيَّةُ .
(ر: تَأْخِيرٌ ف 5).
ج - الظُّلْمُ:
4 - الظُّلْمُ لُغَةً: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
وَاصْطِلاَحًا هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّعَدِّي عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَهُوَ الْجَوْرُ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَطْلِ وَالظُّلْمِ أَنَّ الظُّلْمَ أَعَمُّ مِنَ الْمَطْلِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمَطْلِ بِاخْتِلاَفِ حَالِ الْمَدِينِ مِنْ يُسْرٍ أَوْ عُسْرٍ. فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَادِرًا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَانَ مَطْلُهُ حَرَامًا، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ».
وَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا لاَ يَجِدُ وَفَاءً لِدَيْنِهِ أَوْ كَانَ غَنِيًّا وَمَنَعَهُ عُذْرٌ - كَغَيْبَةِ مَالِهِ - عَنِ الْوَفَاءِ لَمْ يَكُنْ مَطْلُهُ حَرَامًا وَجَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الإْمْكَانِ .
مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ الَّذِي لاَ يَجِدُ وَفَاءً لِدَيْنِهِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ وَيُتْرَكُ يَطْلُبُ الرِّزْقَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْوَفَاءُ لِدَائِنِيهِ، وَلاَ تَحِلُّ مُطَالَبَتُهُ وَلاَ مُلاَزَمَتُهُ وَلاَ مُضَايَقَتُهُ، لأِنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ أَوَجَبَ إِنْ ظَارُهُ إِلَى وَقْتِ الْمَيْسَرَةِ فَقَالَ: ) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لأِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ إِنَّ مَا تَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الأْدَاءِ، فَإِذَا ثَبَتَ الإْعْسَارُ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى الْمُطَالَبَةِ، وَلاَ إِلَى الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ، لأِنَّ الْخِطَابَ مُرْتَفِعٌ عَنْهُ إِلَى أَنْ يُوسِرَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ جَازَتْ مُؤَاخَذَتُهُ لَكَانَ ظَالِمًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمِ لِعَجْزِهِ بَلْ إِنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمِدْيَانُ غَنِيًّا، فَمَطْلُهُ عَدْلٌ، وَيَنْقَلِبُ الْحَالُ عَلَى الْغَرِيمِ، فَتَكُونُ مُطَالَبَتُهُ ظُلْمًا لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ مُلاَزَمَةَ الدَّائِنِ لِمَدِينِهِ الْمُعْسِرِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ الإِنْ ظَارَ بِالنَّصِّ .
وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصْطَفَى صلي الله عليه وسلم فَضْلَ إِنْ ظَارِ الْمُعْسِرِ وَثَوَابَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ».
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَدْرُ الَّذِي اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَاضِرًا عِنْدَهُ، لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالتَّكَسُّبِ مَثَلاً، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا.
وَفَصَّلَ آخَرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الدَّيْنِ يَجِبُ بِسَبَبِ يَعْصِي بِهِ فَيَجِبُ، وَإِلاَّ فَلاَ .
كَمَا اخْتَلَفُوا فِي هَلْ يُجْبَرُ الْمَدِينُ الْمُعْدِمُ عَلَى إِجَارَةِ نَفْسِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ مِنْ أُجْرَتِهِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ أَمْ لاَ؟
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِفْلاَسٌ ف 55)
مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي مَنَعَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْوَفَاءِ
7 - مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي مَنَعَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْوَفَاءِ، كَغَيْبَةِ مَالِهِ وَعَدَم وُجُودِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقْتَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ فَلاَ يَكُونُ مَطْلُهُ حَرَامًا، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَطْلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ مَعْذُورٌ.
ثَالِثًا: مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُوسِرِ بِلاَ عُذْرٍ
8 - مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُوسِرِ الْقَادِرِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِلاَ عُذْرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ مُطَالَبَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ شَرْعًا، وَمِنْ كَبَائِرِ الإْثْمِ، وَمِنَ الظُّلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْوَفَاءِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ، وَأَطْلَقَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ مِنَ الْمَطْلِ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ إِذَا كَانَ وَاجِدًا لِجِنْسِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا الأْدَاءُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَمَطَلَ بِمَا قَدِ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَقَدْ ظَلَمَ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»، وَمَعْنَى «يُحِلُّ عِرْضَهُ» أَيْ يُبِيحُ أَنْ يَذْكُرَهُ الدَّائِنُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَطْلِ وَسُوءِ الْمُعَامَلَةِ .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَلاَ نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
وَالْعُقُوبَةُ الزَّاجِرَةُ هِيَ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا، الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَمْلُهُ عَلَى الْوَفَاءِ وَإِلْجَاؤُهُ إِلَى دَفْعِ الْحَقِّ إِلَى صَاحِبِهِ دُونَ تَأْخِيرٍ.
أَمَّا قَبْلَ الطَّلَبِ، فَقَدْ وَقَعَ الْخِلاَفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: هَلْ يَجِبُ الأْدَاءُ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، حَتَّى يُعَدَّ مَطْلاً بِالْبَاطِلِ قَبْلَهُ؟ وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَمَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الطَّلَبِ، لأِنَّ لَفْظَ «الْمَطْلِ» فِي الْحَدِيثِ يُشْعِرُ بِتَقْدِيمِ الطَّلَبِ وَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِظُلْمِ الْمُمَاطِلِ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَطْلَ يَثْبُتُ بِالتَّأْجِيلِ وَالْمُدَافَعَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .
حَمْلُ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ عَلَى الْوَفَاءِ
نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى طُرُقٍ تُتَّبَعُ لِحَمْلِ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ عَلَى الْوَفَاءِ، مِنْهَا:
أ - قَضَاءُ الْحَاكِمِ دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا:
9 - إِذَا كَانَ لِلْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ مَالٌ مِنْ جَنْسِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْتَوْفِيهِ جَبْرًا عَنْهُ، وَيَدْفَعُهُ لِلدَّائِنِ إِنْ صَافًا لَهُ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمُ، فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ .
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إِذَا تَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنِ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ .
ب - مَنْعُهُ مِنْ فُضُولِ مَا يَحِلُّ لَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ:
10 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ وَامْتَنَعَ، وَرَأَى الْحَاكِمُ مَنْعَهُ مِنْ فُضُولِ الأْكْلِ وَالنِّكَاحِ فَلَهُ ذَلِكَ، إِذِ التَّعْزِيرُ لاَ يَخْتَصُّ بِنَوْعِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّ مَا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي نَوْعِهِ وَقَدْرِهِ، إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ .
ج - تَغْرِيمُهُ نَفَقَاتِ الشِّكَايَةِ وَرَفْعِ الدَّعْوَى
11 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ عَلَيْهِ مَالٌ، وَلَمْ يُوَفِّهِ حَتَّى شَكَا رَبُّ الْمَالِ، وَغَرِمَ عَلَيْهِ مَالاً، وَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَمَطَلَ حَتَّى أَحْوَجَ مَالِكَهُ إِلَى الشَّكْوَى، فَمَا غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى الظَّالِمِ الْمُمَاطِلِ، إِذَا كَانَ غُرْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ .
د - إِسْقَاطُ عَدَالَتِهِ وَرَدُّ شَهَادَتِهِ:
12 - حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِرِدِّ شَهَادَةِ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ مُطْلَقًا، إِذَا كَانَ غَنِيًّا مُقْتَدِرًا لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم سَمَّاهُ ظَالِمًا فِي قَوْلِهِ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»، وَنَقَلَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مُقْتَرِفَ ذَلِكَ يُفَسَّقُ .
وَلَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ فِسْقُهُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَمْ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَصِيرُ عَادَةً؟
قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنْ مَنَعَ الْحَقَّ بَعْدَ طَلَبِهِ، وَابَتْعَاءُ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْحَدِيثِ ظُلْمًا يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً، وَالْكَبِيرَةُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ، نَعَمْ لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ عُذْرِهِ .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: يَفْسُقُ بِمَرَّةٍ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقِيلَ: إِذَا تَكَرَّرَ، وَهُوَ الأْوْلَى .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَفْسُقُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمْ لاَ؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ الْبَابِ التَّوَقُّفُ عَلَى الطَّلَبِ، لأِنَّ الْمَطْلَ يُشْعِرُ بِهِ .
هـ - تَمْكِينُ الدَّائِنِ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلدَّيْنِ:
13 - نَصَّ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ، عَلَى أَنَّ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ عِنْدَ مَطْلِ الْمَدِينِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الْبَدَلَ الَّذِي دَفَعَهُ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُ هَذَا الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إِزَالَةِ الضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِهِ نَتِيجَةَ مَطْلِ الْمَدِينِ وَمُخَاصَمَتِهِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ حَامِلاً لِلْمَدِينِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْوَفَاءِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوِ امْتَنَعَ - أَيِ الْمُشْتَرِي - مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ فَلاَ فَسْخَ فِي الأْصَحِّ ، لأِنَّ التَّوَصُّلَ إِلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ مُمْكِنٌ .
و - حَبْسُ الْمَدِينِ
14 - نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ الْمُوسِرَ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ مَطْلاً وَظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْحَبْسِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَبْسٌ ف 79 وَمَا بَعْدَهَا).
وَنَقَلَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمِّدٍ فِي الْمَحْبُوسِ بِالدَّيْنِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَلَهُ مَالٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، فَيُؤْمَرُ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ السِّجْنِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلاً بِنَفْسِهِ عَلَى قَدْرِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ أُخْرِجَ مِنَ السِّجْنِ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، أُعِيدَ حَبْسُهُ .
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ حُبِسَ بِدَيْنِ، وَلَهُ رَهْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَجَبَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ إِمْهَالُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهِ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَجَبَ إِخْرَاجُهُ لِيَبِيعَهُ، وَيَضْمَنُ عَلَيْهِ، أَوْ يَمْشِي مَعَهُ الدَّائِنُ أَوْ وَكِيلُهُ .
ز - ضَرْبُ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ
15 - قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: لاَ نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ، وَنَصُّوا عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالضَّرْبِ ثُمَّ قَالَ مُعَلِّقًا عَلَى حَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» وَالْعُقُوبَةُ لاَ تَخْتَصُّ بِالْحَبْسِ، بَلْ هِيَ فِي الضَّرْبِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْحَبْسِ .
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ: إِنَّ مَعْلُومَ الْمَلاَءَةِ إِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالنَّاضِّ الَّذِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَخِّرُهُ، وَيَضْرِبُهُ بِاجْتِهَادِهِ إِلَى أَنْ يَدْفَعَ، وَلَوْ أَدَّى إِلَى إِتْلاَفِ نَفْسِهِ، وَلأِنَّهُ مُلِدٌّ .
ح - بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ جَبْرًا
16 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَبِيعُ مَالَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنِ الْحَبْسِ، أَوِ اللُّجُوءِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَبْسِ الْمَدِينِ، أَوْ تَرْكِ الْخِيَارِ لِلْحَاكِمِ فِي اللُّجُوءِ إِلَيْهِ عِنْدَ الاِقْتِضَاءِ عَلَى أَقْوَالٍ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ - وَلَهُ مَالٌ - فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جَنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ خِلاَفِ جَنْسِ دَيْنِهِ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَمَالُهُ عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا أَوْ دَنَانِيرَ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَفِي بَيْعِ الدَّنَانِيرِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِيمُ حَبْسُهُ إِلَى أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَعِنْدَ مُحَمِّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ يَبِيعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ وَعُرُوضَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الْعَقَارِ رِوَايَتَانِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ: يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَدِينَ إِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ، أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا ظَفِرْنَا بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ شَيْءٌ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ - كَانَ رَهْنًا أَمْ لاَ - فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلاَ نَحْبِسُهُ، لأِنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ إِذَا طَلَبَ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالأْصْحَابُ: إِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ الْمُوسِرُ الْمُمَاطِلُ مِنَ الْوَفَاءِ، فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ بَاعَ مَالَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَإِنْ شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَبَى مَدِينٌ لَهُ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ الْحَالِّ الْوَفَاءِ، حَبَسَهُ الْحَاكِمُ، وَلَيْسَ لَهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْحَبْسِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ، أَوْ يَبْرَأَ مِنْ غَرِيمِهِ بِوَفَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ، أَوْ يَرْضَى الْغَرِيمُ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْحَبْسِ، لأِنَّ حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ الْمَدِينُ عَلَى الْحَبْسِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 16
تَأْخِيرُ أَدَاءِ الدَّيْنِ:
إِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَلَمْ يُؤَدِّهِ الْمَدِينُ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَأَخَّرَهُ بِلاَ عُذْرٍ مَنَعَهُ الْقَاضِي مِنَ السَّفَرِ وَحَبَسَهُ إِلَى أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام : «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».
فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَإِذَا كَانَ تَأْخِيرُ سَدَادِ الدَّيْنِ لِعُذْرٍ كَالإْعْسَارِ أُمْهِلَ إِلَى أَنْ يُوسِرَ، لقوله تعالى : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ).
أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَدِينِ مَالٌ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَفِي بِالدُّيُونِ، وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَزِمَ الْقَاضِيَ إِجَابَتُهُمْ عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاءٌ) وَبَابَيِ (الْحَجْرُ وَالتَّفْلِيسُ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م )
مادة ۳۹ - التأجيل : تعليق الدين و تأخيره إلى وقت معين .
مادة 40 - التقسيط : تأجيل أداء الدين مفرقاً إلى أوقات معينة .