مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 229
مذكرة المشروع المهيدى :
أما مكان الوفاء فلا يخلو أمره من تفصيل، فإذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات، تعين الوفاء به في مكان وجود هذا الشيء، وقت نشوء الالتزام، مالم يتفق على خلاف ذلك، صراحةً أو ضمناً، وإذا كان الالتزام مقابلاً لالتزام آخر في عقد من العقود التبادلية، وجب الوفاء بالالتزامين جميعاً في مكان واحد، أما ماعدا ذلك من ضروب الالتزام فيسعى الدائن إلى استيفائه دون أن يسعى المدين إلى الوفاء به، ومؤدى هذا أن يكون الوفاء في محل الدين، وقد أنشأت بعض النصوص أحکاماً خاصة بشأن الوفاء في بعض العقود المعينة (كالبيع والإجارة) .
1- النص في الفقرة الثانية من المادة 586 من القانون المدني على أن "يكون الوفاء بالأجرة في موطن المستأجر ما لم يكن هناك اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك"، وفي الفقرة الثانية من المادة 347 من ذات القانون على أنه "إذا لم يكن محل الالتزام شيئًا معينًا بالذات يكون الوفاء في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء، أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقًا بهذه الأعمال"، يدل على أن الأصل في تنفيذ الالتزام أن يكون الوفاء بالدين في محل المدين، إلا إذا اتفق على خلاف ذلك، ومن ثم فإن النص في عقد الإيجار على الشرط الصريح الفاسخ عند تخلُّف المستأجر عن سداد الأجرة مع عدم اشتراط أن يكون الوفاء في موطن المؤجر لا يعفي هذا الأخير من السعي إلى موطن المستأجر لاقتضائها عند حلول ميعاد استحقاقها، فإن قام بذلك وامتنع المستأجر عن السداد بدون حق اعتُبِر متخلفًا عن الوفاء وتحقق فسخ العقد بموجب الشرط ، أما إذا أبى المؤجر السعي إلى موطن المستأجر عند حلول الأجل عُدّ ذلك بمثابة رفض لاستيفاء الأجرة دون مبرر، فلا يُرتّب الشرط أثره في هذه الحالة؛ إذ إنه هو المتسبب بخطئه في عدم تنفيذ المدين لالتزامه ووجب على القاضي التجاوز عن شرط الفسخ الاتفاقي .
( الطعن رقم 13406 لسنة 91 ق - جلسة 26 / 1 / 2025 )
2 ـ لما كان الأصل فى تنفيذ الإلتزام أن يكون دفع الدين فى محل المدين إلا إذا اتفق على خلاف ذلك ، و كان الطرفان قد إتفقا على أن يكون الدفع فى محل الدائن بمصر ، و كان قد تعذر على المدين أن يقوم بالوفاء بسبب قطع العلاقات بين مصر و ايطاليا و لم يكن كذلك من المجدى أن يقدم الدائن سند الدين إلى الحارس العام فى ذلك الوقت إذ لم يكن فى مقدور هذا الحارس المطالبة به لأن الدين لم يكن ثابتا بالفرع الذى يملكه المدين فى مصر لما كان ذلك فإنه لا يمكن نسبة أى خطأ إلى الدائن فى عدم المطالبة بالدين أثناء قطع العلاقات ، أما بعد عودةالعلاقات فإن من واجب المدين أن يقوم بالدفع فى محل الدائن وفقا لنص العقد ، أما و هو لم يفعل فلا يجوز له التحدى بقيام أى خطأ فى جانب الدائن .
(الطعن رقم 241 لسنة 21 جلسة 1954/12/09 س 6 ع 1 ص 244 ق 31)
3 ـ مفاد النص فى المادتين 347 ، 2/586 من القانون المدنى - يدل على أن الأصل فى تنفيذ الإلتزام أن يكون الوفاء بالدين فى محل المدين إلا إذا إتفق على خلاف ذلك ، و من ثم فإن النص فى عقد الإيجار على الشرط الفاسخ الصريح عند تخلف المستأجر عن سداد الأجرة مع عدم إشتراطه أن يكون الوفاء فى موطن المؤجر لا يعفى هذا الأخير من السعى إلى موطن المستأجر لإقتضائها عند حلول ميعاد إستحقاقها ، فإن قام بذلك و إمتنع المستأجر عن السداد بدون حق إعتبر متخلفاً عن الوفاء و تحقق فسخ العقد بموجب الشرط أما إذا أبى المؤجر السعى إلى موطن المستأجر عند حلول الأجل عد ذلك بمثابة رفض لإستيفاء الأجرة دون مبرر فلا يرتب الشرط أثره فى هذه الحالة .
(الطعن رقم 1616 لسنة 60 جلسة 1990/12/20 س 41 ع 2 ص 974 ق 323)
4 ـ النص فى المادتين 347/ 2، 586/ 2 من والقانون المدني يدل على أنه يجب على المؤجر متى حل موعد استحقاق الأجرة أن يسعى إلى موطن المستأجر ليطالبه بالوفاء بها- ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك- فإذا لم يتحقق هذا السعي من جانب المؤجر لطلب الأجرة وتمسك المستأجر بأن يكون الوفاء بها فى موطنه فلم يحمل دينه إلى المؤجر كان المستأجر غير مخلاً بالتزامه بالوفاء بالأجرة- رغم بقائه مديناً بها- وليس فى قوانين إيجار الأماكن نص يتضمن الخروج عن هذا الأصل . لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بأن المطعون ضده تقاعس عن السعي إليه فى موطنه طلباً لأجرة شهر يناير سنة 1998 وقيمتها 42.400 جنيهاً ودأب على الامتناع عند قبض الأجرة عند عرضها عليه لجعله فى صورة المتخلف عن سدادها بقصد طرده من المسكن محل النزاع فسجل الطاعن عليه ذلك بكتاب مسجل مصحوباً بعلم الوصول أرسله إليه فى 6/ 1/ 1998 فارتد لرفضه الاستلام فأودع تلك الأجرة بخزينة مأمورية الضرائب العقارية المختصة، كما عرض وأودع جميع ما استحق عليه من أجرة لاحقة فإنه يكون بذلك- وبصرف النظر عن صحة الإجراءات- قد نفى عن نفسه وصف التخلف عن الوفاء بالأجرة سواء برئت ذمته منها أو لم تبرأ، وكان الحكم المطعون فيه ورغم خلو الأوراق مما يفيد سعي المطعون ضده لطلب الأجرة أو وجود اتفاق يعفيه من هذا السعي، قد أقام قضاءه على أن الطاعن تخلف عن الوفاء بهذه الأجرة التي أودعها فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 2747 لسنة 68 جلسة 2000/04/10 س 51 ع 1 ص 560 ق 100)
5 ـ أن الأصل فى تنفيذ الالتزام عملاً بمقتضى المادتين 347/2 , 456 من القانون المدنى ، أن يكون دفع الدين فى محل المدين ، إلا إذا أُتفق على خلاف ذلك ، فإن النص فى عقد البيع ، على الشرط الصريح الفاسخ ، عند تخلف المشترى عن سداد باقى الثمن أو قسط منه فى ميعاده مع عدم اشتراط أن يكون الوفاء فى موطن البائع، لا يعفى الأخير من السعى إلى موطن المشترى ، لاقتضاء القسط أو ما بقى من الثمن عند حلول أجله ، فإذا قام بذلك وامتنع المشترى عن السداد بدون حق ، اعتبر متخلفاً عن الوفاء وتحقق فسخ العقد بموجب الشرط ، أما إذا أبى البائع السعى إلى موطن المشترى عند حلول الأجل بغية تحقق الشرط عُدَّ ذلك بمثابة رفض لاستيفاء الثمن أو مــا حـــل منه دون مـــبرر فلا يرتب الشرط أثره فى هـذه الحالة .
( الطعن رقم 3244 لسنة 59 جلسة 1994/01/13 س 45 ع 1 ص 151 ق 32)
اتفاق الطرفين على مكان الوفاء :
كثيراً ما يتفق الدائن والمدين على المكان الذى يكون فيه وفاء الدين، وفى هذه الحالة يتقيد الطرفان بهذا الاتفاق، فلا يجوز للمدين أن يوفى بالدين إلا فى هذا المكان، كما لا يجوز للدائن أن يطالب المدين بالوفاء غلا فيه، وقد يكون هذا الاتفاق وقت نشوء الدين كم هو الغالب، وقد يكون اتفاقاً خاصاً لاحقاً لنشوء الدين .
وفى جميع الأحوال قد يكون الاتفاق صريحاً، ولا يشترط فى الاتفاق الصريح ألفاظ خاصة، وقد يكون ضمنياً، ومثل الاتفاق الضمني أن تكون هناك التزامات متقابلة ناشئة من عقد ملزم للجانبين ويتفق الطرفان على أن يتم الوفاء فى وقت واحد، فيستخلص من ذلك اتفاق ضمني على أن يكون مكان الوفاء هو أيضا مكان واحد، وقد طبقت المادة 456 مدني هذا الحكم فى عقد البيع إذ نصت على ما يأتي : " 1 - يكون الثمن مستحق الوفاء في المكان الذى سلم فيه المبيع، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك . 2 - فإذا لم يكن الثمن مستحقاً وقت تسليم المبيع، وجب الوفاء به فى المكان الذى يوجد فيه موطن المشتري وقت استحقاق الثمن " . ففي الفقرة الأولى افترض أن تسليم المبيع ودفع الثمن يجب أن يتما فى وقت واحد، فخلص من ذلك أن دفع الثمن يكون فى المكان الذى يتم فيه تسليم المبيع، وفي الفقرة الثانية افترض أن الثمن غير مستحق وقت تسليم المبيع، فرجعنا إلى القاعدة العامة في مكان الوفاء بمبلغ من النقود، وهو موطن المدين وقت استحقاق الدين، وإذا كان الوفاء بشيك أو بحوالة، استخلص من هذا اتفاق ضمني على أن يكون مكان الوفاء هو الجهة التى يقبض فيها الدائن قيمة الشيك أو حوالة البريد، وقد قدمنا أن الوفاء لا يتم هذه الحالة بمجرد تسلم الشيك أو الحوالة، وإنما يتم بقبض القيمة .
وقد يتفق الطرفان على أن يكون مكان الوفاء هو موطن الدائن، والأصل ألا يكون موطن الدائن هو مكان الوفاء إلا باتفاق صريح أو ضمني، فإذا تم الاتفاق على ذلك، فإن موطن الدائن وقت الاتفاق أو موطنه وقت الوفاء إذا تغير هذا الموطن يكون هو مكان الوفاء تبعاً للاتفاق الذى تم، فإن لم يكن الاتفاق واضحاً فى ذلك، فالمفروض أن الطرفين قد اتفقا على أن يكون مكان الوفاء هو موطن الدائن وقت الاتفاق، لأنه هو الموطن الذى كان معروفاً عندهما وقت ذلك.
مكان الوفاء فى العين المعينة بالذات هو مكان وجودها وقت نشوء الالتزام :
وقد رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 347 مدني تنص على أنه " إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات، وجب تسليمه فى المكان الذى كان موجوداً فيه وقت نشوء الالتزام، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك، فإذا لم يوجد اتفاق على أن يكون مكان الوفاء فى غير مكان وجود العين وقت نشوء الالتزام، ولم يوجد نص يقضي بغير ذلك كما رأينا فى النص الذى يقضي بأن يكون دفع الثمن فى مكان تسليم المبيع )م456 مدني)، فإن مكان الوفاء هو المكان الذى توجد فيه العين وقت نشوء الالتزام وهذا الحكم مبني على أن هناك اتفاقاً ضمنيَّا ما بين الطرفين على هذا المكان، فينسخ هذا الاتفاق الضمنى اتفاق ضمني معارض، أو اتفاق صريح ، أو نص فى القانون .
ويغلب أن يكون الشيء لم ينتقل من مكانه من وقت نشوء الالتزام إلى وقت الوفاء، فإذا انتقل فالعبرة كما قدمنا بالمكان الذى توجد فيه العين وقت نشوء الالتزام، وهو المكان الذى كان معروفاً من الطرفين، على أن المفروض فى كل ذلك أن الشيء محل الالتزام مستقر فى مكانه لا يمكن نقله فى يسر، فإذا كان الشيء بطبيعته سهل الانتقال من مكان إلى آخر، كسيارة أو فرس، فالغالب أن يكون الطرفان قد أراد ضمناً أن يكون مكان الوفاء ليس هو المكان العارض الذى يوجد فيه الشىء وقت نشوء الالتزام، بل هو موطن المدين وهو المكان الذي يوجد فيه الشىء عادة، وهنا نرى أن الاتفاق الضمني الذي قام عليه مكان وجود الشىء وقت نشوء الالتزام قد عارضه اتفاق ضمني أكثر وضوحاً فنسخه.
مكان الوفاء فى غير العين المعينة بالذات هو موطن المدين أو مركز أعماله :
فإذا لم يوجد اتفاق صريح أو ضمني على مكان الوفاء، ولم يكن محل الوفاء عيناً معينة بالذات، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 347 مدني، كما رأينا، على أن " يكون الوفاء فى المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء، أو في المكان الذى يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال .
ويسري هذا الحكم على كل التزام ليس محله عيناً معينة بالذات، وأكثر ما يسري على الالتزام الذى يكون محله مبلغاً من النقود، ويسري كذلك على كل التزام محله عين غير معينة بالذات، كالتزام بتسليم مائة أردب من القمح أو خمسين قنطاراً من القطن، ويسري أخيراً على كل التزام محله عمل أو امتناع عن عمل، ففي هذه الالتزامات جميعاً، إذا لم يوجد اتفاق صريح أو ضمني على مكان الوفاء، فالمكان هو موطن المدين وقت الوفاء، أو المكان الذى يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال، ومن ثم نرى أن الالتزام هنا يسعى له الدائن ( querable ) ، ولا يسعى به المدين ( Portable ) . وليس فى هذا إلا تطبيق للمبدأ العام الذى يقضى بأن الالتزام يفسر بما فيه مصلحة المدين.
وإذا غير الدائن موطنه أو مركز أعماله فى الفترة ما بين نشوء الالتزام وبين الوفاء، فالعبرة بالموطن أو بمركز الأعمال وقت الوفاء لا وقت نشوء الالتزام، ذلك أن القاعدة إنما تقوم، لا على افتراض إرادة الطرفين فيقال إن هذه الإرادة قد انصرفت إلى الموطن أو مركز الأعمال وقت نشوء الالتزام، وإنما تقوم على مصلحة المدين، ومصلحته تقتضى أن يكون مكان الوفاء هو موطنه أو مركز أعماله وقت الوفاء.
على أن المدين يستطيع بعد نشوء الالتزام أن ينزل عن حقه فى ان يكون مكان الوفاء هو موطنه أو مركز أعماله ، إذا تصرف تصرفاً من شأنه أن يستخلص منه هذا النزول، فإذا كان الدين أقساطاً، وأدى المدين أكثر الأقساط فى موطن الدائن، وأن المدين قد اتفق اتفاقاً ضمنيَّا مع الدائن على ذلك ،ولكن مجرد دفع قسط أو قليل من الأقساط فى موطن الدائن لا يستفاد منه حتماً أن المدين قد نزل عن حقه فى أن يكون مكان الوفاء بسائر الأقساط هو موطنه لا موطن الدائن فلو أن المؤمن له دفع بعض أقساط التأمين فى موطن الشركة، فلا يستفاد من ذلك حتماً أنه نزل عن حقه فى أن يكون الوفاء بسائر الأقساط فى موطنه هو، وعلى العكس من ذلك، إذا اشترطت شركة التأمين على أن يكون الوفاء بالأقساط فى موطنها، ثم استوفت بعض هذه الأقساط فى موطن المدين، فلا يستفاد من ذلك حتماً أنها نزلت عن حقها فى أن يكون الوفاء ببقية الأقساط فى موطنها، لاسيما إذا ذكرت ذلك صراحة فى وثيقة التأمين، وهذا ما لم يكن قد اضطرد استيفاؤها لأقساط التأمين فى موطن المدين واستقر تعاملها معه على ذلك.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث – المجلد الثاني الصفحة/ 928)
يختلف مكان الوفاء تبعاً لاختلاف محل الالتزام الواجب الوفاء به، فإن كان هذا المحل معيناً بالذات كسيارة أو ماكينة، فإن مكان الوفاء هو المكان الذي كان موجوداً به وقت نشوء الالتزام، سواء كان المحل يمكن نقله بسهولة أو لا يمكن وفي هذه الحالة يلتزم الدائن بتسلمه به، وله إجبار المدين على ذلك ولكن أن قبل الاستلام بمكان آخر دون تخفظ كان ذلك بمثابة اتفاق ضمني على تحديد المكان الأخير للتسليم وحينئذٍ لا يجوز للدائن الرجوع على المدين بنفقات النقل من مكان وجود المحل وقت الوفاء الى مكان وجوده وقت نشوء الالتزام.
أما إن كان محل الالتزام، شيئاً معيناً بنوعه، کمائة قطار قطن أشموني و مبلغ من النقود، فإن مكان الوفاء يتحدد بالمكان الذي به موطن المدين عند الوفاء أو الذي به مركز أعماله متى كان الالتزام متعلقاً بها، ومن ثم فإن قام المدين بتغيير موطنه بعد نشوء الالتزام، فإن مكان الوفاء يتحدد بموطنه الجديد الذي كانت به إقامته المستديمة أو مركز أعماله الجديد إن ظل به إلى وقت الوفاء وليس للدائن أن يعترض على ذلك لما يسببه له من نفقات زائدة إذ كان له أن يضمن العقد شرطاً بتحديد مكان الوفاء.
والأصل أن الدائن يسعى إلى استيفاء حقه أن لا يلتزم بهذا السعي في حالتي نظرة الميسرة م 346 والعرض وإلا الدائن أو يودع له بموطن الأخير م 334 وقد يتنازل المدين عن حقه في سعي الدائن إليه، فيسعى هو إليه بالوفاء، وحينئذٍ لا يكون له الرجوع بشقيها و مقابل هذا السعي، كذلك إذا كان الالتزام مقسطاً رق الأقباط بموطن الدائن، كان هذا بمثابة اتفاق ضمني على تحديد مكان الوفاءالدائن فلا يجوز للمدين التمسك بأن يتم الوفاء بباقي الاقساط بموطنه، ولا يستفاد هذا الاتفاق الضمني إلا إذا تكرر الوفاء، ولقاضي الموضوع استخلاص ذلك دون رقابة عليه من محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.
وجاء نص المادة 347 مفسراً لإرادة المتعاقدين، ولذلك لا محل لتطبيقه إذا وجد اتفاق على تحديد مكان الوفاء، فيكون هذا الاتفاق هو قانون المتعاقدين الواجب الالتزام به، وهذا الاتفاق قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً، معاصراً لنشوء الالتزام أو لاحقاً عليه باتفاق خاص.
وقد وردت نصوص قانونية خاصة بتحديد مكان الوفاء، فنصت المادة 456 مدني على تحديد مكان الوفاء بثمن المبيع، والمادة 566 على تحديد مكان تسلیم العين المؤجرة، والمادة 642 على تحديد مكان رد العارية، والمادة 655 على تحديد مكان تسليم محل عقد المقاولة، والمادة 690 بتحديد مكان الوفاء بالأجر.
وأوضحنا بالمادتين 157، 158 أن البائع لا يجوز له أن يطلب الفسخ لتأخر المشتري في الوفاء بالثمن إن لم يسع إلى موطن الأخير لمطالبته بالوفاء طالما لم يتحدد بالعقد مكان الوفاء.
وعملاً بالمادة 363 من القانون المدني، يلتزم المدين بنفقات الوفاء إذا وجد اتفاق على أن يكون الوفاء بموطن الدائن وحينئذٍ يلتزم المدين بهذه النفقات حتى لو تم الوفاء بطريق المقاصة، مما يجوز معه للدائن بالرجوع على المدين بها بعد وقوع المقاصة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس الصفحة/ 346)
إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات كمنزل أو قطعة أثاث أو سيارة وجب تسليمه في المكان الذي كان موجوداً فيه وقت نشوء الالتزام والمفروض في هذا أن الشيء معين بالذات، وعلى ذلك إذا باع شخص لآخر سيارة معينة بالذات وكانت السيارة موجودة وقت إبرام البيع في الإسكندرية، فيجب تسليم هذه السيارة في الإسكندرية.
ويحق للدائن أن يمتنع عن تسليمها في أي مكان آخر كما يكون له أن يتسلمها في مكان آخر ويطالب المدين ينفقات نقلها من المكان الذي تسلمها فيه إلى الإسكندرية.
ويذهب رأي في الفقه – له وجاهته- إلى أن المفروض في ذلك أن الشيء محل الالتزام مستقر في مكانه لا يمكن نقله في يسر، فإذا كان الشيء بطبيعته سهل الانتقال من مكان إلى آخر کسيارة أو فرس، فالغالب أن يكون الطرفان قد أرادا ضمناً أن يكون مكان الوفاء ليس المكان العارض الذي يوجد فيه الشيء.
وقت نشوء الالتزام، بل هو موطن المدين وهو المكان الذي يوجد فيه الشيء عادة، وهنا يكون الاتفاق الضمني الذي قام عليه مكان موجود الشئ وقت نشوء الالتزام قد عارضه اتفاق ضمني أكثر وضوحاً فنسخه غير أن حكم هذا النص لا يتعلق بالنظام العام ومن ثم يجوز للمتعاقدين الاتفاق على خلافه بأن يحددا مكاناً للتسليم يختلف من المكان الذي كان الشئ المعين بالذات موجوداً فيه وقت نشوء الالتزام.
وكذلك لا ينطبق حكم النص إذا وجد نص يقضي بغير ذلك.
مكان الوفاء في غير الشئ المعين بالذات:
إذا كان محل الوفاء غير معين بالذات، كالتزام بتسليم كمية من الحبوب أو القطن، أو التزام بدفع مبلغ من النقود، أو التزام بعمل أو امتناع عن عمل.
فمكان الوفاء يكون هو موطن المدين وقت الوفاء أو المكان الذي يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال، كما لو كان المدين تاجراً وله محل يباشر فيه تجارته وباع شيئاً، فإن الوفاء يكون في هذا المحل باعتباره موطناً للأعمال أي المكان الذي يوجد فيه مركز أعمال المدينة.
ويعبر عن تحديد مكان الوفاء بالأشياء المثلية في موطن المدين بأن الدين "مطلوب لا محمول"، أي أن على الدائن أن يذهب لطلب دينه من المدين وليس على المدين أن يحمل هذا الدين إلى الدائن.
والعبرة بموطن المدين أو المكان الذي يوجد به مركز أعمال المدين، وقت الوفاء، ولو لم يكن هو بذاته وقت نشوء الالتزام.
لأن القاعدة إنما تقوم لا على افتراض إرادة الطرفين فيقال إن هذه الإرادة قد انصرفت إلى الموطن أو مركز الأعمال وقت نشوء الالتزام، وإنما تقوم على مصلحة المدين، ومصلحته تقتضي أن يكون مكان الوفاء هو موطنه أو مركز أعماله.
وهذا الحكم لا يتعلق بالنظام العام فيجوز الاتفاق على خلافه، كما يجوز أن يقضي نص بعكسه.
ويستطيع المدين بعد نشوء الالتزام أن ينزل عن حقه في أن يكون مكان الوفاء هو موطنه أو مركز أعماله، إذا تصرف تصرفاً من شأنه أن يستخلص منه هذا النزول، فإذا كان الدين أقساطاً، وأدى المدين أكثر الأقساط في موطن الدائن، فالمفروض أن الأقساط الباقية يجب الوفاء بها أيضاً في موطن الدائن، وأن المدين اتفق ضمنياً على ذلك، ولكن مجرد دفع قسط أو قليل من الأقساط في موطن الدائن لا يستفاد منه حتماً أن المدين قد نزل عن حقه في أن يكون مكان الوفاء بسائر الأقساط هو موطنه لا موطن الدائن.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع الصفحة/ 411)
يجب الوفاء في المكان الذي اتفق عليه الطرفان إلا إذا صار الوفاء في هذا المكان مستحيلاً كما في حالة نشوب حرب أو صدور قوانين النقد تمتع إصداره إلى الخارج، فحينئذٍ يسقط الالتزام بالوفاء في المكان المتفق عليه وتتبع أحكام القانون التي تسري عند عدم الاتفاق (1)، وهي تقضي بأنه إما أن يكون محل الوعاء عميقة معينة بالذات فيجب الوفاء في المكان الذي كانت توجد فيه العين وقت نشوء الالتزام ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك (97). وأما أن يكون أشياء مثلية فيكون الوفاء في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء (به) أو في المكان.
الذي يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال (المادة 347 فقرة ثانية)، ويقال أن الدين ... querable وليس portable أي أن الدين يسعى إليه ولا يسعی به إلى الدائن، أو أن الدين يطلب ولا يحمل، ومؤدى ذلك عملاً أنه يلزم أن ينذر الدائن البلدين في موطنه بالوفاء، ويترتب على ذلك أن ليس على المدين أن يثبت الوفاء طالما أن الدائن لم يعذره ولكن متى تم إعذاره أصبح علية عبء إثبات الوفاء .
وقد يكون الاتفاق على مكان الوفاء وقت نشوء الدين، وقد يكون اتفاقاً لاحقاً، وفي كلتا الحالين يجوز أن يكون هذا الاتفاق صریحاً ويجوز أن يكون ضماناً، و بلا استفادة الاتفاق الضمني منذ من وجود التزامات متقابلة تنشأ من عقد واحد منصوص فيه على أن يتم تنفيذ جميع الالتزامات الناشئة منه في وقت واحد، فيؤخذ من ذلك أنها تتم في مكان واحد أيضاً (103)، وقد طبقت المادة 456 مدني ذلك على الالتزامات التي تنشأ من عقد البيع فنصت على : ( أن يكون الثمن مستحق الوفاء في المكان الذي سلم فيه المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرق يقضي بغير ذلك، فإذا لم يكن الثمن مستحقاً وقت تسلیم البيع، وجب الوفاء به في المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري وقت استحقاق الثمن، أي أنها جعلت مكان تسليم الثمن إذا كان حالاً هو مكان تعليم المبيع حيت يفترض أن العاقدين حاضران بنفسهما أو بمن ينوب عنهما في مكان التسليم فلا داعي لأن ينتقلا إلى مكان آخر لتسليم الثمن، أما إذا كان الثمن مؤجلاً أي وأجب الأداء في وقت لاحق لتعليم المبيع فلا عبرة فيما ينطق بدفع الثمن بوجود الطرفين في مكان تعليم البيع وحضور الطرفين فيه وإنما تكون العبرة بموطن اشتری وقت استحقاق الثمن لأن الأصل أن دين المشتري يجب أن يطلب منه في موطنه وقت استحقاقه
في المعاملات الدولية بنعت تعيين مكان الوفاء على نوع العملة التي يجب الوفاء بها . فالأصل أن المكان الذي يجب أن يتم فيه الوفاء هو الذي يجب أن يدفع بالعملة التي لها قوة التداول القانوني فيه Coura legal , فتخلي في ذالك الأهمية العملية القصوى لتعیین مکان الوفاء في المعاملات الدولية، غير أنه يجب التمييز بين الاتفاقات التي تعين مكان الوفاء في خارج البلاد تحسب ما وتلك التي تعين العملية التي يجب الوفاء بها، فهذه الأخيرة تعين منذ إبرامها مداراً من العملة الأجنبية يجب الوفاء بها بقطع النظر عن تقلبات صرف هذه العملة في حين أنه لو اقتصر الأمر في الاتفاق على تعيين مكان الوفاء خارج البلاد، فإن هذا الاتفاق يستتبع أن يكون الوفاء بالعملة الأجنبية المتداولة قانوناً في ذلك المكان، ولكن مقدار هذه العملة الذي يتم به الوفاء يتغير طبقاً التقلبات سعر الصرف، ومثل الحالة الأولى الاتفاق على أن الثمن يكون ألف دولار أمریکي تدفع خارج مصر أو حتى في داخل مصر، ومثل الحالة الثانية أن يكون الثمن ألف جنيه مصري تدفع في واشنطن أو في باريس فيكون الواجب دفعه في واشنطن عدداً من الدولارات الأمريكية يتحدد بحسب سعر الصرف في تاريخ الاستحقاق، وكذلك الواجب دفعه في باريس عدداً من الفرنكات الفرنسية يساوي في وقت الوفاء الألف جنيه المصرية بحسب سعر الصرف في ذلك الوقت۰(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 729)
مجلة الأحكام العدلية
مادة (285) مطلق العقد
مطلق العقد يقتضي تسليم المبيع في المحل الذي هو موجود فيه حينئذ. مثلاً لو باع رجل وهو في إسلامبول حنطة التي في تكفور طاغي يلزم تسليم الحنطة المرقومة في تكفور طاغي وليس عليه أن يسلمها في إسلامبول.
مادة (286) خيار المشتري الذي لا يعلم محل المبيع وقت العقد
إذا كان المشتري لا يعلم أن المبيع في أي محل وقت العقد وعلم به بعد ذلك كان مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه وقبض المبيع حيث كان موجوداً.
مادة (287) بيع مال على أن يسلم في محل معلوم
إذا بيع مال على أن يسلم في محل كذا لزم تسليمه في المحل المذكور.