مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 143
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- بعد أن تقرر التزام المشتري بدفع الثمن، عرض المشروع للجزاء المترتب على هذا الالتزام، فللبائع وسائل ثلاث لضمان حقه، هي حبس المبيع والمطالبة بالتنفيذ والمطالبة بالفسخ، و ليس في كل ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة، ولكن رؤى من المفيد التبسط في هذه الأحكام لأهميتها العملية.
2 - أما الحق في حبس المبيع فقد قررته المادتان 607 و 608 من المشروع تطبيقاً لقاعدتي الحق في الحبس والدفع بعدم تنفيذ العقد، فإذا كان الثمن كله أو بعضه
يستحق الدفع ولم يدفع، جاز للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي ما هو مستحق له، ولا يسقط حقه في الحبس إلا أن يقدم له المشترى رهناً أو كفالة، لأن البائع يطلب حقاً واجب الوفاء في الحال، أما إذا منح البائع للمشترى أجلاً جديداً للدفع ولم يتحفظ سقط حقه في الحبس.
وقد يكون الثمن مؤجلاً، ولكن يسقط الأجل طبقاً للمادة 396 من المشروع ( والأولى أن تعدل المادة 607 فقرة ثانية من المشروع بما يحقق التناسق بينها وبين المادة 396 على الوجه الآتي : وكذلك يجوز للبائع أن يحبس المبيع حتى لو لم يحل الأجل المشترط لدفع الثمن إذا سقط حق المدين في الأجل طبقاً لأحكام المادة 396)، والأجل يسقط (أ) إذا كان المشتري معسراً، (ب) أو كان قد أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطى للدائن من تأمين خاص حتى لو كان هذا التأمين قد أعطى بعقد لاحق أو بمقتضى القانون (مالم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين) ، أما إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لادخل لإرادة المدين فيه فإن الأجل يسقط ما لم يتوق المدين هذا السقوط بأن يقدم للدائن ما يكمل التأمين ، (ج) أو كان المشتري لم يقدم ما وعد في البيع بتقديمه من التأمينات، ففي هذه الأحوال جميعها يسقط الأجل ويحل الثمن، فإذا لم يدفعه المشتري كان للبائع حبس المبيع.
فإذا استعمل البائع حقه في الحبس أجريت الأحكام العامة المتعلقة بهذا الحق، و منها أنه لا يجوز للمشتري أن يستولي على المبيع دون إذن البائع ، فإن أذن له في ذلك، وسلم المبيع طوعاً، سقط حقه في الحبس، وليس له أن يسترد المبيع إلا من طریق فسخ البيع، وإن لم يأذن، واستولى المشتري على المبيع رغماً من ذلك، جاز البائع أن يسترد المبيع في خلال ثلاثين يوماً من الوقت الذي علم فيه بخروجه من حيازته ( م 333 من المشروع) ، وهو على كل حال لا يتحمل تبعة هلاكه إذا هلك في يد المشتري (م 608 من المشروع، أما ثمرات المبيع وقت الحبس فهي للمشتري من وقت استحقاق الثمن، وعليه فوائد الثمن طبقاً لما سبق ذكره من الأحكام، والمشروع فيما تقدم مطابق في جملته للتقنين الحالى (م 279 - 281/ 350 - 353 ) مع بعض فروق تفصيلية، ولم ينقل المشروع المادة 352 من التقنين المختلط، وهي تنص على أنه ليس للبائع أن يمتنع من التسليم إذا حول المشتري بجميع الثمن أو جزء منه، فقد تركت هذه المسألة، يستخلص حكمها من القواعد العامة، وهذه تقضي بأن البائع إذا حول حقه في الثمن انتقل إلى المحال له ما كان للبائع من ضمانات (م 433 من المشروع ) ، وكذلك إذا حول المشتري الدين بالثمن إلى مدين آخر ، وقبل البائع الحوالة، فإنه يستبقي حقه في حبس المبيع (م 451 فقرة أولى من المشروع).
3 – وللبائع ، غير الحق في الحبس، أن يطالب المشتري بالثمن المستحق، وله أن ينفذ على المبيع وغيره من أموال المدين بالثمن، بل إن له امتيازاً على المبيع يتقدم به على سائر الدائنين (م 609 من المشروع و توافق م 332/ 413 من التقنين الحالي ) .
4 - وللبائع أخيراً أن يطلب فسخ البيع وفقاً للقواعد العامة، وقد طبق المشروع هذه القواعد في العقار والمنقول، ففي العقار تكفلت المادة 610 من المشروع ( ويوافقها م 333/ 414 - 415 من التقنين الحالي ) بتطبيق أحكام الفسخ بحكم القضاء (م 218 من المشروع ) فقررت أنه يتعين على القاضي أن يحكم بالفسخ فوراً إذا كان البائع مهدداً أن يضيع عليه المبيع والثمن، وإلا جاز له أن ينظر المشتري إلى أجل تقدر مدته تبعاً للظروف، على أن يدفع الفوائد القانونية إذا لم تكن هناك سوابق اتفاقية، فإذا انقضى الأجل الذي منحه القاضي ولم يدفع المشتري الثمن، وجب الحكم بفسخ البيع دون أن ينظر المشتري إلى أجل آخر (انظر المادة 393 فقرة 2 من المشروع : ویكتفي في حالة البيع بأجل واحد، وتكفلت المادة 611 من المشروع (وتوافق م 334/ 416 من التقنين الحالي) بتطبيق أحكام الفسخ بحكم الاتفاق (م 219 من المشروع )، فقررت أنه إذا اتفق المتعاقدان على أن البيع يفسخ من تلقاء نفسه عند عدم قيام المشتري بدفع الثمن في الميعاد المحدد، فإن هذا الشرط لايعني البائع من إعذار المشتري بدفع الثمن، فإن دفع المشتري سقط حق البائع في المطالبة بفسخ البيع، وإن لم يدفع وجب على البائع رفع دعوى الفسخ، ولكن القاضي لا يملك أن ينظر المشتري إلى أجل، بل يتحتم عليه النطق بفسخ البيع، فإذا أراد البائع أن يعني من إعذار المشتري، وجب عليه أن يشترط ذلك صراحة في العقد، وفي هذه الحالة يرفع البائع دعوى الفسخ دون إعذار، ويحكم القاضي بالفسخ دون أن ينظر المشتري إلى أجل.
أما في المنقول ، فقد ميز المشروع بين البيع المؤجل والبيع غير المؤجل، فإذا كان البيع مؤجلاً وانقضى الأجل دون أن يتقدم المشتري لدفع الثمن و تسلم المبيع اعتبر البيع مفسوخاً لمصلحة البائع ( أي أن هذا له استبقاء البيع والمطالبة بالتنفيذ إذا لم يرد الفسخ) ، و يفسخ البيع من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إعذار، ودون ضرورة إلى شرط خاص بذلك، كل هذا ما لم يتفق المشتري مع البائع على مدة أطول للوفاء بالثمن (م 612 من المشروع وتوافق م 418 /335 من التقنين الحالي)، أما إذا كان البيع غير مؤجل، فيجوز للبائع إذا لم يستوف الثمن أن يعتبر البيع مفسوخاً و أن يسترد المبيع في مدة خمسة عشر يوماً من وقت تسليمه إلى المشتري، إذا بقى المنقول حافظاً لحالته ولم يغير المشتري ذاتيته (بأن صنع الخشب دولاباً أو طحن القمح دقیقاً) ، على أن الفسخ لايضر في هذه الحالة بامتياز المؤجر حسن النية وفقاً للقواعد العامة (م 613 من المشروع ولا نظير لها في التقنين الحالي)، ويلاحظ أن كل هذه الأحكام ليست من النظام العام، فيجوز الاتفاق على ما يخالفها، ويجب في تطبيقها مراعاة القوانين والعادات التجارية المتعلقة باسترداد المنقول بعد بيعه.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 607 من المشروع، واقترح تعديل الفقرة الثانية بحذف الجزء الأخير منها وإحالة الحكم الوارد فيه على المادة 396 من المشروع، فوافقت اللجنة، وأصبح نصها ما يأتي :
1- إذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع في الحال فللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي ماهو مستحق له ولو قدم المشتری رهناً أو كفالة، هذا ما لم يمنح البائع للمشترى أجلاً بعد البيع .
2 - وكذلك يجوز للبائع أن يحبس المبيع حتى لو لم يحل الأجل المشترط لدفع الثمن إذا سقط حق المشتري في الأجل طبقاً لأحكام المادة 396.
و بالرجوع إلى المادة 396 رئى إبدال عبارة «ما يكمل التأمين ، فيها بعبارة «ضمان كافياً، ليشمل النص الحالة التي يكون المدين قد قدم فيها ضماناً خاصاً وغيرها من الأحوال التي لا يوجد فيها مثل هذا الضمان و ليكون في وسع المدين كذلك أن يقدم ضماناً عينياً أو شخصياً بحسب الأحوال».
وأصبح رقم المادة 472 في المشروع النهائي، وقدمت بعد إبدال عبارة «حتى لو» إلى كلمة « ولو» ، ورقم 396 إلى رقم «285»، في الفقرة الثانية .
المشروع في مجلس النواب
مناقشات لجنة الشئون التشريعية :
وافقت اللجنة على المادة دون تعديل تحت رقم 472.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة مع استبدال رقم 273 برقم 285 وأصبح رقم المادة 459 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة
1 ـ يدل نص المادتين 2/458 ، 1/459 من القانون المدنى على أن للمشترى الحق فى ثمار المبيع طالما أن إلتزام البائع بالتسليم غير مؤجل . و للبائع الحق فى حبس المبيع حتى يستوفى ما هو مستحق له من الثمن إذا كان مستحق الدفع كله أو بعضه فى الحال .
(الطعن رقم 257 لسنة 43 جلسة 1987/03/26 س 38 ع 1 ص 439 ق 98)
2 ـ متى كان الثابت أن الطاعن تمسك فى دفاعه بأنه لا يحق للمطعون ضدهم طلب فسخ العقد طالما أنهم لم ينفذوا إلتزامهم بتسليمه الأرض المبيعة وتمكينه من وضع يده عليها ، وأن من حقه إزاء ذلك أن يقف تنفيذ إلتزامه بباقي الثمن حتى يوفى المطعون ضدهم من إلتزامهم بالتسليم ، وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى بالرد على ذلك بأن العقد قد خلا من ترتيب أي إلتزام على عاتق المطعون ضدهم من حيث تسليم الأرض المبيعة وتمكين الطاعن من وضع يده عليها ، فإن ذلك من الحكم خطأ فى القانون ، ذلك أن الإلتزام بتسليم المبيع من الإلتزامات الأصلية التي تقع على عاتق البائع ولو لم ينص عليه فى العقد ، وهو واجب النفاذ بمجرد تمام العقد ولو كان الثمن مؤجلاً ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك .
(الطعن رقم 6 لسنة 41 جلسة 1975/04/28 س 26 ع 1 ص 840 ق 164)
3 ـ الصحيح فى القانون - و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو أن إلتزام المشترى برد العقار المبيع بعد فسخ البيع إنما يقابل إلتزام البائع برد ما قبضه من الثمن ، و أن إلتزام المشترى برد ثمرات العين المبيعة يقابل إلتزام البائع برد فوائد ما قبضه من الثمن ، بما مؤداه ان من حق المشترى أن يحبس ما يستحقه البائع فى ذمته من ثمار حتى يستوفى منه فوائد ما دفعه من الثمن .
(الطعن رقم 321 لسنة 37 جلسة 1972/04/18 س 23 ع 2 ص 721 ق 113)
4 ـ إستعمال الحق فى الحبس لا يقتضى إعذارا و لا الحصول على ترخيص من القضاء .
(الطعن رقم 15 لسنة 33 جلسة 1967/01/19 س 18 ع 1 ص 143 ق 24)
5 ـ لئن كان الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار عند الإخلال بالإلتزامات الناشئة عنه من شأنه أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ ، إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شروط الفسخ الإتفاقى و وجوب إعماله ، ذلك أن للقاضى الرقابة التامة للتثبت من انطباق الشرط على عبارة العقد ، كما أن له عند التحقق من قيامه مراقبة الظروف الخارجيه التى تحول دون إعماله ، فإن تبين له أن الدائن قد أسقط خياره فى طلب الفسخ بقبوله الوفاء بطريقة تتعارض مع إرادة فاسخ العقد أو كان الدائن هو الذى تسبب بخطئه فى عدم تنفيذ المدين لإلتزامه ، أو كان امتناع المدين عن الوفاء مشروعاً بناء على الدفع بعدم التنفيذ فى حالة توافر شروطه ، تجاوز عن شرط الفسخ الإتفاقى ، فلا يبقى للدائن إلا التمسك بالفسخ القضائي طبقاً للمادة 157 من القانون المدنى.
(الطعن رقم 161 لسنة 36 جلسة 1970/11/26 س 21 ع 3 ص 1181 ق 193)
6 ـ إذا تضمن العقد شرطاً صريحاً فاسخاً فإنه يلزم حتى ينفسخ العقد بقوته أن يثبت قيامه و عدم العدول عن أعماله و تحقق الشرط الموجب لسريانه فإن كان وقوع الفسخ مرتبطاً بالتأخير فى سداد قسط من الثمن فى الموعد المحدد له و تبين أن البائع قد أسقط حقه فى إستعمال الشرط الصريح الفاسخ المقرر لصالحه عند التأخر فى سداد أقساط الثمن فى مواعيدها بقبول السداد بعد تلك المواعيد منبئاً بذلك عن تنازله عن أعمال الشرط الصريح الفاسخ فلا يكون له عند تأخير السداد فى المستقبل إلا المطالبة بالفسخ القضائي .
(الطعن رقم 478 لسنة 47 جلسة 1978/04/19 س 29 ع 1 ص 1028 ق 203)
7 ـ إنه و إن كان للمشترى حق حبس العين المحكوم بفسخ البيع الصادر له عنها حتى يوفى الثمن السابق له دفعه تأسيساً على أن إلتزامه بتسليم العين بعد الحكم بفسخ البيع يقابله إلتزام البائع برد ما دفعه إليه من الثمن فما دام هذا الأخير لم يقم بالتزامه بالرد كان له أن يمتنع عن التسليم و أن يحبس العين ، لكن ذلك لا يترتب عليه الحق فى تملك المشترى ثمار المبيع بعد أن أصبحت من حق مالك العين بحكم الفسخ . و إذا صح للمشترى التحدى بقاعدة " واضع اليد حسن النية يتملك الثمرة " فى تملك الثمار التى إستولى عليها قبل رفع دعوى الفسخ فإن هذا التحدى لا يكون له محل بالنسبة للثمار التى جنيت بعد رفعها من جانبه و إستناده فى طلب الفسخ إلى إستحقاق العين المبيعة للغير و لا يحول دون رد هذه الثمار لمالك العين ثبوت الحق له فى حبسها ، لأن هذا الحق إنما قرر له ضماناً لوفاء البائع بما قضى عليه بدفعه إليه نتيجة فسخ البيع ، و ليس من شأن هذا الحق تمليك المشترى ثمار العين المبيعة بل يجب عليه تقديم حساب عنها للمالك 0و إذن فمتى كان الواقع هو أن الطاعن باع للمطعون عليهن أرضاً و قضى بفسخ البيع و إلزامه بأن يدفع إليهن الثمن الذى سبق دفعه إليه ثم أقام دعواه طالباً الحكم بإلزامهن بأن يدفعن إليه مقابل ثمار المبيع و كان الحكم إذ قضى بأحقية المطعون عليهن فى ثمار المبيع قد أسس قضاءه على أن الطاعن و إن كان على حق فى مطالبة المطعون عليهن بريع العين من تاريخ البيع غير أنه يعترضه فى هذه الحالة المبدأ القائل بأن " واضع اليد بحسن نية يتملك الثمرة " و أنه من المقرر قانوناً أن البائع له الحق فى حبس العين حتى يوفى مبلغ الثمن ، و هو فى وضع يده على العين المبيعة حسن النية فلا يطالب بثمرات العين فى فترة حبسها و كذلك المشترى الذى يفسخ عقد البيع الصادر له يحق له حبس العين المحكوم بفسخ البيع الصادر فيها حتى يوفى الثمن السابق له دفعه و هو فى وضع يده حسن النية فلا يطالب بثمرات العين فى فترة حبسها - متى كان الحكم قد أقام قضاءه على ذلك فإنه و إن كان قد أصاب فيما قرره من حق الحبس للمطعون عليهن حتى يوفين ما دفعنه من الثمن إلا أنه أخطأ فى تطبيق القانون فيما قرره من تملكهن للثمار إستناداً إلى حسن نيتهن و حقهن فى حبس العين المبيعة.
(الطعن رقم 81 لسنة 19 جلسة 1951/01/04 س 2 ع 2 ص 224 ق 43)
ونبحث في حبس المبيع مسائل ثلاثاً : ( 1 ) متى يثبت للبائع حق حبس المبيع ( 2 ) وما الذي يترتب على ثبوت هذا الحق (3 ) وكيف ينقضي .
متى يثبت للبائع حق حبس المبيع : يخلص من نص المادة 459 مدني السالفة الذكر أن البائع يثبت له حق حبس المبيع حتى يستوفي الثمن إذا كان وقت دفع الثمن متقدماً أو معاصراً لوقت تسليم المبيعK ويتحقق ذلك في الحالتين الآتيتين :
أولاً –إذا كان الثمن مستحق الدفع ولم يكن البائع قد سلم المبيع للمشتري، مثل ذلك أن يكون البيع مطلقاً من حيث وقت دفع الثمن فيكون الثمن مستحق الدفع بمجرد تمام البيع، ويكون مطلقاً من حيث وقت تسليم المبيع فيكون المبيع واجب التسليم أيضاً بمجرد تمام البيع، فيعاصر وقت دفع الثمن وقت تسليم المبيع ومثل ذلك أيضاً أن يحدد وقت تسليم المبيع دون أن يحدد وقت لدفع الثمن، فيكون وقت دفع الثمن هو وقت تسليم البيع كما قدمنا، فيتعاصر الوقتان، ومثل ذلك أخيراً أن يحدد وقت تسليم المبيع، فإذا تأخر المشتري في دفع الثمن حتى حان وقت التسليم المبيع كان للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن .
ثانياً - إذا كان الثمن مؤجلاً إلى وقت متأخر عن وقت التسليم المبيع، فحان وقت تسليم المبيع قبل حلول أجل، فحل دفع الثمن في الوقت الذي يجب فيه تسليم المبيع أو قبله، وتعاصر الوقتان أو سبق الوقت الذي استحق فيه الثمن، فيجوز للمشتري في هذه الحالة أيضاً أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن، وأسباب سقوط الأجل قبل انقضائه مذكورة في المادة 273 مدني إذ تقول :"يسقط حق المدين في الأجل :1 - إذا شهر إفلاسه أو إعساره وفقاً لنصوص القانون . 2 - إذا أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطى الدائن من تأمين خاص ولو كان هذا التأمين قد أعطى بعقد لاحق أو بمقتضى القانون، هذا ما لم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين، أما إذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة المدين فيه، فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المدين للدائن ضماناً كافياً . 3 - إذا لم يقدم للدائن ما وعد بتقديمه من التأمينات " . وقد سبق تفصيل القول في ذلك .
ويخلص مما تقدم أن البائع لا يحق له حبس المبيع إذا كان وقت دفع الثمن متأخراً عن وقت تسليم البيع، ولم يسقط أجل الوفاء بالثمن بسبب من أسباب السقوط المتقدمة الذكر ويتحقق ذلك مثلاً إذا كان قد حدد وقت لدفع الثمن المتأخر عن الوقت الذي حدد لتسليم المبيع، أو يحدد وقت التسليم المبيع فيجب في هذا الحالة تسليم المبيع بمجرد تمام البيع، أما الثمن فيدفع في الوقت الذي حدد له، ولا يجوز في هاتين الحالتين للبائع حبس المبيع حتى يستوفي الثمن ، كذلك لا يكون البائع في حاجة إلى حبس المبيع إذا كان وقت تسليمه متأخراً عن وقت دفع الثمن، فهو في هذه الحالة يستطيع أن يطالب المشتري بدفع الثمن دون أن يسلم له المبيع إلا في الوقت المحدد للتسليم، ولكن إذا جاء هذا الوقت وكان المشتري لم يدفع الثمن بعد جاز للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن.
ونلاحظ بعد ذلك أمرين : إذا كان الأجل الممنوح لوفاء الثمن هو أجل منحه القاضي –وهذه هي نظرية الميسرة –لم يحل قيام هذا الأجل دون حبس البائع للمبيع إلى أن ينقضي الأجل ويستوفي الثمن ، حتى لو كان وقت تسليم المبيع سابقاً على وقت انقضاء الأجل، ذلك أن الأجل الذي يعطي لدفع الثمن فيحول دون حق الحبس يجب أن يكون أجلاً منحه البائع للمشتري كما تقول العبارة الأخيرة من الفقرة الأولي من المادة 459 مدني، أما الأجل الذي يعطيه القاضي للمشتري فقد منحه القاضي لا البائع، ولعله يكون قد منحه للمشتري رغم إرادة البائع نفسه، وهو على كل حال أجل منظور فيه إلى التيسير على المشتري لا إلى إضاعة حق البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن، إن حق البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن في الأحوال المتقدم ذكرها ليس إلا تطبيقاً لقاعدة الدفع بعدم تنفيذ العقد والقاعدة الحق في الحبس بوجه عام، فإن البيع عقد ملزم للجانبين وقد تأخر المشتري فيه عن الوفاء بالتزامه هو دفع الثمن، فجاز للبائع أن يقف هو أيضاً من جانبه تنفيذ التزامه وهو تسليم المبيع، فيحسبه حتى يستوفي الثمن، وهذه القاعدة ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على ما يخالفها، ومن ثم يجوز للمشتري أن يشترط على البائع في عقد البيع إلا بحبس المبيع حتى لو لم يستوف الثمن المستحق، وسنرى أن البائع يجوز له أيضاً، بعد أن يثبت حقه في الحبس، أن ينزل عن هذا الحق إما بمنحه أجلاً للمشتري لدفع الثمن، وإما بتسليمه المبيع اختياراً للمشتري بدلاً من حبسه، وإما بأي طريق آخر يفيد النزول عن الحق.
ما الذي يترتب على ثبوت حق حبس المبيع للبائع : يترتب على ثبوت حق البائع في حبس المبيع ما يترتب على الحق في الحبس بوجه عام، وقد بحثنا ذلك تفصيلاً عند الكلام في الحق في الحبس.
فالبائع يمتنع عن تسليم المبيع للمشتري حتى يستوفي الثمن كاملاً وفوائده التي قد تكون مستحقة، وهذا بالرغم من أن وقت تسليم المبيع يكون قد حل، ولا يتجزأ حق الحبس، فلو دفع المشتري بعض الثمن بقى المشتري حابساً لكل المبيع حتى يستوفي الثمن والفوائد جميعاً، ولو كان المبيع جملة أشياء بيعت صفقة واحدة، فللبائع أن يحبس كل المبيع حتى يستوفي كل الثمن، سواء سمى لكل شيء من الأشياء المبيعة ثمن أو لم يسمي، ولا يحق للمشتري أن يطالب البائع بتسليم بعض المبيع إذا دفع من الثمن ما يقابل هذا البعض.
وثمرات المبيع أثناء مدة الحبس تبقى من حق المشتري، فقد قدمنا أن للمشتري ثمرات المبيع من وقت تمام البيع، ولا يوثر الحبس في هذا الحق، ولكن يكون للبائع الحق في حبس ثمرات المبيع مع ذاته حتى يستوفي الثمن وفوائده التي تستحق بالرغم من عدم تسلم المشتري للمبيع، فإن عدم تسلم المشتري للمبيع يرجع إلى خطأه إذ لم يوف بالثمن المستحق في ذمته.
وعلى البائع أن يحافظ على المبيع أثناء حبسه إياه وفقاً لأحكام رهن الحيازة فيبذل في المحافظة عليه عناية الرجل المعتاد ( م 1103 مدني) وفي ذلك تقول الفقرة الثانية من المادة 247 مدني :" وعلى الحابس أن يحافظ على الشيء وفقاً لأحكام رهن الحيازة ، وعليه أن يقدم حساباً عن غلته.
وإذا حول البائع الثمن الذي في ذمة المشتري إلى محال له، انتقل الثمن بضماناته إلى المحال له، ومن هذه الضمانات حق حبس المبيع، فإذا كان المبيع لا يزال في يد البائع وسلمه للمحال له وحل الثمن، كان للمحال له أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن من المشتري، فلا يزول حق الحبس بالحوالة.
إذا كان الثمن مستحق الأداء، وتخلف المشتري عن الوفاء به، وجب على البائع إعذاره فإذا لم يدفع المشتري الثمن بعد الإعذار، جاز للبائع أن يرفع دعوى على المشتري يطلب فيها فسخ البيع مع التعويض إن كان له مقتض ويكفي لجواز طلب الفسخ أن يتخلف المشتري عن دفع الثمن كله أو بعضه، أو أن يتخلف عن دفع الفوائد وحدها كما إذا كان الثمن لم يحل أجله ولكن حلت الفوائد ولم يدفعها المشتري، فتخلف المشتري، فتخلف المشتري عن دفع أي جزء من الثمن حال الأداء، أو خلفه عن دفع الفوائد المستحقة على الثمن، ويكفي لجواز أن يدفع البائع دعوى يطلب فيها فسخ البيع ويستوي أن يكون الثمن الذي تخلف المشتري عن دفعه كله أو بعضه رأس مال أو إيراداً دائماً مرتباً مدى الحياة.
فإذا كان المبيع قد هلك فاستحال تسليمه، فإن البيع يفسخ بحكم القانون، ولا حاجة في هذه الحالة إلى طلب الفسخ ، ويتحمل البائع تبعة الهلاك ويترتب على انحلال البيع بأثر رجعي فيما بين المتبايعين أن البيع يعتبر كأن لم يكن، ويعاد كل شيء إلى ما كان عليه قبل البيع، فإذا كان المشتري قد تسلم المبيع، رده هو وثمراته، وإذا كان البائع قد قبض جزءاً من الثمن أو أقساطاً من الإيرادات المرتب مدى الحياة، رد ما قبضه مع الفوائد القانونية من يوم القبض ويجوز للبائع أن يحبس ما قبضه حتى يسترد المبيع وثمراته، كما يجوز للمشتري أن يحبس المبيع وثمراته حتى يسترد الجزء الذي دفعه من الثمن، وذلك كله طبقاً للقواعد المقررة في حق الحبس وإذا بني المشتري أو غرس في العين المبيعة، اعتبر نائياً أو غارساً بسوء النية لأن الفسخ ترتب بسبب آت من جهته، وطبقت القواعد العامة المقررة في البناء أو الغراس في ارض الغير وكذلك الحال في المصروفات الضرورية والنافعة والكمالية، تطبق فيها القواعد المقررة في هذا الشأن مع اعتبار المشتري سيء النية.
ويتدرج في العمل الشرط الذي يرد في عقد البيع قاضياً بفسخه إذا يوف المشتري بالثمن، فأدنى مراتب هذا الشرط هو أن يشترط البائع على المشتري أن يكون البيع مفسوخاً إذا لم يوف المشتري بالثمن وقد يصل الشرط إلى مرتبة أقوى، فيشترط البائع على المشتري أن يكون البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه أو أن يكون البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم . ثمن يصل الشرط إلى أعلي مرتبة من القوة، فيشترط البائع أن يكون البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار، أو أن يكون البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إعذار، فنستعرض هذه المراتب المتفاوتة في خصوص عقد البيع.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع الصفحة/ 1021)
يثبت للبائع حق حبس البيع حتى يستوفي الثمن إذا كان وقت دفع الثمن متقدماً أو معاصراً لوقت تسليم المبيع كما إذا كان الثمن مستحق الدفع ولم يكن البائع قد سلم المبيع للمشتري كأن يحدد وقت لدفع الثمن سابق علی وقت تسليم المبيع أو يكون البيع مطلقاً لم يحدد به وقت الدفع الثمن أو وقت لتسليم المبيع فيتعين دفع الثمن وتسليم المبيع في وقت واحد، فإذا تأخر المشتري في دفع الثمن كان للبائع حبس المبيع، وكما إذا كان الثمن مؤجلاً إلى وقت لاحق على وقت تسليم المبيع ولكن الأجل المحدد لدفع الثمن مسقط لسبب من أسباب سقوط الأجل فأصبح الثمن مستحق الدفع (م 273) فللبائع حبس المبيع، ويستفاد من ذلك أن البائع لا يحق له حبس المبيع إذا كان وقت دفع الثمن متأخراً عن وقت تسليم المبيع ولم يسقط الأجل كما لو حدد وقت الدفع الثمن متأخراً عن وقت تسليم المبيع أو حدد وقت لدفع الثمن دون تحديد وقت التسليم المبيع، فيتم التسليم فوراً أما دفع الثمن فيتم في الميعاد المحدد، ويلاحظ أن الأجل الذي يحول دون الحبس هو الذي يعطيه البائع أما إذا أعطاه القاضي - نظرة الميسرة - فلا يحول دون الحبس كما أن الحق في الحبس ليس إلا تطبيقاً للدفع بعدم التنفيذ فله استعماله إذا لم يتم التعاقد الآخر بتنفيذ التزامه بدفع الثمن، وهذه الأحكام ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على ما يخالفها ويقع على المشتري إثبات الوفاء بالثمن.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السادس الصفحة/ 686)
إذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع في الحال، ولم يقم المشتري بدفعه إلى البائع فإن يكون للبائع في هذه الحالة ثلاث وسائل لضمان حقه هي :
التنفيذ العيني:
وهذا الحق كفله المشرع لكل دائن، إذ نصت المادة 199 مدني على أن: "ينفذ الالتزام جبراً على المدين"، كما نصت المادة 203 مدني على أن: "يجبر المدين بعد إعذاره طبقاً للمادتين 219، 220 على تنفيذ التزامه عیناً، متى كان ذلك ممكناً.
وبمقتضى هذا يكون للبائع الحق، في حالة عدم قيام المشتري بدفع الثمن في موعد استحقاقه، سواء كان الثمن كاملاً أو جزءاً منه، أن يقوم - بعد إعذار المشتري بالتنفيذ على أمواله لاقتضاء الثمن جبراً، وهو عندئذٍ ينفذ على المبيع وعلى غيره من أموال المشتري.
وقد منح المشرع للبائع امتيازاً على المبيع يتقدم به على سائر دائني المشتري، وسواء أكان المبيع منقولاً أم عقاراً.
فإذا كان المبيع عقاراً أو حقاً عينياً ثبت للبائع الامتياز بمقتضى المادة 1147 مدنی، وإذا كان المبيع منقولاً ثبت الامتياز للبائع بمقتضى المادة 1145 مدني.
فسخ عقد البيع :
يجوز للبائع إذا تخلف المشتري عن دفع الثمن كله أو الجزء المستحق منه طبقاً للقواعد العامة إذا لم يطلب التنفيذ العيني، أن يطلب فسخ العقد.
والفسخ وفقاً للقواعد العامة قد يكون اتفاقياً بموجب شرط في العقد وقد يكون قضائياً بحكم من القضاء، وقد يكون الفسيخ بحكم القانون، ويسمى في هذه الحالة الأخيرة انفساخاً، وهو يتحقق إذا استحال تنفيذ الالتزام بقوة قاهرة.
ولما كان التزام المشتري بدفع الثمن محله مبلغ من النقود، فلا يتصور أن يصبح تنفيذه مستحيلاً، ولذلك ووفقاً للقواعد العامة، لا يمكن انفساخ البيع بسبب عدم وفاء المشتري بالثمن.
(راجع شرح المواد من 157-161 مدنی).
حبس المبيع :
يكون للبائع الحق في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن إذا كان وقت دفع الثمن متقدماً أو معاصراً لوقت تسليم المبيع.
ويتحقق ذلك في حالتين :
(الأولى): إذا كان الثمن مستحق الدفع ولم يكن البائع قد سلم المبيع للمشتري، مثل ذلك أن يكون البيع مطلقاً من حيث وقت دفع الثمن فيكون الثمن مستحق الدفع بمجرد تمام البيع، ويكون مطلقاً من حيث وقت تسليم المبيع فيكون المبيع واجب التسليم أيضاً بمجرد تمام البيع، فيعاصر وقت دفع الثمن وقت تسليم المبيع.
ومثل ذلك أيضاً أن يحدد وقتاً لتسليم المبيع دون أن يحدد وقتاً لدفع الثمن، فيكون وقت دفع الثمن هو وقت التسليم كما قدمنا، فيتعاصر الوقتان، ومثل ذلك أخيراً أن يحدد وقت لدفع الثمن متقدم عن الوقت الذي يحدد لتسليم المبيع، فيسبق وقت دفع الثمن وقت تسليم المبيع، فإذا تأخر المشتري في دفع الثمن حتى حان وقت تسليم المبيع كان للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن.
(والثانية): إذا كان الثمن مؤجلاً إلى وقت متأخر عن وقت تسليم المبيع فحان وقت تسليم المبيع قبل حلول أجل دفع الثمن، ولكن الأجل المحدد لدفع الثمن سقط بسبب من أسباب سقوط الأجل، فحل دفع الثمن في الوقت الذي يجب فيه تسليم المبيع أو قبله، وتعاصر الوقتان أو سبق الوقت الذي استحق فيه الثمن، فيجوز للمشتري في هذه الحالة أيضاً أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن .
في جميع الحالات التي يجوز فيها البائع حبس المبيع لا يسقط حقه فی الحبس ولو قدم المشتري للبائع رهناً أو كفالة، والسبب في ذلك أن البائع يطلب حقاً واجب الأداء في الحال، ويعتبر هذا الحكم استثناء من القاعدة العامة التي تجيز سقوط الحق في الحبس إذا قدم المدين للدائن الحابس تأميناً كافياً للوفاء بالتزامه (م 246/ 1 مدني).
الاحتجاج بحق الحبس في مواجهة الكافة :
حق البائع في الحبس يحتج به في مواجهة الكافة، أي في مواجهة المشتري ودائنيه العاديين والغير الذين ترتبت لهم حقوق عينية على المبيع، كما لو باع المشتري المبيع لشخص آخر أو رهنه له.
وإذا حول البائع حقه في الثمن انتقل الحق في الحبس إلى المحال له أخذا بحكم القاعدة العامة الواردة في المادة 307 التي تنص على أن: "تشمل حوالة الحق ضماناته، كالكفالة والامتياز والرهن... الخ. وإذا حول المشتري الدين بالثمن إلى مدين آخر، وقبل البائع الحوالة، فلا يسقط حقه في الحبس عملاً بحكم الفقرة الأولى من المادة 318 التي تنص على أن: "تبقى للدين المحال به ضماناته .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الخامس الصفحة/ 499)
يجوز للبائع الذي لم يقبض الثمن أن يمتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري إذا لم يكن قد سلمه إياه، فيستعمل حقه في حبس المبيع إلى أن يستوفي ما استحق له من الثمن سواء كان المستحق كل الثمن أو بعضه (راجع ما تقدم في نبدة 193). فإذا لم يستعمل البائع حقه في حق المبيع، ولم يطلب فسخ البيع، بل آثر أن ينفذ بالثمن على أموال المشتري، کان له بنص القانون حق امتياز على المال المبيع منه يخوله أن يتقدم غيره من الاثنين في استيفاء الثمن الملحق له من حال نزع ملكية البيع المذكور، هو امتياز البائع المنصوص عليه في المادتين 1145 و 1147 مدني .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع الصفحة/ 629 )
فللبائع وسائل ثلاث الضمان حقه، هي حبس المبيع والمطالبة بالتنفيذ والمطالبة بالفسخ، أما الحق في حبس المبيع فإذا كان الثمن كله أو بعضه مستحق الدفع ولم يدفع جاز للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي ما هو مستحق له ولا يسقط حقه في الحبس أن يقدم له المشتري رهناً أو كفالة لأن البائع يطلب حقاً واجب الوفاء في الحال أما أذا منح البائع للمشتري أجلاً جديداً للدفع ولم يحتفظ سقط حقه في الحبس، وقد يكون الثمن مؤجلاً ولكن يسقط إذا كان المشتري معسراً أو كان قد أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطى للدائن من تأمين خاص حتى لو كان هذا التأمين قد أعطى بعقد لاحق أو بمقتضى القانون (ما لم يؤثر الدائن أن يطالب بتكملة التأمين) أما إذا كان أضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة المدين فيه فإن الأجل يسقط ما لم يقوم المدين هذا السقوط بأن يقدم للدائن مل يكمل التأمين أو كان المشتري لم يقدم ما وعد في البيع بتقديمه من التأمينات، ففي هذه الأحوال جميعها سقط الأجل ويحل الثمن فإذا لم يدفعه المشتري كان للبائع حبس المبيع فإذا استعمل البائع حقه في الحبس أجريت الأحكام العامة المتعلقة بهذا الحق، ومنها أنه لا يجوز للمشتري أن يستولي على المبيع دون إذن البائع فإن أذن له في ذلك وسلم المبيع طوعاً، سقط حقه في الحبس وليس له أن يسترد المبيع إلا من طريق فسخ البيع وإن لم يأذن واستولى المشتري على المبيع رغماً من ذلك جاز للبائع أن يسترد المبيع في خلال ثلاثين يوماً من الوقت الذي علم فيه بخروجه من حيازته وهو على كل حال لا يتحمل تبعة هلاكه إذا هلك في يد المشتري أما ثمرات المبيع وقت الحبس فهي للمشترى من وقت استحقاق الثمن وعليه فوائد الثمن طبقاً لما سبق ذكره من أحكام، والبائع غير الحق في الحبس أن يطالب المشتري بالثمن المستحق وله أن ينفذ على المبيع وغيره من أموال المدين بالثمن بل له امتیاز على المبيع يتقدم به على سائر الدائنين - والبائع أخيراً أن يطلب فسخ البيع وفقاً للقواعد العامة.(التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2015، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الثاني الصفحة/ 203)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 34
هَلاَكُ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ:
59 - مِنْ آثَارِ وُجُوبِ الْبَيْعِ: أَنَّ الْبَائِعَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الْحَقُّ إِلاَّ بِالأْدَاءِ، وَيَظَلُّ الْبَائِعُ مَسْئُولاً فِي حَالَةِ هَلاَكِ الْمَبِيعِ، وَتَكُونُ تَبِعَةُ الْهَلاَكِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْهَلاَكُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ.
وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزَمًا فِي الذِّمَّةِ، لأِنَّ عَيْنَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَقْصُودَةٌ فِي الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ.
أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْبَائِعَ أَخْذُ بَدَلِهِ .
وَالْهَلاَكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا:
فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَهْلِكُ عَلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ، لِحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، وَذَلِكَ لاِسْتِحَالَةِ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ . وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ تَلِفَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ: يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَالْقَوْلُ الآْخَرُ: يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ، وَبَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ.
وَفَائِدَةُ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ هُنَا أَنَّهُ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْفَسِخْ لاَلْتَزَمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَالْتَزَمَ الْبَائِعُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
وَاعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ الْهَلاَكَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ كَالْهَلاَكِ بِفِعْلِ الأْجْنَبِيِّ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَسْتَقِرُّ، وَيَلْتَزِمُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَيُعْتَبَرُ إِتْلاَفُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ بِمَنْزِلَةِ قَبْضٍ لَهُ، وَهَذَا بِالاِتِّفَاقِ .
وَإِذَا كَانَ الْهَلاَكُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ (وَمِثْلُهُ هَلاَكُهُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ، فَإِمَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، وَيَسْقُطَ عَنْهُ الثَّمَنُ حِينَئِذٍ، (وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ عَلَى مِنْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ) وَإِمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْبَيْعِ، وَيَرْجِعَ عَلَى الأْجْنَبِيِّ، وَعَلَيْهِ أَدَاءُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، وَرُجُوعُهُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ الْهَالِكُ مِثْلِيًّا، وَبِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ: انْفِسَاخُ الْبَيْعِ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ.
وَإِذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ أَيْضًا تَبَعًا لِمَنْ صَدَرَ مِنْهُ الإْتْلاَفُ.
فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَتَرَتَّبَ عَلَى الْهَلاَكِ نُقْصَانُ الْمِقْدَارِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنَ الثَّمَنِ بِحَسَبِ الْقَدْرِ التَّالِفِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَخْذِ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَوْ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ (يُنْظَرُ خِيَارُ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ) هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ مَا نَشَأَ عَنِ الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ لَيْسَ نَقْصًا فِي الْمِقْدَارِ، بَلْ فِي الْوَصْفِ - وَهُوَ مَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا بِلاَ ذِكْرٍ - لَمْ يَسْقُطْ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ، بَلْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إِمْضَائِهِ؛ لأِنَّ الأَْوْصَافَ لاَ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ إِلاَّ بِالْعُدْوَانِ، أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، وَتَخْصِيصُ جُزْءٍ لِلْوَصْفِ أَوِ التَّابِعِ .
- وَإِذَا هَلَكَ الْبَعْضُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ سَقَطَ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الثَّمَنِ مُطْلَقًا، مَعَ تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الأْخْذِ وَالْفَسْخِ، لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
وَإِذَا هَلَكَ الْبَعْضُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ التَّمَسُّكِ بِالْعَقْدِ وَالرُّجُوعُ عَلَى الأْجْنَبِيِّ بِضَمَانِ الْجُزْءِ التَّالِفِ .
أَمَّا إِنْ هَلَكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ عَلَى ضَمَانِهِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ قَبْضًا .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدِ اعْتَبَرُوا هَلاَكَ الْمَبِيعِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِ الأْجْنَبِيِّ يُوجِبُ عِوَضَ الْمُتْلَفِ عَلَى الْبَائِعِ أَوِ الأْجْنَبِيِّ، وَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَكَانَ الْهَلاَكُ كُلِّيًّا أَمْ جُزْئِيًّا.
أَمَّا هَلاَكُهُ أَوْ تَعَيُّبُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، كُلَّمَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا لاَزِمًا؛ لأِنَّ الضَّمَانَ يَنْتَقِلُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ . وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ سِتَّ صُوَرٍ هِيَ:
أ - مَا لَوْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ لِمُشْتَرِيهِ، وَهُوَ الْمِثْلِيُّ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ حَتَّى يُفْرَغَ فِي أَوَانِي الْمُشْتَرِي، فَإِذَا هَلَكَ بِيَدِ الْبَائِعِ عِنْدَ تَفْرِيغِهِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ.
ب - السِّلْعَةُ الْمَحْبُوسَةُ عِنْدَ بَائِعِهَا لأِجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ.
ج - الْمَبِيعُ الْغَائِبُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، فَلاَ يَدْخُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إِلاَّ بِالْقَبْضِ.
د - الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا.
هـ - الثِّمَارُ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، فَلاَ تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إِلاَّ بَعْدَ أَمْنِ الْجَائِحَةِ.
و - الرَّقِيقُ حَتَّى تَنْتَهِيَ عُهْدَةُ الثَّلاَثَةِ الأْيَّامِ عَقِبَ الْبَيْعِ .
لَكِنَّهُمْ فَصَّلُوا فِي الْهَلاَكِ الْجُزْئِيِّ، فِيمَا إِذَا كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ، أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مُتَّحِدًا، فَحِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَائِتُ هُوَ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ، وَتَعَدَّدَ الْمَبِيعُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُعَيَّنًا وَالآْخَرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ:
64 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: إِلَى أَنَّهُ يُطَالَبُ الْمُشْتَرِي بِالتَّسْلِيمِ أَوَّلاً، قَالَ الصَّاوِيُّ: لأِنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ بَائِعِهِ كَالرَّهْنِ عَلَى الثَّمَنِ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ، فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ، تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلاً؛ لأِنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مِنْ تَتِمَّاتِ الْبَيْعِ، وَاسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ الْبَيْعِ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ .
أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِخْلاَلِ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَالِّ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ إِذَا حَلَّ أَجَلُهُ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ: إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَالِّ، كَمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا، أَوْ كَانَ الثَّمَنُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ، لأِنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّقَاضِي لِلْحُصُولِ عَلَى حَقِّهِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَائِنٌ، كَغَيْرِهِ مِنَ الدَّائِنِينَ. وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ خِيَارَ النَّقْدِ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلاً: إِنْ لَمْ تَدْفَعِ الثَّمَنَ فِي مَوْعِدِ كَذَا فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. وَاخْتُلِفَ فِي مُقْتَضَى هَذَا الشَّرْطِ، هَلْ هُوَ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ، أَوِ اسْتِحْقَاقُهُ الْفَسْخَ بِاعْتِبَارِهِ فَاسِدًا؟ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ يَفْسُدُ وَلاَ يَنْفَسِخُ وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ النَّقْدِ)
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ - فِي حَالِ إِخْلاَلِ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَالِّ، لاَ لِلْفَلْسِ، بَلْ لِغِيَابِ مَالِهِ غَيْبَةً قَرِيبَةً فِي بَلَدِهِ، أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ - خُلاَصَتُهُ: الْحَجْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ. أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ لاَ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إِلَى إِحْضَارِهِ، بَلْ يُحْجَرُ عَلَى الْمَبِيعِ وَمَالِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَبَقَ. وَيَمْلِكُ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فِي الأْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَهَذَا فَضْلاً عَنْ حَقِّهِ فِي حَبْسِ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهٌ بِأَنَّهُ: لاَ خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ. وَالْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، بَلْ يُبَاعُ الْمَبِيعُ، وَيُؤَدَّى حَقُّهُ مِنَ الثَّمَنِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
اشْتِرَاطُ التَّرَادِّ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الأْدَاءِ:
65 - مِمَّا يَتَّصِلُ بِمَا سَبَقَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ - مِنْ إِثْبَاتِ حَقِّ الْفَسْخِ إِذَا اشْتَرَطَهُ لِعَدَمِ الأْدَاءِ فِي الْمَوْعِدِ الْمُحَدَّدِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى (خِيَارَ النَّقْدِ) - تَصْرِيحُ الْمَالِكِيَّةِ بِمِثْلِهِ فِيمَا إِذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ لِوَقْتِ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِالثَّمَنِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا، فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ وَبُطْلاَنُ الشَّرْطِ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلاَنِ آخَرَانِ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ. وَفَسْخُ الْبَيْعِ . وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ النَّقْدِ).
هَذَا وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَإِنَّ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلاَ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنَجَّمًا. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ فِي الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ، وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ .
أَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُعَجَّلاً وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً، فَإِنَّ لِلْبَعْضِ الْمُعَجَّلِ حُكْمَ تَعْجِيلِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، فَلاَ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، إِلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْمُعَجَّلِ مِنَ الثَّمَنِ.
وَلاَ بُدَّ فِي جَمِيعِ الأْحْوَالِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الأْجَلُ مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ مَهْمَا طَالَ وَلَوْ إِلَى عِشْرِينَ سَنَةً. وَتَفْصِيلُهُ فِي (أَجَل).
وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ أَهْلِ السُّوقِ عَلَى التَّقَاضِي، وَقَدْ عَرَفُوا قَدْرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ. وَالتَّقَاضِي: تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ إِلَى مَدًى مُتَعَارَفٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
وَمِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ، إِلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ حَقَّهُ فِي الْعَيْبِ فَسْخًا أَوْ طَلَبًا لِلأْرْشِ أَوْ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُ الاِسْتِحْقَاقِ.
وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ الْحَالِّ، أَوِ الْمُؤَجَّلِ بِأَجَلٍ قَرِيبٍ إِلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَأَخْذُ مُسَاوِي الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ لأِنَّهُ تَسْلِيفٌ أَوْ تَسْلِيفٌ مَعَ إِسْقَاطِ الْبَعْضِ وَهُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ. تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ .
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ رَأْسِ الْمَالِ فِي حُدُودِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِشَرْطٍ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 116
تَقَابُضٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّقَابُضُ: صِيغَةٌ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْقَبْضِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ وَتَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ، وَيُقَالُ: قَبَضَ عَلَيْهِ بِيَدِهِ: ضَمَّ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ، وَقَبَضَ عَنْهُ يَدَهُ: امْتَنَعَ عَنْ إِمْسَاكِهِ .
وَيُسْتَعْمَلُ الْقَبْضُ لِتَحْصِيلِ الشَّيْءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَخْذٌ بِالْكَفِّ، نَحْوُ قَبَضْتُ الدَّارَ وَالأْرْضَ مِنْ فُلاَنٍ أَيْ: حُزْتُهُمَا. قَالَ تَعَالَى : (وَالأْرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ فِي حَوْزِهِ، حَيْثُ لاَ تُمْلَكُ لأِحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسْتَعْمَلُ الْقَبْضُ ضِدَّ الْبَسْطِ أَيْضًا.
وَالْقَبْضُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَالتَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ .
وَقَدْ غَلَبَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، التَّعْبِيرُ عَنِ الْقَبْضِ، بِالْحَوْزِ وَالْحِيَازَةِ.
فَالتَّقَابُضُ أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعِوَضَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّعَاطِي:
2 - التَّعَاطِي صِيغَةٌ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بِمَعْنَى حُصُولِ الإْعْطَاءِ مِنْ طَرَفَيْنِ .
وَمِنْهُ التَّعَاطِي فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ إِعْطَاءُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِعْطَاءُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ دُونَ تَلَفُّظٍ بِإِيجَابٍ أَوْ قَبُولٍ .
ب - التَّخْلِيَةُ:
3 - التَّخْلِيَةُ: مَصْدَرُ خَلَّى، وَمِنْ مَعَانِيهَا: التَّرْكُ، يُقَالُ: خَلَّيْتُ الشَّيْءَ وَتَخَلَّيْتُ عَنْهُ، وَمِنْهُ إِذَا تَرَكْتُهُ .
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: تَمْكِينُ الشَّخْصِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ دُونَ حَائِلٍ وَإِذَا مَكَّنَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ حَصَلَتِ التَّخْلِيَةُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْلِيَةِ وَالْقَبْضِ: أَنَّ الأْوَّلَ مِنْ طَرَفِ الْمُعْطِي، وَالثَّانِي مِنْ طَرَفِ الْقَابِضِ .
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
4 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنَ الْمَجْلِسِ فِي الصَّرْفِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه سلم : « الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ مُقَابَضَةً.
وَإِذَا بِيعَ الْمَالُ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ اشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إِلاَّ إِنِ اتَّحَدَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْعِوَضَيْنِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إِلاَّ فِي الصَّرْفِ، أَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ فَيَمْتَنِعُ النَّسَاءُ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ. بَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالتَّعْيِينِ، لأِنَّ الْبَدَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ يَتَعَيَّنُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ، بِخِلاَفِ الْبَدَلِ فِي الصَّرْفِ، لأِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَعْيِينِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ بِدُونِ الْقَبْضِ، إِذِ الأْثْمَانُ لاَ تَتَعَيَّنُ مَمْلُوكَةً إِلاَّ بِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَبْدِيلُهَا.
5 - وَالتَّقَابُضُ الْمُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ. هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ بِالأْبْدَانِ.
وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ أَيْضًا مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الأْثْمَانِ، الثَّمَنَ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ لاِشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ.
وَإِنَّمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِي الأْثْمَانِ عَدَا الصَّرْفَ لأِنَّ هَا دُيُونٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (مِثْلُ الْمَهْرِ، وَالأْجْرَةِ، وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا) لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «كُنْتُ أَبِيعُ الإْبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه سلم وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ، إِنِّي أَبِيعُ الإْبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه سلم: (لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ).
وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي الأْثْمَانِ، وَاسْتَثْنَوُا الصَّرْفَ وَالسَّلَمَ، وَقَالُوا: لاَ يَجُوزُ فِيهِمَا التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ
أَمَّا الصَّرْفُ فَلأَنْ كُلًّا مِنْ بَدَلَيِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، فَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَبِيعًا لاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ ثَمَنًا أَيْضًا لاَ يَصِحُّ لاِشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه: وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ .
وَأَمَّا السَّلَمُ: فَالْمُسْلَمُ فِيهِ لاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، لأِنَّهُ مَبِيعٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ (الثَّمَنُ) أُلْحِقَ بِالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فِي حُرْمَةِ الاِسْتِبْدَالِ شَرْعًا .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ (فِي الصَّرْفِ، وَالرِّبَا، وَالسَّلَمِ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 44
تسْليمُ الثّمن:
33 - ذهب الْحنفيّةُ إلى أنّ منْ باع سلْعةً بسلْعةٍ أوْ ثمنًا بثمنٍ أيْ نقْدًا بنقْدٍ سُلّما معًا، لاسْتوائهما في التّعْيين في الأْوّل، وعدم التّعْيين في الثّاني؛ ولأنّ الْمُساواة في عقْد الْمُعاوضة مطْلُوبةٌ للْمُتعاقديْن عادةً، وتحْقيقُ الْمُساواة هاهُنا في التّسْليم معًا .
وبنحْو ذلك قال الْمالكيّةُ: فالْمعْقُودُ عليْه ثمنٌ ومُثمّنٌ، فالثّمنُ الدّنانيرُ والدّراهمُ وعدا ذلك مُثمّناتٌ، فإنْ وقع الْعقْدُ على دنانير بدنانير أوْ بدراهم، أوْ على دراهم بدنانير أوْ دراهم وتشاحّا في الإْقْباض لمْ يتعيّنْ على أحدهما وُجُوبُ التّسْليم قبْل الآْخر. وكذا إنْ وقع الْعقْدُ في شيْءٍ من الْمُثمّنات كعرضٍ بعرضٍ وتشاحّا في الإْقْباض. إلاّ أنّ الْعقْد يُفْسخُ بالتّراضي في الْقبْض في الصُّورة الأْولى (الصّرْفُ) ولا يُفْسخُ في الصُّورة الثّانية؛ لأنّ الْقبْض شرْطٌ في الصّرْف دُون الْمُقايضة.
وذهب الشّافعيّةُ إلى أنّ الثّمن إذا كان مُعيّنًا نقْدًا أوْ عرْضًا، يُجْبرُ الْبائعُ والْمُشْتري كلاهُما على التّسْليم في الأْظْهر؛ لاسْتواء الْجانبيْن، لأنّ الثّمن الْمُعيّن كالْمبيع في تعلُّق الْحقّ بالدّيْن، والتّسْليمُ واجبٌ عليْهما، فيُلْزمُ الْحاكمُ كُلًّا منْهُما إحْضار ما عليْه إليْه أوْ إلى عدْلٍ، ثُمّ يُسلّمُ كُلًّا ما وجب لهُ، والْخيرةُ في الْبداية إليْه.
ومُقابلُ الأْظْهر عدمُ إجْبارهما. أمّا إذا لمْ يكُن الثّمنُ عيْنًا بلْ في الذّمّة (الْبيْعُ الْمُطْلقُ) ففيه أرْبعةُ أقْوالٍ، الْمُقدّمُ منْها إجْبارُ الْبائع.
وبنحْو ذلك قال الْحنابلةُ: فإذا كان الثّمنُ عيْنًا أوْ عرْضًا، والْمبيعُ مثْلُهُ جُعل بيْن الْبائع والْمُشْتري عدْلٌ يقْبضُ منْهُما ويُسلّمُ إليْهما؛ لأنّهُ حقُّ الْبائع قدْ تعلّق بعيْن الثّمن، كما تعلّق حقُّ الْمُشْتري بعيْن الْمبيع فاسْتويا.
وعنْ أحْمد ما يدُلُّ على أنّ الْبائع يُجْبرُ على تسْليم الْمبيع أوّلاً .
34 - ومنْ باع سلْعةً حاضرةً بثمنٍ في الذّمّة، فقد اخْتلف الْفُقهاءُ فيمنْ يلْزمُهُ التّسْليمُ أوّلاً على اتّجاهاتٍ:
الأْوّلُ: يلْزمُ الْمُشْتري تسْليمُ الثّمن أوّلاً.
وهُو قوْلُ الْجُمْهُور (الْحنفيّةُ والْمالكيّةُ وأحدُ أقْوال الشّافعيّة) . فللْبائع حقُّ حبْس الْمبيع حتّى يقْبض الثّمن إذا كان الثّمنُ حالًّا، وليْس للْمُشْتري أنْ يمْتنع منْ تسْليم الثّمن إلى الْبائع حتّى يقْبض الْمبيع، ومثْلُهُ عنْد الْحنفيّة إذا كان الثّمنُ نقْدًا مُعيّنًا لأنّهُ لا يتعيّنُ بالتّعْيين.
35 - واسْتدلُّوا بقوْله صلى الله عليه وسلم: «الدّيْنُ مقْضيٌّ»
فقدْ وصف - عليه الصلاة والسلام الدّيْن بكوْنه مقْضيًّا عامًّا أوْ مُطْلقًا، فلوْ تأخّر تسْليمُ الثّمن عنْ تسْليم الْمبيع لمْ يكُنْ هذا الدّيْنُ مقْضيًّا، وهذا خلافُ النّصّ.
واسْتدلُّوا بالْمعْقُول بأنّ الْعقْد يقْتضي الْمُساواة في تعيُّن حقّ كُلّ واحدٍ منْهُما، وحقُّ الْمُشْتري قدْ تعيّن في الْمبيع، فيُسلّمُ هُو الثّمن أوّلاً، ليتعيّن حقُّ الْبائع فيه، كما تعيّن حقُّهُ في الْمبيع، إذْ الثّمنُ لا يتعيّنُ في هذه الصُّورة إلاّ بالْقبْض.
وصُورةُ هذا: أنْ يُقال للْبائع أحْضر الْمبيع ليُعْلم أنّهُ قائمٌ، فإذا حضر قيل للْمُشْتري: سلّم الثّمن أوّلاً.
36 - وبناءً على هذا الْقوْل ذهب الْحنفيّةُ إلى أنّهُ: لوْ باع بشرْط أنْ يدْفع الْمبيع قبْل نقْد الثّمن فسد الْبيْعُ، لأنّهُ لا يقْتضيه الْعقْدُ. وقال مُحمّدٌ: لا يصحُّ لجهالة الأْجل، حتّى لوْ سمّى الْوقْت الّذي يُسلّمُ فيه الْمبيع جاز. وإنْ كان الْمبيعُ غائبًا فللْمُشْتري أنْ يمْتنع منْ تسْليم الثّمن حتّى يُحْضر الْبائعُ الْمبيع؛ لأنّ تقْديم تسْليم الثّمن لتحقُّق الْمُساواة، وإذا كان الْمبيعُ غائبًا لا تتحقّقُ الْمُساواةُ بالتّقْديم، بلْ يتقدّمُ حقُّ الْبائع ويتأخّرُ حقُّ الْمُشْتري، حيْثُ يكُونُ الثّمنُ بالْقبْض عيْنًا مُشارًا إليْها والْمبيعُ ليْس كذلك؛ ولأنّ من الْجائز أنْ يكُون الْمبيعُ قدْ هلك وسقط الثّمنُ عن الْمُشْتري، فلا يُؤْمرُ بالتّسْليم إلاّ بعْد تسْليم الْمبيع، سواءٌ أكان الْمبيعُ في ذلك الْمصْر أمْ في موْضعٍ آخر بحيْثُ تلْحقُهُ الْمُؤْنةُ بالإْحْضار، والْمُشْتري إذا لقي الْبائع في غيْر مصْرهما، وطلب منْهُ تسْليم الْمبيع، ولمْ يقْدرْ عليْه، يأْخُذُ الْمُشْتري منْهُ كفيلاً أوْ يبْعثُ وكيلاً ينْقُدُ الثّمن لهُ ثُمّ يتسلّمُ الْمبيع.
لذلك فإنّ للْبائع حقّ حبْس الْمبيع حتّى يسْتوْفي الثّمن كُلّهُ، ولوْ بقي منْهُ درْهمٌ، إلاّ أنْ يكُون مُؤجّلاً؛ لأنّ حقّ الْحبْس لا يتجزّأُ، فكان كُلُّ الْمبيع محْبُوسًا بكُلّ جُزْءٍ منْ أجْزاء الثّمن.
فإذا كان الثّمنُ مُؤجّلاً، فليْس للْبائع حقُّ حبْس الْمبيع؛ لأنّهُ بالتّأْجيل أسْقط حقّهُ في الْحبْس.
ولوْ كان بعْضُهُ حالًّا وبعْضُهُ مُؤجّلاً، فلهُ حبْسُ الْمبيع إلى اسْتيفاء الْحالّ .
ولوْ أبْرأ الْمُشْتري منْ بعْض الثّمن كان لهُ حقُّ الْحبْس حتّى يسْتوْفي الْباقي، لأنّ الإْبْراء كالاسْتيفاء.
ولا يسْقُطُ حقُّ حبْس الْبائع للْمبيع، ولوْ أخذ بالثّمن كفيلاً أوْ رهن الْمُشْتري به رهْنًا؛ لأنّ هذا وثيقةٌ بالثّمن فلا يسْقُطُ حقُّهُ عنْ حبْس الْمبيع لاسْتيفاء الثّمن .
37 - الاتّجاهُ الثّاني: يلْزمُ الْبائع تسلُّمُ الْمبيع أوّلاً.
وهُو الْمذْهبُ عنْد الْحنابلة وأحدُ أقْوال الشّافعيّة، لأنّ حقّ الْمُشْتري في الْعيْن وحقّ الْبائع في الذّمّة، فيُقدّمُ ما يتعلّقُ بالْعيْن، وهذا كأرْش الْجناية مع غيْره من الدُّيُون.
ولأنّ ملْك الْبائع للثّمن مُسْتقرٌّ، لأمْنه منْ هلاكه ونُفُوذ تصرُّفه فيه بالْحوالة والاعْتياض، وملْكُ الْمُشْتري للْمبيع غيْرُ مُسْتقرٍّ، فعلى الْبائع تسْليمُهُ ليسْتقرّ .
38 - الاتّجاهُ الثّالثُ: أنْ يُسلّم الْبائعُ والْمُشْتري معًا.
وهُو أحدُ أقْوال الشّافعيّة.
فالْبائعُ والْمُشْتري إذا ترافعا إلى حاكمٍ يُجْبران؛ لأنّ التّسْليم واجبٌ عليْهما، فيُلْزمُ الْحاكمُ كُلًّا منْهُما بإحْضار ما عليْه إليْه، أوْ إلى عدْلٍ، فإنْ فعل سلّم الثّمن للْبائع والْمبيع للْمُشْتري، يبْدأُ بأيّهما شاء .
39 - الاتّجاهُ الرّابعُ: إذا اخْتلف الْبائعُ والْمُشْتري، وترافعا إلى حاكمٍ، فلا إجْبار أوّلاً، وعلى هذا يمْنعُهُما الْحاكمُ من التّخاصُم، فمنْ سلّم أُجْبر صاحبُهُ على التّسْليم، وهُو أحدُ أقْوال الشّافعيّة.
وذلك: لأنّ كُلًّا منْهُما ثبت في حقّه إيفاءٌ واسْتيفاءٌ ولا سبيل إلى تكْليف الإْيفاء .
وتردُ هذه الأْقْوالُ الأْرْبعةُ عنْد الشّافعيّة فيما إذا كان الثّمنُ حالًّا في الذّمّة بعْد لُزُوم الْعقْد.
40 - وقيّد الشّافعيّةُ الْحبْس بخوْف الْفوْت، فقالُوا: للْبائع حبْسُ مبيعه حتّى يقْبض ثمنهُ الْحالّ كُلّهُ إنْ خاف فوْتهُ بلا خلافٍ، وكذا للْمُشْتري حبْسُ الثّمن الْمذْكُور إنْ خاف فوْت الْمبيع بلا خلافٍ، لما في التّسْليم حينئذٍ من الضّرر الظّاهر.
وإنّما الأْقْوالُ السّابقةُ فيما إذا لمْ يخف الْبائعُ فوْت الثّمن، وكذا الْمُشْتري إذا لمْ يخفْ فوْت الْمبيع، وتنازعا في مُجرّد الابْتداء بالتّسْليم؛ لأنّ الإْجْبار عنْد خوْف الْفوات بالْهرب، أوْ تمْليك الْمال لغيْره أوْ نحْو ذلك فيه ضررٌ ظاهرٌ.
أمّا الثّمنُ الْمُؤجّلُ فليْس للْبائع حبْسُ الْمبيع به، لرضاهُ بتأْخيره.
واسْتثْنى الشّافعيّةُ أيْضًا ما إذا كان الْبائعُ وكيلاً، أوْ وليًّا، أوْ ناظر وقْفٍ، أوْ الْحاكم في بيْع مال الْمُفْلس، فإنّهُ لا يُجْبرُ على التّسْليم بلْ لا يجُوزُ لهُ حتّى يقْبض الثّمن. فلا يأْتي إلاّ إجْبارُهُما أوْ إجْبارُ الْمُشْتري، ولوْ تبايع وليّان أوْ وكيلان لمْ يأْت سوى إجْبارهما.
الْحوالةُ بالثّمن هلْ تُبْطلُ حقّ حبْس الْمبيع:
41 - قال أبُو يُوسُف: تُبْطلُهُ سواءٌ أكانت الْحوالةُ من الْمُشْتري، بأنْ أحال الْمُشْتري الْبائع بالثّمن على إنْسانٍ وقبل الْمُحالُ عليْه الْحوالة، أمْ كانتْ من الْبائع، بأنْ أحال الْبائعُ غريمًا لهُ على الْمُشْتري.
وقال مُحمّدٌ: إنْ كانت الْحوالةُ من الْمُشْتري لا تُبْطلُ حقّ الْحبْس، وللْبائع أنْ يحْبس الْمبيع حتّى يسْتوْفي الثّمن من الْمُحال عليْه.
وإنْ كانتْ من الْبائع: فإنْ كانتْ مُطْلقةً لا تُبْطلُهُ أيْضًا، وإنْ كانتْ مُقيّدةً بما عليْه تُبْطلُهُ.
فأبُو يُوسُف أراد بقاء الْحبْس على بقاء الدّيْن في ذمّة الْمُشْتري، وذمّتُهُ برئتْ منْ ديْن الْمُحيل بالْحوالة، فيبْطُلُ حقُّ الْحبْس.
ومُحمّدٌ اعْتبر بقاء حقّ الْمُطالبة لبقاء حقّ الْحبْس، وحقُّ الْمُطالبة لمْ يبْطُلْ بحوالة الْمُشْتري، ألا ترى أنّ لهُ أنْ يُطالب الْمُحال عليْه فلمْ يبْطُلْ حقُّ الْحبْس، وبطلتْ حوالةُ الْبائع إذا كانتْ مُقيّدةً بما على الْمُحال عليْه فبطل حقُّ الْحبْس.
قال الْكاسانيُّ: والصّحيحُ قوْلُ مُحمّدٍ، لأنّ حقّ الْحبْس في الشّرْع يدُورُ مع حقّ الْمُطالبة بالثّمن، لا مع قيام الثّمن في ذاته بدليل: أنّ الثّمن إذا كان مُؤجّلاً لا يثْبُتُ حقُّ الْحبْس والثّمنُ في ذمّة الْمُشْتري قائمٌ، وإنّما سقطت الْمُطالبةُ، فدلّ ذلك على أنّ حقّ الْحبْس يتْبعُ حقّ الْمُطالبة بالثّمن لا قيام الثّمن في ذاته، وحقُّ الْمُطالبة في حوالة الْمُشْتري، وحوالةُ الْبائع إذا كانتْ مُطْلقةً فكان حقُّ الْحبْس ثابتًا، وفي حوالة الْبائع إذا كانتْ مُقيّدةً ينْقطعُ فلمْ ينْقطعْ حقُّ الْحبْس .
___________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (278) حبس المبيع
في البيع بالثمن الحالي أعني غير المؤجل للبائع أن يحبس المبيع إلى أن يؤدي المشتري جميع الثمن.
مادة (279) حبس المبيع لتأدية جميع الثمن
إذا باع أشياء متعددة صفقة واحدة له أن يحبس جميع المبيع حتى يقبض الثمن جميعه سواء بين لكل منها ثمن على حدته أو لم يبين.
مادة (280) إعطاء رهن أو كفيل بالثمن
إعطاء المشتري رهناً أو كفيلاً بالثمن لا يسقط حق الحبس.
مادة (281) تسليم المبيع قبل قبض الثمن
إذا سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن فقد أسقط حق حبسه وفي هذه الصورة ليس للبائع أن يسترد المبيع من يد المشتري ويحبسه إلى أن يستوفي الثمن.
مادة (282) إحالة البائع بثمن المبيع
إذا حال البائع إنسانا بثمن المبيع وقبل المشتري الحوالة فقط أسقط حق حبسه وفي هذه الصورة يلزم البائع أن يبادر بتسليم المبيع للمشتري.
مادة (283) بيع النسيئة
في بيع النسيئة ليس للبائع حق حبس المبيع بل عليه أن يسلم المبيع للمشتري على أن يقبض الثمن وقت حلول الأجل.
مادة (284) البيع المعجل
إذا باع حالاً أي معجلاً ثم أجل البائع الثمن سقط حق حبسه للمبيع وعليه حينئذ أن يسلم المبيع للمشتري على أن يقبض الثمن وقت حلول الأجل.
"الفصل الثالث" في حق مكان التسليم مادة (285) مطلق العقد
مطلق العقد يقتضي تسليم المبيع في المحل الذي هو موجود فيه حينئذ. مثلاً لو باع رجل وهو في إسلامبول حنطة التي في تكفور طاغي يلزم تسليم الحنطة المرقومة في تكفور طاغي وليس عليه أن يسلمها في إسلامبول.
مادة (286) خيار المشتري الذي لا يعلم محل المبيع وقت العقد
إذا كان المشتري لا يعلم أن المبيع في أي محل وقت العقد وعلم به بعد ذلك كان مخيراً إن شاء فسخ البيع وإن شاء أمضاه وقبض المبيع حيث كان موجوداً.
مادة (287) بيع مال على أن يسلم في محل معلوم
إذا بيع مال على أن يسلم في محل كذا لزم تسليمه في المحل المذكور.
"الفصل الرابع" في مؤونة التسليم ولوازم إتمامه مادة (288) مصاريف الثمن
المصاريف المتعلقة بالثمن تلزم المشتري. مثلاً أجرة عدّ النقود ووزنها وما أشبه ذلك تلزم المشتري وحده.
مادة (289) مصاريف تسليم المبيع
المصاريف المتعلقة بتسليم المبيع تلزم على البائع وحده مثلاً أجرة الكيال للمكيلات والوازن للموزونات المبيعة تلزم البائع وحده.
مادة (290) مصاريف الأشياء المبيعة جزافا
الأشياء المبيعة جزافاً مؤنتها ومصاريفها على المشتري. مثلاً لو بيعت ثمرة كرم جزافاً كانت أجرة قطع تلك الثمرة وجزها على المشتري وكذا لو بيع أنبار حنطة مجازفة فأجرة إخراج الحنطة من الأنبار ونقلها على المشتري.
مادة (291) أجرة نقل ما يباع محمولا على الحيوان
ما يباع محمولاً على الحيوان كالحطب والفحم تكون أجرة نقله وإيصاله إلى بيت المشتري جارية على حسب عرف البلدة وعادتها.
مادة (292) أجرة كتابة السندات
أجرة كتابة السندات والحجج وصكوك المبايعات تلزم المشتري لكن يلزم البائع تقرير البيع والاشهاد عليه في المحكمة.
"الفصل الخامس" في بيان المواد المترتبة على هلاك المبيع مادة (293) هلاك المبيع في يد البائع
المبيع إذا هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري يكون من مال البائع ولا شيء على المشتري.
مادة (294) هلاك المبيع بعد القبض
إذا هلك المبيع بعد القبض هلك من مال المشتري ولا شيء على البائع.
مادة (295) قبض المشتري المبيع ثم مات مفلسا
إذا قبض المشتري المبيع ثم مات مفلساً قبل أداء الثمن فليس للبائع استرداد المبيع بل يكون مثل الغرماء.
مادة (296) موت المشتري مفلسا قبل قبض المبيع وأداء الثمن
إذا مات المشتري مفلساً قبل قبض المبيع وأداء الثمن كان للبائع حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن من تركة المشتري وفي هذه الصورة يبيع الحاكم المبيع فيوفي حق البائع بتمامه وإن بيع بأنقص من الثمن الأصلي أخذ البائع الثمن الذي بيع به ويكون في الباقي كالغرماء وإن بيع بأزيد أخذ البائع الثمن الأصلي فقط وما زاد يعطي إلى الغرماء.
مادة (297) قبض البائع الثمن ومات مفلسا قبل تسليم المبيع
إذا قبض البائع الثمن ومات مفلساً قبل تسليم المبيع إلى المشتري كان المبيع أمانة في يد البائع وفي هذه الصورة يأخذ المشتري ولا يزاحمه سائر الغرماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 333)
يترتب على عقد البيع الصحيح اللازم أمور
الأول: إلزام المشتري بدفع الثمن إن كان المبيع حاضراً والثمن من النقود وتأديته حالاً إن كان حالاً أو عند حلول الأجل إن كان مؤجلاً.
الثاني: إلزام البائع بعد قبضه الثمن الحال بتسليم المبيع للمشتري فلو كان الثمن مؤجلاً ولو بعد العقد ألزم البائع بتسليم المبيع قبل قبضه الثمن.
الثالث: ضمان البائع الثمن للمشتري أن استحق المبيع ببينة أو إقرار المتعاقدين أو هلك في يد البائع أو استهلك بغيره فعل المشتري أو بفعل أجنبي واختار المشتري فسخ البيع.
الرابع: ضمان المشتري ثمن المبيع إذا قبضه قبل دفع الثمن.
والبيع الصحيح هو البيع الجائز المشروع ذاتاً ووصفاً.
(مادة 348)
إذا قبض المشتري المبيع قبل أداء الثمن المستحق أداؤه بلا إذن بائعه فلا يكون قبضه معتبراً والبائع حق استرداده فإن هلك المبيع في يد المشتري ينقلب القبض معتبراً ويلزم المشتري بأداء ما في ذمته من الثمن.
(مادة 360)
للبائع حق حبس المبيع لاستيفاء جميع الثمن إن كان الثمن كله حالاً.
ولو كان المبيع شيئين أو جملة أشياء بصفقة واحدة وسمى لكل منها ثمناً فله حبسه إلى استيفاء كل الثمن.
(مادة 361)
لا يسقط حق البائع في حبس المبيع بإعطاء المشتري له رهناً أو كفيلاً ولا بإبرائه من بعض الثمن بل له حبسه إلى استيفائه بتمامه.
(مادة 362)
إذا أحال البائع أحداً على المشتري بكل الثمن إن لم يكن قبض منه شيئاً أو بما بقى له منه إن كان لم يقبضه كله وقبل المشتري الحوالة سقط حق البائع في حبس المبيع.
(مادة 363)
إذا أحال المشتري البائع بالثمن كله إن كان كله في ذمته أو بما بقى في ذمته إن كان أدى بعضه وقبل البائع الحوالة سقط حقه في حبس المبيع.
(مادة 364)
إذا كان الثمن مؤجلاً في عقد البيع أو رضي البائع بتأجيله بعد البيع فلا حق له في حبس المبيع بل يلزم بتسليمه إلى المشتري ولا يطالبه بالثمن قبل حلول الأجل.
(مادة 365)
إذا سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن فقد أسقط حق حبسه فليس له بعد ذلك أن يسترد المبيع.
(مادة 369)
إذا مات المشتري مفلساً بعد قبض المبيع وقبل نقد الثمن فالبائع أسوة الغرماء ولو وجد متاعه باقياً بعينه فلا يكون أحق به من غيره من أرباب الحقوق على المشتري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (86) :
(ا) للبائع فسخ العقد إذا أعسر المشتري ولو ببعض الثمن
(ب) إذا ماطل المشتري الموسر في دفع الثمن ، حجر عليه الحاكم وليس للبائع الفسخ.
(ج) للمشترى الفسخ إذا تعذر على البائع تسليم المبيع .
إيضاح
١- إذا أعسر المشتري ولو بعض الثمن فللبائع الفسخ في الحال، لأن في التأخير ضررا عليه ، وله الرجوع في عين ماله بعد الفسخ ، كما إذا باع لمفلس جاهل بالحجر عليه و معنى أن له الفسخ في الحال أنه لا يلزمه انتظار ثلاثة أيام لا أن المسخ يكون فورة . بل هو على التراخي كخيار العيب لأنه استدراك ظلامة .
(ب) إذا كان المشتري موسرة مماطلا فليس للبائع الفسخ ، لأن ضرره بزول بحجر الحاكم عليه ووفائه من ماله .
وفي رواية أن له الفسخ إذا كان المشتري مماطلا دفعا لضرر المحاصرة ، قال في الأنصاف وهو الصواب . خصوصا في زماننا هذا .
(ج) إذا عجز البائع عن تسليم المبيع فا للمشتري الفسخ.
كل موضع قلنا له الفسخ فانه ينفسخ بلا حكم حاكم ، وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم لأنه يحتاج لنظر واجتهاد ..
مادة (۸۷) : إذا كان المشتري معسر وهرب قبل دفع الثمن البائع الفسخ. فإن كان موسر قضى الحاكم من ماله إن وجد ، و إلا باع المبيع وقضى الثمن مع حفظ ما يتبقى منه . فإن لم تكف حصيلة المبيع كان المشتري مديناً بالباقي.
إيضاح
إذا هرب المشتري قبل دفع الثمن وهو معسر بالثمن أو بعضه فللبائع الفسخ في الحال ، كما لو لم يهرب . أما إذا كان موسر وهرب قبل دفع الثمن قضاه الحاكم من ماله إن وجد، وإلا باع. المبيع وقضي ثمنه وحفظ الباقي . لأن للحاكم ولاية مال الغائب فان لم يكف الثمن فالباقی في ذمة المشتري الهارب .
مادة (۸۸) : إذا أحضر المشتري بعض الثمن فلا يملك أخذ ما يقابله من المبيع إن نقص بتجزئة .
إيضاح
إذا أحضر المشتري بعض الثمن فليس له أخذ ما يقابله من المبيع إذا كان المبيع ينقص بتجزئة ، كمصراعی باب. هذا إذا قلنا إن للبائع حبس المبيع على ثمنه لئلا يتصرف فيه ولا يقدر على باقي الثمن فبتضرر البائع بنقص مابقي بيده من المبيع. وإن قلنا بأن البائع ليس له حبس المبيع على ثمنه فللمشترى أخذ المبيع
مادة (۱۰۳) إذا كان الثمن مما يحتاج لحق توفية وتصرف المشتري في المبيع قبل إقباض الثمن للبائع ، ثم تلف الثمن بآفة انفسخ العقد الأول دون الثاني ، وألزم المشتري الأول بقيمة المبيع ، وأخذ المشتري الثاني ما وقع عليه العقد .
إيضاح
من اشترى شيئا ، کشاة مثلا و تعرف فيه قبل إقباض الثمن بائع وكان الثمن مکیلا أو نحوه ( أي مما يحتاج لحق توفيه ) وتلف بآفة انفسخ العقد الأول فقط دون الثاني الذي وقع على الشاة ، لأنه كمال قبل فسخ العقد الأول ، لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لامن أصله ، وغرم المشتري الأول قيمة المبيع لتعذر الرد ، وأخذ من المشتري الثاني ما وقع عليه العقد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م )
مادة (14) :
الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان في مقابلة المبيع سواء زاد على القيمة أو قل .
والقيمة هي ما قوم به الشيء من غير زيادة ولا نقصان
مادة (15)
يكون البيع بثمن حال ، ويجوز بثمن مؤجل إلى أجل معلوم إذا كان الثمن دينا ، أو بخلاف جنس المبيع ، ولم يجمعهما قدر .
المذكرة الإيضاحية
الأصل في الثمن أن يكون حالا، لأن الحلول مقتضى العقد وموجبه، والأجل لا يثبت إلا بالشرط ، وقيد بالثمن لأن تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده ( بحر ) .
والمن قد يكون نقودا ، أو سلفة ، أو مقدرات . ويلاحظ أن كلا من النقدين من أبدا ، والعين الغير مثلي مبيع أبدا ، وكل من المكيل والموزون الغير النقد، والعددي المتقارب إن قوبل بكل من أي النقدين كان مبيعا ، أو قوبل بعين، فإن كان ذلك المكيل والموزون المتقارب متعينا كان مبيعا أيضا ، وإن كان غير معين . فإن دخل عليه حرف الباء مثل : اشتريت هذا الشيء بكيلة حنطة كان تمنا ، وإن استعمل استعمال المبيغ كان سلمة ، مثل : اشتريت منك كية حنطة بهذا القدر من المال، فلابد من رعاية شرائط السم (غرر الأذكار ).
وكما يصح البيع بالثمن الحال يصح بالمن المؤجل بشرط أن يكون الأجل معلومة ، لأن جهالة الأجل تفضي إلى النزاع في التسلم والتسليم ، وأن يكون البيع من دبن ، فلو بعين فسد (فتح ) والمراد بالدين : ما يصح أن يثبت في الذمة سواء كان نقدا أو غيره، وبالعين ما قا بله ، وأن يكون البيع بخلاف جنسه ولم يجمعهما قدر أو كان بخلاف جنسه وجمعهما قدر ، فإنه لا يصح التأجيل لما فيه من ربا النسيئة .
مادة (۳۳)
يسلم الثمن أولا إذا كانت السلعة حاضرة ، وكان الثمن نقدا، ولم يكن مؤجلا ولا خيار للمشتري .
فإن كان بيع السلعة يمثلها أو الثمن بمثله سالما معا .
المذكرة الإيضاحية
بيع السلعة إما يكون بثمن نقدي أو بمثلها ، فإن كان بثمن نقدی فعلى المشتري أن يسلم الثمن أولا للبائع قبل تسلمه المبيع ، ليتعين حق البائع في الثمن ، لأنه قد تعين حق المشتري في المبيع ، فتتحقق المساواة .
وتسليم الثمن أولا مشروط : بكون السلعة حاضرة، وكون الثمن حالا (غير مؤجل ) وألا يكون في البيع خيار للمشتري ، لأنه لا يطالب بالثمن قبل حلول الأجل ، ولا قبل سقوط الخيار .
أما في بيع السلمة بمثلها والثمن بمثله سلما معا ، لاستوائهما في التعيين .
مادة (35)
للبائع أن يحبس المبيع حتى يقبض الثمن ، إلا إذا أحيل به أو أجله بعد البيع ، أو سلم المبيع للمشتري .
ولا يسقط حق الحبس بالرهن ، أو بالكفيل ، أو بإبراء البائع المشتري عن بعض الثمن .
المذكرة الإيضاحية
للبائع حبس المبيع حتى يستوفي كل الثمن من المشتري ، فلو شرط المشتري دفع المبيع إليه قبل نقد الثمن فسد البيع ، لأنه شرط لا يقتضيه العقد .
وقال محمد : فسد البيع لجهالة الأصل ، فلو سمی وقت تسلیم الثمن جاز .
والبائع أيضا حبس المبيع ولو بقي درهم واحد من الثمن .
ولو كان المبيع شيئين بصفقة واحدة ممي لكل ثمنا ، فله حبسهما إلى استيفاء ثمن الكل ، منعا لتفرق الصفقة .
ولا يسقط حق الحبس بالرهن ، ولا بالكفيل ، ولا بإبراء البائع المشتري عن بعض الثمن حتى يستوفي الباقي .
ويسقط حق الحبس بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا مثل: كأن يكون البائع مدينة الرجل فيحصل ذلك الرجل على المشتی فيأخذ دينه من الثمن ، وكذا إذا أحال المشتري البائع بالثمن على رجل عند أبي يوسف ، وعن محمد روايتان سقوط الحبس وعدم سقوطه .
ويسقط الحبس أيضا بتأجيل الثمن بعد البيع ، و بتسليم البائع المبيع للمشتري قبل قبض الثمن ، فليس له بعد قبض المشتري المبيع رده إليه . أما لو قبض المشتري المبيع بغير إذن البائع فلا يسقط حق الحبس ، إلا إذا رأى البائع والمشتري وهو أخذ البيع ولم يمنعه من القبض ، لأن في هذه الحالة يكون إذنا منه للمشتري بقبضه.
مادة (36)
إذا مات المشتري مفلسا بعد قبض المبيع وقبل دفع الثمن ، يكون الثمن دينا على التركة ، ويتقاسم البائع مع باقي الدائنين قسمة الغرماء .
المذكرة الإيضاحية
إذا قبض المشترى البيع ولم يدفع الثمن ومات مفلسا بمعنى أنه ليس له مال يفى ما عليه من الديون ، سواء فلسه القاضي أو لا ، فالبائع أسوة للغرماء ، بمعنى أن المبيع لو كان قائما لا يطالب البائع به. بل يكون البيع بينه وبين سائر الغرماء يقتسمونه بنسبة ما لكل منهم قبل المشتري .
وإن كان المشتري لم يقبض المبيع ، فالبائع أحق به ، يحبسه عنده حتى يستوفي الثمن من مال الميت ، أو يبيعه القاضي ويدفع له الثمن ، فان وفي بجميع دین البائع فيها ، وإن زاد دفع الزائد لباقي الغرماء ، وإن نقص فهو أسوة الغرماء فيما بقي له من الثمن :
وليس المراد بكونه أحق به ، أن يأخذه مطلقا إذ لاوجه لذلك ، لأن المشتري ملكه وانتقل بعد موته لورثته و تعلق به حق غرمائه . وإنما كان أحق من باقي الغرماء ؛ لأنه كان له حق حبس المبيع إلى قبض الثمن في حياة المشتري ، فكذا بعد موته .