loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة :  203 

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- قد يكون الحق (عينياً كان أو شخصياً) متنازعة فيه، ويعتبر كذلك إذا كان قد رفعت به دعوى في الموضوع، أو قام بشأنه نزاع جدي، فالمسألة إذن متروكة لتقدير القاضي ( م 635 فقرة ثانية من المشروع ).

2 - وبيع الحقوق المتنازع فيها على هذا النحو له خاصيتان : (ا) أنه لا يجوز إذا كان البيع المال القضاء الذين يقع في اختصاصهم الفصل في النزاع (ب) أنه يجوز إذا كان البيع لغير عمال القضاء المتقدم ذكرهم، ولكن يستطيع من عليه الحق أن يتخلص منه إذا هو رد للمشتري الثمن والمصروفات والفوائد.

وقد ربط المشروع هاتين الخاصيتين أحداهما بالأخرى لما بينهما من العلاقة الظاهرة، بخلاف التقنين الحالي، فقد فصل موضوع استرداد الحق المتنازع فيه (م 354 - 355/ 442 - 443) عن موضوع تحريم بيعه لعمال القضاء( م 257 / 324) .

3- أما فيما يتعلق بجواز استرداد الحق إذا بيع، فقد خصص المشروع لهذه المسألة مادتين ( م 635 - 636 وأنظر أيضاً المادة 443 في باب حوالة الحق)

ويلاحظ من مقارنة نصوص المشروع بما يقابلها من النصوص في التقنين الحالي في هذا الموضوع (م 354 – 355/ 442 - 443 ) ما يأتي :

(1) يعم المشروع معنى الحق المتنازع فيه، فيكون شخصياً أو عينياً، أما التقنين الحالي، فالظاهر من ألفاظه أنه يتكلم عن الحق الشخصي دون الحق العيني، مع أن الحكم واحد بالنسبة لنوعين من الحق.

(2) يعرف المشروع الحق المتنازع فيه بما يحسم الخلاف في ذلك ( م 635 فقرة 2).

(3) يذكر المشروع ما يجب رده لاسترداد المبيع، فهو الثمن الحقيقي والمصروفات وفوائد الثمن بسعر الفائدة القانونية من وقت الدفع، والمشروع في هذا يتفق مع التقنين الحالي، والفكرة هي منع المضاربة، و يترتب على ذلك أن المشتري لابد أن يكون عالماً بالنزاع الواقع على الحق، ويترتب على ذلك أيضاً أنه في الفروض التي تنتفي فيها فكرة المضاربة ينتفي حق الاسترداد، وقد حصر المشروع هذه الفروض في أربعة (م 636 من المشروع ) : (ا) بيع الوارث أو الشريك الحق المتنازع فيه إلى وارث أو شريك آخر، ويعارض فكرة المضاربة هنا أن الاشتراك في الميراث أو في الشيوع قد يكون هو الدافع إلى الشراء . (ب) نزول المدين للدائن عن حق متنازع فيه ووفاء للدين المستحق في ذمته، وفي هذا وفاء بمقابل يتعارض مع فكرة المضاربة، فإن الذين يستوفي حقه أكثر مما يشتري حقاً متنازعاً فيه . (ج ) بيع الحق المتنازع فيه إلى الحائز للعقار المرهون في هذا الحق، فإن الحائر إنما أراد أن يتقي حق المرتهن في تتبع العين ولم يرد المضاربة ( ويلاحظ غموض نص التقنين الحالي في هذه المسألة، إذ تقول المادة 355/ 443 : إذا اشتری مشتر حقاً متنازعاً فيه منها الحصول دعوی) (د) بیع الحق المتنازع فيه إذا كان داخلاً في مجموعة من المال بیعت بثمن واحد كما في بيع التركة، فإن الحق المتنازع فيه يفقد ذاتيته في هذه الحالة و تنعدم فكرة المضاربة، وهذا الفرض الرابع لم ينص عليه التقنين الحالي .

وإذا كان الحق المتنازع فيه حقاً شخصياً، فاسترداده له يمكن تكييفه على أنه شراء لحق من الدائن، ثم انقضاء الحق بعد ذلك باتحاد الذمة، وإذا كان الحق عينياً فاسترداده يكون شراء فيه معنى الصلح.

4 - أما إذا بيع الحق المتنازع فيه إلى عمال القضاء الذين يقع النزاع في دائرة اختصاصهم، فإن البيع يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً (م 637 - 638 من المشروع )، وفي هذا يتفق المشروع مع التقنين الحالي، مع ملاحظة ما يأتي :

(1) عدد المشروع عمال القضاء على سبيل الحصر على النحو الذي اتبعه التقنين الحالي، وهم كل من يخشى من نفوذه في النزاع الذي يحتمل أن يرفع إلى القضاء بشأن الحق المبيع فلا يدخل الحجاب والفراشون و نحوهم.

(2) ذكر المشروع أن جزاء المنع هو البطلان المطلق، ويتمسك به كل ذي مصلحة، ويدخل في ذلك البائع نفسه والمنازع في الحق.

(3) زاد المشروع بأن ذكر تطبيقاً خاصاً لبيع الحق المتنازع فيه لعمال القضاء، هو التطبيق الكثير الوقوع في العمل، وهو تعامل المحامي مع موكله في الحق المتنازع فيه إذا كان هو الذي تولى الدفاع عنه سواء أكان التعامل بالبيع أم بغيره، وسواء تعامل المحامي باسمه أم باسم مستعار (م 638 من المشروع، وهي منقولة عن المشروع الفرنسي الإيطالي م 333 فقرة ثالثة ولا نظير لها في التقنين الحالي)، ويلاحظ أنه يجوز بعد انتهاء النزاع أن يتعامل الموكل مع المحامي في الحق الذي كان متنازعاً فيه.

5 – وحكم بيع الحق المتنازع فيه من حيث جواز الاسترداد قد يتدخل في حكم هذا البيع من حيث تحريمه على عمال القضاء، فإذا باع الدائن حقاً متنازعاً فيه لأحد عمال القضاء، كان البيع باطلاً بطلاناً مطلقاً كما تقدم ولا يكون لليدين في هذا البيع الباطل أن يتخلص من الدين بدفع الثمن والمصروفات و الفوائد، أما العكس جائز، ويكون العامل القضاء الذي ينازع في دين أن يتخلص منه إذا باعه الدائن.

الأحكام

1 ـ إن البيع بصريح نص المادة 418 من القانون المدنى " عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشترى ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر ...... " حتى لو كان هذا الحق متنازعاً فيه بصريح نص المادة 469 من القانون المدنى وما بعدها .

(الطعن رقم 17575 لسنة 77 جلسة 2009/04/27 س 60 ص 508 ق 85)

2 ـ النص فى المادة 469 من القانون المدنى على أن " إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل إلى شخص آخر فللمتنازل ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى المتنازل له الثمن الحقيقى الذى دفعة مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع . ويعتبر الحق متنازعا فيه إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى أو قام فى شأنه نزاع جدى " يدل على أن المشرع خروجا على الأصل العام فى حرية التصرف إذا كان الحق المتنازع فيه قد تنازل عنه صاحبة إلى الغير أجاز لمن ينازع فى هذا الحق أن يسترده من المشترى إذا دفع له الثمن الحقيقى والمصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع ومن ثم فإن حق الاسترداد مقرر للمتنازل ضده وهو من ينازع البائع فى الحق المبيع وليس مقررا للبائع.

(الطعن رقم 3310 لسنة 58 جلسة 1994/03/31 س 45 ع 1 ص 608 ق 118)

3 ـ النص فى المادة 471 من القانون المدنى على أنه " لا يجوز للقضاء و لا لأعضاء النيابة و لا للمحامين .. أن يشتروا لا بأسمائهم و لا بأسم مستعار الحق المتنازع فيه كله أو بعضه إذا كان النظر فى النزاع يدخل فى إختصاص المحكمة التى يباشرون أعمالهم فى دائرتها و إلا كان البيع باطلاً " و النص فى الفقرة الثانية من المادة 469 من ذلك القانون على أن " يعتبر الحق متنازعاً فيه إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى أو قام فى شأنه نزاع جدى " يدل على تحريم شراء القضاه و أعضاء النيابة و المحامين و غيرهم من أعوان القضاء الحقوق المتنازع عليها إذا كان النظر فى النزاع بشأنها يدخل فى إختصاص المحكمة التى يباشرون أعمالهم فى دائرتها و إلا وقع البيع باطلاً بطلاناً مطلقاً سواء اشتروه بأسمائهم أو بأسم مستعار و يعتبر الحق المبيع متنازعاً عليه فى حالتين الأولى إذا رفعت به دعوى كانت مطروحة على القضاء و لم يفصل فيها بحكم نهائى وقت البيع و الثانية أن يقوم فى شأن الحق المبيع نزاع جدى و يستوى أن يكون النزاع منصباً على أصل الحق و إنقضائه ، و أن فصل محكمة الموضوع فى كون الوقائع التى أثبتتها و قدرتها مؤدية أو غير مؤدية إلى إعتبار الحق المبيع متنازعاً فيه خاضع لرقابة محكمة النقض بإعتباره مسألة قانونية تتعلق بتوافر الأركان القانونية لحكم الفقرة الثانية من المادة 469 من القانون المدنى آنفة البيان .

(الطعن رقم 1692 لسنة 47 جلسة 1985/05/20 س 33 ع 1 ص 561 ق 101)

4 ـ تمسك الطاعن بأن المطعون ضده قد إشترى حقا متنازعا عليه هو دفاع يخالطه واقع فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 193 لسنة 34 جلسة 1967/08/15 س 18 ع 3 ص 1500 ق 225)

شرح خبراء القانون

ويخلص من النصوص المتقدمة الذكر أن بيع الحق المتنازع ينقل الحق كما هو – متنازعاً فيه – إلى المشتري هو الذي يتحمل تبعة مصير النزاع في شأن الحق، فأما أن يثبت الحق للبائع فيثبت للمشتري كخلف له، وإما ألا يثبت فلا ينتقل إلى المشتري شيء كما سبق القول . فالبائع إذا باع حقاً متنازعاً فيه لا يضمن للمشتري وجود هذا الحق، وإنما هو يبيع مجرد إدعاء، ومن ثم يراعى في تقدير ثمن هذا الإدعاء أن يكون متناسباً مع قوته، فيكثر أو يقل تبعاً لقوة الإدعاء أو ضعفه، وهو على كل حال يكون دون قيمة الحق ذاته إذ لا بد أن المشتري يدخل في حسابه احتمال الخسارة فينزل من قيمة الحق ما يقابل هذا الاحتمال، لذلك كان المشتري لحق متنازع فيه مضارباً يأمل الكسب،  فواجه القانون هذا الوضع بما يلائمه، وأجاز لمن عليه الحق المتنازع فيه أن يسترده من المشتري بدفع الثمن – وهو كما قدمنا أقل من قيمة الحق – مع المصروفات والفوائد، أما في الحالات الاستثنائية التي تنتفي فيها فكرة المضاربة، فقد منع القانون حق الاسترداد.

متى يجوز استرداد الحق المتنازع فيه : ويؤخذ من نص المادة 469 مدني أنه يجب توافر شرطين حتى يجوز الاسترداد : ( 1 ) أن يكون الحق المسترد حقاً متنازعاً فيه . ( 2 ) وأن يكون قد نزل عنه صاحبه بمقابل .

فيجب أولاً أن يكون الحق المسترد حقاً متنازعاً فيه . وتقول الفقرة الثانية من المادة 469 مدني إنه " يعتبر الحق متنازعاً فيه إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى أو قام في شأنه نزاع جدي " فليس من الضروري إذن أن تكون هناك دعوى مرفوعة بالحق حتى يكون الحق متنازعاً فيه، ويكفي أن يقوم في شأنه  نزاع جدي وليس من الضروري أيضاً أن يكون الحق الذي رفعت به دعوى يكون حقاً متنازعاً فيه، فقد لا يمس النزاع في الدعوى موضوع الحق نفسه بل يتناول مسائل شكلية في الإجراءات كعدم صحة الإعلان أو عدم توافر الصفة أو نحو ذلك، والحق حتى يكون متنازعاً فيه يجب أن يقوم النزاع في موضوعه بالذات  وقد ترفع بالحق دعوى تنتهي إلى حكم ابتدائي، فما دام الحكم غير نهائي يبقى الحق متنازعاً فيه، لا فحسب إذا طعن في الحكم  الابتدائي بطريق من طرق الطعن الاعتيادية كالمعارضة والاستئناف، بل أيضاً طول المدة التي يظل فيها باب هذا الطعن الاعتيادي مفتوحاً ولو لم يطعن في الحكم بالفعل، أما إذا كان الحكم نهائياً فقد انحسم النزاع في الحق وأصبح حقاً غير متنازع فيه، فلا يجوز فيه الاسترداد حتى لو كان الحكم النهائي يمكن أن يطعن فيه بطريق غير اعتيادي كالنقض والتماس إعادة النظر، وحتى لو كان باب الطعن غير الاعتيادي لا يزال مفتوحاً، أما إذا طعن بالفعل في الحكم النهائي بطعن غير اعتيادي، فإن الحكم يعود في هذه الحالة حقاً متنازعاً فيه، ويجوز فيه الاسترداد  ويجب أن يكون الحق متنازعاً فيه على النحو الذي أسلفناه في اليوم الذي ينزل فيه عند صاحبه إلى الغير، فلو بدأ الحق متنازعاً فيه ثم أنحسم النزاع فنزل عنه صاحبه بعد ذلك لم يجز الاسترداد، ولو كان الحق وقت أن نزل عنه صاحبه غير متنازع فيه ثم نوزع فيه بعد ذلك لم يجز الاسترداد كذلك  ويستوي أن يكون الحق المتنازع فيه حقاً شخصياً أو حقاً عينياً، منقولاً أو عقاراً فلا يوجد ما يمنع من استرداد عقار متنازع فيه باع المدعى حق ادعائه فيه إلى أجنبي، فيسترد المدعى عليه وهو الحائز للعقار حق المدعى برده له الثمن والمصروفات والفوائد، أما إذا كان البائع هو المدعى عليه حائز العقار، فهناك خلاف في الرأي . فمن يؤسس حق الاسترداد على فكرة المضاربة يجيز للمدعي حق الاسترداد، لأن الحكمة متوافرة في حالته كما توافرت في حالة المدعى عليه، ومن يؤسس حق الاسترداد، إذ هو الذي أنشأ الخصومة بادعائه فلا يجوز أن يسترد توقياً لخصومة هو المتسبب فيها.

والشرط الثاني أن يكون النزول عن الحق بمقابل . فإذا نزل صاحب الحق عنه للغير تبرعاً لم يجز الاسترداد، لأن التبرع يتنافى مع فكرة المضاربة ولا يمكن وصف المتبرع له أن يتصيد القضايا المتنازع فيها ويستغل الخصومات القائمة  أما إذا وهب صاحب الحق حقه بعوض، فإن كان العوض من الأهمية بحيث يجعل النزول عن الحق بمقابل جاز الاسترداد، وإلا غلبت صفة التبرع وامتنع على المدين استرداد الحق ولابد أن يكون المقابل نقداً أو أشياء مثلية على الأقل حتى يتمكن المسترد من أن يدفع مثلها للمشتري، فإذا كان النزول عن الحق من طريق المقايضة، لم يجز الاسترداد، لأن المسترد لا يستطيع أن يدفع للمشتري مثل العوض بل كان ما يستطيع أن يدفعه هو قيمة العوض والقيمة لا تجزئ عن المثل  وليس معنى ذلك أن يكون النزول عن الحق المتنازع فيه حتماً من طريق البيع، فقد يكون من طريق آخر وبمقابل نقدي فيجوز الاسترداد، مثل أن يكون هناك حق بين شخصين كل منهما يدعى أنه له، ثم إن هذا الحق نفسه ينازع فيه المدين، فلو أن صاحبي الحق المتنازعين اصطلحاً فأعطى أحدهما الآخر مبلغً من النقود حتى ينزل هل عن ادعائه، فإن المدين يستطيع أن يسترد حقوق هذا الآخر برده المبلغ الأول، ولكن يبقى الأول على ادعائه فهو لم يحصل على شيء في مقابله   . كذلك إذا كان صاحب الحق المتنازع فيه في ذمته مبلغ من النقود لدائن، فوفاه الدين بالحق المتنازع فيه، جاز للمدين في الحق المتنازع فيه أن يسترد الحق من الدائن بأن يرد له الدين الذي كان له في ذمة صاحب الحق، وإذا باع صاحب الحق المتنازع فيه حقه هذا مع أموال أخرى بثمن واحد، جاز للمدين أن يسترد الحق المتنازع فيه بحصته من الثمن.

- كيف يكون الاسترداد : يتم الاسترداد باجتماع أمرين : ( 1 ) إعلان المدين إرادته في الاسترداد ( 2 ) ورده للمشتري الثمن الحقيقي وفوائده والمصروفات .

ويعلن المدين  إرادته في الاسترداد دون حاجة إلى شكل خاص، فإذا  كانت هناك دعوى بالحق المتنازع فيه منظورة أمام المحاكم – بأن يكون الدائن قد رفع الدعوى يطالب المدين بالحق ودخل فيها المشتري خصماً أو رفعها المشتري ابتداء على المدين يطالبه بالحق الذي اشتراه – فالمدين يعلن إرادته في الاسترداد عن طريق طلبه في المحكمة من المشتري بالشكل العادي الذي تبدي به الطلبات في الخصومة . ويوجه الطلب إلى المشتري دون الدائن، فالمشتري وحده هو الخصم في الاسترداد  وإذا لم تكن الدعوى منظورة، بأن لم ترفع دعوى أصلاً بالحق المتنازع فيه وإنما قام في موضوعه نزاع جدي، أو رفعت الدعوى وصدر فيها حكم ما زال باب الطعن العادي مفتوحاً فيه ولكن لم يرفع الطعن فعلاً، فطلب الاسترداد يكون بإعلان المدين إرادته، ويوجه هذا الإعلان إلى المشتري دون الدائن كما قدمنا، ويحدث الإعلان أثره من وقت وصوله إلى علم المشتري وفقاً للقواعد العامة.

ويجب أن يرد المدين للمشتري رداً فعلياً – أو يعرض عرضاً حقيقياً – الثمن وفوائده من وقت الدفع والمصروفات، فإن طلب الاسترداد لا يحدث أثره إلا إذا تم هذا الرد أو العرض. ذلك أن نص القانون ( م 469  /  1 ) مدني صريح في أن " للمتنازل ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد على المتنازل الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من يوم الدفع " ولأن التخلص من المطالبة بالحق المتنازع فيه لا يكون إلا من يوم الوفاء، والوفاء لا يكون إلا بالدفع الفعلي أو العرض الحقيقي إذا لم يقبل المشتري الدفع الفعلي أو نازع في صحته . والذي يجب أن يدفع فعلاً أو يعرض عرضاً حقيقياً هو ما يأتي : ( 1 ) الثمن الحقيقي الذي دفعه المشتري لشراء الحق المتنازع فيه، وأراد القانون بذكر لفظ " الحقيقي " التحرز من الثمن الصوري الذي قد يذكره المتبايعان في عقد البيع، فيزيدان من الثمن الحقيقي حتى يمنعا المدين من الاسترداد أو يجعل الاسترداد أكثر كلفة، وللمدين أن يثبت بجميع الطرق أن الثمن المذكور في العقد ليس هو الثمن الحقيقي، وأن يقتصر على دفع الثمن الحقيقي أو عرضه  ( 2 ) فوائد هذا الثمن من وقت أن دفعه المشتري للبائع . والمراد هنا الفوائد بالسعر القانوني – 4 %  في المسائل المدنية و 5 %  في المسائل التجارية – لتعويض المشتري عن المدة التي بقي فيها محروماً من الثمن لا ينتفع به . وفي مقابل ذلك يرد المشتري للمدين ثمرات الحق المتنازع فيه، فإن كان ديناً ينتج فوائد تقف هذه الفوائد ولا يدفعها المدين للمشتري منذ اليوم الذي دفع فيه المشتري الثمن للدائن، وإن كان عقاراً رد المشتري ثمراته من ريع أو محصولات للمتنازل ضده، أما إذا كان الثمن الذي اشترى به المشتري الحق المتنازع فيه مؤجلاً وينتج فوائد، فإن المتنازل ضده يتحمل هذا الثمن مؤجلاً كما كان ويدفع الفوائد المتفق عليها، وهذه غير الفوائد القانونية التي أشرنا إليها فيما تقدم . ويلتزم بهذا نحو المشتري، والمشتري يبقى ملتزماً نحو البائع كما سنرى. ( 3 ) مصروفات التنازل عن الحق المتنازع فيه، كرسوم التسجيل في العقار ورسوم الورقة الرسمية أو التصديق على الإمضاء ورسوم الدمغة والسمسرة وأتعاب المحامي وغير ويتحمل المسترد أيضاً مصروفات الاسترداد، ويدخل فيه المصروفات دعوى المطالبة بالحق إذا كان المشتري هو الذي رفعها على المتنازل ضده، فإن هذه الدعوى قد انقضت دون حكم فتحمل المشتري مصروفاتها فيرجع بها على المتنازل ضده  وكذلك يرد المتنازل ضده مصروفات دعوى المطالبة بالحق التي قد يكون صاحب الحق رفعها ضده وانتهت دون حكم، وذلك فيما إذا كان المشتري قد تحملها، أما إذا لم يرجع بها صاحب الحق على أحد فالغالب أن يكون قد أدخلها في الثمن الذي باع به الحق وقد رأينا أن المتنازل ضده يجب عليه رد هذا الثمن للمشتري.

- الآثار التي تترتب على الاسترداد : إذا استرد المتنازل ضده الحق المتنازع فيه من المشتري، فإن هذا لا يعني أنه أقر بأن الحق ليس له، وكل ما عناه بالاسترداد أنه قصد وضع حد للخصومة القائمة، حتى ينحسم النزاع في أمر لا تعرف مغبته.

والاسترداد إذا تم على الوجه الصحيح يكون له أثره : ( أولاً ) في العلاقة ما بين المشتري والمتنازل ضده . ( ثانياً ) وفي العلاقة ما بين المشتري والبائع . ( ثالثاً ) وفي العلامة ما بين المتنازل ضده والبائع.

ففي العلاقة ما بين المشتري والمتنازل ضده، يحل الثاني محل الأول بموجب الاسترداد . ولا يعتبر الاسترداد شراء جديداً للحق المتنازع فيه صدر من المشتري للمتنازع ضده، بل إن المشتري يعتبر – في العلاقة ما بينه وبين المسترد – أنه لم ينتقل إليه الحق أصلاً وقد انتزعه منه المسترد . ويترتب على ذلك أن جميع الحقوق التي يكون قد رتبها المشتري على الحق قبل الاسترداد تسقط، وتعتبر كأن لم تكن  فإذا كان الحق المتنازع فيه عقاراً، سقط كل ما رتبه المشتري على هذا العقار من رهون أو تصرفات أخرى كحقوق ارتفاق أو حقوق انتفاع . وتسقط الحجوز التي يكون دائن المشتري قد وقعها تحت يد المتنازل ضده إذا كان الحق المتنازع فيه حقاً شخصياً، إذ هي تعتبر واردة على حق ليس للمشتري .

وفي العلاقة ما بين المشتري والبائع يبقى البيع قائماً، فلا ينتقص بالاسترداد  وهذا بخلاف الشفعة وحق الاسترداد بوجه عام، فهناك يحل المسترد محل المشتري نحو البائع، أما هنا فالاسترداد يوجه ضد المشتري وحده دون البائع، فلا تتأثر بالاسترداد العلاقة ما بين المشتري والبائع . ومن ثم يكون للبائع حق مطالبة المشتري بالثمن والالتزامات الأخرى الناشئة عن عقد البيع، ولا يحل المسترد  محل المشتري في هذه الالتزامات، فإن البائع لم يتعامل معه فلا يجبر على معاملته ولا يرجع المشتري على البائع بالضمان، بعد أن انتزع المسترد الصفقة من المشتري، وذلك ما لم يكن المشتري يجهل أنه اشترى حقاً متنازعاً فيه، فإن جهل ذلك رجع على البائع بالضمان والتعويض.

بقيت العلاقة ما بين البائع والمسترد والخصوصية التي تميز هذا النوع من الاسترداد عن غيره من الأنواع الأخرى أن المسترد هنا مدين بالحق المتنازع فيه للبائع، فهو غير أجنبي عن الحق بخلاف الشفيع الأجنبي عن العين المشفوعة . وهو إذن لا يتلقى الحق، بل ينهيه إذا كان حقاً شخصياً، ويقطع الخصومة فيه إذا كان حقاً عينياً . ويترتب على ذلك أن الحق المتنازع فيه لا ينتقل من البائع إلى المستر، فقد كان حقاً متنازعاً فيه ما بين البائع والمسترد، وكل ما حدث بالاسترداد أن هذا النزاع قد انحسم، ولم يعد للبائع حق في مطالبة المسترد بشيء من الحق المتنازع فيه، ويكون للاسترداد الأثر الذي للصلح في حسم النزاع . فإذا كان الحق المتنازع فيه ديناً يدعيه البائع في ذمة المسترد، فإن الاسترداد لا ينقل الدين إلى المسترد فينقضي باتحاد الذمة، بل إن الاسترداد يحسم النزاع في الدين فيعتبر كأنه لم يكن في ذمة المسترد  وإذا كان الحق  المتنازع فيه عقاراً، انقطع النزاع فيه وخلصت ملكيته للمسترد دون منازعة من البائع، ولا يعتبر العقار قد انتقل من البائع إلى المستر، بل يعتبر أنه كان دائماً ملك المسترد، ومن ثم لا يلزم تسجيل الاسترداد . وإذا كان المشتري قد اشترى بثمن مؤجل، وأصبح المسترد ملزماً بهذا الثمن إلى أجله  فإنه لا يكون ملزماً بشيء نحو البائع، بل هو ملزم نحو المشتري، وهذا ملزم نحو البائع. ( الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع الصفحة/ 249)

يستقر الحق لصاحبه إن لم ينازعه الغير في شأنه، فحق الملكية، يستقر للمالك طالما لم ينازعه فيه أحد مدعياً استحقاقه هو لهذا الجزء استناداً إلى أي سبب من أسباب كسب الملكية، ومتى أظهر مدعي الملكية رغبته في هذا الاستحقاق وواجه به المالك مواجهة جدية تدل على عزمه على التصدي للأخير، توافرت بذلك المنازعة الجدية في هذا الحق، وخضع بالتالي لنص المادة 469 من القانون المدني يستوى أن يكون مدعي الملكية قد يتخذ إجراء قضائياً كإنذار أو رفع دعوى، إذ يكفي لاعتبار الحق متنازعاً فيه أن يقوم في شأنه نزاع جدي، وهو ما يخضع لتقدير قاضي الموضوع، ويجب أن ينصب النزاع على أصل الحق بأن يكون متعلقاً بوجود الحق أو بطريقة انقضائه، فإن تعلقت المنازعة بعلم توافر صفة المدعي أو بعدم الاختصاص، فلا يعتبر الحق متنازعاً فيه.

وترد المنازعة على الحق سواء كان حقاً عينياً كحق الملكية، أو حقاً شخصياً كحق المستأجر بالنسبة لعقد الإيجار أر المشترى لتقول أو عقار طالما لم يكن قد سجل عقده بالنسبة للعقار، وبالتالي إذا توافرت المنازعة بالنسبة لأي من هذه الحقوق جاز لصاحبه التنازل عنه للغير طالما لم يحظر القانون أو الإتفاق هذا التنازل كما في عقود الإيجار الخاضعة لقانون إيجار الأماكن إذ يحظر هذا القانون التنازل عن الحق إلا بموافقة المؤجر، وإن كان الإيجار خاضعاً للقانون المدني، فلم يحظر القانون هذا التنازل ولكن قد يرد الحظر بالإتفاق عليه بالعقد، فإن تنازل المستأجر رغم الحظر ترتبت عليه الآثار القانونية وذلك بفسخ العقد، فلا ينال نص المادة 469 من هذا الأثر، كذلك المحكم إذا تضمن العقد شرطاً مانعاً من التصرف، إذ لا يجوز للمتصرف إليه إثارة منازعة، ولو كانت جدية مع المتصرف للتذرع في مواجهته بنص تلك المادة لمخالفة الشرط المانع من التصرف الذي ينال من حقه في التصرف في العين، إذ لا ترد تلك المتنازعة على الحق الذي تعنيه تلك المادة وإنما على شرط تضمنه العقد لا يمس الحق العيني أو الشخصى وأنما يقيد أحد عناصره تقييداً مؤقتاً، يزول ويسترد المتصرف إليه عنصر حقه المتعلق بالتصرف.

استرداد الحق المتنازع فيه :

بيع الحقى التنازع فيه ينقل الحق كما هو متنازعاً فيه إلى المشتري فيتحمل تبعة مصير انتزاع فإما أن يثبت الحتي للبائع كخلف له وإما ألا يثبت فلا ينتقل إلى المشترى شيء. لذلك كان المشتري مضارباً يأمل الكسب وقد أجاز القانون لخصم البائع في الحق المتنازع عليه أن يسترده من المشتري بدفع الثمن بشرطين:

1 - أن يكون الحق المسترد متنازعاً فيه وليس من الضروري أن تكون هناك دعوى مرفوعة بل يكفي أن يقوم نزاع جدي وتلك مسألة يبت فيها قاضي الموضوع، وقد لا يمس النزاع موضوع الحق بل إجراء شكلياً كبطلان الإعلان أو إذا دفع الحق بدفع موضوعی كالدفع بالتقادم، ويعتبر الحق متنازعاً فيه ولو صدر حكم ابتدائي في شأنه حتى يصبح نهائياً فلا يجوز حیث الاسترداد، أما إذا طعن في هذا الحكم النهائي بطعن غير عادي فيعود الحق متنازعاً فيه ويجوز فيه الاسترداد ويستوي أن يكون الحق شخصياً أو عينياً منقولاً أو عقاراً.

2 - وأن يكون النزول عن الحق بمقابل فلا يجوز الاسترداد إذا كان تبرعاً ولابد أن يكون المقابل نقدي أو أشياء مثلية فلا يجوز الاسترداد في المقايضة، ويتم الاسترداد بإعلان الدين إرادته في الاسترداد، وليس للإعلان شكل خاص فإن كانت هناك دعوى قائمة وتدخل فيها المشترى خصماً أو رفعها المشتري إبتداء مطالباً بالحق الذي اشتراه فتعلن الإرادة بطلب في المحكمة يوجه للمشترى دون الدائن، فإن لم تكن هناك دعوى أو وجدت وصدر فيها حكم غير نهائي فيوجه الإعلان بورقة رسمية أو خطاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة ويحدث أثره من وقت وصوله لعلم المشتري، ويجب أن يرد المدين الثمن للمشتري رداً فعلياً أو بعرضه عرضاً قانونياً مع الفوائد من وقت الدفع والمصروفات إذ أن طلب الاسترداد لا يحدث أثره إلا إذا تم هذا الرد أو العرض.

ومتی استرد المتنازل ضده الحق المتنازع فيه من المشتري فلا بعد ذلك إقراراً بأن الحق ليس له إذ يحل محل المشتري الذي يعتبر أن الحق لم ينتقل إليه أصلاً ويترتب على ذلك أن جميع الحقوق التي يكون قد رتبها قبل الاسترداد تسقط کالرهن والارتفاق والانتفاع والحجز، ويقي البيع فيما بين البائع والمشتري قائماً فللأول مطالبة الثاني بالثمن والالتزامات الأخرى ولا يحل المسترد محل المشتري فيها، أما العلاقة ما بين البائع والمشتري فيظل الأخير مديناً بالحق المتنازع فيه للأول ويكون للاسترداد الأثر الذى للصلح في حسم النزاع ومن ثم لا يستلزم التسجيل في استرداد العقار لأنه لم ينتقل من البائع إلى المسترد بل ظل للأخير

رد الثمن الحقيقي والمصروفات والفوائد :

يترتب على بيع الحق المتنازع فيه، حلول المتنازل له محل التنازل في كل ما كان له من حقوق ودعاوى، فتصيح له الصفة في الرجوع على المتنازل، ضده بكل الحق المتنازل عنه ولو كان يجاوز الثمن المدفوع، وأجاز المشرع للمتنازل ضده درأ هذا الرجوع إذا هو رد إلى المتنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات التي أنفقها في تحرير العقد وما وجهه من إنذارات مع الفوائد المستحقة عن الثمن من يوم دفعه بالسعر الذي يتفق وطبيعة المعاملة، فإن كانت تجارية قيل التنازل ظلت كذلك بعدة وتخب الفوائد بواقع 5%.

ويرد الثمن الحقيقي الذي دفعه للتنازل له، ويكون الثمن الوارد بعقد البيع هو الثمن الحقيقي، فإذا ادعى المتنازل ضده أنه ثمن صوری، وجب عليه إثبات هذه الصورية بكافة الطرق المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن باعتباره من الغير بالنسبة لهذا العقد، فإن عجز من إثباتها وجب عليه رد الثمن الذي تضمنه العقد وإلا قضى بعدم قبول دعواه .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السادس الصفحة/  732)

إذا كان هناك حق متنازع عليه فقد يكون من مصلحة صاحبه أن يتصرف فيه. إذ قد يكون غير قادر على السير في المنازعة بما تقتضيه من نفقات ومجهود، وعندئذ يكون أمامه إحدى وسيلتين فإنا أن يعمل على التصالح مع من ينازعه، وإما أن يتصرف في حقه إلى الغير بأن يبيعه مثلاً.

ولما كان الحق محل نزاع ويحتمل أن يثبت عدم وجوده كله أو بعضه، فمثل هذا البيع يكون من العقود الاحتمالية وغالبا ما يكون المشتري مضارباً فيدفع ثمناً أقل مما يساويه الحق لو لم يكن متنازعاً فيه ويكون الفرق بين الثمن الذي دفعه وما يساويه الحق مقابلاً لما يتعرض له من احتمال. والأصل أن هذا البيع صحيح.

ولكن منعاً لمثل هذه المضاربات - سنرى أن المشرع أجاز لمن ينازع فی الحق أن يسترده من المشتري في مقابل أن يرد له ما أنفقه من ثمن ومصروفات وفوائد - ولما كان الاسترداد يتم بغير إرادة المشتري، فيعتبر خروجاً على الأصل العام الذي يقضي بأن الشخص لا يحرم من حقه بغير إرادته، ونكون بصدد حالة من أحوال نزع الملكية للمنفعة الخاصة، ويبرر هذا حرص المشرع على منع المضاربة ولهذا سنرى أن الاسترداد يمتنع عندما تنتفي فكرة المضاربة.

وإذا استرد المدين الحق المتنازع فيه بدفع ثمنه للمشترى، فإن الأمر يؤول إلى وضع شبيه بما إذا تصالح صاحب الحق مع مدينه على أن يأخذ منه مبلغاً أقل من قيمة الحق، وهذا المبلغ هو الذي ارتضاه صاحب الحق عندما باع به حقه. فكأن المدين دفع لصاحب الحق - يمثله المشترى خلفه - القيمة التي ارتضاها صاحب الحق نفسه، وذلك لفض النزاع. فالأمر في صورته استرداد، وفي حقيقته ضرب من الصلح.

- الاسترداد حق للمتنازل ضده وليس للبائع :

حق الاسترداد مقرر للمتنازل ضده وهو من ينازع البائع في الحق المبيع، وليس مقرراً للبائع.

جاء لفظ الحق في المادة مطلقاً، وعلى هذا فهو يشمل كل حق يمكن التصرف فيه بمقابل، فيشمل الحقوق الشخصية والحقوق العينية والحقوق المالية التي ترد على أشياء غير مادية كحق المؤلف في استغلال المصنف استغلالاً مادياً. 

ویستوى أن يكون الحق منقولاً أو عقارياً، وسواء كان مالاً منفرداً أو  مجموعة من الأموال.

ويلاحظ أن التنازل عن الحق للغير لا يجوز إذا حظره القانون أو الاتفاق، كما في عقود الإيجار الخاضعة لقوانين إيجار الأماكن إذ يحظر القانون التنازل عن حق الإيجار إلا بإذن كتابي من المؤجر، وإذا كان الإيجار خاضعاً للقانون المدني، فإنه لا يحظر هذا التنازل ولكن قد يرد الحظر بالاتفاق عليه بالعقد، فإن تنازل المستأجر رغم الحظر ترتبت عليه الآثار القانونية، وذلك بفسخ العقد، فلا ينال نص المادة 469 من هذا الأثر.

وكذلك الحكم إذا تضمن العقد شرطاً مانعاً من التصرف، إذ لا يجوز للمتصرف إليه إثارة منازعة ولو كانت جدية مع المتصرف، للتذرع في مواجهته بنص تلك المادة لمخالفة الشرط المانع من التصرف الذي ينال من حقه في التصرف في العين، إذ لا ترد تلك المنازعة على الحق الذي تعنيه تلك المادة وإنما على شرط تضمنه العقد لا يمس الحق العيني أو الشخصي وإنما يقيد أحد عناصره تقييداً مؤقتاً، ويسترد المتصرف إليه عنصر حقه المتعلق بالتصرف.

- متى يعتبر الحق متنازعاً فيه ؟

نصت الفقرة الثانية من المادة صراحة على أن يعتبر الحق متنازعاً فيه في حالتين:

1-إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى.

2 - إذا قام في شأنه نزاع جدی.

وفي هذا يختلف القانون المصري عن القانون الفرنسي الذي يقصر معنى النزاع على الحالة الأولى دون الثانية.

ونعرض لهاتين الحالتين فيما يلى :

١- يكون الحق متنازعاً فيه إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى :

يجب أن يكون الحق قد رفعت بشأنه دعوى أمام القضاء. ويشترط في هذه الحالة أن تكون الدعوى خاصة بأصل الحق أو موضوعه. فمتى رفعت الدعوى بالحق كان متنازعاً فيه.

" أما إذا كان الحق ثابتاً خالياً من النزاع فلا يعتبر متنازعاً فيه، ولو عرقل المدين على صاحبه أمر الحصول عليه أو صعب عليه ما يتخذه من الإجراءات للتنفيذ على ماله.

ويظل الحق متنازعاً فيه مادامت الدعوى به قائمة. فإذا انتهت بحكم نهائی سقطت عن الحق صفة المنازعة، ولو كان قابلاً للطعن بطريق غير عادي كالنقض والتماس إعادة النظر، مادام لم يطعن فيه بالفعل بأحد هذين الطريقين، أما لو طعن فيه بأحدهما عاد الحق متنازعاً فيه.

الحالة الثانية:

إذا قام في شأن الحق نزاع جدى ولو لم يطرح النزاع على القضاء بعد .

ويجب أن يكون النزاع على موضوع الحق فلا يكفي مثلاً أن يماطل المدين في الدفع دون أن ينكر مديونيته. ومثال النزاع الجدي حالة ما إذا اغتصب شخص مالاً وتقدم صاحبه بشكوى إلى جهة إدارية وادعي المغتصب أمام الإدارة أنه صاحبه .

ولكن لا يكفي لاعتبار المنازعة جدية مجرد احتمال بسيط بحصول المقاضاة أو مجرد تعذر الحصول على دين مسلم به من المدين نفسه أي تعذر استيفاء الدين .

وتقدير جدية النزاع مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع .

الغالب أن يكون التصرف في الحق المتنازع فيه بيعاً، ولهذا عالج المشرع الموضوع في أحكام البيع وتحت عنوان "بيع الحقوق المتنازع عليها". ولكن فكرة المضاربة التي أراد المشرع منعها بتقرير حق الاسترداد لا تتحقق في البيع وحده، ولهذا نجد المشرع لا يتكلم في المادة (469) عن بيع الحق المتنازع فيه بل يقول "إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل: "وهو ما يدل على قصده في عدم الاقتصار على البيع وإلا لقال قد باعه صاحبه". وعلى ذلك فالفكرة التي يجب الاهتداء بها في تحديد التصرفات هي فكرة المضاربة.

ويذهب رأي إلى أنه يجوز الاسترداد في كل حالة يكون فيها التنازل قد تم في مقابل مبلغ من النقود لأن المادة 469 صريحة في أن الاسترداد يكون في مقابل "رد الثمن".

ويضيف البعض إلى أنه يجوز استرداد الأشياء المثلية، لأن المسترد يستطيع أن يدفع مثلها للمشتري .

بينما يذهب الرأي الغالب إلى أن الاسترداد يجوز ولو حصل التنازل من طريق المقايضة، وفي هذه الحالة يدفع المدين للمقايضه قيمة البدل الذي قايض عليه .

وبالترتيب على ما تقدم لا يجوز الاسترداد إذا كان النزول عن الحق تبرعاً لأن التبرع يتنافى مع فكرة المضاربة ولا يمكن وصف المتبرع أنه يتصيد القضايا المتنازع فيها ويستغل الخصومات القائمة. فإن كان العوض من الأهمية بحيث يجعل النزول عن الحق بمقابل جاز الاسترداد، وإلا غلبت صفة التبرع وامتنع على المدين استرداد الحق.

 - هل يسرى الاسترداد على البيع القضائي ؟

يذهب رأي إلى أن الاسترداد لا يصح في البيع الجبرى، وأنه يقتصر على البيوع الاختيارية لأن نص المادة (469) يفهم منه أن الحق انتقل إلى الغير عن طريق التنازل من صاحبه، والتنازل هو التصرف الاختياري، ثم إن البيوع القضائية تفتح الباب أمام الجميع، فتنتفي مظنة المضاربة والاستغلال لدى الراسي عليه المزاد، وفضلاً عن ذلك فإنه لو سمح بالاسترداد الأحجم المزايدون عن الدخول في المزاد.

ويذهب الرأى الراجح إلى أن الاسترداد يصح في البيع ولو كان بيعاً قضائياً لأن النص ورد عاماً.

- كيفية استعمال حق الاسترداد :

و لم ينص المشرع على الإجراءات الواجب اتباعها لاسترداد الحق المتنازع فيه إذا نزل عنه صاحبه للغير، خلافاً لما فعل بالنسبة لاسترداد الحصة الشائعة (م 833 ) وبالنسبة لاستعمال الحق في الشفعة (م 940 )، وإزاء هذا السكوت من جانب المشرع، لا مفر من استخلاص الإجراءات على ضوء القواعد العامة.

ولما كان الاسترداد عبارة عن تصرف قانوني وكانت القاعدة هي أن التصرفات القانونية لا يعتد بها إلا إذا حصل تعبير عنها في الحيز الخارجي ولا تنتج أثرها إلا إذا اتصلت بعلم من وجهت إليه، فإن الاسترداد يتم بأن يعلن المتنازل ضده رغبته في استرداد الحق المبيع وأن يوجه هذا الإعلان إلى المشترى أو إلى المتنازل له بصفة عامة ولا يشترط في هذا الإعلان شكل خاص بل يجوز أن يتم على أي شكل يفصح بوضوح عن رغبة موجهه في الاسترداد فيصح أن يكون بإعلان على يد محضر بخطاب موصي عليه أو بخطاب عادي أو حتى شفاهة، وإنما يقع على عاتق المسترد إثبات ذلك.

فإذا لم يسلم المتنازل إليه بحق المتنازل ضده في الاسترداد جاز الالتجاء إلى القضاء للحصول على حكم بصحة الاسترداد.

ولا يشترط لإعلان الرغبة في الاسترداد أن يتم في ميعاد معين، فالقانون لم يحدد للاسترداد وقتاً يجب أن يتم في خلاله، ولذلك لا مفر من القول بأن الاسترداد يجوز في أي وقت مادام الحق المبيع لازال متنازعاً فيه ومادام الحق في رفع دعوى الاسترداد لم يسقط بالتقادم وفقاً للقواعد العامة بمضى خمس عشرة سنة على النزول عن الحق المتنازع فيه (م 374 ).

أما إذا حسم النزاع حول الحق المبيع، فإن الاسترداد يمتنع.

وقد يطلب الاسترداد من بادئ الأمر أمام القضاء، فإذا كان الدائن قد رفع الدعوى مطالباً المدين بالحق الذي ينازع فيه، وحصل التنازل عن الحق أثناء نظر الدعوى بين المدن والدائن فتدخل المتنازل له خصماً فيها أو كان المتنازل له قد رفع الدعوى على المدين يطالبه بالحق، فإن المدين يعلن إرادته في الاسترداد عن طريق طلبه في المحكمة من المشتري بالشكل العادي الذي تبدی به الطلبات في الخصومة. ويوجه الطلب إلى المتنازل له وحده دون المتنازل، إذ أن المتنازل له وحده هو الخصم في الاسترداد.

وإذا أبدى طلب الاسترداد أمام القضاء فإنه يجب أن يبدي بصفة أصلية وبغير منازعة في الحق، فلا يجوز للمتنازل ضده أن يطلب رفض الدعوى بصفة أصلية، وأن يطلب بصفة احتياطية الحكم له بالاسترداد.

ويبرر ذلك بأن رفض الطلب الأصلي ينهي النزاع قبل أن يتاح للمحكمة أن تفحص الطلب الاحتياطي، ومن شأن ذلك أن يجعل الحق غیر متنازع فيه ومن ثم فلا يجوز طلب استرداده. ولكن هذا التبرير لا يصدق إلا في حالة ما إذا كان الحكم الذي يصدر في موضوع النزاع مما لا يجوز الطعن فيه بالطريق العادي، ذلك أنه لو كان الحكم مما يجوز الطعن فيه فإن الحق يبقى بالرغم من ذلك الحكم متنازعاً فيه، وبالتالي يجوز طلب الاسترداد".

هل يلزم اقتران إعلان الرغبة في الاسترداد بدفع المبالغ التي يلزم القانون المسترد بها ؟

يذهب رأي إلى أنه يجب على المدين أن يرد للمشتري رداً فعلياً- أو يعرض عرضاً حقيقياً - المبالغ التي يلزمه القانون بأدائها إلى المتنازل إليه، وأن طلب الاسترداد لا يحدث أثره إلا إذا تم الرد أو العرض. ذلك أن نص الفقرة الأولى من المادة صريح في أن "للمتنازل ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى المتنازل إليه الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من يوم الدفع" ولأن التخلص من المطالبة بالحق المتنازع فيه لا يكون إلا من يوم الوفاء، والوفاء لا يكون إلا بالدفع الفعلي أو العرض الحقيقي إذا لم يقبل المشتري الدفع الفعلي أو نازع في صحته. 

وأنه لا ضرر من ذلك على المحال، فإن المدين إذا لم يقم بالدفع فعلاً بقی المحال مالكاً للدين وجازت له مقاضاة المدين والتنفيذ على ماله.

أما الرأى الراجح فيذهب إلى أنه يكفي مجرد إظهار الرغبة في الاسترداد مع إبداء الاستعداد لدفع المبالغ المستحقة.

ولكن الاسترداد لا يتم فعلاً وبالتالي لا يتخلص المتنازل ضده من مطالبة المشترى إلا إذا تم دفع الثمن وملحقاته إليه، أو أودع خزانة المحكمة، بشرط أن يحدث ذلك قبل أن يحسم النزاع على الحق المتنازل عنه.

- ما يجب على المسترد دفعه :

يلتزم المسترد بأن يرد إلى المتنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت البيع.

ونعرض لذلك فيما يلى :

أولاً : الثمن :

يلتزم المسترد بأن يدفع للمتنازل له الثمن الذي دفعه مقابلاً للحق المتنازع فيه، فإذا كان المقابل أشياء مثلية غير النقود، التزم المسترد أن يرد إليه مثلها بقدرها ووصفها المعينين في العقد.

وقد حرص المشرع على أن يصف الثمن بوصف الحقيقى "لأن المتعاقدين قد يذكر أن ثمناً صورياً أكبر من الثمن الحقيقي حتى يمنع المتنازل ضده عن طلب الاسترداد.

فإذا حدث هذا، فإن ما يلتزم المسترد برده هو الثمن الحقيقي، وله أن يثبت صورية الثمن المذكور في العقد بكافة طرق الإثبات ولو زادت قيمته على خمسمائة جنيه وذلك لأنه ليس طرفاً في العقد.

وإذا توالى النزول عن الحق قبل الاسترداد، فالثمن الواجب رده هو الثمن الذي حصل به النزول الأخير، لأن الاسترداد إنما يتم من المتنازل له الأخير الذي كان صاحباً للحق في وقت الاسترداد.

 ثانياً : فوائد الثمن :

يلتزم المسترد بأن يدفع للمتنازل له فوائد الثمن الحقيقي. وتحسب هذه الفوائد من الوقت الذي دفع فيه المتنازل له هذا الثمن إلى المتنازل، وذلك خلافاً للقواعد العامة التي لا توجب سريان الفوائد إلا من وقت المطالبة القضائية.

وتحسب هذه الفوائد بالسعر القانوني وهو 4% في المسائل المدنية، 5% في المسائل التجارية، وذلك تعويضاً للمتنازل له عن المدة التي بقي فيها محروماً من الثمن لا ينتفع به، ولكن لا يجوز للمتنازل له أن يجمع بين فوائد الثمن وثمرات الحق المتنازل عنه، فيلتزم أن يرد للمشتري الثمار التي نتجت عن الحق من يوم دفع الثمن إذا كان قد تسلم الشئ المنتج لها في هذا الوقت.

ثالثاً : المصروفات : .

ويقصد بالمصروفات النفقات التي تحمل بها المتنازل له في سبيل اكتساب الحق المتنازع فيه، كرسوم التسجيل في العقار ورسوم الورقة الرسمية أو التصديق على الإمضاء ورسوم التمغة والسمسرة وأتعاب المحامي وغير ذلك. كما تشمل مصروفات الدعوى إذا كانت قد رفعت وتحمل فيها المتنازل له شيئاً لأن الاسترداد يضع حداً لهذه الدعوى.

أما إذا لم يرجع بها صاحب الحق على أحد فالغالب أن يكون قد أدخلها في الثمن الذي باع به الحق.

- آثار الاسترداد :

إذا تم الاسترداد على النحو المتقدم، فإن هذا لا يعني أن المسترد أقر بأن الحق المتنازع فيه ليس له، بل إن كل ما قصده بالاسترداد هو إنهاء النزاع حول هذا الحق والتخلص من مطالبة المتنازل، أو المتنازل له، للمشتري بهذا الحق. ونظراً لأن القانون لم ينظم آثار الاسترداد، فإن هذه الآثار، يمكن أن تتحدد، وفقاً للقواعد العامة، في ضوء إحدى فكرتين. فإما أن نقول إن الاسترداد لا ينشئ تصرفاً جديداً بين المتنازل له والمسترد، وكل ما له من أثر هو حلول الثاني (المسترد)، محل الأول (المتنازل له) في الحق. وإما أن نقول بأن الاسترداد ينشئ تصرفاً جديداً بين المسترد والمتنازل له، فنكون بصدد تصرفين قانونيين، الأول بين المتنازل والمتنازل له، والثاني بين المتنازل له والمسترد، وكل من التصرفين هو الذي يحكم العلاقة بين طرفيه. ويأخذ الرأى الراجح بالفكرة الأولى، وهي فكرة حلول المسترد محل المتنازل له بأثر رجعي، ولكنه مع ذلك لا يأخذ بكل ما يترتب على هذه الفكرة من نتائج. وتفصيل ذلك يقتضي أن نعرض لآثار الاسترداد (1) في العلاقة بين المستورد والمتنازل له. (2) في العلاقة بين المتنازل والمتنازل له. (3) في العلاقة بين المتنازل والمسترد.

1- العلاقة بين المستورد والمتنازل له :

يذهب الرأى الراجح إلى أنه يترتب على الاسترداد حلول المستورد محل المتنازل له، فهذا الأخير، في علاقته بالمسترد، يعتبر أنه لم يتملك الحق أصلاً. وإذا كان الحق يؤخذ من المتنازل له ليعطي للمشتري، إلا أن هذا لا يعني أن الثاني خلف للأول. ويترتب على هذا أن جميع الحقوق التي يكون المتنازل له قد رتبها على الحق، في الفترة بين النزول والاسترداد، تزول بأثر رجعي، لأن المتنازل له يعتبر أنه لم يكن مالكاً في هذه الفترة. فإذا كان الحق المتنازع فيه عقاراً، سقط كل ما رتبه المشتري على هذا العقار من رهون أو تصرفات أخرى كحقوق ارتفاق أو حقوق انتفاع. وتسقط الحجوز التي يكون دائن المشتري قد وقعها تحت يد المتنازل ضده إذا كان الحق المتنازع فيه حقاً شخصياً، إذ هي تعتبر واردة على حق ليس للمتنازل إليه ويبرر ذلك أن القول ببقاء هذه الحقوق يتنافى مع الغرض من الاسترداد وهو براءة ذمة المسترد إذا كان مديناً أو خلاص الحق له دون منازعة).

2- العلاقة بين المتنازل والمتنازل له :

لا يترتب على الاسترداد أي أثر في العلاقة بين المتنازل والمتنازل له، ولذلك فالعلاقة بينهما تظل محكومة بالتصرف الذي تم بينهما، فيظل المتنازل له ملتزماً بدفع الثمن، أو ما بقي منه للمتنازل، ولا يستطيع المتنازل له أن يمتنع عن الوفاء بالثمن بحجة أن المبيع قد أخذ منه.

كما أنه لا يستطيع أن يرجع على المتنازل بالضمان، إلا إذا كان يجهل أن الحق الذي اشتراه متنازعاً فيه.

ويرجع عدم تأثر العلاقة بين المتنازل والمتنازل له، إلى أن المتنازل أجنبي عن الاسترداد أى هو من الغير، فلا يسرى الاسترداد في حقه، كما أن المستفاد من النص أن الاسترداد لا ينشئ إلا العلاقة بين المسترد والمتنازل له فلا ينشئ علاقة بين المتنازل والمسترد. والقول بغير ذلك معناه أن المتنازل له بالاسترداد ينقل الدين الذي عليه، إلى المسترد دون موافقة أو إقرار الدائن وهذا غير جائز.

وهذا ما يقول به الرأي الغالب في الفقه، إلا أن البعض قد لاحظ على هذا الرأى أنه يتعارض مع فكرة الحلول العيني التي جعلوها أساساً لرأيهم، والتي من مقتضاها أن يحل المسترد بأثر رجعي محل المتنازل له ويعتبر هذا الأخير كأنه لم يتلق الحق أبداً، وهذه الفكرة يترتب عليها بالضرورة، القول بأن المتنازل له يبرأ بأثر رجعي، من التزامه بالثمن، في مواجهة المتنازل .

3- العلاقة بين المتنازل والمسترد :

رأينا سلفا أن المسترد يتلقى الحق من المتنازل له، ولذلك لا يترتب على الاسترداد نشوء علاقة بين المتنازل والمسترد، فكلاهما أجنبي عن العلاقة التي يعتبر الآخر طرفاً فيها. ويترتب على هذا أن المتنازل لا يستطيع أن يطالب المسترد بالثمن الذي يلتزم به مقابلاً للاسترداد بطريق الدعوى المباشرة، بل عليه إذا أراد هذه المطالبة أن يسلك طريق الدعوى غير المباشرة، فيستعمل حق مدينه المتنازل له في مطالبة المسترد بهذا الثمن، وهو في ذلك يتعرض بطبيعة الحال لمزاحمة دائني المتنازل له الآخرين.

وهذا الرأي ليس مسلماً به بين جميع الشراح، بعضهم يرى أن للمتنازل أن يطالب المسترد بالثمن عن طريق الدعوى المباشرة، مما يفيد أنهم أخذوا بفكرة أن المسترد يحل في الصفقة محل المتنازل له. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الخامس، الصفحة/  596)

جواز استرداد عمال القضاء ما عليهم من حقوق متنازع فیها - تنص المادة 469 على أنه إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل عنه صاحبه بمقابل إلى شخص آخر، فللمتنازع ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى التنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع »، أی آنها تجيز للمدين في دین مدعى عليه به أن يسترد هذا الدين من مشتريه فيحل محل الدائن الأصلي قبل نفسه، ويتخلص بذلك من هذا الدين في مقابل ثمن هو في الغالب أقل من مقدار الدين.

ولكن إذا كان المدين في هذا الدين المتنازع فيه هو أحد عمال القضاء المذكورين في المادة 471 متقدمة الذكر، أيجوز له أن يستند إلى المادة 469 لاسترداد الدين من مشتريه ؟ أم يعتبر هذا الاسترداد شراء الحق متنازع فيه، فيحرم عليه بالشروط  المنصوص عليها في المادة 471 .

قد يتبادر إلى الذهن أن الاسترداد المذكور يعتبر شراء لحق متنازع فيه يقع تحت المنع الوارد في المادة 471، لأنه إذا كانت المادة 469 قد أجازته، فإن حكمها لعمومه يكون منسوخاً فيما يتعلق بعمال القضاء بحكم المادة 471 الخصوصية لأن حكم المادة 469 قصد به مراعاة مصلحة الدين في حين أن حكم المادة 471 قصدت به المصلحة العامة، وهي أولى بالتغليب من مصلحة المدين الخاصة .

غير أن هذا الرای مردود بأن الحكمة التي من أجلها تقرر الاستثناء المنصوص عنه في المادة 471 هي منع عمال القضاء من المضاربة في الحقوق المتنازع فيها ومن استغلال نفوذهم بشأنها أو منع تعرضهم للشبهات فيما يتعلق بها، أما إذا كان رجل القضاء مدعى عليه بدين ينازع فيه ثم بيع هذا الدين بثمن معين، وأراد رجل القضاء أن يضع حداً لهذه المنازعة في مقابل وفائه الثمن الذي دفعه مشترى هذا الحق، فإن هذا أبعد ما يكون عن فكرة المضاربة واستغلال النفوذ ولا محل فيه لأية شبهة، فلا معنى لتحريمه عليه.

وبهذا الرأي الأخير أخذ واضع المذكرة الإيضاحية لمشروع تنقيح التقنين المدني حيث قال أن حكم بيع الحق المتنازع فیه من حيث جواز الاسترداد قد يتدخل في حكم هذا البيع من حيث تحريمه على جمال القضاء، فإذا باع الدائن حقاً متنازعاً فيه لأحد عمال القضاء، كان البيع باطلاً بطلاناً مطلقاً كما تقدم، ولا يكون للمدين في هذا البيع الباطل أن يتخلص من الدين بدفع الثمن والمصروفات والفوائد وأما العكس فجائز، ويكون العامل القضاء الذي ينازع في دين أن يتخلص منه إذا باعه الدائن.

يعتبر البيع وارداً على حق متنازع فيه إذا كان محله مجرد ادعاء حق شخصي أو حق عيني أو كان موضوع الحق المبيع قد رفعت به دعوى أو قام في شأنه نزاع جدي ( المادة 469 فقرة ثانية مدنى ).

وقد تقدم أن الحقوق المتنازع فيها لا يجوز للقضاة وأعوانهم شراؤها إذا كان الفصل في المنازعات المتعلقة بها من اختصاص المحاكم التي يباشرون أعمالهم في دائرتها ( المادة 471 مدنی ) وأنه لا يجوز للمحامين أن يتعاملوا مع موكليهم في هذه الحقوق إذا كانوا هم الذين يتولون الدفاع عنها ( المادة 473 مدنی ). 

ويترتب على أن المبيع مجرد ادعاء حق رفعت به دعوی أو قام بشأنه نزاع جدي، أن المشتري يكون ساقط الخيار لأنه قبل أن يخاطر بما يبذله في البيع من ثمن وأن البائع لا يكون ملزماً بضمان التعرض والاستحقاق (في هذا المعنى المادة 441/353 ) مدنی قدیم ) والغالب أن يكون الحق المتنازع فيه حقاً شخصياً، فتتبع في بيعه أحكام حوالة الحقوق غير أن المشرع قد رتب حكماً خاصاً على كون المبيع متنازعاً فيه إذ نص في المادة 469 فقرة أولى مدني على أنه « إذا كان الحق المتنازع فيه قد نزل منه صاحبه بمقابل إلى شخص آخر، فللمتنازل ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى المتنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع » أی أنه جعل للمتنازل ضده عن الحق المتنازع فيه رخصة التخلص من هذا الحق في مقابل رده إلى المتنازل إليه الثمن الذي دفعه وملحقاته .

فإذا كان الحق المبيع حقاً شخصياً  فإن الدين به يجوز له أن يتخلص من هذا الدين بأن يحل محل المشتري في شرائه فيصبح دائناً ومديناً لنفسه فينقضي دينه باتحاد الذمة. وإذا كان المبيع حقاً عينياً فإن استرداده يكون شراء فيه معنى الصلح بين الطرفين اللذين نشأ النزاع بينهما قبل بيع الحق المتنازع فيه.

وحكمة الترخيص للمتنازل ضده باسترداد الحق المبيع من المتنازل إليه، هي الرغبة في منع المضاربة وفي وضع حد للمنازعات، إذ أن من يشتري حقاً متنازعاً عليه يغلب فيه أن يكون مضارباً على احتمال کسب الدعوى المتعلقة بهذا الحق، وليس هذا النوع من الضاربة مما يستحق التشجيع، بل بالعكس من ذاك تجب محاربته لأن من شأنه أن يوسع المنازعات أن يدخل فيها عناصر غريبة عنها لا هم لها إلا الربح منها . وليس أجدي في محاربتها وقصر شرها من الترخيص لكل من طرفي المنازعة أن يبيع حقه والترخيص للطرف الآخر الذي لم يبع حقه بأن يسترد من المشتري الحق المبيع وإن يحل فيه محله، فيضع بذلك حداً للمنازعة .

فقد نصت المادة 469 مدني على جواز استرداد الحق المبيع إذا كان موضوعه قد رفعت به دعوى أو إذا قام في شأنه نزاع جدي، أي أنها لم تقصر حق المتنازل ضده في استرداد الحق المتنازل عنه على الحالة التي يكون فيها هذا الحق الأخير محل دعوى مرفوعة فعلاً، بل أجازت الاسترداد لمجرد قيام نزاع جدي في شأن الحق المتنازل عنه، ويشترط في هذا النزاع أن يكون متعلقاً بموضوع الحق بالذات، أي بنشوء الحق أو بانقضائه أو بمده أو بمقداره أو بدفع موضوعی يرمي إلى إبطال الحق أو انقضائه.

وقد نصت المادة 469 فقرة أولي مدني على أن للمتنازل ضده أن يتخلص من المطالبة إذا هو رد إلى المتنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه مع المصروفات وفوائد الثمن من وقت الدفع، وكانت المادة 442/356 مدنی قدیم تنص على أنه يجوز للمدين أن يتخلص من الدين المبيع بدفعه للمشتري الثمن الحقيقي الذي اشترى به وفوائده والمصاريف المنصرفة وقد استنبط البعض من ذلك أن الاسترداد لا يتم إلا إذا دفع المشتري فعلاً الثمن وملحقاته أو على الأقل إذا عرض هذه المبالغ عرضاً حقيقياً اتبعه بايداعها، ولكن الرأي الذي رجح في هذا الشأن كما في شأن استرداد المبيع وفاء أنه يكفي إعلان الرغبة في الاسترداد مع إبداء الاستعداد لدفع المبالغ المطلوبة، وقد حسم القانون الحالي هذا الخلاف بأخذه صراحة بالرأي العكسي حيث نص على أن تخلص المتنازل ضده من المطالبة بالحق المتنازع فيه لا يتم إلا إذا رد هذا الأخير إلى المتنازل له الثمن والمصروفات والفوائد، فيتعين أن يرد المدين إلى المتنازل له الثمن الحقيقي الذي دفعه هذا في مقابل التنازل فإذا ثبت أن الثمن الذي ذكر في التنازل ثمن صوري أي أن الطرفين لم يقصدا أن يدفعه المتنازل له إلى المتنازل وإنما قصداً أن يدفع مبلغاً أقل منه فلا يلزم المتنازل ضده أن يرد إلا هذا المبلغ الأخير الذي يمثل الثمن الحقيقي للتنازل ويتعين أن يدفع المتنازل ضده إلى المتنازل إليه الفوائد القانونية (بسعر 4% في المواد المدنية أو 5% في المواد التجارية) من الوقت الذي دفع فيه هذا الأخير الثمن الحقيقي.

 يضاف إلى ذلك مصروفات التنازل عن الحق المتنازع فیه کرسوم العقد الرسمي أو رسوم التصديق على الإمضاءات ورسوم التمغة وأتعاب السمسرة وأتعاب المحامي الذي تولى عقد التنازل ألخ .

ولا يتم الاسترداد إلا إذا دفع المتنازل ضده هذه المبالغ جميعاً أو قام بعرضها عرضاً حقیقیاً طبقاً لأحكام قانون المرافعات، أما اكتفاؤه بابداء رغبته في الاسترداد واستعداده لدفع المبالغ المذكورة فلا يفيد ولا يغني عن دفعها فعلاً. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع  الصفحة/ 258)

الفقة الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث عشر ، الصفحة / 279

التَّلَفُ فِي عُقُودِ الأْمَانَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا:

21 - الأْصْلُ فِي عُقُودِ الأْمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ أَنَّ مَا تَلِفَ فِيهَا مِنَ الأْعْيَانِ  يَكُونُ تَلَفُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ إِنْ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطْ فِيهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه سلم   «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلاَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ»  وَلِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه سلم   قَالَ: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ»  وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى تِلْكَ الْعُقُودِ وَفِي إِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ تَنْفِيرٌ عَنْهَا.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ تِلْكَ الْعُقُودِ الْعَارِيَّةَ، فَقَالُوا بِضَمَانِهَا مُطْلَقًا إِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَرَّطَ أَمْ لَمْ يُفَرِّطْ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه سلم   قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ» . «وَعَنْ صَفْوَانَ أَنَّهُ صلي الله عليه سلم   اسْتَعَارَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَدْرُعًا وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةٌ».

 وَلأِنَّهُ مَالٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ فَيَضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهِ كَالْمُسْتَامِ.

وَأَشَارَ أَحْمَدُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَالْوَدِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ أَخَذْتَهَا بِالْيَدِ، وَالْوَدِيعَةَ دُفِعَتْ إِلَيْكَ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ التَّلَفَ الْمُنْمَحِقَ - أَيْ مَا يَتْلَفُ بِالْكُلِّيَّةِ عِنْدَ الاِسْتِعْمَالِ - وَالْمُنْسَحِقُ - أَيْ مَا يَتْلَفُ بَعْضُهُ عِنْدَ الاِسْتِعْمَالِ - إِذَا تَلِفَ بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ عَنْ سَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: كُلْ طَعَامِي. وَعِنْدَهُمْ قَوْلٌ بِضَمَانِ الْمُنْمَحِقِ دُونَ الْمُنْسَحِقِ، لأِنَّ  مُقْتَضَى الإْعَارَةِ الرَّدُّ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُنْمَحِقِ، فَيَضْمَنُهُ بِخِلاَفِ الْمُنْسَحِقِ .

وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الضَّمَانَ بِتَلَفِ الْعَارِيَّةِ الْمُغَيَّبِ عَلَيْهَا - أَيْ مَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ - كَالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ بِخِلاَفِ مَا لاَ يُغَابُ عَلَيْهِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِتَلَفِهِ، كَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُسْتَعِيرُ بِبَيِّنَةٍ تُثْبِتُ تَلَفَهُ أَوْ ضَيَاعَهُ بِلاَ سَبَبِهِ، فَلاَ يَضْمَنُهُ خِلاَفًا لأِشْهَبَ الْقَائِلِ بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا .

22 - وَهُنَاكَ عُقُودٌ فِيهَا مَعْنَى الأْمَانَةِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالإْجَارَةِ وَالرَّهْنِ، فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي أَصْلِهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ إِلاَّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ أَمِينٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ.

فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ تَلَفُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلاَ يَضْمَنُهُ الْمُضَارِبُ، فَهُوَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ، لأِنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْوَثِيقَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِرَأْسِ الْمَالِ إِذَا تَلِفَ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ شَرْطِ رَبِّ الْمَالِ، كَأَنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ أَلاَّ يُسَافِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَسَافَرَ فَغَرِقَ الْمَالُ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ حِينَئِذٍ ضَامِنٌ لَهُ لِمُخَالَفَتِهِ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء فِي أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّفْرِيطِ، أَمَّا إِذَا تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِمَا يَلْحَقُ الْعَيْنَ مِنْ تَلَفٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا تَجَاوَزَ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهَا حَقَّهُ فِيهِ فَتَلِفَتْ عِنْدَ ذَلِكَ .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرَّهْنِ إِذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، هَلْ يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ أَمْ لاَ؟

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْهُونَ إِذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالأْقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنَ الدَّيْنِ، وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ الدَّيْنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ ضَمَانَ الْمَرْهُونِ بِمَا إِذَا كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، كَحُلِيٍّ وَثِيَابٍ وَسِلاَحٍ وَكُتُبٍ مِنْ كُلِّ مَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ وَكَتْمُهُ، بِخِلاَفِ مَا لاَ يُمْكِنُ كَتْمُهُ كَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ، وَهَذَا إِنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ أَوْ هَلاَكِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الضَّمَانَ هُنَا ضَمَانُ تُهْمَةٍ، وَهِيَ تَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْهُونَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَلاَ يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّيْنِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ تَفْرِيطٍ، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه سلم   قَالَ «لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . وَلأِنَّهُ لَوْ ضَمِنَ لاَمْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ خَوْفًا مِنَ الضَّمَانِ، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَعْطِيلِ الْمُدَايَنَاتِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ .