مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 213
مذكرة المشروع التمهيدي :
بقي تحديد علاقة المشتري بالبائع (وعلاقته بالغير)، ففي العلاقة ما بين المشتري والبائع، ينقل البيع ملكية بمجموعة من المال، هي نصيب الوارث في التركة، إلى المشتري، ولكن لا تثبت صفة الوارث للمشتري بهذا البيع، والمفروض أن الوارث قد باع كل نصيبه في التركة، فإذا كان قد قبض على بعض الأعيان أو استوفى بعض ديون التركة أو باع شيئاً ما اشتملت عليه ، وجب أن يرد كل ذلك للمشتري، كما له أن يستوفي من المشترى ما وفاه من ديون التركة وتكاليفها، فإن التركة هي المدينة بذلك لا هو، وكذلك يستوفي في كل ما يكون دائناً به للتركة، كل هذا ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره، ويلاحظ أنه إذا كانت هناك إجراءات لنقل ملكية أعيان التركة إلى المشتري، وجب أن تستوفي، كما إذا كان في أعيان التركة عقار، فإن التسجيل واجب لنقل ملكيته فيما بين المتعاقدين.
اذ كانت المادة 14 من القانون رقم 142 لسنة 1944 - بفرض رسم أيلولة على التركات - تقضى بأن "يستبعد من التركة كل ما عليها من الديون والإلتزامات إذا كانت ثابتة بمستندات تصلح دليلاً على المتوفى أمام القضاء" وكان مفاد نص المادة 160 من القانون المدني أن الفسخ يترتب عليه انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه ويعتبر كأن لم يكن ويعاد كل شيء إلى ما كان عليه من قبل وبالتالي فإنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود العين المبيعة إلى البائع وأن يرد الأخير ما قبضه من الثمن.... وإذ كان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه ومن الصور الرسمية للأحكام النهائية الصادرة من محكمة طنطا الإبتدائية بتاريخ ... فى الدعاوى ... مدني كلى طنطا المرفقة بملف الطعن - أن المحكمة قضت فيها بفسخ عقود البيع الصادرة من مورث الطاعنين وبالزام هؤلاء بأن يدفعوا من تركة مورثهم قيمة ما دفعه كل مشتر من ثمن - وجعله ذلك مبلغ 060/ 5085 جنيهاً - فإنه يكون من حق الطاعنين طلب إستبعاد المبلغ المشار إليه من أصول التركة بإعتباره ديناً على المتوفى ثابت بأحكام قضائية نهائية ولا يغير من ذلك أن أمر هذا الدين لم يعرض على لجنة الطعن لأن الأمر يتعلق بمسألة قانونية لا يجوز الإتفاق على خلاف ما يقضى به القانون فى شأنها.
(الطعن رقم 1488 لسنة 50 جلسة 1986/11/03 س 37 ع 2 ص 822 ق 169)
وسنرى أن هذا الإعلان أو القبول لازم لصيرورة الحوالة نافذة في حق مديني التركة وفي حق الغير.
أما إذا كان على التركة ديون، فهذه لا تنتقل إلى المشتري كما تنتقل الديون في حوالة الدين، وذلك أن القاعدة المعروفة، وهي ألا تركة إلا بعد سداد الدين، تمنع من انتقال الديون إلى الوارث، فالمشتري، عندما اشترى حصة الوارث، اشتراها خالصة من الديون التي على التركة، وقبل أن يأخذ شيئاً من التركة يجب وفاء هذه الديون منها فإذا وفيت الديون جميعاً خلص للمشتري حصة الوارث التي اشتراها، دون أن ينتقل إليه شيء من هذه الديون.
تسليم الوارث البائع مشتملات حصته للمشتري : ويلتزم الوارث البائع بأن يسلم ما اشتملت عليه حصته في التركة من عقارات ومنقولات وحقوق شخصية وغير ذلك إلى المشتري، ويدخل في ذلك جميع الثمرات الريع والمنتجات التي نشأت عن هذه الأموال من وقت افتتاح التركة إلى وقت التسليم سواء كان البائع قد قبضها أو لم يقبضها، فإن كان قد قبضها وجب عليه ردها للمشتري، ويدخل أيضاً – ما لم يوجد اتفاق صريح مخالف – ما عسى أن يكون الوارث قد استوفاه من الديون التي للتركة وثمن ما عسى أن يكون قد باعه من مشتملات التركة للغير قبل أن يبيع حصته وما عسى أن يكون قد استهلكه من هذه المشتملات لاستعماله الشخصي وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 475 مدني، فهي تقول كما رأينا : "إذا كان البائع قد استوفى بعض ما للتركة من الديون أو باع شيئاً مما اشتملت عليه، وجب أن يرد للمشتري ما استولى عليهن ما لم يكن عند البيع قد اشترط صراحة عدم الرد "أما إذا كان قبل بيع حصته قد تبرع بشيء من مشتملاتها، فالأصل أن يرد قيمتها للمشتري ما لم يتفق معه على ألا يرد شيئاً".
ويلتزم الوارث أن يسلم المشتري حصته في الحالة التي تكون عليها وقت بيع الحصة، لا وقت موت المورث أي وقت افتتاح التركة، وإذا كانت قيمة هذه المشتملات قد زادت بسبب تحسينات أنفق عليها الوارث، كترميمات وإصلاحات وتعمير ونحو ذلك، فهذه كلها تكون للمشتري، إذ هي قد دخلت في الحساب عن تقدير الثمن، وقد يكون الوارث قد حصل بعد موت المورث على تأمين لدين للتركة كرهن أو كفالة، فهذا التأمين يكون للمشتري، فقد اعتد به عند حساب الثمن كذلك إذا كانت مشتملات الحصة المبيعة قد أصابها تلف أو هلك بعضها، فهذا كله يتحمله المشتري، لأن هذا الهلاك أو التلف لا بد أن يكون قد حسب حسابه عندما حدد الثمن، ويستوي أن يكون التلف أو الهلاك قد حدث بسبب أجنبي أو بخطأ من الوارث، ففي الحالتين قد دخل في الحساب.
وإذا كان حق من حقوق التركة قد انقضى باتحاد الذمة بسبب الميراث فإن هذا الحق، بعد أن باع الوارث حصته، يعود إلى الوجود وينتقل إلى المشتري سواء كان الحق شخصياً أو عينياً، مثل الحق الشخصي أن يكون الوارث مديناً للمورث ثم يرثه فينقضي الدين باتحاد الذمة، ثم يبيع حصته، فيعود الدين في ذمته للمشتري ولكن الكفالة الشخصية أو العينية التي انقضت باتحاد الذمة لا تعود، حتى لا يضار الكفيل وهو من الغير، وهذا بخلاف الرهن الذي يكون الوارث المدين نفسه قد قدمه، فإنه يعود مع الدين، مع الاحتفاظ بحقوق الغير التي ترتبت لهم على العين المرهونة، و مثل الحق العيني أن يكون على عقار للوارث حق ارتفاق لمصلحة عقار مملوك للمورث، فينقضي حق الارتفاق هذا باتحاد الذمة عند الميراث، فإذا باع الوارث حصته عاد حق الارتفاق إلى الوجود لمصلحة العقار المرتفق الذي انتقل إلى المشتري. وهذا ما لم يكن الوارث قد باع عقاره المرتفق به غير مثقل بحق الارتفاق قبل بيع الحصة، ففي هذه الحالة لا يعود حق الارتفاق حتى لا يضار المشتري لهذا العقار، ويغلب أن يكون هذا قد دخل في حساب ثمن الحصة.
ولا يدخل في مشتملات التركة ما ليست له قيمة مالية مقصودة، إذ المفروض أن المشتري إنما اشترى القيمة المالية لحصة الوارث، فلا يدخل ما يصيب الوارث من أوراق المورث الشخصية وأوسمته وبراءات الرتب والأوراق المثبتة للنسب والشهادات المدرسية والصور العائلية وما إلى ذلك، هذا ما لم يكن لهذه الأشياء قيمة مادية أدخلها المشتري في حسابه باتفاق خاص مع الوارث كما لا يوجد ما يمنع من أن يتفق الوارث مع المشتري على استثناء بعض مشتملات التركة من البيع وإن كان لهذه المشتملات المستثناة قيمة مالية، فيستبقى الوارث مثلاً بعض منقولات التركة أو داراً كان يسكن فيها وما إلى ذلك، ولابد أن يكون الاتفاق على هذا الاستثناء اتفاقاً صريحاً، ويفسر تفسيراً ضيقاً، فلا يتناول إلا الأشياء التي ذكرت دون توسع .
الضمان : رأينا أن المادة 473 مدني تنص على أن "من باع تركة دون أن يفصل مشتملاتها لا يضمن إلا ثبوت وراثته، ما لم يتفق على غير ذلك"، فالوارث عندما يبيع حصته في التركة لا يبيع أموالاً معينة بالذات، ولكنه يبيع حصته في مجموع من المال أياً كانت قيمة هذا المجموع، وهذا هو الذي يميز بيع التركة عن غيره من البيوع، فالوارث إذن لا يضمن للمشتري أن يدخل في حصته أي مال معين، أو أن تكون لهذه الحصة قيمة معينة، فإذا كان المشتري قد حسب وقت شرائه للحصة أن مالاً معيناً سيدخل في هذه الحصة ولم يدخل، إما لأنه دخل في حصة غير بائعة من الورثة وإما لأنه لم يدخل في التركة أصلاً إذ استرده المستحق له ، فإنه لا يرجع على الوارث بضمان الاستحقاق، وإذا دخلت العين في الحصة المبيعة، وتبين أن بها عيباً خفياً، لم يضمن الوارث للمشتري هذا العيب، وإذا تبين أن قيمة الحصة أقل مما قدره المشتري، بل إذا تبين أن التركة مستغرقة بالديون فليست لحصة الوارث أية قيمة، أو أن حصة الوارث هي الربع لا الثلث ما لم يكن هناك غلط جوهري في قيمة البيع، لم يرجع المشتري بالضمان على الوارث، لأن البيع هنا عقد احتمالي كما قدمنا ، وقد أقدم المشتري عليه بعد البحث والتمحيص، فهو الذي يجني الكسب ويحمل الخسارة.
فلا يضمن الوارث إذن للمشتري إلا شيئاً واحداً، هو أنه وارث، أي ثبوت وراثته في التركة فيضمن أولاً أن التركة قد فتحت فعلاً، لأنه إذا تبين أن الوارث قد باع تركة مستقبله فالبيع باطل كما قدمنا، ويضمن بعد ذلك أنه يرث في هذه التركة، فإذا تبين أنه ليس من الورثة فإنه يكون قد باع ما لا يملك، ويكون البيع قابلاً للإبطال وفقاً للقواعد المقررة في بيع ملك الغير، ويجوز للمشتري قبل أن يسترد الوارث الحقيقي أن يبادر إلى المطالبة بإبطال البيع واسترداد الثمن الذي دفعه مع التعويض إن كان وقت أن اشترى الحصة يجهل أن البائع ليس بوارث، ويضمن الوارث البائع أخيراً أي عمل من أعماله الشخصية التي تتعارض مع كونه وارثاً باع حصته، كأن يبيع هذه الحصة مرة أخرى، أن أن يبيع شيئاً من مشتملاتها، أو أن يستوفى ديناً لها.
على أنه يجوز الاتفاق على تشديد هذا الضمان، فيشترط المشتري على الوارث أن يضمن له قيمة معينة للحصة إذا نزلت دفع الوارث الفرق للمشتري، أو أن يضمن له دخول مال معين بالذات في الحصة المبيعة، وقد يكون هذا الاتفاق ضمنياًن كان يفصل المشتري مشتملات الحصة التي يشتريها، فيذكر أنها تشتمل على كذا وكذا من العقارات والمنقولات والحقوق والأموال الأخرى، فكل ما ذكر يكون الوارث ضامناً لدخوله في الحصة المبيعة، وإذا لم يدخل لأي سبب رجع المشتري على الوارث بضمان الاستحقاق بل قد يرجع أيضاً بضمان العيب، إذا اشترط ذلك صراحة أو ضمناً.
ويجوز الاتفاق على تخفيف الضمان فيشترط الوارث على المشتري مثلاً أنه لا يضمن وجود ورثة آخرين معه، أياً كان عددهم ومهما بلغ مقدار حصصهم، بل يجوز الاتفاق على عدم ضمان الوارث لثبوت وراثته أصلاً، فيكون ما يبيعه الوارث في هذه الحالة هو مجرد احتمال أن يكون وارثاً، ويظهر ذلك بوجه خاص في تحديد الثمن، فإن العقد في هذه الحالة يصبح عقداً احتمالياً محضاً، ويكون الثمن مخفضاً تخفيضاً يواجه هذا الاحتمال.
التزامات المشتري : يلتزم المشتري أن يدفع للوارث الثمن المتفق عليه والمصروفات والفوائد، شأنه في ذلك شأن كل مشتر آخر ويلتزم فوق ذلك أن يرد للوارث ما عسى أن يكون هذا قد دفعه من تكاليف التركة، فما دفعه الوارث في تجهيز الميت، المورث – وفي ضريبة التركات التي تقع على حصته المبيعة وما إلى ذلك من تكاليف يسترده من المشتري، لأن هذه هي العناصر السلبية لمجموع المال الذي اشتراه المشتري من الوارث.
أما ديون التركة فهذه لا يلتزم بها المشتري، لأن الوارث نفسه لا يلتزم بها، وذلك وفقاً للمبدأ المقرر في الشريعة الإسلامية وهو يقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين فالتركة هي التي تقوم بسداد ديونها أولاً، وما بقى بعد ذلك فهو ميراث، والوارث إنما باع حصته في هذا الميراث بعد استنزال الديون، ولكن يجوز أن يكون الوارث قد دفع من ماله حصته في دين على التركة، فيرجع بما دفعه على المشتري ، لأن هذا قد استفاد بما دفعه الوارث، إذ خلصت له الحصة دون أن يستنزل منها هذا الدين، كذلك قد يكون الوارث دفع ما يصيب حصته في وصية تركها المورث، فهنا أيضاً ولنفس السبب يرجع الوارث على المشتري بما دفع، وهناك رسم يدفع على انتقال التركة للوارث، وهو رسم على انتقال الملكية من المورث إلى الوارث ويسمى رسم الأيلولة، فهذا يدفعه الوارث في مقابل انتقال حصته في التركة إليه، ولا يرجع به على المشتري، لأنه هو الذي استفاد منه فقد انتقلت إليه ملكية الحصة واستطاع بذلك أن يبيعها أما المشتري فيدفع رسم البيع الذي انتقلت بموجبه ملكية الحصة إليه من الوارث، وهذا الرسم يدخل في مصروفات البيع التي يلتزم بها المشتري .
وقد يكون للوارث دين في ذمة المورث، فهذا الدين تلتزم به التركة ولا ينقضي باتحاد الذمة لأن ديون المورث لا تنتقل إلى ذمة الوارث، فيكون للوارث أن يطالب التركة بماله من الدين، ويتحمل المشتري نصيب الحصة المبيعة في هذا الدين، أي أنه يحسب للبائع كل ما يكون دائناً به للتركة ويتحمل المشتري نصيبه في ذلك باعتباره مالكاً للحصة المبيعة، وإلى هذا كله تشير المادة 476 مدني، كما رأينا، إذ تقول : "يرد المشتري للبائع ما وفاه هذا من ديون التركة، ويحسب للبائع كل ما يكون دائناً به للتركة ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك".
فيجوز إذن الاتفاق على تشديد هذه الالتزامات أو على تخفيفها، يجوز مثلاً الاتفاق على أن يدفع المشتري رسم الأيلولة، فهذا تشديد في التزامات المشتري، كما يجوز الاتفاق على ألا يرد المشتري للبائع ما وفاه هذا من ديون التركة أو الوصايا، أو على ألا يحسب للوارث البائع ما كان دائناً به للتركة، وهذا تخفيف في التزامات المشتري.
ثانياً : حكم هذا البيع بالنسبة إلى الغير :
الغير هنا طوائف ثلاث : يمكن تمييز طوائف ثلاث من الغير في بيع التركة، الطائفة الأولى هم الورثة الآخرون غير الوارث البائع، والطائفة الثانية هم دائنو التركة ومدينوها، والطائفة الثالثة هم الخلف الخاص للوارث البائع أي كل شخص تلقى من الوارث البائع حقاً على عين أو دين من مشتملات الحصة المبيعة . ولما كان الحكم يختلف بالنسبة إلى كل طائفة من هؤلاء، فنستعرضهم متعاقبين طائفة بعد الأخرى.
الورثة الآخرون : هؤلاء ليس طرفاً في البيع الذي تم بين الوارث البائع والمشتري، فلا يكسبون من هذا البيع حقاً ولا يترتب في ذمتهم التزام، ولكن البيع الذي تم جعل المشتري شريكاً لهم في الشيوع في جميع مشتملات التركة، من عقارات ومنقولات وديون، بمقدار حصة الوارث البائع وقد حل المشتري محله بموجب البيع، فمن حقهم الاعتداد بهذا البيع ولو لم يعلن لهم، ويتقاسمون التركة مع المشتري باعتباره شريكاً لهم، وتكون هذه القسمة نافذة في حق الوارث البائع فقد خرج بالبيع عن أن يكون هو الشريك.
ومن حق الورثة، قبل صدور البيع من الوارث، أن يتقاسموا مع هذا الوارث، فتفرز حصته . ويقع البيع عليها مفرزة لا شائعة، وتكون هذه القسمة نافذة في حق المشترى من الوارث كخلف خاص ينصرف إليه أثر العقد الصادر من سلفه متعلقاً بالشيء المبيع . أما بعد البيع ، فإذا كان الورثة الآخرون لم يخطروا به، كان من حقهم أن يتقاسموا مع الوارث البائع، لأن المفروض أنهم لا يعلمون بالبيع فإذا بدأت إجراءات القسمة، واستطاع المشتري أن يخطرهم بالبيع قبل أن تتم، كان للمشتري أن يتدخل في القسمة، بل له أن يطلب إخراج الوارث من الإجراءات وأن يحل محلها فيها فيكون هو المتقاسم مع سائر الورثة، وإذا كان الورثة قد أخطروا بالبيع قبل إجراءات القسمة فليس لهم أن يتقاسموا مع الوارث البائع فقد باع حصته للمشتري، ويكون التقاسم معه غير نفاذ في حق المشتري، ولا يجوز للورثة أن يتقاسموا إلا مع المشتري، فهو الذي أصبح شريكاً لهم في الشيوع مكان الوارث البائع وقد أحيطوا علماً بذلك عن طريق الإخطار.
دائنو التركة ومدينوها : أما دائنوا التركة فيبقون، بالرغم من بيع الوارث لحصته، دائنين للتركة ذاتها، لا للوارث ولا للمشتري منه كما سبق القول، إذ لا تركة إلا بعد سداد الديون، فيستوفون ديونهم من أموال التركة مقدمين على الورثة وعلى غيرهم من موصي لهم أو ممن يتلقى حقاً من الورثة كالمشتري من الوارث البائع، وإذا تسلم المشتري مشتملات الحصة المبيعة، فإن ما تسلمه يبقى مسئولاً عن ديون التركة، ولدائنيها أن يتتبعوا هذا المال في يد المشتري و ينفذوا بحقوقهم عليه، على النحو الذي سنبينه عند الكلام في تصرف الوارث في أموال التركة المدينة قبل سداد الدين.
أما مدينو التركة فهؤلاء يكونون بالبيع مدينين للمشتري من الوارث لأن الوارث تنتقل إليه حقوق التركة بخلاف ديونها، فيحول بالبيع هذه الحقوق للمشتري منه، وتسري القواعد العامة المتعلقة بحوالة الحق، ومن أهم هذه القواعد أن الحوالة لا تكون نافذة في حق مديني التركة إلا إذا قبلوها أو أعلنوا بها (م 474 مدني فإذا لم يقبلوا الحوالة ولم يعلنوا بها، ووفوا الوارث البائع حصته من الديون التي في ذمتهم للتركة، كان هذا الوفاء نفاذاً في حق المشتري، ولا يبقى للمشتري إلا الرجوع بالضمان على الوارث البائع، فقد قدمنا أنه ضامن لأعماله الشخصية، واستيفاؤه لديون التركة بعد بيع حصته يعتبر عملاً شخصياً من جانبه يستوجب الضمان.
الخلف الخاص للوارث البائع : يمكن أن نتصور أن الوارث قد باع – بعد البيع الصادر أو قبل هذا البيع – لشخص آخر شيئاً من مشتملاته حصته، عقاراً أو منقولاً أو ديناً للتركة . فيكون هذا الخلف الخاص للوارث معتبراً من الغير في البيع الصادر قبل ذلك أو بعد ذلك للمشترى لحصة الوارث، ويجوز أيضاً ، بدلاً من أن يبيع الوارث من مشتملات حصته عيناً بالذات، أن يبيع نفس الحصة كمجموع من المال لمشتر آخر، فيكون هذا المشتري الآخر من الغير أيضاً.
فهؤلاء الأغيار – مشتري العقار المعين أو المنقول المعين أو الدين الذي للتركة أو حصة الوارث في مجموعها – لا يسري في حقهم البيع الصادر من الوارث للمشتري ، إلا إذا استوفى المشتري الإجراءات الواجبة لنقل كل حق اشتملت عليه التركة . وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 474 مدني كما رأينا، إذ تقول ، "إذا بيعت تركة، فلا يسري البيع في حق الغير إلا إذا استوفى المشتري الإجراءات الواجبة لنقل كل حق اشتملت عليه التركة وقد حسم هذا النص خلافاً لا يزال قائماً في الفقه الفرنسي في هذه المسألة وأخذ بالرأي الراجح في هذا الفقه، وكان هذا أيضاً الرأي الراجح في عهد التقنين المدني السابق ولم يكن هذا التقنين يشتمل على نص مماثل للمادة 474 مدني.
فإذا كان الغير مشترياً لعقار بالذات من مشتملات الحصة المبيعة، فسواء اشتراه قبل بيع الحصة أو بعدها، فإن المشتري لا يقدم عليه إلا إذا سجل البيع في خصوص هذا العقار قبل أن يسجل مشتري العقار البيع الصادر إليه، وأيهما سبق الآخر في التسجيل كان هو المقدم ذلك أن المشتري لحصة الوارث كما يعتبر مشترياً لهذه الحصة في مجموعها، يعتبر كذلك مشترياً لكل عقار بالذات ولكل منقول بالذات ولكل دين بالذات تشتمل عليه هذه الحصة، فوجب استيفاء الإجراءات الواجبة لنقل كل حق من هذه الحقوق.
وكذلك الحكم في المنقول، تنتقل ملكيته بمجرد البيع، فإذا كان بيع الحصة سابقاً على بيع منقول بالذات انتقلت ملكية المنقول إلى مشتري الحصة دون مشتري المنقول، وإذا كان العكس انتقلت الملكية إلى المشتري المنقول دون مشتري الحصة، على أياً منهم يتسلم المنقول بحسن نية قبل الآخر تنتقل إليه الملكية بموجب الحيازة، فيفضل على صاحبه.
وكذلك الحكم في دين للتركة، لا تنتقل ملكيته لمشتري الحصة بالنسبة إلى مشتر لهذا الدين بالذات إلا إذا قبل مدين التركة بيع الحصة أو أعلن به قبل أن يقبل شراء الدين أو قبل أن يعلن به، وذلك وفقاً للقواعد المقررة في حوالة الحق، ويقدم مشتري الدين على مشتري الحصة، إذا تمكن مشتري الدين من الحصول على قبول المدين قبولاً ثابت التاريخ أو أعلنه بالحوالة قبل قبول ثابت التاريخ لبيع الحصة أو إعلان لهذا البيع.
وكذلك الحكم أخيراً في حالة ما إذا باع الوارث حصته كمجموع لشخصين على التعاقب، فأي المشترين لحصة الوارث سبق الآخر في التسجيل بالنسبة للعقارات، أو الحيازة بالنسبة إلى المنقولات، أو إعلان الحوالة أو التاريخ الثابت لقبولها بالنسبة إلى الديون، كان هو المقدم، وقد يتقدم في العقارات ويتأخر في المنقولات أو في الديون، كما يجوز أن يتقدم في بعض العقارات دون بعض أو في بعض المنقولات أو الديون دون بعض، حسبما يتفق أن يسبق إليه في الإجراءات الواجبة بالنسبة إلى كل حق.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع الصفحة/ 310)
التزامات الوارث في بيع التركة :
يلتزم الوارث بتسليم حصته للمشتري ويتضمن ذلك الثمرات والريع من وقت افتتاح التركة أي وقت وفاة المورث إلى وقت التسليم سواء كان البائع قد قبضها غيرها أو لم يقبضها وبالحالة التي تكون عليها الحصة وقت يبيعها لا وقت افتتاح التركة وتكون التحسينات التي قام بها البائع كترمیم اور إصلاح وزادت من قيمتها المشتري، وإذا كان الوارث حصل على تأمين لدين التركة كرهن أو كفالة فعليه رده للمشتركة، كما أن الأخير يتحمل ما يصيب الحكمة من ملاك أو تلف عقد روعي لك عند تقدير الثمن إلا أن يكون قد حدث بغش من الوارث كان يخفي بعض الحصة أو يتلفها عمداً أو يتعمد عدم قطع تقادم أو عدم قيد رهن او عدم تجديد القيد، فإذا كان ذلك قبل بيع الحصة اعتبر تدليساً يجعل البيع قابلاً للإبطال وإن كان بعد البيع اعتبر إخلالاً بالتزامات يوجب مسئوليته العقدية، ويجوز الاتفاق على إلا يرد البائع شيئاً مما تصرف فيه من حصته ويشترط لذلك أن يكون الاتفاق صريحاً فلا يستخلص ضمناً(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السادس الصفحة/ 754 )
يلتزم الوارث البائع أن يسلم المشتري جميع ما تشتمل عليه التركة من عقارات ومنقولات وحقوق أي يلتزم بتسليمه جميع ما آل إليه بالميراث.
ويخضع تسليم التركة للأحكام العامة في تسليم المبيع، وخاصة فيما يتعلق بالحالة التي يجب تسليمه عليها، فيجب تسليم أموال التركة إلى المشتري على الحالة التي تكون عليها وقت إبرام البيع (م 431)، ولو اختلفت عن الحالة التي كانت عليها هذه الأموال وقت وفاة المورث و افتتاح التركة، فإذا كان الوارث قد أدخل تحسينات أو قام بإصلاحات على أعيان التركة، فإنه يلتزم أن يسلم هذه الأعيان مع تحسيناتها إلى المشتري، لأنه لابد وأن يكون قد راعى قيمتها عند تحديد الثمن.
كذلك إذا كانت عين من أعيان التركة أصابها تلف أو خلل ولو بخطأ من الوارث البائع، فإنه يلتزم بتسليمها على ما هي عليه من تلف أو خلل، لأن المشترى لابد أن يكون قد راعی وجود هذا التلف أو الخلل عند تحديد الثمن.
وإذا كان حق من حقوق التركة قد انقضى باتحاد الذمة بسبب الميراث فإن هذا الحق بعد أن باع الوارث حصته يعود إلى الوجود وينتقل إلى المشتري سواء كان الحق شخصياً أو عينياً، ولكن الكفالة الشخصية أو العينية التي انقضت باتحاد الذمة لا تعود، حتى لا يضار الكفيل وهو من الغير، وهذا بخلاف الرهن الذي يكون الوارث المدين نفسه قد قدمه فإنه يعود مع الدين، مع الاحتفاظ بحقوق الغير التي ثبتت على العين المرهونة.
رد ما استوفاه البائع :
إذا كان البائع قد استوفى بعض ما للتركة من الديون وجب رد ما استوفاه إلى المشتري، وإذا باع شيئا من مشتملات التركة دخل الثمن فيما يجب عليه أن يعطيه للمشتري، وكذلك إذا استهلك شيئاً من التركة وجب عليه رد ثمنه إلى المشتري.
ويجب على البائع أيضاً أن يرد للمشترى ما استولى عليه من ثمار أموال التركة من وقت وفاة المورث كل هذا ما لم يتفق صراحة عند البيع على عدم ردة وإذا كان بعض هذه الأموال قد هلك واستحق عن هلاكه تعويض أو تأمين، وجب على البائع رد ما حصل عليه.
إذا كانت القاعدة أن الوارث يلزم بتسليم كل ما يدخل في التركة إلا ما احتفظ به لنفسه بنص صريح في العقد، إلا أنه من المتفق عليه أن بعض الأشياء لا تدخل في المبيع ولو لم ينص على ذلك صراحة، وهي الأشياء اللصيقة بشخص صاحبها كأوراق العائلة والأوراق المثبتة لنسب المورث وبراءات رتبة ونياشينه وشهاداته العلمية وذلك ما لم يكن لهذه الأشياء قيمة مادية أدخلها المشتري في حسابه باتفاق خاص مع الوارث، وليس ثمة ما يمنع من أن يتفق الوارث مع المشتري صراحة على استثناء بعض مشتملات التركة من البيع وإن كان لهذه المشتملات المستثناة قيمة مالية.
ولا يدخل في البيع وبالتالي لا يلزم تسليمه غير ما تلقاه الوارث بصفته وارثا، أما ما يتلقاه بصفته الشخصية مباشرة دون أن يكون من مشتملات التركة فلا يدخل في البيع.
ومثال ذلك مبلغ التأمين على الحياة الذي اشترطه المورث لصالحه، ذلك أن مبالغ التأمين على الحياة تؤول إلى المستفيد مباشرة، ولا تدخل في تركة المؤمن له. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الخامس الصفحة/ 641)
التزامات البائع - يلتزم البائع أولاً بأن يسلم المشتري مشتملات التركة من عقارات ومنقولات بالحالة التي تكون عليها وقت البيع، لأن كل زيادة في القيمة عن وقت موت المورث او نقص فيها بالنسبة لأي من هذه العقارات أو المنقولات يعتبر انه قد دخل في تقدير الطرفين عند تحديد ثمن البيع.
فلا يكون للوارث البائع أن يطالب المشتري بشيء مقابل ما أنفقه على بعض أعيان التركة حتى وقت البيع ولا يكون للمشتري أن يطالب البائع بشيء نظير ما أصاب بعض هذه الأعيان من تلف في الفترة ما بين موت المورث وحصول البيع.
ولكن لأن البيع يعتبر وارداً على جميع مشتملات التركة رنت موت المورث، فإنه يشمل جميع الحقوق التي كانت قائمة في ذمة المورث عند وفاته وثمارها، ولو كان بعضها قد انقضى بالوفاء في الفترة ما بين موت المورث والبيع، ولذلك نصت المادة 475 مدني على أنه إذا كان البائع قد استوفى بعض ما التركة من الديون أو باع شيئاً مما اشتملت عليه، وجب أن يرد للمشتري ما استولى عليه ما لم يكن عند البيع قد اشترط صراحة عدم الرد، فيلزم البائع بأن يرد الى المشتري ما حصله من الحقوق التي كانت داخلة في التركة وقت وفاة المورث أو التي دخلت فيها بعد ذلك، فإذا كان الوارث قد حصل ثمار بعض أعيان التركة أو قبض بعض الديون المستحقة لها أو باع منقولاتها، التزم أن يرد للمشترى قيمة ذلك ما لم يكن قد احتفظ بها صراحة عند البيع.
وهو يلتزم ثانياً بضمان محدود، ذلك أن عقد بيع التركة، مع انه عقد احتمالي لا يترتب عليه في الأصل ضمان، يلزم البائع أن يضمن على الأقل وراثته لهذه التركة، ويترتب هذا الضمان في ذمته بحكم القانون، إذ نصت المادة 473 مدني على أن «من باع تركة، دون أن يفصل مشتملاتها، لا يضمن إلا ثبوت وراثته ما لم يتفق على غير ذلك» وظاهر أن هذا النص مقرر لإرادة الطرفين فيجوز لهما الاتفاق على زيادة هذا الضمان أو نقصه أو استبعاده استبعاداً تاماً، بل يجوز الاتفاق على إعفاء البائع حتى من ضمان وراثته، وفي هذه الحالة إذا ثبت بعد البيع أن البائع لم يكن وارثاً أصلاً لم يكن للمشتري رجوع عليه إلا إذا أثبت أن البائع قد دل عليه وأوهمه أنه وارث مع علمه بعدم صحة ذاك.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع الصفحة/ 770)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
مادة 447
إذا كان البائع قد استوفى بعض ما للتركة من الديون أو باع شيئاً مما اشتملت عليه، وجب أن يردّ للمشتري ما استولى عليه ما لم يكن عند البيع قد اشترط صراحةً عدم الردّ.
هذه الماده مقابل المادة 475 من التقنين الحالي۰
وقد أدخل على هذه المادة التعديلات الآتية :
ا- استبدلت عبارة اذا استوفى في البائع ، بعبارة اذا كان البائع قد استوفی۰
۲- استبدلت كلمة الحقوق ، بكلمة "الديون".
3 - أضيف إلى النص حالتان آخریان يشملهما الحكم ، وهما حالة التبرع بشيء اشتملت عليه التركة وحالة استهلاك هذا الشيء . وقد اقتضت هذه الاضافية أن يشار الى التزام المشتري برد قيمة ما تبرع به أو استهلكه •
والمادة المقترحة تقابل المادة 517 من التقنين الكويتي.
انظر المذكرة الايضاحية للنص المقابل في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي (م 641 ) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 3 ص 213.
والسند الشرعي للنص المقترح ان البائع حين يستوفي حقاً للتركة أو يبيع شيئاً مما اشتملت عليه , أو يتبرع به أو يستهلكه انما يتصرف فيما لا حق له فيه ، فيجب عليه رده الى المشترى، ما لم يكن عند البيع قد اشترط صراحة عدم الرد •