loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 437

الصلح

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

دخل الصلح ضمن العقود التي ترد على الملكية لا لأنه ينقلها ، فسياتي أن الصلح كاشف للحقوق لا ناقل لها ، بل لأنه يتضمن تنازلاً عن بعض ما يدعيه الطرفان من الحقوق ، والتنازل عن الحق يرد على كيانه لاعلى مجرد ما ينتجه من المرات.

وقد رتب المشروع نصوص الصبح ترتيباً أقرب إلى المنطق من ترتيب التقنين الحالى ، فقسمها إلى أقسام ثلاثة ، عرض في الأول منها إلى أركان الصلح ، فذكر الرضاء والأهلية والمحل والسبب ، واستطرد إلى إثبات الصلح و تسجيله ، وعرض في القسم الثاني الآثار الصلح، فبين أثره من حيث حسم النزاع ، ومن حيث أنه كاشف لا منشئ ، وقرر أن هذه الآثار  يجب أن تفسر تفسير منضبطاً لا توسع فيه ، وعرض في القسم الثالث إلى انقضاء الصلح ، أما التقنين الحالى فلم يراع تنسيقاً في بسط هذه الأحكام ( انظر المواد 532 - 539 / 653 - 661 مصری ).

وأهم ما يلاحظ في نصوص المشروع ما يأتي :

1 - عرض المشروع صراحة لإثبات الصلح ، فأوجب أن يكون ذلك بالكتابة ، وهذا تقنين للقضاء المختلط في هذه المسألة .

2 - ذكر المشروع صراحة الأثر الكاشف للصلح (م 582 ) و مبدأ عدم التجزئة ( م 585) .

3 - بين المشروع بوضوح أن الطعن في الصلح بالبطلان بسبب غلط في القانون لا يجوز (م 584 ) وترك بقية أسباب البطلان للقواعد العامة .

4 - أغفل المشروع نصين في التقنين الحالي ، اكتفى فيهما بتطبيق القواعد العامة هما المادة 536/ 658 و هي تتعلق بالغلط في أرقام الحساب ، والمادة 537/ 659 وهي خاصة بانتقال التأمينات التضمن الوفاء بالصلح .

مذكرة المشروع التمهيدي :

تعرف المادة 737 الصلح و تبين أركانه ، فهو عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو محتملاً بنزول كل منهما عن إدعاء له ، وإلى جانب أركان العقد العامة ، وهي الرضاء والمحل والسبب ، توجد أركان خاصة هي (أ) نزاع قائم أو محتمل (ب) ونزول عن ادعاءات متقابلة ( و لفظ و إدعاءات ، أدق من لفظ حقوق ، الذي ورد في التقنين الحالي : م 532/ 653 ) فإن لم يكن هناك نزاع قائم ، أو بالأقل نزاع محتمل ، فلا يكون العقد صلحاً ، كما إذا تنازل المؤجر للمستأجر عن بعض الأجرة ليسهل عليه الحصول على الباقي ، فهذا إبراء من بعض الدين وليس صلحاً .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 737 من المشروع فأقرتها اللجنة كما هي :

وأصبح رقمها 577 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 577

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

بدأت اللجنة ببحث الفصل السادس الخاص بالصلح فتليت المادة 577 ولاحظ سعادة الرئيس أن النص يتناول النزول عن ادعاء بالحق في حين أن النص القائم يتكلم عن النزول عن كل أو بعض الحق ، هذا فضلاً عن أن النص الجديد يوهم أن النزول يكون عن الإدعاء بالحق ذاته وليس عن الحق نفسه فذكر الدكتور بغدادی رداً على هذا الاعتراض أن النص الجديد عام يشمل الحق وما قد يكون في الواقع ليس بحق كمجرد الإدعاء بحق .

وأضاف سعادته إلى اعتراضه أن النص لم يبين أن النزول عن كل أو بعض الحق يكون على وجه التقابل ، كما أنه قد يوهم عدم جواز النزول عن جزء من الحق ، وذكر كذلك على سبيل الاعتراض أن عبارة يتصل برابطة قانونية قائمة بينهما ، قد توهم أن المادة أوردت مبدءاً جديداً لإجراء الصلح ، وخلص سعادته إلى اقتراح حذفها و بعد الرجوع إلى القانون اللبناني مصدر تلك المادة ونص القانون القائم استقر الرأي على تعديل المادة على النحو الآتي حتى ترتفع تلك الاعتراضات .

مادة 577 - والصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقیان به نزاعاً محتملاً وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه .

ملاحظة - لیكن مفهوماً أنه يكفي أن يتنازل أحد الطرفين عن مجرد الإدعاء، وليس من اللازم أن يكون الإدعاء مبنياً على حق ، إذ قد يكون الإدعاء کدفاع براءة الذمة .

هذا ما علقت به اللجنة على اعتراض أباظه بك من أن التقابل في النزول ليس مفهوما في حالة النزول عن الإدعاء بالحق .

تقرير اللجنة :

حذفت العبارة الأخيرة من المادة ، واستعيض عنها بعبارة يفهم منها أن الصلح يتم بأن ينزل كل من الطرفين على وجه التقابل عن جزء من إدعاء له ، والتعديل يجعل المعنى أدق دون أن يغير من جوهر التعريف ، وأصبح رقم المادة 549 .

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة . 

الأحكام

1- المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تكييف العقد والتعرف على ما عناه المتعاقدان منه إلا أنها تخضع في هذا التكييف لرقابة محكمة النقض، وأن مفاد نص المادة 549 من القانون المدني أن العقد لا يكون صلحا إلا إذا نزل كل من طرفيه عن بعض ما يدعيه قبل الآخر حتى ولو لم يكن ما نزل عنه أحدهما متكافئا مع ما نزل عنه خصمه، وأن المقرر أنه طبقا للمادتين 20 مكررا من قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964، 71 من قانون المرافعات، أنه إذا تصالح الخصوم في الجلسة الأولى لنظر الدعوى وقبل بدء المرافعة، فلا يستحق عليها إلا ربع الرسم، إلا أنه لما كانت المادة 103 من قانون المرافعات قد رسمت طريقا معينا لحصول تصالح الخصوم، بأن يلحق ما اتفقوا عليه كتابة بمحضر الجلسات ويثبت محتواه فيه. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المحكمة التي أصدرت الحكم في الدعوى الصادر فيها أمر تقدير الرسوم محل المنازعة قد فصلت في موضوع الخصومة بقضائها بصحة ونفاذ العقد موضوعها وهو ما يستحق عنه الرسم كاملا، ودون أن يغير من هذا النظر ما ورد بالحكم المطعون فيه من حضور وكيل المطعون ضده وإقراره بالتصادق على عقد البيع وقبض الثمن وأن ذلك يعد تصالحا بين الخصوم ذلك أن تقرير الصلح ومدى توافر أركانه وصلاحيته لترتيب آثاره من سلطة المحكمة التي يحتج به لديها فإن التفتت عن إلحاقه بمحضر الجلسة كان له أن يطعن على هذا الحكم بطرق الطعن المقررة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى باستحقاق قلم الكتاب نصف قيمة الرسم تأسيسا على حدوث تصالح بين الخصوم فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه على أن يكون مع النقض الإحالة.

( الطعن رقم 15968 لسنة 76 ق - جلسة 18 / 1 / 2023 ) 

2- إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن دعوى الموضوع المقدَّر عنها الرسم لم يُقدم فيها عقد صلح أو يثبت محتوى له فى محضر الجلسة وإنما اقتصر الأمر على تسليم المدعى عليهم فيها بالطلبات ، وهو ما لا يُعد صلحاً وفقاً لمفهوم المادة 549 من القانون المدنى المشار إليها ، وقضت المحكمة فى تلك الدعوى بطلبات المدعين فيها بصحة ونفاذ عقد الإيجار ، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى استحقاق الرسم على الدعوى كاملاً لعدم انطباق نص المادة 20 مكرراً من قانون الرسوم القضائية ، فإن النعى عليه بهذا السبب (بانطباق المادة المذكورة باعتبار أن تسليم المدعى عليهم بالطلبات صلحاً ) يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 7441 لسنة 74 جلسة 2014/01/12)

3- إذ كان الثابت من الأوراق أن الطرفين حضرا أمام محكمة أول درجة بجلسة 2004/1/5 وقدم الطاعنان عقد صلح يحمل ذات التاريخ ، تضمن انتهاء النزاع صلحاً على عقدى البيع المؤرخين 1989/7/3 موضوع الدعوى ، ونص فى بنده الثانى على إقرار الشركة المطعون ضدها - البائعة - بصحة ونفاذ هذين العقدين ، ونص فى بنده الثالث على التزام الطاعنين بالمصاريف ، وقد صادق الطرفان على ما جاء باتفاق الصلح ، وطلبا إلحاقه بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه وجعله فى قوة السند التنفيذى ، كما تمسكا بذات الطلب أمام محكمة الاستئناف ، وكان مؤدى ما تضمنه هذا الاتفاق - وعلى ما اتجهت إليه إرادة طرفيه - أن التزام الطاعنين بمصاريف الدعوى ، يقابله التزام المطعون ضدها بإقرار ذلك الصلح ، وأنه مشروط بتصديق المحكمة عليه وإلحاقه بمحضر الجلسة ، فإذا امتنعت عن ذلك التصديق ، فإنه لا يجوز لها الاستناد إلى عقد الصلح بإلزام أحد طرفيه بالمصاريف ، وإلا تكون قد عدلت العقد بالمخالفة لإرادة عاقديه، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وألزم الطاعنين بالمصاريف أخذاً بإقرارهما بها باتفاق الصلح ، رغم امتناعه عن التصديق عليه ، ولم يفطن الحكم إلى أن الالتزام بالمصاريف جزء مما ورد بذلك الاتفاق ولا يمكن فصله عن باقى الالتزامات الأخرى المنصوص عليها فيه ، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 5410 لسنة 75 جلسة 2007/05/17 س 58 ص 437 ق 76)

4- إذ كان الثابت من محضر جلسة 16/8/2001 أمام محكمة أول درجة حضور الخصوم جميعاً أمام المحكمة كل بوكيله ، وقدموا عقد صلح يحمل ذات تاريخ الجلسة يتضمن انتهاء النزاع صلحاً على عقدى البيع ( المطلوب صحتهما ونفاذهما ) المؤرخين 14/8/1999 ، 26/12/2000 الصادر أولهما عن المطعون ضده الأول وثانيهما عن المطعون ضده الثانى وطلبوا إلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه وجعله فى قوة السند التنفيذى ، إلا أن المحكمة لم تطلع على التوكيلات الصادرة إليهم ، وفى الجلسات التالية طلبت من وكلاء الخصوم تقديم هذه التوكيلات ، فقدم كل من وكيلى الطاعن والمطعون ضده الأول التوكيلين الصادرين إليهما وتبين للمحكمة أنهما يتضمنان التفويض بالصلح ، ولم يحضر المطعون ضده الثانى أمام محكمة الموضوع بدرجتيها لا بشخصه للإقرار بالصلح ولا بوكيله ، الأمر الذى كان يوجب على المحكمة أن تقضى بإلحاق عقد الصلح فيما يتعلق بعقد البيع المؤرخ 14/8/1999 الصادر عن المطعون ضده الأول بمحضر الجلسة إعمالاً لحكم المادة 103 / 1 من قانون المرافعات ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فيما يتعلق بهذا العقد وأيد الحكم الابتدائى فيما قضى به فى موضوع الدعوى بصحته ونفاذه فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 304 لسنة 74 جلسة 2005/05/19 س 56 ص 510 ق 88)

5- إن الثابت من عقد الصلح المبرم بين الطاعن والمطعون ضدهم الأربعة الأوائل بتاريخ 16/12/1999 والمقدم فى الدعوى بشأن عقد البيع المؤرخ 22/2/1992 أنه قد تضمن الاتفاق على إنهاء الخصومة بشأنه وعلى التزام الأخيرين بالمصروفات فإن الحكم المطعون فيه إذ ألزم الطاعن بالمصروفات الاستئنافية ومقابل أتعاب المحاماة رغم تصديقه على هذا الصلح وإلحاقه بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 3768 لسنة 71 جلسة 2004/12/21 س 55 ع 1 ص 824 ق 152)

6- مفاد نص المادة 103 من قانون المرافعات يدل على أن القاضى وهو يصدق على الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل فى خصومة بل تكون مهمته مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من اتفاق بمقتضى سلطته الولائية وليس بمقتضى سلطته القضائية ، ومن ثم فإذا ما انتهى الخصوم فى الدعوى إلى التصالح بشأن كل الطلبات فيها أو فى شق منها سواء أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة ثان درجة فإن ولاية المحكمة تنقضى على الخصومة برمتها أوعلى الشق المتصالح عليه منها إذا كان الصلح جزئياً ، ولا يجوز لها عند التصديق على الصلح أن تتصدى للفصل فى المصروفات .

(الطعن رقم 3768 لسنة 71 جلسة 2004/12/21 س 55 ع 1 ص 824 ق 152)

7- إذ كان الحكم الصادر فى الدعوى رقم ..... لسنة 1996 مدنى قنا الابتدائية ……. قد قضى فى منطوقه بانتهاء الدعوى صلحاً ، إلا أنه لم يضمن أسبابه ما يفيد تقديم عقد صلح أو إلحاقه بمحضر الجلسة ، للوقوف على ماهيته وفحواه ، كما أنه خلا مما يفيد تنازل كل من طرفى الخصومة عن جزء من ادعائه فى سبيل الحصول على الجزء الباقى أو أن هناك ثمة نزول عن ادعاءات متقابلة ، ومن ثم فإن حقيقة ما فصلت فيه تلك المحكمة لا يعد صلحاً ، وإذ كان ذلك وكان الحكم الصادر فى الدعوى سالفة البيان الصادر بشأنها قائمتى الرسوم محل التظلم قد قضى بانتهاء الخصومة ودون أن يفصل فى موضوع النزاع أو يقضى بإلزام أى من طرفى الخصومة بثمة التزام فإنه لا يكون قد حكم لأى منهما بشئ ومن ثم لا يستحق لقلم الكتاب رسم أكثر مما حصل عند رفع الدعوى . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى باستحقاق قلم الكتاب الرسم كاملا إعمالاً لحكم المادة 20 من قانون الرسوم القضائية تأسيسا على انتهاء الدعوى صلحاً فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 1447 لسنة 71 جلسة 2003/12/23 س 54 ع 2 ص 1394 ق 249)

8- إذ كان البين من مدونات الحكم الابتدائى أن الدعويين رقمى ..... ، ..... سنة 1987 تنفيذ إسكندرية – المتظلم من تقدير رسومهما قد أقيمتا ضد البنك الطاعن بطلب بطلان إجراءات البيع التى شرع فى اتخاذها وقد انتهتا بإلحاق عقد الصلح المحرر بين المتخاصمين بمحضر الجلسة وإذ خلا هذا العقد من الاتفاق على من عليه أداء ما بقى من مصاريف الدعوى إلى قلم الكتاب فإنه يبقى على المدعى فيها وحده الالتزام بسدادها وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد قضاء الحكم الابتدائى برفض تظلم الطاعن فى أمر تقدير الرسوم على قالة أن قلم الكتاب مخير فى الرجوع بما يستحقه من رسوم على أى من المتخاصمين فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 3423 لسنة 64 جلسة 2003/12/14 س 54 ع 2 ص 1344 ق 238)

9- إن انقضت الدعوى بحكم تضمن إلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة فإن المحكمة لا تتعرض فى هذه الحالة للفصل فى المصاريف التى يتحدد الملتزم بأدائها بما تضمنه عقد الصلح فى شأنها ما لم يكن غفلاً من بيانه فيتحمل كل طرف ما أنفقه على أن يرجع قلم الكتاب باستيداء ما يستحقه منها عدا ذلك على المدعى باعتباره المدين بها ابتداءً .

(الطعن رقم 3423 لسنة 64 جلسة 2003/12/14 س 54 ع 2 ص 1344 ق 238)

 10- النص فى المادة 549 من القانون المدنى على أن : " الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا ، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه " وفى المادة 553 منه على أن : " تنحسم بالصلح المنازعات التى تناولها ، ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التى نزل عنها أى من المتعاقدين نزولاً نهائيا " – مفاده أن العقد لا يكون صلحا إلا إذا نزل كل من طرفيه عن بعض ما يدعيه قبل الآخر حتى ولو لم يكن ما نزل عنه أحدهما متكافئا مع ما نزل عنه خصمه .

(الطعن رقم 1577 لسنة 72 جلسة 2003/06/24 س 54 ع 2 ص 1079 ق 190)

11- لما كان الصلح عقداً ينحسم به النزاع بين طرفيه فى موضوع معين على أساس نزول كل منهما عن بعض ما يدعيه قبل الآخر، ولهذا فقد نصت المادة (555) من القانون المدني على وجوب أن تفسر عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح تفسيرا ضيقا، و أياً كانت تلك العبارات، فإن التنازل لا ينصب إلا على الحقوق التي كانت وحدها بصفة جلية محلا للنزاع الذي حسمه الصلح.

(الطعن رقم 2349 لسنة 63 جلسة 2001/01/24 س 52 ع 1 ص 194 ق 41)

12- إذ كان هذا التعديل الوارد على النصين المشار إليهما (التعديل الحاصل بمقتضى القانون 6 لسنة 1991 فى مادته الخامسة على كل من المادتين 65 ، 103 من قانون المرافعات بإضافة فقرة جديدة إلي كل منهما ) ..... تدل إشارته - وإن لم تفده عبارته - على أن شهر الاتفاق على صحة التعاقد على حق من الحقوق أنفة البيان (الحقوق العينية العقارية) لا يجب ولا يلزم مادامت صحيفة الدعوى بصحة هذا التعاقد قد سبق شهرها ولم يتضمن هذا الاتفاق غير ذات الطلبات الواردة فى الصحيفة المشهرة أما إذا انطوى على حقوق عيينة أخرى غير تلك التي شملتها صحيفة الدعوى تعين شهره إذ أن دلالة الإشارة - باستقراء أساليب اللغة العربية وما قرره علماؤها - هي دلالة النص عن معنى لازم لما يفهم من عبارته غير مقصود من سياقه يحتاج فهمه إلى فضل تأمل أو أناه حسب ظهور وجه التلازم وخفائه . والمعروف أن المعنى المتبادر من إشارة النص على هذا النحو من الدلالات المعتبرة فى فهم النصوص لأن دلالة النص ليست قاصرة على ما يفهم من عبارته وحروفه وهو ما يعبر عنه رجال القانون بالنص الصريح بل هو قد يدل أيضاً على معان تفهم من إشارته ومن اقتضائه وكل ما يفهم منه من المعاني بأي طريق من هذه الطرق يكون من مدلولات النص ويكون النص دليلاً وحجة عليه ويجب العمل به وإذ لم يفطن الحكم المطعون فيه إلى المعنى المفهوم من هذا التعديل الحاصل للمادتين 65 ، 103 من قانون المرافعات المشار إليه ووقف به عند دلالة عبارة نص المادة 103 وحده من وجوب شهر الاتفاق فى كل حال دون أن يمعن التأمل فى المعنى اللازم للمعنى من هذا اللفظ مع دلالة نص المادة 65 حسبما سلف إيضاحه ومع ما ليس فى المعنى المتبادر من عبارة أي منهما ما يتصادم أو يتنافر مع ما يؤخذ منها بطريق الإشارة وخلص إلى تأييد الحكم الابتدائي الذي رفض التصديق على الصلح المقدم من أطراف النزاع لعدم شهره رغم سبق شهر صحيفة دعوى صحة التعاقد وعدم انطواء اتفاق الصلح على حقوق غير تلك التي تضمنتها هذه الصحيفة المشهرة فإنه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 4685 لسنة 67 جلسة 2000/05/18 س 51 ع 2 ص 694 ق 12 )

13- لا يجوز أن تتصدى المحكمة لعلاقة الخصوم بوكلاتهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك ولم يعتد بالاتفاق المبرم بين الشركة الطاعنة والمطعون ضده الأول بصفته وكيلاً عن زوجته لعدم تقديمه سند الوكالة للوقوف على مدى سعته رغم أن المطعون ضدها الثانية مثلت فى الدعوى بمدافع عنها لم يعترض على وكالة زوجها عنها فى إبرام الاتفاق ولم ينع عليه بشئ ، وكان الثابت بالمخالصة المؤرخة 1989/6/27المقدمة من الشركة الطاعنة استلام المطعون ضده الأول عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر ووكيلاً عن زوجته المطعون ضدها الثانية مبلغ خمسة آلاف جنيه قيمة التسوية الودية التى تمت بينه وبين الشركة عن الأضرار المالية والأدبية والموروثة نتيجة وفاة إبنه إثر حادث سيارة هيئة النقل العام المؤمن عليها لدى الشركة الطاعنة وتنازله عن أصل الحق عن الاستئناف المقام منه ومن المطعون ضدها الثانية بما مؤداه أن المطعون ضده الأول قد قبض قيمة التعويض المحكوم به نهائياً لأولاده القصر الثلاثة ومقداره ألف وخمسمائة جنيه بواقع خمسمائة جنيه لكل منهم وأنه تنازل عن نفسه وبصفته وكيلاً عن زوجته على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فيما يتعلق بالتعويض المتنازع عليه وتخالص عما حكم به لهما ابتدائياً وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة انه إذا حسم النزاع بالصلح فإنه لا يجوز لأى من المتصالحين ان يحدد النزاع لا بإقامة دعوى به ولا بالمضى فى الدعوى التى كانت مرفوعة بما حسمه الطرفان صلحاً وانقضاء ولاية المحكمة فى الفصل فى النزاع بما يعنى انتهاء الخصومة، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه ويتعين نقضه والحكم بانتهاء الخصومة فى الاستئنافين صلحاً .

(الطعن رقم 6677 لسنة 64 جلسة 1996/03/12 س 47 ع 1 ص 460 ق 89)

14- المادة 549 من القانون المدنى تنص على أن " الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه كما تنص المادة 553 منه على أن "1" تنحسم بالصلح المنازعات التى تناولها . "2" ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التى نزل عنها أى من التعاقدين نزولا نهائيا ." وإذ كان يبين من الأوراق أن عقد الصلح الذى أبرمته الطاعنة والمطعون ضدهم بتاريخ 1989/4/11 بعد رفع الطعن الماثل قد تضمن تنازل المطعون ضدهم عن الحكم الصادر لصالحهم فى الاستئنافين رقمى 10330،10331 لسنة 104 ق القاهرة بجلسة 1988/6/6 تنازلا نهائيا وتصبح بذلك العين محل النزاع خالصة للطرف الأول الطاعنة مقابل أدائها إليهم مبلغا مقداره عشرة آلاف جنية، وكان هذا الصلح لا مخالفة فيه للنظام العام وقد حسم المنازعات التى تناولها على ما نصت عليه المادة 553 سالفة الذكر مما مفاده عدم تجديد النزاع أوالمضى فيه إذا كان لازال قائما ، وانقضاء ولاية المحكمة فى الفصل فى النزاع بما يعنى انتهاء الخصومة فيه مما يتعين معه القضاء بذلك . ولما تقدم يتعين الحكم بانتهاء الخصومة فى الطعن صلحا ولامحل لمصادرة الكفالة لأن الحكم بمصادرتها كلها أو بعضها قاصر على نحو توجبه المادة 270 من قانون المرافعات على أحوال القضاء بعدم قبول الطعن أوبرفضه أو بعدم جواز نظره.

(الطعن رقم 3318 لسنة 58 جلسة 1994/02/09 س 45 ع 1 ص 324 ق 68)

15- ولئن كان من المقرر طبقاً للمادتين 20مكررا من قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964، 71 من قانون المرافعات أنه إذا تصالح الخصوم فى الجلسة الأولى لنظر الدعوى وقبل بدء المرافعة فلا يستحق عليها إلا ربع الرسم، إلا أنه لما كان الشارع - طبقا للمادة 103 من قانون المرافعات - رسم طريقا معينا لحصول تصالح الخصوم بأن يلحق ما اتفقوا عليه كتابة بمحضر الجلسة ويثبت محتواه فيه وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المحكمة التى أصدرت الحكم فى الدعوى - الصادر فيها الأمر محل الاعتراض - فصلت فى موضوع الخصومة والتفتت عن إلحاق محضر الصلح الذى قدم إليها بمحضر الجلسة واعتبرته ورقة من أوراق الدعوى فيستحق الرسم كاملاً.

(الطعن رقم 1670 لسنة 58 جلسة 1992/02/19 س 43 ع 1 ص 334 ق 73)

16- الحكم الذى يقضى بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه لا يعدو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون عقداً وليس له حجية الشيء المحكوم به وإن أعطى شكل الأحكام عند إثباته ولا يجوز الطعن فيه من طرفيه لأن القاضى وهو يصدق على الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل فى خصومه وإنما بسلطته الولائية وليس بمقتضى سلطته القضائية مما مؤداه أنه لا يسوغ لمحكمة الاستئناف إذا ما طعن على الحكم الصادر بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه وجعله فى قوة السند واجب النفاذ أن تعرض فى حكمها لأى دافع يثيره الطاعن متعلقاً بالموضوع أياً كان وجه الرأى فيه.

(الطعن رقم 331 لسنة 55 جلسة 1991/04/24 س 42 ع 1 ص 936 ق 153)

17- الشفعة لا تجوز إلا فى بيع العقار ولو كان بعقد غير مسجل ، ولا تجوز فى الصلح الواقع فى شأن ملكية عقار لأنه ليس ناقلا للملكية بل كاشفاً عنها ومقرراً لها ولما تقتضيه طبيعته من أن يترك كل طرف شيئاً من حقه فلا يجوز أن ينتفع الأجنبى بفائدة مقررة لمنفعة المتصالح كما أنه يستلزم من قبل طرفيه واجبات شخصية لا يمكن أن يحل فيها أجنبى عن العقد مثل طالب الشفعة ، إلا أن الصلح الذى يقع بين الخصوم ويصدق عليه القاضى فى دعوى صحة ونفاذ البيع التى تقام بقصد تنفيد التزامات البائع والتى من شأنها نقل الملكية ، لا يترتب عليه قانوناً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنحلال البيع الذى صدر الصلح فى شأنه ليحل هذا الصلح محله وإنما يظل التصرف الأصلى وهو البيع قائماً ومنتجاً لآثاره وبالتالى تجوز فيه الشفعة .

(الطعن رقم 839 لسنة 51 جلسة 1984/12/13 س 35 ع 2 ص 2094 ق 396)

18- إذ كان الحكم المطعون فيه لم يرفض الدفع بالصورية لمجرد أنه أبدى فقط بالمذكرة الختامية فى فترة حجز الإستئناف للحكم . وإنما على ما إستخلصه من أوراق الدعوى وما أحاط بها من ظروف وملابسات من أن الطاعن الأول رغبة منه فى التخلص من العقد موضوع الدعوى إستعان بزوجه الطاعنة الثانية متواطئاً معها بأن حرر لها عقد بيع منه عن ذات الحصة ووقع لها عقد صلح فى دعواها بصحة هذا العقد وكان تدخلها فى الدعوى الماثلة إنضمامياً له وبواسطة وكيله وهو الذى ناب عنهما معاً فى الدفاع وفى إقامة الإستئناف وظل لا يوجه ثمة مطعن علىعقد شراء المطعون ضده طوال مراحل نظر الدعوى أمام محكمتى أول و ثانى درجة إلى أن حجز الإستئناف للحكم فقدم مذكرة دفع فيها لأول مرة بصورية هذا العقد ، وإستدل من هذه القرائن مجتمعة على عدم صحة هذا الدفاع وهو إستخلاص سائغ يكفى لحمل قضائه برفض الإدعاء بالصورية ، فإن النعى عليه بالقصور يكون غير صحيح .

(الطعن رقم 673 لسنة 49 جلسة 1984/01/26 س 35 ع 1 ص 310 ق 63)

19- القاضى وهو يصدق على الصلح وإلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة  لا يكون قائماً بوظيفة الفصل فى خصومة لأن مهمته إنما تكون مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من إتفاق ومن ثم فإن هذا الإتفاق لا يعدو أن يكون عقداً ليس له حجية الشىء المحكوم فيه و إن كان يعطى شكل الأحكام عند إثباته ، لما كان ذلك فإنه لا تترتب على الحكم المطعون فيه إن هو قضى ببطلان عقد البيع المؤرخ ... الذى حرر بشأن عقد صلح صدقت عليه المحكمة لما تبين أنه صورى صورية مطلقة وأن تلك الصورية تجعل العقد والعدم سواء مما يترتب على الحكم ببطلانه إلغاء كافة الآثار القانونية المترتبة على رفع الدعوى بصحته ونفاذه ومنها تسجيل صحيفتها .

(الطعن رقم 899 لسنة 43 جلسة 1981/12/10 س 32 ع 2 ص 2256 ق 411)

20- مفاد نص المادة 103 من قانون المرافعات أن القاضى وهو يصدق على الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل فى خصومة بل تكون مهمته مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من اتفاق و توثيقه بمقتضى سلطته الولائية وليس بمقتضى سلطته القضائية ، ومن ثم فإن هذا الإتفاق لا يعدو أن يكون عقداً وليس له حجية الشىء المحكوم به وإن أعطى شكل الأحكام عند إثباته . لما كان ذلك ، فإن الطعن على هذا الحكم - الذى قضى بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه - يكون غير جائز .

(الطعن رقم 990 لسنة 45 جلسة 1980/06/22 س 31 ع 2 ص 1823 ق 339)

21- إذا كان الثابت أن عقد الصلح الذى طلبت المطعون ضدها أخذ الطاعن به يعد بيانا كتابيا صريحاً موقعا من الطرفين يقرر فيه الطاعن ترك الخصومة فى هذا الطعن ، على نحو تتحقق به إحدى الطرق التى تتطلبها المادة 141 من قانون المرافعات فى شأن ترك الخصومة . وكان الطاعن قد قرر فى عقد الصلح نزوله عن الطعن بعد أن كان ميعاد الطعن بالنقض فى الحكم المطعون فيه قد إنقضى وقت إقراره بهذا النزول ، ولما كان الطاعن قد أقام دعوى بطلب فسخ عقد الصلح فإن النزول عن الطعن - أوترك الخصومة فيه حسب تعبير قانون المرافعات - متى حصل بعد إنقضاء ميعاد الطعن فإنه يتضمن بالضرورة نزولا من الطاعن عن حقه فى الطعن ، وإذ كان النزول عن الحق فى الطعن يتم و تتحقق آثاره بمجرد حصوله بغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر ، ولا يملك المتنازل أن يعود فيما أسقط حقه فيه ، فإن ترك الخصومة بعد فوات ميعاد الطعن لا يجوز الرجوع إليه ، إعتبارا بأنه يتضمن تنازلا عن الحق فى الطعن ملزما لصاحبه بغير حاجة إلى قبول يصدر من المتنازل إليه ، لما كان ذلك ، و كان ترك الطاعن الخصومة فى الطعن قد تم وإنتج أثره فلا يغير منه إقامة التارك بعد ذلك الدعوى بطلب فسخ عقد الصلح ، ومن ثم فانه يتعين الحكم بقبول هذا الترك .

(الطعن رقم 1052 لسنة 45 جلسة 1979/05/05 س 30 ع 2 ص 287 ق 237)

22- القاضى وهو يصدق على محضر الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل فى خصومة لأن مهمته يقتصر على إثبات ما حصل أمامه من إتفاق ، ولا يعدو هذا الإتفاق أن يكون عقداً ليس له حجية الشىء المحكوم فيه ، إلا أن المادة 553 من القانون المدنى نصت على أن تنحسم بالصلح المنازعات التى يتناولها ، ويترتب عليه إنقضاء الحقوق والإدعاءات التى نزل عنها أى من المتعاقدين نزولاً نهائياً مما مؤداه أنه إذا إنحسم النزاع بالصلح لا يجوز لأى من المتصالحين أن يحدد هذا النزاع لا بإقامة دعوى به ولا بالمضى فى الدعوى التى كانت مرفوعة مما حسمه الطرفان صلحاً .

(الطعن رقم 113 لسنة 46 جلسة 1979/04/05 س 30 ع 2 ص 27 ق 191)

23- الصلح لا يترتب عليه قانون إنحلال التصرف الذى صدر الصلح فى شأنه ليحل هذا الصلح محله ، وإنما يظل التصرف الأصلى قائماً ومنتجاً لآثاره المعدلة بعقد الصلح ، بحيث إذا أبطل هذا العقد أو فسخ ظل التصرف الأصلى منتجاً لآثاره دون أن ينال منها الصلح الذى أبطل أو فسخ .

(الطعن رقم 654 لسنة 45 جلسة 1978/05/25 س 29 ع 1 ص 1328 ق 259)

24- الفقرة الأولى من المادة 14 من قانون الإثبات جعلت الورقة العرفية حجة بما ورد فيها على من نسب توقيعه عليها إلا إذا أنكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أوختم أو بصمة وإذ كان الثابت من أوراق الدعوى أن المطعون عليه قدم أمام محكمة أول درجة عقد صلح فقررالحاضر عن الطاعن أنه لايقره ، ولما حضر الطاعن شخصياً قال أن هذا المحضر خاص يتنازل عن شكوى الشرطة مما مفاده التسليم بصحة هذا المستند وصدوره منه فضلاً عن عدم طعنه عليه بشىء أمام محكمة الإستئناف فإن المستند تبقى حجيته على الطاعن ولا يكون على محكمة الإستئناف من تثريب فى تعويلها عليه .

(الطعن رقم 640 لسنة 41 جلسة 1977/12/29 س 28 ع 2 ص 1911 ق 328)

25- من اللازم لإعتبار العقد صلحاً فى معنى المادة 549 من القانون المدنى وجوب أن يتنازل كل من الطرفين عن جزء من إدعائه فى سبيل الحصول على الجزء الباقى فإن لم يكن هناك نزول عن إدعاءات متقابلة و إقتصر التنازل على أحد الطرفين دون الآخر فلا يعد الإتفاق صلحاً . و إذ كان البين أن الإقرار المنسوب للزوجة أنه مقصور على نزول الزوجة عن كافة حقوقها إزاء ما أقرت به من فض بكارتها قبل عقد الزواج ، فإنه لا وجه للقول ببطلان الإقرار ، على سند من المادة 551 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 16 لسنة 43 جلسة 1975/11/19 س 26 ص 1444 ق 272)

26- تمسك المتدخلة فى دعوى صحة التعاقد بطلب رفض الدعوى لبطلان عقد البيع ، يعد تدخلاً خصامياً تطلب به المتدخلة لنفسها حقاً ذاتياً مرتبطاً بالدعوى الأصلية ويتعين على المحكمة ألا تقضى بصحة التعاقد أوتقبل الصلح بشأنه إلا بعد الفصل فى طلب التدخل رفضاً أو قبولاً ، إعتباراً بأن هذا البحث هو مما يدخل فى صميم الدعوى المطروحة ، وعلى أساس أن الحكم الذى يصدر بصحة التعاقد أو بالحاق الصلح المبرم بمحضر الجلسة منوط بالتحقيق من عدم سلامة دعوى الخصم المتدخل أياً كان السبب و سواء كان مرده إلى تخلف الصفة أو إلى فساد الإدعاء .

(الطعن رقم 59 لسنة 39 جلسة 1975/02/12 س 26 ع 1 ص 364 ق 77)

27- مفاد نص المادة 549 من القانون المدنى أن من أركان عقد الصلح نزول كل من المتصالحين عن جزء مما يدعيه وإذ كان لا يشترط فى الصلح أن يكون ما ينزل عنه أحد الطرفين مكافئاً لما ينزل عنه الطرف الآخر ومن ثم فلا محل لإدعاء الغبن فى الصلح . وكان القانون المدنى لم يجعل الغبن سبباً من أسباب الطعن فى العقود إلا فى حالات معينة ليس من بينها الصلح ، إذ تقتضى طبيعته إلا يرد بشأنه مثل هذا النص ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بعدم إجازة الطعن فى الصلح بالغبن هو نعى لا أساس له .

(الطعن رقم 26 لسنة 38 جلسة 1973/12/18 س 24 ع 3 ص 1274 ق 221)

28- إذ كانت المادة 549 من القانون المدني تنص على أن " الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه " كما تنص المادة 553 منه على أنه " 1- تنحسم بالصلح المنازعات التي تناولها. 2- ويترتب عليه انقضاء الحقوق والإدعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولاً نهائياً " وإذا كان المبين من الأوراق أن عقد الصلح الذي أبرمه الطاعن والمطعون عليهما الأول والثاني بتاريخ 4 / 12 / 1988 بعد رفع الطعن الحالي وحكمت محكمة الاستئناف فى ذات التاريخ بالحاقه بمحضر الجلسة وجعله فى قوة السند التنفيذي قد تضمن تنازل المطعون عليه الأول عن حقه فى الأخذ بالشفعة وعن الإستئناف المرفوع بشأن هذا الحكم وصحة الحكم الصادر من محكمة أول درجة وبصحة التصرف الصادر إلى الطاعن وأن هذا الصلح منهياً لكل نزاع مستقبلاً ولا يجوز لأي طرف الرجوع . وكان هذا الصلح لا مخالفة فيه للنظام العام ، وكان الصلح يحسم المنازعات التي تناولها على ما نصت عليه المادة 553 سالفة الذكر مما مفاده عدم جواز تجديد النزاع - أوالمضي فيه إذا كان لازال قائماً، وانقضاء ولاية المحكمة فى الفصل فى النزاع بما يعنى انتهاء الخصومة فيه ولما كان انتهاء الخصومة بغير حكم فى الدعوى يرجع إلى أسباب مختلفة نظم قانون المرافعات بعضها كما فى أحوال السقوط والانقضاء بمضي المدة والترك ولم ينظم البعض الآخر كما فى حالة الصلح بين طرفي الخصومة وحالة وفاة الخصم أوغيره إذا كان النزاع مما ينتهي بالوفاة كما فى دعاوى التطليق والطاعة والحضانة والضم وكان اغفال هذا التنظيم يعد نقصاً تشريعياً يوجب على القاضي تكملته بالإلتجاء إلى المصادر التي نصت عليها المادة الأولى من القانون المدني ومنها قواعد العدالة، فإن الحل العادل فى حالة انتهاء المنازعة صلحاً أن يقضى فيها بإنتهاء الخصومة.

(الطعن رقم 911 لسنة 51 جلسة 1991/01/20 س 42 ع 1 ص 262 ق 44)

29- عقد الصلح وإن كان يحسم بين طرفيه المنازعات التى تناولها ويفرض على كل منهما إلتزاما بعدم تجديد المنازعة قبل الطرف الآخر فيما تم التصالح عليه  إلا أن الدفع بإنقضاء المنازعة بالصلح هو حق مقرر لمصلحة كل من الطرفين ، يجوز له أن يتمسك به إذا جدد الطرف الآخر المنازعة فى الحق المتصالح فيه كما يجوز التنازل عن الدفع صراحة أو ضمناً ، فإذا لم يقم أحدهما بما إلتزم به فى عقد الصلح وجدد المنازعة فى الأمر المتصالح عليه بأن إستمر بعد الصلح فى إجراءات الدعوى ولم يكن الطرف الآخر قد تمسك بالدفع بحسم المنازعة بالصلح حتى صدر فيها حكم حاز قوة الأمر المقضى ، فإنه لا يكون فى إستطاعه الطرف الذى أسقط حقه فى هذا الدفع الإحتجاج بعقد الصلح الذى كان يجوز له تقديمه فى المنازعة التى صدر فيها الحكم ، ولا يجوز الإستناد إليه فى دعوى مستقله كدليل لنقض حجية الحكم الذى حاز قوة الأمر المقضى .

(الطعن رقم 290 لسنة 35 جلسة 1970/06/11 س 21 ع 2 ص 1031 ق 165)

30- متى كان عقد الصلح كاشفاً للحق الذى تناوله ولا يعتبر ناقلا له ، فإنه لا يصلح سبباً لبقاء هذا الحق بعد زواله ، ولا يمنع من إسترداد غير المستحق فإذا كان الحكم المطعون فيه قد عول على عقد الصلح فى قضائه برفض دعوى الطاعن بإسترداد ما دفعه بغير حق ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 290 لسنة 35 جلسة 1970/06/11 س 21 ع 2 ص 1031ق 165)

31- إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن المحرر قد اعوزته المقومات التى تجعل من صلحه فى مفهوم المادة 549 من القانون المدنى التى تقضى بان يكون الأتفاق على الصلح بين الطرفين متضمنا نزول كل منها على وجه التقابل عن بعض حقوقه حسما للنزاع القائم بشأنها بينهما ، فإنه لا يجدى الطاعنه إزاء ذلك التحدى بحكم المادة 1/557 من القانون المدنى التى تقضى بعدم تجزئة الصلح .

(الطعن رقم 123 لسنة 36 جلسة 1970/05/26 س 21 ع 2 ص 900 ق 144)

32- للغير الذى أضر الصلح بحقوقه عن طريق الغش أن يرفع دعوى أصلية ببطلانه أو يبدى الدفع بالبطلان بالتدخل فى الدعوى التى حصل فيها الصلح فإذا تدخل الغير فى دعوى منظورة ، مدعيا أن الصلح أضر بحقوقه ، ودفع الخصم فى مواجهته بإنتهاء الدعوى صلحا كان فى مكنته الرد على هذا الدفع ببطلان الصلح ، ولا يجوز رفض التدخل إلا تأسيسا على أن الصلح قد أنهى الدعوى وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان صلحا صحيحاً ، ومن ثم فلا سبيل إلى رفض طلب التدخل إلا بحكم يقضى بصحة الصلح .

(الطعن رقم 146 لسنة 36 جلسة 1970/05/14 س 21 ع 2 ص 830 ق 134)

33- مؤدى نص المادة 22 من القانون رقم 56 لسنة 1945 بشأن الصلح الواقى من الإفلاس أنه يجب على المحكمة أن توقف دعوى الإفلاس المرفوعة على المدين إلى أن يفصل فى طلب الصلح المقدم منه يستوى فى ذلك أن يكون هذا الطلب سابقا على رفع الدعوى أولاحق لها كما يستوى أن يكون هو أول طلب يتقدم به المدين أوسبقته طلبات أخرى وقضى برفضها ذلك أن النص عام لاتخصيص فيه ومطلق لا قيد عليه فلم يشترط لينتج أثره فى وقف الدعوى أن يكون سابقا ولا أن يكون مسبوقا بطلب آخر قضى بعدم قبوله أو برفضه ويؤكد هذا النظر ما نصت عليه المادة 6 من القانون رقم 56 لسنة 1945 المشار إليه من منع المدين أثناء تنفيذ صلح واق من أن يطلب الصلح مرة ثانية إذ المفهوم بطريق المخالفة من هذا النص أنه يجوز للمدين الذى رفض طلبه الأول أن يعود ويتقدم بطلب صلح جديد متى توافرت شروطه وإذ كانت الغاية من نظام الصلح الواقى هى أن يتوقى كمدين سىء الحظ إشهار إفلاسه ولا يحقق طلب الصلح هذه الغاية إلا إذا فصل فيه بقبوله وبالتصديق على الصلح قبل الحكم بإشهار الإفلاس وهذا يقتضى وقف دعوى الإفلاس إلى أن يفصل فى الطلب ولوقيل بأن الطلب الثانى لايوقف دعوى الإفلاس لما كان ثمة ما يبرر إجازة تعدد طلبات الصلح  إذ يعد الحكم بإشهار إفلاس المدين يصبح طلب الصلح غير ذى موضوع .

(الطعن رقم 395 لسنة 35 جلسة 1970/03/19 س 21 ع 1 ص 466 ق 74)

34- تمسك طالبى التدخل فى دعوى صحة التعاقد بأنهم هم المالكون للأطيان المبيعة ، يعد تدخلاً إختصامياً يطلب به المتدخلون حقاً ذاتياً لأنفسهم ، ويوجب على المحكمة المنظورة أمامها الدعوى قبول تدخلهم بإعتباره مرتبطا بالدعوى الاصلية . ويتعين عليها ألا تحكم بصحة التعاقد أو تقبل الصلح بشأنه إلا بعد الفصل فى موضوع طلبهم ، وذلك بأعتبار أن هذا البحث هو مما يدخل فى صميم الدعوى المطروحة عليها ، وعلى أساس أن الحكم الذى تصدره المحكمة بصحة التعاقد أوبإلحاق الصلح المبرم بشأنه بمحضر الجلسة ، يتوقف على التحقق من عدم سلامة إدعاء المتدخلين .

(الطعن رقم 505 لسنة 35 جلسة 1970/02/03 س 21 ع 1 ص 321 ق 35)

35- تكيف عقد الصلح و إعتباره منشئاً للحق أو مقرراً له من حق المحكمة وحدها دون تدخل الخصوم . وإذن فمتى كانت المحكمة قد حصلت من عقد الصلح أن أساس تمليك الطاعنة الأطيان التى خصصت لها فى عقد الصلح هو إدعاؤها الإستحقاق فى الوقف ، وأن المطعون عليها قد تنازلتا عن إنكارهما إستحقاقها وصالحتاها على مبلغ من المال مقابل حصة الطاعنة فى عين من أعيان الوقف ، فإن هذا الصلح يكون كاشفاً لحق الطاعنة فى تلك الأطيان المبنى على إدعائها الإستحقاق فى الوقف لا ينشأ لذلك الحق . وتعد الطاعنة فى هذه الحالة مالكة لما خصص لها بعقد الصلح من وقت الإستحقاق المدعى به لوفاة من تلقى الإستحقاق عنه لا من تاريخ عقد الصلح  .

(الطعن رقم 26 لسنة 28 جلسة 1961/04/27 س 12 ع 1 ص 428 ق 62)

36- لا يشترط فى الصلح أن يكون ما ينزل عنه أحد الطرفين مكافئاً لما ينزل عنه الطرف الآخر، وإذن فمتى كان التوكيل الصادر الى وكيل المطعون عليهما يبيح له إجراء الصلح والنزول عن الدعوى ، وكان الصلح الذى عقده مع الطاعنين فى حدود هذه الوكالة واستوفى شرائطه القانونية بأن تضمن نزول كل من الطرفين عن جزء من ادعاءاته على وجه التقابل حسما للنزاع القائم بينهما ، وكان الحكم المطعون فيه اذ لم يعتد بهذا الصلح ، وإذ قرر أن الوكيل لم يراع فيه حدود وكالته أقام قضاءه على أن الصلح الذى عقده فيه غبن على موكليه ، فان هذه الحكم يكون قد خالف القانون ، ذلك لأن هذا الغبن على فرض ثبوته لا يؤدى الى اعتبار الوكيل مجاوزا حدود وكالته وانما محل بحث هذا الغبن وتحديد مدى آثاره يكون فى صدد علاقة الوكيل بموكله لا فى علاقة الموكل بمن تعاقد مع الوكيل فى حدود الوكالة .

(الطعن رقم 163 لسنة 21 جلسة 1953/10/22 س 5 ع 1 ص 85 ق 8)

37- أن الصلح وفقا لحكم المادة 549 من القانون المدني هو " عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقیان به نزاعا محتملا و ذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه و مفهوم ذلك أن عقد الصلح تتوافر فيه مقوماته عندما تتجه نية طرفي النزاع إلى حسم النزاع بينهما لما بانهائه إذا كان قائما و لما بتوقيه إذا كان محتملا و ذلك بنزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فإذا ما تحققت هذه المقومات و قام العقد على أركانه القانونية و هي التراضي و المحل و السبب انعقد الصلح باعتباره من عقود التراضي و إذا كان القانون المدني قد نص في المادة 552 منه على أن لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمی فهذه الكتابة على أنها لازمة للاثبات لا للانعقاد و تبعا لذلك يجوز الأثبات بالبينة أو بالقرائن إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة .

(المحكمة الإدارية العليا طعن رقم 802 لسنة11 ق - جلسة 1968/2/10 س 13 ص 464)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 549 من التقنين المدني على ما يأتي :

" الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من إدعائه.

ويخلص من هذا النص أن للصلح مقومات ثلاثة هي :

1 - النزاع القائم أو محتمل .

2 - نية حسم النزاع .

3 - نزول كل من المتصالحين على الوجه التقابل عن جزء من ادعائه .

نزاع قائم أو محتمل : أول مقومات الصلح هو أن يكون هناك نزاع بين المتصالحين قائم أو محتمل ، فإذا لم يكن هناك نزاع قائم ، أو في القليل نزاع محتمل ، لم يكن العقد صلحاً ، كما إذا نزل المؤجر للمستأجر عن بعض الأجرة غير المتنازع فيها حتى يتمكن المستأجر من دفع الباقي ، فهذا إبراء من بعض الدين وليس صلحاً.

فإذا كان هناك نزاع قائم مطروح على القضاء ، وحسمه الطرفان بالصلح : كان هذا الصلح قضائياً.

ولكن يشترط ألا يكون قد صدر حكم نهائي في النزاع ، وإلا انحسم النزاع بالحكم لا بالصلح على النزاع المطروح على القضاء يعتبر باقياً ، ومن ثم يكون هناك محل للصلح ، حتى لو صدر حكم في النزاع إذا كن هذا الحكم قابلاً للطعن فيه بالطرق العادية كالمعارضة والاستئناف أو بالطرق غير العادية كالنقص والتماس إعادة النظر وحتى لو صدر حكم نهائي غير قابل للطعن فيه ، فإنه يجوز أن يجد نزاع بين الطرفين على تنفيذ هذا الحكم أو على تفسيره ، فهذا النزاع أيضاً يجوز أن يكون محلاً للصلح. 

وليس من الضروري أن يكون هناك نزاع قائم مطروح على القضاء بل يكفي أن يكون وقوع النزاع محتملاً بين الطرفين ، فيكون الصلح لتوقي هذا النزاع ، ويكون في هذه الحالة صلحاً غير قضائي  .

نية حسم النزاع : ويجب أن يقصد الطرفان بالصلح حسم النزاع بينهما ، أما بإنهائه إذا كان قائماً وإما بتوقيه إذا كان محتملاً ، فإذا  تنازع طرفان على ملكية منقول قابل للتلف ، واتفقا على بيعه تفادياً لتلفه وإيداع الثمن خزانة المحكمة ، على أن يثبت المحكمة فيمن منهما هو المالك فيكون الثمن من حقه ، لم يكن الاتفاق على بيع المنقول صلحاً لأنه لم يحسم النزاع الواقع على ملكية المنقول ، وقد قضى بأنه لا يعتبر صلحاً تعهد أحد الخصمين للآخر أثناء نظر الدعوى، ببيع العقار محل النزاع بين الطرفين وقضى أيضاً بأنه إذا اتفق الخصمان ، في دعوى فسخ قائمة بينهما ومتعلقة ببيع عين من أحدهما إلى الآخر ، على بيع هذه العين بيعاً معلقاً على شرط صدور الحكم في دعوى الفسخ ، لم يكن هذا الاتفاق صلحاً لأنه لم يحسم النزاع في دعوى الفسخ .

ولكن ليس من الضروري أن يحسم الصلح جميع المسائل المتنازع عليها فيها بين الطرفين ، فقد يتناول الصلح بعض هذه المسائل فيحسمها ويترك الباقي للمحكمة تتولى هي البت فيه كذلك يجوز للطرفين أن يتصالحا حسماً للنزاع ، ولكنهما يتفقان على أن يستصدرا من المحكمة حكماً بما تصالحاً عليه ، فيوجهان الدعوى على هذا الأساس حتى يصدر من المحكمة الحكم المرغوب فيه ، فيكون هذا صلحاً بالرغم من صدور الحكم .

نزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فلو لم ينزل أحدهما عن شيء مما يدعيه ونزل الآخر عن كل ما يدعيه ، لم يكن هذا صلحاً، بل هو محض نزول عن الإدعاء ، فإقرار الخصم لخصمه بكل ما يدعيه ، أو نزله عن ادعائه، لا يكون صلحاً، وهذا هو الذي يميز الصلح عن التسليم بحق الخصم   ،ويميزه عن ترك الإدعاء  ، ففي التسليم بالحق وفي ترك الإدعاء حسم للنزاع ، ولكن بتضحية من جانب واحد ، أما الصلح فيجب أن يكون تضحية من الجانبين .

وليس من الضروري أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة ، فقد ينزل أحد الطرفين عن جزء كبير من ادعائه ، ولا ينزل الآخر إلا عن الجزء اليسير ، ففي التسليم بحق الخصم وفي ترك الدعوى ، إذا قبل الطرف الآخر أن يتحمل في مقابل ذلك مصروفات الدعوى ، كان هذا صلحاً مهما كانت تضحية الطرف الآخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول  بل قد  يعمد شخص إلى الصلح مع خصمه حتى يتفادى التقاضي بما يجر من إجراءات معقدة وما يجشم من مصروفات باهظة وما يستغرق من وقت طويل، أو حتى يتفادى علانية الخصومة والتشهير في أمر يؤثر كتمانه، فينزل عن جزء من إدعائه لهذا الغرض حتى يسلم له الخصم بباقي حقه، فيحصل عليه في يقين ويسر أو في سكون وتستر.

وضع التقنين المدني الجديد عقد الصلح بين العقود الواردة على الملكية ، لا لأنه ينقل الملكية كما هو الأمر في البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض ، إذ الصلح عقد يكشف عن الحقوق لا ينقلها ، بل لأنه يتضمن نزولاً من كل من المتصالحين عن جزء مما يدعيه ، والنزول عن الحق يرد على كيانه بالذات ، وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " دخل الصلح ضمن العقود التي ترد على الملكية، لا لأنه ينقلها، فسيأتي أن الصلح كاشف للحقوق لا ناقل لها، بل لأنه يتضمن تنازلاً عن بعض ما يدعيه الطرفان من الحقوق، والتنازل عن الحق يرد على كيانه لا مجرد ما ينتجه من الثمرات.

ورضاء كل من المتصالحين يجب أن يكون خالياً من العيوب، فيجب ألا يكون مشوباً بغلط أو بتدليس أو بإكراه أو باستغلال، شأن الصلح في ذلك شأن سائر العقود ، وستبقى الغلط لبحثه مستقلاً الأهمية الخاصة في عقد الصلح . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/ 629)

 يبين من التعريف الذي أوردته المادة 549 مدني أن للصلح مقومات ثلاث :

(1) نزاع قائم أو محتمل بين المتصالحين، والفرق بينهما أن النزاع القائم يتضمن أمرين هما تعارض المصالح، والمطالبة القضائية، أما النزاع المحتمل فيتضمن تعارض المصالح ومجرد إمكان المطالبة القضائية، فإذا لم يكون هناك نزاع قائم أو محتمل لم يكن العقد صلحاً، فإذا حسم النزاع بالصلح أمام القضاء كان صلحاً قضائياً ويجوز ذلك حتى لو صدر حكم متى كان قابلاً للطعن فيه بطرق الطعن العادية أو غير العادية ، كما يجوز إذا أصبح الحكم نهائياً وقام نزاع بين الطرفين على تنفيذه أو تفسيره ، ویری محمد علی عرفه وجمال زكي أن الصلح غير جائز في الأحكام النهائية ، أما إذا كان النزاع محتملاً فإن الصلح الذي يتوقاه يكون صلحاً غير قضائي .

(2) يجب أن تنصرف نية الطرفين لحسم النزاع .

يجب أن ينزل كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه فإذا لم ينزل أحدهما عن شئ مما يدعيه ونزل الآخر عن كل ما يدعيه لم يكن هذا صلحاً بل تسليماً بحق الخصم .

ويراعى أنه إذا لم يعرض الصلح للمصروفات فليس للمحكمة أن تتعرض لها  وإذا تنازل الدائن عن جزء من الدين مقابل أن يوفي المدين له بالباقي منه ، فان هذا لا يعد صلحاً وإنما ابراء ينقضى به جزء من الدين إذا ما تحقق الشرط بالوفاء بجزء الدين الذي لم يرد عليه التنازل وأن تم هذا الإبراء أمام المحكمة كان بمثابة إقرار قضائي.

عقد الصلح من عقود التراضي فيكفي لانعقاده توافق الإيجاب والقبول فمتى رفض شخص الصلح المعروض عليه سقط الايجاب ولم يجز التمسك به بعد ذلك و سكوت أحد الطرفين في مجلس الصلح لا يعتبر قبولاً ، والإيجاب بالصلح وحدة لا يتجزأ فلا يجوز قبوله جزئياً ، وإذا أخذ المضرور من المتسبب عطية على سبيل التخفيف عن مصابه فلا يعد ذلك صلحاً ما دام المضرور لم يقبلها على أساس التصالح بها عن حقه في التعويض ولا يعد المتسبب مقراً بمسئوليته بهذه العطية .

يشترط فيمن يعقد صلحا أن يكون آهلاً للتصرف بعوض في الحقوق التي يشملها عقد الصلح .

ومحل الصلح هو الحق المتنازع فيه .

والسبب في الصلح هو الباعث للمتصالحين على إبرام الصلح وفقاً لما يلى .

ستر الصلح لتصرف آخر :

إذا لم يكن هناك نزول عن إدعاءات متقابلة، بل نزول أحد الطرفين عن ادعائه ولم ينزل الطرف الآخر عن شئ، كما إذا إعترف حائز العقار بملكيته لمدعيها ، وأن الحائز دفع له مبلغاً من النقود لقاء تنازله عن دعوى ثبوت ملكيته للعقار، فلا ينطوي ذلك على صلح وإنما على بيع ، فإن تنازل المدعي عن دعواه دون مقابل، كان ذلك هبة وفي الحالة الأولى يخضع التصرف لأحكام البيع، بينما يخضع في الحالة الثانية لأحكام الهبة ، ولما كانت الهبة قد سترها الصلح ، فلا يلزم لصحتها أن يكون الصلح قد تضمنه عقد رسمي ، ولكنه يخضع لكافة الأحكام الموضوعية المتعلقة بالصلح .

وإذا تصالح القيم أو الوضي مع دائن المشمول بالقوامة أو الوصاية وتنازل الدائن بموجب الصلح عن جزء من دينه دون أن يتنازل القيم أو الوصي عن شئ من أموال المشمول، فذلك تصرف نافع نفعاً محضاً وفي حقيقته إبراءً لا صلحاً ، وبالتالي لا يتطلب إذناً من المحكمة.

 الصلح القضائي بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة :

الصلح القضائي هو عقد يتفق عليه الخصوم بأنفسهم ويطرحونه على المحكمة للمصادقة عليه أو باعتماده وجعله في قوة سند واجب التنفيذ وذلك بإلحاقه بمحضر الجلسة ولا يكون عملها حكمة إنما بمثابة سند واجب التنفيذ لتصديق القاضي عليه وفقا لسلطته الولائية، ولذلك لا يكون قابلاً للطعن بالطرق المقررة کالاستئناف بل بطريق دعوى أصلية بطلب إبطال الحكم الصادر بالتصديق على عقد الصلح لنقص في الأهلية أو لغلط في الواقع أو التدليس أو لغير ذلك من أسباب البطلان.

ولما كانت الغاية من الحضور أمام المحكمة هو تحققها من رغبة الخصم في التصديق على الصلح، فإن هذه الغاية تتحقق بتقديم الصلح مصدقاً عليه من الخصم الغائب أمام الموثق أو تقديم إقرار منه موثق على هذا النحو يقر فيه بقبول الصلح، وحينئذ تلحق المحكمة الصلح بمحضر الجلسة رغم غياب أحد أطرافه إكتفاء بإقراره المصدق عليه ، ويكفي لعدم الحاق الصلح بمحضر الجلسة أن ينكر أحد الخصوم توقيعه عليه دون حاجة للطعن عليه  بالتزوير.

وقد يثبت الخصوم ما اتفقوا عليه شفاهة بمحضر الجلسة ، وحينئذ لا حكم المحكمة بإلحاق هذا الاتفاق بمحضر الجلسة فور إثباته وإنما تعطى الخصوم أجلاً لشهر صورة رسمية من محضر الجلسة الذي أثبت فيه الاتفاق ، فإن تقدموا به مشهر حكمت المحكمة بإلحاق ما اتفقوا عليه بمحضر الجلسة.

والسبب في عقد الصلح هو الباعث للمتصالحين على إبرام الصلح أو هو في التزام أحد طرفي الصلح نزول ، الطرف الآخر عن جزء من ادعائه .

إذا رفعت دعوى بصحة ونفاذ عقد البيع أو بفسخه، ثم تصالح الخصوم وتقدموا بعقد صلح وقضى بإلحاقه بمحضر الجلسة ، وصدر تبعاً لذلك حكم ، فلا تكون له حجية الأمر المقضى ، لأن القاضي وهو يصدق على عقد الصلح ، إنما يقوم بذلك بموجب وظيفته الولائية وليست القضائية لأنه لا يفصل بهذا القضاء في خصومة .

مناط الدفع بعدم القبول لعدم الشهر :

يثار الدفع بعدم قبول الطلب، عند رفع دعوى بفسخ أو بطلان عقد أو أي تصرف قانونی آخر مبرم في شأن حق من الحقوق العينية العقارية فيتقدم المدعى عليه بطلب عارض بصحة ونفاذ هذا العقد ، وحينئذ لا تقبل المحكمة الطلب العارض إلا إذا كانت صحيفته قد تم شهرها، فإذا كان قد قدم شفاها في الجلسة وأثبت بمحضرها تعين على المحكمة تأجيل الدعوى ليقدم المدعى عليه صورة مشهرة من المحضر الرسمي للجلسة الذي أثبت به الطلب العارض ، فإن لم يقم بتنفيذ ذلك قضت بعدم قبول هذا الطلب، وليس للمدعى عليه أن يطلب وقف الدعوى حتى إتمام الشهر لأن القانون جعل الشهر شرطاً لقبول الدعوى ولم يعلق عليه صدور الحكم كمسألة أولية

طبيعة الدفع بعدم القبول لعدم الشهر :

ولاتصال الدفع بتنظيم الملكية العقارية، فإنه يتصل بالنظام العام ويجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ، ولا يسقط بالتعرض للموضوع أو بعدم التمسك به في صحيفة الاستئناف . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع الصفحة/374 )

مقومات الصلح :

يتبين من تعريف عقد الصلح الوارد بالمادة 549 مدني أنه بجانب الأركان العامة التي يجب توافرها على العموم، يوجد للصلح مقومات خاصة تميزه عن غيره من العقود .

وهذه المقومات هي :

أولاً : نزاع قائم أو محتمل :

الصلح عقد يستهدف حسم النزاع ، فحيث لا نزاع فلا صلح ، فالصلح لا يقوم إلا مرتكزاً على نزاع ، ويجب أن يكون النزاع جدياً .

ومثال ذلك أن يطالب أحمد باستحقاقه بقطعة أرض تحت يد بكر الذي يدعي ملكيته لها، فيتصالح أحمد وبكر، بأن يعترف بكر بملكية أحمد للأرض، ويتفق أحمد على أن يترك الأرض تحت يد بكر بصفته مستأجراً مدة من السنين . 

ومن أمثلة الاتفاقات التي لا تعتبر من قبيل الصلح :

1 - أن يتنازل المؤجر للمستأجر عن بعض الأجرة ليسهل عليه الحصول على الباقی، فهذا إبراء من بعض الدين وليس صلح.

2 - الاتفاق الذي يعقده المدين مع دائنه الذي يهدده بتقديمه للعدالة بتهمة خيانة الأمانة، إذا اتفق مع الدائن على أن يؤجل تقديم شكواه إلى أجل معين، وتعهد في مقابل ذلك أن يوفي ما في ذمته إلى الدائن قبل حلول الأجل المحدد، مثل هذا الاتفاق لا يعتبر صلحاً إذ ليس ثمة نزاع على حق، ولا تضحيات مبذولة من كلا الطرفين ، وكل ما هنالك أن الدائن قد تعهد بعدم اتخاذ إجراءات ضد المدين قبل مضي مدة معينة، فلا تسري على مثل هذا الاتفاق أحكام الصلح ولو خلع عليه الطرفان هذا الوصف  .

3 - الاتفاق الذي يتضمن متابعة الدعوى أو النزاع ، لأن هذا الاتفاق لا ينهي النزاع القائم.

وإذا اتفق الطرفان على إجراء ما أسمياه صلحاً رغم علمهما بإنعدام النزاع أن يصطلحا على تنفيذ تصرف يعلمان أنه باطل – فلا محل للقول ببطلان هذا التعاقد إذ هو صحيح ولكنه يكون هبة أو إبراء من الدين ، كما يمكن أن يكون معاوضاً إذا كان ينشئ التزامات على عاتق الطرفين.  

ويجوز أن يكون الصلح جزئيا على بعض النقاط المتنازع عليها ، ويترك باقى النقاط للفصل فيها من القضاء  .

ولا يشترط أن يكون النزاع قائما بالفعل ، بل يكفي أن يكون وقوع النزاع محتملاً بين الطرفين فيكون الصلح لتوقي هذا النزاع.

ومعيار النزاع المحتمل يستمد من وجود أو إنعدام حق الدعوى للطرفين فحيث تتوافر عناصر الدعوى ويجعل وجود حق الدعوى قيام الخصومة ممكناً يكون هناك محل للصلح وإلا فلا .

وتفريعا على ذلك لا يجوز الصلح عن الحقوق الاحتمالية إلا إذا توافرت للطرفين المصلحة القائمة المحققة بمعناها كشرط لثبوت حق الدعوى، فلا تعتبر صلحاً الشروط المحددة للمسئولية في حالة عدم تنفيذ العقد ولا الشرط الجزائي وذلك الإنعدام حق الدعوى للطرفين وقت التعاقد، بينما يجوز الصلح عن الحقوق الآجلة إذا قام نزاع حول وجودها قبل حلول الأجل وذلك لثبوت الحق وقيام مصلحة الدائن القانونية في حمايته قبل حلول الأجل ، كذلك يمكن أن يصلح المعيار السابق للتمييز بين الصلح والقسمة لأن حق الدعوى - دعوى طلب القسمة القضائية لا يثبت لكل شريك إلا إذا اختلف الشركاء في اقتسام المال الشائع (م 1 / 836) ، ولذلك يقتضى المنطق الدقيق ألا يعتبر التصرف المنهي للشيوع صلحا إلا في حالة الخلاف بين الشركاء على نحو اقتضى منهم بذل كل جهودهم لتلافي طلب القسمة القضائية أما مجرد المناقشات العادية حول كيفية تكوين الحصص فلا تكفي لاعتبار التصرف المنهي للشيوع صلحاً ، ولولا هذا التحديد لفكرة النزاع المحتمل الذي يصلح أساس للصلح لأن فهمت الضوابط بين الصلح وكثير من التصرفات الأخرى التي تهدف إلى حسم نظام محتمل.

على أنه لا يشترط أن يكون النزاع حقيقياً مستنداً إلى أساس من القانون ، بل يكفي أن يكون قائما في ذهن المتصالحين بحسب تقديرهما الشخصي ، ولو تعارض الفن التقدير مع الأحكام الواضحة في القانون. وبعبارة أخرى إن تقدير قيام النزاع الدافع إلى الصلح أو عدم قيامه يجب أن يستند إلى معيار شخصی تراعى فيه حالة المتعاقدين وظروفهما الخاصة ومبلغ ثقافتهما ، ولا عبرة بعد ذلك بجهلهما بأحكام القانون  .

وقد يكون النزاع في القانون، كما إذا وقع نزاع بين الطرفين على القيمة القانونية لسند يتمسك به أحدهما، حتى لو كان السند في نظر رجل القانون ظاهر الصحة أو ظاهر البطلان، لأن العبرة بما يقوم في ذهن الطرفين.

والنزاع قد يكون في وجود الحق ذاته ، كما إذا طالب شخص بملكية عين اشتراها فدفع خصمه ببطلان البيع أو إذا طالب دائن بدينه فدفع المدين بإنقضائه.

وقد يكون في مدى الحق لا في وجوده كما هو الشأن في معظم حالات التعويض وكثير من ديون النفقة، فكثيراً ما يحدث في هذه الحالات أن يكون الحق ذاته مسلماً به من الطرفين ، ومثار النزاع بينهما في تحديده .

لاشك في صحة الصلح الحاصل بعد صدور حكم قابل للطعن فيه بالطرق التي الاستئناف الآن فقط .

وعلة ذلك واضحة ، وهي أن قابلية الحكم للطعن فيه بالاستئناف يجعل الحق المقرر بمثل هذا الحكم مهددا بالزوال نتيجة نجاح الطاعن فيما سعى إليه ، وبالتالي يظل التهديد بتجدد النزاع قائماً بحيث يمكن أن يبني الصلح على أساسه .

غير أن الرأي قد انقسم في جواز الصلح بعد صدور حكم نهائي.

فذهب رأي إلى أنه لا يجوز الصلح بعد صدور حكم نهائي، تأسيساً على أن الإشكالات التي يثيرها المحكوم عليه أو دائنوه عند تنفيذ الحكم ليس من شأنها أن تجعل الحق المحكوم به محل نزاع في وجوده ، أو حتى في نطاقه أو مقداره ، فقد تحدد هذا كله نهائياً بالحكم النهائي مما لا يدع محلاً لقيام الصلح يضاف إلى ذلك ما يقتضيه الصلح من وجوب تنازل كل من المتصالحين عن جزء من مدعاه ، وظاهر أنه لم يبق المحكوم عليه ما يدعيه بعد صدور حكم نهائي ضده ، فيكون التنازل حاصلاً من جانب المحكوم لصالحه وحده ، تفادياً للصعوبات التي قد تعترض تنفيذ الحكم جبراً على المحكوم عليه إستعجالاً للفائدة لا حسماً للنزاع، وبذلك تختفي خاصية أخرى من أهم خصائص الصلح ، فمن التجاوز إذن أن يجري على مثل هذا العقد أحكام الصلح ، والصواب خضوعه لأحكام التنازل عن الحق.

بينما ذهب رأي آخر - نؤيده - وقد ساندته محكمة النقض الفرنسية إلى جواز الصلح بعد صدور الحكم النهائي ، إذ من الممكن قيام نزاع على تفسير الحكم أو تنفيذه، فيرد الصلح على التفسير أو التنفيذ  .

 ثانياً : نية حسم النزاع :

يجب أن يقصد الطرفان بالصلح حسم النزاع بينهما ، إما بإنهائه إن كان قائماً ، وإما بتوقيه إذا كان محتملاً فإذا تنازع طرفان على ملكية منقول قابل للتلف ، واتفقا على بيعه تفادياً لتلفه وإيداع الثمن خزانة المحكمة على أن تبت المحكمة فيمن منهما هو المالك فيكون الثمن من حقه ، لم يكن الاتفاق على بيع المنقول صلحاً لأنه لم يحسم النزاع الواقع على ملكية المنقول .

ولا يعتبر صلحاً تعهد أحد الخصمين للآخر - أثناء نظر الدعوى - ببيع العقار موضوع النزاع بالشروط المبينة فيه لأنه لم يتناول البت في شيء من موضوع النزاع بين الطرفين  .

ولا يعتبر صلحاً بين خصمين بيع العين موضوع دعوى الفسخ القائمة بينهما بيعاً معلقاً على شرط صدور حكم به من المحكمة المنظورة أمامها الدعوى.

ثالثاً : نزول كل من الخصمين عن جزء من إدعائه : 

يجب أن ينزل كل من الخصمين عن جزء من إدعائه حتى يعتبر عقدهما صلحاً ، ذلك أن الصلح يستلزم تضحية من الجانبين ، فإذا لم يكن هناك نزول عن إدعاءات متقابلة، بل نزل أحد الطرفين عن ادعائه دون الآخر، فلا نكون أمام صلح.

وبالترتيب على ذلك، لا يعتبر صلحاً تنازل المؤجر للمستأجر عن بعض الأجرة ليسهل عليه الحصول على الباقی، فهذا إبراء من بعض الدين وليس صلح .

أو اعتراف حائز العقار بملكيته لمدعيها وإعطاؤه مبلغاً من المال نظير التنازل عن الدعوى فإن ذلك يكون بيعاً، فإن تنازل المدعى عن دعواه دون مقابل كان ذلك هبة .

ومن باب أولى لا يكون صلحاً العقد الذي لم يترك بمقتضاه أحد الطرفين جزءاً من حقوقه المدعاة بل حصل من الطرف الآخر على اعتراف بحقوق أكثر وأشمل ، إذ يعتبر ذلك تسليماً بالطلبات.

وعنصر النزول المتبادل هو ما يفرق بين الصلح وغيره من التصرفات التي تؤدي إلى إنهاء النزاع کترك الخصومة أو التسليم بطلبات الخصم إذا كانا بدون مقابل أو توجيه اليمين الحاسمة كما سنرى.

أما عن طبيعة النزول المتبادل من الناحية الفنية فإن الرأي الراجح يذهب إلى أن هذا النزول هو من قبيل التنازل أي تنازل كل من الطرفين عن حقه أو ادعائه .

والتنازل لا ينصب على الحق المدعى به كما لو كان ثابتاً وإنما ينصب على حق الدعوى أي على حق كل طرف في اللجوء إلى القضاء ليقول كلمة القانون في ادعائه .

لا يشترط أن يكون ما ينزل عنه أحد المتصالحين مكافئاً لما ينزل عنه الأخر ، وبعبارة أخرى لا يشترط أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة ، فقد ينزل أحد الطرفين عن جزء كبير من ادعائه ، ولا ينزل الآخر إلا عن الجزء اليسير ، ففي التسليم بحق الخصم في ترك الدعوى ، إذا قبل الطرف الآخر أن يتحمل في مقابل ذلك بمصروفات الدعوى ما يتحقق به الصلح مهما كانت تضحية الطرف الآخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول .

وإذا رفع شخص دعوى على آخر يطالبه فيها بمبلغ، ثم تصالح معه ، وحرر عنه صلحا قدماه للمحكمة ، فرفض القاضي إثبات الصلح، مستنداً على أنه لابد في الصلح القانوني من تنازل كل من طرفي الخصومة عن شيء من حقوقه ، وأن المدعى عليه تعهد في عقد الصلح بدفع كل ما هو مطالب به ، لا يسوغ والحالة هذه للمتقاضين استرجاع نصف الرسوم التي دفعوها إلى قلم الكتاب وهذا خطأ ، لأن المدعى عليه ، مع اعترافه في عقد الصلح بمبلغ الدين كله ، تعهد بدفع جزء منه بعد أجل حدد في العقد وإمهال الدائن لمدينه في دفع الدين أو جزء منه إلى أجل – وهذا يعد تركا منه الشيء من حقوقه ، فالعقد إذن عقد صلح بالمعنى الذي يقصده القانون، وكان ينبغي التصديق عليه ، حتى يتسنى للمتقاضين استرجاع نصف ما دفعوه من الرسوم ، لأن هذا الصلح حسم النزاع .

خصائص عقد الصلح :

1 - الصلح من عقود التراضي، فيتم بالإيجاب والقبول ، ولا يشترط لانعقاده شكل خاص ، وإن كانت الكتابة تشترط لإثباته.

2 - الصلح عقد ملزم للجانبين: فكل من المتصالحين يلتزم بإعطاء شيء أو بعمل شيء أو الامتناع عن عمل شیء ، ويسقط من جانب كل من الطرفين الادعاء الذي نزل عنه، ويبقى الجزء الذي ينزل عنه ملزما للطرف الآخر.

3 - الصلح من عقود المعاوضة، لأن كلاً من الطرفين ينزل عن جزء من ادعائه مقابل نزول الآخر عن جزء من ادعائه  فليس هناك تبرع في الصلح.

وقد يكون الصلح عقداً محدداً كما هو الغالب فإذا قام نزاع بين شخصين على مبلغ من النقود فاتفقا على أن يعطي المدين للدائن مبلغاً أقل فهنا قد عرف كل منهما مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطى فالعقد محدد أما إذا تصالح أحد الورثة مع وارث آخر على أن يرتب له إيرادا مدى الحياة في مقابل حصته في الميراث المتنازع فيها ، فالعقد هنا احتمالی .

4 - الصلح من العقود الكاشفة لا المنشئ كما سنرى.

5 - الصلح عقد غير قابل للتجزئة.

والصلح عقد من عقود التراضي فيكفي لانعقاده مجرد توافق إرادتي طرفيه بماهيته وبالنزاع المراد حسمه وبالنزول المتبادل لكل من طرفيه وسائر أركان الصلح.

ولم يشترط المشرع إفراغ هذا التراضي في شكل معين كما فعل بالنسبة لبعض  العقود كالهبة والرهن الرسمي.

وهنا تطبق القواعد العامة لنظرية العقد بصفة عامة من حيث طرق التعبير عن الإرادة والوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره وموت من صدر منه التعبير أو فقده الإرادة إلى غير ذلك من الأحكام العامة .

ولكن الصلح لا يتم عادة إلا بعد مفاوضات طويلة ومساومات وأخذ ورد فيجب تبين متى تم الاتفاق نهائياً بين الطرفين، ولا يجوز الوقوف عند أية مرحلة من مراحل التفاوض في الصلح ما دام الاتفاق النهائي لم يتم .

وبالترتيب على ذلك فإن الإيجاب بالصلح لا يلزم الدائن إذا لم يقبله المدين ، كما أن الإيجاب بالصلح وحدة لا تتجزأ فلا يجوز قبوله جزئياً .

ويجوز أن يكون قبول الصلح ضمنياً إذا أحاطت به ظروف لا تدع مجالاً للشك في وجوده فإذا كان الصلح موضوع مناقشة بين المتنازعين أمكن استنتاج القبول من استلام أحدهما شيكاً مرسلاً له من الآخر في صورة إيجاب صريح بالصلح.

وقبول سند إذني وتظهيره إلى مصرف يتولى تحصيل قيمته يتضمن قبول الصلح الذي هو سبب السند الإذني .

ولكن لا يجوز استنتاج الصلح على مبلغ التعويض بين الجاني والمجني عليه في جريمة من قبض الثاني مبلغا من المال قدمه إليه الأول في ظرف مغلق مع رجاء صرف النظر عن الموضوع .

كما لا يجوز استنتاج الصلح من قبول المضرور من المتسبب في الضرر عطية على سبيل الإحسان أو على سبيل التخفيف من مصابه دون أن يقصد المتسبب في الضرر بذلك إقراراً بمبدأ المسئولية ولم يرد المضرور بقبولها أن يصالح على حقه في التعويض .

والصلح لا يفترض ، فسكوت أحد الطرفين في مجلس الصلح لا يستفاد منه حتماً قبوله إياه ، بل يجب أن يقترن السكوت بما يقطع في الدلالة على القبول ، لأنه من مقتضى الصلح التنازل عن بعض الحقوق ، وهو ما لا يجب أن يترك لمجرد الاستنتاج والاحتمال .

ويقدر قاضي الموضوع ما إذا كان الرضاء متوافراً وفي أي وقت حصل توافق الإرادتين.

الوكالة في الصلح :

تنص الفقرة الأولى من المادة 702 مدني على أن : "لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء".

كما تنص المادة 76 من قانون المرافعات على أنه: "لا يصح بغير تفويض خاص الإقرار بالحق المدعى به ولا التنازل عنه ولا الصلح ولا التحكيم ولا قبول اليمين ولا توجيهها ولا ردها ولا ترك الخصومة ولا التنازل عن الحكم أو عن طريق من طرق الطعن فيه ولا رفع الحجز ولا ترك التأمينات مع بقاء الدين ولا الإدعاء بالتزوير ولا رد القاضي ولا مخاصمته ولا رد الخبير ولا العرض الفعلي ولا قبولة ولا أي تصرف آخر يوجب القانون فيه تفويضاً خاصاً".

ويبين من النصين سالفي الذكر أنه لا بد من وكالة خاصة في الصلح ، فلا يجوز للوكيل إبرام الصلح بمقتضى الوكالة العامة.

غير أن التوكيل العام في أعمال الإدارة يشمل التوكيل في الصلح المتعلق بأعمال الإدارة فقط.

ينقسم الصلح إلى قضائى و غیر قضائي.

والصلح القضائي هو الذي يحصل في مجلس القضاء بصدد خصومة قائمة وفي أثناء السير في إجراءاتها بقصد وضع حد لها وحسم النزاع القائم بين أطرافها.

أما الصلح غير القضائي فهو الذي يعقده الطرفان خارج مجلس القضاء وقبل رفع الدعوى تفادياً من الالتجاء إلى إجراءات التقاضي.

وليست لهذا التقسيم أهمية عملية ، إذ أنهما يستويان في تطبيق أحكام الصلح على أي منهما ولا يمتاز هذا الصلح القضائي إلا بكونه معتبراً في قوة سند واجب التنفيذ نظراً لتصديق القاضي عليه، على أن ذلك لا يخرجه عن كونه اتفاقاً تم بتراضي الطرفين، فلا يرقى تصديق القاضي - كما سنرى - إلى مصاف الأحكام.

ويجب تمييز الحكم الاتفاقي عن الحكم الصادر بالتصديق على الصلح ، وصورة الحكم الاتفاقي أن يعدل الخصم طلباته أمام المحكمة بحيث يجعلها متفقة مع تعديل ما ادعاه الآخر بناءً على اتفاق سابق بينهما، كما إذا رفع دائن دعوى على مدينه مطالباً له فيها بمبلغ ألف جنيه، ودفع المدين ببطلان الدين طالباً إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يدعيه، ولكن بدل أن يستمرا في إجراءات الدعوى أو ينهيها صلحاً بأن يتنازل الدائن عن نصف الدين نظير أن يعترف له المدين بالنصف الباقي ، يحضران في الجلسة ويعدل الدائن طلبه إلى مبلغ خمسمائة جنيه ويتنازل المدين عن الدفع الذي أبداه مقراً بمديونيته بهذا المبلغ الأخير، فلا يسع القاضي إلا أن يصدر حكماً بإلزام الأخير بأن يدفع للأول مبلغ خمسمائة جنيه.

فهذا الحكم وإن كان أساسه اتفاق الطرفين إلا أنه يعتبر حكماً لا عقداً ، وتطبق عليه القواعد المتعلقة بسائر الأحكام ، فلا يجوز الطعن فيه بدعوى مبتدأة ، وإنما يجب اتباع طرق الطعن المقررة في قانون المرافعات ، وفي المواعيد المنصوص عليها فيه ، ويخضع في تفسيره للقواعد والإجراءات المتعلقة بتفسير الأحكام، لا المبادئ المقررة في تفسير العقود والاتفاقات.

ويجوز أخذ اختصاص بمقتضى هذا الحكم بموجب المادة 1085 مدنی لا بموجب المادة 1087 .

شروط الصحة في عقد الصلح ، شأنها شأن شروط الصحة في أي عقد آخر ، وشروط الصحة شرطان هما :

توافر الأهلية في الطرفين المتصالحين.

خلو إرادة الطرفين المتصالحين من عيوب الإرادة. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة/ 490) 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /   144

د - الصّلْح:

7 - الصّلْح لغةً: التّوْفيق، وهو اسْمٌ للْمصالحة. وهو شرْعًا: عقْدٌ به يرْفع النّزاع وتقْطع الْخصومة بيْن الْمتصالحيْن بتراضيهم.

ومن الْمقرّر فقْهًا أنّ الصّلْح يكون عنْ إقْرارٍ أوْ إنْكارٍ أوْ سكوتٍ. فإذا كان عنْ إقْرارٍ، وكانت الْمصالحة على إسْقاط جزْءٍ من الْمتنازع فيه وأداء الْباقي، ففي هذه الصّورة يشْبه الصّلْح الإْبْراء؛ لأنّها أخْذٌ لبعْض الْحقّ وإبْراءٌ عنْ باقيه. أمّا إنْ كان الصّلْح هنا على أخْذ بدلٍ فهو معاوضةٌ.

وكذلك الْحال إنْ كان الصّلْح عنْ إنْكارٍ أوْ سكوتٍ وتضمّن إسْقاط الْجزْء منْ حقّه، فهو بالنّسْبة للْمدّعي إبْراءٌ عنْ بعْض الْحقّ، في حين أنّه بالنّسْبة للْمدّعى عليْه افْتداءٌ للْيمين وقطْعٌ للْمنازعة.

وقدْ جعل ابْن جزيٍّ من الْمالكيّة الصّلْح على نوْعيْن، أحدهما: إسْقاطٌ وإبْراءٌ، وقال: هو جائزٌ مطْلقًا، والآْخر: صلْحٌ على عوضٍ، وقال فيه: هو جائزٌ إلاّ إنْ أدّى إلى حرامٍ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع ، الصفحة /  226

الصُّلْحُ:

3 - الصُّلْحُ اسْمٌ بِمَعْنَى: الْمُصَالَحَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالسِّلْمِ.

وَشَرْعًا: عَقْدٌ يَقْتَضِي قَطْعَ النِّزَاعِ وَالْخُصُومَةِ.

وَيَجُوزُ فِي الصُّلْحِ إِسْقَاطُ بَعْضِ الْحَقِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَنْ إِقْرَارٍ أَمْ إِنْكَارٍ أَمْ سُكُوتٍ. فَإِذَا كَانَتِ الْمُصَالَحَةُ عَلَى أَخْذِ الْبَدَلِ فَالصُّلْحُ مُعَاوَضَةٌ، وَلَيْسَ إِسْقَاطًا، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العاشر ، الصفحة /  87

التَّبْعِيضُ فِي الصُّلْحِ:

29 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الصُّلْحِ، فَالصُّلْحُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ إِذَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْمُدَّعِي وَكَانَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ تَبَعًا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس عشر ، الصفحة / 174

الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ :

29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا. إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ إِذَا كَانَ لاَ سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، فَأَمَّا مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فَلاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ مَعَ الْجَهْلِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الصُّلْحِ حَتَّى أَنَّ مَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا فِي عَيْنٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ جَازَ؛ لأِنَّ  الصُّلْحَ كَمَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ يَصِحُّ بِطَرِيقِ الإْسْقَاطِ، وَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ هُنَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لِجَهَالَةِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَيَصِحُّ بِطَرِيقِ الإْسْقَاطِ فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْقَبْضِ؛ لأِنَّ  السَّاقِطَ لاَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّسَلُّمَ وَالْقَبْضَ لاَ تَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنِ الْمَجْهُولِ لاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ كَالْجَهَالَةِ فِي الْبَيْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْعَ الْمَجْهُولِ لاَ يَصِحُّ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (صُلْحٌ وَإِبْرَاءٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع والعشرون  ، الصفحة / 323

صُلْحٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الصُّلْحُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ وَالتَّصَالُحِ، خِلاَفُ الْمُخَاصَمَةِ وَالتَّخَاصُمِ .

قَالَ الرَّاغِبُ: وَالصُّلْحُ يَخْتَصُّ بِإِزَالَةِ النِّفَارِ بَيْنَ النَّاسِ. يُقَالُ: اصْطَلَحُوا وَتَصَالَحُوا  وَعَلَى ذَلِكَ يُقَالُ: وَقَعَ بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ، وَصَالَحَهُ عَلَى كَذَا، وَتَصَالَحَا عَلَيْهِ وَاصْطَلَحَا، وَهُمْ لَنَا صُلْحٌ، أَيْ مُصَالِحُونَ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مُعَاقَدَةٌ يَرْتَفِعُ بِهَا النِّزَاعُ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْمُوَافَقَةِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ .

فَهُوَ عَقْدٌ وُضِعَ لِرَفْعِ الْمُنَازَعَةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا بِالتَّرَاضِي  وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى هَذَا الْمَدْلُولِ: الْعَقْدُ عَلَى رَفْعِهَا قَبْلَ وُقُوعِهَا - أَيْضًا - وِقَايَةٌ، فَجَاءَ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ لِلصُّلْحِ: أَنَّهُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ، أَوْ خَوْفِ وُقُوعِهِ  

فَفِي التَّعْبِيرِ بِـ (خَوْفِ وُقُوعِهِ) إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ الصُّلْحِ لِتَوَقِّي مُنَازَعَةً غَيْرَ قَائِمَةٍ بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةُ الْوُقُوعِ.

وَالْمُصَالِحُ: هُوَ الْمُبَاشِرُ لِعَقْدِ الصُّلْحِ  وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ: هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ إِذَا قُطِعَ النِّزَاعُ فِيهِ بِالصُّلْحِ  وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ، أَوِ الْمُصَالَحُ بِهِ: هُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ .

 الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّحْكِيمُ:

2 - التَّحْكِيمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: تَوْلِيَةُ حُكْمٍ لِفَصْلِ خُصُومَةٍ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ. وَهَذِهِ التَّوْلِيَةُ قَدْ تَكُونُ مِنَ الْقَاضِي، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْخَصْمَيْنِ. وَيَخْتَلِفُ التَّحْكِيمُ عَنِ الصُّلْحِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: أَنَّ التَّحْكِيمَ يُنْتَجُ عَنْهُ حُكْمٌ قَضَائِيٌّ، بِخِلاَفِ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ يُنْتَجُ عَنْهُ عَقْدٌ يَتَرَاضَى عَلَيْهِ الطَّرَفَانِ الْمُتَنَازِعَانِ. وَفَرْقٌ بَيْنَ الْحُكْمِ الْقَضَائِيِّ وَالْعَقْدِ الرِّضَائِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الصُّلْحَ يَتَنَزَّلُ فِيهِ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا عَنْ حَقٍّ، بِخِلاَفِ التَّحْكِيمِ فَلَيْسَ فِيهِ نُزُولٌ عَنْ حَقٍّ. (ر: تَحْكِيم).

الإْبْرَاءُ:

3 - الإْبْرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ: إِسْقَاطِ الشَّخْصِ حَقًّا لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ أَوْ قِبَلَهُ. أَمَّا عَنِ الْعَلاَقَةِ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالإْبْرَاءِ، فَلَهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصُّلْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ النِّزَاعِ عَادَةً، وَالإْبْرَاءَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الصُّلْحَ قَدْ يَتَضَمَّنُ إِبْرَاءً، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِيهِ إِسْقَاطٌ لِجُزْءٍ مِنَ الْحَقِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَقَدْ لاَ يَتَضَمَّنُ الإْبْرَاءَ، بِأَنْ يَكُونَ مُقَابِلَ الْتِزَامٍ مِنَ الطَّرَفِ الآْخَرِ دُونَ إِسْقَاطٍ.

وَمِنْ هُنَا: كَانَ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالإْبْرَاءِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، فَيَجْتَمِعَانِ فِي الإْبْرَاءِ  بِمُقَابِلٍ فِي حَالَةِ النِّزَاعِ، وَيَنْفَرِدُ الإْبْرَاءُ فِي الإْسْقَاطِ  مَجَّانًا، أَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ النِّزَاعِ، كَمَا يَنْفَرِدُ الصُّلْحُ فِيمَا إِذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عِوَضًا لاَ إِسْقَاطَ فِيهِ. (ر. إِبْرَاء).

الْعَفْوُ:

4 - الْعَفْوُ: هُوَ التَّرْكُ وَالْمَحْوُ، وَمِنْهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ. أَيْ مَحَا ذُنُوبَكَ، وَتَرَكَ عُقُوبَتَكَ عَلَى اقْتِرَافِهَا. عَفَوْتَ عَنِ الْحَقِّ: أَسْقَطْتَهُ. كَأَنَّكَ مَحَوْتَهُ عَنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ .

هَذَا وَيَخْتَلِفُ الْعَفْوُ عَنِ الصُّلْحِ فِي كَوْنِ الأْوَّلِ إِنَّمَا يَقَعُ وَيَصْدُرُ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ، بَيْنَمَا الصُّلْحُ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْنِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: فَالْعَفْوُ وَالصُّلْحُ قَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي حَالَةِ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى مَالٍ. (ر. عَفْو).

مَشْرُوعِيَّةُ الصُّلْحِ:

5 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الصُّلْحِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ .

 

أَمَّا الْكِتَابُ:

أ - فَفِي قوله تعالي : (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) .

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا عَامٌّ فِي الدِّمَاءِ وَالأْمْوَالِ وَالأْعْرَاضِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ التَّدَاعِي وَالاِخْتِلاَفُ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ .

ب - وَفِي قوله تعالي : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)  فَقَدْ أَفَادَتِ الآْيَةُ مَشْرُوعِيَّةَ الصُّلْحِ، حَيْثُ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ الصُّلْحَ بِأَنَّهُ خَيْرٌ، وَلاَ يُوصَفُ بِالْخَيْرِيَّةِ إِلاَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا مَأْذُونًا فِيهِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ:

أ - فَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه  - عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ». وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً» . وَالْحَدِيثُ وَاضِحُ الدَّلاَلَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصُّلْحِ .

ب - وَمَا رَوَى «كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه  أَنَّهُ لَمَّا تَنَازَعَ مَعَ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ فِي دَيْنٍ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا: بِأَنِ اسْتَوْضَعَ مِنْ دَيْنِ كَعْبٍ الشَّطْرَ، وَأَمَرَ غَرِيمَهُ بِأَدَاءِ الشَّطْرِ» .

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ:

فَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصُّلْحِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ فِي جَوَازِ بَعْضِ صُوَرِهِ .

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ:

فَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ رَافِعٌ لِفَسَادٍ وَاقِعٍ، أَوْ مُتَوَقَّعٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ الصُّلْحُ عِنْدَ النِّزَاعِ. وَالنِّزَاعُ سَبَبُ الْفَسَادِ، وَالصُّلْحُ يَهْدِمُهُ وَيَرْفَعُهُ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمَحَاسِنِ .

أَنْوَاعُ الصُّلْحِ:

6 - الصُّلْحُ يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا خَمْسَةً  

أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. (ر. جِهَاد، جِزْيَة، عَهْد، هُدْنَة).

وَالثَّانِي: الصُّلْحُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَهْلِ الْبَغْيِ. (ر. بُغَاة).

وَالثَّالِثُ: الصُّلْحُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا خِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا، أَوْ خَافَتِ الزَّوْجَةُ إِعْرَاضَ الزَّوْجِ عَنْهَا. (ر. شِقَاق، عِشْرَةُ النِّسَاءِ، نُشُوز).

وَالرَّابِعُ: الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ. كَمَا فِي جِنَايَاتِ الْعَمْدِ. (ر. قِصَاص، عَفْو، دِيَات).

وَالْخَامِسُ: الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي الأْمْوَالِ. وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُبَوَّبُ لَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ هَذَا الْبَحْثِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلصُّلْحِ:

7 - قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهُوَ - أَيِ الصُّلْحُ - مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعَيُّنِ مَصْلَحَةٍ، وَحُرْمَتُهُ وَكَرَاهَتُهُ لاِسْتِلْزَامِهِ مَفْسَدَةً وَاجِبَةَ الدَّرْءِ أَوْ رَاجِحَتَهُ .

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الصُّلْحُ نَوْعَانِ:

أ - صُلْحٌ عَادِلٌ جَائِزٌ. وَهُوَ مَا كَانَ مَبْنَاهُ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرِضَا الْخَصْمَيْنِ، وَأَسَاسُهُ الْعِلْمُ وَالْعَدْلُ، فَيَكُونُ الْمُصَالِحُ عَالِمًا بِالْوَقَائِعِ، عَارِفًا بِالْوَاجِبِ، قَاصِدًا لِلْعَدْلِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ(فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) .

ب - وَصُلْحٌ جَائِرٌ مَرْدُودٌ: وَهُوَ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ أَوْ يُحَرِّمُ الْحَلاَلَ، كَالصُّلْحِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ أَكْلَ الرِّبَا، أَوْ إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ، أَوْ ظُلْمَ ثَالِثٍ، وَكَمَا فِي الإْصْلاَحِ بَيْنَ الْقَوِيِّ الظَّالِمِ وَالْخَصْمِ الضَّعِيفِ الْمَظْلُومِ بِمَا يُرْضِي الْمُقْتَدِرَ صَاحِبَ الْجَاهِ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ، بَيْنَمَا يَقَعُ الإْغْمَاضُ وَالْحَيْفُ فِيهِ عَلَى الضَّعِيفِ، أَوْ لاَ يُمَكِّنُ ذَلِكَ الْمَظْلُومَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ .

رَدُّ الْقَاضِي الْخُصُومَ إِلَى الصُّلْحِ:

8 - جَاءَ فِي «الْبَدَائِعِ»: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرُدَّ الْقَاضِي الْخُصُومَ إِلَى الصُّلْحِ إِنْ طَمِعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)  فَكَانَ الرَّدُّ لِلصُّلْحِ رَدًّا لِلْخَيْرِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه  -: «رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ بَيْنَهُمُ الضَّغَائِنَ». فَنَدَبَ - رضي الله عنه  - الْقُضَاةَ إِلَى الصُّلْحِ وَنَبَّهَ عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ حُصُولُ الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ ضَغِينَةٍ. وَلاَ يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنِ اصْطَلَحَا، وَإِلاَّ قَضَى بَيْنَهُمَا بِمَا يُوجِبُ الشَّرْعُ. وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ مِنْهُمْ فَلاَ يَرُدُّهُمْ إِلَيْهِ، بَلْ يُنَفِّذُ الْقَضَاءَ فِيهِمْ؛ لأِنَّهُ  لاَ فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ .

حَقِيقَةُ الصُّلْحِ:

9 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ لَيْسَ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا قَائِمًا بِذَاتِهِ فِي شُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ، بَلْ هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ تَسْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَقْرَبِ الْعُقُودِ إِلَيْهِ شَبَهًا بِحَسَبِ مَضْمُونِهِ. فَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ يُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ يُعَدُّ فِي حُكْمِ الإْجَارَةِ، وَالصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ هِبَةُ بَعْضِ الْمُدَّعَى لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَالصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ بِنَقْدٍ لَهُ حُكْمُ الصَّرْفِ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالِ مُعَيَّنٍ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ فِي حُكْمِ السَّلَمِ، وَالصُّلْحُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعِي أَقَلَّ مِنَ الْمَطْلُوبِ لِيَتْرُكَ دَعْوَاهُ يُعْتَبَرُ أَخْذًا لِبَعْضِ الْحَقِّ، وَإِبْرَاءً عَنَ الْبَاقِي. إِلَخْ.

وَثَمَرَةُ ذَلِكَ: أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الصُّلْحِ أَحْكَامُ الْعَقْدِ الَّذِي اعْتُبِرَ بِهِ وَتُرَاعَى فِيهِ شُرُوطُهُ وَمُتَطَلَّبَاتُهُ . قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي الصُّلْحِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَشْبَهِ الْعُقُودِ بِهِ، فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ؛ لأِنَّ  الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّورَةِ .

أَقْسَامُ الصُّلْحِ:

10 - الصُّلْحُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالأْجْنَبِيِّ الْمُتَوَسِّطِ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ، صُلْحٍ عَنِ الإْقْرَارِ، وَصُلْحٍ عَنِ الإْنْكَارِ، وَصُلْحٍ عَنِ السُّكُوتِ .

الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

وَهُوَ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الأْوَّلُ: الصُّلْحُ مَعَ إِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

11 - وَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . وَهُوَ ضَرْبَانِ: صُلْحٌ عَنِ الأْعْيَانِ، صُلْحٌ عَنِ الدُّيُونِ.

(أ) - الصُّلْحُ عَنِ الأْعْيَانِ.

وَهُوَ نَوْعَانِ: صُلْحُ الْحَطِيطَةِ، وَصُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ.

أَوَّلاً: صُلْحُ الْحَطِيطَةِ:

12 - وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، كَمَنْ صَالَحَ مِنَ الدَّارِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى نِصْفِهَا أَوْ ثُلُثِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ.

أَحَدِهَا: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: وَهُوَ أَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ هِبَةِ بَعْضِ الْمُدَّعَى لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْهِبَةِ، سَوَاءٌ وَقَعَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لأِنَّ  الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي يَفْتَقِرُ إِلَيْهَا لَفْظُ الصُّلْحِ، وَهِيَ سَبْقُ الْخُصُومَةِ قَدْ حَصَلَتْ .

وَالثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَهُ فِي يَدِهِ عَيْنٌ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: وَهَبْتُكَ نِصْفَهَا، فَأَعْطِنِي بَقِيَّتَهَا، فَيَصِحُّ وَيُعْتَبَرُ لَهُ شُرُوطُ الْهِبَةِ؛ لأِنَّ  جَائِزَ التَّصَرُّفِ لاَ يُمْنَعُ مِنْ هِبَةِ بَعْضِ حَقِّهِ، كَمَا لاَ يُمْنَعُ مِنَ اسْتِيفَائِهِ، مَا لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ  يَكُونُ قَدْ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مَالِهِ بِبَعْضِهِ، فَهُوَ هَضْمٌ لِلْحَقِّ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَاقِيَ، كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا مِنْهُ أَوْ تُعَوِّضَنِي مِنْهُ بِكَذَا؛ لأِنَّهُ  يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَكَأَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ بِبَعْضِهِ، وَالْمُعَاوَضَةُ عَنِ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ مَحْظُورَةٌ، أَوْ يَمْنَعُهُ حَقَّهُ بِدُونِ الصُّلْحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ كَذَلِكَ .

وَالثَّالِثُ: لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ دَارًا، حَصَلَ الصُّلْحُ عَلَى قِسْمٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا، فَهُنَاكَ قَوْلاَنِ فِي الْمَذْهَبِ:

أَحَدُهُمَا: لاَ يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ، وَلِلْمُدَّعِي الاِدِّعَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَاقِي الدَّارِ؛ لأِنَّ  الصُّلْحَ إِذَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ يَكُونُ الْمُدَّعِي قَدِ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَسْقَطَ الْبَعْضَ الآْخَرَ، إِلاَّ أَنَّ الإْسْقَاطَ عَنِ الأْعْيَانِ بَاطِلٌ، فَصَارَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْمُدَّعَى بِهِ لاَ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ كُلِّهِ، حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ نَفْسِهِ، إِذِ الْبَعْضُ دَاخِلٌ ضِمْنَ الْكُلِّ.

وَالثَّانِي: يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ، وَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي بَاقِيهَا بَعْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لأِنَّ  الإْبْرَاءَ عَنْ بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَى بِهَا إِبْرَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ دَعْوَى ذَلِكَ الْبَعْضِ، فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ .

أَمَّا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، بِأَنْ صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ عَلَى سُكْنَاهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ الصُّلْحِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: وَيُعْتَبَرُ إِجَارَةً. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ، وَيُعْتَبَرُ إِعَارَةً؛ فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهَا. فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً فَإِعَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، وَإِلاَّ فَمُطْلَقَةٌ .

وَالثَّانِي: عَدَمُ الْجَوَازِ، وَهُوَ لِلْحَنَابِلَةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّهُ  صَالَحَهُ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ، فَكَأَنَّهُ ابْتَاعَ دَارَهُ بِمَنْفَعَتِهَا، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ .

ثَانِيًا: صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ:

13 - وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، كَأَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا، فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ أُخْرَى.

وَهُوَ جَائِزٌ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَيُعَدُّ بَيْعًا، وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ؛ لأِنَّهُ  مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ جَمِيعُ شُرُوطِ الْبَيْعِ: كَمَعْلُومِيَّةِ الْبَدَلِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ إِنْ جَرَى بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ رِبَا النَّسِيئَةِ.

كَذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ: كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَالْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا يَفْسُدُ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ لِلْبَيْعِ .

وَلَوْ صَالَحَهُ مِنَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى مَنْفَعَةِ عَيْنٍ أُخْرَى، كَمَا إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا، فَأَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارِهِ، أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ، أَوْ لُبْسِ ثَوْبِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ إِجَارَةً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِهَا؛ لأِنَّ  الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي، فَوَجَبَ حَمْلُ الصُّلْحِ عَلَيْهَا، لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهَا، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ .

ب - الصُّلْحُ عَنِ الدَّيْنِ:

وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ دَيْنًا، فَيُقِرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُ بِهِ، ثُمَّ يُصَالِحُهُ عَلَى بَعْضِهِ، أَوْ عَلَى مَالٍ غَيْرِهِ. وَهُوَ جَائِزٌ - فِي الْجُمْلَةِ - بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ اخْتِلاَفٌ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ وَحَالاَتِهِ. وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَوْعَانِ: صُلْحُ إِسْقَاطٍ وَإِبْرَاءٍ، وَصُلْحُ مُعَاوَضَةٍ.

أَوَّلاً: صُلْحُ الإْسْقَاطِ  وَالإْبْرَاءِ:

وَيُسَمَّى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ.

14 - وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى، وَصُورَتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ، أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ: صَالَحْتُكَ عَلَى الأْلْفِ الْحَالِّ الَّذِي لِي عَلَيْكَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، هُوَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ جَائِزٌ؛ إِذْ هُوَ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِبَاقِيهِ، لاَ مُعَاوَضَةٌ ، وَيُعْتَبَرُ إِبْرَاءً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لأِنَّهُ  مَعْنَاهُ، فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ .

وَقَدْ جَاءَ فِي (م 1044) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُصَالِحَ مَدْيُونَهُ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ أَخْذًا لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِبْرَاءً عَنْ بَاقِيهِ.

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الإْبْرَاءِ  وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا، كَالإْسْقَاطِ  وَالْهِبَةِ وَالتَّرْكِ وَالإْحْلاَلِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ الإْبْرَاءَ تَمْلِيكٌ أَمْ إِسْقَاطٌ. كَمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الأْصَحِّ. وَفِي اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ إِذَا وَقَعَ بِهِ وَجْهَانِ - كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ: وَهَبْتُهُ لَكَ - وَالأْصَحُّ  الاِشْتِرَاطُ؛ لأِنَّ  اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ .

وَالثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، فَوَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْبَاقِيَ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُمَا إِذَا كَانَ بِلَفْظِ الإْبْرَاءِ ، وَكَانَتِ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ إِعْطَاءِ الْبَاقِي، كَقَوْلِ الدَّائِنِ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا مِنْهُ، وَلَمْ يَمْتَنِعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إِعْطَاءِ بَعْضِ حَقِّهِ إِلاَّ بِإِسْقَاطِ بَعْضِهِ الآْخَرِ . فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ جَازَ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصُلْحٍ وَلاَ مِنْ بَابِ الصُّلْحِ بِسَبِيلٍ .

أَمَّا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأْصَحُّ  فِي الْمَذْهَبِ؛ وَذَلِكَ لأِنَّهُ  صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مَالِهِ بِبَعْضِهِ، فَكَانَ هَضْمًا لِلْحَقِّ. وَالثَّانِيَةِ: وَهِيَ ظَاهِرُ «الْمُوجَزِ» «وَالتَّبْصِرَةِ» أَنَّهُ يَصِحُّ .

أَمَّا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ . وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ ذَلِكَ دَيْنَ الْكِتَابَةِ؛ لأِنَّ  الرِّبَا لاَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ الصِّحَّةِ: بِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمِقْدَارِ لِيَحْصُلَ الْحُلُولُ فِي الْبَاقِي، وَالصِّفَةُ بِانْفِرَادِهَا لاَ تُقَابَلُ بِعِوَضٍ؛ وَلأِنَّ  صِفَةَ الْحُلُولِ لاَ يَصِحُّ إِلْحَاقُهَا بِالْمُؤَجَّلِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَا تَرَكَ مِنَ الْقَدْرِ لأِجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ التَّرْكُ . وَوَجْهُ الْمَنْعِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا أُجِّلَ يُعَدُّ مُسَلِّفًا، فَقَدْ أَسْلَفَ الآْنَ خَمْسَمِائَةٍ لِيَقْتَضِيَ عِنْدَ الأْجَلِ  أَلْفًا مِنْ نَفْسِهِ .

وَقَدْ عَلَّلَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَنْعَ فِي غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ: بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ لاَ يَسْتَحِقُّ الْمُعَجَّلَ، فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ اسْتِيفَاءً، فَصَارَ عِوَضًا، وَبَيْعُ خَمْسِمِائَةٍ بِأَلْفٍ لاَ يَجُوزُ .

وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُعَجَّلَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاؤُهُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَالتَّعْجِيلُ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ لاَ مَحَالَةَ، فَيَكُونُ خَمْسَمِائَةٍ بِمُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ مِثْلُهُ مِنَ الدَّيْنِ، وَالتَّعْجِيلُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي، وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنِ الأْجَلِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلاَّ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالأْجَلِ  شُبْهَةً، فَلأَنْ  تَكُونَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالأْجَلِ  حَقِيقَةً حَرَامًا أَوْلَى .

الثَّانِي: جَوَازُ ذَلِكَ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ،  وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةُ .

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لأِنَّ  هَذَا عَكْسُ الرِّبَا، فَإِنَّ الرِّبَا يَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ الأْجَلِ ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مِنْ بَعْضِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ سُقُوطِ الأْجَلِ ، فَسَقَطَ بَعْضُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ سُقُوطِ بَعْضِ الأْجَلِ ، فَانْتَفَعَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَا رِبًا لاَ حَقِيقَةً وَلاَ لُغَةً وَلاَ عُرْفًا، فَإِنَّ الرِّبَا الزِّيَادَةُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هَاهُنَا، وَاَلَّذِينَ حَرَّمُوا ذَلِكَ إِنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى الرِّبَا، وَلاَ يَخْفَى الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ قَوْلِهِ: إِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، وَإِمَّا أَنْ تَقْضِيَ. وَبَيْنَ قَوْلِهِ: عَجِّلْ لِي وَأَهَبُ لَكَ مِائَةً. فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الآْخَرِ؛ فَلاَ نَصَّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلاَ إِجْمَاعَ، وَلاَ قِيَاسَ صَحِيحٌ .

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَالٍّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ التَّأْجِيلَ لاَ يَصِحُّ، وَيُعْتَبَرُ لاَغِيًا؛ إِذْ هُوَ مِنَ الدَّائِنِ وَعْدٌ بِإِلْحَاقِ الأْجَلِ ، وَصِفَةُ الْحُلُولِ لاَ يَصِحُّ إِلْحَاقُهَا، وَالْوَعْدُ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ .

وَالثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ صِحَّةُ التَّأْجِيلِ، وَذَلِكَ؛ لأِنَّهُ  إِسْقَاطٌ لِوَصْفِ الْحُلُولِ فَقَطْ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ، فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الإِْحْسَانِ . قَالُوا: لأِنَّ  أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَلَوْ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَلْزَمُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسَاءً، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ  بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لأِنَّ  الدَّرَاهِمَ الْحَالَّةَ وَالدَّرَاهِمَ الْمُؤَجَّلَةَ ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  «نَهَى عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» ،، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ؛ لأِنَّ  ذَلِكَ جَائِزٌ كَوْنُهُ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، لاَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .

وَلَوِ اصْطَلَحَا عَنِ الدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى وَضْعِ بَعْضِهِ وَتَأْجِيلِ الْبَاقِي، كَمَا لَوْ صَالَحَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ عَنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلِ: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ. وَهُوَ صِحَّةُ الإْسْقَاطِ  وَالتَّأْجِيلِ . وَقَدِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ .

 

وَالثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ فِي الأْصَحِّ وَالشَّافِعِيَّةِ:

وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ الإِْسْقَاطُ دُونَ التَّأْجِيلِ. وَعِلَّةُ صِحَّةِ الْوَضْعِ وَالإْسْقَاطِ : أَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ، فَلاَ مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ؛ لأِنَّهُ  لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ تَأْجِيلٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ؛ إِذْ هُوَ مُسَامَحَةٌ وَلَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ .

وَالثَّالِثُ: لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الإْسْقَاطُ وَلاَ التَّأْجِيلُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ لاَ يَصِحُّ مَعَ الإْقْرَارِ، وَعَلَى أَنَّ الْحَالَّ لاَ يَتَأَجَّلُ .

ثَانِيًا: صُلْحُ الْمُعَاوَضَةِ:

15 - وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى غَيْرِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى، بِأَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَتَّفِقَانِ عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيْعِ الدَّيْنِ،  وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ. وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:

الأْوَّلِ: أَنْ يُقِرَّ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ، فَيُصَالِحَهُ بِالآْخَرِ، نَحْوَ: أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَيُصَالِحَهُ مِنْهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ يُقِرَّ لَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، فَيُصَالِحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ. وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصَّرْفِ؛ لأِنَّهُ  بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآْخَرِ، وَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّرْفِ مِنَ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ .

وَالثَّانِي: أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِعَرَضٍ، كَفَرَسٍ وَثَوْبٍ، فَيُصَالِحَهُ عَنِ الْعَرَضِ بِنَقْدٍ، أَوْ يَعْتَرِفَ لَهُ بِنَقْدٍ، كَدِينَارٍ، فَيُصَالِحَهُ عَنْهُ عَلَى عَرَضٍ. وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْبَيْعِ؛ إِذْ هُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ .

وَالثَّالِثِ: أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ - مِنْ نَحْوِ بَدَلِ قَرْضٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ - فَيُصَالِحَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، بِأَنْ صَالَحَهُ عَنْ دِينَارٍ فِي ذِمَّتِهِ، بِإِرْدَبِّ قَمْحٍ، وَنَحْوِهِ فِي الذِّمَّةِ. وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الصُّلْحِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فِيهِ مِنَ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ  إِذَا حَصَلَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنًا - لأِنَّ  مَحَلَّهُ الذِّمَّةُ - فَصَارَ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ:

أَصَحُّهُمَا: عَدَمُ الاِشْتِرَاطِ إِلاَّ إِذَا كَانَا رِبَوِيَّيْنِ .

وَالرَّابِعِ: أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ نَقْدٍ، بِأَنْ كَانَ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْفَعَةٍ: كَسُكْنَى دَارٍ، أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً مَعْلُومًا. وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الصُّلْحِ حُكْمَ الإْجَارَةِ، وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهَا  

الْقِسْمُ الثَّانِي:

الصُّلْحُ مَعَ إِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

16 - وَذَلِكَ كَمَا إِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ شَيْئًا، فَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدِهِمَا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ -: وَهُوَ جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَى الإْنْكَارِ . بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مُعْتَقِدًا أَنَّ مَا ادَّعَاهُ حَقٌّ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْتَقِدُ أَنْ لاَ حَقَّ عَلَيْهِ. فَيَتَصَالَحَانِ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ، وَمَا أَخَذَهُ الْعَالِمُ بِكَذِبِ نَفْسِهِ حَرَامٌ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ  مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:

أ - بِظَاهِرِ قوله تعالي : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) حَيْثُ وَصَفَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ جِنْسَ الصُّلْحِ بِالْخَيْرِيَّةِ. مَعْلُومٌ أَنَّ الْبَاطِلَ لاَ يُوصَفُ بِالْخَيْرِيَّةِ، فَكَانَ كُلُّ صُلْحٍ مَشْرُوعًا بِظَاهِرِ هَذَا النَّصِّ إِلاَّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ .

ب - بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» . فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي عُمُومِهِ .

ج - وَبِأَنَّ الصُّلْحَ إِنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَالْحَاجَةِ إِلَى قَطْعِهَا فِي التَّحْقِيقِ عِنْدَ الإْنْكَارِ - إِذِ الإْقْرَارُ مُسَالَمَةٌ وَمُسَاعَدَةٌ - فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَكَذَلِكَ إِذَا حَلَّ مَعَ اعْتِرَافِ الْغَرِيمِ، فَلأَنْ  يَحِلَّ مَعَ جَحْدِهِ وَعَجْزِهِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى حَقِّهِ إِلاَّ بِذَلِكَ أَوْلَى .

د - وَلأِنَّهُ  صَالَحَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَيُقْضَى بِجَوَازِهِ؛ لأِنَّ  الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ دَفْعًا لِلشَّرِّ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ أَيْضًا، إِذِ الْمَالُ وِقَايَةُ الأْنْفُسِ، وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ .

هـ - وَلأِنَّ  افْتِدَاءَ الْيَمِينِ جَائِزٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُمَا بَذَلاَ مَالاً فِي دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهُمَا. فَالْيَمِينُ الثَّابِتَةُ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ ثَابِتٌ لِسُقُوطِهِ تَأْثِيرٌ فِي إِسْقَاطِ الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ الْمَالُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ، أَصْلُهُ الْقَوَدُ فِي دَمِ الْعَمْدِ .

وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الإْنْكَارِ بَاطِلٌ .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:

أ - بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْخُلْعَ، ثُمَّ تَصَالَحَ مَعَ زَوْجَتِهِ عَلَى شَيْءٍ، فَلاَ يَصِحُّ ذَلِكَ.

ب - وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ مَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَالَهُ الْحَلاَلَ؛ لأِنَّهُ  يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَا يَدَّعِيهِ، فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً» .

ج - وَبِأَنَّ الْمُدَّعِيَ اعْتَاضَ عَمَّا لاَ يَمْلِكُهُ، فَصَارَ كَمَنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَاوَضَ عَلَى مِلْكِهِ، فَصَارَ كَمَنِ ابْتَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ وَكِيلِهِ. فَالصُّلْحُ عَلَى الإْنْكَارِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعِي مَا لاَ يَمْلِكُ، وَأَنْ يَمْلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا يَمْلِكُ، وَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا. فَإِنْ كَانَ صَادِقًا انْعَكَسَ الْحَالُ.

د - وَلأِنَّهُ  عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ خَلاَ عَنِ الْعِوَضِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ؛ فَبَطَلَ كَالصُّلْحِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ.

التَّكْيِيفُ الْفِقْهِيُّ لِلصُّلْحِ عَلَى الإْنْكَارِ:

17 - قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي (بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ):

وَأَمَّا الصُّلْحُ عَلَى الإْنْكَارِ، فَالْمَشْهُورُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ مِنَ الصِّحَّةِ مَا يُرَاعَى فِي الْبُيُوعِ. ثُمَّ قَالَ: فَالصُّلْحُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ مَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ هُوَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: صُلْحٍ يُفْسَخُ بِاتِّفَاقٍ، وَصُلْحٍ يُفْسَخُ بِاخْتِلاَفٍ، وَصُلْحٍ لاَ يُفْسَخُ بِاتِّفَاقٍ إِنْ طَالَ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَفِيهِ اخْتِلاَفٌ .

وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْنَ تَكْيِيفِهِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَبَيْنَهُ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالُوا:

يَكُونُ الصُّلْحُ عَلَى مَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعِي؛ لأِنَّهُ  يَعْتَقِدُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ؛ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ اعْتِقَادِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْمُدَّعِي عِوَضًا عَنْ دَعْوَاهُ شِقْصًا مَشْفُوعًا، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِشَرِيكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ  أَخَذَهُ عِوَضًا، كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ .

وَيَكُونُ الصُّلْحُ عَلَى الإْنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَلاَصًا مِنَ الْيَمِينِ وَقَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ؛ لأِنَّ  الْمُدَّعِيَ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ غَيْرُ مُحِقٍّ وَمُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ، وَأَنَّ إِعْطَاءَهُ الْعِوَضَ لَهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ لِلْخَلاَصِ مِنَ الْيَمِينِ، إِذْ لَوْ لَمْ يُصَالِحْهُ وَيُعْطِ الْعِوَضَ لَبَقِيَ النِّزَاعُ وَلَزِمَهُ الْيَمِينُ. وَقَدْ عَبَّرَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِمْ: يَكُونُ صُلْحُ الإْنْكَارِ إِبْرَاءً فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ؛ لأِنَّهُ  دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لاَ عِوَضًا عَنْ حَقٍّ يَعْتَقِدُهُ عَلَيْهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَوْ كَانَ مَا صَالَحَ بِهِ الْمُنْكِرُ شِقْصًا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لأِنَّ  الْمُدَّعِيَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ مُسْتَرْجِعًا لَهُ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً، بَلْ هُوَ كَاسْتِرْجَاعِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ .

الْقِسْمُ الثَّالِثُ:

الصُّلْحُ مَعَ سُكُوتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

18 - وَذَلِكَ كَمَا إِذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ شَيْئًا، فَسَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ.

وَقَدِ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ - مَا عَدَا ابْنَ أَبِي لَيْلَى - هَذَا الصُّلْحَ فِي حُكْمِ الصُّلْحِ عَنِ الإْنْكَارِ؛ لأِنَّ  السَّاكِتَ مُنْكِرٌ حُكْمًا. صَحِيحٌ أَنَّ السُّكُوتَ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الإْقْرَارِ، وَعَلَى الإْنْكَارِ، إِلاَّ أَنَّهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الأْصْلِ  بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَفَرَاغَهَا، فَقَدْ تَرَجَّحَتْ جِهَةُ الإْنْكَارِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي جَوَازِهِ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَنِ الإْنْكَارِ.

وَعَلَى هَذَا، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي الصُّلْحِ عَنِ السُّكُوتِ قَوْلاَنِ:  

أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ:

وَهُوَ جَوَازُ الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ، وَحُجَّتُهُمْ نَفْسُ الأْدِلَّةِ الَّتِي سَاقُوهَا عَلَى جَوَازِهِ عَنِ الإْنْكَارِ. وَقَدِ اشْتَرَطُوا فِيهِ نَفْسَ الشُّرُوطِ وَرَتَّبُوا ذَاتَ الأْحْكَامِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا فِي حَالَةِ الإْنْكَارِ.

هَذَا وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - مَعَ إِبْطَالِهِ الصُّلْحَ عَنِ الإْنْكَارِ - حَيْثُ اعْتَبَرَهُ فِي حُكْمِ الصُّلْحِ عَلَى الإْقْرَارِ .

وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ لأِنَّ  جَوَازَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي حَقًّا ثَابِتًا، وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَوْضِعِ السُّكُوتِ؛ إِذِ السَّاكِتُ يُعَدُّ مُنْكِرًا حُكْمًا حَتَّى تُسْمَعَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَكَانَ إِنْكَارُهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْمُدَّعِي. وَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ لَبَذَلَهُ لِدَفْعِ خُصُومَةٍ بَاطِلَةٍ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ .

الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالأْجْنَبِيِّ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ  بِالصُّلْحِ الْكَائِنِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالأْجْنَبِيِّ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:

19 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالأْجْنَبِيِّ ، فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

أ - فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ الأْجْنَبِيُّ وَكِيلاً عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ، وَيَجِبُ الْمَالُ الْمُصَالَحُ بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْوَكِيلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ أَمْ إِنْكَارٍ؛ لأِنَّ  الْوَكِيلَ فِي الصُّلْحِ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَضْمَنِ الأْجْنَبِيُّ بَدَلَ الصُّلْحِ عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِذَا ضَمِنَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ لاَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ .

ب - وَأَمَّا إِذَا كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَهَذَا صُلْحُ الْفُضُولِيِّ، وَلَهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُضِيفَ الْفُضُولِيُّ الصُّلْحَ إِلَى نَفْسِهِ، كَأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاكَ مَعَ فُلاَنٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيُصَالِحَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ. فَهَذَا الصُّلْحُ صَحِيحٌ، وَيَلْزَمُ بَدَلَ الصُّلْحِ الْفُضُولِيُّ، وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ يُضِفِ الصُّلْحَ إِلَى مَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ؛ لأِنَّ  إِضَافَةَ الْفُضُولِيِّ الصُّلْحَ إِلَى نَفْسِهِ تَنْفُذُ فِي حَقِّهِ، وَيَكُونُ قَدِ الْتَزَمَ بَدَلَ الصُّلْحِ مُقَابِلَ إِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْفُضُولِيِّ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَدَلِ الصُّلْحِ الَّذِي أَدَّاهُ، طَالَمَا أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي (التُّحْفَةِ): وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا، لأِنَّ  التَّبَرُّعَ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ، بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَحِيحٌ، وَالتَّبَرُّعُ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ عَنْ غَيْرِهِ صَحِيحٌ، وَالصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ إِسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ، وَالصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ إِسْقَاطٌ لِلْخُصُومَةِ، فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ .

وَالثَّانِي: أَنْ يُضِيفَ الْفُضُولِيُّ الصُّلْحَ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: تَصَالَحْ مَعَ فُلاَنٍ عَنْ دَعْوَاكَ. وَلِهَذَا الْوَجْهِ خَمْسُ صُوَرٍ: فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا يَكُونُ الصُّلْحُ لاَزِمًا، وَفِي الْخَامِسَةِ مِنْهَا يَكُونُ مَوْقُوفًا.

وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ الْفُضُولِيَّ إِمَّا أَنْ يَضْمَنَ بَدَلَ الصُّلْحِ أَوْ لاَ يَضْمَنَ، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ، فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ الصُّلْحَ إِلَى مَالِهِ أَوْ لاَ يُضِيفَهُ. وَإِذَا لَمْ يُضِفْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إِلَى نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ لاَ يُشِيرَ. وَإِذَا لَمْ يُشِرْ، فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لاَ يُسَلِّمَ. فَالصُّوَرُ خَمْسٌ هِيَ:

الصُّورَةُ الأْولَى: أَنْ يَضْمَنَ الْفُضُولِيُّ بَدَلَ الصُّلْحِ، كَمَا إِذَا قَالَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي: صَالِحْ فُلاَنًا عَنْ دَعْوَاكَ مَعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَنَا ضَامِنٌ لَكَ ذَلِكَ الْمَبْلَغَ وَقَبِلَ الْمُدَّعِي تَمَّ الصُّلْحُ وَصَحَّ؛ لأِنَّهُ  فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ سِوَى الْبَرَاءَةِ، فَكَمَا أَنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى بَرَاءَتِهِ بِنَفْسِهِ، فَلِلأْجْنَبِيِّ - أَيْضًا - أَنْ يَحْصُلَ عَلَى بَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمِ الْفُضُولِيَّ بَدَلُ الصُّلْحِ بِسَبَبِ عَقْدِهِ الصُّلْحَ - مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ سَفِيرًا - إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ بِسَبَبِ ضَمَانِهِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لاَ يَضْمَنَ الْفُضُولِيُّ بَدَلَ الصُّلْحِ إِلاَّ أَنَّهُ يُضِيفُهُ إِلَى مَالِهِ، كَأَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ: قَدْ صَالَحْتُ عَلَى مَالِي الْفُلاَنِيِّ، أَوْ عَلَى فَرَسِي هَذِهِ، أَوْ عَلَى دَرَاهِمِي هَذِهِ الأَْلْفِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  الْمُصَالِحَ الْفُضُولِيَّ بِإِضَافَةِ الصُّلْحِ إِلَى مَالِهِ يَكُونُ قَدِ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ، وَلَمَّا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ صَحَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَ الْفُضُولِيَّ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُشِيرَ إِلَى الْعُرُوضِ أَوِ النُّقُودِ الْمَوْجُودَةِ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ هَذَا الْمَبْلَغُ، أَوْ هَذِهِ السَّاعَةُ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  بَدَلَ الصُّلْحِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَدْ تَعَيَّنَ تَسْلِيمُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِهِ وَبِذَلِكَ تَمَّ الصُّلْحُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ: هُوَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ فِي الثَّانِيَةِ قَدْ أَضَافَ الصُّلْحَ إِلَى مَالِهِ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ، أَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَبَدَلُ الصُّلْحِ مَعَ كَوْنِهِ مَالَهُ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ.

الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا أَطْلَقَ بِقَوْلِهِ: صَالَحْتُ عَلَى كَذَا، وَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا وَلاَ مُضِيفًا إِلَى مَالِهِ وَلاَ مُشِيرًا إِلَى شَيْءٍ، وَسَلَّمَ الْمَبْلَغَ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  تَسْلِيمَ بَدَلِ الصُّلْحِ يُوجِبُ بَقَاءَ الْبَدَلِ الْمَذْكُورِ سَالِمًا لِلْمُدَّعِي، وَيَسْتَلْزِمُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ بِتَمَامِ الْعَقْدِ، فَصَارَ فَوْقَ الضَّمَانِ وَالإْضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ.

وَعَلَى ذَلِكَ: إِذَا حَصَلَ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَتَمَّ رِضَاؤُهُ بِهِ بَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ لِلْفُضُولِيِّ الْمُصَالِحِ مِنَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ.

وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَصْرِ لُزُومِ التَّسْلِيمِ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ تَسْلِيمَ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي الصُّورَتَيْنِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصُّلْحِ، فَيَصِحُّ فِيهِمَا وَلَوْ لَمْ يَحْصُلِ التَّسْلِيمُ، وَيُجْبَرُ الْفُضُولِيُّ عَلَى التَّسْلِيمِ.

هَذَا وَحَيْثُ صَحَّ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الأْرْبَعِ، فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ الْمُصَالِحَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْبَدَلِ؛ لأِنَّهُ  أَجْرَى هَذَا الْعَقْدَ بِلاَ أَمْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يُطْلِقَ الْفُضُولِيُّ بِقَوْلِهِ لِلْمُدَّعِي: أُصَالِحُكَ عَنْ دَعْوَاكَ هَذِهِ مَعَ فُلاَنٍ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلاَ يَكُونُ ضَامِنًا، وَلاَ مُضِيفًا إِلَى مَالِهِ وَلاَ مُشِيرًا إِلَى شَيْءٍ، ثُمَّ لاَ يُسَلِّمُ بَدَلَ الصُّلْحِ، فَصُلْحُهُ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  الْمُصَالِحَ هَاهُنَا - وَهُوَ الْفُضُولِيُّ - لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَتِهِ.

وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنْ أَجَازَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صُلْحَهُ صَحَّ؛ لأِنَّ  إِجَازَتَهُ اللاَّحِقَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّوْكِيلِ، وَيَلْزَمُ بَدَلَ الصُّلْحِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْمُصَالِحِ؛ لأِنَّهُ  الْتَزَمَ هَذَا الْبَدَلَ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَخْرُجُ الأْجْنَبِيُّ الْفُضُولِيُّ مِنْ بَيْنَهُمَا، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَإِنْ لَمْ يُجِزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الصُّلْحَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ؛ لأِنَّهُ  لاَ يَجِبُ الْمَالُ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى بِهِ لاَ يَسْقُطُ.

وَلاَ فَرْقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا؛ لأِنَّ  الْمُصَالِحَ الْفُضُولِيَّ لَمْ يُضِفْ بَدَلَ الصُّلْحِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ فَلاَ يَلْزَمُهُ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ 

ثَانِيًا: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:

20 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ رَجُلٌ عَلَى دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ، وَيَلْزَمُ الْمُصَالِحَ مَا صَالَحَ بِهِ. جَاءَ فِي (الْمُدَوَّنَةِ) فِي بَابِ الصُّلْحِ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلُمَّ أُصَالِحُكَ مِنْ دَيْنِكَ الَّذِي عَلَى فُلاَنٍ بِكَذَا، فَفَعَلَ، أَوْ أَتَى رَجُلٌ رَجُلاً فَصَالَحَهُ عَنِ امْرَأَتِهِ بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَزِمَ الزَّوْجَ الصُّلْحُ، وَلَزِمَ الْمُصَالِحَ مَا صَالَحَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: أَنَا ضَامِنٌ؛ لأِنَّهُ  إِنَّمَا قَضَى عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِمَّا يَحِقُّ عَلَيْهِ .

ثَالِثًا: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:

21 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلصُّلْحِ الْجَارِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالأْجْنَبِيِّ حَالَتَيْنِ:  

الأْولَى: مَعَ إِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

وَفِي هَذِهِ الْحَالِ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا.

أ - فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا، وَقَالَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِكَ لَهُ عَنْ بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، أَوْ عَنْ كُلِّهَا بِعَيْنٍ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِعَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَتَصَالَحَا عَلَيْهِ، صَحَّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  دَعْوَى الإْنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلاَتِ مَقْبُولَةٌ. ثُمَّ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الأْجْنَبِيُّ صَادِقًا فِي الْوَكَالَةِ، صَارَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِلْكًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِلاَّ كَانَ فُضُولِيًّا وَلَمْ يَصِحَّ صُلْحُهُ، لِعَدَمِ الإْذْنِ فِيهِ، كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ.

وَلَوْ صَالَحَهُ الْوَكِيلُ عَلَى عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْوَكِيلِ، أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَيَكُونُ كَشِرَائِهِ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَيَقَعُ لِلآْذِنِ، فَيَرْجِعُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا؛ لأِنَّ  الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لاَ هِبَةٌ.

أَمَّا لَوْ صَالَحَ عَنِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ لِنَفْسِهِ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ لِلأْجْنَبِيِّ، وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَجْرِ مَعَ الأْجْنَبِيِّ خُصُومُهُ؛ لأِنَّ  الصُّلْحَ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ.

ب - وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا، فَيُنْظَرُ: فَإِنْ صَالَحَهُ عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: صَالِحْنِي عَلَى الأْلْفِ الَّذِي لَكَ عَلَى فُلاَنٍ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّهُ  إِنْ كَانَ قَدْ وَكَّلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقَدْ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ فَقَدْ قَضَى دَيْنَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ الأْجْنَبِيُّ: وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُصَالَحَتِكَ عَلَى نِصْفِهِ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ هَذَا، فَصَالَحَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: صَالِحْنِي عَنْ هَذَا الدَّيْنِ لِيَكُونَ لِي فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ - بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ.

أَحَدُهُمَا: لاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ  لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَمَا لَوِ اشْتَرَى وَدِيعَةً فِي يَدِ غَيْرِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: مَعَ إِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

وَفِي هَذِهِ الْحَالِ - أَيْضًا - فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا.

أ - فَإِنْ كَانَ عَيْنًا، وَصَالَحَهُ الأْجْنَبِيُّ عَنِ الْمُنْكِرِ ظَاهِرًا بِقَوْلِهِ: أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدِي وَوَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِكَ لَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُظْهِرُ إِقْرَارَهُ لِئَلاَّ تَنْتَزِعَهُ مِنْهُ، فَصَالَحَهُ صَحَّ ذَلِكَ؛ لأِنَّ  دَعْوَى الإْنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلاَتِ مَقْبُولَةٌ . قَالَ الشِّيرَازِيُّ: لأِنَّ  الاِعْتِبَارَ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى مَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَجَازَ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ مَلَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَيْنَ؛ لأِنَّهُ  ابْتَاعَهُ لَهُ وَكِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ لَمْ يَمْلِكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَيْنَ؛ لأِنَّهُ  ابْتَاعَ لَهُ عَيْنًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ .

وَلَوْ قَالَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: هُوَ مُنْكِرٌ، غَيْرَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ، فَصَالِحْنِي لَهُ عَلَى دَارِي هَذِهِ لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا فَلاَ يَصِحُّ عَلَى الأْصَحِّ؛ لأِنَّهُ  صُلْحُ إِنْكَارٍ .

وَإِنْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ فَقَالَ: هُوَ مُبْطِلٌ فِي إِنْكَارِهِ؛ لأِنَّ كَ صَادِقٌ عِنْدِي، فَصَالِحْنِي لِنَفْسِي بِدَارِي هَذِهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِي فَهُوَ كَشِرَاءِ الْمَغْصُوبِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ فَيَصِحُّ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنِ انْتِزَاعِهِ فَلاَ يَصِحُّ .

ب - وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا: وَقَالَ الأْجْنَبِيُّ: أَنْكَرَ الْخَصْمُ وَهُوَ مُبْطِلٌ، فَصَالِحْنِي لَهُ بِدَابَّتِي هَذِهِ لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا، فَقَبِلَ صَحَّ الصُّلْحُ، إِذْ لاَ يَتَعَذَّرُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ، بِخِلاَفِ تَمْلِيكِ الْغَيْرِ عَيْنَ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ.

وَإِنْ صَالَحَهُ عَنِ الدَّيْنِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ: هُوَ مُنْكِرٌ، وَلَكِنَّهُ مُبْطِلٌ، فَصَالِحْنِي لِنَفْسِي بِدَابَّتِي هَذِهِ أَوْ بِعَشَرَةٍ فِي ذِمَّتِي لآِخُذَهُ مِنْهُ فَلاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّهُ  ابْتِيَاعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ .

رَابِعًا: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:

22 - تَكَلَّمَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ صُلْحِ الأْجْنَبِيِّ  مَعَ الْمُدَّعِي فِي حَالَةِ الإْنْكَارِ فَقَطْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِصُلْحِهِ فِي حَالَةِ الإْقْرَارِ، وَقَالُوا:

أ - إِنَّ صُلْحَ الأْجْنَبِيِّ  عَنِ الْمُنْكِرِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ:

فَإِنْ صَالَحَ عَنْ مُنْكِرٍ لِعَيْنٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِدُونِ إِذْنِهِ صَحَّ الصُّلْحُ، سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُنْكِرِ، أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِصِحَّتِهَا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرِ الأْجْنَبِيُّ أَنَّ الْمُنْكِرَ وَكَّلَهُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ  افْتِدَاءٌ لِلْمُنْكِرِ مِنَ الْخُصُومَةِ وَإِبْرَاءٌ لَهُ مِنَ الدَّعْوَى، وَلاَ يَرْجِعُ الأْجْنَبِيُّ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ بِهِ عَلَى الْمُنْكِرِ إِنْ دَفَعَ بِدُونِ إِذْنِهِ؛ لأِنَّهُ  أَدَّى عَنْهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا، كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ. أَمَّا إِذَا صَالَحَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ وَكِيلُهُ، وَالتَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ عَنْهُ.

 

وَإِنْ صَالَحَ عَنْ مُنْكِرٍ لِدَيْنٍ بِإِذْنِهِ أَوْ بِدُونِ إِذْنِهِ، صَحَّ الصُّلْحُ، سَوَاءٌ اعْتَرَفَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي لِصِحَّةِ دَعْوَاهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ؛ لأِنَّ  قَضَاءَ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنَّ «عَلِيًّا وَأَبَا قَتَادَةَ - رضي الله عنهما - قَضَيَا الدَّيْنَ عَنِ الْمَيِّتِ، وَأَقَرَّهُمَا النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم » ،، وَلَوْ لَمْ يَقُلِ الأْجْنَبِيُّ إِنَّ الْمُنْكِرَ وَكَّلَهُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ  افْتِدَاءٌ لِلْمُنْكِرِ مِنَ الْخُصُومَةِ، وَإِبْرَاءٌ لَهُ مِنَ الدَّعْوَى، وَلاَ يَرْجِعُ الأْجْنَبِيُّ عَلَى الْمُنْكِرِ بِشَيْءٍ مِمَّا صَالَحَ بِهِ إِنْ دَفَعَ بِدُونِ إِذْنِهِ؛ لأِنَّهُ  أَدَّى عَنْهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا، كَمَا لَوْ تَصَدَّقَ عَنْهُ. فَإِنْ أَذِنَ الْمُنْكِرُ لِلأْجْنَبِيِّ فِي الصُّلْحِ، أَوِ الأْدَاءِ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى عَنْهُ إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِمَا دَفَعَ عَنْهُ .

ب - وَإِنْ صَالَحَ الأْجْنَبِيُّ الْمُدَّعِيَ لِنَفْسِهِ، لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ لِلْمُدَّعِي بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ، أَوْ لاَ يَعْتَرِفَ لَهُ:

فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلاً؛ لأِنَّهُ  اشْتَرَى مِنَ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ خُصُومَةٌ يَفْتَدِي مِنْهَا، أَشْبَهَ مَا لَوِ اشْتَرَى مِنْهُ مِلْكَ غَيْرِهِ.

وَإِنِ اعْتَرَفَ لَهُ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُ وَصَالَحَ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى بِهِ دَيْنٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لأِنَّهُ  اشْتَرَى مَا لاَ يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ وَلأِنَّهُ  بَيْعٌ لِلدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِذَا كَانَ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُقَرَّ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ لاَ يَصِحُّ؛ فَبَيْعُ دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ مُنْكِرٍ مَعْجُوزٍ عَنْ قَبْضِهِ مِنْهُ أَوْلَى.

وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا، وَعَلِمَ الأْجْنَبِيُّ عَجْزَهُ عَنِ اسْتِنْقَاذِهَا مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّهُ  اشْتَرَى مَا لاَ يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَشِرَاءِ الشَّارِدِ. وَإِنْ ظَنَّ الأْجْنَبِيُّ الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا صَحَّ؛ لأِنَّهُ  اشْتَرَى مِنْ مَالِكٍ مِلْكَهُ الْقَادِرَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فِي اعْتِقَادِهِ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْمَقْدِرَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا صَحَّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  الْبَيْعَ تَنَاوَلَ مَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ظَنُّ عَدَمِهِ.

ثُمَّ إِنْ عَجَزَ الأْجْنَبِيُّ بَعْدَ الصُّلْحِ ظَانًّا الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهَا خُيِّرَ الأْجْنَبِيُّ بَيْنَ فَسْخِ الصُّلْحِ - وَلأِنَّهُ  لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إِلَى بَدَلِهِ - وَبَيْنَ إِمْضَاءِ الصُّلْحِ؛ لأِنَّ  الْحَقَّ لَهُ كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَإِنْ قَدَرَ عَلَى انْتِزَاعِهِ اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ .

ج - وَإِنْ قَالَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: أَنَا وَكِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُصَالَحَتِكَ عَنِ الْعَيْنِ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَكَ بِهَا فِي الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا يَجْحَدُكَ فِي الظَّاهِرِ فَظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ: لاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّهُ  يَجْحَدُهَا فِي الظَّاهِرِ لِيَنْتَقِصَ الْمُدَّعِي بَعْضَ حَقِّهِ، أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ؛ فَهُوَ هَاضِمٌ لِلْحَقِّ يَتَوَصَّلُ إِلَى أَخْذِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ بِالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَافَهَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ صِحَّةَ دَعْوَاكَ، وَأَنَّ هَذَا لَكَ، وَلَكِنْ لاَ أُسَلِّمُهُ إِلَيْكَ وَلاَ أُقِرُّ لَكَ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى تُصَالِحَنِي مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ عِوَضٍ عَنْهُ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ. ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَلَكَ الْعَيْنَ، وَلَزِمَهُ مَا أَدَّى عَنْهُ وَرَجَعَ الأْجْنَبِيُّ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ إِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الإْذْنَ فِي الدَّفْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَمَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا بِلاَ إِذْنِهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ رُجُوعَ لِلأْجْنَبِيِّ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْكُمُ لَهُ بِمِلْكِهَا؛ ثُمَّ إِنْ كَانَ الأْجْنَبِيُّ قَدْ وَكَّلَ فِي الشِّرَاءِ، فَقَدْ مَلَكَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَاطِنًا؛ لأِنَّهُ  اشْتَرَاهَا بِإِذْنِهِ فَلاَ يَقْدَحُ إِنْكَارُهُ فِي مِلْكِهَا؛ لأِنَّ  مِلْكَهُ ثَبَتَ قَبْلَ إِنْكَارِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ بِالإْنْكَارِ لِلأْجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لأِنَّهُ  اشْتَرَى لَهُ عَيْنًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَلَوْ قَالَ الأْجْنَبِيُّ لِلْمُدَّعِي: قَدْ عَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صِحَّةَ دَعْوَاكَ، وَيَسْأَلُكَ الصُّلْحَ عَنْهُ، وَكَّلَنِي فِيهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ؛ لأِنَّهُ  هَاهُنَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ أَدَائِهِ، بَلِ اعْتَرَفَ بِهِ وَصَالَحَهُ عَلَيْهِ مَعَ بَذْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَجْحَدْهُ .

أَرْكَانُ الصُّلْحِ:

23 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلصُّلْحِ رُكْنًا وَاحِدًا: وَهُوَ الصِّيغَةُ الْمُؤَلَّفَةُ مِنَ الإْيجَابِ  وَالْقَبُولِ الدَّالَّةُ عَلَى التَّرَاضِي. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - حَيْثُ عَدُّوا أَرْكَانَ الصُّلْحِ ثَلاَثَةً:

1 - الصِّيغَةُ.

2 - وَالْعَاقِدَانِ.

3 - وَالْمَحَلُّ. (وَهُوَ الْمُصَالَحُ بِهِ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ). انْظُرْ مُصْطَلَحَ (عَقْد).

شُرُوطُ الصُّلْحِ:

24 - لِلصُّلْحِ شُرُوطٌ يَلْزَمُ تَحَقُّقُهَا لِوُجُودِهِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مَاهِيَّتِهِ، مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الصِّيغَةِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْعَاقِدَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصِّيغَةِ:

25 - الْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ: الإْيجَابُ  وَالْقَبُولُ الدَّالَّيْنِ عَلَى التَّرَاضِي. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى كَذَا، أَوْ مِنْ دَعْوَاكَ كَذَا عَلَى كَذَا، وَيَقُولَ الآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ وَرِضَاهُ. فَإِذَا وُجِدَ الإْيجَابُ  وَالْقَبُولُ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ .

هَذَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي بَابِ الصُّلْحِ لِبَيَانِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصِيغَتِهِ؛ نَظَرًا لاِعْتِبَارِهِمْ عَقْدَ الصُّلْحِ غَيْرَ قَائِمٍ بِذَاتِهِ، بَلْ تَابِعًا لأَقْرَبِ الْعُقُودِ بِهِ فِي الشَّرَائِطِ وَالأْحْكَامِ، بِحَيْثُ يُعَدُّ بَيْعًا إِذَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ، وَهِبَةً إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، وَإِبْرَاءً إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى، اكْتِفَاءً مِنْهُمْ بِذِكْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ مِنْ شُرُوطٍ وَأَحْكَامٍ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ الَّتِي يَلْحَقُ بِهَا الصُّلْحُ، بِحَسَبِ مَحَلِّهِ وَمَا تَصَالَحَا عَلَيْهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ تَكَلَّمُوا عَلَى صِيغَةِ الصُّلْحِ بِصُورَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي بَابِهِ، وَأَتَوْا عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ شُرُوطِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَسَكَتُوا عَنِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، اكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدُوهُ مِنْ تَفْصِيلاَتٍ تَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ فِي أَبْوَابِ الْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبْرَاءِ، الَّتِي يَأْخُذُ الصُّلْحُ أَحْكَامَهَا بِحَسَبِ أَحْوَالِهِ وَصُوَرِهِ.

أَمَّا كَلاَمُهُمْ فِي بَابِ الصُّلْحِ عَنْ صِيغَتِهِ وَشُرُوطِهَا: فَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ حُصُولُ الإْيجَابِ  مِنَ الْمُدَّعِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَلِذَلِكَ لاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ بِدُونِ إِيجَابٍ مُطْلَقًا. أَمَّا الْقَبُولُ، فَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ صُلْحٍ يَتَضَمَّنُ الْمُبَادَلَةَ بَعْدَ الإْيجَابِ .

ثُمَّ قَالُوا: تُسْتَعْمَلُ صِيغَةُ الْمَاضِي فِي الإْيجَابِ  وَالْقَبُولِ، وَلاَ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِصِيغَةِ الأْمْرِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلاَ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُ؛ لأِنَّ  طَرَفَ الإْيجَابِ  كَانَ عِبَارَةً عَنْ طَلَبِ الصُّلْحِ، وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلإْيجَابِ، فَقَوْلُ الطَّرَفِ الآْخَرِ: قَبِلْتُ، لاَ يَقُومُ مَقَامَ الإْيجَابِ . أَمَّا إِذَا قَالَ الْمُدَّعِي ثَانِيًا: قَبِلْتُ. فَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ.

وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ:

إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ:

كَالْعَقَارَاتِ، وَالأْرَاضِي، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَنَحْوِهَا فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَ الإْيجَابِ  لِصِحَّةِ الصُّلْحِ؛ لأِنَّ  الصُّلْحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَكُونُ إِسْقَاطًا حَتَّى يَتِمَّ بِإِرَادَةِ الْمُسْقِطِ وَحْدَهَا، وَسَبَبُ عَدَمِ كَوْنِهِ إِسْقَاطًا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَرَيَانِ الإْسْقَاطِ  فِي الأْعْيَانِ.

وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ وَاقِعًا عَلَى جِنْسٍ آخَرَ، فَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ - أَيْضًا - سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَوْ كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ: كَالنَّقْدَيْنِ، وَمَا فِي حُكْمِهِمَا.

وَسَبَبُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ الصُّلْحَ فِيهِمَا مُبَادَلَةٌ، وَفِي الْمُبَادَلَةِ يَجِبُ الْقَبُولُ، وَلاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ.

أَمَّا الصُّلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِالإْيجَابِ  وَحْدَهُ، فَهُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ بَعْضِ الْحُقُوقِ، فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالإْيجَابِ ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ.

وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ، بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمُصَالَحِ بِهِ مِنَ النَّقْدَيْنِ، وَهُمَا لاَ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ، فَهَاهُنَا يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِمُجَرَّدِ إِيجَابِ الدَّائِنِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَدِينِ؛ لأِنَّ  هَذَا الصُّلْحَ عِبَارَةٌ عَنْ إِسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَالإْسْقَاطُ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، بَلْ يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ إِيجَابِ الْمُسْقِطِ.

فَمَثَلاً: لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ: صَالَحْتُكَ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِكَ لِي مِنَ الْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى مِائَتَيْ دِينَارٍ فَيَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِمُجَرَّدِ الإْيجَابِ ، وَلاَ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَدِينِ، وَيَلْزَمُ الصُّلْحُ مَا لَمْ يَرُدَّهُ الدَّيْنُ. إِلاَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ الْمُدَّعِيَ؛ لأِنَّهُ  لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُوجِبَ، فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمُدَّعِي؛ سَوَاءٌ أَكَانَ الصُّلْحُ عَمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، أَمْ عَمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  هَذَا الصُّلْحَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِسْقَاطًا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْقِطُ الْمُدَّعِيَ أَوِ الدَّائِنَ، إِذْ لاَ يُمْكِنُ سُقُوطُ حَقِّهِ بِدُونِ قَبُولِهِ وَرِضَاهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَاوَضَةً، وَفِي الْمُعَاوَضَةِ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الإْيجَابِ  وَالْقَبُولِ مَعًا. أَمَّا فِي الصُّلْحِ عَمَّا لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى عَيْنِ الْجِنْسِ، فَيَقُومُ طَلَبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الصُّلْحَ مَقَامَ الْقَبُولِ .

الصُّلْحُ بِالتَّعَاطِي:

26 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى انْعِقَادِ الصُّلْحِ بِالتَّعَاطِي إِذَا كَانَتْ قَرَائِنُ الْحَالِ دَالَّةً عَلَى تَرَاضِيهِمَا بِهِ، كَمَا لَوْ أَعْطَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالاً لِلْمُدَّعِي لاَ يَحِقُّ لَهُ أَخْذُهُ وَقَبَضَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ الْمَالَ. وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّيْنَ، وَأَعْطَى الْمُدَّعِي شَاةً وَقَبَضَهَا الْمُدَّعِي مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِالتَّعَاطِي، وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ الاِدِّعَاءُ بِالأْلْفِ دِرْهَمٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ تِلْكَ الشَّاةِ.

أَمَّا إِذَا أَعْطَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي بَعْضَ الْمَالِ الَّذِي كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقُّ أَخْذِهِ وَقَبَضَهُ الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ يَدُلُّ عَلَى الصُّلْحِ فَلاَ يَنْعَقِدُ الصُّلْحُ بِالتَّعَاطِي، وَلِلْمُدَّعِي طَلَبُ بَاقِي الدَّيْنِ؛ لأِنَّ  أَخْذَ الْمُدَّعِي بَعْضًا مِنَ الْمَالِ الَّذِي لَهُ حَقُّ أَخْذِهِ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ اسْتِيفَاءَ بَعْضِ حَقِّهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْمِقْدَارِ الَّذِي أَخَذَهُ وَعَدَلَ عَنِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَاقِي، وَالْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِالشَّكِّ .

الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَاقِدَيْنِ:

-27وَهِيَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الأْهْلِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْوِلاَيَةِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ لِلتَّرَاضِي. انْظُرْ مُصْطَلَحَاتِ: (أَهْلِيَّة، تَرَاضِي، عَقْد، وِلاَيَة).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن والعشرون ، الصفحة / 258

الضَّمَانُ فِي الصُّلْحِ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ:

65 - إِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ، كَسُكْنَى دَارٍ، وَرُكُوبِ سَيَّارَةٍ، مُدَّةً مَعْلُومَةً، اعْتُبِرَ هَذَا الصُّلْحُ بِمَثَابَةِ عَقْدِ إِجَارَةٍ، وَعِبَارَةِ التَّنْوِيرِ: وَكَإِجَارَةٍ إِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ .

كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِينَارٍ، فَصَالَحَهُ الْمَدِينُ عَلَى سُكْنَى دَارِهِ، أَوْ عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضِهِ، أَوْ رُكُوبِ سَيَّارَتِهِ، مُدَّةً مَعْلُومَةً، جَازَ هَذَا الصُّلْحُ .

وَتَثْبُتُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الصُّلْحِ شُرُوطُ الإْجَارَةِ، مِنْهَا التَّوْقِيتُ - إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ  - وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهَا - كَمَا يَقُولُ النَّوَوِيُّ  - وَمِنْ أَهَمُّهَا: اعْتِبَارُ الْعَيْنِ الْمُتَصَالَحِ عَلَى مَنْفَعَتِهَا، كَالدَّارِ وَالسَّيَّارَةِ، أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، أَمَّا الْمَنْفَعَةُ ذَاتُهَا فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُصَالِحِ، بِمُجَرَّدِ تَسَلُّمِ الْعَيْنِ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الصُّلْحِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، اعْتُبِرَ الْمُصَالِحُ مُسْتَوْفِيًا لِبَدَلِ الصُّلْحِ حُكْمًا، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ فِعْلاً أَوْ عَطَّلَهَا، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الإْجَارَةِ.

يَدُ الأْمَانَةِ وَيَدُ الضَّمَانِ:

66 - الْمَشْهُورُ تَقْسِيمُ الْيَدِ إِلَى قِسْمَيْنِ: يَدِ أَمَانَةٍ، وَيَدِ ضَمَانٍ.

وَيَدُ الأْمَانَةِ، حِيَازَةُ الشَّيْءِ أَوِ الْمَالِ، نِيَابَةً لاَ تَمَلُّكًا، كَيَدِ الْوَدِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَالْوَصِيِّ.

وَيَدُ الضَّمَانِ، حِيَازَةُ الْمَالِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْحَائِزِ، كَيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ، وَالْمُقْتَرِضِ.

وَحُكْمُ يَدِ الأْمَانَةِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَمَانَةً، لاَ يَضْمَنُ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّقْصِيرِ، كَالْوَدِيعِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ مَنْ لاَ يُودَعُ مِثْلُهَا عِنْدَ مِثْلِهِ يَضْمَنُهَا.

وَحُكْمُ يَدِ الضَّمَانِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ أَوِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، يَضْمَنُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ، كَمَا يَضْمَنُهُ بِالتَّلَفِ وَالإْتْلاَفِ.

فَالْمَالِكُ ضَامِنٌ لِمَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِذَا انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ بِإِذْنِهِ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ، فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ.

وَلَوِ انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ، بِعَقْدِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةً، فَالضَّمَانُ - أَيْضًا - عَلَى الْمَالِكِ .

أَهَمُّ الأْحْكَامِ وَالْفَوَارِقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ:

أ - تَأْثِيرُ السَّبَبِ السَّمَاوِيِّ:

67 - إِذَا هَلَكَ الشَّيْءُ بِسَبَبٍ لاَ دَخْلَ لِلْحَائِزِ فِيهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ، انْتَفَى الضَّمَانُ فِي يَدِ الأْمَانَةِ، لاَ فِي يَدِ الضَّمَانِ، فَلَوْ هَلَكَتِ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِسَبَبِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ، لاَ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ، لأِنَّ  يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ.

بِخِلاَفِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِهَلاَكِهِ بِذَلِكَ، بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مِنْ بَقَائِهِ، لِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كُلَّمَا طَالَبَ بِالثَّمَنِ، فَامْتَنَعَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَارْتَفَعَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ مَالِكٍ، انْتِقَالُ الضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ .

ب - تَغَيُّرُ صِفَةِ وَضْعِ الْيَدِ:

68 - تَتَغَيَّرُ صِفَةُ يَدِ الأْمِينِ وَتُصْبِحُ يَدَ ضَمَانٍ بِالتَّعَدِّي، فَإِذَا تَلِفَ الشَّيْءُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ التَّلَفِ، وَلَوْ سَمَاوِيًّا.

أ - فَفِي الإْجَارَةِ، يُعْتَبَرُ الأْجِيرُ  الْمُشْتَرَكُ أَمِينًا - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، لاَ يُضْمَنُ إِنْ هَلَكَ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، إِلاَّ إِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، كَالْوَدِيعِ إِذَا قَصَّرَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ  أَوْ تَعَمَّدَ الإْتْلاَفَ، أَوْ تَلِفَ الْمَتَاعُ بِفِعْلِهِ، كَتَمَزُّقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ .

ب - وَفِي الْوَدِيعَةِ، يَضْمَنُ إِذَا تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ، كَأَنْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ، فَتَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ خَالَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحِفْظِ، أَوْ أَوْدَعَهَا مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ لاَ تُودَعُ عِنْدَ مِثْلِهِ، أَوْ سَافَرَ بِهَا، أَوْ جَحَدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (وَدِيعَة).

ج - وَفِي الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَا عَدَا الْحَنَابِلَةَ، لاَ تُضْمَنُ إِنْ هَلَكَتْ بِالاِنْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ، وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي، كَأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ يُتْلِفَهَا أَوْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُعِيرِ بَعْدَ الطَّلَبِ، عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا يُغَابُ وَمَا لاَ يُغَابُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

 

ج - الْمَوْتُ عَنْ تَجْهِيلٍ:

69 - مَعْنَى التَّجْهِيلِ: أَنْ لاَ يُبَيِّنَ حَالَ الأْمَانَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ  فَالْوَدِيعُ إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً حَالَ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَوَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، يَضْمَنُهَا بِذَلِكَ.

وَمَعْنَى ضَمَانِهَا - كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ - صَيْرُورَتُهَا دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ .

وَكَذَلِكَ نَاظِرُ الْوَقْفِ، إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً لِحَالِ بَدَلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.

وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الإْيصَاءِ فِي الْوَدِيعَةِ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ، وَقَالُوا: إِذَا مَرِضَ الْمُودَعُ مَرَضًا مَخُوفًا، أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ، لأِنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، لأِنَّ  الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْعَيْنِ، وَلاَ بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ بَيَانِ الْوَدِيعَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عِنْدِي لِفُلاَنٍ ثَوْبٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ، ضَمِنَ لِعَدَمِ بَيَانِهِ . (ر: تَجْهِيل).

د - الشَّرْطُ:

70 - لاَ أَثَرَ لِلشَّرْطِ فِي صِفَةِ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ عِنْدَ الأْكْثَرِينَ.

قَالَ الْبَغْدَادِيُّ: اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: تَصِيرُ مَضْمُونَةً .

وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الأْمِينِ بَاطِلٌ، بِهِ يُفْتَى  فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ.

وَلَوْ شَرَطَ الْمُودَعُ عَلَى الْوَدِيعِ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلاَ ضَمَانَ لَوْ تَلِفَتْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الأْمَانَاتِ .

وَعَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنَا ضَامِنٌ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَقْصِيرٍ، لأِنَّ  ضَمَانَ الأْمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ .

وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الأْمَانَةِ فِي الْعَارِيَّةِ - وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الاِسْتِعْمَالِ - هُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشَرْطُ أَنْ لاَ ضَمَانَ فِيهَا فَاسِدٌ لاَ مُفْسِدٌ .

وَجَاءَ فِي نُصُوصِ الْحَنَابِلَةِ: كُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لاَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، لأِنَّ  مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ أَمَانَةً، فَإِذَا شَرَطَ ضَمَانَهُ، فَقَدِ الْتَزَمَ ضَمَانَ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ ضَمَانَ مَالٍ فِي يَدِ مَالِكِهِ. وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لاَ يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ، لأِنَّ  مُقْتَضَى الْعَقْدِ الضَّمَانُ، فَإِذَا شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ لاَ يَنْتَفِي مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِ مَا يَتَعَدَّى فِيهِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَالأْوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ .

الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الضَّمَانِ:

الْقَوَاعِدُ فِي الضَّمَانِ كَثِيرَةٌ، نُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا ، بِاخْتِصَارٍ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالتَّمْثِيلِ لَهَا، كُلَّمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ، مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ أَوَائِلِ حُرُوفِهَا:

الْقَاعِدَةُ الأْولَى: «الأْجْرُ وَالضَّمَانُ لاَ يَجْتَمِعَانِ » :

71 - الأْجْرُ هُوَ: بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ. وَالضَّمَانُ - هُنَا - هُوَ: الاِلْتِزَامُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، هَلَكَتْ أَوْ لَمْ تَهْلَكْ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ، الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْيِهِمْ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ.

فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً، لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَحَمَّلَهَا شَيْئًا آخَرَ أَوْ أَثْقَلَ مِنْهُ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، كَأَنْ حَمَلَ مَكَانَ الْقُطْنِ حَدِيدًا فَتَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ هَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.

وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا، لِيَرْكَبَهَا إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الأْجْرَ  وَالضَّمَانَ لاَ يَجْتَمِعَانِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .

لَكِنِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ عِنْدَهُمْ، بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الأْجْرِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، كَمَا لَوِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ - مَثَلاً - فِعْلاً، ثُمَّ تَجَاوَزَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَضَمِنَ، يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا سَمَّى عِنْدَهُمْ، إِذَا سَلِمَتِ الدَّابَّةُ وَلَمْ تَهْلَكْ .

وَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ الأْجْرَ  كُلَّمَا كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، لأِنَّ  الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ كَالأْعْيَانِ، فَإِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا فَقَدْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالأْعْيَانِ  وَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمَغْصُوبِ فِي مُدَّةِ الْغَصْبِ، وَجَبَ مَعَ الأْجْرَةِ أَرْشُ نَقْصِهِ لاِنْفِرَادِ كُلٍّ بِإِيجَابٍ .

وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ: وَافَقُوا فِي بَعْضِهَا الْحَنَفِيَّةَ، وَفِي بَعْضِهَا الْجُمْهُورَ وَانْفَرَدُوا بِتَفْصِيلٍ فِي بَعْضِهَا .

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ يُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الْمُبَاشِرِ .

72 - الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ: هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ بِالذَّاتِ، وَالْمُتَسَبِّبُ هُوَ الْمُفْضِي وَالْمُوَصِّلُ إِلَى وُقُوعِهِ، وَيَتَخَلَّلُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الأْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَالْمُبَاشِرُ يَحْصُلُ الأْثَرُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ.

وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمُبَاشِرُ لأِنَّهُ أَقْرَبُ لإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَسَبِّبِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي  فَلَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْ وَلِيِّ الأْمْرِ، فَأَلْقَى شَخْصٌ حَيَوَانَ غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، ضَمِنَ الَّذِي أَلْقَى الْحَيَوَانَ، لأِنَّهُ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ، دُونَ حَافِرِ الْبِئْرِ، لأِنَّ  التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ.

وَلَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، ضَمِنَ الْحَافِرُ، لِتَسَبُّبِهِ بِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَتَاعٍ، فَسَرَقَهُ الْمَدْلُولُ، ضَمِنَ السَّارِقُ لاَ الدَّالُّ.

وَلِذَا لَوْ دَفَعَ إِلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا، فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ، لاَ يَضْمَنُ الدَّافِعُ، لِتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَلَوْ وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى رِجْلِ الصَّبِيِّ فَجَرَحَهَا ضَمِنَ الدَّافِعُ .

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: «الاِضْطِرَارُ لاَ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ» .

73 - تَطَّرِدُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِضْطِرَارُ فِطْرِيًّا كَالْجُوعِ، أَمْ غَيْرَ فِطْرِيٍّ كَالإْكْرَاهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الإْثْمُ، وَعُقُوبَةُ التَّجَاوُزِ، أَمَّا حَقُّ الآْخَرِينَ فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِالاِضْطِرَارِ، وَيَبْقَى الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا. فَلَوِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ، لِعَدَمِ إِذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا الَّذِي وُجِدَ هُوَ إِذْنُ الشَّرْعِ الَّذِي أَسْقَطَ الْعُقُوبَةَ فَقَطْ .

الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: «الأْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ» .

74 - الأْمْرُ: هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ جَزْمًا، فَإِذَا أَمَرَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِأَخْذِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْ بِإِتْلاَفِهِ عَلَيْهِ فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذَا الأْمْرِ، وَيَضْمَنُ الْفَاعِلُ.

وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيَّدَةٌ:

بِأَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَاقِلاً بَالِغًا، فَإِذَا كَانَ صَغِيرًا، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ. وَأَنْ لاَ يَكُونَ الآْمِرُ ذَا وِلاَيَةٍ وَسُلْطَانٍ عَلَى الْمَأْمُورِ.

فَلَوْ كَانَ الآْمِرُ هُوَ السُّلْطَانَ أَوِ الْوَالِدَ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا .

الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: «جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ».

75 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقْتَبَسَةٌ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ»  وَالْعَجْمَاءُ: الْبَهِيمَةُ، لأِنَّ هَا لاَ تُفْصِحُ، وَمَعْنَى جُبَارٌ: أَنَّهُ هَدَرٌ وَبَاطِلٌ.

وَالْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُسَيَّبَةً حَيْثُ تُسَيَّبُ الْحَيَوَانَاتُ، وَلاَ يَدَ عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَيَضْمَنُ، فَلَوِ اصْطَادَتْ هِرَّتُهُ طَائِرًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .

وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يَأْتِي فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ.

الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: «الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ» .

76 - يَعْنِي إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْفِعْلِ الْجَائِزِ الْمُبَاحِ شَرْعًا، ضَرَرٌ لِلآْخَرِينَ، لاَ يُضْمَنُ الضَّرَرُ. فَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَتَرَدَّى فِيهَا حَيَوَانٌ أَوْ إِنْسَانٌ، لاَ يَضْمَنُ الْحَافِرُ شَيْئًا. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطَيْنِ:

1 - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُبَاحُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، فَيَضْمَنُ - مَثَلاً - رَاكِبُ السَّيَّارَةِ وَقَائِدُ الدَّابَّةِ أَوْ رَاكِبُهَا فِي الطَّرِيقِ .

2 - أَنْ لاَ يَكُونَ فِي الْمُبَاحِ إِتْلاَفُ الآْخَرِينَ وَإِلاَّ كَانَ مَضْمُونًا.

فَيَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِلْمَخْمَصَةِ، مَعَ أَنَّ أَكْلَهُ لأِجْلِهَا جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ .

الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»  

77 - الْخَرَاجُ: هُوَ غَلَّةُ الشَّيْءِ وَمَنْفَعَتُهُ، إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ. كَسُكْنَى الدَّارِ، وَأُجْرَةِ الدَّابَّةِ.

وَالضَّمَانُ: هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ عَنِ الضَّرَرِ الْمَادِّيِّ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنَافِعَ الشَّيْءِ يَسْتَحِقُّهَا مَنْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ لَوْ هَلَكَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِي مُقَابِلِ تَحَمُّلِ خَسَارَةِ هَلاَكِهِ، فَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لاَ يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ  وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» .

الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ» .

78 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ التَّكَلُّفَاتِ وَالْغَرَامَاتِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّيْءِ، تَجِبُ عَلَى مَنِ اسْتَفَادَ مِنْهُ وَانْتَفَعَ بِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ:

1 - نَفَقَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي انْتَفَعَ بِهَا.

2 - وَنَفَقَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْ حِفْظِهَا.

3 - وَأُجْرَةِ كِتَابَةِ عَقْدِ الْمِلْكِيَّةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأِنَّ هَا تَوْثِيقٌ لاِنْتِقَالِ الْمِلْكِيَّةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ.

الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ: «لاَ يَجُوزُ  لأِحَدٍ  أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِلاَ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ» .

79 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .

فَيَحْرُمُ أَخْذُ أَمْوَالِ الآْخَرِينَ بِالْبَاطِلِ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا.

أَحْكَامُ الضَّمَانِ:

أَحْكَامُ الضَّمَانِ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - تُقَسَّمُ إِلَى هَذِهِ الأْقْسَامِ.

1 - ضَمَانُ الدِّمَاءِ (الأْنْفُسِ وَالْجِرَاحِ).

2 - ضَمَانُ الْعُقُودِ.

3 - ضَمَانُ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ ، كَالإْتْلاَفَاتِ، وَالْغُصُوبِ.

وَحَيْثُ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ فِي أَنْوَاعِ الضَّمَانِ وَمَحَلِّهِ، فَنَقْصِرُ الْقَوْلَ عَلَى ضَمَانِ الدِّمَاءِ، وَضَمَانِ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ .

___________________________________________________________________

 

مجلة الأحكام العدلية

مادة (1531) الصلح

الصلح: هو عقد يرفع النزاع بالتراضي وينعقد بالإيجاب والقبول.

مادة (1532) المصالحُ

المصالحُ: هو الذي عقد الصلح.

مادة (1533) المصالحُ عليه

المصالحُ عليه: هو بدل الصلح.

مادة (1534) المصالحُ عنه

المصالحُ عنه: هو الشيء المدعى به.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 910)

الصلح عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة بين المتصالحين بتراضيهما.

(مادة 911)

يصح الصلح عن الحقوق المقتر بها للمدعى عليه والمنكر لها والتي لم يبد فيها إقراراً ولا إنكاراً.

(مادة 912)

يشترط أن يكون المصالح عنه حقاً للمصالح ثابتاً في المحل يجوز أخذ البدل في مقابلته سواء كان مالاً كالعين والدين أو غير مال كالمنفعة وحق القصاص والتعزير ويشترط أن يكون معلوماً إن كان مما يحتاج إلى التسليم.

(مادة 913)

يصح أن يكون بدل الصلح مالاً أو منفعة ويشترط أن يكون ملكاً للمصالح وأن يكون معلوماً إن كان مما يحتاج إلى القبض والتسليم وأن يكون مقبوضاً وقت الصلح إن كان الصلح عن دين بدين من جنس آخر.

(مادة 914)

إذا كان المدعى به عيناً معينة داراً أو أرضاً أو عرضاً وأقر المدعى عليه بها للمدعى وصالحه عنها بنقود معلومة أو بعقار معلوم أو عرض معلوم صح الصلح ويكون حكمه حكم البيع فيثبت فيه خيار العيب والرؤية والشرط للمصالح وحق الشفعة لجار العقار المصالح عنه أو المصالح عليه فإن كان كل منهما عقاراً وجبت الشفعة فيهما ويفسده جهالة البدل المصالح عليه لا جهالة المصالح عنه لأنه يسقط.

(مادة 915)

إذا كان المدعى به عيناً داراً أو أرضاً أو عرضاً وأقر المدعى عليه بها وصالحة عنها بمنفعة كسكنى دار أو زراعة أرض مدة معلومة صح الصلح ويعتبر إجارة فيبطل الصلح بموت أحدهما إن عقده لنفسه أو بهلاك المحل في المدة.

(مادة 916)

إذا ادعى شخص على آخر عيناً في يده معلومة كانت أو مجهولة وادعى عليه الآخر بعين كذلك في يده واصطلحا على أن يكون ما في يد كل منهما مقابلة ما في يد الآخر صح الصلح وكان في معنى المقايضة فتجرى عليه أحكامها ولا تتوقف صحته على العلم بالعوضين لعدم الاحتياج فيهما إلى التسليم في هذه الصورة.

(مادة 917)

إذا وقع الصلح عن إقرار على مال معين عن دعوى مال معين واستحق المصالح عنه كله أو بعضه بالبينة يسترد من بدل الصلح الذي قبضه المدعى مقدار ما أخذ بالاستحقاق من المدعى عليه إن كلاً فكلاً وإن بعضا ًفبعضاً.

(مادة 918)

إذا وقع الصلح عن إقرار على مال معين عن دعوى مال معين ثم استحق بدل الصلح كله أو بعضه وهو مما يتعين بالتعيين يرجع المدعى على المدعي عليه بكل المصالح عنه أو بقدر المستحق إذا استحق بعضه وإن كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعى به أو من غير جنسه ولكن استحق قبل الافتراق عن المجلس يرجع المدعى بمثل ما استحق وإن كان بعد الافتراق يبطل الصلح.

(مادة 919)

إذا وقع الصلح عن إنكار على شيء معين من دعوى عين معينة ثم استحق المدعي به كله أو بعضه يرجع المدعى عليه بمقابله من العوض على المدعي ويرجع المدعى بالخصومة فيه والدعوى على المستحق وإن استحق بدل الصلح كله أو بعضه يرجع المدعي بالدعوى كلاً أو بعضاً على حسب القدر المستحق إذا كان بدل الصلح مما يتعين وإن كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعى به أو من غير جنسه ولكن استحق قبل الافتراق عن المجلس يرجع المدعى بمثل ما استحق وإن كان بعد الافتراق يبطل الصلح كما تقدم.

(مادة 920)

إذا ادعى حقاً في دار لم يبينه فصولح عن ذلك ثم استحق بعض الدار فلا يسترد المدعى عليه شيئاً من العوض وإن استحق كل الدار يسترد العوض كله.

(مادة 921)

إذا كان المدعى به عيناً داراً أو أرضاً أو عرضاً وأنكر المدعى عليه دعوى المدعى أو سكت ولم يبد إقرار ولا إنكاراً ثم اصطلحا على شيء معين داراً أو عقاراً أو عرضاً أو نقداً يعتبر ذلك الصلح فداء من اليمين وقطعاً للمنازعة في حق المدعى عليه وبيعاً في حق المدعى فتجرى عليه أحكامه.