loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 290

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - من خصائص الهبة أنه يجوز الرجوع فيها ، وقد نقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك ، فالأصل أنه يجوز الرجوع في الهبة بالتراضي، أو بالتقاضي العذر مقبول إلا إذا وجد المانع.

2 - ويتبين من ذلك أن الرجوع في الحبسة ليس تحكمية من جهة الواهب ، بل هو لا يستطيع الرجوع إلا إذا تراضي على ذلك مع الموهوب له (م 683 من المشروع

( ويقابلها م 515 و 527 فقرة أولى من قانون الأحوال الشخصية )، ويعتبر هذا التراضي إقالة من الهبة .

3 - فإذا لم يكن هناك تراض ، فلا يجوز للواهب الرجوع إلا لعذر يقبله القاضي ، ويمتنع الرجوع إذا لم يوجد العذر المقبول ، فالهبة إذن لا تزال محتفظة بصفتها الملزمة إلى حد كبير .

وقد نقل المشروع أمثلة للعذر المقبول عن الشرائع الأجنبية ، وذكر ثلاثة منها لا على سبيل الحصر، فمن الأعذار المقبولة : (ا) أن يصدر من الموهوب له ما يدل على جحود كبير نحو الواهب أو نحو أحد من أقاربه ، كان يرتكب جريمة لا عذر له فيها ضد أحد من هؤلاء ، و يترك تقدير ذلك للقاضي، (ب) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب العيش بما يتفق مع مكانته الاجتماعية ، فليس من الضروري أن يقع الواهب في فقر مدقع ، بل يكفي أن ينزل عن المستوى اللائق لمكانته ، ومثل ذلك أيضاً أن يصبح الواهب عاجزاً عن النفقة على من تجب عليه شفقته قانوناً، (ج) أن يرزق الواهب بعد الهبة ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع، والمفروض في ذلك أن الواهب لم يكن لديه ولد وقت الهبة ثم رزق الولد بعدها ، أو كان له ولد ظنه ميتاً فوهب ، ثم ظهر الولد فرجع في الهبة ، أما إذا كان له ولد وقت الهية ثم رزق ولداً بعد ذلك فليس له الرجوع.

4- وإذا طلب الواهب الفسخ وقدم لذلك عذرا مقبولاً ، فإن القاضي بالرغم من ذلك لا يحكم بالفسخ إذا وجد مانع من موانع الرجوع في الهبة ، بخلاف الفسخ بالتراضي ، فلا يحول بالبداهة دونه مانع.

وموانع الرجوع معروفة في الشريعة الإسلامية ، نقلها المشروع كما هي ، ويمكن

حصرها فيما يأتي :

(1) إذا تغير الموهوب زيادة أو نقصاً ، فالتغيير بالزيادة أن تحصل الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته كالبناء على الأرض الموهوبة ، فإذا زال المانع عاد حق الرجوع ، أما الزيادة غير المتصلة ، سواء تولدت من الشيء كالنتاج أو لم تولد كآلة ري وضعت في الأرض الموهوبة ، فلا تمنع من الرجوع ، وكذلك لا يمنع من الرجوع إرتفاع ثمن الموهوب ، ( انظر م 516 فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية )، والتغيير بالنقص أن يهلك الموهوب أو يتلف في يد الموهوب له سواء كان ذلك بفعله أو بسبب أجنبي أو بسبب الإستعمال، فإذا لم يملك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي، وللملاك التصرف في الموهوب كله أو بعضه ، فإن فسخ التصرف عاد حق الرجوع (م 518 فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية ).

(ب) إذا كانت هناك علاقة عائلية بين الواهب والموهوب بأن كانت الهبة من الزوج لزوجته ، فلا يجوز الرجوع فيها حتى بعد انقضاء الزوجية ، أو كانت الهبة لذي رحم محرم .

(ج) إذا أسقط الواهب حقه في الرجوع بأن قبل عوضاً عن الموهوب له بعد الهبة و بقي العوض في يده، أما إذا استحق العوض كله أو بعضه عاد للواهب الحق في الرجوع إذا هو رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض ، وإذا أعطى العوض عن بعض الموهوب جهاز الرجوع في الباقي ، ويشترط ألا يكون العوض هو بعض الموهوب لأن الهية تكون قد تمحضت تبرعاً في الباقي فيجوز الرجوع فيه، وقد يسقط الواهب حقه في الرجوع لا لفائدة مادية يتلقاها من الموهوب له بل الفائدة أدبية ، وذلك بأن تكون الهبة صدقة ، فلا يجوز الرجوع في الصدقة لأنها قرية الوجه الله ولو كانت لغتي (م 529 فقرة 2 من قانون الأحوال الشخصية )، ويلاحظ أن الواهب إذا تنازل عن حق الرجوع ، فإن تنازله لا يعتبر ، ويجوز له الرجوع بالرغم من هذا التنازل (م 515 من قانون الأحوال الشخصية ).

(د) إذا مات الواهب أو الموهوب له ، فإن حق الرجوع لا يكون لورثة هذا أو ذاك .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 686 من المشروع، واقترح معالي السنهورى باشا تعديلات لفظية واقترح أحد حضرات الأعضاء تعديل الفقرة «د»، بما يجعل الحكم عاما يشمل الزوجين كما اقترح تعديل الفقرة «ز» ، بأن يكون تقديم العوض مانعا للرجوع في الهبة ، سواء أكان العوض معاصراً للهبة أم لا حقاً لها، عملاً بالرأي الراجح في الشريعة الإسلامية فوافقت اللجنة على ذلك ، وأصبح النص النهائى للمادة ما يأتي :

يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية :

(أ) إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته ، فإذا زال المانع عاد حق الرجوع.

(ب) إذا مات أحد طرفي عقد الهبة .

(ج) إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً ، فإذا اقتصر التعرف على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي .

(د) إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر حتى لو أراد الواهب الرجوع  بعد إنقضاء الزوجية .

(هـ) إذا كانت الهبة لذي رحم محرم .

(و) إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له ، سواء أكان الهلاك بفعله ، أم بحادث أجنبي لا يد له فيه أم بسبب الإستعمال، فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي .

(ز) إذا قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة .

(ح) إذا كانت الهبة صدقة .

وأصبح رقمها 530 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 530

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة التاسعة والعشرين

تليت المادة ووافقت عليها اللجنة مع إضافة عبارة « أو عملاً من أعمال البر إلى الفقرة (ح)، حتى ترتفع شبهة أن الصدقة في هذه لا تشمل أعمال البر لأنها في الواقع تشملها ».

تقرير اللجنة :

أضيفت إلى الفقرة (ح)، عبارة « أو عملاً من أعمال البر »، لمنع رجوع الواهب في هبته إذا كانت الهبة قد قصد بها أن تخصص لعمل من هذه الأعمال.

وأصبح رقمها 502

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .

الأحكام

1-  لما كانت المادة 501 من قانون المرافعات المنطبقة على واقعة الدعوى تنص فى فقرتها الرابعة على أنه "ولا يجوز التحكيم فى المسائل التي لا يجوز فيها الصلح....." كما أن المادة 551 من القانون المدني تنص على أنه "لا يجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام..." ومفاد ذلك أنه لايجوز التحكيم بصدد تحديد مسئولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عد باطلا لمخالفته للنظام العام وإذ كانت المسألة التي انصب عليها التحكيم وبالتالي كانت سببا للالتزام فى السند إنما تتناول الجريمة ذاتها وتستهدف تحديد المسئول عنها وهي من المسائل المتعلقة بالنظام العام فلا يجوز أن يرد الصلح عليها وبالتالي لايصح أن تكون موضوعا لتحكيم وهو ما يستتبع أن يكون الالتزام المثبت فى السند باطلا لعدم مشروعية سببه.

(الطعن رقم 2475 لسنة 58 جلسة 2002/11/10 س 53 ع 2 ص 1033 ق 201)

2- لما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول تعدى على الطاعنة بالضرب فى 1982/3/23 أثناء شجار بين عائلتيهما، وشكلت فى اليوم التالي لجنة للصلح بين الفريقين، أقرت تحمل كل مصاب - نفقات علاجه، ونزوله عن حقوقه المدنية قبل الآخر، وكانت عبارات الصلح لا تتسع - وفق ما لابس انعقاده من الظروف سالفة البيان - إلا للإصابات الظاهرة فى حينه، وإذ تبين - لاحقا - تخلف عاهة مستديمة لدى الطاعنة - والتي تختلف فى طبيعتها عن الإصابة التي تبرأ بعد مدة - فإنه يكون لها أن تطالب بالتعويض عنها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وحاجها بالصلح الذي اعتبره نزولا منها عن حقها فى التعويض فإنه معيباً بالفساد فى الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 2349 لسنة 63 جلسة 2001/01/24 س 52 ع 1 ص 194 ق 41)

3- تنص المادة501من قانون المرافعات فى فقرتها الرابعة على أنه، ولا يجوز التحكيم فى المسائل التى لا يجوز فيها الصلح....."وفى المادة551من القانون المدنى على أنه لا يجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام.....فإن مفاد ذلك وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه لا يجوز التحكيم بصدد تحديد مسئولية الجاني عن الجريمة الجنائية وإلا عد باطلا لمخالفته للنظام العام، ولما كان البين من محضر التحكيم والصلح المؤرخ1984/4/12 محل التداعى إنه فصل فى مسألة جنائية هى ما أسند إلى شقيق الطاعن الثاانى من إتهام بقتل المطعون عليه الأول منتهيا إلى ثبوت هذا الاتهام فى حقه على قالة أنه تبين للمحكمين أن المتهم .....( شقيق الطاعن الثانى ) هو القاتل الحقيقى للمجنى عليه.....( شقيق المطعون عليه الأول ) وأن باقى المتهمين وهم.....فلم يثبت لديهم اشتراكهم فى الجريمة إذ نفى شقيق المجنى عليه اشتراكهم فى قتله أو اتهامه لهم، وإنه تأسيسا على ذلك حكموا على الطاعنين بدفع عشرين ألف جنيه للمطعون عليه بشرط ألا يرد الاعتداء ، بما مؤداه أن التحكيم إنصب على جريمة القتل العمد ذاتها واستهدف تحديد المتهم بالقتل وثبوت الاتهام فى حقه، وإنها كانت سببا للإلزام بالمبلغ المحكوم به على نحو ما أورده حكم المحكمين، وإذ كان هذه المسألة تتعلق بالنظام العام لا يجوز أن يرد الصلح عليها وبالتالى لا يصح أن تكون موضوعا لتحكيم مما لازمه بطلان الالتزام الذى تضمنه حكم المحكمين لعدم مشروعية سببه.

(الطعن رقم 795 لسنة 60 جلسة 1996/05/26 س 47 ع 1 ص 863 ق 162)

4- لئن كان الحكم الذي يقضى بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه، لا يعدو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون عقدا وليس له حجية الشئ المحكوم به وإن أعطى شكل الأحكام عند إثباته ولا يجوز الطعن فيه من طرفيه لأن القاضي وهو يصدق على الصلح لا يكون قائما بوظيفته- الفصل فى خصومة - بل تكون مهمته مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من اتفاق وتوثيقه بمقتضى سلطته الولائية وليس بمقتضى سلطته القضائية إلا أنه لما كانت النيابة العامة بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت طرفا أصليا فى قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية لها ما للخصوم من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات فلها أن تبدى الطلبات والدفوع وتباشر كافة الإجراءات التي يحق للخصوم مباشرتها ومن ثم فإن الحكم الصادر بقبول الصلح يكون حجة على النيابة العامة ويحق لها الطعن فيه بطريق الاستئناف - لما كان ذلك وكان المقرر وفقا للمادة 551 من القانون المدني أنه لا يجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام وكان القانون رقم 103 لسنة 1976 بشأن التوثيق قد وضع شرطا لزواج المصرية بأجنبي، وكانت القيود التي تطلبها هذا القانون من النظام العام، فلا يجوز الصلح عليها، وكانت النيابة العامة قد طلبت فى الاستئناف المقام منها إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى على سند من أن القانون 103 لسنة 1976 قد تطلب فى المادة الخامسة منه توافر عدة شروط لتوثيق عقد زواج المصرية بأجنبي، وأوجبت المادة السادسة رفض التوثيق إذا لم تتوافر تلك الشروط، وإذ قضت محكمة أول درجة بإلحاق عقد الصلح المتضمن بنود عقد الزواج المنعقد بين المصرية والأجنبي بمحضر الجلسة وإثبات محتواه فيه وجعله فى قوة السند التنفيذي دون مراعاة توافر الشروط التي استوجبها القانون وهى من المسائل المتعلقة بالنظام العام، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بعدم جواز الاستئناف يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه.

(الطعن رقم 133 لسنة 58 جلسة 1992/03/31 س 43 ع 1 ص 542 ق 115)

5- إذ كان الشارع قد نص فى الفقرة الأولى من المادة 36 من القانون رقم 142 لسنة 1944 على أن "تقدر قيمة الأطيان الزراعية بما يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة". مما مفاده أنه أراد أن يجعل من تلك القيمة الايجارية معياراً حكمياً لتقدير قيمة الأطيان الزراعية لداخلة فى عناصر التركة، وكان البين من الأوراق أنه أعيد تقدير القيمة الايجارية للأطيان الزراعية المخلفة عن المورث ابتداء من سنة 1959 عملاً بأحكام القانون رقم 113 لسنة 1939 المعدل بالقانونين رقمي 93 لسنة 1943 و65 لسنة 1949 وأرجىء نفاذها بموجب قوانين متعاقبة إلى أن سرت ابتداء من سنة 1966 وهى السنة التي توفى المورث فيها، وكان الأصل فى تقدير التركات هو اعتبار الوقت الذي انتقلت فيه الأموال إلى ملكية الوارث، فإن تقدير قيمة الأطيان الزراعية إنما يكون على أساس القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة فى سنة 1966، ولا يمنع من ذلك أن يكون الاتفاق قد تم بين الطاعنة والمطعون ضدهم طبقاً للقانون رقم 14 لسنة 1962 - فى شأن إعادة النظر فى المنازعات القائمة بين مصلحة الضرائب والممولين- على تقدير قيمة الأطيان على غير ذلك الأساس وصدر الحكم بناء على ذلك بانتهاء الدعوى، ذلك أن القواعد التي وضعها الشارع لتقدير قيمة التركة فى القانون رقم 142 لسنة 1944، ومنها ما نص عليه فى المادة 36 منه، هي قواعد آمرة، ومن النظام العام مما لا يجوز معه مخالفتها أوالصلح فى المسائل المتعلقة بها وفقاً لما تقضي بهالمادة 551 من القانون المدني ، وإذ كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي - الذي أيده وأحال إلى أسبابه الحكم المطعون فيه - قد خالف هذا النظر وجرى فى قضائه على أن الصلح المحرر فى 16 مارس سنة 1970 بين الطاعنة والمطعون ضدهم والمعتمد من لجنة إعادة النظر والمصدق عليه من المحكمة يمنع مصلحة الضرائب - الطاعنة من إعادة تقدير الأطيان الزراعية وفقاً لأحكام القانون، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 28 لسنة 46 جلسة 1980/06/10 س 31 ع 2 ص 1717 ق 319)

6- إنه وإن كانت الجهة طالبة نزع الملكية هى التى تستفيد من العقار المنزوع ملكيته للمنفعة العامة ومن ثم تلزم بدفع التعويض المقدر لمن نزعت ملكيته وتكون مدينة قبله . إلا أن المستفاد من نصوص المواد 1 ، 6 ، 11 ، 15 من القانون رقم 577 سنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أوالتحسين أن المشرع ناط بإدارة خاصة من إدارات الحكومة هى " إدارة نزع الملكية " بمصلحة المساحة القيام بكافة الإجراءات اللازمة لتحديد مساحة العقار وتعيين ملاكه وتقدير التعويض المستحق لأصحابه عن نزع ملكيته وسداده إليهم مقابل الحصول على توقيعاتهم على نماذج خاصة تنقل الملكية للمنفعة العامة وإيداع النماذج مصلحة الشهر العقارى لكى يترتب على إيداعها جميع الآثار المترتبة على شهر البيع الرضائى ، والتشريع الخاص الذى ينظم هذه الإجراءات كلها متعلق بالنظام العام لتعلق موضوعه وإتصال أحكامه بمنفعة عامة ويستلزم بالتالى - وفق ما تنص عليه المواد السابقة - من الجهة التى طلبت نزع الملكية سداد التعويض المستحق عن نزع الملكية - بعد تقديره نهائياً - لا إلى المنزوع ملكيته ولكن إلى المصلحة القائمة بإجراءات نزع الملكية لتقوم هى بتسليمه إلى ذوى الشأن فيه بمراعاة الضوابط والأحكام التى نص عليها القانون والقرارات المنفذة له . وحصولها على توقيعاتهم على النماذج الخاصة المعدة لهذا الغرض و التى نص عليها القانون - خلافاً لقواعد و إجراءات التسجيل العادية - على أن إيداعها مصلحة الشهر العقارى يترتب عليه آثار شهر عقود البيع الرضائية وبذلك تمنع على الجهة طالبة نزع الملكية أن تساوم على مقدار التعويض أو تتصالح عليه إستقلالاً إختصاراً للإجراءات أو تنفرد بسداده إلى المنزوع ملكيته لأن هذه الأمور نظم المشرع إجراءاتها تنظيماً إلزامياً .

(الطعن رقم 515 لسنة 43 جلسة 1977/05/16 س 28 ع 1 ص 1201 ق 207)

7- من اللازم لإعتبار العقد صلحاً فى معنى المادة 549 من القانون المدنى وجوب أن يتنازل كل من الطرفين عن جزء من إدعائه فى سبيل الحصول على الجزء الباقى فإن لم يكن هناك نزول عن إدعاءات متقابلة وإقتصر التنازل على أحد الطرفين دون الآخر فلا يعد الإتفاق صلحاً . وإذ كان البين أن الإقرار المنسوب للزوجة أنه مقصور على نزول الزوجة عن كافة حقوقها إزاء ما أقرت به من فض بكارتها قبل عقد الزواج ، فإنه لا وجه للقول ببطلان الإقرار ، على سند من المادة 551 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 16 لسنة 43 جلسة 1975/11/19 س 26 ص 1444 ق 272)

8- الإتفاق بالصلح أو التنازل بين رب العمل والعامل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكون باطلاً إلا أن يمس حقوقاً تقررها قوانين العمل . وإذ كان الإتفاق الذى إنعقد بين الشركة الطاعنة والمطعون ضده ، والذى تضمن إستبدال أجر ثابت بالعمولة التى كان يتقاضاها المطعون ضده ، لم يمس حقوقاً قررتها قوانين العمل ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى فى قضائه على "أن العمولة التى يتقاضاها المطعون ضده جزء من الأجر تعلق به حق المستأنف عليه - المطعون ضده - ولا يجوز المساس به أوالإتفاق على مبلغ أقل منه" فإنه يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 431 لسنة 37 جلسة 1973/01/27 س 24 ع 1 ص 114 ق 22)

9- النص فى عقد الصلح على أعتبار بيع الوفاء نهائياً لا رجوع فيه ، لا يعدو ان يكون مجرد نزول من جانب البائع عن شرط الاسترداد المتفق عليه عند التعاقد فهو لا يصحح البيع الذى وقع باطلا طبقا للمادة 465 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 170 لسنة 36 جلسة 1970/05/28 س 21 ع 2 ص 945 ق 151)

10- لما كانت المادة 551 من القانون المدنى لا تجيز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية فإن التنازل عن طلب الحجز يكون عديم الأثر قانوناً ، ومن ثم فإذا كانت محكمة الموضوع قد إستخلصت بأدلة سائغة فى حدود سلطتها الموضوعية ، أن عقد البيع قد إنعقد مقابل التنازل عن دعوى حجز و أن ثمناً لم يدفع فإنها تكون قد تحققت من صورية السبب الوارد فى العقد و الحكم المطعون فيه ، إذ إنتهى إلى بطلان عقد البيع لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 86 لسنة 26 جلسة 1962/12/27 س 13 ع 2 ص 1214 ق 191)

11- الإقرار فى عقد الصلح بإستحقاق المطعون عليها فى وقف لايبطل الصلح ذلك أن الإقرار الذى يبطل وفقاً للمادة 20 من قانون أحكام الوقف رقم 48 لسنة 1946 هو الإقرار بإستحقاق ثابت متنازع فيه أذ أن تقرير هذا البطلان إنما دعت إليه الرغبة فى حماية المستحقين الذين يتخذون من الإقرار أو التنازل وسيلة لبيع إستحقاقهم بثمن بخس بما يؤدى إلى تفويت غرض الواقف وإنتفاع غير الموقوف عليهم بربع الوقف وهذه العلة لا تتحقق إلا إذا كان الإستحقاق ثابتا مؤكداً .

(الطعن رقم 26 لسنة 28 جلسة 1961/04/27 س 12 ع 1 ص 428 ق 62)

12- تصالح المستحق فى الوقف على أن يأخذ بعض ما يدعيه من أعيانه ويدع البعض الآخر نظير مبلغ معين جائز شرعاً ولا يغير من ذلك أن تكون جهات الإختصاص بالإصلاح الزراعى قد شرعت فى الإستيلاء على الأطيان المتصالح عليها إذ أن إجراءات الإستيلاء التى تتحذ وفقاً لقانون الإصلاح الزراعى لا تفيد الإستحقاق بالمعنى المفهوم قانوناً .

(الطعن رقم 26 لسنة 28 جلسة 1961/04/27 س 12 ع 1 ص 428 ق 62)

شرح خبراء القانون

الصلح كما قدمنا هو حسم نزاع عن طريق التضحية من الجانبين كل جزء من إدعائه ، فيكون محل الصلح إذن هو هذا الحق المتنازع فيه ، ونزول كل من الطرفين عن جزء مما يدعيه في هذا الحق وقد يختص ، بموجب الصلح ، أحد الطرفين بكل الحق في مقابل مال يؤديه للطرف الآخر ، ويكون هذا المال هو بدل الصلح  فيدخل بدل الصلح ليكون هو أيضاً محل الصلح .

وأياً كان محل الصلح ، فإنه يجب أن تتوافر فيه الشروط التي يجب توافرها في المحل بوجه عام ، فيجب أن يكون موجوداً ممكناً معيناً أو قابلاً للتعيين  ويجب بوجه خاص أن يكون مشروعاً ، فلا يجوز أن يكون مخالفاً للنظام العام .

وتنص المادة 551 من التقنين المدني في هذا الصدد على ما يأتي : " لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم " .

بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية :

الحالة الشخصية للإنسان من النظام العام ، فليس لأحد باتفاق خاص أن يعدل من أحكامها ، وكذلك الأهلية من النظام العام ، وقد نصت المادة 148 مدني على أنه " ليس لأحد النزول عن أهليته ولا التعديل في أحكامها " .

ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالأهلية . فلا يجوز أن يتصالح شخص من آخر على بنوته منه نفي أو بإثبات ، أو على صحة الزواج أو بطلانه ، أو على الإقرار بالجنسية أو نفيها أو على تعديل أحكام الولاية والوصاية والقوامة ، أو على حق الحضانة كما لا يجوز الصلح على الأهلية ، ومن كان غير أهل لا يجوز له أن يصالح غيره على أنه أهل ، أو كان آهلاً لا يجوز له بالصلح النزول عن أهليته ، ولا يجوز الاتفاق صلحاً على التعديل من أحكام الأهلية .

ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية فيجوز للمطلقة أن تنزل عن مؤخر صداقها وعن نفقة العدة ، ويجوز لمن له حق النفقة على غيره أن ينزل عما يستحقه من نفقة مدة معينة لا أن ينزل عن حق النفقة ذاته ، ويجوز للوارث أن  يتخارج مع بقية الورثة على نصيبه في الميراث ، لا أن يصالح على صفته كوارث .

ويجوز الصلح كذلك على المصالح المالية التي تترتب على الأهلية فيجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد أن يصالح من تعاقد معه وهو قاصر على إجازة العقد بشروط معينة .

بطلان الصلح على الجريمة : وإذا ارتكب شخص جريمة ، فلا يجوز له أن يصالح عليه ، لا مع النيابة العامة ولا مع المجني عليه  لأن الدعوى الجنائية من حق المجتمع وهي من النظام العام فلا يجوز الصلح عليها .

ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تنشأ من ارتكاب الجريمة ، فيجوز الصلح على حق التعويض المدني ، فإذا تصالح من ارتكب الجريمة مع المجني عليه على التعويض عن الضرر الذي أصاب الثاني ، لم يكن لهذا أن يطالب بالتعويض بعد هذا الصلح ، ولم يجز له أن يدعي مدنياً في الدعوى الجنائية المرفوعة على من ارتكب الجريمة ، ولا أن يرفع دعوى مدنية مستقلة بالتعويض .

ولكن إذا اتفق شخص مع آخر على أن يسحب شكوى جنائية قدمها ضده في مقابل مبلغ من المال ، لم يكن هذا صلحاً على التعويض المدني بل صلحاً على حق الشكوى الجنائية ، وهذا الحق يدخل ضمن الدعوى الجنائية ، فيكون الصلح باطلاً كذلك الصلح بين الدائن والمدين المحجوز عليه بعد تبديد المنقولات المحجوز عليها لا أثر له في الدعوى الجنائية الناشئة عن التبديد ، وإنما مقصورة على العلاقة المدنية ما بين الدائن والمدين.

وإذا جاز الصلح بين المسئول والمجني عليه على التعويض المدني ، فإنه لا يجوز الصلح فيما بين المسئولين المتعددين على تحديد مسئولية كل منهم في مواجهة المجني عليه ، فتحدد هذه المسئولية من النظام العام ولا يجوز الصلح عليها.

بطلاق الصلح على مسائل أخرى من النظام العام :

ولا يجوز الصلح على الضرائب والرسوم المستحقة إذا كان الحق في تحصيلها مقرراً بصفة نهائية وليس محلاُ للنزاع ، وإنما يجوز الاتفاق على تقسيطها  أما إذا كان الحق ذاته محلاً للنزاعجاز الصلح ، فيجوز الصلح على الرسوم الاختيارية التي تحصلها المجالس البلدية .

ولا يجوز الصلح على الأحكام المتعلقة بإيجار الأماكن ، فلا يجوز أن يتفق المستأجر مع المؤجر صلحاً على أن يدفعه له أجرة أكثر من الحد الأقصى المقرر قانوناً للأماكن ، وله أن يسترد ما دفعه زائداً ، ولا يجوز الصلح على المسائل المتعلقة بقانون الإصلاح الزراعي فيما يتعلق بتعيين الحد الأقصى لأجرة الأراضي الزراعية .

ولا يجوز الصلح على أحكام القانون المتعلق بإصابات العمل ، فإذا أصيب عامل واستحق تعويضاً بناءً على هذا القانون ، لم يجز الصلح على هذا الحق إذ يعتبر من النظام العام ، كذلك لا يجوز الصلح في كثير من المسائل المتعلقة بعقد العمل الفردي ، وهي المسائل التي تعتبر من النظام العام .

ولا يجوز الصلح على الفوائد الربوية ، فإذا تصالح المدين مع الدائن على أن يدفع له فوائد أكثر من الحد الأقصى المسموح به ، كان هذا الصلح باطلاً ، وجاز للمدين أن يسترد ما دفعه زائداً .

ولا يجوز الصلح على الأموال العامة للدولة ،فهذه تخرج عن التعامل .

ولا يجوز الصلح على بطلان التصرفات الراجع الى النظام العام ، فلا يجوز الصلح على دين قمار أو دين سببه مخالف للآداب أو تعامل في تركة مستقبلة ، لكن يجوز الصلح على إجازة عقد قابل للإبطال كما قدمنا. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس ، الصفحة/ 686)

لا يجوز الصلح على ما يمس الحالة الشخصية أو النظام العام :

محل الصلح هو الحق المتنازع فيه، فإن ترك مقابل مال كان هذا المال بدلاً الصلح اعتبر أيضاً محلاً ، ويجب أن تتوافر في المحل الشروط الواجب توافرها في المحل بوجه عام بأن يكون موجوداً أو ممكناً ومعيناً أو قابلاً للتعيين ويصح الصلح على الحقوق المستقبلة إلا في التركات ، وعلى الحقوق المعلقة على شرط وعلى الحقوق الاحتمالية ، ويجب بوجه خاص أن يكون مشروعاً ، ومن ثم فيبطل الصلح بطلاناً مطلقاً في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية ، فلا يجوز الصلح فيها كأن يتصالح شخص مع آخر على بنوته منه نفياً أو إثباتاً أو على صحة الزواج أو بطلانه أو على الإقرار بالجنسية أو نفيها أو على تعديل أحكام الولاية والوصاية والقوامة أو على حق الحضانة ، كما لا يجوز الصلح على الأهلية فمن كان غير أهل فلا يجوز أن يتصالح على أنه أهل ، ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية ، فيجوز لمن له حق نفقة على غيره أن ينزل عما يستحقه من نفقة مدة معينة أو يسقط النفقة المستحقة لا أن ينزل عن حق النفقة ذاته كما لا يجوز للوارث أن يتصالح عن صفته كوارث، فإذا اتفق من يدعي النسب مع الورثة على أن ينزل عن دعوی ثبوت النسب وعن حقه في الميراث مقابل مبلغ معين كان هذا الصلح باطلا في شقيه لأن الصلح على النزول عن دعوى ثبوت النسب باطل والصلح على الميراث مرتبط به فيبطل الصلح كله لعدم التجزئة، أما إذا تصالح عن حقه في الميراث وحده كان الصلح صحيحا إلا إذا تبين أن الصلح كان قائماً في أساسه على نزول الشخص عن دعوى النسب وأنه اقتسم التركة مع الآخر على هذا الأساس كان الصلح باطلاً .

كان الصلح في المسائل الجنائية مخالفا للنظام العام إلا في بعض المخالفات (م 19 أ. ج) وبالتالي كان يقع باطلا بطلاناً مطلقاً ، إلا أن المشرع تدخل بالقانون رقم 174 لسنة 1998 وأضاف لقانون الإجراءات الجنائية مادتين الأولى برقم 18 مکرراً وأرحب بموجبها أن يقوم مأمور الضبط القضائي، في المخالفات عرض الصلح على المتهم إذا دفع جزءا من الغرامة المقررة للمخالفة ، كما أوجب على عضو النيابة في الجنح عرض الصلح على المتهم إذا دفع جزءا من الغرامة المقررة وأجاز المشرع هذا التصالح حتى لو رفعت الدعوى الجنائية، وحصر هذا التصالح على الجنح والمخالفات التي يعاقب القانون فيها بالغرامة فقط، ولا ينال هذا التصالح من الحق في رفع الدعوى المدنية.

أما المادة الثانية، فهي رقم 18 مكررة (أ) وأجاز بموجبها للمجني عليه أو الوكيله الخاص، في الجنح الواردة بها على سبيل الحصر، أن يطلب إلى النيابة العامة قبل رفع الدعوى الجنائية، أو إلى المحكمة بعد رفعها، إثبات صلحه مع المتهم، ويترتب على ذلك إنقضاء تلك الدعوى بالصلح ولو كانت مرفوعة بالطريق المباشر، وينحصر أثر هذا الصلح على الدعوى الجنائية فلا أثر له على حقوق المضرور من الجريمة .

السبب في عقد الصلح هو الباعث للمتصالحين على ابرام الصلح أو هو في التزام أحد طرفي الصلح هو نزول الطرف الآخر عن جزء من إدعائه ويجب أن يكون السبب مشروعاً وفقاً للقواعد العامة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع ، الصفحة/ 405)

يشترط في محل الصلح أن يكون مشروعاً أو قابلاً للتعامل فيه، وبعبارة أخرى لا يكون مخالفاً للنظام العام أو الآداب العامة.

ورغم أن هذا الشرط عام في كافة العقود وعلى ذلك نصت المادة 135 مدني على أنه : "إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا"، إلا أن المشرع خص عقد الصلح بنص خاص هو نص المادة 551 مدني التي تجري على أنه: "لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم"، وهذا النص وإن كانت أحكامه ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة إلا أنه يبرز أهمية هذا الشرط .

والمقصود بالنظام العام (ordrepuplic) كل ما يمس كيان الدولة أو يتعلق بمصلحة أساسية من مصالحها التي يلزم تحقيقها حتى تسير في طريقها نحو العزة والمجد ، وسواء في ذلك أكانت هذه المصلحة سياسية، كما هو الحال بالنسبة إلى كل ما يتعلق بتنظيم الدولة وطريقة مباشرة سيادتها بواسطة سلطاتها المختلفة، أو كانت هذه المصلحة اجتماعية، كما هي الحال بالنسبة إلى تنظيم الأسرة، وما يتعلق بكفالة الأمن والنظام العام في الدولة، أم كانت تلك المصلحة اقتصادية، كما هي الحال بالنسبة إلى تنظيم الإنتاج القومي في الدولة وتداول النقد فيها.

فيدخل في المسائل المتعلقة بالنظام العام، المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية، فضلاً عن أنه ورد بها نص خاص، والجرائم وغيرها .

والآداب العامة هي مجموعة القواعد الخلقية التي تدين بها الجماعة في بيئة معينة وعصر معين ، فهي بهذه المثابة تعتبر الشق الخلفي من قواعد النظام العام.

ويقع باطلا كل صلح يخالف الآداب العامة ، كالصلح على حصول شخص على أجر عن عمل كان يجب عليه أن يقوم به ، وعلى رد شخص ما سرقة في مقابل أجر يأخذه ، والصلح على قيام علاقة جنسية غير مشروعة ، أما الصلح على مال يدفعه شخص لأمرأة على سبيل التعويض عما أصابها من ضرر بسبب علاقة جنسية كانت بينهما فهو صحيح.

ويقع باطلاً كل صلح يتعلق بدور البغاء حتى لو حصلت هذه الدور على ترخيص إداري ، أو يتعلق بمكان يدار للمقامرة. وقد نص القانون على بطلان كل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان ، وجعل لمن خسر أن يسترد ما دفعه خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي أدى فيه ما خسره ولو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك م 739 مدنی ، واستثنى من ذلك الرهان الذي يعقده المتبارون شخصياً في الألعاب الرياضية ، وفي هذه الحالة يكون القاضي أن يخفض قيمة هذا الرهان إذا كان مبالغاً فيه ، كما استثنى أيضاً ما رخص به قانوناً من أوراق النصيب.

والمسائل المتعلقة بالحالة الشخصية هي مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية .

ومن ثم لا يجوز التصالح على البنوة أو الأبوة أو الزواج أو الطلاق أو الجنسية... إلخ لأن كل هذه المسائل من النظام العام وهي منظمة بحكم القانون ولا يجوز أن تكون محلاً للتعامل بين الأفراد، وبالتالي لا تجوز المصالحة على أحكامها.

وكذلك فإن أحكام الأهلية تعد أيضاً من النظام العام فلا يجوز أن تكون محلاً للمصالحة ، فلا يجوز لشخص كامل الأهلية أن يتصالح مع آخر على النزول عن أهليته ، ولا يجوز لشخص كامل الأهلية أن يتصالح مع آخر ناقص الأهلية على أنه كامل الأهلية ، ولا يجوز الاتفاق صلحا على تعديل أحكام الأهلية.

غير أن المادة 551 مدني أجازت "الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية"، ذلك أن الحقوق المالية التي تنجم عن هذه الحالة لا تتعلق إلا بمصالح خاصة، فهذه الحقوق يكتسبها الشخص من إتصافه بحالة معينة.

وأهم هذه الحقوق هو حق الميراث ، ولما كانت هذه الحقوق تدخل تحت التقويم المادي ، لم يكن هناك ما يدعو إلى الحيلولة بين صاحبها والتصرف فيها بما يراه في صالحه.

لذلك أجاز النص الصلح في هذه الحقوق ، بشرط ألا تقحم في هذا الصلح مسألة من المسائل المتعلقة بالحالة.

فإذا تضمن الصلح الإتفاق على كلتا المسألتين في مقابل ثمن إجمالي ، كأن اتفق من يدعي ثبوت نسبه من شخص معين ، توطئة لمطالبة الأخير بحقه في تركته ، على أن يتنازل عن دعوى ثبوت النسب وعن حقه في الميراث في مقابل مبلغ معين ، كان هذا الصلح باطلاً في مجموعة نظراً لإرتباط أجزائه ، وعدم جواز تجزئة شروطه .

ويبطل الصلح كذلك ولو اشترط لكل من المسألتين ثمن مستقل إذا احتواهما عقد واحد ، لأن إدماج المسألتين في نفس العقد يكشف عن قصد المتعاقدين ربط إحداهما بالأخرى.

ولما كان الصلح من العقود التي لا تقبل التجزئة ، كان حتماً أن يترتب على بطلانه في المسألة المتعلقة بالحالة بطلانه في الحقوق المالية الناشئة عنها.

وتطبيقاً لذلك يبطل الصلح الوارد على تقسيم تركة شخص ، إذا كانت الغاية منه تفادي رفع الدعوى بثبوت نسب أحد المتقاسمين ، أي تنازله عن حقه في إثبات نسبه من المتوفي .

وبالعكس يصح التصالح على قسمة التركة بين الأطفال الثابت نسبهم والمتنازع في نسبهم طالما أن أحدا منهم لم يخلع على نفسه صفة الوارث دون الآخرين.

ويلاحظ أن الصلح الحاصل في مثل هذه الحالة لا يمنع من أن يعود أحد المتصالحين إلى إنكار صفة الوارث على الآخر ، كما أنه لا يحول دون مطالبة أحدهم ثبوت نسبه إذا جدت ظروف تستدعي ذلك.

ويجوز التصالح على مؤخر الصداق وعن نفقة العدة ، ويجوز لمن له حق النفقة على غيره أن ينزل عما يستحق من نفقة مدة معينة ، لا أن ينزل عن حق النفقة ذاته.

ويجوز كذلك الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الأهلية ، فيجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد أن يصالح من تعاقد معه وهو قاصر على إجازة العقد بشروط معينة .

بطلان الصلح على فوائد ربوية .

بطلان الصلح على مقدار التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة :

بطلان الصلح على منازعات تقدير أجرة الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية :

قواعد تقدير أجرة الأماكن التي تخضع للتشريعات الاستثنائية من المسائل المتعلقة بالنظام العام ، وهذه القواعد تشمل القواعد الموضوعية والقواعد الشكلية . 

بطلان الصلح على أحكام قانون العمل :

تنص المادة الخامسة من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 (المعدل) على أن : يقع باطلا كل شرط أو اتفاق يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل إذا كان يتضمن انتقاصاً من حقوق العامل المقرر فيه ، ويستمر العمل بأية مزايا أو شروط أفضل تكون مقررة أو تقرر في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الأساسية أو غيرها من لوائح المنشأة أو بمقتضى العرف وتقع باطلة كل مصالحة تتضمن انتقاصاً أو إبراء من حقوق العامل الناشئة عن عقد العمل خلال مدة سريانه أو خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهائه متى كانت تخالف أحكام القانون.

وبالتالي فإنه لا يجوز التصالح على حقوق العامل الواردة في قانون العمل قبل ثبوتها ، ويقع هذا التصالح باطلاً .

بطلان الصلح على الجريمة :

تنص المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية على أن: "تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع عن غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون فالدعوى الجنائية الناشئة عن ارتكاب الجريمة هي من حق المجتمع و تباشرها النيابة العامة بالنيابة عنه، وعلى ذلك فهي ليست ملكاً للمجني عليه ، بل صاحبتها الهيئة الاجتماعية ، ومن ثم لا يجوز التصالح على الجريمة ذاتها ، وإلا عد الصلح باطلا لمخالفته للنظام العام ، ويؤكد ذلك ما نصت عليه المادة 551 مدني من أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة ... أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على الحالة المالية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم " أي أن المادة سلمت بأن الجريمة مما يتعلق بالنظام العام.

أما الصلح على الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة فهو جائز لأنه حق خالص للمجنى عليه.

وإن كان الأصل أنه لا يجوز التصالح على الجريمة ، إلا أن القانون يجيز ذلك في أحوال استثنائية لاعتبارات خاصة ، ويرتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية. 

التصالح على الضرائب والرسوم ؟

يتعين في هذا الشأن التمييز بين أمرين الأمر الأول : هو التزام الممول بدفع الضريبة ، وهذا لا يجوز الصلح عليه لأن هذا الالتزام مرده إلى الأساس القانوني للضريبة الذي يقوم على مبدأ سيادة الدولة التي يعطيها الحق في أن تلزم رعاياها والمقيمين على أرضها بدفع الضرائب.

ومن ثم يمكن القول بأن التزام الممول بدفع الضريبة من النظام العام فلا يجوز أن يكون محلاً للصلح.

والأمر الثاني: هو المبالغ المستحقة دفعها على الممول كضرائب أو رسوم أوما يسمى بدين الضريبة ، وهذه المبالغ قد تكون محل نزاع بين الممول والإدارة الضريبية فجاز أن تكون محلاً للصلح ، ونرى أنه يجوز الاتفاق على تقسيط هذه المبالغ. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس ، الصفحة/ 515) 

الفقة الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العاشر ، الصفحة /  87

التَّبْعِيضُ فِي الصُّلْحِ:

29 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الصُّلْحِ، فَالصُّلْحُ مَبْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ إِذَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْمُدَّعِي وَكَانَ أَقَلَّ مِنْهُ، وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ تَبَعًا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا .

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع  والعشرون  ، الصفحة / 349

الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُصَالَحِ عَنْهُ:

الْمُصَالَحُ عَنْهُ: هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: حَقُّ اللَّهِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ.

28 - أَمَّا حَقُّ اللَّهِ: فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ. وَعَلَى ذَلِكَ، فَلاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، بِأَنْ صَالَحَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لاَ يَرْفَعَهُ إِلَى وَلِيِّ الأْمْرِ؛ لأِنَّهُ  حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَجُوزُ، وَيَقَعُ بَاطِلاً؛ لأِنَّ  الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ مُتَصَرِّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، إِمَّا بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ حَقِّهِ، أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي، أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ.

وَكَذَا إِذَا صَالَحَ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ، بِأَنْ قَذَفَ رَجُلاً، فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ  وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ، فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَغْلُوبُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ شَرْعًا، فَكَانَ فِي حُكْمِ الْحُقُوقِ الْمُتَمَحِّضَةِ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ لاَ تَحْتَمِلُ الصُّلْحَ، فَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي حُكْمِهَا. (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: قَذْف).

وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ شَاهِدًا يُرِيدُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ  الشَّاهِدَ فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ مُحْتَسِبٌ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ(وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)  وَالصُّلْحُ عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ بَاطِلٌ .

وَإِذَا بَطَلَ الصُّلْحُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ؛ لأِنَّهُ  أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ يَحِلُّ لأِحَدٍ  أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ إِلاَّ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ .

29 - وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ: فَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ شُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَشُرُوطُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ثَلاَثَةٌ: .

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا ثَابِتًا لِلْمُصَالِحِ فِي الْمَحَلِّ:

30 - وَعَلَى ذَلِكَ: فَمَا لاَ يَكُونُ حَقًّا لَهُ، أَوْ لاَ يَكُونُ حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فِي الْمَحَلِّ لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا، وَجَحَدَ الرَّجُلُ، فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ  النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ لاَ حَقُّهَا، فَلاَ تَمْلِكُ الاِعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ غَيْرِهَا؛ وَلأِنَّ  الصُّلْحَ إِمَّا إِسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ، وَالنَّسَبُ لاَ يَحْتَمِلُهُمَا.

وَكَذَا لَوْ صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنَ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ، عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْمُشْتَرِي فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأِنَّهُ  لاَ حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَلِّ، إِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَهُوَ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوِلاَيَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلاَ يَحْتَمِلُ الصُّلْحَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ - خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ - فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ الصُّلْحُ عَنِ الشُّفْعَةِ. (ر: شُفْعَة - إِسْقَاط.) وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى مَالٍ، عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنَ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ  الثَّابِتَ لِلطَّالِبِ قِبَلَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلاَيَةِ الْمُطَالَبَةِ، وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا كَالشُّفْعَةِ .

أَمَّا لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلاَ بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي، فَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ فَصَالَحَ عَنِ الْيَمِينِ عَلَى أَنْ لاَ يَسْتَحْلِفَهُ جَازَ الصُّلْحُ وَبَرِئَ مِنَ الْيَمِينِ، بِحَيْثُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَعُودَ إِلَى اسْتِحْلاَفِهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: صَالَحْتُكَ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي وَجَبَتْ لَكَ عَلَيَّ. أَوْ قَالَ: افْتَدَيْتُ مِنْكَ يَمِينَكَ بِكَذَا وَكَذَا صَحَّ الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  هَذَا صُلْحٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْمُدَّعِي؛ لأِنَّ  الْيَمِينَ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ - وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ - فَكَانَ الصُّلْحُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْمُدَّعِي، وَفِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَالِ لإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ وَالاِفْتِدَاءِ عَنِ الْيَمِينِ . قَالَهُ الْكَاسَانِيُّ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحًا فَحَجَّتْهُ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ هَذَا الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  النِّكَاحَ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي حَسَبَ زَعْمِهِ، فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى حَقٍّ ثَابِتٍ لَهُ، وَالدَّافِعُ يَقْطَعُ بِهِ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ .

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ:

31 –  أَيْ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَوْ لاَ يَجُوزُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَالاً أَوْ غَيْرَ مَالٍ.

وَعَلَى ذَلِكَ: فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ قَوَدِ نَفْسٍ وَدُونِهَا، وَعَنْ سُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهَا، وَعَنْ عَيْبٍ فِي عِوَضٍ أَوْ مُعَوَّضٍ؛ قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالْمُنَازَعَةِ .

وَمَتَى صَالَحَ عَمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ لقوله تعالي (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)  فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) أَيْ: أُعْطَى لَهُ.

كَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ: فَلْيَتْبَعْ «مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الأْمْرِ» فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَلِيَّ بِالاِتِّبَاعِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُعْطِيَ لَهُ شَيْءٌ، وَاسْمُ الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَدَلَّتِ الآْيَةُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ . وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلأِنَّ  الْقِصَاصَ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ، وَيَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ مَجَّانًا، فَكَذَا تَعْوِيضًا لاِشْتِمَالِهِ عَلَى الأْوْصَافِ الْجَمِيلَةِ مِنْ إِحْسَانِ الْوَلِيِّ، وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ. وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ فِي الصُّلْحِ عَنِ الْقِصَاصِ؛ لأِنَّهُ  لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، فَيُفَوَّضُ إِلَى اصْطِلاَحِهِمَا، كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ .

أَمَّا إِذَا صَالَحَ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا غَيْرَ مِثْلِيٍّ لِغَيْرِهِ، فَصَالَحَ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، وَذَلِكَ لأِنَّ  الدِّيَةَ وَالْقِيمَةَ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرَةً، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ جِنْسِهَا الثَّابِتَةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ؛ وَلأِنَّهُ  إِذَا أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ وَزِيَادَةً لاَ مُقَابِلَ لَهَا، فَيَكُونُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ .

فَأَمَّا إِذَا صَالَحَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَيَجُوزُ؛ لأِنَّهُ  بَيْعٌ، وَيَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ؛ وَلأِنَّهُ  لاَ رِبَا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ فَصَحَّ .

وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ: لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ امْرَأَةً عَلَى مَالٍ لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لأِنَّهُ  صُلْحٌ يُحِلُّ حَرَامًا؛ وَلأِنَّ هَا لَوْ أَرَادَتْ بَذْلَ نَفْسِهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ .

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:

32 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِهِ أَوْ فِي مَدَاهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍأَحَدِهَا لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ .

قَالَ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي «الأْمِّ» .

أَصْلُ الصُّلْحِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ، فَمَا جَازَ فِي الْبَيْعِ جَازَ فِي الصُّلْحِ، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ فِي الصُّلْحِ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ. وَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدِي إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، كَمَا لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه  -: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً» . وَمِنَ الْحَرَامِ الَّذِي يَقَعُ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَقَعَ عِنْدِي عَلَى الْمَجْهُولِ الَّذِي لَوْ كَانَ بَيْعًا كَانَ حَرَامًا.

هَذَا، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنِ الْمُجْمَلِ عِنْدَهُمْ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مُجْمَلاً فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى عِوَضٍ، صَحَّ الصُّلْحُ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا إِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لَهُمَا فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ الَّذِي نَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ بِكَذَا فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ صَحَّ .

وَالثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبَ التَّسْلِيمِ اشْتَرَطَ كَوْنَهُ مَعْلُومًا لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.

جَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: إِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّ، فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ يُعْطِيهِ الْمُدَّعِي لِيُسَلِّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لاَ يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ؛ لأِنَّ  الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ ذَلِكَ لاَ يَدْرِي مَاذَا يُسَلِّمُ إِلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ .

أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَحْتَاجُ التَّسْلِيمَ - كَتَرْكِ الدَّعْوَى مَثَلاً - فَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومًا؛ لأِنَّ  جَهَالَةَ السَّاقِطِ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ هَاهُنَا سَاقِطٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الإْبْرَاءِ  عَنِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ جَائِزٌ . قَالَ الإْسْبِيجَابِيُّ: لأِنَّ  الْجَهَالَةَ لاَ تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِمَعْنًى فِيهَا، وَهُوَ وُقُوعُ الْمُنَازَعَةِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلاَ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ فِيهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضِهِ، وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ .

وَالثَّالِثِ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ . وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَذَّرُ.

فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ، فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ .

قَالَ الْحَنَابِلَةُ: سَوَاءٌ أَكَانَ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ جَهِلاَهُ أَوْ جَهِلَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَالَحُ بِهِ حَالًّا أَوْ نَسِيئَةً، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ.

أ - بِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «جَاءَ رَجُلاَنِ مِنَ الأْنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ أَوْ قَدْ قَالَ: لِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَبَكَى الرَّجُلاَنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لأِخِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَمَّا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا، فَاقْتَسِمَا ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» .

ب - وَلأِنَّهُ  إِسْقَاطُ حَقٍّ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ كَالطَّلاَقِ لِلْحَاجَةِ.

ح - وَلأِنَّهُ  إِذَا صَحَّ الصُّلْحُ مَعَ الْعِلْمِ وَإِمْكَانِ أَدَاءِ الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَلأَنْ  يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ أَوْلَى. وَذَلِكَ لأِنَّهُ  إِذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَهُمَا طَرِيقٌ إِلَى التَّخَلُّصِ وَبَرَاءَةِ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِدُونِهِ، وَمَعَ الْجَهْلِ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ لأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى ضَيَاعِ الْحَقِّ، أَوْ بَقَاءِ شَغْلِ الذِّمَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَالٌ لاَ يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرَ حَقِّهِ مِنْهُ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَذَّرُ عِلْمَهُ، كَتَرِكَةٍ بَاقِيَةٍ، صَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ عَنْ حِصَّتِهَا مِنْهَا مَعَ الْجَهْلِ بِهَا. فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ لَهُ: لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ: يَصِحُّ لِقَطْعِ النِّزَاعِ .

الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُصَالَحِ بِهِ:

33 - الْمُصَالَحُ بِهِ، أَوِ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ: هُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ. وَشُرُوطُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اثْنَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَالاً مُتَقَوِّمًا:

وَعَلَى ذَلِكَ، فَلاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَصَيْدِ الإْحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، فَمَا لاَ يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبِيَاعَاتِ لاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ بَدَلَ صُلْحٍ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً.

فَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِقْدَارٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ وَقْتًا مَعْلُومًا صَحَّ ذَلِكَ . قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الأَْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ، وَمَا لاَ فَلاَ .

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا:

وَعَلَى ذَلِكَ قَالَ الْحَنَابِلَةُ: فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِمَجْهُولٍ لَمْ يَصِحَّ؛ تَسْلِيمُهُ وَاجِبٌ وَالْجَهْلُ يَمْنَعُهُ .

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ، فَقَدْ فَصَّلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَالُوا: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُصَالَحِ بِهِ مَعْلُومًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ؛ لأِنَّ  جَهَالَةَ الْبَدَلِ تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَتُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ شَيْئًا لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَلاَ يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ، وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ؛ لأِنَّ  جَهَالَةَ السَّاقِطِ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ . قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لأِنَّ  جَهَالَةَ الْبَدَلِ لاَ تَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ لِعَيْنِهَا، بَلْ لإِفْضَائِهَا إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَإِذَا كَانَ مَالاً يُسْتَغْنَى عَنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فِيهِ، لاَ يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَلاَ يَمْنَعُ الْجَوَازَ  .