loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 513

مذكرة المشروع التمهيدي :

التعرض المادي من الغير الذي يحول دون الانتفاع يعتبر قوة قاهرة تعرض جهة الإدارة الصادر في حدود القانون ، کنزع ملكية العين المؤجرة أو الاستيلاء عليها ، فإذا ترتب على هذا التعرض إخلال بانتفاع ، كان للمستأجر أن يطلب الفسخ أو إنقاص عمل الإدارة.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 773 من المشروع ، فأقرتها اللجنة كما هي ، وأصبح رقمها 603 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 602

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :  

محضر الجلسة الثلاثين

تليت المادة 602 فرأى تعديلها باستبدال عبارة « جهة حكومية» ، بعبارة «عمل الإدارة » وذلك لأن لفظ والإدارة مهم بعكس اللفظ الفرنسي administration الذي يستعمل للدلالة على أكثر من معنى .

وقد تساءل رمزى بك : هل يفهم من النص أن ضمان المؤجر بسبب ما يترتب على عمل الإدارة الصادر في حدود القانون من نقص في انتفاع المستأجر يكون أيضاً إذا صدر هذا العمل في غير حدود القانون ؟

فأجابه معالي الوزير إن هذا من باب أولى وقد خص المشروع العمل القانوني بالذكر، ولم يتركه للقواعد العامة ، لإنه قد يكون ذلك مسوغاً لمظنة التسامح بين المؤجر والمستأجر .

تقرير اللجنة :

استدلت في هذه المادة عبارة عن جهة حكومية ، بعبارة «جهة الإدارة» ، لأنها أدق - وأصبح رقمها 574

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة . 

الأحكام

1- إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بطلب إنقاص الأجرة بالقدر الذى يتناسب مع النقص فى الانتفاع بمحل النزاع نتيجة التعرض الصادر من الجهة الحكومية " مديرية أمن الأقصر " - حال تأمينها الطرق المحيطة بها بوضع الحواجز الأسمنتية والعربات المصفحة مع غلق الطرق المؤدية إليها - ترتب عليه عدم تمكين مرتادى محل النزاع والمجاور لها من الوصول إليه مما أدى إلى نقص كبير فى انتفاع الطاعن بالعين المؤجرة واعتصم فى طلبه العارض بتطبيق نص المادة 574 من القانون المدنى وقدم للتدليل على دفاعه حافظتى مستندات طويت الأولى على صورة رسمية من المحضر رقم ... لسنة 2014 إدارى الأقصر ثابت به تضرره من غلق الطريق المؤدى إلى مطعمه ، والأخرى طويت على صور فوتوغرافية لمتاريس وحواجز رملية وحديدية بعرض هذا الطريق ومن خلفها سيارات وجنود الشرطة لمراقبة أو منع المرور به ، وكان الحكم الابتدائى قد أقام قضاءه برفض الطلب العارض بتخفيض أجرة عين النزاع لنقص منفعتها على أثر ما تشهده البلاد من أحداث ثورة 25 يناير 2011 على ما أورده بأسبابه من أن " ذلك الحدث الطارئ قد جدَ بعد صدور عقد الإيجار وتنفيذه فلا أثر لهذا الحادث " ورتَب على ذلك القضاء بفسخ عقد الإيجار وهو ما لا يواجه دفاع الطاعن ولا يصلح رداً عليه ، ولما كانت وظيفة محكمة الاستئناف ليست مقصورة على مراقبة الحكم المستأنف من حيث سلامة تطبيق القانون فحسب , وإنما يترتب على رفع الاستئناف نقل موضوع النزاع فى حدود طلبات المستأنف إلى محكمة الدرجة الثانية وإعادة طرحه عليها بكل ما اشتمل عليه من أدلة ودفوع وأوجه دفاع لتقول كلمتها فيه بقضاء مسبب يواجه عناصر النزاع الواقعية والقانونية على السواء ، فلا ينبغى لها أن تحجب نفسها عن ممارسة سلطاتها فى مراقبة تقدير محكمة أول درجة لواقع الدعوى وما طرح فيها من أدلة ، ولا يغير من ذلك إحالة الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم المستأنف إذا كانت هذه الإحالة ليست وليدة إعمال محكمة الاستئناف رقابتها على تقدير محكمة الدرجة الأولى لأدلة الدعوى وما سبق إبداؤه وما يعنّ للخصوم إضافته وإصلاح ما اعترى الحكم المستأنف من خطأ أياً كان مرده سواءً كان خطأ من محكمة أول درجة أو تقصيراً من الخصوم . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تأييد الحكم المستأنف لأسبابه دون أن يعنى بالرد على سائر عناصر النزاع الواقعية والقانونية بكل ما اشتملت عليه من أدلة وأوجه دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فيه ، فإنه يكون قد خالف الأثر الناقل للاستئناف وتخلى عن تقدير الدليل فيه مما يعيبه بالقصور المبطل ويوجب نقضه .

(الطعن رقم 12893 لسنة 85 جلسة 2017/05/06)

2- النص فى المادة 574 من القانون المدني على أنه "إذا ترتب على عمل جهة حكومية فى حدود القانون نقص كبير فى الإنتفاع بالعين المؤجرة جاز للمستأجر تبعاً للظروف أن يطلب فسخ عقد أو إنقاص الأجرة.." يدل على أن مناط حق المستأجر فى طلب فسخ عقد الإيجار عند تعرض الحكومة له فى العين المؤجرة هو أن يكون من شأن هذا التعرض الحرمان من الإنتفاع بالعين المؤجرة حرماناً جسيماً بحيث ما كان للمستأجر ليتعاقد لو علم به منذ البداية، أما إذا لم يبلغ الحرمان من الإنتفاع هذه الدرجة من الجسامة جاز للمستأجر أن يطلب إنقاص الأجرة بشرط أن يكون هناك نقص كبير فى الإنتفاع بالعين يسوغ إنقاص الأجرة، أما إذا كان النقص فى الإنتفاع يسيراً فلا يكون هناك مبرر لا لفسخ عقد الإيجار ولا لإنقاص الأجرة، ولما كان الطاعنان قد طلبا فسخ عقد الإيجار وإلغاء أمر الأداء الصادر بإلزامها بالأجرة، وكان إنقاص الأجرة يعتبر مندرجاً ضمن هذه الطلبات، فإن الحكم المطعون فيه إذ جعل مناط طلب فسخ عقد الإيجار أو إنقاص الأجرة هو النقص الكبير فى الإنتفاع بالعين المؤجرة دون أن يدرك الفرق بين درجة الجسامة المطلوبة فى الحرمان من الإنتفاع بالعين المؤجرة والتي تجيز طلب الفسخ وتلك التي تجيز طلب إنقاص الأجرة فقط وسوى بينهما. واعتبر أنه يجب فى الحالتين أن يكون النقص فى الإنتفاع كبيراً وقضى برفض طلب إنقاص الأجرة، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله، ومعيباً بالفساد فى الإستدلال.

(الطعن رقم 928 لسنة 45 جلسة 1978/03/14 س 29 ع 2 ص 1935 ق 376)

3- التعرض الحاصل للمستأجر من جهة حكومية بنزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة والإستيلاء عليها يعتبر صادراً فى حدود القانون و لا دخل للمؤجر فيه و يعتبر فى حكم التعرض الحاصل من الغير ومن أجل ذلك يترتب عليه إنهاء العقد .

(الطعن رقم 208 لسنة 49 جلسة 1982/04/22 س 33 ع 1 ص 425 ق 77)

4- نزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة يعد هلاكاً كلياً يترتب عليه إنفساخ العقد بقوة القانون لإنعدام المحل ولا يجوز للمستأجر فى هذه الحالة أن يطالب المؤجر بتعويض وهو ما تقضى به الفقرتان الاولى والثالثة من المادة 569 من القانون المدنى وإذ كان الثابت فى الدعوى أنه صدر قرار وزارى بنزع ملكية العمارة التى كان يستأجر المطعون عليه الأول شقة فيها فإنها تعد فى حكم الهالكة هلاكاً كلياً وينفسخ العقد من تلقاء نفسه ، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون إذ إعتبر أن الطاعنة " المؤجرة " قد أخطأت بإخلاء المطعون عليه الأول من الشقة التى كان يسكنها وقضى له بالتعويض على هذا الأساس .

(الطعن رقم 163 لسنة 39 جلسة 1974/11/12 س 25 ع 1 ص 1213 ق 205)

5- فى حالة الإستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على العقار الذى تقرر لزومه للمنفعة العامة لم ينص القانون 577 لسنة 1954 المعدل بالقانون 252 لسنة 1960  بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة - على وجوب أخذ رأى صاحب الشأن فى القرار قبل إصداره حسبما ذهب إليه الحكم المطعن فيه ، و إذ كان هذا الحكم لم يبين مدى القوة الملزمة لتعليمات السكرتارية العامة للحكومة التى إستند فى هذا الخصوص كما أنه لم يورد أسباباً أخرى تسوغ قضائه بثبوت علم الطاعن المؤجربتقرير المنفعة العامة للعقار المملوك له و بقرار الإستيلاء عليه قبل تأجيره للشركة المطعون عليها ، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه - الصادر بإلزام المؤجر بتعويض المستأجر عما لحقه من ضرر نتيجة الإستيلاء على العقار - يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون و شابه قصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 587 لسنة 41 جلسة 1976/03/16 س 27 ع 1 ص 665 ق 133)

6- لاتسأل الحكومة إن هى قامت بتنفيذ مشروع من المشروعات العامة مثل تحويل ترعة إلى مصرف إلا فى نطاق المسئولية التقصيرية ، فلا تسأل عما يكون قد لحق الأفراد من ضرر بسبب هذا المشروع إلا إذا ثبت أنها ارتكبت خطأ معينا يكون سببا لمساءلتها .

(الطعن رقم 37 لسنة 21 جلسة 1954/11/18 س 6 ع 1 ص 127 ق 16)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 574 من التقنين المدني على ما يأتي :

" إذا ترتب على عمل من جهة حكومية في حدود القانون نقص كبير في الانتفاع بالعين المؤجرة ، جاز للمستأجر تبعاً للظروف أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة ، وله أن يطالب المؤجر بتعويضه إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر لسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه ، كل هذا ما لم يقض الاتفاق بغيره" .

لا يعتبر التعرض الصادر من جهة حكومية تعرضاً مبنيا على سبب قانوني : تصدر في بعض الأحيان أعمال من جهة حكومية تخل بانتفاع المستأجر بالعين المؤجرة أو تحرمه من هذا الانتفاع ، فإذا أجرت جهة التنظيم أعمالاً وإصلاحات في الطرق العامة ، فقد يكون من شأنه ذلك أن يختل انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة ،  كأن تنسد بعض مسالك العين ، أو تهدم بعض الشرفات ، أو تحجب بعض الحجر السفلى عن النور والهواء بسبب تعلية الطريق العام ، وإذا أصدرت وزارة الزراعة قراراً بتحديد المناطق التي يزرع فيها الأرز ولم تدخل الأرض المؤجرة لزراعة الأرز في هذه المناطق ، فقد حرم المستأجر بهذا القرار من زراعة أرضه أرزاً وهي الزراعة التي ذكر في عقد الإيجار أنه استأجر الأرض من أجلها ، وإذا صدر قانون بتحريم زراعة القطن في أكثر من ثلث الزمام ، وكان المستأجر قد ذكر في عقد الإيجار أنه استأجر الأرض لزراعة نصفها قطنا ، فقد حرم بهذا القانون من زراعة القطن في بعض المساحة التي اشترطها ، وقد تنزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة ، فيحرم المستأجر حرماناً تاماً من الانتفاع بها ، وقد تستولي جهة الإدارة أو جهة عسكرية على العين المؤجرة استيلاء مؤقتاً ، فيحرم المستأجر من الانتفاع بها طوال مدة الإستيلاء .

وقد تمنع الرقابة عرض فيلم سينمائي استأجرته صالة عرض ، فتحرم بذلك من عرضه .

في جميع هذه الفروض وأمثالها، لا يعتبر العمل الصادر من الجهة الحكومة تعرضاً مبنياً على سبب قانوني ، ذلك أن الجهة الحكومية لا تستند في عملها إلى حق خاص تدعيه متعلقاً بالعين المؤجرة ، بل هي تستند إلى ما لها من حقوق السلطة العامة . 

ويجب ، حتى يكون التعرض مبنيا على سبب قانوني ، أن يستند المتعرض إلى حق خاص يتعلق بالعين المؤجرة ، ولا يكفي أن يكون العمل صادراً بموجب السلطة العامة التي تتولاها الحكومة . 

أعمال الجهة الحكومية تعتبر قوة قاهرة :

ويبدو لنا أن أعمال الجهة الحكومية لا يجب البحث فيها من حيث أنها تعد تعرضاً مبنياً على سبب قانوني أو تعرضا مادياً ، بل يجب اعتبراها في مقام القوة القاهرة التي تحرم المستأجر من الانتفاع بالعين أو تخل بانتفاعه بها ، وقد أكدت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي هذا المعنى فهي وإن عدت أعمال جهة الإدارة أعمال تعرض مادي صادر من الغير ، إلا أنها في الوقت ذاته اعتبرتها قوة قاهرة إذ تقول : " التعرض المادي من الغير الذي يحول دون الانتفاع ويعتبر قوة قاهرة تعرض جهة الإدارة الصادرة في حدود القانون ، كنزع ملكية العين المؤجرة أو الاستيلاء عليها .

وسواء اعتبرت أعمال الجهة الحكومية تعرضاً مادياً صادراً من الغير أو اعتبرت قوة قاهرة ، ففي الحالتين لا يكون المؤجر ملتزماً بضمانها ولكن هذا لا يمنع المستأجر من الرجوع على المؤجر ، بل ومن الرجوع على الجهة الحكومية في بعض الأحوال . 

رجوع المستأجر على المؤجر : تقضي المادة 574 مدني ، كما رأينا ، بأنه إذا ترتب على  عمل صدر م جهة حكومية في حدود القانون نقص كبير في الانتفاع بالعين المؤجرة ، جاز للمستأجر تبعاً للظروف أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة ، فهذا النص يطبق هنا حكم التعرض المادي الصادر من الغير لسبب لا يد للمستأجر فيه ويكون من الجسامة بحيث يترتب عليه نقص كبير في الانتفاع بالعين المؤجرة ، وهو في الوقت ذاته يطبق حكم هلاك العين المؤجرة ، فقد قدمنا أن الهلاك قد يكون هلاكاً قانونياً كأن تنزع ملكية العين للمنفعة العامة أو يستولي عليها أو على بعض منها أو يصدر قرار إداري بإخلائها لأسباب صحية  ، ويطبق في الوقت ذاته أيضاً حكم القوة القاهرة إذا حرمت المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة أو أخلت بهذا الانتفاع ، والواقع أن هذه الأمور الثلاثة – التعرض المادي وهلاك العين والقوة القاهرة – سواء في الحكم ، فكل منها يترتب عليه حرمان المستأجر من الانتفاع بالعين حرماناً كلياً أو جزئياً ، ومن ثم يجوز للمستأجر أن يطلب من المؤجر فسخ الإيجار إذا كان الحرمان من الانتفاع بالعين جسيما بحيث ما كان المستأجر ليتعاقد لو علم به منذ البداية ، والمحكمة هي التي تقدر ذلك ولها أن تجيب المستأجر إلى طلب الفسخ أو تكتفي بإنقاص الأجرة ، وجوز للمستأجر أيضاً ، إذا لم يكن الحرمان من الانتفاع على هذا القدر من الجسامة ، أن يطلب إنقاص الأجرة ، ولكن يشترط في ذلك أن يكون هناك نقص كبير في الانتفاع بالعين يسوغ إنقاص الأجرة ، أما إذا كان النقص في الانتفاع يسيراً ، فإنه لا يكون هناك مبرر لا لفسخ الإيجار أو لإنقاص الأجرة ، والمحكمة هي التي تقدر ما إذا كان النقص في الانتفاع كبيراً أو يسيراً .

وإذا كان التعرض الصادر من جهة حكومية ، وافق القانون أو خالفه ، لا يجيز للمستأجر في الرجوع على المؤجر إلا طلب الفسخ أو إنقاص الأجرة ، ولا يجيز له الرجوع بالتعويض ، فإن هناك فرضين نصت عليهما المادة 574 مدني تردان على خلاف هذا الأصل ويكون فيهما المؤجر مسئولاً عن الضمان لا مسئولا عن مجرد تحمل التبعة ، فيجوز للمستأجر أن يرجع عليه أيضاً بالتعويض إذا كان له مقتض :

( الفرض الأول ) إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر لسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه ، فهناك تختل شروط تحمل التبعة إذ للمؤجر يد في عمل الجهة الحكومية ، وشرط تحمل التبعة كما قدمنا ألا يكون للمؤجر يد في هذا العمل . 

وتقول المادة 574 مدني في هذا الصدد : وله ( للمستأجر ) أن يطالب المؤجر بتعويضه إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر لسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه ، وما دام عمل الجهة الحكومية قد صدر لسبب المؤجر المسئول عنه ، فقد انتقلنا من منطقة تحمل التبعة إلى منطقة الضمان ، ويكون المؤجر مسئولاً ، ليس فحسب عن فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة ، بل أيضاً عن التعويض إذا كان له مقتض ، ويكون المؤجر مسئولاً عن عمل الجهة الحكومية إذا حرضها على القيام بهذا العمل ، أو قصر فنجم عن تقصيره أن قامت الجهة الحكومية بالعمل كما لو أنهم لترميم النزل المؤجر فتداعى للسقوط فأمرت الإدارة بهدمه ، فعند ذلك يكون عمل الجهة الحكومية منسوباً إلى المؤجر ، يكون التعرض كأنه صادر منه هو فيضمنه ، ويكون للمستأجر الرجوع عليه بفسخ الإيجار أو بإنقاص الأجرة ، وبالتعرض في الحالتين إذا كان له مقتض .

( الفرض الثاني ) إذا اتفق المستأجر مع المؤجر على أن يكون هذا ضامناً لتعرض الجهة الحكومية . 

فعدم ضمان المؤجر لتعرض الجهة الحكومية ليس من النظام العام ، إذ تقول العبارة الأخيرة من المادة 574 مدني : " كل هذا ما لم يقض الاتفاق بغيره"  . 

فيجوز للمتعاقدين إذن الاتفاق على ما يخالف هذه الاحتكام ، فيشترط المستأجر مثلاً في عقد الإيجار على المؤجر أن يكون ضامناً لأي عمل يصدر من جهة حكومية يتعارض مع انتفاعه بالعين ، إذا كان هذا العمل يخالف القانون ، أو ولو كان هذا العمل في حدود القانون ، فعند ذلك يكون المؤجر ضامناً لتعرض الجهة الحكومية ، فإذا وقع هذا التعرض رجع عليه المستأجر بفسخ الإيجار أو بإنقاص الأجرة وبالتعويض في الحالتين إذا كان له مقتض ، وهذا لا يمنع من رجوع المستأجر أيضاً على الجهة الحكومية بالتعويض إذا كان تعرضها مخالفاً للقانون .

ولا يقتصر رجع المستأجر على المؤجر ، بل يجوز له أيضاً أن يرجع مباشرة على الجهة الحكومية ، فإن تعرضها له يعتبر في حكم التعرض المادي إذا استندت فه إلى السلطة العامة التي تتولاها ، وهو تعرض مادي محض إذا لم يستند فيه إلى هذه السلطة ، وفي الحالتين يجوز للمستأجر الرجوع مباشرة عليها ، شأنها في ذلك شأن الغير الذي يصدر منه تعرض مادي .

غير أنه يجب التمييز ، في رجوع المستأجر على الجهة الحكومية ، بين ما إذا كان التعرض صدر في حدود القانون أو صدر مخالفاً للقانون .

فإذا كان  قد صدر في حدود القانون ، كأن نزعت جهة الإدارة ملكية العين المؤجر للمنفعة العامة بعد استيفاء الشروط والإجراءات التي يفرضها القانون ، أو استولت السلطة العسكرية على العين المؤجرة استيلاء مؤقتاً لأغراض عسكرية طبقاً لأحكام القانون ، فإن المستأجر لا يستطيع الرجوع على الإدارة ، فوق رجوعه على المؤجر بالفسخ أو إنقاص الأجرة ، إلا إذا رخص القانون له في ذلك وفي الحدود التي رخص فيها القانون ، ففي نزع الملكية للمنفعة العامة مثلاً يرجع المستأجر على جهة الإدارة بتعويض مستقبل عن التعويض الذي يرجع به مالك العين ، إذ المستأجر يعوض عن حرمانه من الانتفاع بالعين المؤجرة أما المالك فيعوض عن حرمانه من المالك ذاته ، ويكون ذلك كله طبقاً للإجراءات التي رسمها قانون نزع الملكية للمنفعة العامة .

وإذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر مخالفاً للقانون ، كأن لم تستوف هذه الجهة الشروط التي يتطلبها القانون للعمل الذي قامت به ، أو لم تتبع الإجراءات التي رسمها القانون في القيام به ، أو تعسفت في استعمال سلطتها العامة في قيامها بهذا العمل ، ومن باب أولى إذا كان عمل الجهة الحكومية مجرد تعرض مادي لم تستند فيه إلى أي قانون وهذا قد يحدث وإن كان حدوثه نادراً ، فإن للمستأجر أن يرجع مباشرة على الحكومة إما بإلغاء القرار الإداري الذي أصدرته مخالفاً للقانون وإما بالتعويض وإما بالأمرين معاً ، وهذا لا يمنع المستأجر من الرجوع على المؤجر بفسخ الإيجار إذا كان له مقتض أو بإنقاص الأجرة .

وغني عن البيان أن للمؤجر أيضاً أن يرجع على الجهة الحكومية بالتعويض عن الضرر الذي أصابه في ملكه  و بالتعويض عن رجوع المستأجر عليه ، إذا كان عمل الإدارة غير مشروع .

وإذا أجر شخص لآخر عيناً لمباشرة مهنة أو صناعة معينة تحتاج في مباشرتها إلى استصدار رخصة إدارية ، وامتنعت جهة  الإدارة من إعطاء الرخصة أو سحبتها بعد إعطائها ، فإذا كان العين قد أوجرت خصيصاً لمباشرة هذه المهنة ، فالمؤجر يكون مسئولاً عن عمل الإدارة ، وللمستأجر أن يطلب الفسخ ، كما يصح أن يقتصر على طلب إنقاص الأجرة إذا امتنعت الإدارة عن إعطاء رخصة عن بعض العين دون بعض آخر أو عن بعض أعمال دون الأعمال الأخرى ، وللمؤجر أن يرجع على جهة الإدارة إذا كان امتناعها عن إعطاء الرخصة أو سحبها لها بعد إعطائها غير مشروع ، وكذلك للمستأجر أن يرجع مباشرة على جهة الإدارة إذا كان عملها غير مشروع ، وله أن يدخل المؤجر ضامناً .

وليس للمستأجر أن يرجع بالتعويض ، بل ليس له أن يرجع حتى يفسخ الإيجار أو بإنقاص الأجرة إذا كان رفض الترخيص أو سحب الرخصة راجعاً إلى خطأ المستأجر ، كعدم استيفائه الشروط اللازمة للحصول على الترخيص .

كذلك ليس للمستأجر أن يرجع على المؤجر حتى بفسخ الإيجار أو بإنقاص الأجرة إذا كانت العين لم تؤجر خصيصاً لمباشرة المهنة أو الصناعة التي رفضت الإدارة الترخيص فيها أو سحبت رخصتها .

(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/السادس ، الصفحة/ 541)

قد تتعرض جهة حكومية للمستأجر فتحرمه من الانتفاع بالعين أو تقل من هذا الانتفاع کهدم التنظيم لبعض الشرفات أو تعلية طريق بما يحجب الضوء والهواء عن بعض الحجرات السفلي أو محدد وزارة الزراعة نوعاً معيناً من الزراعة للأرض المؤجرة أو محدد المساحة التي تزع قطناً وقد تنزع ملكية العين للمنفعة العامة أو تستولي جهة عسكرية عليها وقد تمنع الرقابة على فيلم استأجرته صالة عرض فهذه الأعمال لا تعتبر تعرضاً مبنياً على سبب قانوني - ويفرق کامل مرسی ص 162 بین ما إذا كان عمل الإدارة في حدود القانون أو مخالفة له ففي الحالة الأولى يكون التعرض مادياً ولا يضمنه المؤجر ويرجع المستأجر على الإدارة - وإنما تعتبر في مقام القوة القاهرة التي تحرم المستأجر من الانتفاع أو تخل به فلا يكون المؤجر ملزماً بضمانها، ولكن يجوز للمستأجر الرجوع على المؤجر بالفسخ أو إنقاص الأجرة إذا ترتب على عمل الحكومة الصادر في حدود القانون نقص جسيم في الانتفاع ، ومن ثم فالنص يطبق حكم التعرض المادي وحكم هلاك العين وحكم القوة القاهرة ، ولا يرجع عليه بالتعريض مع الفسخ أو إنقاص الأجرة إلا إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر لسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه أو إذا اتفق معه على أن يكون ضامناً لتعرض الحكومة إذ أن هذا الضمان يجوز تشديده أو تخفيفه أو الإعفاء منه ، وتسرى ذات الأحكام إذا كان تعرض الحكومة مخالفة للقانون ولكن يكون للمستأجر الرجوع على الجهة الحكومية بالتعويض أو بإلغاء القرار أما إذا كانت الجهة الحكومية طرفاً في العقد فيكون الاختصاص للقضاء العادي وتسري أحكام المادة 571 مدنی .

وإذا استندت الجهة الحكومية في تعرضها إلى السلطة العامة كان بمثابة التعرض المادي وجاز للمستأجر الرجوع عليها ، على أنه إذا كان التعرض صدر في حدود القانون كأن نزعت الملكية وفقاً للإجراءات القانونية فإن المستأجر لا يستطيع الرجوع على الجهة الحكومية إلا إذا رخص القانون له في ذلك ، أما إذا كان العمل مخالفاً للقانون بأن لم تتبع الإجراءات القانونية أو تعسفت في استعمال سلطتها فللمستأجر أن يرجع على الحكومة إما بإلغاء القرار الإداري وإما بالتعويض وإما بالأمرين معاً وهذا لا يمنع المستأجر من الرجوع على المؤجر بالفسخ أو إنقاص الأجرة.

أما إذا تعرضت الجهة الحكومية للمستأجر في عمل لا يدخل في نطاق العقد كخلو العقد من أن الغرض من استئجار الأرض هو لزراعتها قطناً ، فإذا صدر قانون وحدد زراعة ثلث الحيازة قطناً سرى في حق المستأجر ولا يجوز له الرجوع على المؤجر لا بالفسخ ولا بإنقاص الأجرة ولا بالتعويض فإذا زرع أكثر فشأنه والإدارة .

وقد تمتنع الإدارة عن إصدار رخصة للعين المؤجرة لمباشرة مهنة أو صناعة فيكون المؤجر مسئولاً عن عمل الإدارة وللمستأجر أن يطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة بقدر الجزء الذي رفضت الإدارة الترخيص به ولكل من المؤجر والمستأجر الرجوع على الإدارة إذا كان امتناعها تعسفاً وللأخير إدخال المؤجر ضامناً ، أما إذا كان رفض الترخيص بخطأ المستأجر كعدم استيفاء الشروط أو الإخلال بها في حالة سحب الترخيص فليس له الرجوع لا بالفسخ ولا بإنقاص الأجرة ولا بالتعويض ما لم يكن المؤجر تعهد بأن يحصل له على الرخصة وكان عالم بالمنع ، ولا يكفي مجرد ذكر المهنة أو الصناعة في العقد لجعل العين المؤجرة مخصصة المباشرة هذه المهنة أو المناعة ، بل يجب أن يتضمن العقد أن العين مؤجرة خصيصا لمباشرة هذه المهنة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع، الصفحة/ 684)

التعرض القانوني الصادر من جهة حكومية هو التعرض الذي تستند فيه هذه الجهة إلى حق لها من الحقوق الخاصة التي يستند إليها الأفراد في تعرضهم ، كأن تستولى الجهة الحكومية على قطعة أرض مؤجرة وتستند في ذلك إلى أنها مملوكة لها ملكية خاصة.

فهذا التعرض يأخذ حكم التعرض القانوني الصادر من الأفراد تماماً ، فيكون المؤجر ضامناً للمستأجر هذا التعرض طبقاً لأحكام المادة  571 / 2 مدنی، بالتفصيل الذي أوردناه في موضعه.

وهذا التعرض يختلف عن التعرض الصادر من جهة حكومية المنصوص عليه بالمادة 574 .

 المقصود بعمل الجهة الحكومية المنصوص عليه بالمادة 574.

فهي تتناول التعرض الذي يصدر من جهة حكومية استناداً - لا إلى حق لها - وإنما استناداً إلى مالها من حقوق السلطة العامة ، فهي تعرض مادي لا تعرض قانونی .

ويتحقق هذا النوع من التعرض ولو كان المؤجر جهة حكومية أخرى لها شخصية معنوية مستقلة عن الجهة المتعرضة .

ومثال هذا التعرض أن تقرر جهة حكومية نزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة أو الاستيلاء عليها استيلاءً مؤقتاً ، أو تصدر تشريعاً بتحديد الأراضي التي تزرع بمحصول معين كالقمح أو القطن ، ويترتب على ذلك حرمان بعض المستأجرين من زراعة هذا المحصول .

وعبارات المادة وإن كانت تؤدي في ظاهرها إلى قصر حكمها على التعرض الصادر من جهة حكومية (في حدود القانون) إلا أن المتفق عليه أن حكمها يشمل التعرض الذي يصدر من هذه الجهة (خلافاً للقانون) ويكون ذلك بعدم اتفاقه مع أحكام القانون أو لمخالفته الإجراءات المرسومة فيه ، أو بإنطوائه على تعسف في استعمال السلطة، كما لو منعت الشرطة المستأجر من دخول المنزل المؤجر عنوة وبدون مبرر.

وتبرير ذلك أنه إذا كان العمل الذي تأتيه جهة الحكومة في حدود القانون يعتبر في حكم القوة القاهرة - كما لی - فلا يسأل عنه المؤجر ويتحمل تبعته ، فإن العمل المخالف للقانون الذي يصدر من جهة الحكومة يكون أولى في اعتباره في حكم القوة القاهرة ، وإن وجد خلاف بسيط في آثار هذا التعرض سنذكره في موضعه .

ولا تقتصر عبارة (جهة حكومية) على جهة الإدارة - وإن كان ذلك هو الغالب - ولكنها تشمل السلطتين التشريعية والقضائية ، فقد يصدر تشريع من السلطة التشريعية يمنع زراعة محصول معين في منطقة معينة ، وقد يصدر القضاء حكماً بإغلاق العين المؤجرة.

أن مشروع النص الوارد بالمشروع التمهيدي كان يتضمن عبارة ( جهة الإدارة ) فاستبدلت اللجنة التشريعية عبارة ( جهة حكومية ) بالعبارة الأولي لأنها أدق .

فإذا ترتب على عمل جهة الحكومة حرمان المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة أو الإخلال بانتفاعه بها ، كان هذا بمثابة هلاك العين أو تلفها نتيجة قوة قاهرة ، وجاز للمستأجر تبعاً للظروف أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة ، ولا يرجع ذلك إلى التزام المؤجر بالضمان وإنما على أساس تحمل التبعة ، أي تحمل تبعة هلاك المنفعة.

ويشترط للقضاء بالفسخ أو إنقاص الأجرة ، أن يترتب على عمل جهة الحكومة نقص كبير في الانتفاع بالعين المؤجرة. 

أما إذا كان النقص في الانتفاع يسيراً ، كما إذا نجم عن عمل جهة الحكومة أن تعذر على المستأجر المرور بعربته في الشارع نتيجة ما يجري فيه من أعمال الرصف ، فإن ذلك لا يبرر فسخ العقد أو إنقاص الأجرة .

وتقدير ما إذا كان فعل جهة الحكومة يرتب نقصاً كبيراً في الانتفاع أم لا ، أم أن النقص الذي يرتبه يسيراً مما يخضع لتقدير قاضي الموضوع.

يشترط للقضاء بفسخ عقد الإيجار أو إنقاص الأجرة ، أن يترتب على فعل جهة الحكومة حرمان المستأجر من الانتفاع المقصود بعقد الإيجار أى الانتفاع الذي قصد إليه الطرفان في عقد الإيجار وعينت الأجرة مقابلاً له.

ويجب على المستأجر أن يقيم الدليل على أن المؤجر أراد أن يوفر له الانتفاع على خلاف ما تقضى به القوانين واللوائح ، لأنه يدعى خلاف الظاهر ، والبينة على من ادعى.

ولكن لا يسأل المؤجر عن الأعمال الصادرة من الجهة الحكومية إذا كانت الأعمال لم تقع على العين المؤجرة ولا على طريقة الانتفاع بها، وإن ترتب عليها الانتقام من الفائدة التي تعود على المستأجر من الانتفاع، كما إذا أنشأت الحكومة طريقاً جديداً ترتب عليه أن هجر المارة الطريق الذي يوجد فيه المحل المؤجر.

وكثيراً ما يقع التعرض الصادر من الجهة الحكومية في صورة رفض الترخيص للمستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة في مزاولة حرفة أو صناعة معينة ، أو في صورة سحب مثل هذا الترخيص منه بعد منحه إياه .

والقاعدة في هذا الشأن أنه إذا كان رفض الترخيص أو سحبه راجعاً إلى خطأ المستأجر، بأن لم يقم باستيفاء الشروط التي تطلبتها الجهة الحكومية، فإنه لا يكون للمستأجر الحق في طلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة أو المطالبة بثمة تعويض.

كذلك لا يجوز للمستأجر الرجوع على المؤجر بطلب الفسخ أو إنقاص الأجرة أو التعويض، إذا كانت العين لم تؤجر أصلاً لمباشرة المهنة أو الحرفة أو الصناعة التي رفضت جهة الحكومة الترخيص بها أو سحب ترخيصها ، كما إذا استأجر شقة للسكنى فأراد استغلالها محلاً للبقالة أو لبيع المأكولات.

والانتفاع المقصود من الإيجار يجب أن تكشف عنه بوضوح عبارات العقد ذاته.

القاعدة أنه لا يجوز للمستأجر مطالبة المؤجر بتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء حرمانه من الانتفاع بالعين المؤجرة نتيجة تعرض جهة الحكومة له في انتفاعه ، لأن دعوى المستأجر قبل المؤجر لا تستند إلى التزام المؤجر بضمان هذا التعرض، وإنما تستند إلى هلاك العين أو تلفها بسبب لا يد للمؤجر فيه وتحمل الأخير تبعة الهلاك أو التلف.

إلا أنه استثناء من هذه القاعدة ، أجازت المادة للمستأجر مطالبة المؤجر بتعويضه إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر بسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه ، وذلك مالم يقض الاتفاق بغيره، وهذا الاستثناء يتفق مع القواعد العامة، لأن عمل جهة الحكومة إذا كان صادراً بسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه، فكأنه صدر عن المؤجر نفسه ويعتبر التعرض صادراً منه شخصياً فتجب مساعدته عنه كما يسأل عن أي تعرض صدر منه بمفرده ، ونكون بذلك قد انتقلنا من نطاق تحمل التبعة إلى نطاق الضمان.

ومثل ذلك أن يحصل فعل جهة الحكومة باشتراك المؤجر معها ، أو نتيجة تقصير منه ، كما لو أهمل في التزامه بصيانة العين المؤجرة ، فأصبحت آلة للسقوط ، فأصدرت جهة الحكومة قراراً بإزالتها.

ومن صور تقصير المؤجر أيضاً أن يكون السبب الذي أدى إلى وقوع تعرض جهة الحكومة موجوداً وقت إبرام الإيجار دون أن يحيط المستأجر علماً به ، كما إذا تم التأجير بعد صدور قرار جهة الحكومة بإزالة العين المؤجرة.

أما إذا حصل عمل الحكومة الذي أدى إلى الإخلال بمنفعة العين المؤجرة بسبب يكون المستأجر مسئولاً عنه، كما إذا استأجر شخص مكاناً ليباشر فيه مهنة معينة، ولكنه خالف الشروط التي يقضي بها القانون أو اللوائح لمباشرة هذه المهنة ، فسحبت منه جهة الحكومة الرخصة فإنه لا يستطيع الرجوع على المؤجر لأن فعل الحكومة جاء نتيجة تقصيره .

وأحكام مسئولية المؤجر عن فعل الحكومة ، كغيرها من أحكام الضمان بما لا يتعلق بالنظام العام ، ويجوز الاتفاق بين الطرفين على ما يخالفها.

إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر طبقاً للقانون ، فإن المستأجر لا يستطيع الرجوع على الجهة المذكورة إلا إذا كان القانون أو اللائحة التي استندت إليها تعطي المستأجر الحق في التعويض ، وفي الحدود التي تقضي بها.

كما لا يحول بين المؤجر وبين طلب التعويض من الجهة الحكومية عما أصابه من ضرر في العين المملوكة له ومن رجوع المستأجر عليه .

(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  السابع  ، الصفحة/  532)

التعرض الصادر من جهة حكومية – لاشك في أن التعرض الصادر من جهة حكومية يعتبر صادراً من غير المؤجر ، ما لم يكن هذا قد تسبب في حدوثه ، كما إذا قصر المؤجر في ترميم البناء حتى اضطرت السلطة العامة الى إصدار قرار بهدمه ، أو إذا اتفق المؤجر مع جهة حكومية على أن تصدر قرار استيلاء على العين المؤجرة .

ولا يعتبر التعرض الصادر من جهة حكومية تعرضاً مبنياً على سبب قانوني إلا إذا كانت تلك الجهة تدعى لها على العين المؤجرة حقاً من الحقوق الخاصة التي يستند إليها الأفراد في تعرضهم أما إذا استندت الجهة الحكومية في ذلك الى ما لها من حقوق السلطة العامة ، فإن ذلك لا يكفي لاعتبار التعرض الصادر منها مبنياً على سبب قانوني في معنى المادة 571 فقرة ثانية (204 مكرر) ، كما إذا قررت نزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة أو استولت عليها وفقاً للقانون أو اذا صدر قانون بتحديد الأراضي التي تزرع قطناً وترتب عليه حرمان بعض المستأجرين من زراعة القطن هلاكاً كلياً أو جزئياً الانتفاع بالعين حرماناً نهائياً ، يكون بمثابة هلاك المنفعة محل التعاقد شبه ، ولكنهما تختلفان عنها في أن المستأجر يحرم فيهما من واذن يعد التعرض الصادر من جهة حكومية تعرضاً مادياً صادراً من الغير ، ويكون الأصل فيه أن لا يضمنه المؤجر ، ولكنه إذا ترتب عليه حرمان المستأجر نهائياً من الانتفاع بالعين المؤجرة كلها أو بعضها ، فانه يقول المستأجر الحق في طلب الفسخ أو نقص الأجرة حسبه الأحوال  تطبيقاً لقواعد تحمل تبعة هلاك النفعة .

وقد نصت على ذلك المادة 574 حيث قررت أنه إذا ترتب على عمل من جهة حكومية في حدود القانون نقص كبير في الانتفاع بالعين المؤجرة جاز للمستأجر تبعا للظروف أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الأجرة ، وله أن يطالب المؤجر بتعويضه إذا كان عمل الجهة الحكومية قد صدر لسبب يكون المؤجر مسئولاً عنه ، كل هذا ما لم يقض الاتفاق بغيره .

وظاهر من هذا النص أنه يطبق القواعد التي تقدمت في ش ان التعرض المادي الصادر من الغير ، فإذا ترتب على عمل الجهة الحكومية نقص في الانتفاع بسيط أو عابر ، فلا يكون للمستأجر رجوع على المؤجر ولا حق في طلب الفسخ أو نقص الأجرة ، ولكن يجوز له مطالبة الجهة الحكومية بتعويض عن هذا الضرر إذا توافرت شروط مسئوليتها عنه بأن كان العمل وقع منها مخالفاً للقوانين أو أساءت فيه استعمال سلطتها .

أما إذا نزعت العين من يد المستأجر أو حيل بينه وبين الانتفاع بها كلها أو بعضها بصفة نهائية ، لم يكن له مطالبة المؤجر بالضمان ولكن يجوز له طلب الفسخ أو نقص الأجرة ، ويجوز له فوق ذلك مطالبة الجهة الحكومية بالتعويض إذا كان عملها مخالفاً للقانون أو مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة كما تقدم وفي كلتا الحالين يكون عدم التزام المؤجر بالضمان مشروطاً بعدم تنسيب المؤجر في حدوث عمل الجهة الحكومية ، أو في تعريض المستأجر للأضرار الناشئة من هذا العمل ، وإلا فإن هذا العمل ينسب إليه ويقع عليه ضمانه بمعنى أنه يثبت للمستأجر قبله - فوق حقه في طلب الفسخ أو نقص الأجرة - الحق في تعويض الأضرار التي ترتبت على عمل الجهة الحكومية ويلاحظ أنه إذا كانت المادة 574 قد ذكرت حكم التعرض المصادر من جهة حكومية في حدود القانون ، فإن ذلك لا يفيد أن حكمها لا ينطبق في العلاقة فيما بين المؤجر و المستأجر في حالة وقوع عمل الجهة الحكومية «خلافاً للقانون» ، بل إن تطبيقه في هذه الحالة الأخيرة يكون أولى ، لأنه إذا كان العمل الذي تأتيه جهة الحكومة في حدود القانون يعتبر في حكم القوة القاهرة ولا يتعالى عنه المؤجر بل يتحمل تبعته فقط كما يتحمل تبعة القوة القاهرة ، فإن العمل الإستبدادي الذي تأتيه الحكومة خلافاً للقوانين يكون أولى بإعتباره قوة قاهرة ، ولا فرق بين الحالتين إلا في أنه في الحالة الأخيرة يثبت للمستأجر حق مطالبة الجهة الحكومية بتعويض عما أصابه من الضرر لأن عملها غير مشروع ، أما في الحالة الأولى فلا يكون له حق في تعويض إلا إذا كان القانون الذي وقع التعرض بناء عليه يخوله ذلك ، كما هو شأن قانون نزع الملكية المنافع العامة .

وكثيراً ما يتم التعرض المصادر من الجهة الحكومية في صورة رفض الترخيص للمستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة في مزاولة حرفة أو صناعة معينة أو في صورة سحب مثل هذا الترخيص منه بعد منحه اياه .

وفي هذه الأحوال لا يكون للمستأجر حق مطالبة المؤجر بالفسخ أو بنقص الأجرة ولا بالتعويض من باب أولى إذا كان رفض الترخيص راجعا الى عدم استيفاء المستأجر الشروط اللازمة للحصول على الترخيص .

وكذلك لا يكون له أي رجوع إذا كان الانتفاع الذي رفضت الجهة الحكومية الترخيص له فيه غير داخل في الانتفاع الذي يخوله إياه عقد الايجار ، كما اذا استأجر داراً سكنه الخاص فأراد استغلالها فندقاً ( أو بنسيوناً ) فرفضت جهة الإدارة الترخيص له في ذلك  .

أما إذا كان الإنتفاع الذي طلب المستأجر من أجله ترخیص جهة الإدارة هو الذي استأجر من أجله ، العين وكان ذلك ثابتا من العقد ذاته أو من ظروفه وكان المستأجر قد استوفى جميع الشروط اللازمة قانوناً للحصول على الترخيص المذكور ، فإن رفض هذا الترخيص يترتب عليه حرمان المستأجر من الإنتفاء المقصود بالاجارة كله أو بعضه حسب الأحوال ، فيجوز بناء على ذلك للمستأجر أن يطلب الفسخ أو نقص الأجرة ، ولكن لا يكون له حق في مطالبة المؤجر بالتعويض إلا إذا كان الأخير قد تعهد أن يحصل المستأجر على ترخيص جهة الإدارة له في هذا الانتفاع ، وحينئذ يكون للمؤجر الرجوع على جهة الإدارة بالتعويض إذا كان رفضها الترخيص مخالفاً للقانون أو مشوباً بإساءة استعمال السلطة.

الاتفاق على تعديل أحكام الضمان :

ينشأ الالتزام و بالضمان المنصوص عليه في المواد 571 و 572 و 574 مدني من عقد الإيجار ولو لم ينص عليه العقد ، فهو الضمان المقرر بحكم القانون .

غير أن هذه الأحكام مقررة لارادة العاقدين ويجوز الاتفاق على ما يخالفها ، فيجوز الاتفاق على تشديد التزام المؤجر بضمان تعرضه الشخصي أو على تخفيفه ، كأن يتفق على أنه اذا حدث أي تعرض من المؤجر جاز للمستأجر فسخ العقد ، أو أن يتفق بالعكس من ذلك على أن المستأجر لا يكون له حق الفسخ ما دام التعرض لا يحرمه من الانتفاع بالعين المؤجرة حرماناً كلياً ، وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المؤجر من التزامه بضمان تعرضه الشخصي (304) أو التعرض الذي يقم من أتباعه ، غير أن هذا الاتفاق لا يترتب عليه اعفاء المؤجر من ضمان الأفعال التي يأتيها هو عن غش أو عن خطأ جسيم (309) ، ولكن يجوز أن يترتب عليه أعضاء المؤجر من مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أتباعه إذا ثبت أن نية الطرفين انصرفت إلى ذلك ( المادة 217 فقرة ثانية ).

ويجوز أيضاً الاتفاق على تشديد ضمان المؤجر التعرض الصادر من الغير أو تخفيفه أو إعفائه منه ، كأن يتفق على أن يضمن المؤجر التعرض المادي الصادر من الغير ، أو أن يتفق على أنه لا يضمن تعرض الغير المبني على سبب قانونی .

وفي جميع الأحوال يجب تفسير هذه الاتفاقات بكل دقة ، ويكون تفسيرها عند الشك في مصلحة الطرف الذي يقع عليه عبئها ففي الاتفاق على تشديد ضمان المؤجر يفسر الشك لمصلحة المؤجر ، وفي الاتفاق على تخفيف ضمان المؤجر أو على إعفاء المؤجر من الضمان يفسر الشك لمصلحة المستأجر .

فاذا اتفق المؤجر مع المستأجر على أن لا يرجع هذا عليه إذا هو باع العين المؤجرة ، فلا يتعدى هذا الشرط على خلاف ذلك من الحوادث ، ولا يسرى حكمه بطريق القياس على حالة ما إذا انتزع المالك الحقيقى العين المؤجرة من يد المستأجر .

واذا اتفق على عدم الضمان بصيغة عامة ، فقد ذهب البعض الى وجوب تفسير هذا الاتفاق بأن المقصود به اتباع حكم القانون فيما يقضي به من عدم ضمان المؤجر التعرض المادي الصادر من الغير وبأنه لا يعفي المؤجر من ضمان تعرض الغير المبني على سبب قانوني إلا إذا نص الاتفاق على الإعفاء من هذا النوع من التعرض بالذات ، وكذلك فيما يتعلق بإعفاء المؤجر من ضمان تعرضه الشخصي ، ولكن الراجح أن مثل هذا الاتفاق يعفي المؤجر من الالتزام بالتعويض الذي يترتب على حصول التعرض للمستأجر ، ولكنه لا يسلب هذا الأخير حق طلب الفسخ أو نقص الاجرة لأن الفسخ نتيجة حتمية للحرمان من الانتفاع ولأن نقص الأجرة نتيجة طبيعية لنقص الانتفاع ، بل أن هذا الشرط لا يحرم المستأجر من كل حق في التعويض إلا إذا كان المؤجر لم يقع منه أي خطأ في القيام بالأعمال التى رخص له فيها وأعفي من ضمانها .

ويعتبر بمثابة الاتفاق على إعفاء المؤجر من الضمان علم المستأجر وقت العقد بالسبب الذي يحتمل أن يؤدي إلى حدوث التعرض ، وبخاصة إذا كان المؤجر غير عالم بذلك   .

وفي جميع الأحوال لا يحرم المستأجر من حقه في طلب الفسخ أو نقص الأجرة إلا إذا نص الاتفاق صراحة على ذلك . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن ، الصفحة/ 391)