مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 533
مذكرة المشروع التمهيدي :
نص المشروع ( م 782) على إلزام المستأجر إجراء الترميمات التأجيرية التي يقضي بها العرف، مما يفترض فيه أن خطة المستأجر أو أن الاستعمال المعتاد للعين قد اقتضاه وهذا بخلاف التقنين الفرنسي (م 1755)، فإنه يقضي بأن الترميمات التأجيرية لا تكون على المستأجر إذا كان السبب فيها هو قدم العين المؤجرة. وقد نقل المشروع الحكم الذي أخذ به عن التقنين البولوني (م 373 فقرة 2) وعن تقنين الالتزامات السويسري (م 263 فقرة 2) وهو حكم أيسر تطبيقاً من الناحية العملية.
1- مفاد نص المادة 582 من القانون المدني أن المستأجر ملتزم بكافة الترميمات التأجيرية التي جرى العرف بأن تكون على عاتقه، وإصلاح الأدوات الصحية واستبدال ما تلف منها يعتبر من قبيلها طالما كانت نتيجة خطأ المستأجر أو مما يفترض أن الإستعمال العادي للعين قد اقتضاه، لما كان ذلك فإنه وإن كان للمؤجر أن يلزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية عيناً، كما له أن يطلب الترخيص له فى إجرائها بنفسه على نفقة المستأجر إلا أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر مقابل نفقات هذه الترميمات متى اختار المستأجر القيام بها بنفسه.
(الطعن رقم 790 لسنة 46 جلسة 1978/11/22 س 29 ع 2 ص 1750 ق 337)
تنص المادة 582 من التقنين المدني على ما يأتي :
" يلتزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية التي يقضي بها العرف، ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك".
تحديد الترميمات التأجيرية :
المراد بالترميمات التأجيرية الترميمات البسيطة التي يقتضيها استعمال العين المؤجرة استعمالاً مألوفاً ويرجع في تحديد هذه الترميمات إلى العرف، كما يقضي صريح نص المادة 582 مدني سالفة الذكر فإذا لم يوجد عرف، عدت الترميمات تأجيرية إذا كانت الضرورة إليها تنشأ من استعمال العين الاستعمال المألوفة وقد سبق أن ميزنا بين هذه الترميمات التأجيرية وهي على المستأجر، والترميمات الضرورية للانتفاع بالعين وهي على المؤجر، والترميمات الضرورية لحفظ العين وهي على المؤجر ومن حقه في الوقت ذاته أن يجبر عليها المستأجر وإذا قام شك هل تعد الترميمات ترميمات تأجيرية فيلتزم بها المستأجر أو ترميمات ضرورية للانتفاع بالعين فيلتزم بها المؤجر، فإن هذا الشك يفسر لمصلحة المستأجر، لأن هو الملتزم، ولأن الأصل هو أن يقوم المؤجر بالترميمات يما عدا الترميمات التأجيرية البسيطة فتكون الترميمات التأجيرية استثناء والاستثناء لا يتوسع فيه.
ويعد من الترميمات التأجيرية، تأسيساً على ما قدمناه، إصلاح النوافذ والأبواب، ويدخل في ذلك ألواح الزجاج والأقفال والمفاتيح ويعد كذلك من الترميمات التأجيرية إصلاح البلاط إذا كان التلف ناشئاً من الاستعمال المألوف ويفرق القانون الفرنسي بين ما إذا كان البلاط كله مكسوراً فيفترض أن الكسر قد حصل من عيب في البلاط نفسه ويكون الإصلاح على المؤجر إلا إذا أثبت أن الكسر قد حصل بخطأ المستأجر فيكون الإصلاح عليه، وما إذا كان المكسور هو بعض البلاط فقط فيفترض أن الكسر قد حصل بخطأ المستأجر ويكون الإصلاح عليه إلا إذا اثبت ألا خطأ في جانبه فيكون الإصلاح على المؤجر ويمكن الأخذ بهذا التفريق في مصر، فيما عدا أن يكون المكسور هو بعض البلاط فلا يكفي ليكون الإصلاح على المؤجر أن يثبت المستأجر انعدام الخطأ من جانبه، بل يجب أن يثبت أن الكسر لا يرجع إلى الاستعمال المألوف وإنما يرجع إلى عيب في البلاط أو إلى قوة قاهرة ويعد من الترميمات التأجيرية الترميمات البسيطة اللازمة للأسقف، وللحيطان، وللمرايا المثبتة في المنزل، ولصنابير المياه ومواسير ودورات المياه والميازيب، وأجهزة الكهرباء والغاز والتكييف أما إذا كانت الترميمات اللازمة لشيء مما تقدم ترميمات كبيرة فإنها تكون على المؤجر، إلا إذا أثبت أنها حصلت بخطأ من المستأجر أو أحد تابعيه أما بياض الغرف وتجديد ألوانها، فقد كانت الفقرة الثانية من المادة 567 مدني تنص على إلزام المؤجر بها، ثم حذف هذا النص في مجلس النواب وأصبح الأمر موكولاً إلى العرف، فإن كان عرف البلد يقضي يجعل هذه الترميمات على أي من المؤجر أو المستأجر وجب عليه القيام بها، وإلا فهي على المستأجر إذا أراد القيام بها ولكنه لا يجبر عليها ويدخل أيضاً في الترميمات التأجيرية الترميمات البسيطة اللازمة للأراضي الزراعية، كتطهير الزرع والمساقي والمراوي والمصارف وصيانتها، والقيام بأعمال الصيانة المعتادة للطرق والجسور والقناطر والأسوار والآبار وجز الحشيش ونزع الأعشاب الضارة، والترميمات البسيطة التي يقتضيها الاستعمال المألوف بالنسبة إلى ملحقات الأرض الزراعية كزرابي المواشي والمخازن وبيوت الفلاحين وإذا كانت العين المؤجرة سيارة، فترميماتها التأجيرية هي الترميمات البسيطة اللازمة لأبواب السيارة ومقاعدها وعجلاتها وأجهزتها الميكانيكية والكهربائية، إذا كان هذه الترميمات ناشئة عن الاستعمال المألوف للسيارة أما الترميمات الكبيرة لشيء مما تقدم فهي على المؤجر، ما لم يثبت أنها نشأت بسبب خطأ المستأجر أو أحد تابعيه .
وإذا تعدد المستأجرون، فالترميمات التأجيرية اللازمة للأجزاء المشتركة في الاستعمال بينهم، كالباب الخارجي والسلم والفناء والسطح، تكون في رأي على المستأجرين تقسم فيما بينهم بنسبة استعمال كل منه لهذه الأجزاء المشتركة وتكون في رأي آخر – وهو الرأي الذي نفضله – على المؤجر، إذا لا أحد من المستأجرين يسيطر على هذه الأجزاء المشتركة، يمكن أن تكون هذه الترميمات قد تسبب فيها أجنبي لا صلة للمستأجرين به ومع ذلك يجوز جعلها على المستأجرين إذا اشترط المؤجر ذلك عليهم، أو قضي العرف به وإذا ثبت أن أحداً بالذات من المستأجرين هو الذي تسبب في هذه الترميمات بخطأه، فإنها تكون عليه وحده.
أما إجراء الأعمال اللازمة للسطح من تجصيص وبياض، ونزح الآبار. والمراحيض ومصاريف المياه، وإصلاح المصعد، وإجراء الترميمات الكبيرة في السلم وفي دورات المياه، فقد قدمنا أنها تكون على المؤجر، ما لم يثب هذا أنها حصلت بخطأ من المستأجر أو أحد تابعيه .
فيكون المستأجر إذن، في التقنين المصري، ملزماً بإجراء الترميمات التأجيرية حتى لو اثبت أنها ترجع إلى قدم العين المؤجرة أو إلى الاستعمال المألوف ولكنه يتخلص من هذا الالتزام إذا هو أثبت أن الترميمات ترجع إلى قوة قاهرة أو إلى عيب في العين المؤجرة، فعند ذلك تكون الترميمات على المؤجر ويلتزم بإجرائها لأنها ضرورية للانتفاع بالعين وعلى المؤجر أن يثبت، بجميع طرق الإثبات لأن الأمر يتعلق بواقعة مادية، أن العين حصل فيها ما يستلزم إجراء ترميمات ضرورية . فتكون هذه الترميمات على المستأجر، إلا إذا اثبت أنها إنما نشأت من عيب في العين المؤجرة أو من قوة قاهرة فتكون على المؤجر .
والتزام المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية ليس من النظام العام، فيجوز الاتفاق على تشديد هذا الالتزام وعلى تخفيفه وعلى الإعفاء منه، والنص صريح في هذا المعنى، إذ تقول العبارة الأخيرة من المادة 582 مدني : " ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك" ومن ثم يجوز للمؤجر أن يشترط على المستأجر أن يقوم بجميع الترميمات التأجيرية ولو كانت ناشئة عن عيب في العين المؤجرة أو عن قوة قاهرة .كذلك يجوز للمستأجر أن يتشرط على المؤجر ألا يقوم بالترميمات التأجيرية إذا كانت ترجع إلى القدم أو إلى الاستعمال المألوف، أو ألا يقوم بها أصلا حتى لو نشأت عن خطأه، ما لم تكن ناشئة عن خطأه الجسيم، أو عن فعله العمد .ولكن يجوز للمستأجر أن يشترط إعفاءه من الالتزام حتى لو كانت الترميمات ناشئة عن خطأ جسيم أو عن فعل عمد صادر من أحد تابعيه وليس في هذا كله إلا تطبيق للقواعد العامة ولا يجوز التوسع في تفسير هذه الشروط الخاصة، وعند الشك تفسر ضد من وجد الشرط لمصلحته فإذا اشترط المؤجر على المستأجر أن يقوم بالترميمات ولم يحدد نوعها، انصرف ذلك إلى الترميمات التأجيرية دون غيرها، وكان الشرط مجرد تأكيد للقواعد العامة والشرط القاضي على المستأجر بالقيام بجميع الترميمات التأجيرية لا يتضمن الترميمات التي ترجع إلى عيب في العين المؤجرة، إلا إذا ذكر ذلك صراحة في الشرط والشرط القاضي بألا يقوم المستأجر بالترميمات التأجيرية لا يعفيه من القيام بهذه الترميمات إذا نشأت عن خطأه، ما لم يشترط صراحة إعفاءه من ذلك.
وتنص على ذلك صراحة الفقرة الأولى من المادة 614 مدنی أن تقول : على المستأجر أن يقوم باجراء الإصلاحات التي يقتضيها الانتفاع المألوف بالأرض المؤجرة، ويلتزم بوجه خاص بتطهير وصيانة الترع والمساقي والراوي والمصارف، وكذلك القيام بأعمال الصيانة المعتادة للطرق والجسور والقناطر والأسوار والآبار والمباني المعدة للسکنی أو للاستغلال، كل هذا ما لم يقض الاتفاق أو العرف بغيره .((الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/السادس،الصفحة/ 731)
والمراد بالترميمات التأجيرية الإصلاحية البسيطة التي يتطلبها الاستعمال العادي للعين كإصلاح النوافذ والأبواب وألواح الزجاج والمفاتيح والترميمات البسيطة للأسقف والحيطان وصنابير المياه ومواسيرها وأسلاك الكهرباء والغاز أما بیاض الغرف فيرجع فيها للعرف فإن كان على المستأجر فلا يجبر عليه في الأراضي الزراعية تطهير المساقى والمصارف ونزع الأعشاب الضارة و الترميمات البسيطة لملحقاتها كالزرابي وبيوت الفلاحين، وإن كانت العين سيارة فترميماتها التأجيرية الإصلاح البسيط للأبواب والمقاعد والعجلات والأجهزة أما الترميمات الكبيرة فعلى المؤجر ما لم يثبت أنها بسبب خطأ المستأجر أو تابعه، ويجوز الاتفاق على إعفاء المستأجر من الترميمات التأجيرية فيلتزم بها المؤجر، ويلتزم المستأجر بهذه الترميمات وللمؤجر إلزامه بها ولا يجوز للمستأجر عرض تعویض بدلاً من التنفيذ، ويكون إلزامه بالتنفيذ العيني تحت التهديد المالي، وللمؤجر القيام بها على نفقة المستأجر بإذن القضاء وللمؤجر إن لم يطلب التنفيذ العيني أن يطلب الفسخ وغالباً لا تجيبه المحكمة لهذا الطلب وتكتفي بالتعويض ويدخل فيه مصروفات الترميم والدعوى وأتعاب الخبير وما قد يصيب العين من ضرر، وإذا لم يطلب المؤجر التنفيذ العينى أو التعويض بعد علمه فقد يكون ذلك نزولاً ضمنياً عن الرجوع على المستأجر ويلتزم المؤجر بالترميمات اللازمة للمنافع المشتركة کالمدخل.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن، الصفحة/22)
الترميمات التأجيرية هي الترميمات البسيطة التي يقتضيها الاستعمال العادي للعين المؤجرة من جانب المستأجر أو الأشخاص الذين يسمح لهم بمشاركته استعمال العين أو التي يؤدي إليها خطأ المستأجر أو من يشاركه استعمال العين، إذ يفترض أنها راجعة إلى استعمال المستأجر العين المؤجرة.
ويرجع في تحديد هذه الترميمات التأجيرية إلى العرف عملاً بصريح نص المادة.
يلتزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية، سواء أكانت الحاجة إليها ناشئة عن الاستعمال المألوف أو عن قدم العين المؤجرة، أو كانت مترتبة على خطأ المستأجر أو خطأ تابعيه أو من يقيمون معه.
لا يلزم المستأجر بإجراء الترميمات التأجيرية في الحالتين الآتيتين:
1- أن يكون من مقتضى العرف الجاري عدم قيام المستأجر بالترميم فالمستأجر لا يلتزم بإجراء كل ما يعتبر من الترميمات التأجيرية ولكن يلتزم فقط بإجراء ما يقضي به العرف منها وفي هذه الحالة لا يكون لخلع صفة الترميم التأجيري على الإصلاح من أثر إلا عدم إلزام المؤجر بالقيام به ومن ثم فإن هذا النوع من الترميم التأجيرى لا يلزم به المؤجر ولا المستأجر ومثال ذلك بياض الغرف وتجديد ألوانها ودهان أرضيتها، فهو ترميم تأجيرى لا يلتزم به المؤجر، ولا يجبر المستأجر أيضاً على إجرائه لكون العرف قد سار على عدم إلزامه به.
2- إذا كانت الترميمات نتيجة سبب أجنبي أدى إلى ذلك، كما لو كانت بسبب خطأ المؤجر أو خطأ أتباعه، أو بسبب القوة القاهرة كریح شديدة أدت إلى تحطيم زجاج نافذة مثلاً، لأنه في هذه الحالة لا يقوم شك في أن التلف الذي استدعى الترميم لم ينجم عن الاستعمال العادي للعين ولا عن خطأ المستأجر، وبهذا يتخلف أساس تحمل المستأجر بالترميم التأجيری.
ويقع عبء إثبات حصول التلف نتيجة السبب الأجنبي على المستأجر.
ويلاحظ أنه في حالة القوة القاهرة لا يلتزم المؤجر ولا المستأجر بإجراء الترميم.
3- اتفاق المؤجر والمستأجر على إعفاء الأخير من التزامه بإجراء الترميمات التأجيرية.
وإجراء الترميمات التأجيرية - فيما عدا ما يجري العرف من عدم التزام المستأجر به - هو واجب عليه، فإذا لم يقم به اعتبر مقصراً في الوفاء بالتزام مترتب في ذمته، وتحمل بالمسئولية.
غير أن هذا لا يمنع المحكمة إذا رأت أن ليس للمؤجر مصلحة في اقتضاء الالتزام بالترميم قبل انتهاء الإيجار أن تمهل المستأجر إلى وقت انتهاء الايجار وذلك طبقاً للقواعد العامة، ومثال ذلك أن يكون التلف الذي أصاب العين بسيطاً ليس من شأن التراخي في إصلاحه أن يؤدي إلى تفاقمه .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع،الصفحة/ 616)
فنص في المادة 582 مدنی على ان (يلتزم المستأجر بإجراء "الترميمات التأجيرية" التي يقضي بها العرف، ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك ). ويلاحظ أن المشرع المصري لم يحذ حذو المشرع الفرنسي في النص على اعفاء المستأجر من الترميمات التأجيرية إذا كانت الحاجة إليها ناشئة عن قدم العين أو عن قوة قاهرة غير أن الإعفاء فيما يتعلق بالقوة القاهرة يرجع فيه إلى المؤجرة، فقد آثر المشرع المصرى ألا يجعل منه سبباً لإعفاء المستأجر من الترميمات التأجيرية لصعوبة تعيين «قدم العين المؤجرة» وما يصح أن ينسب إليه من التلف الذي يصيب هذه العين، ولمنع الكثير من المنازعات التي يمكن أن تنشأ بسبب ذلك، وقالت المذكرة الإيضاحية في ذلك أن التقنين الجديد قد أخذ بهذا الحكم لأنه أيسر تطبيقاً من الناحية العملية، وان له مثيلا في التقنين البولوني وتقنين الالتزامات السويسري.
ويشترط في إلزام المستأجر بالترميمات التأجيرية ( أولاً ) أن يكون هناك عرف يقضي بذلك لأن النص لا يلزم المستأجر بكافة الترميمات التأجيرية بل يقصر هذا الالتزام على الترميمات التي جرى العرف بأن تكون على عاتق المستأجر، (ثانياً) أن لا يكون هناك اتفاق على اعفاء المستأجر منها ( المادة 582).
ويمكن القول بأن العرف جرى بأن الترميمات التأجيرية التي تحتاجها المرافق المشتركة بين عدة مستأجرين كبئر السلم وسطح البناء لا يلزم هؤلاء بها، إلا من يكون منهم قد تسبب في الحاجة إليها بخطئه، ولكن المؤجر أيضاً لا يلزم بها ولا يمكن إجباره عليها، وكذلك يمكن القول بأن العرف جرى بأن لا يلزم المستأجر ببياض الغرف وتجديد ألوانها، مع أن ذلك يعتبر من الترميمات التأجيرية التي لا يلزم بها المؤجر، ولذلك لا يستطيع أحد الطرفين أن يلزم الآخر بإجراء هذه الترميمات .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 489)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 200
ثَانِيًا: وَضْعُ الْكَدِكِ فِي الأْمْلاَكِ الْخَاصَّةِ:
8 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْكَدِكُ الْمُسَمَّى بِالسُّكْنَى قَائِمًا فِي أَرْضِ وَقْفٍ، فَلِصَاحِبِهِ اسْتِبْقَاؤُهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْكَدِكُ فِي الْحَانُوتِ الْمِلْكِ، فَلِصَاحِبِ الْحَانُوتِ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُسْتَأْجِرَ بِرَفْعِ الْكَدِكِ
لأِنَّ الإْجَارَةَ تَنْتَهِي بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلاَ يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ إِجْمَاعًا .
وَالْفَرْقُ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ - أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ يَمْتَنِعُ صَاحِبُهُ عَنْ إِيجَارِهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْكُنَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يُعَطِّلَهُ، بِخِلاَفِ الْمَوْقُوفِ الْمُعَدِّ لِلإْيجَارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إِلاَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، فَإِيجَارُهُ مِنْ ذِي الْيَدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْلَى مِنْ إِيجَارِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، لِمَا فِيهِ مِنَ النَّظَرِ لِلْوَقْفِ وَلِذِي الْيَدِ .
قَالَ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ: إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِلْكًا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا كَذَلِكَ إِنْ أَبَى الْمَالِكُ إِلاَّ الْقَلْعَ، بَلْ يُكَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الأْغْرَاسِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الأْرْضِ فَإِذَنْ لاَ يُكَلِّفُهُ عَلَيْهِ بَلْ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَةَ الأْرْضِ لِلْمَالِكِ، فَتَكُونُ الأْغْرَاسُ وَالأْرْضُ لِلْغَارِسِ، وَفِي الْعَكْسِ يَضْمَنُ الْمَالِكُ لِلْغَارِسِ قِيمَةَ الأْغْرَاسِ فَتَكُونُ الأْرْضُ وَالأْشْجَارُ لَهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْعَارِيَّةِ .
قَالَ الأْتَاسِيُّ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْقَوْلِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ بَنَى أَوْ غَرَسَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ؛ لأِنَّهُ يَكُونُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ.. وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ أَوِ الْغَرْسُ بِدُونِ إِذْنِ مَالِكِ الأْرْضِ ، فَلَيْسَ إِلاَّ الْقَلْعُ أَوْ تَخْيِيرُ الْمَالِكِ بَيْنَ تَكْلِيفِهِ بِهِ أَوْ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ، إِنْ كَانَ الْقَلْعُ يَضُرُّ بِالأْرْضِ؛ لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ .
أَمَّا وَضْعُ الْكَدِكِ الْمُتَّصِلِ اتِّصَالَ قَرَارٍ قَصْدًا بِتَعَاقُدٍ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَصَاحِبِ الْحَانُوتِ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّ الْقَرَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إِخْرَاجَ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُ وَلاَ إِجَارَتَهُ لِغَيْرِهِ .
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ قَالَ عُلَيْشٌ: إِنَّ الْخُلُوَّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدِكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الْخُلُوُّ إِنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْمِلْكِ، قِيلَ لَهُ: إِذَا صَحَّ فِي وَقْفٍ فَالْمِلْكُ أَوْلَى لأِنَّ الْمَالِكَ يَفْعَلُ فِي مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ، نَعَمْ بَعْضُ الْجَدِكَاتِ بِنَاءٌ أَوْ إِصْلاَحُ أَخْشَابٍ فِي الْحَانُوتِ مَثَلاً بِإِذْنٍ وَهَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْخُلُوِّ ظَاهِرٌ، خُصُوصًا وَقَدِ اسْتَنَدُوا فِي تَأْبِيدِ الْحَكْرِ لِلْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ حَاصِلٌ فِي الْجَدِكِ، وَبَعْضُ الْجَدِكَاتِ أُمُورٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي الْمَكَانِ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ فِيهِ، كَمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَحَوَانِيتِ الْقَهْوَةِ بِمِصْرَ، فَهَذِهِ بَعِيدَةُ الْخَلَوَاتِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلْمَالِكِ إِخْرَاجَهَا .
وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى نَصٍّ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِخُصُوصِ إِقَامَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الْجَدِكَ فِي الْحَانُوتِ الْمِلْكِ، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي اسْتِئْجَارِ الأْرْضِ لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ، أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ مِلْكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَالأْرْضَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهَا.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: غِرَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يَقْلَعْهُ الْمَالِكُ فَلِلْمُؤَجِّرِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ لأِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ قَلْعَهُ بِدُونِ ضَمَانِ نَقْصِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اسْتَأْجَرَ لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَلْعَ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ الْقَلْعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ أَرْشُ النُّقْصَانِ، وَلاَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَسْوِيَةُ الأْرْضِ ، وَلاَ أَرْشُ نَقْصِهَا، لِتَرَاضِيهِمَا بِالْقَلْعِ، وَلَوْ شَرَطَا الإْبْقَاءَ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْعَقْدُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الإْمَامِ وَالْبَغَوِيِّ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لأِنَّ الإْطْلاَقَ يَقْتَضِي الإْبْقَاءَ، فَلاَ يَضُرُّ شَرْطُهُ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ، وَيَتَأَيَّدُ بِهِ كَلاَمُ السَّرَخْسِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ، لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ.. أَمَّا إِذَا أَطْلَقَا، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْقَلْعُ وَالرَّفْعُ بِلاَ نَقْصٍ فُعِلَ، وَإِلاَّ، فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ مَلَكَهُ.. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرِ الْقَلْعَ، فَهَلْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَقْلَعَهُ مَجَّانًا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ، وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا؛ لأِنَّهُ بِنَاءٌ مُحْتَرَمٌ، وَالثَّانِي: نَعَمْ..، وَإِذَا انْتَهَى الأْمْرُ إِلَى الْقَلْعِ، فَمُبَاشَرَةُ الْقَلْعِ، أَوْ بَدَلُ مَئُونَتِهِ هَلْ هِيَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ لأِنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ، أَمْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لأِنَّهُ شَغَلَ الأَْرْضَ فَلْيُفْرِغْهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي .
بَيْعُ الْكَدِكِ:
10 - إِذَا ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْقَرَارِ فِي حَانُوتِ الْوَقْفِ، فَالْكَدِكُ الَّذِي يَضَعُهُ فِيهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَيَكُونُ لِهَذَا الْمُسْتَأْجِرِ بَيْعُ مَا وَضَعَهُ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ قَالَ الْمَهْدِيُّ الْعَبَّاسِيُّ: فَإِنْ أَحْدَثَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ إِذْنِ النَّاظِرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَحِينَئِذٍ لاَ حَاجَةَ إِلَى تَكَلُّفِ الإْسْقَاطِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ إِجَارَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا، وَلاَ إِلَى اسْتِئْجَارِ الأْجْنَبِيِّ مِنَ النَّاظِرِ، بَلْ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْمَذْكُورِ بَيْعُ مَا أَحْدَثَهُ مِنَ الأْجْنَبِيِّ ، فَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ أَجْرُ مِثْلِ الأْرْضِ خَالِيَةً عَمَّا أَحْدَثَ فِيهَا .
وَجَاءَ فِي مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: الْكَدِكُ الْمُتَّصِلُ بِالأْرْضِ بِنَاءً وَغِرَاسًا أَوْ تَرْكِيبًا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ هُوَ أَمْوَالٌ مُتَقَوَّمَةٌ، تُبَاعُ وَتُورَثُ، وَلأِصْحَابِهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَلَهُمُ اسْتِبْقَاؤُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ .
هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا إِذْ إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَقِيسُونَ الْجَدِكَ الْمُتَّصِلَ اتِّصَالَ قَرَارٍ عَلَى الْخُلُوِّ، قَالَ عُلَيْشٌ: بَعْضُ الْجَدِكَاتِ بِنَاءٌ أَوْ إِصْلاَحُ أَخْشَابٍ فِي الْحَانُوتِ مَثَلاً بِإِذْنٍ وَهَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْخُلُوِّ ظَاهِرٌ .
وَالْخُلُوُّ يَصِيرُ كَالْمِلْكِ يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَالإْجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ وَالإْرْثُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 16
مُؤْنَةُ الْمُسْتَأْجَرِ أَثْنَاءَ الإْجَارَةِ :
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مُؤْنَةَ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ كَعَلَفِ الدَّابَّةِ وَسَقْيِهَا تَكُونُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَثْنَاءَ مُدَّةِ الإْجَارَةِ ؛ لأِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى التَّمْكِينِ، فَكَانَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّفْصِيلِ كَمَا يَلِي:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الآْجِرِ عَيْنًا كَانَتْ أَوْ مَنْفَعَةً، وَعَلَفَ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَسَقْيَهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ؛ لأِنَّ هَا مِلْكُهُ، فَإِنْ عَلَفَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، لاَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ .
وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ طَعَامُ الأْجِيرِ إِلاَّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ، أَوْ يَكُونَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ حُكْمَ مَا إِذَا شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الطَّعَامَ أَوِ الْعَلَفَ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا: كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَفُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: كُلُّ إِجَارَةٍ فِيهَا رِزْقٌ أَوْ عَلَفٌ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إِلاَّ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكُسْوَتِهَا - كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ .
وَإِذَا اكْتَرَى رَجُلٌ حِمَارًا فَعَيِيَ فِي الطَّرِيقِ، فَأَمَرَ الْمُكْتَرِي رَجُلاً أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْحِمَارِ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ، فَإِنْ عَلِمَ الْمَأْمُورُ أَنَّ الْحِمَارَ لِغَيْرِ الآْمِرِ لاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى أَحَدٍ؛ لأِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمَأْمُورُ أَنَّ الْحِمَارَ لِغَيْرِ الآْمِرِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الآْمِرِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلِ الآْمِرُ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ .
7 - وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ اشْتِرَاطَ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، جَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: جَازَ كِرَاءُ الدَّابَّةِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُكْتَرِي عَلَفَهَا، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ إِبِلاً مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ رِحْلَتَهَا، أَوْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً بِعَلَفِهَا أَوْ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ تُوصَفِ النَّفَقَةُ؛ لأِنَّهُ مَعْرُوفٌ، قَالَ مَالِكٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ أَجَلاً مَعْلُومًا بِطَعَامِهِ فِي الأْجَلِ أَوْ بِكِسْوَتِهِ فِيهِ .
وَجَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ أَيْضًا: وَإِذَا اكْتَرَيْتَ مِنْ رَجُلٍ إِبِلَهُ، ثُمَّ هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا فِي يَدَيْكَ، فَأَنْفَقْتَ عَلَيْهَا فَلَكَ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِنِ اكْتَرَيْتَ مَنْ يَرْحَلُهَا رَجَعْتَ بِكِرَائِهِ، وَتَأَوَّلَ أَبُو إِسْحَاقَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْعَادَةِ أَنَّ رَبَّ الإْبِلِ هُوَ الَّذِي يَرْحَلُهَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالأْظْهَرُ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ: أَنْ يَلْزَمَ الْمُكْرِيَ الْبَرْذعَةُ وَالسَّرْجُ وَنَحْوُهُمَا، لاَ مُؤْنَةُ الْحَطِّ وَالْحَمْلِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ بَأْسَ بِإِجَارَةِ الظِّئْرِ عَلَى إِرْضَاعِ الصَّبِيِّ، وَلاَ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ غَيْرُ مَا اسْتَأْجَرَهَا بِهِ مِنْ أُجْرَةٍ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ طَعَامُهَا وَكُسْوَتُهَا، فَذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَطَعَامُهَا وَكُسْوَتُهَا عَلَى قَدْرِهَا وَقَدْرِ هَيْئَتِهَا وَقَدْرِ أَبِي الصَّبِيِّ فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَعَامُ الأْجِيرِ وَحْدَهُ هُوَ الأْجْرَةَ أَوْ مَعَ دَرَاهِمَ .
8 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: عَلَى الْمُكْرِي عَلَفُ الظَّهْرِ وَسَقْيُهُ؛ لأِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى التَّمْكِينِ فَكَانَ عَلَيْهِ، وَمَنِ اكْتَرَى جِمَالاً فَهَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي فَلاَ فَسْخَ لَهُ وَلاَ خِيَارَ، بَلْ إِنْ شَاءَ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ رَفَعَ الأْمْرَ إِلَى الْقَاضِي؛ لِيُمَوِّنَهَا الْقَاضِي وَيُمَوِّنَ مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَمَّالِ مَالٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجِمَالِ فَضْلٌ، اقْتَرَضَ الْقَاضِي عَلَى الْجَمَّالِ مِنَ الْمُكْتَرِي أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ وَثِقَ الْقَاضِي بِالْمُكْتَرِي دَفَعَ مَا اقْتَرَضَهُ إِلَيْهِ، وَإِنِ اقْتَرَضَهُ مِنْهُ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ جَعَلَ الْقَاضِي مَا اقْتَرَضَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهَا.
وَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْقَاضِي مَالاً يَقْتَرِضُهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنَ الْجِمَالِ قَدْرَ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ يَتَعَهَّدُهَا، وَإِذَا كَانَ فِي الْجِمَالِ الْمَتْرُوكَةِ زِيَادَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلاَ يَقْتَرِضُ الْقَاضِي عَلَى الْجِمَالِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ، بَلْ يَبِيعُ الْفَاضِلَ عَنِ الْحَاجَةِ.
وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْمُكْتَرِي فِي الإْنْفَاقِ عَلَى الْجِمَالِ، وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا، جَازَ فِي الأْظْهَرِ، كَمَا لَوِ اقْتَرَضَ ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ، وَلأِنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ، فَقَدْ لاَ يَجِدُ الْقَاضِي مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لاَ يَرَاهُ، وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ الْمَنْعُ وَيُجْعَلُ مُتَبَرِّعًا.
وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ وَيُعْتَبَرُ مُتَبَرِّعًا، لَكِنْ مَحَلُّ هَذَا إِذَا أَمْكَنَ إِذْنُ الْحَاكِمِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِذْنُ الْحَاكِمِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ، أَوْ عَسُرَ إِثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ، فَأَنْفَقَ وَأَشْهَدَ عَلَى مَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ رَجَعَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ إِذَا ادَّعَى نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ؛ لأِنَّهُ أَمِينٌ .
وَإِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَمُؤْنَةُ الدَّلِيلِ وَسَائِقِ الدَّابَّةِ وَأُجْرَةِ الْخَفِيرِ عَلَى الْمُكْرِي؛ لأِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ التَّحْصِيلِ، وَإِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ عَلَى ظَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى الْمُكْتَرِي؛ لأِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِي تَسْلِيمُ الظَّهْرِ وَقَدْ فَعَلَ .
وَطَعَامُ الْمُرْضِعَةِ وَشَرَابُهَا عَلَيْهَا، وَعَلَيْهَا أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ مَا يُدَرُّ بِهِ اللَّبَنُ وَيَصْلُحُ بِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُطَالِبَهَا بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى التَّمْكِينِ مِنَ الرِّضَاعِ، وَفِي تَرْكِهِ إِضْرَارٌ بِالصَّبِيِّ .
9 - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلإِْنْفَاقِ عَلَى الْجِ مَالِ الَّتِي تَرَكَهَا الْمُكْرِي عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ وَحِينَئِذٍ يَرْفَعُ الْمُسْتَأْجِرُ الأْمْرَ لِلْقَاضِي لِيَقْتَرِضَ لَهُ، أَوْ لِيَأْذَنَ لَهُ فِي الإْنْفَاقِ ، وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْمُكْرِي، وَفِي الإْنْفَاقِ عِنْدَ
عَدَمِ الْحَاكِمِ مَعَ الإْشْهَادِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ التَّفْصِيلِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، أَوْ جَعَلَ لَهُ أَجْرًا وَشَرَطَ طَعَامَهُ وَكُسْوَتَهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهم أَنَّهُمُ اسْتَأْجَرُوا الأْجَرَاءَ بِطَعَامِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الظِّئْرِ دُونَ غَيْرِهَا، وَاخْتَارَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لأِنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الظِّئْرِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ( فَأَوْجَبَ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ عَلَى الرِّضَاعِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ بِحَالٍ لاَ فِي الظِّئْرِ وَلاَ فِي غَيْرِهَا.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى رِوَايَةِ جَوَازِ اسْتِئْجَارِ الأْجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ بِمَا رَوَى عُتْبَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَرَأَ: (طسم ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ قِصَّةَ مُوسَى قَالَ: «إِنَّ مُوسَى صلي الله عليه وسلم آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ أَوْ عَشْرًا عَلَى عِفَّةِ فَرْجِهِ وَطَعَامِ بَطْنِهِ»
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ أَيْضًا: وَإِنْ شَرَطَ الأْجِيرُ كُسْوَةً مَعْلُومَةً وَنَفَقَةً مَوْصُوفَةً كَمَا يُوصَفُ فِي السَّلَمِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ طَعَامًا وَلاَ كُسْوَةً فَنَفَقَتُهُ وَكُسْوَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ.
وَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَلَفِهَا أَوْ بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَعَلَفِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لأِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَلاَ عُرْفَ لَهُ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ مَوْصُوفًا فَيَجُوزُ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أُجْرَةُ الدَّلِيلِ تَكُونُ عَلَى الْمُكْتَرِي؛ لأِنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنِ الْبَهِيمَةِ الْمُكْتَرَاةِ وَآلَتِهَا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالزَّادِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ اكْتَرَى مِنْهُ بَهِيمَةً بِعَيْنِهَا فَأُجْرَةُ الدَّلِيلِ عَلَى الْمُكْتَرِي؛ لأِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الظَّهْرَ وَقَدْ سَلَّمَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ عَلَى حَمْلِهِ إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ عَلَى الْمُكْرِي؛ لأِنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ إِيصَالِهِ إِلَيْهِ وَتَحْصِيلِهِ فِيهِ .
____________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (530) الإنشاءات التي أنشاها المستأجر بإذن المؤجر
التعميرات التي أنشاها المستأجر بإذن الآجر إن كانت عائدة لإصلاح المأجور وصيانته عن تطرق الخلل كتنظيم القرميد (وهو نوع آجر يوضع على السطوح لحفظها من المطر) فالمستأجر يأخذ مصروف مثل هذه التعميرات من الآجر وان لم يجر بينهما شرط على أخذه، وإن كانت عائدة لمنافع المستأجر فقط كتعمير المطابخ فليس للمستأجر أخذ مصروفها ما لم يذكر شرط أخذه بينهما.
مادة (561) نفقة المأجور
نفقة المأجور على الآجر. مثلاً علف الدابة التي استكريت وإسقاؤها على صاحبها ولكن لو أعطي المستأجر علف الدابة بدون إذن صاحبها تبرعا ليس له اخذ ثمنه من صاحبها بعد.
مادة (532) إزالة التراب والزبل
إزالة التراب والزبل الذي يتراكم في مدة الإجارة والتطهير على المستأجر.