مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 533
مذكرة المشروع التمهيدي :
حدد المشروع العناية الواجبة في المحافظة على العين المؤجرة بأنها عناية الشخص المعتاد ، وذلك تطبيقاً للمادة 288 من المشروع ، فهو مسئول عما يصيب العين من التلف ، إلا إذا أثبت أن هذا التلف لم ينشأ عن خطئه أو عن خطأ تابعيه ، ويكفي في ذلك أن يثبت أنه قام بالعناية المطلوبة منه ، فإن كان التلف يرجع إلى استعمال الشيء استعمالاً مألوفا فلا يكون مسئولاً عنه ، وهذا لا يمنع من أن يقوم بالترميمات التأجيرية التي اقتضاها الاستعمال المألوف للشيء ، فهي عليه كما تقدم ، فإذا لم يقم بها فإنه لا يجب عليها ، ولكن لا يلزم بها المؤجر ، أما التقنين الحالي ( م 376 / 461) فيلزم المستأجر بالعناية بالعين اعتنائه بملكه ، فالمعيار في هذا التقنين شخصي لا مادی .
1- إذ كانت مسئولية المستأجر فى المحافظة على العين وفى استعمالها الاستعمال المألوف - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تقتص
مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 537
مذكرة المشروع التمهيدي :
طبق المشروع عناية الشخص المعتاد على مسئولية المستأجر في حالة الحريق ، فعله مسئولاً إلا إذا أثبت أن الحريق لم ينشأ بخطئه أو خطأ تابعيه ، فإذا لم يستطع إثبات ذلك كان مسئولاً عن التعويض مسئولية تعاقدية ، فإذا تعدد المستأجرون كان كل منهم مسئولاً بنسبة الجزء الذي يشغله ( وفيهم المؤجر إن كان مقيما في العقار ) ولا تضامن بينهم لأن المسئولية تعاقدية ، أما إذا أثبت أن النار بدأ شوبها في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين انتفت مسئولية غيره ، وأصبح وحده هو المسئول.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 784 من المشروع واقترح بعض تعديلات تجعل الحكم أدق و أوضح فوافقت اللجنة و أصبح نصها ما يأتي :
(1) المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا بد له فيه.
(2) فإذا تعدد المستأجرون العقار واحد كان كل منهم مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله بما فيهم المؤجر إن كان مقيماً في العقار ، هذا ما لم يثبت أن النار ابتدء شوبها في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين فيكون وحده مسئولاً عن الحريق .
وأصبح رقم المادة 613 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 612
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة بعد استبدال عبارة . ويتناول ذلك المؤجر، بعبارة " بما
فيهم المؤجر" الواردة في الفقرة الثانية ، تحت رقم 584
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
ر على أعماله الشخصية بل تمتد أيضا إلى أعمال تابعيه وكل شخص تكون له صلة بالمستأجر هى التى مكنت له من الأضرار بالعين المؤجرة فيكون من أتباع المستأجر أهل بيته من زوجته وأولاد وأقارب يسكنون معه أو يستضيفهم وكذلك خدمه وعماله والمستأجر من الباطن والمتنازل له عن الإيجار وكانت المادة 378 من القانون المدنى القديم تنص على ذلك بقولها " يجب على المستأجر حين انتهاء عقد الإيجار أن يرد ما استأجره بالحالة التى هو عليها بغير تلف حاصل من فعل مستخدميه أو من فعل من كان ساكنا معه أو من فعل المستأجر الثانى إلا إذا وجد شرط يخالف ذلك " ولئن لم يتضمن التقنين المدنى الحالي نصا مماثلاً إلا أن ذلك لم يقصد به حذف الحكم الوارد بالتقنين المدنى القديم وإنما لأنه من القواعد العامة التى لا تحتاج إلى نص خاص ولا تنتفي هذه المسئولية إلا إذا أثبت السبب الأجنبى ولا يكفى أن يثبت أنه قد بذل العناية الواجبة فى رقابة هؤلاء الأتباع فالتزامه هنا التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية وهو التزام بضمان يكون المستأجر بموجبه مسئولا بمجرد تحقق سبب الضمان .
(الطعن رقم 545 لسنة 57 جلسة 1992/12/24 س 43 ع 2 ص 1376 ق 281)
2- يدل نص المادتين 583 ، 1/584 من القانون المدنى على أن المستأجر يلتزم بحفظ العين المذكورة ورعايتها باذلاً فى ذلك عناية الرجل المعتاد وأنه مسئول عما يصيبها من تلف أو هلاك أو حريق ناشىء عن إستعمالها إستعمالاً غير مألوف ، وأن مسئوليته هذه مفترضة ولا ترتفع إلا إذا أثبت أن التلف أوالهلاك أوالحريق نشأ عن سبب أجنبى لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو خطأ المؤجر أو عيب العين المؤجرة و يترتب على ذلك أن القاعدة العامة أن مجرد وجود التلف أوالهلاك فى العين المؤجرة يقيم قرينة على وقوعه بخطأ المستأجر ، و يتحمل المسئولية عنه ، ما لم يثبت إنتفاء خطئه عن التلف أو الهلاك .
(الطعن رقم 830 لسنة 49 جلسة 1984/11/29 س 35 ع 2 ص 1952 ق 371)
3- إذ كان الواقع فى الدعوى أن المطعون ضده بصفته رفعها مطالباً بالتعويض عن فقد اللنش نتيجة العمليات الحربية إستناداً إلى البند الثانى من عقد الإيجار المبرم بينه و بين الطاعن الثانى بصفته والذى نعى على أن يكون للمطعون ضده الحق فى التعويض عن فقد أو إصابة إحدى الوحدات المؤجرة أو أفراد طاقمها نتيجة العمليات الحربية وهذا النص الذى يشترط فيه المؤجر على المستأجر مسئولية الأخير عن تلف العين المؤجرة أو هلاكها لسبب أجنبى هو العمليات الحربية صحيح فى القانون طبقاً لما يقضى به نصا الفقرة الثانية من المادة 583 و الفقرة الأولى من المادة 211 من القانون المدنى و من ثم فلا تكون المطالبة على مقتضاه أساسها الإعانة المقررة بالقانون رقم 44 لسنة 1976 و إنما أساسها الشرط الوارد فى عقد الإيجار والذى تجيزه نصوص القانون المدنى فتختص المحاكم العادية بنظر المنازعات التى تنشأ منه .
(الطعن رقم 437 لسنة 50 جلسة 1983/06/05 س 34 ع 2 ص 1369 ق 268)
4- للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا أخل المستأجر فى إستعماله للمكان بإلتزاماته المتعلقة بهذا الإستعمال المنصوص عليها فى المواد 579 ، 580 ، 583 من القانون المدنى والتى تلحق بالمؤجر ضرراً . ولما كان عقد الإيجار المبرم بين الطرفين والذى نظم حقوقهم وإلتزماتهما المتبادلة قد حظر على الطاعن المستأجرإستعمال بدروم المنزل وحديقته وكان الحكم المطعون فيه الذى قضى بإخلاء المستأجر لمخالفته الشروط المنقولة فى عقد الإيجار موافقاً لصحيح القانون ومؤدياً إلى النتيجة التى خلص إليها فإن النعى عليه بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 633 لسنة 46 جلسة 1980/05/17 س 31 ع 2 ص 1393 ق 265)
5- النص فى المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 المنطبق على واقعة الدعوى يدل على أن مناط حق المؤجر فى إنهاء عقد الإيجار فى هذه الحالة هو إخلال المستأجر بإلتزامه المعقول للإيجار ويضر بمصلحة يكفلها العقد والقانون للمؤجر ، هذا و لئن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن تقدير مدى ما تنطوى عليه طريقة إستعمال المستأجر للعين المجرة من إساءة تضر بالمؤجر هو من مسائل الواقع التى تستقل بها محكمة الموضوع بغير تعقيب عليها من محكمة النقض إلا أن ذلك مشروط بأن يكون إستخلاصها لذلك مستمداً من واقع صحيح يؤدى إليه فى منطق سائغ .
(الطعن رقم 1038 لسنة 49 جلسة 1980/03/01 س 31 ع 1 ص 687 ق 134)
6- إذ كان الحكم المطعون فيه قد إستند فى قضائه بالإخلاء إلى أن الطاعن قد خالف شروط عقد الإيجار بتغييره إستعمال المكان المؤجر من مخزن للأثاث إلى ورشة لأعمال النجارة وطلائها وأنه قد ترتب على هذا التغيير ضرر بمصلحة المطعون عليها تمثل فى إزعاج السكان نتيجة لما يحدثه هذا الإستعمال من ضوضاء ، فضلاً عن تشويه واجهة العقار الواقع فى منطقى حظر القانون مباشرة مثل هذا النشاط فيها لإعتبارات تتعلق بالهدوء والنظافة وحسن المظهر فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تفسير القانون أو فى تطبيقه على ما ثبت له من الواقع فى الدعوى .
(الطعن رقم 770 لسنة 47 جلسة 1979/01/27 س 30 ع 1 ص 413 ق 80)
7- متى كان ما نسبته الطاعنة إلى وزارة التربية والتعليم من اساءة استعمال العقار - المستولى عليه ليكون مدرسة - وإحداث تغيير به و قطع بعض أشجاره لايدخل فى نطاق الإستعمال غيرالعادى ، بل يكون إن صح وقوعه خطا جسيما يستوجب تعويضاً مستقلا عن الضرر الناشىء عنه ، لا تشمله الزيادة المقررة مقابل مصاريف الصيانة والإستهلاك غير العاديين ، وكان الحكم المطعون فيه قد جرى على خلاف هذا النظر ، فإنه يكون قد خالف القانون و شابه قصور يعيبه و يستوجب نقضه فى هذا الخصوص .
(الطعن رقم 557 لسنة 35 جلسة 1970/02/26 س 21 ع 1 ص 352 ق 57)
تنص المادة 584 من التقنين المدني على ما يأتي :
" 1- المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة ، إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه" .
"2 - فإذا تعدد المستأجرون لعقار واحد ، كان كل منهم مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله ، ويتناول ذلك المؤجر إن كان مقيماً في العقار ، هذا ما لم يثبت أن النار إبتداء شبابها في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين فيكون وحده مسئولاً عن الحريق" .
ومن ثم جعل التقنين الجديد مسئولية المستأجر عن هلاك العين بسبب الحريق أشد من مسئوليته عن هلاكها بسبب آخر ، وذلك نظراً لخطورة الحريق ، فهو إذا عدت أسباب هلاك العين يعد أخطرها سبباً ، ففي غير الحريق نصت المادة 583 مدني كما رأينا ، على أنه " يجب على المستأجر أن يبذل من العناية في استعمال العين المؤجرة وفي المحافظة عليها ما يبذله الشخص المعتاد ، وهو مسئول عما يصيب العين أثناء انتفاعه بها من تلف أو هلاك غير ناشئ عن استعمالها استعمالاً مألوفاً" ، فالتزام المستأجر بالمحافظة على العين من الهلاك بسبب يغر الحريق التزام يبذل عناية كما قدمنا ، ويكون قد وفاه إذا هو أثبت أنه بذل عناية الشخص المعتاد على ما سبق القول ، أما في هلاك العين بسبب الحريق فقد نصت الفقر الأولى من المادة 584 مدني ، كما رأينا ، على أن " المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة ، إلا إذا أثبت أن الحريق قد نشأ عن سبب لا يد له فيه" ، فالتزام المستأجر هنا التزام بتحقيق غاية ، ولا يكفي أن يثبت أنه بذلك عناية الشخص المعتاد لتوقي الحريق ، بل يجب أن يثبت أن الحريق قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، فلا يكفي مثلاً أن يثبت أنه ترك المنزل لقضاء مدة في الخارج ، وقبل أن يتركه أحكم إغلاق الأبواب والنوافذ وأجهزة الكهرباء والغاز وأقام على حراسته شخصاً ، فهذا كله إنما يثبت أنه بذل عناية الرجل المعتاد ، ولا يكفي ، بل يجب أن يثبت سبب الحريق بالذات وأنه سبب أجنبي لا يد له فيه ، فإذا بقي سبب الحريق مجهولاً كان المستأجر هو المسئول.
وقد كان المشروع التمهيدي للفقرة الأولى من المادة 584 مدني يجري على الوجه الآتي : " المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة ، إلا إذا أثبت أن الحريق لم تنشأ عن خطأه أو عن خطأ تابعيه" ، فكان هذا النص مبهماً فيما يجب على المستأجر إثباته ، فهو يحتمل أن يكون المستأجر مطالباً بإثبات أن الحريق قد نشأ عن سبب أجنبي ، حتى يجوز القول بأنه لم ينشأ عن خطأ أو عن خطأ تابعيه ، وهو يحتمل أيضاً – وهذا هو الأرجح – أن يكون المستأجر غير مطالب إلا بنفي الخطأ ، ويكفي في نفيه أن يثبت المستأجر أنه قد بذل في توقي الحريق عناية الشخص المعتاد ولما كان المعنى الثاني يجعل مسئولية المستأجر عن الحريق كمسئوليته عن أي سبب آخر لهلاك العين ، وكان المقصود أن تجعل مسئولية المستأجر عن الحريق أشد ، فقد استبدلت بعبارة " إلا إذا أثبت أن الحريق لم تنشأ عن خطأه أو خطأ تابعيه" عبارة " إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه" ليكون " الحكم أدق وأوضح فأصبح النص بهذا التعدي لقاطعاً في أن التزام المستأجر في الحريق أشد من التزامه في غير الحريق ، فهو في الهلاك بالحريق التزام بتحقيق غاية لا ينتفي إلا بإثبات السبب الأجنبي ، هو في الهلاك بغير الحريق التزام ببذل عناية يكفي في الوفاء به أن يثبت المستأجر أنه بذل عناية الشخص المعتاد ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .
فالمستأجر إذن هو الذي يحمل عبء الإثبات في الحريق لأن مسئوليته عقدية ، بخلاف التقنين المدني القديم فقد رأينا فيه أن المؤجر هو الذي يحمل عبء الإثبات لأن مسئولية المستأجر مسئولية تقصيرية ، وفي حمل المستأجر عبء الإثبات لا يختلف الهلاك بالحريق عن الهلاك بغير الحريق ، ففي كليهما يقع عبء الإثبات على المستأجر ، وإنما تخلفان ، كما قدمنا ، في أن المستأجر في الهلاك بغير الحريق يكتفي بإثبات أنه بذلك عناية الشخص المعتاد ، أما في الهلاك بالحريق فلا يجوز أن يكتفي بإثبات ذلك بل يجب أن يثبت أن الحريق نشأ عن سبب أجنبي لا يد فيه.
وإذا قامت مسئولية المستأجر العقدية ، بأن كان هذا لم يستطع إثبات السبب الأجنبي ، كان عليه أن يعوض المؤجر عن الإضرار التي أصابته بسبب الحريق ، ولما كانت المسئولية عقدية، فإنه لا يعوض إلا الأضرار المتوقعة الحصول وقت التعاقد .
فيجب أن يدفع للمؤجر نفقات إعادة العين إلى أصلها ، فإذا كانت العين بناء وجب أن يدفع نفقات إعادة البناء مع خصم الفرق في القيمة بين البناء الجديد المعاد والبناء القديم قبل الحريق وتقدر النفقات وقت النطق بالحكم ولا وقت حصول الحريق حتى لا يتحمل المؤجر غلو الأسعار ما بين الوقتين ولا يفيد من نزولها ويجب أيضاً تخصم قيمة الأبنية والأنقاض التي بقيت بعد الحريق والتي انتفع بها مالك العين المحرقة ولا يجبر المستأجر على إعادة البناء بنفسه، بل يكتفي بالحكم عليه بالنفقات ، إلا إذا طلب هو أن يقوم بذلك ، حتى لو أثبت المؤجر خطأ في جانبه ، وحتى لو كان مشترطاً في عقد الإيجار رد العين على الحالة التي سلمت بها ويجب أيضاً على المستأجر أن يدفع للمؤجر قيمة العقارات بالتخصيص التي تكون قد احترقت مع العقار ، ولكن لا يدفع قيمة المنقولات التي يكون المؤجر قد تركها في العين المؤجرة دون أن يشملها الإيجار أو أودعها الغير فيها ، لأن هذه أضرار غير متوقعة لا يكون المستأجر مسئولاً عنها إلا بموجب المسئولية التقصيرية ، أو بموجب المسئولية العقدية في حالة العمد أو الخطأ الجسيم ويدفع المستأجر أيضاً الأجرة التي فاتت على المؤجر في المدة اللازمة لإعادة العين المؤجرة إلى أصلها ، وكذلك الأجرة عن المدة التي تبقى فيها العين خالية بعد إعادتها إلى أصلها إلى أن تؤجر .
وليست أحكام مسئولية المستأجر العقدية عن الحريق على النحو الذي قدمناه من النظام العام ، فيجوز الاتفاق على تعديل هذه الأحكام .
ويصعب تصور تشديد هذه المسئولية ، فهي في ذاتها على جانب كبير من الشدة إلى حد أنها كانت موضعاً للانتقاد ولكن يجوز مع ذلك أن يشترط المؤجر على المستأجر أن يكون هذا مسئولاً عن الحريق ولو أثبت السبب الأجنبي ، فيكون هذا الاتفاق بمثابة تأمين للمؤجر عقده مع المستأجر ، ويجوز أيضاً أن يشترط المؤجر على المستأجر ، في حالة تحقق المسئولية العقدية ، تعويض جميع الأضرار حتى غير المتوقعة .
ويجوز على العكس من ذلك – وهذا هو الأغلب – تخفيف هذه المسئولية ، فيشترط المستأجر مثلاً ألا يكون مسئولاً عن الحريق إذا هو أثبت أنه بذل عناية الشخص المعتاد في المحافظة على العين ، فتكون مسئوليته عن هلاك العين بالحريق في هذه الحالة مماثلة لمسئوليته عن هلاك العين بغير الحريق ، ويجوز أن يشترط المستأجر عدم مسئوليته عن أعمال تابعيه .
كما يجوز للمستأجر أن يشترط إعفاءه من المسئولية ، فلا يكون مسئولاً أصلاً عن الحريق حتى لو لم يستطع أن يثبت عناية الشخص المعتاد ، بل حتى لو أثبت المؤجر خطأ في جانبه ما دام هذا الخطأ ليس عمداً أو خطأ جسيماً صادراً منه شخصياً ، إذ يجوز أن يشترط إعفاءه من المسئولية عن خطأ تابعه العمد أو خطأهم الجسيم .
المفروض هنا أن العين المؤجرة عقار ، وأن أجزاء العقار المختلفة مؤجرة لمستأجرين متعددين أما إذا أن العقار مؤجراً لعدة مستأجرين على الشيوع ، فهؤلاء جميعاً يكونون في حكم المستأجر الواحد ، وتسري في هذه الحالة الأحكام التي قدمناها في حالة ما إذا كان المستأجر للعين شخصاً واحداً وإذا كان المستأجر للعقار شخصاً واحداً وأجر من الباطن جزءا من العقار ، وقبل المؤجر صراحة أو ضمناً الإيجار من الباطن ، فإن المستأجر من الباطن يكون مسئولاً مباشرة قبل المؤجر عن الحريق ( 597 مدني ) ، ويكون هو والمستأجر الأصلي كل مهما مستأجر لجزء من العقار ، فيسري على هذا الفرض ما يسري على فرض تعدد المستأجر ، لأجزاء مختلفة من العقار وهو الفرض الذي نبحثه هنا.
وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 584 مدني تواجه هذا الفرض الذي نبحثه الآن فتقول : " فإذا تعدد المستأجرون لعقار واحد ، كان كل منهم مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله ، ويتناول ذلك المؤجر إن كان مقيماً في العقار . هذا ما لم يثبت أن النار ابتدأ شيوبها في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين ، فيكون وحده مسئولاً عن الحريق" .
فنبحث إذن : (أولاً) كيف تتوزع المسئولية العقدية عن الحريق على المستأجرين المتعاقدين .
(ثانياً) كي تتوزع هذه المسئولية على المستأجرين المتعدد إذا كان مقيماً معهم في العقار .
(ثالثاً) كيف يمكن التخلص من هذه المسئولية .
كيف تتنوع المسئولية العقدية عن الحريق على المستأجرين المتعددين : فإذا تعدد المستأجرون لأجزاء عقار واحد على النحو الذي حددناه فيما تقدم ، واحترق العقار ، كان جميع المستأجرين مسئولين عن الحريق مسئولية عقدية ، سواء احترق جميع أجزاء العقار أو احترق بعضها فقط .
والمسئولية هنا تقع على كل مستأجر بالنسبة إلى جميع الأجزاء المحترقة ، فهي مسئولية جماعية ومن ثم إذا احترق جميع أجزاء العقار ، وقعت المسئولية على كل مستأجر بالنسبة إلى العقار كله ، وتقع المسئولية على هذا النحو في العلاقة ما بين المؤجر والمستأجرين ، أما في علاقة المستأجرين بعضهم ببعض ، كما إذا أراد أي منهم الرجوع على الآخرين بما دفعه تعويضاً للمؤجر أو بقيمة أمتعته التي احترقت ، فلا تكون المسئولية إلا تقصيرية يجب فيها على المستأجر الذي يريد الرجوع أن يثبت خطأ في جانب من يريد الرجوع عليه .
وإذا قامت المسئولية العقدية للمستأجرين المتعددين على هذا الوجه ، لم يكونوا مسئولين بالتضامن ، لأن المسئولية العقدية لا يقوم التضامن فيها إلا بنص أو اتفقا.
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصد :
فإذا تعدد المستأجرون ، كان كل منهم مسئولاً . . . ولا تضامن بينهم لأن المسئولية تعاقدية " وقد كانت المادة 1734 من التقنين المدني الفرنسي المقابلة للفقرة الثانية من المادة 584 من التقنين المدني المصري تنص على أن يكون المستأجرون المتعددون متضامنين في هذه المسئولية العقدية ، ولكن صدر قانون في فرنسا في 5 يناير سنة 1883 يعدل المادة 1743 ويرفع التضامن عن المستأجرين .
ولما كان المستأجرون غير متضامين ، فقد بين المشرع كيف تتوزع المسئولية عليهم ، فقضى بأن يكون كل منهم " مسئولاً بنسبة الجزء الذي يشغله" ، ولم يبين المشرع ولا المذكرة الإيضاحية ما هو المقصود بعبارة " الجزء الذي يشغله" ، هل هو القيمة الإيجارية ( valeur locative ) للجزء الذي شغله المستأجر كما نص على ذلك صراحة المشرع الفرنسي في المادة 1734 مدني فرنسي ، أو هو الأجرة الفعلية التي يدفعها المستأجر عن الجزء الذي يشغله ، أو هو مساحة هذا الجزء ، أو هو قيمة ؟ ونرى بادئ ذي بدء استبعاد القيمة الإيجارية والأجرة الفعلية ، لأن المشرع المصري لو أراد شيئاً م هذين لذكره صراحة كما فعل المشرع الفرنسي عندما صرح بالقيمة الإيجارية ، بقي إذن مساحة الجزء وقيمته.
ويترتب على أن المسئولية تتوزع على المستأجرين كل بنسبة قيمة الجزء الذي استأجره أنه لو أعسر احدهم ، فإن المؤجر هو الذي يتحمل إعساره ، بخلاف ما لو كان المستأجرون متضامنين فإن إعسار احدهم يتحمله الباقون .
ففي المثل الذي قدمناه لو أعسر مستأجر الجزء الثالث تحمل المؤجر إعساره ، واقتصر على أن يتقاضى من مستأجر الجزء الأول خمسمائة ومن مستأجر الجزء الثاني ألفاً ، وتحمل هو الألف والخمسمائة الباقية وهي نصيب مستأجر الجزء الثالث المعسر .
كيف تتوزع المسئولية على المستأجرين المتعددين إذا كان المؤجر مقيماً معهم في العقار المؤجر : ويتفق أن يكون المؤجر شاغلاً لطبقة في العقار المؤجر ، فيكون شأنه في المسئولية شان المستأجرين الشاغلين للطبقات الأخرى ، ونص القانون صريح في هذا المعنى إذ تقول الفقرة الثانية من المادة 584 مدني كما رأينا : " فإذا تعدد المستأجرون لعقار واحد، كان كل منهم مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله ، ويتناول ذلك المؤجر إن كان مقيما في العقار" ، فإذا كان العقار يشتمل على خمس طبقات متساوية في القيمة ، وكان المؤجر يشغل إحدى هذه الطبقات، واحترق العقار كله ، فإن المؤجر يرجع على مستأجري الطبقات الأربع بأربعة أخماس قيمة العقار بعد أن يستنزل الخمس هو نصيبه في المسئولية، ويوزع الباقي على المستأجرين فيرجع على كل مستأجر بخمس قيمة العقار طبقاً للقاعدة التي سبق بيانها .
ويشترط في ذلك أن يكون المؤجر شاغلاً فعلاً لطبقة من العقار بحيث يحتمل أن يكون الحريق ناشئاً عن خطأه ، ولا يشترط أن يكون المؤجر ساكناً في الطبقة التي يشغلها ، بل يكفي أن يكون محتجزاً لهان يتردد عليها من وقت إلى آخر ، أو أن يكون واضعاً فيها بعض أمتعته أو أن يكون أحد تابعيه كالبواب ساكناً فيها ولكن لا يكفي لاعتبار المؤجر شاغلاً لطبقة من العقار أن تكون هذه الطبقة خالية ، ولو كانت مفاتيحها في يد المؤجر يحتفظ بها لترميم هذه الطبقة أو يعاينها من يرغب في استئجارها كذلك لا تعتبر الأجزاء المشتركة في العقار ، كالسلم والأروقة والمدخل الخارجي والأمكنة التي يوجد فيها الآلات الرافعة للمياه أو أجهزة الكهرباء ونحوها والجراج إذا كان معداً لاستعمال المستأجرين جميعاً ، أجزاء يشغلها المؤجر بحيث يشارك المستأجرين في المسئولية عن الحريق وتستخلص محكمة الموضوع من الظروف ما إذا كان المؤجر يعتبر شاغلاً لجزء من العقار ويقع على المستأجر عبء إثبات أن المؤجر شاغل لجزء من العقار فيشارك في المسئولية عن الحريق .
ويمكن للمستأجرين أن يتخلصوا من هذه المسئولية بإحدى الوسائل الآتية :
أولاً – بأن يثبت أحدهم خطأ في جانب مستأجر بالذات يكون هو السبب في الحريق .
فعند ذلك يكون المستأجر الذي ثبت في جانبه الخطأ هو المسئول وحده نحو المؤجر ونحو سائر المستأجرين عما ألحقه الحريق من الضرر ، ومسئوليته مسئولية تقصيرية بالنسبة إلى المستأجرين ، وتكون مسئولية تقصيرية أيضاً بالنسبة إلى المؤجر في رأي من يقول بإجتماع المسئوليتين العقدية والتقصيرية وجواز الأخيرة بينهما .
وإذا تعدد المستأجرون الذين يثبت في جانبهم الخطأ ، كانوا مسئولين بالتضامن في مسئوليتهم التقصيرية ويجوز إثبات الخطأ في جانب المؤجر نفسه ، أو في جانب أحد تابعيه كالبواب ، وفي هذه الحالة يتخلص كل المستأجرين من المسئولية ، ويصبح المؤجر هو المسئول نحوهم عما ألحقه الحريق بهم من الضرر .
ثانياً – بأن يثبت أحد المستأجرين أن الحريق قد وقع بسبب أجني ، بقوة قاهرة أو بفعل الغير أو لعيب في البناء أو لامتداد النار من منزل مجاور .
وفي هذه الحالة ترتفع المسئولية العقدية عن المستأجرين وفقاً لما سبق بيانه ، ويتحمل المؤجر تبعة الحريق ، إلا إذا كان قد ثبت خطأ في جانب الغير فيكون هذا مسئولاً مسئولية تقصيرية نحو الجميع .
ثالثاً – بأن يثبت أحد المستأجرين أن النار ابتداء شيوبها في الجزء الذي يشغله مستأجر بالذات ، وفي هذه الحالة ترتفع المسئولية العقدية عن سائر المستأجرين ، ويكون المستأجر الذي ابتدأ شبوب النار في الجزء الذي يشغله هو وحده المسئول عن جميع الأضرار التي أحدثها الحريق ، لا عن نصيبه بنسبة الجزء الذي يشغله فحسب، ومسئوليته مسئولية عقدية ، ويستطيع أن يدفع هذه المسئولية بإثبات السبب الأجنبي على النحو الذي بيناه فيما تقدم ، أما إذا ثبت أن النار بدأ شيوبها في الجزء الذي يشغله المؤجر أو في أحد الأجزاء المشتركة الموكولة إلى حراسته كالسلم أو الأورقة ، فإن المسئولية العقدية ترتفع كذلك عن المستأجرين، ولكن المؤجر لا يصبح مسئولاً نحو المستأجرين مسئولية عقدية فقد قدمنا أن المسئولية العقدية إنما تقوم في ذمة المستأجر نحو المؤجر لا في ذمة المؤجر نحو المستأجر وإذا أراد المستأجرون أن يرجعوا على المؤجر بتعويض عما أصابهم من ضرر بسبب الحريق ، وجب عليهم إثبات خطأ في جانبه فيصبح مسئولاً نحوهم مسئولية تقصيرية.
تنص المادة 590 من التقنين المدني على ما يأتي :
" يجب على المستأجر أن يرد العين المؤجرة عند انتهاء الإيجار ، فإذا أبقاها تحت يده دون حق كان ملزماً أن يدفع للمؤجر تعويضاً يراعى في تقديره القيمة الإيجارية للعين وما أصاب المؤجر من ضرر" . ( الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/السادس ، الصفحة/ 753)
ومفادها أن أوجب المشرع على المستأجر أن يبذل عناية الرجل العادي في المحافظة على العين من التلف أو الهلاك ، أما بالنسبة للمحافظة عليها من الحريق فلا تكفي هذه العناية فجعل المشرع التزام المستأجر التزاماً بتحقيق غاية لا يبذل عناية ومن ثم لا يعفي المستأجر من المسئولية إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب أجنبي ، فإن ظل السبب مجهولاً كان المستأجر مسئولاً ، ویری محمد على إمام أن 307 أن المستأجر يعفى من المسئولية إذا بذل عناية الشخص المعتاد واستند إلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية بينما إجماع الفقهاء على الرأي الأول، ويجوز للمستأجر أن يثبت بكافة الطرق أن الحريق وقع قضاء وقدرا أو بقوة قاهرة فيعفى من المسئولية ما لم يسبق ذلك إهمال منه كما لو حدث الحريق من طفل غريب أهمل المستأجر مراقبنه بالمنزل أو من مجنون وأهمل مراقبته أو أهمل في إخماد الحريق، ولا يسأل إذا كان الفاعل أجنبية عنه ولو كان عدوا له ونكاية فيه ولو كان سبب النكاية خطأ من المستأجر ، كما لا يسأل إذا أثبت امتداد النار من الجار ، ويستوي أن يكون المستأجر مستأجراً أصلياً أو من الباطن ويستطيع المؤجر الرجوع على المستأجر من الباطن إما بالدعوى غير المباشرة باسم المستأجر الأصلي وإما بدعوى مباشرة إذا كان قد صدر منه قبول للإيجار ولا يرجع المستأجر الأصلي على المستأجر من الباطن إلا إذا رجع عليه المؤجر .
فإن لم يكن هناك عقد إيجار فلا يسرى النص كالعلاقة بين مالك الرقبة وصاحب حق الانتفاع والعلاقة بين الشركاء في الشيوع أو بين المستأجر ومن لم يؤجر له من هؤلاء كما لا تسرى هذه المسئولية على غير الإيجار فلا تسرى في جانب المرتهن رهن حيازة ولا المستعير والمودع لديه ولا الوكيل ولا المقاول ولا البائع قبل التسليم .
فإن وجد عقد إيجار قامت مسئولية المستأجر والتزم بدفع نفقات إعادة العين لأصلها مع خصم الفرق بين قيمة البناء جديداً وقيمته قديما وكذلك قيمة العقارات بالتخصيص وتقدر وقت الحكم لا وقت الحريق و تخصم قيمة الأنقاض التي استفاد منها المؤجر، كما يدفع المستأجر الأجرة طوال فترة الإصلاح ، أما إذا عرف الفاعل رجع عليه المؤجر بموجب أحكام المسئولية التقصيرية بتعويض عما لحقه من خسائر وما فاته من کسب وليست هذه الأحكام من النظام العام فيجوز الاتفاق على ما يخالفها وإذا أمن المستأجر ضد الحريق فلا يستطيع المؤجر الرجوع على شركة التأمين بالدعوى المباشرة ولكن يستطيع الرجوع عليها بالدعوى غير المباشرة باسم المستأجر ، ولا يكون للمؤجر حق امتياز على مبلغ التأمين ، فيقتسمه قسمة غرماء مع سائر الدائنين أما إذا كان المؤجر هو الذي أمن فيرجع على شركة التأمين وتحل محله في الرجوع على المستأجر مادة 771 .
فإذا تعدد المستأجرون كانوا مسئولين بموجب أحكام المسئولية التعاقدية ، ولا تضامن بينهم إلا إذا كان هناك اتفاق على ذلك ، وتوزع المسئولية بينهم بنسبة قيمة الجزء الذي يشغله كل منهم وقد يعين خبير لتقديرها ، فإن أعسر أحدهم تحمل المؤجر نصيبه ، وإذا كان أحدهم هو المتسبب تحمل المسئولية كلها.
ويرى عبد الفتاح عبد الباقى أنه عند تعدد المستأجرين توزع المسئولية بنسبة القيمة الإيجارية التي يدفعها كل منهم للمؤجر. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة ، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن ، الصفحة/28)
إذا أراد المستأجر دفع مسئوليته عن الحريق كان مكلفاً بإثبات أن الحريق نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، كالقضاء والقدر ، والقوة القاهرة مثل الصاعقة أو الحرب أو فعل شخص أجنبي ، كما إذا أتى شخص من خارج الدار وألقى فيها مواد مشتعلة ، أو إذا امتدت النار من منزل مجاور، أو لعيب في البناء كما إذا تماست أسلاك الكهرباء فولدت شراراً التهم الدار .
وهذا يتطلب من المستأجر إثبات سبب للحريق بالذات ، وأن هذا السبب أجنبي فلا تندفع مسئوليته إذا أثبت أن سبب الحريق مجهول .
وفي هذا يختلف دفع المسئولية عن الحريق عن دفع المسئولية عن التلف أو الهلاك ، ففي دفع المسئولية الأخيرة يكفي المستأجر إثبات بذله عناية الرجل المعتاد في المحافظة على العين دون أن يكلف إثبات سبب معين للتلف أو الهلاك .
ولا تندفع مسئولية المستأجر بالسبب الأجنبي ، إذا لم يكن قد بذل عناية الرجل المعتاد في حفظ العين المؤجرة وفي الحيلولة دون انتشار الحريق ، أي إذا صدر إهمال منه ، كما لو أحدث الحريق شخص أجنبي عن المنزل أهمل المستأجر في مراقبته أو شخص مصاب بالجنون لم يراقبه المستأجر ، وكذلك إذا لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الحريق بعد نشوبه كأن أهمل في إطفائه ، أو إذا كانت النار قد امتدت من منزل مجاور ، وكان المستأجر قد وضع في العين مواد سريعة الالتهاب دون أن يسمح له بذلك الغرض الذي من أجله أجرت له العين ، وثبت أن النار ما كانت تتلف المنزل لولا وجود هذه المواد.
وأحكام المسئولية السالفة ، لا تنطبق في غير حالة الحريق ، فلا يعمل بها في حالة انفجار موقد أو سخان ما دام لم يترتب على ذلك حصول حريق.
ويلاحظ أن المستأجر يظل مسئولاً عن الحريق وفقاً للمادة 584 ولو انتهى عقد الإيجار، ما دام حائزاً للعين المؤجرة ، لأنه يظل ملتزماً بمقتضى العقد برد العين إلى المؤجر .
تقوم مسئولية المستأجر من الحريق قبل المؤجر على أساس وجود عقد إيجار بين المؤجر والمستأجر ، فهي مسئولية عقدية.
ويكفي لتحقق المسئولية ، مجرد توافر صفة المؤجر، سواء كان المؤجر مالكاً للعين المؤجرة أو صاحب حق انتفاع عليها ، أو مرتهناً حيازياً لها ، أو مستأجراً أصلياً لها يؤجرها من باطنه ، أو حتى مغتصباً .
غير أن المؤجر لا يفيد من أحكام المسئولية إلا في حدود العين المؤجرة أو على الأكثر في حدود العقار الذي تقع فيه هذه العين إن كانت جزءاً منه ، فإذا كان الشخص داران وأجر أحدهما ثم احترقت الدار المؤجرة ، وامتدت النار إلى الأخرى ، فإن مسئولية المستأجر لا تتحقق عن الحريق إلا بالنسبة للدار التي استأجرها .
وإذا كان المؤجر صاحب حق انتفاع ، فإن مسئولية المستأجر تقتصر على قيمة حق الانتفاع فقط .
أما مالك الرقبة فلا يستطيع الرجوع بالمادة (584) على المستأجر لعدم وجود رابطة عقدية بينهما ، ويكون رجوعه عليه على أساس المسئولية التقصيرية.
وإذا نشب الحريق حال تأجير العين للمستأجر من الباطن ، كان الأخير مسئولاً عن الحريق قبل المستأجر الأصلي ، وكان المستأجر الأصلي مسئولاً قبل المؤجر.
ويجوز للمؤجر الرجوع على المستأجر من الباطن بالدعوى غير المباشرة ، كما يجوز له الرجوع عليه بدعوى مباشرة إذ كان قد صدر منه قبول صريح أو ضمني للإيجار من الباطن.
أما في حالة التنازل عن الإيجار، فإن المتنازل له عن الإيجار يكون مسئولاً مباشرة قبل المؤجر ، ويكون المستأجر ضامناً له في هذه المسئولية (م 595 مدنی).
وإذا كان المؤجر شريكاً على الشيوع ، فتكون مسئولية المستأجر قبله قاصرة على حصته فقط ، ويكون مسئولا قبل باقي الشركاء ، ولكن مسئوليته لا تكون عقدية بالنسبة لهؤلاء وإنما مسئولية تقصيرية.
وتقع المسئولية على أي مستأجر، أيا كان الشيء المؤجر منقولاً أو عقاراً وأياً كان وجه استعماله ، سواء كان مستعملاً لأغراض السكن أو لغير ذلك من الأغراض ، لأن نص المادة 1/584 جاء مطلقاً ، وإن كان تحققها يقع غالباً في حالة العقار.
ولا تنطبق المسئولية عن الحريق على من يشغل العين بغیر سند أي بطريق الغصب ، أو يشغلها بسند غير عقد الإيجار، كصاحب حق الانتفاع أو الوكيل.
و إذا كان الشيء المؤجر الذي شب فيه الحريق مؤجراً لشخص واحد ، فإن المستأجر يتحمل وحده بالمسئولية عن الحريق إذ لا يشاركه في الإيجار أحد آخر ، ومن ثم يلتزم بتعويض المؤجر عن الضرر الذي أصابه من جراء الحريق.
وتقدر هذه النفقات في تاريخ الحكم ، حتى لا يتحمل المؤجر الضرر الناشئ عن نقص قيمة النقود في الفترة ما بين حدوث الحريق وصدور الحكم ، وحتى لا يفيد من نزولها.
غير أنه لا يجوز للمؤجر إجبار المستأجر على إعادة البناء .
أما إذا ثبتت مسئولية أجنبي عن الحريق ، فإن للمؤجر أن يرجع عليه بمقتضى أحكام المسئولية التقصيرية وعندئذ يلتزم بتعويض الضرر المباشر وغير المباشر.
ولما كان حكم المادة لا يتعلق بالنظام العام فإنه يجوز اتفاق الطرفين على مخالفته ، فيجوز الاتفاق على تعديل المسئولية بالتخفيف أو الإعفاء أو التشديد، ولكن لا يجوز الاتفاق على إعفاء المستأجر من مسئوليته عن الحريق الذي يقع منه عمداً أو بخطئه الجسيم طبقاً للقواعد العامة .
تناولت حالة تعدد المستأجرين الفقرة الثانية من المادة.
وقد استعملت الفقرة لفظ (عقار) بنصها على أنه : "فإذا تعدد المستأجرون العقار واحد" ، مما جعل الرأي الغالب يذهب إلى أن حكم هذه الفقرة قاصر على العقارات فقط دون المنقولات .
وهي تفترض أيضاً أن يكون العقار مؤجراً إلى عدة مستأجرين يختص كل منهم بجزء منه ، كدار مقسمة إلى طبقات يستأجر كل طبقة منها مستأجر ، أو مقسمة إلى شقق يستأجر كل شقة منه مستأجر ، فلا يسرى حكمها على العقار الذي يؤجر إلى مستأجرين متعددين على الشيوع ، لأن هؤلاء المستأجرين يعتبرون في حكم المستأجر الواحد ، فتسري عليهم أحكام الفقرة الأولى من المادة .
ويذهب الرأي الغالب إلى أن المسئولية عن الحريق توزع على كافة مستأجري العقار، ولو لم يمس الحريق الجزء الذي يشغله بعضهم.
ولكننا نؤيد رأى البعض القائل بأن المسئولية تنحصر في مستأجري أجزاء العقار التي شبت فيها النار ، فإذا كانت النار لم نشب في بعض أجزاء العقار، فلا يدخل مستأجروها في نطاق المسئولية، لأنهم أجنبيون عن الحريق ، إلا إذا أثبت المؤجر شيوبها بسبب تقصير منه ، وفي هذه الحالة تكون مسئوليته على أساس العمل غير المشروع لا على أساس العقد .
وإذا كان المؤجر مقيماً في جزء من العقار ، فإنه يخضع لأحكام المسئولية التي تسري على المستأجر ، فيكون مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله من العقار شأنه في ذلك شأن المستأجرين تماماً ، ويكون رجوعه على المستأجرين بعد خصم ما يخصه في التعويض.
ويأخذ حكم إقامة المؤجر بجزء من العقار إقامة أتباع المؤجر کالوكيل والبواب ، لأن التابع يشترك مع المستأجر في احتمال شبوب الحريق بخطئه ، والمؤجر مسئول عن خطأ أتباعه.
ولا يقصد بالإقامة هنا معناها الحرفي، وإنما يقصد بها أن يكون للمؤجر جزء مخصص لسكناه أو لعمله أو لإيداع شيء فيه أو لأي غرض آخر طالما أمكن القول بأن بينه وبين باقي المستأجرين علاقة الإشتراك في الانتفاع بالعقار.
تقوم مسئولية المستأجرين عن حريق العقار المؤجر على اعتبارين أولهما : افتراض وقوع الخطأ من أحد المستأجرين ، وثانيهما : عدم معرفة المستأجر المخطئ .
إذا أثبت أحد المستأجرين أن النار ابتداء شيوبها في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين، فإن ذلك يكون دليلاً على أن الحريق اندلعت بسبب لا يد لباقي المستأجرين فيه ، ولذلك لا يكفي أن يثبت أحد المستأجرين أن النار لم يبدأ شيوبها من الجزء الذي يشغله لأن إثبات ذلك لا يفيد حصول السبب الأجنبي .
وفي هذه الحالة يكون مستأجر هذا الجزء مسئولاً وحده عن حريق العين كلها ، ما لم يثبت أن الحريق وإن ابتدأ في الجزء الذي يستأجره إلا أنه نشأ عن سبب لا يد له فيه.
وإذا كان الجزء الذي ابتدأ منه الحريق يشغله المؤجر فإنه يتحمل تبعة الحريق ولا يكون له الرجوع على أي من المستأجرين إلا إذا أثبت خطأ أو تقصير في جانبه وفقاً للقواعد العامة.
إذا تعدد المستأجرون في العقار، ونشب الحريق في أحد الأجزاء المشتركة منه التي يستعملها جميع المستأجرين، كالمصعد والسلم وباب العقار، فإنه لا يجوز الرجوع بالمسئولية على هؤلاء المستأجرين ، إلا على من يثبت وقوع الحريق بخطأ منه، ذلك أن المؤجر هو الذي يتحمل بالتزام العناية بالأجزاء المشتركة للعقار - فإذا شب الحريق بأحد الأجزاء المشتركة فإنه لا يمكن افتراض شيوبه بخطأ أحد المستأجرين.
التضامن بين الدائنين أو بين المدينين لا يفترض ، وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون (م 279 مدنی) ولما كان نص المادة 2/584 مدني قد خلا من النص على تضامن المستأجرين في المسئولية فإنه ينبني على ذلك عدم التزام كل مستأجر إلا بدفع نصيبه في التعويض ما لم يرد بالعقد شرط صريح بالتضامن.
فإذا أعسر أحد المستأجرين تحمل المؤجر نتيجة إعساره ، وكذلك إذا استطاع أحد المستأجرين إخلاء مسئوليته بسبب لا يستفيد منه غيره ، تحمل المؤجر نصيب من أخلى مسئوليته ووجب إسقاط هذا النصيب من قيمة التعويض الذي يرجع به المؤجر على سائر المستأجرين ، وذلك لأن المستأجر لا يلتزم عقدياً سوی برد الجزء الذي يشغله ، فلا يمكن أن تزيد مسئوليته على نسبة هذا الجزء إلى العين كلها. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع ، الصفحة/ 638)
وقد أخذ التقنين الحالي بما ذهب إليه القانون الفرنسي وبرأي غالبية الفقه المصري فيما يتعلق بمسئولية المستأجر عن حريق العين المؤجرة ، فنص في المادة 584 مدنی على أن :
(1) المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه .
(2) فإذا تعدد المستأجرون العقار واحد، كان كل منهم مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله ، ويتناول ذلك المؤجر ان كان مقيماً في العقار ، هذا ما لم يثبت أن النار ابتداء شيوبها في الجزء الذي يشغله أحد المستأجرين فيكون ووحده مسئولاً عن الحريق.
وظاهر أن هذا النص قد تناول في الفقرة الأولى منه الفرض البسيط الذي تكون فيه العين التي احترقت مؤجرة كلها الى شخص واحد ، وفي الثانية الفرض الذي تكون فيه العين مؤجرة أجزاء الى عدة أشخاص يختص كل منهم بجزء منها ، أما اذا أجرت العين كلها إلى عدة أشخاص شيوعاً بينهم، فيكون حكمها حكم الفرض الأول .
وبناءً على ذلك يعتبر المستأجر مسئولا بمجرد احتراق العين المؤجرة ، دون حاجة إلى إقامة الدليل على خطئه أو على تقصيره في اتخاذ احتياط معين ، ولا يقبل منه أن يثبت أنه قام بما ينبغي عليه من احتياطات كما في مسئوليته عن المحافظة على العين محافظة الرجل المعتاد ولكن يجوز له أن يدفع مسئوليته بإقامة الدليل على أن الحريق نشأ بسبب أجنبي عنه کحادث فجائي أو قوة غامرة أو خطأ المؤجر نفسه و خطأ شخص أجنبي .
نصت المادة 584 فقرة ثانية على الحالة التي تكون فيها العين المؤجرة عقاراً مؤجراً إلى عدة أشخاص مستقلين بعضهم عن بعض ثم تحترق العين كلها أو يحترق جزء منها ، فهي إذن لا ينطبق حكمها على إجارة المنقول .
وقد كان تطبيق القاعدة العامة التي تقدمت في المادة 584 فقرة أولى يؤدي في هذه الحالة إلى اعتبار كل مستأجر مسئولاً عما احترق من الجزء المؤجر اليه وغير مسئول عما عداه إلا إذا أثبت ارتكابه خطأ يستوجب مسئوليته ، ولكن المشرع لم يكتف بتطبيق هذه القاعدة بل نحا في هذه الحالة نحو المشرع الفرنسي تقريباً ، فاعتبر كلاً من المستأجرين المتعددين للعقار الذي احترق مسئولاً عن كل ما أصاب العقار في مجموعة من تلف بنسبة الجزء الذي يشغله هو في هذا العقار ، أي أنه جعل مسئوليتهم جماعية عن كل الأضرار التي تسبب فيها الحريق.
ويترتب على ذلك أن مستأجر طبقة البناء التي لم يكسبه الحريق يسأل عن تلف ما احترق من الطبقات المحترقة المؤجرة إلى غيره ، وأن المستأجر الذي دمر الحريق الطبقة المؤجرة إليه كلها لا ينفرد بالمسئولية عن هذه الخسارة بل يشاركه فيها غيره ولو كان الحريق لم يصل الى الأجزاء المؤجرة إليهم .
ويكون نصيب كل من المستأجرين في المسئولية بنية الجزء الذي يشغله من العقار ، لا بنسبة القيمة الايجارية كما في القانون الفرنسي أن المشرع المصرى لم يعول على القيمة الايجارية كما فعل المشرع الفرنسي .
وليست هذه المسئولية الا مفترضة افتراضاً ، فيجوز لكل واحد من المستأجرين طبقاً للقاعدة العامة في دفع المسئولية المفترضة وبخاصة المسئولية العقدية أن يدفع عن نفسه هذه المسئولية بإقامة الدليل على أن الحريق نشأ بسبب أجنبي عنه لا بد له فيه ولا سيما إذا أثبت أن الحريق نشأ بخطأ مستأجر معین .
وقد اعتبر المشرع أنه إذا أثبت أحد المستأجرين أن النار بدأ شيوبها في الجزء الذي يشغله مستأجر آخر ، كان ذلك كافياً لإخلاء مسئولية الأول باعتبار أنه قد صار مفترضاً أن الحريق نشأ بسبب أجنبي عنه ما لم يثبت المؤجر عكس ذلك أي أن الحريق راجع الى خطأ المستأجر الأول بالرغم من بدء شبوب النار عند الآخر. (الوافي في شرح القانون المدني ، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن الصفحة/ 544)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
مادة 584
1- المستأجر مسئول من حريق العين المؤجرة ، الا اذا اثبت ان الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه.
2- فاذا تعدد المستأجرون لعقار واحد ، كان كل منهم مسئولاً عن الحريق بنسبة الجزء الذي يشغله ، ويتناول ذلك الموجر أن كان مقيما في العقار . هذا مالم يثبت ان النار ابتدأ شبوبها في الجزء الذى يشغله أحد المسساجرين فيكون وحده مسئولاً عن الحريق .
هذه المادة تطابق المادة 584 من التقنين الحالي .
وفي الفقه الاسلامي نصت المادة 603 من المجلة على أن «حركة المستأجر على خلاف المعتاد تعد ويضمن الضرر والخسارة الذي يتولد منها : مثلا لو استعمل الألبسة التي استكراها على خلاف عادة الناس و بليت يضمن كذلك لو احترقت الدار المأجورة بظهور حريق فيها بسبب اشعال المستأجر النار أزيد من العادة وسائر الناس يضمن،
مجلة الأحكام العدلية
مادة (603) ضمان حركة المستأجر غير المعتادة
حركة المستأجر على خلاف المعتاد تعدٍ ويضمن الضرر والخسارة التي تتولد منها. مثلاً لو استعمل الثياب التي استكراها على خلاف عادة الناس وبليت يضمن، كذلك لو احترقت الدار المأجورة بظهور حريق فيها بسبب إشعال المستأجر النار أزيد من العادة وسائر الناس يضمن.