مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 553
مذكرة المشروع التمهيدي :
يقرر المشروع أن المستأجر ملتزم بود العين عند انتهاء الإيجار في الحالة التي تسلمها عليها، ويفرض إذا لم يكن هناك محضر يبين حالة العين وقت أن تسلمها المستأجر، أنه تسلم العين في حالة حسنة ، وهذا بخلاف التقنين الحالى ، فإن المادة 378/ 463 من هذا التقنين تقضي بأن المستأجر برد العين بالحالة التي هي عليها وقت انتهاء الإيجار ، فإذا كان بالعين تلف كان المستأجر هو المسؤول، ما لم يثبت أن هذا التلف لم يكن بخطئه ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك .
1- إذ كان الثابت أنه ولئن كان المطعون ضده قد طلب فى صحيفة افتتاح الدعوى تسليم المخبز المؤجر للطاعن بحالته وقت التسليم وقضى الحكم الابتدائى بتسليم المخبز بالحالة التى كان عليها وقت التأجير أى وقت أن تسلم المستأجر العين المؤجرة ولم يكن هذا القضاء محلاً للاستئناف من المطعون ضده أمام محكمة الدرجة الثانية وإن كان محل نعى من الطاعن وأدرجه ضمن طلباته وصولاً لإلغائه لتعذر تنفيذه لوجود تحسينات وآلات ومعدات أنشأها الطاعن بالمخبز وبالتالى فإن قضاء الحكم المطعون فيه بتعديل الحكم الابتدائى إلى إلزام الطاعن بتسليم العين المؤجرة للمطعون ضده – المؤجر – بالحالة التى تكون عليها وقت التسليم يكون قد انطوى على مخالفة لقاعدة أصلية من قواعد التقاضى وهى عدم جواز تسوئ مركز الطاعن بالاستئناف الذى رفعة أو الإضرار به فضلاً عن تعرضه للفصل فى أمر غير مطروح عليه مما يتعين معه أن يكون التسليم بالحالة التى كانت عليها العين المؤجرة عند بدء الإجارة مما يعيب الحكم .
(الطعن رقم 1879 لسنة 71 جلسة 2002/11/21 س 53 ع 2 ص 1076 ق 208)
2- الأصل فى طلب إزالة المنشآت التي تقام على أرض الغير دون رضائه خارج عن نطاق أعمال الإدارة المخولة للحارس لأن مناط ذلك أن يمس طلب الإزالة أصل الحق، الأمر المفتقد فى الدعوى الماثلة، إذ الإزالة مترتبة على طلب فسخ عقد الإيجار ومبنية على حق المطعون عليها - الحارسة - فى تسلم العين المؤجرة بالحالة التي كانت عليها عند التأجير فى معنى المادة 591/1 من القانون المدني وهي بهذه المثابة تدخل فى أعمال الإدارة.
(الطعن رقم 730 لسنة 46 جلسة 1978/11/22 س 29 ع 2 ص 1744 ق 336)
3- تنفيذ إلتزام المستأجر برد العين المؤجرة يكون وضعها تحت تصرف المؤجر بحيث يتمكن من حيازتها و الإنتفاع بها دون عائق و لو لم يستول عليها إستيلاء مادياً ، ويكفى فى هذا الخصوص أن يحيط المستأجر المؤجر علماً بوضع العين المؤجرة تحت تصرفه بأى طريق من طرق العلم إذا لم يتطلب القانون لذلك شكلاً خاصاً . وإذا كان الثابت من الأوراق أن الطاعن - المستأجر - وجه للمؤجر خطاباً - عند إنتهاء مدة الإيجار - رفض الأخير إستلامه ، طلب فيه إعتبار عقد الإيجار منتهيا من ذلك التاريخ و فوضه فى التصرف وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعن بأجرة الماكينة - عن مدة لاحقة - على عدم وفائه بإلتزامه برد الماكينة . . بعدم عرضها على المؤجر عرضاً حقيقياً بالإجراءات المنصوص عليها فى المادة 487 من تقنين المرافعات مع أنه إجراء غير مطلوب فى واقع الدعوى ، فإنه يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 687 لسنة 43 جلسة 1976/04/28 س 27 ع 1 ص 1019 ق 194)
4- متى أقام الحكم قضاءه على القرينة القانونية المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 591 من القانون المدنى و التى تفترض عند تسليم العين المؤجرة للمستأجر دون بيان أوصافها أنها سلمت له فى حالة حسنة حتى يقدم الدليل على العكس و كان الطاعن " المستأجر " لم يدع أمام محكمة الموضوع بأن التلف كان بالعين المؤجرة عندما تسلمها عند بدء الإيجار و لم يقم بإثبات ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه لم يكن بحاجة إلى إقامة الدليل على أن هذا التلف لم يكن موجودا بها وقت أن تسلمها المستأجر لأن القانون قد أغناه عن ذلك بالقرينة القانونية سالفة الذكر و التى لم ينقضها المستأجر بالدليل العكسى .
(الطعن رقم 100 لسنة 33 جلسة 1968/05/23 س 19 ع 2 ص 982 ق 146)
5- متى كان المستأجر قد إدعى أنه سلم المنقولات المؤجرة كاملة للمؤجر بعد إنتهاء عقد الإيجار ، ورتب على ذلك طلب رفض دعوى المؤجر ، فإنه يكون قد أستند لا إلى تصرف قانونى ، بل إلى واقعة مادية هى إسترداد المؤجر للمنقولات .فإذا كانت هذه الواقعة المادية ليس فيها ما يخالف الثابت بعقد الإيجار كتابة أويجاوزه فإن الإعتداد بالبينة كدليل فى الإثبات فى هذا الخصوص يكون صحيحاً بإعتبار هذه الواقعة منفصلة عن العقد .
(الطعن رقم 289 لسنة 33 جلسة 1967/02/21 س 18 ع 1 ص 432 ق 64)
6- مؤدى نص المادتين 583، 591 من القانون المدني أن المشرع قد جعل معيار العناية التي فرضها على المستأجر فى إستعمال العين المؤجرة أو المحافظة عليها معياراً مادياً هو عناية الرجل المعتاد، وأن المستأجر مسئول عما يصيب العين المؤجرة من تلف ناشئ عن إستعمالها إستعمالاً غير قانوني، وهذه المسئولية مفترضة لا ترتفع إلا إذا أثبت المستأجر أن التالف لم يكن بخطئه أو أنه قد نشأ بفعل أجنبي لا يد له فيه.
(الطعن رقم 484 لسنة 26 جلسة 1962/03/29 س 13 ع 1 ص 367 ق 57)
تنص المادة 591 من التقنين المدني على ما يأتي :
1 - على المستأجر أن يرد العين المؤجرة بالحالة التي تسلمها عليها ، إلا ما يكون قد أصاب العين من هلاك أو تلف لسبب لا يد له فيه" .
2 - فإذا كان تسليم العين للمستأجر قد تم دون كتابة محضر أو دون بيان بأوصاف هذه العين ، افترض ، حتى يقوم الدليل على العكس ، أن المستأجر قد تسلم العين في حالة حسنة" .
ويخلص من هذا النص أن المستأجر يلتزم بموجب عقد الإيجار أن يرد العين المؤجرة بالحالة التي تسلمها عليها .
فإذا تبين أن حالة العين عند الرد تختلف عن حالتها وقت التسليم ، فإما أن يكون ذلك بسبب أن العين قد تلفت أو هلكت ، وإما أن يكون ذلك بسبب آخر كأن يكون هناك عجز في مساحتها أو نقص في ملحقاتها أو أن تكون العين قد ضاعت كلها أو بعضها .
ولكل من هاتين الحالتين حكمة .
تقضي الفقرة الأولى من المادة 591 مدني بأن المستأجر يلتزم برد العين المؤجرة بالحالة التي تسلمها عليها ، فإذا اختلفت حالتها وقت الرد عن حالتها وقت التسليم ، اعتبر المستأجر مخلاً بالتزامه إذا لم يعد العين إلى حالتها وقت التسليم ، وهذا بخلاف التقنين المدني القديم ، فقد رأينا المستأجر في هذا التقنين يلتزم برد العين بالحالة التي هي عليها وقت الرد ، فإذا اختلفت حالتها وقت الرد عن حالتها وقت التسليم ، ولم يثبت المؤجر أن هذا الاختلاف يرجع إلى خطأ المستأجر ، اعتبر المستأجر موفياً بالتزامه إذا هو رد العين بحالتها وقت الرد .
فيجب إذن ، في التقنين المدني الجديد ، أن تعرف حالة العين وقت التسليم حتى تكون هذه الحالة هي الحالة التي يجب رد العين عليها ، وعبء الإثبات هنا على المستأجر كما يتبين من الفقرة الثانية من المادة 591 مدني ، فالمستأجر وهو يرد العين يجب عليه أن يثبت أن حالتها وقت الرد هي حالتها وقت التسليم .
وخير سبيل لإثبات ذلك أن يكون الطرفان وقت التسلم قد حرروا محضراً بين حالة العين وأوصافها وما تشتمل عليه من ملحقات ، وهذا هو محضر الجرد أو محضر التسلم الذي سبقت الإشارة إليه فإذا كان هذا المحضر قد حرر وقت تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر ، أو كان هناك بيان مكتوب بأوصاف العين أثبت في عقد الإيجار ذاته أو حرر أثناء الإيجار ، فإن التحقق من مطابقة حالة العين وقت الرد لحالتها وقت التسليم يصبح أمراً ميسوراً ، ولا يقتضي إلا مضاهاة العين وقت الرد للتثبت من أن حالتها مطابقة لما ورد في محضر التسلم أو في البيان المكتوب بأوصاف العين .
أما إذا لم يوجد محضر تسليم أو بيان بأوصاف العين ، فإن الفقرة الثانية من المادة ( 591 ) مدني تنص ، كما رأينا ، على ما يأتي : " فإذا كان تسليم العين للمستأجر قد تم ون كتابة محضر أو دون بيان بأوصاف هذه العين افترض ، حتى يقوم الدليل على العكس ، أن المستأجر قد تسلم العين في حالة حسنة" . فالمشرع إذن قد وضع بهذا النص قرينة قانونية تقضي بأن المستأجر قد تسلم العين في حالة حسنة ، وبرر وضع هذه القرينة ما سبق أن قررناه من أن المؤجر يلتزم ،"أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح معها لأن تفي بما أعدت له من المنفعة ، وفقاً لما تم عليه الاتفاق أو لطبيعة العين" ، ( م564 مدني ) فإذا كان المستأجر قد تسلم العين في حالة دون هذه الحالة ، فقد كان من السهل عليه أن يثبت حالة العين وقت تسلمها في محضر تسليم أو في بيان يضمنه عقد الإيجار أو يكتبه بعد ذلك ، أما ولم يفعل ، فإن هذه قرينة معقولة تدل على أنه تسلم العين في حالة حسنة تصلح معها لأن تفي بما أعدت له من المنفعة ، ويترتب على ذلك أن المستأجر يلتزم برد العين في حالة حسنة ، ما دام قد تسلمها في هذه الحالة بموجب القرينة القانونية السالفة الذكر .
على أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس كما هو صريح النص ، فيجوز للمستأجر أن يثبت ، بالرغم من أنه لا يوجد محضر تسليم أو بيان بأوصاف العين ، أن العين وقت أن تسلمها لم تكن في حالة حسنة ، وأنه رضى بحالتها كما هي ، وأن حالة العين وهو يردها مطابقة للحالة التي تسلمها عليها ، ويستطيع أن يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات ويدخل في ذلك البينة والقرائن ، لأن الإثبات يتعلق بواقعة مادية .
فإذا تمكن المستأجر من إثبات أنه يرد بالعين بالحالة التي تسلمها عليها ، أما عن طريق محضر التسليم أو عن طريق محضر التسليم أو عن طريق آخر من طرق الإثبات على الوجه الذي بسطناه فيما تقدم ، فإنه يكون قد وفى بالتزامه ولا يترتب أية مسئولية في ذمته ، أما إذا تبين أن حالة العين وقت الرد قد تغيرت عما كانت عليه وقت التسليم ، فأن هذا التغير ، كما قدمنا ، أما أن يكون بسبب الهلاك أو التلف ، وأما أن يكون بسبب آخر غير الهلاك أوالتلف .
تغير حالة العين بسبب الهلاك أو التلف :
ميزنا هذا الفرض عن غيره من الفروض لأن هناك نصوصاً أخرى تتعلق به غير نص المادة 591 مدني فقد رأينا أن المادة 583/2 مدني تنص على ما يأتي وهو (المستأجر ) مسئول عما يصيب العين أثناء انتفاعه بها من تلف أو هلاك غير ناشئ عن استعمالها استعمالاً مألوفاً وسبق ان قررنا ان التزام المستأجر في حالة الهلاك او التلف هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية ويكفى المستأجر للتخلص من المسئولية في هذه الحالة أن يثبت أنه قد بذل عناية الشخص المعتاد في المحافظة على العين من الهلاك أو التلف ، فإذا اثبت ذلك يكون قد أثبت أنه نفذ التزامه فلا يكون مسئولاً عما أصاب العين من هلاك او تلف لكن الفقرة الأولى من المادة 591 مدني تقول كما رأينا ( على المستاجر أن يرد العين المؤجر بالحالة التي تسلمها عليها إلا ما يكون قد أصاب العين من هلاك او تلف لسبب لا يد له فيه ) ويوهم هذا النص أن المستأجر مسئول عن الهلاك أو التلف ولا يستطيع التخلص من المسئولية إلا بإثبات السبب الأجنبي ولكن القول بذلك يجعل هناك تعارضاً واضحاً بين المادة 583/2 والمادة 591/1 مع أنه من الميسور التوفيق ما بين النصين ذلك أن المادة 591/1 مدني لم ترد ان تنسخ حكم المادة 583/2 ولا يزال المستأجر حتى تحت حكم المادة 591/1 مدني يستطيع التخلص من المسئولية عن الهلاك أو التلف بإثبات أن الهلاك أو التلف لم يكن بخطاة ويكفي في ذلك ان يثبت انه بذل عناية الشخص المعتاد وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادة 591 مدني ما يؤيد ذلك إذ تقول ( فإذا كان بالعين تلف كان المستأجر هو المسئول ما لم يثبت أن هذا التلف لم يكن بخطاه وقد تقدمت الإشارة الى ذلك ) والمذكرة الايضاحية تحيل الى ما قدمته في صدد المادة 583 مدنى إذ تقول ( فهو المستاجر مسئول عما يصيب العين من التلف إلا إذا اثبت ان هذا التلف لم ينشأ عن خطأه أو عن خطأ تابعيه ويكفى في ذلك ان يثبت انه قام بالعناية المطلوبة منه فإن كان التلف يرجع إلى استعمال الشئ استعمالاً مالوفاً فلا يكون مسئولاً عنه ) فواضح اذن ان المشرع في المادة 591/1 مدني لم يرد ان ينحرف عن الحكم الوارد في المادة 583/2 مدني ولا يزال المستاجر يستطيع ان يتخلص من المسئولية عن الهلاك او التلف إذا اثبت أنه بذل عناية الشخص اللمعتاد او اثبت ان الهلاك او التلف يرجع الى استعفال الشئ استعمالاً مالوفاً وانما اردات المادة 591/1 مدني ان تزيد سبباً آخر لتخلص المستأجر من المسئولية ، هو أن يثبت أن الهلاك أو التلف يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه ، وليس في هذا إلا تطبيق للقواعد العامة ، فإنه إذا لم يستطع المستأجر إثبات أنه بذل عناية الشخص المعتاد أو ألا خطأ في جانبه لأن الهلاك أو التلف يرجع إلى استعمال الشيء الاستعمال المألوف ، أو أثبت المؤجر أن المستأجر لم يبذل عناية الشخص المعتاد بل قصر في اتخاذ الاحتياطات المعتادة ، بقى للمستأجر طريق آخر للتخلص من المسئولية ، وذلك بأن يثبت أنه بالرغم من عدم بذله عناية الشخص المعتاد ، فإن هلاك العين أو تلفها يرجع إلى سبب أجنبي ، ويخلص من ذلك أن التزام المستأجر بالمحافظة على العين من الهلاك أو التلف هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية ، ويستتبع ذلك أن يكون التزامه برد العين خالية من الهلاك أو التلف هو أيضاً التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية .
فإذا استبعدنا حالة الهلاك أو التلف ، على التفصيل الذي قدمناه ، لورود نصوص خاصة بها يجب التوفيق بينها وبين نص المادة ( 591 مدني ) فإنه يجب القول بأن التزام المستأجر برد العين طبقاً للمادتين 590 ، 591 مدني هو التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية ، كالتزام المؤجر بتسلم العين وككل التزام بالتسليم أو بالرد ، وذلك حتى ترجع إلى حكم القواعد العامة فيما لم يرد فيه نص خاص .
ومن ثم يكون الأصل هو أن يلتزم المستأجر برد العين بالحالة التي تسلمها عليها ، والتزامه هذا هو التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية ، فلا يستطيع أن يتخلص من المسئولية إلا بإثبات السبب الأجنبي ، ولا يكفي أن يثبت عناية الشخص المعتاد ، ولا يستند هذا الحكم إلى الفقرة الأولى من المادة 591 مدني ، فإن هذا النص إنما يتكلم عن السبب الأجنبي في صدد هلاك العين أو تلفها وقد رأينا أن المستأجر يستطيع أن نتخلص من المسئولية في هذه الحالة ، ليس فحسب بإثبات السبب الأجنبي بل أيضاً بإثبات أنه بذل عناية الشخص المعتاد لأن التزامه التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية وإنما يستند الحكم إلى القواعد العامة كما قدمنا ، فإن كل التزام بالرد أو بالتسليم هو التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية .
فإذا تغيرت حالة العين بسبب آخر غير الهلاك أو التلف ، بأن تبين مثلاً أن هناك عجزاً في مساحتها ، أو في مقدارها لسبب لا يرجع إلى التلف أو تبين أن ملحقات العين ناقصة ، أو كانت العين منقولاً فضاعت ولم يتمكن المستأجر من ردها ، فإن المستأجر لا يستطيع التخلص من المسئولية عن الرد إلا بإثبات السبب الأجنبي، ولا يكفي أن يثبت أنه بذل عناية الشخص المعتاد أو أنه استعمل العين استعمالاً مألوفا ، وبالرغم من ذلك قد وقع العجز في المساحة أو النقص في الملحقات أو ضاعت العين ، بل الواجب أن يثبت مثلاً أن العجز في المساحة يرجع إلى قوة قاهرة كأكل البحر ، أو أن النقص في الملحقات يرجع إلى استيلاء جهة الإدارة لسبب لا يد له فيه ، أو أن ضياع العين يرجع إلى غارة عدو مفاجئة اضطرته لترك العين فضاعت .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/السادس ، الصفحة/ 795)
ومن ثم يلتزم المستأجر برد العين بالحالة التي تسلمها عليها بموجب مواصفاتها الواردة بالعقد أو بمحضر الجرد والتسلم، فإن لم توصف أعتبر أنها سلمت في حالة حسنة ولكن هذه القرنية يجوز إثبات عكسها ويقع على المستأجر عبء الإثبات وبكافة الطرق على أن العين كانت بالحالة التي هي عليها وقت الرد فإن تمكن من ذلك انتفت مسئوليته ، والالتزام بالرد أو بالتسليم هو التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية وفقاً للقواعد العامة ومن ثم يظل المستأجر مسئولاً عن العجز أو التأخر في الرد حتى يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبي كأكل البحر أو استيلاء الحكومة أو غارة حربية.
وفي تنفيذ الالتزام ، فإن كان الشيء المؤجر عيناً معينة بالذات وجب ردها في المكان الذي كانت به عند التعاقد فإن لم يكن قد عين مكان وجوده فيكون رده في موطن المستأجر أو في مركز أعماله ما لم يوجد اتفاق على مكان آخر، ويتحمل المستأجر مصروفات التسليم، أما مصروفات التسليم، فعلى المؤجر ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك.
فإذا أخل المستأجر بالتزامه، طالبه المؤجر بتعويض عما فاته من کسب وما لحقه من خسارة كما له إجباره على التنفيذ العيني بإخراجه من العين بل طرده بحكم مستعجل كما يسأل المستأجر جنائياً إذا اختلس الشيء المؤجر أو جزء منه أو أتلف عمداً أو باعه أو رهنه .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن ، الصفحة/88)
يتم رد العين المؤجرة إلى المؤجر بنفس الطريقة التي يحصل بها استلامها، وهي أن توضع العين تحت تصرف المؤجر، بحيث يتمكن من حيازتها بدون عائق وأن يخطره المستأجر بذلك.
فلا يكفي أن يخلى المستأجر العين، بل يجب أن يخطر المؤجر بهذا الإخلاء ، ولكن لا يلزم أن يضع المؤجر يده على العين بالفعل ، حتى يعتبر المستأجر موفياً بالتزامه بالرد ، طالما أن المستأجر قد وضع العين في حالة يستطيع المؤجر معها استلامها بدون عائق من جانبه ، وما دام أنه أخطره بذلك .
ولا يستلزم القانون شكلاً معيناً يتم به إخطار المؤجر، فيجوز أن يتم بأي طريق يثبت به علم المؤجر ، غير أنه من الأفضل أن يكون هذا الإخطار كتابياً ، كأن يتم بإنذار على يد محضر أو بخطاب مسجل، حتى يسهل على المستأجر إثبات حصوله.
ويلتزم المستأجر بأن يرد العين المؤجرة عند انتهاء عقد الإيجار بالحالة التي تسلمها عليها، فإذا اختلفت حالتها وقت الرد عن حالتها وقت التسليم، ولم يمكن المستأجر إعادتها إلى حالتها وقت التسليم، كان المستأجر مخلاً بالتزامه.
إذا استبعدنا تغير العين بسبب الهلاك أو التلف لورود نصوص خاصة بها يتعين التوفيق بينها وبين نص المادة 591، فإنه يجب القول بأن التزام المستأجر برد العين المؤجرة التزام بتحقيق غاية، فمجرد عدم الرد يوجب مسئولية المستأجر ما لم يثبت أن سبباً أجنبياً هو الذي أدى إلى تعذر الرد ، فإذا عجز عن إثبات السبب الأجنبي التزم بالتعويض عن قيمة العين وما فات المؤجر من ربح وما لحقه من خسارة بسبب عدم الرد في ميعاده)، ومثل ذلك أن يثبت عجزاً في مساحة العين المؤجرة أو في مقدارها بسبب لا يرجع إلى التلف، أو كانت العين منقولاً فضاعت ، فإن المستأجر لا يستطيع التخلص من المسئولية إلا بإثبات حصول ذلك نتيجة سبب أجنبي.
تقضى القواعد العامة بأن المؤجر هو المكلف بإثبات الحالة التي يدعي أن المستأجر تسلم العين عليها ، وقد يكون ذلك ميسوراً إذا بين المتعاقدان أوصاف العين وحالتها في عقد الإيجار، أو حرر محضر دون فيه ذلك.
أما إذا كانت أوصاف العين وحالتها لم تبين بعقد الإيجار أو بمحضر مستقل ، فقد أقام النص قرينة قانونية على أن المستأجر قد تسلمها في حالة حسنة من جميع الوجوه، أى مستوفية كل الإصلاحات اللازمة للانتفاع بها على الوجه الذي أجرت من أجله، لا فرق في ذلك بين الإصلاحات الضرورية والتأجيرية .
والتزام المستأجر برد العين المؤجرة غير قابل للانقسام، فلو تعدد سم المستأجرون أو مات المستأجر وخلفه عدة ورثة بالعين المؤجرة، كان للمؤجر أن يطالب أياً منهم برد العين المؤجرة كلها مع كافة ملحقاتها، وللأخير أن يرجع على الباقين.
أما حق المؤجر في التعويض عند الإخلال بالتزام الرد ، فهو مما يقبل الانقسام ، فيطالب المؤجر كلاً من المستأجرين إذا تعددوا بنصيبه في التعويض، وكذلك الحال بالنسبة لمطالبة ورثة المستأجر المتوفى. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع ، الصفحة /707)
وقد عدل المشرع المصري في التقنين الحالي عن هذه القرينة التي كان قد أخذ بها في التقنين الملغي والتي أدت إلى اختلاف حكم القانون المصري عن حكم القانون الفرنسي مع اتفاقهما في مبدأ وجوب الرد بالحالة التي تم عليها التسليم ، فكان طبيعياً - بعد أن ألزم المشرع المؤجر في التقنين الحالي بأن يسلم العين الى المستأجر بحالة حسنة - أن يفترض أن التسليم قد تم بهذه الحالة ما دام المستأجر قد تسلم العين دون تحفظ ، أي أن يأخذ بالقرينة المقررة في القانون الفرنسي . ولذلك نص في المادة 591 فقرة ثانية منه على أنه « إذا كان تسليم العين المستأجر قد تم دون كتابة محضر أو دون بیان بأوصاف هذه العين ، افترض - حتى يقوم الدليل على العكس - أن المستأجر قد تسلم العين في حالة حسنة ».
هذا فيما يتعلق بثبوت الحالة التي سلمت بها العين المؤجرة وقت بدء الانتفاع .
أما فيما يتعلق بالحالة التي يجب ردها عليها عند انتهاء الإجارة ، فقد أخذ التقنين الحالي صراحة بالمبدأ الذي المستنبطة من أحكام التقنين الملغي والذي قرره القانون الفرنسي ، فقضى في المادة 591 فقرة أولى بأن على المستأجر أن يبرد العين المؤجرة بالحالة التي تسلمها عليها ، إلا ما يكون قد أصاب العين من هلاك أو تلف لسبب لا يد له فيه.
وبناءً على ذلك تعتبر القاعدة في التقنين المدني الحالي أن المستأجر يلتزم بموجب العقد أن يرد العين بالحالة التي تسلمها عليها ، وأن إثبات هذه الحالة يقع على عاتق المستأجر ، لأنه اذا لم يثبتها في محضر تسليم افترض فيه أنه تسلم العين بحالة حسنة إلى أن يثبت هو غير ذلك ، ومتی عينت الحالة التي تم عليها التسليم ، سواء كان ذلك من طريق محضر التسليم ، أو من طريق القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 591 فقرة ثانية ، أو من طريق اثبات عكس هذه القرينة وفقاً للقواعد القديمة ، كانت هذه الحالة هي التي يجب أن يرد عليها العين المؤجرة إلى المؤجر ، وكان المستأجر مسئولاً عما طرأ على هذه الحالة من تلف مسئولية عقدية وفقاً للقواعد العامة .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس ، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن ،الصفحة/ 498)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 270
ج - رفْع الْمسْتأْجر يده عن الْعيْن عنْد انْتهاء الإْجارة:
58 - بمجرّد انْقضاء الإْجارة يلْزم الْمسْتأْجر رفْع يده عن الْعيْن الْمسْتأْجرة ليسْتردّها الْمؤجّر، فهو الّذي عليْه طلب اسْترْدادها عنْد انْقضاء الإْجارة. وإن اسْتأْجر دابّةً ليصل بها إلى مكانٍ معيّنٍ لزم الْمؤجّر اسْتلامها منْ هذا الْمكان، إلاّ إذا كان الإْجارة للذّهاب والْعوْدة.
ومن الشّافعيّة منْ قال: يلْزم الْمسْتأْجر ردّ الْعيْن بعْد انْقضاء الإْجارة ولوْ لمْ يطْلبْها الْمؤجّر؛ لأنّ الْمسْتأْجر غيْر مأْذونٍ في إمْساكها بعْد انْقضاء الْعقْد، فلزمه الرّدّ كالْعاريّة.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 258
يَدُ الأْمَانَةِ وَيَدُ الضَّمَانِ:
66 - الْمَشْهُورُ تَقْسِيمُ الْيَدِ إِلَى قِسْمَيْنِ: يَدِ أَمَانَةٍ، وَيَدِ ضَمَانٍ.
وَيَدُ الأْمَانَةِ، حِيَازَةُ الشَّيْءِ أَوِ الْمَالِ، نِيَابَةً لاَ تَمَلُّكًا، كَيَدِ الْوَدِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَالْوَصِيِّ.
وَيَدُ الضَّمَانِ، حِيَازَةُ الْمَالِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْحَائِزِ، كَيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ، وَالْمُقْتَرِضِ.
وَحُكْمُ يَدِ الأْمَانَةِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَمَانَةً، لاَ يَضْمَنُ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّقْصِيرِ، كَالْوَدِيعِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ مَنْ لاَ يُودَعُ مِثْلُهَا عِنْدَ مِثْلِهِ يَضْمَنُهَا.
وَحُكْمُ يَدِ الضَّمَانِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ أَوِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، يَضْمَنُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ، كَمَا يَضْمَنُهُ بِالتَّلَفِ وَالإْتْلاَفِ.
فَالْمَالِكُ ضَامِنٌ لِمَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِذَا انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ بِإِذْنِهِ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ، فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ.
وَلَوِ انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ، بِعَقْدِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةً، فَالضَّمَانُ - أَيْضًا - عَلَى الْمَالِكِ .
أَهَمُّ الأْحْكَامِ وَالْفَوَارِقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ:
أ - تَأْثِيرُ السَّبَبِ السَّمَاوِيِّ:
67 - إِذَا هَلَكَ الشَّيْءُ بِسَبَبٍ لاَ دَخْلَ لِلْحَائِزِ فِيهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ، انْتَفَى الضَّمَانُ فِي يَدِ الأْمَانَةِ، لاَ فِي يَدِ الضَّمَانِ، فَلَوْ هَلَكَتِ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِسَبَبِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ، لاَ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ، لأِنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ.
بِخِلاَفِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِهَلاَكِهِ بِذَلِكَ، بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مِنْ بَقَائِهِ، لِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كُلَّمَا طَالَبَ بِالثَّمَنِ، فَامْتَنَعَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَارْتَفَعَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ مَالِكٍ، انْتِقَالُ الضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ .
ب - تَغَيُّرُ صِفَةِ وَضْعِ الْيَدِ:
68 - تَتَغَيَّرُ صِفَةُ يَدِ الأْمِينِ وَتُصْبِحُ يَدَ ضَمَانٍ بِالتَّعَدِّي، فَإِذَا تَلِفَ الشَّيْءُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ التَّلَفِ، وَلَوْ سَمَاوِيًّا.
أ - فَفِي الإْجَارَةِ، يُعْتَبَرُ الأْجِيرُ الْمُشْتَرَكُ أَمِينًا - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، لاَ يُضْمَنُ إِنْ هَلَكَ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، إِلاَّ إِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، كَالْوَدِيعِ إِذَا قَصَّرَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ أَوْ تَعَمَّدَ الإْتْلاَفَ، أَوْ تَلِفَ الْمَتَاعُ بِفِعْلِهِ، كَتَمَزُّقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ .
ب - وَفِي الْوَدِيعَةِ، يَضْمَنُ إِذَا تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ، كَأَنْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ، فَتَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ خَالَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحِفْظِ، أَوْ أَوْدَعَهَا مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ لاَ تُودَعُ عِنْدَ مِثْلِهِ، أَوْ سَافَرَ بِهَا، أَوْ جَحَدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (وَدِيعَة).
ج - وَفِي الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَا عَدَا الْحَنَابِلَةَ، لاَ تُضْمَنُ إِنْ هَلَكَتْ بِالاِنْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ، وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي، كَأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ يُتْلِفَهَا أَوْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُعِيرِ بَعْدَ الطَّلَبِ، عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا يُغَابُ وَمَا لاَ يُغَابُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
ج - الْمَوْتُ عَنْ تَجْهِيلٍ:
69 - مَعْنَى التَّجْهِيلِ: أَنْ لاَ يُبَيِّنَ حَالَ الأْمَانَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فَالْوَدِيعُ إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً حَالَ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَوَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، يَضْمَنُهَا بِذَلِكَ.
وَمَعْنَى ضَمَانِهَا - كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ - صَيْرُورَتُهَا دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ .
وَكَذَلِكَ نَاظِرُ الْوَقْفِ، إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً لِحَالِ بَدَلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.
وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الإْيصَاءِ فِي الْوَدِيعَةِ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ، وَقَالُوا: إِذَا مَرِضَ الْمُودَعُ مَرَضًا مَخُوفًا، أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ، لأِنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، لأِنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْعَيْنِ، وَلاَ بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ بَيَانِ الْوَدِيعَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عِنْدِي لِفُلاَنٍ ثَوْبٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ، ضَمِنَ لِعَدَمِ بَيَانِهِ . (ر: تَجْهِيل).
د - الشَّرْطُ:
70 - لاَ أَثَرَ لِلشَّرْطِ فِي صِفَةِ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ عِنْدَ الأْكْثَرِينَ.
قَالَ الْبَغْدَادِيُّ: اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: تَصِيرُ مَضْمُونَةً .
وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الأْمِينِ بَاطِلٌ، بِهِ يُفْتَى فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ.
وَلَوْ شَرَطَ الْمُودَعُ عَلَى الْوَدِيعِ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلاَ ضَمَانَ لَوْ تَلِفَتْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الأْمَانَاتِ .
وَعَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنَا ضَامِنٌ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَقْصِيرٍ، لأِنَّ ضَمَانَ الأْمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الأْمَانَةِ فِي الْعَارِيَّةِ - وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الاِسْتِعْمَالِ - هُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشَرْطُ أَنْ لاَ ضَمَانَ فِيهَا فَاسِدٌ لاَ مُفْسِدٌ .
وَجَاءَ فِي نُصُوصِ الْحَنَابِلَةِ: كُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لاَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ أَمَانَةً، فَإِذَا شَرَطَ ضَمَانَهُ، فَقَدِ الْتَزَمَ ضَمَانَ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ ضَمَانَ مَالٍ فِي يَدِ مَالِكِهِ. وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لاَ يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الضَّمَانُ، فَإِذَا شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ لاَ يَنْتَفِي مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِ مَا يَتَعَدَّى فِيهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَالأْوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الضَّمَانِ:
الْقَوَاعِدُ فِي الضَّمَانِ كَثِيرَةٌ، نُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا ، بِاخْتِصَارٍ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالتَّمْثِيلِ لَهَا، كُلَّمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ، مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ أَوَائِلِ حُرُوفِهَا:
الْقَاعِدَةُ الأْولَى: «الأْجْرُ وَالضَّمَانُ لاَ يَجْتَمِعَانِ » :
71 - الأْجْرُ هُوَ: بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ. وَالضَّمَانُ - هُنَا - هُوَ: الاِلْتِزَامُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، هَلَكَتْ أَوْ لَمْ تَهْلَكْ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ، الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْيِهِمْ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ.
فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً، لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَحَمَّلَهَا شَيْئًا آخَرَ أَوْ أَثْقَلَ مِنْهُ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، كَأَنْ حَمَلَ مَكَانَ الْقُطْنِ حَدِيدًا فَتَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ هَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا، لِيَرْكَبَهَا إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ الأْجْرَ وَالضَّمَانَ لاَ يَجْتَمِعَانِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
لَكِنِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ عِنْدَهُمْ، بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الأْجْرِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، كَمَا لَوِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ - مَثَلاً - فِعْلاً، ثُمَّ تَجَاوَزَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَضَمِنَ، يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا سَمَّى عِنْدَهُمْ، إِذَا سَلِمَتِ الدَّابَّةُ وَلَمْ تَهْلَكْ .
وَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ الأْجْرَ كُلَّمَا كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، لأِنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ كَالأْعْيَانِ، فَإِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا فَقَدْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالأْعْيَانِ وَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمَغْصُوبِ فِي مُدَّةِ الْغَصْبِ، وَجَبَ مَعَ الأْجْرَةِ أَرْشُ نَقْصِهِ لاِنْفِرَادِ كُلٍّ بِإِيجَابٍ .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ: وَافَقُوا فِي بَعْضِهَا الْحَنَفِيَّةَ، وَفِي بَعْضِهَا الْجُمْهُورَ وَانْفَرَدُوا بِتَفْصِيلٍ فِي بَعْضِهَا .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ يُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الْمُبَاشِرِ .
72 - الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ: هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ بِالذَّاتِ، وَالْمُتَسَبِّبُ هُوَ الْمُفْضِي وَالْمُوَصِّلُ إِلَى وُقُوعِهِ، وَيَتَخَلَّلُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الأْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَالْمُبَاشِرُ يَحْصُلُ الأْثَرُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ.
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمُبَاشِرُ لأِنَّهُ أَقْرَبُ لإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَسَبِّبِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي فَلَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْ وَلِيِّ الأْمْرِ، فَأَلْقَى شَخْصٌ حَيَوَانَ غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، ضَمِنَ الَّذِي أَلْقَى الْحَيَوَانَ، لأِنَّهُ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ، دُونَ حَافِرِ الْبِئْرِ، لأِنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ.
وَلَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، ضَمِنَ الْحَافِرُ، لِتَسَبُّبِهِ بِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَتَاعٍ، فَسَرَقَهُ الْمَدْلُولُ، ضَمِنَ السَّارِقُ لاَ الدَّالُّ.
وَلِذَا لَوْ دَفَعَ إِلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا، فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ، لاَ يَضْمَنُ الدَّافِعُ، لِتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَلَوْ وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى رِجْلِ الصَّبِيِّ فَجَرَحَهَا ضَمِنَ الدَّافِعُ .
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: «الاِضْطِرَارُ لاَ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ» .
73 - تَطَّرِدُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِضْطِرَارُ فِطْرِيًّا كَالْجُوعِ، أَمْ غَيْرَ فِطْرِيٍّ كَالإْكْرَاهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الإْثْمُ، وَعُقُوبَةُ التَّجَاوُزِ، أَمَّا حَقُّ الآْخَرِينَ فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِالاِضْطِرَارِ، وَيَبْقَى الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا. فَلَوِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ، لِعَدَمِ إِذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا الَّذِي وُجِدَ هُوَ إِذْنُ الشَّرْعِ الَّذِي أَسْقَطَ الْعُقُوبَةَ فَقَطْ .
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: «الأْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ» .
74 - الأْمْرُ: هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ جَزْمًا، فَإِذَا أَمَرَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِأَخْذِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْ بِإِتْلاَفِهِ عَلَيْهِ فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذَا الأْمْرِ، وَيَضْمَنُ الْفَاعِلُ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيَّدَةٌ:
بِأَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَاقِلاً بَالِغًا، فَإِذَا كَانَ صَغِيرًا، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ. وَأَنْ لاَ يَكُونَ الآْمِرُ ذَا وِلاَيَةٍ وَسُلْطَانٍ عَلَى الْمَأْمُورِ.
فَلَوْ كَانَ الآْمِرُ هُوَ السُّلْطَانَ أَوِ الْوَالِدَ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا .
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: «جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ».
75 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقْتَبَسَةٌ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» وَالْعَجْمَاءُ: الْبَهِيمَةُ، لأِنَّ هَا لاَ تُفْصِحُ، وَمَعْنَى جُبَارٌ: أَنَّهُ هَدَرٌ وَبَاطِلٌ.
وَالْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُسَيَّبَةً حَيْثُ تُسَيَّبُ الْحَيَوَانَاتُ، وَلاَ يَدَ عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَيَضْمَنُ، فَلَوِ اصْطَادَتْ هِرَّتُهُ طَائِرًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يَأْتِي فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ.
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: «الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ» .
76 - يَعْنِي إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْفِعْلِ الْجَائِزِ الْمُبَاحِ شَرْعًا، ضَرَرٌ لِلآْخَرِينَ، لاَ يُضْمَنُ الضَّرَرُ. فَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَتَرَدَّى فِيهَا حَيَوَانٌ أَوْ إِنْسَانٌ، لاَ يَضْمَنُ الْحَافِرُ شَيْئًا. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطَيْنِ:
1 - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُبَاحُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، فَيَضْمَنُ - مَثَلاً - رَاكِبُ السَّيَّارَةِ وَقَائِدُ الدَّابَّةِ أَوْ رَاكِبُهَا فِي الطَّرِيقِ .
2 - أَنْ لاَ يَكُونَ فِي الْمُبَاحِ إِتْلاَفُ الآْخَرِينَ وَإِلاَّ كَانَ مَضْمُونًا.
فَيَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِلْمَخْمَصَةِ، مَعَ أَنَّ أَكْلَهُ لأِجْلِهَا جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ .
الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»
77 - الْخَرَاجُ: هُوَ غَلَّةُ الشَّيْءِ وَمَنْفَعَتُهُ، إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ. كَسُكْنَى الدَّارِ، وَأُجْرَةِ الدَّابَّةِ.
وَالضَّمَانُ: هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ عَنِ الضَّرَرِ الْمَادِّيِّ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنَافِعَ الشَّيْءِ يَسْتَحِقُّهَا مَنْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ لَوْ هَلَكَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِي مُقَابِلِ تَحَمُّلِ خَسَارَةِ هَلاَكِهِ، فَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لاَ يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» .
الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ» .
78 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ التَّكَلُّفَاتِ وَالْغَرَامَاتِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّيْءِ، تَجِبُ عَلَى مَنِ اسْتَفَادَ مِنْهُ وَانْتَفَعَ بِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ:
1 - نَفَقَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي انْتَفَعَ بِهَا.
2 - وَنَفَقَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْ حِفْظِهَا.
3 - وَأُجْرَةِ كِتَابَةِ عَقْدِ الْمِلْكِيَّةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأِنَّ هَا تَوْثِيقٌ لاِنْتِقَالِ الْمِلْكِيَّةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ.
الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ: «لاَ يَجُوزُ لأِحَدٍ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِلاَ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ» .
79 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .
فَيَحْرُمُ أَخْذُ أَمْوَالِ الآْخَرِينَ بِالْبَاطِلِ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا.
أَحْكَامُ الضَّمَانِ:
أَحْكَامُ الضَّمَانِ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - تُقَسَّمُ إِلَى هَذِهِ الأْقْسَامِ.
1 - ضَمَانُ الدِّمَاءِ (الأْنْفُسِ وَالْجِرَاحِ).
2 - ضَمَانُ الْعُقُودِ.
3 - ضَمَانُ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ ، كَالإْتْلاَفَاتِ، وَالْغُصُوبِ.
وَحَيْثُ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ فِي أَنْوَاعِ الضَّمَانِ وَمَحَلِّهِ، فَنَقْصِرُ الْقَوْلَ عَلَى ضَمَانِ الدِّمَاءِ، وَضَمَانِ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 15
الْمُؤْنَةُ فِي الإْجَارَةِ :
3 - الْمُؤْنَةُ فِي الإْجَارَةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالنِّسْبَةِ لِكُلْفَةِ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَحْتَاجُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مُؤْنَةٍ أَثْنَاءَ الإْجَارَةِ .
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - عَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الأْصْلِ - إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ مَا اسْتَأْجَرَ عَلَى الْمَالِكِ، وَعَلَى الَّذِي آجَرَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الأْصْلِ : إِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَحًى يَطْحَنُ عَلَيْهَا شَهْرًا بِأَجْرٍ مُسَمًّى، فَحَمَلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى رَبِّ الرَّحَى، وَالْمِصْرُ وَغَيْرُ الْمِصْرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، لَكِنْ هَذَا إِذَا كَانَ الإْخْرَاجُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، فَأَمَّا إِذَا حَصَلَ الإْخْرَاجُ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
وَأَمَّا الرَّدُّ بِالنِّسْبَةِ لِلأْجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، نَحْوُ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالنَّسَّاجِ فَهُوَ عَلَى الأْجِيرِ ؛ لأِنَّ الرَّدَّ نَقْضُ الْقَبْضِ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مَنْفَعَةُ الْقَبْضِ لَهُ، وَمَنْفَعَةُ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلأْجِيرِ ؛ لأِنَّ لِلأْجِيرِ عَيْنًا وَهُوَ الأْجْرَةُ، وَلِرَبِّ الثَّوْبِ الْمَنْفَعَةُ، وَالْعَيْنُ خَيْرٌ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَكَانَ الرَّدُّ عَلَيْهِ .
وَالشَّافِعِيَّةُ يَبْنُونَ تَحَمُّلَ مُؤْنَةِ رَدِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى لُزُومِ الرَّدِّ وَعَدَمِ لُزُومِهِ.
جَاءَ فِي الْمُهَذَّبِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي رَدِّ الْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الإْجَارَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لاَ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ الرَّدُّ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ؛ لأِنَّ الْمُسْتَأْجَرَ أَمَانَةٌ فَلاَ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا قَبْلَ الطَّلَبِ كَالْوَدِيعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ؛ لأِنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الإْجَارَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي إِمْسَاكِهَا، فَلَزِمَهُ الرَّدُّ كَالْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لَمْ يَلْزَمْهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ كَالْوَدِيعَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لَزِمَهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ كَالْعَارِيَّةِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ رَدُّ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلاَ مُؤْنَتُهُ كَالْمُودَعِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ عَقْدٌ لاَ يَقْتَضِي الضَّمَانَ، فَلاَ يَقْتَضِي الرَّدَّ وَلاَ مُؤْنَتَهُ .
___________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا)
(الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 33)
إذا تلفت العين المنتفع بها أو هلكت بدون تعدي المنتفع أو تقصيره في المحافظة عليها فلا ضمان عليه.
( مادة 548 )
اذا انتهت مدة الإجارة وجب على المستأجرأن يفرغ الدار أو الحانوت المؤجرة ويسلمها لصاحبها ولاحاجة للتنبيه عليه بالتخلية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (601) ضمان تلف المأجور في يد المستأجر
لا يلزم الضمان إذا تلف المأجور في يد المستأجر ما لم يكن بتقصيره أو تعديه أو مخالفته لمأذونيته.
مادة (602) ضمان تلف المأجور
يلزم الضمان على المستأجر لو تلف المأجور أو طرأ على قيمته نقصان بتعديه مثلاً لو ضرب المستأجر دابة الكراء فماتت منه أو ساقها بعنف وشدة فهلكت لزمه ضمان قيمتها.
مادة (604) ضمان تلف المأجور بتقصير المستأجر
لو تلفت المأجور بتقصير المستأجر في أمر المحافظة أو طرأ على قيمته نقصان يلزم الضمان مثلاً لو ترك المستأجر دابة الكراء خالية الرأس وضاعت يضمن.
مادة (606) ضمان تلف المأجور عند انقضاء الإجارة
يبقى المأجور كالوديعة أمانة في يد المستأجر عند القضاء الإجارة كما كان وعلى هذا لو استعمل المستأجر المأجور بعد انقضاء مدة الإجارة وتلف يضمن كذلك لو طلب الآجر ماله عند انقضاء الإجارة من المستأجر ولم يعطه إياه ثم بعد الإمساك تلف يضمن.