مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع، الصفحة : 569
مذكرة المشروع التمهيدي :
في الإيجار من الباطن تبقي العلاقة ما بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي، فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بمقتضى هذا العقد أما العلاقة ما بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن فتسري عليها أحكام الإيجار من الباطن، ويكون المستأجر الأصلى بالنسبة للمستأجر من الباطن مؤجراً والمستأجر من الباطن بالنسبة للمستأجر الأصلى مستأجراً وتوجد علاقة مباشرة ما بين المؤجر والمستأجر من الباطن في شيء واحد هو الأجرة، فيكون المستأجر من الباطن ملزماً بأن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلي من الأجرة من وقت إنذار المؤجر له عن المدة التي تلي هذا الإنذار فإن كان قد عجل منها شيئاً قبل الإنذار فلا يكون هذا حجة على المؤجر إلا إذا كان قد تم وفقاً للعرف وبسند ثابت التاريخ و سابق على الإنذار ويلاحظ أن التقنين الحالى لا ينص على هذه العلاقة المباشرة، ولذلك لم يستطع القضاء أن يقررها.
أما سائر التزامات المستأجر، غير دفع الأجرة، فتبقى العلاقة غير مباشرة ما بين المؤجر والمستأجر من الباطن يتوسط بينهما المستأجر الأصلي، إلا إذا قبل المؤجر الإيجار من الباطن بعد صدوره دون تحفظ، أو استوفي الأجرة من المستأجر من الباطن دون تحفظ، فعندئذ يختفي المستأجر الأصلي، وتصبح علاقة المؤجر بالمستأجر من الباطن علاقة مؤجر بمستأجر، لكل منهما أن يطالب الآخر بحقوقه بطريق الدعوى المباشرة.
1- الأصل أن العقد لا يفسخ على غير عاقديه ولما كان مفاد المادتين 596 ، 597 من القانون المدنى إنه فى الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلى خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلى ، فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بحقيقتى هذا العقد و يسرى على العلاقة بين المستأجر الأصلى والمستأجر من الباطن أحكام عقد الإيجار من الباطن ولا ينشئ هذا العقد الأخير علاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن و المؤجر الأصلى إلا فى شيء واحد هو الأجرة على نحو ما فصلته المادة 597 مدنى ، أما سائر الحقوق و الإلتزامات الأخرى الناشئة عن عقد الإيجار فتبقى العلاقة بالنسبة لها غير مباشرة ما بين المؤجر الأصلى و المستأجر من الباطن يتوسط بينهما - المستأجر الأصلى ولا ينشئ عقد الإيجار من الباطن علاقة مباشرة بين المؤجر الأصلى و المستأجر من الباطن ، و لو كان قد صرح للمستأجر فى عقد الإيجار الأصلى بالتأجير من الباطن . لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه إنتهى إلى قيام علاقة تعاقدية بين المؤجر الأصلى و المستأجر من الباطن تأسيساً على أن المؤجر الأصلى صرح للمستأجر الأصلى بالتأجير من الباطن فإنه يكون قد أجرى فسخ العقد على غير عاقديه خاصته بعد أن قضى بإخراج الشركة المطعون ضدها الثانية - المستأجرة الأصلية من الدعوى بلا مصاريف وبإعتبار دعوى الإخلاء المرفوعة منها على المستأجر من الباطن الطاعن كأن لم تكون ليكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 2212 لسنة 59 جلسة 1990/02/22 س 41 ع 1 ص 581 ق 98)
2- إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن العلاقة بين الشركة الطاعنة - التى تنازل لها المستأجر الأصلى عن العين المؤجرة - والمطعون ضده الرابع - المستأجر الأصلى - هى علاقة إيجارية يحكمها العقد المؤرخ أول يناير سنة 1976 وقد تم بغير تصريح كتابى صريح من المالكين مخالفاً المادة 31/ب من القانون رقم 49 لسنة 1977 ، ولما كان هذا التصريح إشترطه القانون باعتبار أن الكتابة وسيلة للإثبات وليست ركناً شكلياً فيه ، ومن ثم يجوز إثبات التنازل عن حظر التأجير من الباطن بنكول المؤجر عن اليمين أو بإقراره الصريح أوالضمنى ، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الشركة الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بأن المالكتين قد تسلمتا منهما الإيجار بغير تحفظ مدة عامين وذلك بواسطة وكيلهما ، مما يعتبر تنازلاً ضمنياً عن التصريح الكتابى بالتأجير من الباطن ، و طلبا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات دفاعهما المشار إليه ، ومع ذلك لم يعر الحكم هذا الطلب إلتفاتا ، و لم يرد عليه ، فإنه يكون قاصر التسبيب .
(الطعن رقم 1509 لسنة 49 جلسة 1980/06/04 س 31 ع 2 ص 1669 ق 310)
3- منع المستأجر من تأجير المكان من باطنه أو التنازل عن الإجارة حق مقرر لمصلحة المؤجر ، فيجوز له التنازل عنه صراحة أو ضمناً ، وليس له من بعد حصوله طلب فسخ الإجارة بسببه ، ولئن كانت الكتابة كطريق لإثبات الإذن بالتنازل عن الشرط المانع ليست ركناً شكلياً ولا هى شرط لصحته ، فيجوز إثبات التنازل الضمنى بكافة طرق الإثبات إعتباراً بأن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية تثبت بجميع الوسائل .
(الطعن رقم 674 لسنة 46 جلسة 1979/02/28 س 30 ع 1 ص 647 ق 122)
4- إذ كان الإيجار من الباطن هو إيجار جديد يعقد بين المستأجر الأصلى والمستأجر من الباطن ، ويرد على حق الأول فى الإنتفاع بالعين ، وهو الذى يحكم العلاقة بين طرفيه ,حتى ولو تم هذا العقد خلافاً لنص مانع متفق عليه فى الإيجارة الأصلية المبرمة بين المؤجر والمستأجر الأصلى وحتى ولو كانت شروطة مغايرة لشروطها ، ويتعين على المستأجر من الباطن تبعاً لذلك أن يوفى بإلتزاماته قبل المستأجر الأصلى ما دام هذا الأخير من جانبه قد نفذ إلتزاماته ، ولا يحق للأول أن يتمسك قبله بأنه ممنوع من التأجير من الباطن ، لما كان ذلك و كان الطاعن لم يدع أن المطعون عليه قد أخل بإلتزاماته تجاهه و منها تمكينه من الانتفاع بالمكان المؤجر ، فيكون غير منتج إدعاء الطاعن أن عقد الإيجار الأصلى يتضمن منعاً من التأجير من الباطن بفرض صحة هذا الإدعاء ، ولا يسوغ له التحلل من إلتزاماته الناشئة عن الإتفاق المبرم بينه وبين المطعون عليه .
(الطعن رقم 851 لسنة 43 جلسة 1977/06/15 س 28 ع 1 ص 1446 ق 251)
5- مفاد المادتين 596 ، 597 من القانون المدنى أنه فى الإيجار من الباطن تبقى العلاقة بين المؤجر والمستأجر الأصلى خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلى فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بمقتضى هذا العقد ، ويسرى على العلاقة بين المستأجر الأصلى و المستأجر من الباطن أحكام عقد الإيجار من الباطن ولاينشىء هذا العقد الأخير علاقة مباشرة بين المستأجر من الباطن والمؤجر الأصلى إلا فى شىء واحد هو الأجرة ، فيكون المستأجر من الباطن ملزماً بأن يؤدى للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً فى ذمته للمستأجر الأصلى من الأجرة وقت إنذار المؤجر له عن المدة التى تلحق الإنذار على نحو ما فصلته المادة 597 من ذلك القانون ولا ينشىء عقد الإيجار من الباطن علاقة مباشرة بين المؤجر الأصلى وبين المستأجر من الباطن إلا إذا قبل المؤجر الأصلى الإيجار من الباطن دون تحفظ أيضاً لما كان ذلك و كان الواقع فى الدعوى أن المالك الجديد للعقار إنما إستأدى الأجرة من الطاعنين لا بوصفه مستأجر من الباطن بل بوصفه مستأجراً أصلياً بناء على العقدين اللذين أبرمهما معه ، بما يتضمن جحداً من المال الجديد لعقد الايجار من الباطن المبرم بين الطاعن و المطعون عليه ، فإن الحكم المطعون عليه يكون قد أصاب إذا لم يعتد قبل المطعون عليه . المستأجر الأصلى - بالمبالغ التى دفعها الطاعن - المستأجر من الباطن - للمالك الجديد .
(الطعن رقم 851 لسنة 43 جلسة 1977/06/15 س 28 ع 1 ص 1446 ق 251)
6- إذ كان يبين من الذى قرره الحكم المطعون فيه أنه إتخذ من إستلام وكيل الطاعنين الأجره من المطعون عليه الثانى مباشرة دون تحفظ دليلاً على موافقتهم على تنازل المستأجر الأصلى له عن الإيجار وإعتباره هو المستأجر للعين فأنه لايكون قد أخطأ فى تطبيق القانون . لما كان ما تقدم وكانت هذه الدعامة كافية لحمل قضاء الحكم ، فإن من حق المطعون عليه الثانى ترتيباً عليها أن يؤجر العين من باطنه إلى المطعون عليها الأخيرة مدة إقامته الموقوتة بالخارج وفقاً للفقرة الثانية من المادة 62 من القانون رقم 52 لسنة 1969 .
(الطعن رقم 403 لسنة 43 جلسة 1977/01/12 س 28 ع 1 ص 224 ق 50)
7- لئن كانت العلاقة بين المؤجر الأصلي والمستأجر من الباطن - فيما عدا إلتزام الأخير بأن يؤدي للأول مباشرة ما يكون ثابتاً فى ذمته للمستأجر الأصلي من الأجرة من وقت إنذار المؤجر له عن المدة التي تلي الإنذار على نحو ما فصلته المادة 597 من القانون المدني - غير مباشرة، إلا أنه يجوز للمستأجر من الباطن أن يرجع مباشرة على المؤجر بدعوى المسئولية التقصيرية إذا ارتكب المؤجر أو أحد تابعيه خطأ ألحق ضرراً بالمستأجر من الباطن. وإذ كان الثابت مما سجله الحكم المطعون فيه أن الشركة المطعون ضدها الأولى أجرت للمطعون ضده الثاني طابقا فى عمارة تملكها، وصرحت له فى العقد بتأجير كل أو بعض العين المؤجرة من الباطن وأن المطعون ضده الثاني أجر من باطنه للطاعن شقة فى ذلك الطابق، وأن الطاعن وهو المستأجر من الباطن أقام الدعوى على المؤجرة الأصلية بطلب تعويض عما لحقه من أضرار إستنادا إلى مسئوليتها التقصيرية، وقضت له محكمة أول درجة بالتعويض الذي طلبه بعد أن خلصت إلى توافر أركان هذه المسئولية. وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض هذه الدعوى تأسيساً على عدم جواز رجوع المستأجر من الباطن على المؤجر الأصلي بدعوى المسئولية بعد أن إنتهى إلى قيام علاقة عقدية بين المؤجر الأصلي وبين المستأجر من الباطن أساسها عقد الإيجار من الباطن المتضمن شرط الإعفاء من المسئولية، وذلك من مجرد تصريح المؤجر فى عقد الإيجار للمستأجر الأصلي بالتأجير من الباطن فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه.
(الطعن رقم 242 لسنة 41 جلسة 1975/04/30 س 26 ع 1 ص 896 ق 172)
ويتبين من النص المتقدم أن قبول المؤجر للتنازل عن الإيجار هو قبول آخر لاحق للتنازل، غير قبوله الضمني السابق على التنازل كما سبق القول، وهذا القبول الآخر معناه أن المؤجر قد قبل المتنازل له عن الإيجار بالذات بعد أن عرفه، وقد كان لا يعرفه وقت قبوله السابق على التنازل إذ لم يكن موجودًا في ذلك الوقت، وما دام المؤجر بعد أن عرف شخص المتنازل له قد قبله مديناً، فإن القانون يفترض أن المؤجر قد أراد بذلك إبراء ذمة المستأجر إبراء تامًا نهائيًا، لا من التزاماته فحسب بل أيضًا من ضمانه، وقبول المتنازل وحده مدينًا وفي هذه الحالة لا يكون المستأجر ضامنًا ليسار المتنازل له، لا عند المطالبة ولا عند قبول المؤجر فإذا كان المتنازل له معسرًا وقت قبول المؤجر، لم يكن المستأجر ضامنًا . ولو أعسر المتنازل له عند المطالبة وكان موسرًا قبل ذلك، لم يكن المستأجر ضامنًا كذلك .
فالمستأجر إذن قد برئت ذمته نهائيًا من كل التزام؛ ولم يعد للمؤجر غير مدين واحد هو المتنازل له.
وقبول المؤجر اللاحق للتنازل قد يكون كما قدمنا قبولاً صريحًا أو قبولاً ضمنيًا وإذا كانت المادة 597 مدني سالفة الذكر اقتصرت على القبول الصريح واستيفاء الأجرة مباشرة من المتنازل له دون أي تحفظ، فليس هذا معناه أن القبول لا يجوز أن يكون غلا قبولاً صريحًا أو قبولاً ضمنيًا مستخلصًا من استيفاء الأجرة مباشرة من المتنازل له بل أي قبول ضمني يكفي وإنما خص المشرع استيفاء الأجرة مباشرة من المتنازل له بالذكر، لن هذه هي الصورة الغالبة للقبول الضمني ذلك أن المؤجر، عندما يقبل من المتنازل له الأجرة ولا يبدي عند استيفائها أنه يحتفظ بحقوقه قبل المستأجر، يكون قد دل بذلك على أنه إنما استوفى الأجرة من المتنازل له باعتباره هو المدين بها وحده دون أن يكون أحد ضامنًا له، فيكون بذلك قد أخلى ذمة المستأجر من كل التزام، وقد يستخلص القبول الضمني من أية ظروف أخرى . مثل ذل أن يطالب المؤجر المتنازل له بدفع الأجرة دون أن يستوفيها، أو يطالبه بالالتزامات الأخرى كالقيام بالترميمات الضرورية أو دفع تعويض عن تلف أصاب العين أو عن حريق، سواء كانت المطالبة مطالبة ودية أو مطالبة قضائية، ما دام المؤجر لم يتحفظ وهو يطالب المتنازل له فيذر في وضوح أنه في مطالبته هذه لم يتخل عن ضمان المستأجر ولا يزال يعتبر هذا الأخير ضامنًا للمتنازل في الوفاء بالتزامه.
والقبول اللاحق للتنازل ليس له شكل خاص، فقد يكون ضمنيا ما رأينا، وإذا كان صريحًا فقد يكون بإعلان رسمي أو بكتاب مسجل أو غير مسجل، بل قد يكون شفويًا ولكن عبء الإثبات يقع على المستأجر الذي يدعي براءة ذمته من الضمان.
وليس للقبول اللاحق للتنازل ميعاد خاص، في أي وقت بعد التنازل يجوز أن يصدر هذا القبول.
قدمنا أن المادة 597 من التقنين المدني تقضي بأن تبرأ ذمة المستأجر الأصلي قبل المؤجر فيما يتعلق بما يفرضه عقد الإيجار الأصلي من التزامات : أولاً – إذا صدر من المؤجر قبول صريح بالإيجار من الباطن. ثانيًا – إذا استوفى المؤجر الأجرة مباشرة من المستأجر من الباطن دون أن يبدي أي تحفظ في شأن حقوقه قبل المستأجر الأصلي.
وقبول المؤجر للايجار من الباطن، كقبوله للتنازل عن الإيجار، هو قبول آخر لاحق للايجار من الباطن غير قبوله الضمني السابق على الإيجار من الباطن وهذا القبول الآخر معناه أنه قبل المستأجر من الباطن بالذات مدينًا له بعد أن عرفه، وقد أن لا يعرفه وقت قبوله الضمني السابق على الإيجار من الباطن إذ لم يكن موجودًا في ذلك الوقت وما دام المؤجر بعد أن عرف شخص المستأجر من الباطن قد قبله مدينًا، فيمكن تحليل ذلك على الوجه الآتي : المؤجر وهو دائن المستأجر الأصلي اتفق مباشرة مع المستأجر من الباطن على حوالة الالتزامات التي في ذمة المستأجر الأصلي إلى ذمة المستأجر من الباطن، فتتحول هذه الالتزامات من ذمة المستأجر الأصلي ويبرأ منها، ويحل محله فيها المستأجر من الباطن طبقًا لأحكام حوالة الدين، فقد نصت المادة 321 مدني على أنه «يجوز أيضًا أن تتم حوالة الدين باتفاق بين الدائن والمحال عليه يتقرر فيه أن هذا يحل محل المدين الأصلي في التزامه» ولكن حوالة الدين هذه تتحدد بمقدار ما في ذمة المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلي فإذا كانت الأجرة في الإيجار الأصلي أكثر من الأجرة في الإيجار من الباطن، رجع المؤجر على المستأجر من الباطن بالأجرة المقررة في الإيجار من الباطن، ورجع بالزيادة على المستأجر الأصلي إذ أن هذا لم تبرأ ذمته من الأجرة عن طريق حوالة الدين إلا بمقدار الأجرة المستحقة له في ذمة المستأجر من الباطن أما إذا كانت الأجرة في الإيجار الأصلي أقل من الأجرة في الإيجار من الباطن، فإن المؤجر يرجع على المستأجر من الباطن بالأجرة المقررة في الإيجار الأصلي، ويرجع المستأجر الأصلي بالزيادة على المستأجر من الباطن وإذا كانت الأجرة في الإيجار الأصلي معادلة للأجرة في الإيجار من الباطن، رجع بها المؤجر على المستأجر من الباطن، ولا يرجع المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن كل منهما على الآخر بشيء وقس على الأجرة سائر التزامات المستأجر الأصلي، فهي تنتقل عن طريق حوالة الدين إلى ذمة المستأجر من الباطن بمقدار ما في ذمة هذا الأخير للمستأجر الأصل.
ويخلص من ذل أن المستأجر الأصلي برأ ذمته من التزاماته نحو المؤجر إذا قبل هذا الأخير صراحة أو ضمنًا الإيجار من الباطن بعد حصوله وما قلناه في شأ هذا القبول، من حيث جواز استخلاصه ضمنًا من استيفاء المؤجر الأجرة مباشرة من المستأجر من الباطن دون تحفظ ومن غير ذلك من الظروف التي يمكن استخلاص القبول الضمني منها، ومن حيث شكل القبول وميعاده، ينطبق هنا أيضاً.
ونرى من ذلك أنه إذا قبل المؤجر صراحة أو ضمناً الإيجار من الباطن بعد حصوله، يصبح هو الدائن المباشر للمستأجر من الباطن بجميع التزامات المستأجر الأصلي في حدود التزامات المستأجر من الباطن ومن ثم يستطيع المؤجر أن يرجع مباشرة على المستأجر من الباطن بالأجرة، ولكن في حدود ما في ذمة المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلي، كما يستطيع أن يرجع عليه مباشرة في هذه الحدود بسائر التزامات المستأجر الأصلي.
ولما كانت التزامات المستأجر الأصلي قد انتقلت على النحو المتقدم إلى المستأجر من الباطن عن طريق الاتفاق المباشر بين المؤجر والمستأجر من الباطن، فإن هذا الاتفاق يتضمن أيضًا أن تنتقل حقوق المستأجر الأصلي قبل المؤجر إلى المستأجر من الباطن، فيستطيع هذا الأخير أن يطالب المؤجر مباشرة بحقوق المستأجر الأصلي في حدود حقوقه هو قبل المستأجر الأصلي وليس هذا عن طريق حوالة الحق، فإن حولة الحق تقتضي رضاء الدائن وهو المستأجر الأصلي ولكن الاتفاق الذي تم بين المؤجر والمستأجر من الباطن على نقل حقوق المستأجر الأصلي إلى المستأجر من الباطن يكون ساريًا في حق المستأجر الأصلي على الوجه الآتي : لم تعد للمستأجر الأصلي أية مصلحة في مطالبة المؤجر بحقوقه قبله، فإن المستأجر الأصلي إذا طالب المؤجر بهذه الحقوق فلكي يؤديها إلى المستأجر من الباطن، وقد قبل المستأجر من الباطن أن يستوفيها مباشرة من المؤجر ومن ثم تقوم، بقبول المؤجر الإيجار من الباطن بعد حصوله، علاقة مباشرة بينه وبين المستأجر من الباطن، فيطالبه بالتزامات المستأجر الأصلي ويؤدي له حقوق هذا الأخير، وذل له في حدود التزامات المستأجر من الباطن وحقوقه، وفيما زاد على هذه الحدود تبقى العلاقة قائمة ما بين المؤجر والمستأجر الأصلي وهكذا يختفي المستأجر الأصلي، ولا يعود متوسطًا ما بين المؤجر والمستأجر من الباطن، في حدود الالتزامات والحقوق الناشئة من عقد الإيجار من الباطن وهذا ما عنته المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي حين تقول : «أما سائر التزامات المستأجر، غير دفع الأجرة، فتبقى العلاقة غير مباشرة ما بين المؤجر والمستأجر من الباطن يتوسط بينهما المستأجر الأصلي، إلا إذا قبل المؤجر الإيجار من الباطن بعد صدوره دون تحفظ، أو استوفى الأجرة من المستأجر من الباطن دون تحفظ، فعندئذ يختفي المستأجر الأصلي، وتصبح علاقة المؤجر بالمستأجر من الباطن علاقة مؤجر بمستأجر، لكل منهما أن يطالب الآخر بحقوقه بطريق الدعوى المباشرة .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/السادس، الصفحة/ 966)
متى جاء عقد الإيجار خلواً من نص يحظر على المستأجر التنازل عن الإيجار، فإن الإرادة الضمنية للمؤجر تكون قد انصرفت إلى قبول هذا التنازل، وفي ذات الوقت تنصرف الإرادة الضمنية للمستأجر إلى ضمان المتنازل له في تنفيذ التزاماته.
ومع ذلك، ينقضى التزام المستأجر الأصلي قبل المؤجر والناشئ عن التنازل عن الإيجار فيما يتعلق بالضمان سالف البيان أو فيما يفرضه عقد الإيجار الأصلي من التزامات في حالة الإيجار من الباطن طالما لم يتضمن هذا العقد نصاً يحظره على المستأجر الأصلي، ويتحقق هذا الانقضاء إذا صدر من المؤجر قبول صريح بالتنازل عن الإيجار أو بالإيجار من الباطن أو إذا استوفى المؤجر الأجرة مباشرة من المتنازل له أو من المستأجر من الباطن دون أن يبدي أي تحفظ في شأن حقوقه قبل المستأجر الأصلي، ويكفي أن يثبت المؤجر في إيصال الأجرة أنه استوفاها مناولة الموفي أو أن هذا الوفاء لا ينشئ حقاً للموفي أو ينال من العلاقة الإيجارية أو أي تخفظ آخر.
وقبول المؤجر للتنازل قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً ذلك أن المؤجر عندما يقبل الأجرة من المتنازل له بدون تحفظ يكون قصد إلى استيفائها منه باعتباره المدين بها بحلوله محل المستأجر بما يلغى علاقته بالأخير، أما إن احتفظ بحقوقه قبل المستأجر سواء عند استيفائه الأجرة من المتنازل له أو عند قبوله التنازل ظل المستأجر ضامناً للمتنازل له، ويعد قبولاً ضمنياً مطالبة المؤجر المتنازل له بالأجرة أو بالالتزامات الأخرى كإجراء الترميمات أو تعویض سواء كانت المطالبة ودية أو قضائية.
ويظل الشرط المانع من التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن منتجاً لآثاره إلى أن يثبت أن نية المتعاقدين قد اتجهت إلى العدول عنه.
وقد يكون هذا العدول صريحاً كأن يفصح المؤجر عن ذلك، وقد يكون ضمنياً يستشف من تصرفات المؤجر أو من القرائن كما لو قبل القيمة الإيجارية من المتنازل له دون تحفظ متى كان عالماً بصفة الموفي وبأن الأخير إنما يوفي آصالة عن نفسه لا نيابة عن المستأجر الأصلي، إذ أن قبول المؤجر للوفاء بوصول محررة باسم المستأجر الأصلي لا يفيد العدول ولو كان مدعى التنازل هو الذي قام بالوفاء طالما لم يثبت أن المؤجر قبل الأجرة منه باعتباره متنازلاً له عن الإيجار، فتسليم وصول الوفاء لمدعي التنازل باسم المستأجر الأصلي يتوفر به التحفظ من قبل المؤجر، كما يتوافر هذا التحفظ إذا سلم المؤجر الوصول لمدعي التنازل باسم الأخير وتضمنت تلك الوصول أنها عن الأجرة المستحقة على المستأجر الأصلي، ويقع عبء إثبات هذا العدول أى القبول الضمني للتنازل على المستأجر.
وفي الإيجار من الباطن تبقى العلاقة ما بين المؤجر والمستأجر الأصلي خاضعة لأحكام عقد الإيجار الأصلي فيطالب كل منهما الآخر بحقوقه بمقتضى هذا العقد، أما العلاقة ما بين المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن فتسري عليها أحكام الإيجار من الباطن ويكون المستأجر الأصلي بالنسبة للمستأجر من الباطن مؤجراً والمستأجر من الباطن بالنسبة للمستأجر الأصلي مستأجراً، وتوجد علاقة مباشرة ما بين المؤجر والمستأجر من الباطن في شيء واحد هو الأجرة.
أما في التنازل عن الإيجار فيتحول الإيجار من المستأجر الأصلي إلى المتنازل له، وتبرأ ذمة المستأجر الأصلي من كافة التزاماته قبل المؤجر إذا قبل ذلك التنازل أو قبل الإيجار من الباطن، ويعتبر التنازل حوالة حق إذ تنتقل للمتنازل له حقوق المستأجر قبل المؤجر فيجوز له أن يطالبه بها مباشرة، كما يعتبر حوالة دين إذ تنتقل للمتنازل له التزامات المستأجر قبل المؤجر فيجوز لهذا أن يطالب بها المتنازل له مباشرة وتسري على هذه العلاقات أحكام حوالة الحق وحوالة الدين بما في ذلك الدفوع المقررة بموجب ذلك م 312 .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن، الصفحة/ 216)
إذا قبل المؤجر التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن، قبولاً صريحاً، فإن ذمة المستأجر الأصلي تبرأ قبل المؤجر، سواء فيما يتعلق بضمانه للمتنازل إليه في حالة التنازل عن الإيجار أم فيما يتعلق بما يفرضه عليه عقد الإيجار الأصلى من التزامات في حالة الإيجار من الباطن.
ويشترط في القبول الصريح أن يصدر من المؤجر وقت النزول عن الإيجار أو التأجير من الباطن أو بعد حصولهما وبعلم المؤجر بشخص المتنازل له أو المستأجر من الباطن بحيث يمكن اعتبار هذا القبول من المؤجر بمثابة إقرار منه لحوالة الدين من المستأجر الأصلي إلى المتنازل له أو إلى المستأجر من الباطن.
كما يشترط في القبول الصريح أن يصدر دون أي تحفظ بشأن حقوق المؤجر قبل المستأجر الأصلي.
ويترتب على هذا القبول، ثبوت الحق لكل من المؤجر والمستأجر من الباطن في الرجوع على الآخر بدعوى مباشرة دون وساطة المستأجر الأصلي.
غير أن هذا الرجوع يجب أن يكون في الحدود التي تتفق مع ما يقضي به الإيجار من الباطن. فإذا كان هناك التزام ما يمليه الإيجار الأصلي دون الإيجار من الباطن، ما أمكن المؤجر أن يرجع بهذا الالتزام على المستأجر من الباطن، بل يقتصر حقه في الرجوع به على المستأجر الأصلي، ومثال ذلك أن تكون الأجرة في الإيجار الثاني أقل منها في الإيجار الأول، ففي هذه الحالة لا يحق للمؤجر أن يطالب المستأجر من الباطن إلا بالأجرة المتفق عليها في عقده أما الباقي فيرجع به على المستأجر الأصلي.
ونصت الفقرة الثانية من المادة على أن مجرد استيفاء الأجرة مباشرة من المتنازل له عن الإيجار أو من المستأجر من الباطن دون أن يبدي المؤجر أي تحفظ في شأن حقوقه قبل المستأجر يعتبر اتفاقاً ضمنياً بينهما على حوالة دين المستأجر الأصلي إلى المستأجر من الباطن تترتب عليه براءة ذمة المستأجر الأصلي.
ولا يكون أمام المؤجر سوى الرجوع على المستأجر من الباطن.
أما إذا أورد المؤجر على قبوله تحفظاً ما، بقي المستأجر الأصلي ملتزماً في الحدود التي يرسمها هذا التحفظ.
وهناك تحفظ تمليه طبيعة الأمور، ولو لم يذكره المؤجر صراحة في قبوله، ويكون هذا في الحالة التي تكون فيها الأجرة من الباطن أقل منها في الإيجار الأصلي، إذ المؤجر لا يستطيع هنا أن يطالب المستأجر من الباطن إلا بالأجرة المتفق عليها في عقده، أما القدر الزائد فيبقى المستأجر الأصلى ملتزما بالوفاء له به، على أساس افتراض أنه تحفظ بشأنه، ويتبع هذا الحكم مالم يظهر بشكل قاطع أن المؤجر أراد عند قبول الإيجار من الباطن تخفيض الأجرة إلى الحد المتفق عليه فيه .
والحالة التي ذكرتها الفقرة وهي استيفاء الأجرة مباشرة من المتنازل له أو من المستأجر من الباطن دون تحفظ قد وردت على سبيل المثال، ويجوز أن يستفاد رضا المؤجر الضمني من أي عمل آخر. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع، الصفحة/ 1030)
علاقة المستأجر الأصلي بالمؤجر - تبقى علاقة المستأجر الأصلى بالمؤجر الأصلى خاضعة لأحكام الإجارة الأصلية فيجوز لكل منهما أن يباشر حقوقة ويجب عليه أن يقوم بالتزاماتة الناشئة عن الإجارة الأصلية بقطع النظر عن عقد الإجارة من الباطن لأن هذا العقد الأخير لا يؤثر في وجود الأول ولا ينقضي عقد الاجارة الأصلي بانقضاء عقد الإجارة من الباطن .
وبناء على ذلك يجوز للمستأجر الأصلى مطالبة المؤجر بتسليمه العين المؤجرة وبإجراء جميع الترميمات اللازمة التي يلتزم بها المؤجر وبضمان التعرض والعيوب، كما يجوز للمؤجر مطالبة المستأجر بالأجرة المتفق عليها، ومحاسبته عن كل إخلال بالتزاماته كاتلاف العين واحتراقها وعدم القيام بالترميمات التأجيرية وإساءة استعمال العين المؤجرة أو استعمالها في غير ما أعدت له أو إجراء تغييرات مادية فيها أو في طريقة استغلالها الخ.
ولا يجوز للمستأجر أن يدفع مسئوليته عن شيء من ذلك بأنه راجع إلى فعل المستأجر من الباطن، لأن الأخير لا يعتبر أجنبياً عنه .
على أن المستأجر الأصلي تبرأ ذمته من التزاماته قبل المؤجر اذا أبرأه هذا منها، أو اذا تمت حوالة دين المستأجر الأصلي الى المستأجر من الباطن، سواء أحصل الاتفاق على الحوالة بين المستأجر الأصلي وبين المستأجر من الباطن وأقره المؤجر وفقاً للمادتين 315 و 316 مدنی أم حصل مباشرة بين المؤجر الأصلي والمستأجر من الباطن وفقاً للمادة 331 مدنی .
وقد طبقت المادة 597 مدني ذلك حيث نصت على أن «تبرأ ذمة المستأجر الأصلي قبل المؤجر سواء فيما يتعلق بضمانه للمتنازل له في حالة التنازل عن الايجار أم فيما يتعلق بما يفرضه عقد الإيجار الأصلى من التزامات في حالة الإيجار من الباطن: (أولاً) إذا صدر من المؤجر قبول صريح بالتنازل عن الإيجار أو بالإيجار من الباطن، ( ثانياً ) إذا استوفي المؤجر الأجرة مباشرة من المتنازل له أو من المستأجر من الباطن دون أن يدى أي تحفظ في شأن حقوقه قبل المستأجر الأصلي».
ويلاحظ على النص أن قوله أن المستأجر تبرأ ذمته فيما يتعلق بضمانه للمتنازل له لا يقصد به أن التزام المستأجر الأصلي التزام تابع كالتزام الكفيل، وإنما يقصد به أن المستأجر الأصلي يبقى ملتزماً أصلياً فوق التزام المتنازل له قبل المؤجر، وأنه لا تبرأ ذمته من هذا الالتزام الأصلي ولا ينتقل هذا الالتزام ذاته الى ذمة المتنازل له أو المستأجر من الباطن انتقالاً نافذاً في حق المؤجر الأصلي إلا إذا تمت حوالة هذا الالتزام كله بأحد الطريقين اللذين نص عليهما القانون والطريق الأول هو أن يتفق المستأجر الأصلي مع المستأجر من الباطن على أن يحل هذا محل الأول في دينه قبل المؤجر، وهذا الاتفاق يعتبر حاصلاً ضمناً بمجرد رضا الطرفين بالتأجير من الباطن والتزام المستأجر من الباطن بأن يفي الأجرة كلها أو بعضها إلى المؤجر مباشرة، ولكنه لا ينفذ في حق المؤجر، وبعبارة أخرى فإنه لا يبرئ ذمة المستأجر الاصلي قبل المؤجر الا اذا أقره هذا، ولذلك نصت المادة 597 مدني على ان تبرأ ذمة المستأجر الأصلي إذا صدر من المؤجر قبول صريح بالإيجار من الباطن وغني عن البيان أنه يشترط في هذا القبول الصريح ألا يشتمل علی أی تحفظ بشأن حقوق المؤجر قبل المستأجر الأصلي.
والطريق الثاني هو أن يتفق المؤجر ( الدائن ) مع المستأجر من الباطن ( المدين الجديد) على أن يحل هذا محل المستأجر الأصلي ( المدين الأصلي ) في دينه قبل المؤجر، فينتقل الدين من المدين الأصلي إلى المدين الجديد وتبرأ ذمة الأولى نهائياً ( المادة 321 مدنی) . وقد اعتبر المشرع مجرد استيفاء المؤجر الأجرة مباشرة من المستأجر مع الباطن برضا الأخير ودون أن یبدی المؤجر أي تحفظ في شأن حقوق قبل المستأجر اتفاقاً ضمنياً بينهما على حوالة دين المستأجر الأصلي إلى المستأجر من الباطن تترتب عليه براءة ذمة المستأجر الأصلى أما إذا استولى المؤجر الأجرة مع حفظ حقوقه قبل المستأجر الأصلي، فلا تبرأ ذمة الأخير، ويجوز أن يستفاد رضا المؤجر الضمني من أي عمل آخر لأن قبض الأجرة مباشرة من المستأجر من الباطن لم يذكر إلا على سبيل المثال.
على أن القول بأن قبول المؤجر التأجير من الباطن يبرئ ذمة المستأجر الأصلي من التزاماته ليس صحيحاً على اطلاقه اذ أنه لا يبرىء المستأجر الأصلي إلا نتيجة لحوالة الدين من ذمته إلى ذمة المستأجر من الباطن وبقدر ما تنقله هذه الحوالة من ذمة إلى أخرى.
فإذا كانت الأجرة المتفق عليها في الإجارة الثانية مساوية للأجرة المتفق عليها في الإجارة الأولى برئت ذمة المستأجر الأصلي منها كلها ولم يجز مطالبته بشيء ولا أن يطالب هو المستأجر من الباطن بشيء، أما اذا كانت الأجرة في الاجارة الثانية أقل منها في الأولى، فلا تبرأ ذمة المستأجر الأصلي إلا بقدر ما التزم به المستأجر من الباطن، وبالعكس من ذلك اذا كانت الأجرة في الإجارة الثانية أكثر منها في الأولى إذا تبرأ ذمة المستأجر الأصلي من كل ما التزم به ويكون له الحق في مطالبة المستأجر الثاني بفرق الأجرتين.
وتفسير ذلك أن حوالة الدين التي تمت باتفاق المؤجر والمستأجر من الباطن قد نقلت إلى ذمة الأخير التزام المستأجر الأصلي انتقالاً نافذاً في حق المؤجر، ولكنها لم تؤثر في حق المستأجر الأصلي في الأجرة في التزم له بها المستأجر من الباطن، فيبقى المستأجر الأصلي هذا المستأجر من الباطن بهذه الأجرة غير أنه متى التزم المستأجر من الباطن - بحوالة الدين التي اتفق عليها مع المؤجر - أن يؤدي للأخير دين المستأجر الأصلي قبله في حدود ما هو ملتزم به نحو المستأجر الأصلى، وترتب على ذلك براءة ذمة المستأجر الأصلي بهذا القدر، كان المستأجر من الباطن أن يرجع على المستأجر الأصلي بهذا القدر انقضى لهذا السبب من دين الأخير، أي أن المستأجر من الباطن يصبح دوره دائناً للمستأجر الأصلي، فتتم المقاصة بين الدينين بقدر الأصغر منهما، ويكون لصاحب الدين الأكبر مطالبة الآخر بالباقي.
وقد تقدم أن المادة 597 مدني قضت ببراءة ذمة المستأجر الأصلي قبل المؤجر :
(أ) إذا صدر من المؤجر قبول صريح بالإيجار من الباطن.
(ب) أو إذا استوفى المؤجر الأجرة مباشرة من المستأجر من الباطن دون تحفظ . وقد رأينا أن براءة ذمة المستأجر الأصلى في هاتين الحالتين إنما هي نتيجة لانتقال الدين من ذمته إلى ذمة المستأجر من الباطن انتقالاً نافذاً قبل المؤجر، أي أنها نتيجة لنوع من حوالة الدين وشك في أنه يترتب على ذلك أن يصبح المؤجر الأصلي دائناً شخصياً للمستأجر من الباطن وبالتالى أن تكون له دعوى مباشرة تتيح له أن يطالب باسمه المستأجر من الباطن بالأجرة التي كان المستأجر الأصلي ملتزماً بها دون أن يجاوز ذلك الأجرة التي التزم بها المستأجر من الباطن، كما تتيح له أن يطالب ذلك المستأجر من الباطن بسائر التزامات المستأجر الأصلي، وكذلك تكون للمستأجر من الباطن دعوى مباشرة قبل المؤجر الاصلي تتيح له مطالبته بما التزم به قبل المستأجر الأصلى.
ولم يكتف التقنين الحالي بتقرير دعوى مباشرة للمؤجر قبل المستأجر من الباطن في الحالات التي يتم فيها الاتفاق بين المؤجر الأصلي والمستأجر من الباطن على نقل التزامات المستأجر الأصلي إلى المستأجر من الباطن، بل أتاح للمؤجر وسيلة للحصول على مثل هذه الدعوى المباشرة دون رضا المستأجر من الباطن - فيما يتعلق بدین الأجرة فقط - في غير ما أبراء للمستأجر الأصلي ودون أن يكون ثمة انتقال للدين من ذمة هذا المستأجر الأخير إلى ذمة المستأجر من الباطن، إذ نص في المادة 596 فقرة أولى على أن «يكون المستأجر من الباطن ملزماً بأن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلي وقت أن ينذره المؤجر» ومؤدى ذلك أنه متى أنذر المؤجر الأصلي المستأجر من الباطن بأن يؤدي إليه مباشرة ما يكون ثابتاً في ذمته للمستأجر الأصلى وجدت بينهما بحكم القانون علاقة مباشرة وأصبح يتعين على المستأجر من الباطن أن يؤدي ما يستحق في ذمته للمستأجر الأصلي عن المدة التي تلي الإنذار إلى المؤجر الأصلي مباشرة، فإن كان قد عجل منها شيئاً قبل الإنذار، فلا يكون هذا حجة على المؤجر إلا اذا كان قد تم وفقاً للعرف وبسند ثابت التاريخ وسابق على الإنذار ( المادة 596 فقرة ثانية )، وبشرط ألا يكون المستأجر الأصلى ممنوعاً من التأجير من الباطن.
أما فيما يتعلق بسائر التزامات المستأجر، غير دفع الأجرة، فإن الإنذار المتقدم الذكر لا يترتب عليه أي أثر، أي أن العلاقة تبقى في شأنها غير مباشرة ما بين المؤجر والمستأجر من الباطن، بمعنى أن المستأجر الأصلي يتوسط بينهما وأنه لا يجوز لأيهما أن يطالب الآخر إلا من طريق الدعوى غير المباشرة أى من طريق استعمال حقوق مدينه المستأجر الأصلى.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 654)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
مادة 592
تبرأ ذمة المستاجر الأصلي قبل المؤجر ، سواء فيما يتعلق بضمانه التنازل له في حالة النزول عن الإيجار أو فيما يتعلق بما يفرضه عقد الايجار الأولي من التزامات في حالة الايجار من الباطن ، اذا صدر من المؤجر قبول صریح أو ضمني بالنزول عن الايجار أو بالايجار من الباطن ، ويعتبر قبولاً ضمنياً من المؤجر قبضه الأجرة مباشرة من المتنازل له أو من المستاجر من الباطن دون أن يبدي أي تحفظ في شان حقوقه قبل المستاجر الأصلي .
هذه المادة تقابل المادة 597 من التقنين الحالي.
وقد أدخلت على هذه المادة التعديلات الاتية :
1- عدلت تعديلاً لفظيا باستبدال عبارة « سواء فيما يتعلق بضمانة المتنازل له في حالة النزول عن الايجار ، بعبارة «سواء فيما يتعلق بضمانة للمتنازل له في حالة التنازل عن الايجار.
۲- استبدلت عبارة « اذا صدر من المؤجر قبول صريح أو ضمنی بالنزول عن الايجار أو بالايجار من الباطن ، بالعبارة الواردة في الفقرة : أولا التي تقول : اذا صدر من المؤجر قبول صريح بالتنازل عن الايجار أو بالايجار من الباطن ».
٣- النص على أن يعتبر قبولاً ضمنياً من المؤجر قبضه الأجرة مباشرة دون إبداء أي تحفظ . وذلك توضيحاً للأساس الذي يقوم عليه الحكم .
والمادة المقترحة تتفق مع المادة 6۰9 من التقنين الكويتي.
و تتفق مع المادة ۷۷۸ من التقنين العراقي .
انظر المذكرة الإيضاحية للنص المقابل في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي (م۷۹۹) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 4 في 569 و 570 .
والسند الشرعي للمادة المقترحة أن حكمها يستند الى قبول من جانب المؤجر، وهو يدخل في نطاق قوله صلى الله عليه وسلم : (المسلمون على شروطهم).