مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 600
مذكرة المشروع التمهيدي :
إذا اقتضى عمل الموظف أو المستخدم، سواء كان يعمل في المصالح الحكومية أو في غيرها، أن يغير محل إقامته، فيجوز له أن يطلب إنهاء الإيجار إذا كان محدد المدة، بعد التنبيه بالإخلاء في المواعيد المعروفة، بشرط ألا يكون النقل بناء على طلب المستخدم أو نتيجة لخطأه.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 813 من المشروع فأقرتها اللجنة على أصلها، وقدمت بعد استبدال كلمة « معين»، بكلمة «محدد» ، ورقم 592 برقم 761.
وأصبح رقم المادة 638 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة تحت رقم 637، بعد استبدال رقم 591، برقم 592
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني
وافقت اللجنة على المادة ، تحت رقم 609 مع استبدال رقم 563، برقم 591
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
تنص المادة 609 من التقنين المدني على ما يأتي :
« يجوز للموظف أو المستخدم ، إذا اقتضى عمله أن يغير محل إقامته، أن يطلب إنهاء إيجار مسكنه إذا كان هذا الإيجار معين المدة، علي أن يراعي المواعيد المبينة في المادة 563، ويقع باطلاً كل اتفاق على غير ذلك".
وهذا نص استحدثه التقنين المدني الجديد، واعتبر فيه أن اقتضاء عمل الموظف أو المستخدم تغيير محل إقامته عذر طارئ يسوغ إنهاء الإيجار، فلا يسري هذا النص على عقود الإيجار المبرمة قبل 15 أكتوبر سنة 1949 ، إذ أن هذه العقود تسري عليها أحكام التقنين المدني القديم.
ويشترط النص أن يكون الإيجار واقعاً علي مسكن لمدة معينة، ذلك أن إيجار المسكن لمدة غير معينة تدفع فيه الأجرة عادة مشاهرة فتكون مدته شهراً واحداً، ويجوز إنهاء الإيجار وفقاً للقواعد العامة بعد انقضاء أحد الشهور التي امتد إليها الإيجار إذا نبه المستأجر على المؤجر بالإخلاء في ميعاد نصف شهر فأقصى ما يتعرض له الموظف أو المستخدم في هذه الحالة هو أن يبقى في المسكن شهراً آخر إذا فاته أن ينبه بالإخلاء قبل انقضاء نصف الشهر الجاري، وليس في هذا كبير ضرر علي الموظف أو المستخدم، ومن ثم لم يحتج أن تمتد إليه حماية هذا النص الجديد، فالواجب إذن أن يكون إيجار المسكن لمدة معينة وفي هذا تطبيق دقيق لمبدأ العذر الطارئ الذي يسوغ إنهاء الإيجار .
ويجب أن يكون المستأجر موظفاً أو مستخدماً وجاء في العبارة الأخير من النص :
ويقع باطلاً كل اتفاق على غير ذلك "، فالحكم إذن من النظام العام لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، وقد ينقلب هذا ضد الموظف، فيمتنع الملاك من أن يؤجروا مسكناً يؤويه، بعد أن أصبحوا لا يستطيعون بموجب الإنفاق توقي ما يهددهم من إنهاء الإيجار قبل انقضاء مدته، وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي اقتراح بحذف هذه العبارة الأخيرة، إذ جاء فيها ما يأتي : " الأولى ألا ينص المشروع على بطلان كل اتفاق يخالف ذلك حتى يتسنى للموظف أن يرفع عن نفسه الحرج في إيجار منزل لسكناه إذا رضى أن يتنازل عن حقه في إنهاء الإيجار عند النقل، ولكن الجهات المختلفة التي مر بها المشروع لم تدخل هذا التعديل .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السادس ، الصفحة/ 1171)
ويشترط لإعمال هذا النص أن يكون المستأجر موظفاً في الحكومة أو مستخدماً في جهة أخرى طالما أنه تابع خدوم له حق نقله وأن يكون الإيجار محدد المدة إذ لو كان غير محددها لجاز إنهاؤه مع مراعاة مواعيد التنبيه المبينة بالمادة 563 ويجوز أن يكون النقل من حي إلى آخر بعيد ويجب الالتزام بمواعيد التنبيه بالإخلاء القانونية، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف حكم هذا النص، ولكن لا يعمل به إذا كان النقل بناء على طلب المستخدم أو نتيجة لخطئه ويتحمل المؤجر عبء إثبات ذلك.
قانون الإيجار :
نصت المادة 4 من القانون 52 لسنة 1969 على أنه يجب على العامل المنقول إلى بلد آخر أن يخلي المسكن الذي كان يشغله بمجرد حصوله على مسكن في البلد المنقول إليه إلا إذا قامت ضرورة ملجة تمنع من إخلاء مسكنه كما نصت على ذلك المادة 7 من القانون 49 لسنة 1977، فيجب لإعمال هذا النص أن ينقل العامل نهائياً فلا يكفي الندب، وأن يحصل على مسكن يستقر فيه فلا يكفي المسكن المؤقت وألا تكون هناك ضرورة تلجئه للاحتفاظ بمسكنه الأول ومن قبيل الضرورة أن يكون له والدان مسنان أو زوجة مريضة لا يلائمهم الانتقال للبلد الجديد أو حالة وضع أو كانت زوجته تعمل في البلد الذي نقل منه أو يكون له أولاد يدرسون بالجامعة أو بمدارس أجنبية لا مقابل لها بالبلد الجديد فيعفى من الإخلاء حتى تزول الأسباب فإذا امتنع جاز للمؤجر أو للعامل المنقول محله طلب إخلائه، ويجب أن يكون الموظف الجديد يرغب في شغل المسكن.
إنهاء الإيجار باتحاد الذمة :
لا ينتهي عقد الإيجار إلا بانحلال الرابطة العقدية بين المؤجر والمستأجر سواء بتفاسخهما عن العقد أو بصدور حكم نهائي بفسخه استناداً إلى الشرط الفاسخ الضمني، أو باعتباره مفسوخة استناداً للشرط الفاسخ الصريح، أو بطلانه أو بعلم نفاذه في حق المالك، أو بإخلاء العين المؤجرة لأي سبب من أسباب الإخلاء التي نص عليها قانون إيجار الأماكن.
و للمستأجر الأصلي وحده، وهو الذي أبرم عقد الإيجار مع المؤجر، الحق في إنهاء عقد الإيجار بإرادته المنفردة دون اعتداد باعتراض المقيمين معه، ومتى أظهر هذا المستأجر رغبته في إنهاء عقد الإيجار، قبل أن يتحقق سبب امتلاكه لهؤلاء المقيمين، نفذ هذا الإنهاء في حقهم، ولا يكون لهم حق البقاء في السكن ويصبح عقد الإيجار منتهياً بتلك الإرادة مما يجوز معه للمالك الحق في تأجير المسكن خالياً أو مفروشاً أو استغلاله أو التصرف فيه، دون أن يطعن على تصرفه بالبطلان قولاً بحق المقيمين في البقاء، إذ يرتبط هذا البقاء بقاء المستأجر الأصلي.
لكن إذا تحقق سبب الامتداد قبل تفاسخ المستأجر الأصلي عن عقد الإيجار، بأن ترك المسكن المؤجر للمقيمين معه أو لأحدهم، امتد عقد الإيجار لمن تم الترك له وأصبح بهذا الامتداد مستأجراً أصلياً وزالت صفة التارك ولم يعد مستأجراً وبالتالي إذا تفاسخ عن الإيجار بعد الترك، فلا ينفذ هذا التفاسخ في حق من امتد الإيجار له، ولا يعتبر العقد قد انتهى بهذا التفاسخ وإنما يظل نافذاً فيما بين من امتد الإيجار له وبين المؤجر بحيث إذا قام الأخير بإبرام عقد إيجار جديد عن ذات العين، كان العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً لوروده على عين مازال إيجارها نافذاً، وبالتالي لا يخضع العقد الجديد للقانون رقم 4 لسنة 1996.
وينتهي عقد الإيجار بإنقضائه وانفصام الرابطة العقدية وزوالها، أما إذا ظلت تلك العلاقة بموجب نص في القانون، فلا يعتبر العقد قد انتهى ولو حل شخص آخر محل المستأجر كما لو تنازل الأخير له تنازلاً نافذاً في حق المؤجر أياً كانت طبيعة العين المؤجرة، سواء كانت مسكناً أو مكتباً أو عيادة أو جدكاً، إذ ينتقل حق المستأجر في هذه الحالات انتقالاً نافذاً في حق المؤجر، وبذلك يستمر عقد الإيجار بذات شروطه وهو ما ينتفي معه القول بانتهائه.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن ، الصفحة/ 280)
رأى المشرع أن نقل المستأجر الموظف أو المستخدم بما يقتضي تغيير محل إقامته يعتبر عذراً يبرر له إنهاء عقد الإيجار المحدد المدة قبل انتهاء مدته إذ إبقاء المستأجر على الإيجار رغم نقله ينطوي على إضرار به ذلك أنه لن يتمكن بعد نقله من الانتفاع بالمسكن.
شروط إنهاء الإيجار :
يشترط لإنهاء الإيجار في حالة نقل الموظف أو المستخدم توافر الشروط الآتية:
1- أن يكون المستأجر عاملاً سواء في جهة حكومية أو في إحدى شركات القطاع العام أو القطاع الخاص، فالمناط في ذلك أن تربط العامل بجهة العمل أو رب العمل علاقة عمل، فيجوز له نقله من مكان إلى آخر.
2- أن يرد عقد الإيجار على مسكن، وهذا واضح من صريح النص، لأن نقل العامل يقتضي تغيير مسكنه في الغالب، أما إذا كان عقد الإيجار واردا على عين غير مخصصة للسكنى، كما لو كان وأردا على مكتب لممارسة مهنة أو حرفة أو على أرض زراعية، لم يكن للمستأجر طلب الإنهاء.
3- أن يكون عقد إيجار المسكن معين المدة، وقد نصت المادة صراحة على ذلك أما إذا كان عقد الإيجار غير معين المدة فإنه يعتبر منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة (م 563) ويجوز للمستأجر إنهاؤه قبل نهاية أي فترة من فترات دفع الأجرة مع مراعاة مواعيد التنبية المبينة بالمادة المذكورة دون أن يستند إلى المادة 609.
4- أن يقتضي عمل المستأجر تغيير محل إقامته ويكون ذلك عن طريق النقل أو النسب.
وقد ورد نص المادة مطلقاً إذ استعمل عبارة: "إذا اقتضى عمله أن يغير محل إقامته". ومن ثم فإنه يشمل حالة نقل العامل خارج البلد الذي يقيم فيها، كما يشمل حالة نقل العامل إلى حي آخر بذات البلد أو إلى ضاحية من ضواحيها، ولو كانت سيل الاتصال ميسرة بين الحي الذي كان يقيم فيه والحي الذي نقل إليه، خاصة وأن المسافة بين بعض أحياء المدن الكبرى كالقاهرة والاسكندرية تزيد على المسافة بين كثير من البلاد.
أما إذا لم يقتض نقله تغيير محل إقامته كما لو نقل إلى عمل آخر بذات الحي الذي يقيم فيه فإن ذلك لا يبرر له إنهاء العقد.
5- ألا يكون النقل قد تم بناء على طلب المستأجر، لأن المشرع قرر للعامل حق إنهاء العقد استناداً إلى أنه يعمل لحساب غيره، وأن رب العمل هو الذي يستقل بتعيين محل إقامته، فإذا كان النقل قد تم بناء على طلب العامل، فلا يجوز له الاستناد إليه في إنهاء العقد، إذ يعتبر ذلك نقضاً للعقد بإرادة منفردة وهو ما لا يجوز.
6- ألا يكون موعد النقل معلوماً عند إبرام عقد الإيجار: إذا كان العامل يعلم عند إبرام عقد الإيجار أنه منقول لمدة معينة كسنة أو سنتين ثم عقد الإيجار لمدة أطول فليس له أن يطلب إنهاء الإيجار، وهذا شرط تقتضيه القواعد العامة وإن لم يرد به نص، لأن المستأجر يعتبر مقصراً فلا يفيد من تقصيره.
إذا توافرت الشروط السابقة، جاز للعامل أن يطلب إنهاء الإيجار، على أن يوجه قبل ذلك تنبيهاً إلى المؤجر مراعياً في ذلك المواعيد المنصوص عليها بالمادة 563 مدني، فيجب أن يوجه التنبيه وأن يتريث حتى ينقضي الأجل المحدد بالمادة.
وقصد المشرع من إيجاب هذا التنبيه ألا يفاجأ المؤجر بطلب الإنهاء حتى يتمكن من البحث عن مستأجر جديد.
حق العامل المستأجر في إنهاء الإيجار متعلقاً بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق بين الطرفين على حرمانه من هذا الحق، وإذا حصل هذا الاتفاق فإنه يكون باطلاً.
الحكم الوارد بالمادة 609 مدني لا يتعارض العمل به مع أحكام قانون إيجار الأماكن ذلك أن هذا الحق منح للمستأجر وليس للمؤجر، ومن ثم فلا تعارض بينه وبين حكم الامتداد القانوني للإيجار الذي شرع لصالح المستأجر ويملك النزول عنه بعد إبرام العقد .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع ، الصفحة/ 1158)
نقل الموظف أن المستخدم - لم يكن في التقنين الملغي نص على جواز فسخ الإيجار بسبب نقل المستأجر الموظف أو المستخدم من المدينة التي استأجر بها مسكناً له ولأسرته ما كان لابد من أن يحتاط الميت أو المستقديم لهذا الخلل بأن يشترط لنفسه هذه الرخصة في عقد للايجار - أي التنين الحالي ، فقد نص في المدة 609 منه على أن يجوز للموظف أو المستخدم إذا اقتضى عمله أن يغيّر محل إقامته، أن يطلب إنهاء إيجار مسكنه إذا كان هذا الإيجار معيّن المدة، على أن يراعي المواعيد المبيّنة في المادة 563، ويقع باطلاً كل اتفاق على غير ذلك.
وظاهر أن هذا النص قد فرق بين الإيجار معين المدة ، واعتبر نقل الموظف او المستخدم – سواء كان يعمل في المصالح أو غيرها – من الجهة التى يقيم فيها الى جهة أخرى يتعين عليه أن ينقل إقامته إليها ، اعتبره عذراً طارئاً يسوغ له أن يفسخ - قبل انقضاء مدته - العقد الذي استأجر بموجبه محل إقامته في تلك الجهة الأولى متى كان ذلك العقد لمدة معينة على أن ينبه بذلك على المؤجر في المواعيد المبينة في المادة 563، هذا إذا لم يكن العقد ذو المدة المعينة ينص على ميعاد آخر للتنبيه ، لأن نص المادة 563 نص مقرر وضع لحالة العقود غير معينة المدة وهي التي يغلب فیها عدم تجديد ميعاد للتنبيه، أما إذا حدد في العدد غیر معین لمدة ميعاد آخر للتنبيه، فهذا الميعاد يكون واجب الاتباع و من باب أولى يكون ذلك واجب الاتباع في العقد معين المدة إذا نص فيه على ميعاد التنبيه يختلف عن المواعيد المبينة في المادة 563 واقتفي الأمر أنباء العيد قبل نهاية مدته تطبيقاً للمادة 609 وقد اعتبر المشرع هذا الحكم حكماً آمراً لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه حتى يمتنع على المؤجر أن يعلى على المستأجر شرطاً يقرر فيه التنازل سلفاً عن هذا الحق غير أنه إذا تم النقل بناء على طلب الموظف أو نتيجة لخطئه، فإن الموظف لا يكون له الحق في فسخ الايجار ، فيبقى مقيداً بالعقد ويلزم بالتعويض إذا أخل به .
وإذا فسخ الموظف الإيجار بسبب نقله، كان ذلك استعمالاً منه الحق مقرر له قانوناً، فلا يلزم بتعويض المؤجر عن الفسخ خلافاً لحالات الفسخ بالأعذار الأخرى التي تمت عليها المادة 608 .
أما إذا كان الإيجار عمير معين المدة، فان الموظف أو المستخدم لا يكون في حاجة الى الالتجاء إلى حق الفسخ الذي تقرره المادة 609 لأنه يملك إنهاء العيد بالتنبيه على المؤجر بذلك قبل نهاية أية فترة من فترات دفع الأجرة مع مراعاة المواعيد المبينة في المادة 563.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن ، الصفحة/ 748)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 271
فسْخ الإْجارة للْعذْر:
64 - الْحنفيّة، كما سبق، يروْن جواز فسْخ الإْجارة لحدوث عذْرٍ بأحد الْعاقديْن، أوْ بالْمسْتأْجر (بفتْح الْجيم) ولا يبْقى الْعقْد لازمًا ويصحّ الْفسْخ، إذْ الْحاجة تدْعو إليْه عنْد الْعذْر؛ لأنّه لوْ لزم الْعقْد حينئذٍ للزم صاحب الْعذْر ضررٌ لمْ يلْتزمْه بالْعقْد. فكان الْفسْخ في الْحقيقة امْتناعًا من الْتزام الضّرر، وله ولاية ذلك. وقالوا: إنّ إنْكار الْفسْخ عنْد تحقّق الْعذْر خروجٌ عن الشّرْع والْعقْل؛ لأنّه يقْتضي أنّ من اشْتكى ضرْسه، فاسْتأْجر رجلاً ليقْلعها، فسكن الْوجع، يجْبر على الْقلْع. وهذا قبيحٌ شرْعًا وعقْلاً.
ويقْرب منْهم الْمالكيّة في أصْل جواز الْفسْخ بالْعذْر، لا فيما توسّع فيه الْحنفيّة، إذْ قالوا: لوْ كان الْعذْر بغصْب الْعيْن الْمسْتأْجرة أوْ منْفعتها أوْ أمْر ظالمٍ لا تناله الأْحْكام بإغْلاق الْحوانيت الْمكْتراة، أوْ حمْل ظئْرٍ - لأنّ لبن الْحامل يضرّ الرّضيع - أوْ مرضها الّذي لا تقْدر معه على رضاعٍ، حقّ للْمسْتأْجر الْفسْخ أو الْبقاء على الإْجارة.
65 - وجمْهور الْفقهاء على ما أشرْنا لا يروْن فسْخ الإْجارة بالأْعْذار؛ لأنّ الإْجارة أحد نوْعي الْبيْع، فيكون الْعقْد لازمًا، إذ الْعقْد انْعقد باتّفاقهما، فلا ينْفسخ إلاّ باتّفاقهما. وقدْ نصّ الشّافعيّة على أنّه ليْس لأحد الْعاقديْن فسْخ الإْجارة بالأْعْذار، سواءٌ أكانتْ على عيْنٍ أمْ كانتْ في الذّمّة، ما دام الْعذْر لا يوجب خللاً في الْمعْقود عليْه. فتعذّر وقود الْحمّام، أوْ تعذّر سفر الْمسْتأْجر، أوْ مرضه، لا يخوّله الْحقّ في فسْخ الْعقْد، ولا حطّ شيْءٍ من الأْجْرة.
وقال الأْثْرم من الْحنابلة: قلْت لأبي عبْد اللّه: رجلٌ اكْترى بعيرًا، فلمّا قدم الْمدينة قال له: فاسخْني. قال: ليْس ذلك له. قلْت: فإنْ مرض
الْمسْتكْري بالْمدينة، فلمْ يجْعلْ له فسْخًا، وذلك لأنّه عقْدٌ لازمٌ. وإنْ فسخه لمْ يسْقط الْعوض.
66 - والْعذْر كما يرى الْحنفيّة قدْ يكون منْ جانب الْمسْتأْجر، نحْو أنْ يفْلس فيقوم من السّوق، أوْ يريد سفرًا، أوْ ينْتقل من الْحرْفة إلى الزّراعة، أوْ من الزّراعة إلى التّجارة أوْ ينْتقل منْ حرْفةٍ إلى حرْفةٍ؛ لأنّ الْمفْلس لا ينْتفع بالْحانوت، وفي إلْزامه إضْرارٌ به، وفي إبْقاء الْعقْد مع ضرورة خروجه للسّفر ضررٌ به.
فلو اسْتأْجر شخْصٌ رجلاً ليقْصر له ثيابًا - أيْ يبيّضها - أوْ ليقْطعها، أوْ ليخيطها، أوْ يهْدم دارًا له، أوْ يقْطع شجرًا له، أوْ ليقْلع ضرْسًا. ثمّ بدا له ألاّ يفْعل، فله أنْ يفْسخ الإْجارة؛ لأنّه اسْتأْجره لمصْلحةٍ يأْملها، فإذا بدا له أنْ لا مصْلحة له فيه صار الْفعْل ضررًا في نفْسه، فكان الامْتناع من الضّرر بالْفسْخ.
67 - وقدْ يكون الْعذْر منْ جانب الْمؤجّر نحْو أنْ يلْحقه ديْنٌ فادحٌ لا يجد قضاءه إلاّ منْ ثمن الْمسْتأْجر - بفتْح الْجيم - من الإْبل والْعقار ونحْو ذلك. فيحقّ له فسْخ الإْجارة إذا كان الدّيْن ثابتًا قبْل عقْد الإْجارة. أمّا إذا كان ثابتًا بعْد الإْجارة بالإْقْرار فلا يحقّ له الْفسْخ به عنْد الصّاحبيْن؛ لأنّه متّهمٌ في هذا الإْقْرار، ويحقّ له عنْد الإْمام؛ لأنّ الإْنْسان لا يقرّ بالدّيْن على نفْسه كاذبًا، وبقاء الإْجارة مع لحوق الدّيْن الْفادح الْعاجل إضْرارٌ بالْمؤجّر لأنّه يحْبس به إلى أنْ يظْهر حاله. ولا يجوز الْجبْر على تحمّل ضررٍ غيْر مسْتحقٍّ بالْعقْد.
وقالوا في امْرأةٍ آجرتْ نفْسها ظئْرًا، وهي تعاب بذلك: لأهْلها الْفسْخ؛ لأنّهمْ يعيّرون بذلك. ومنْ هذا الْقبيل إذا ما مرضت الظّئْر وكانتْ تتضرّر بالإْرْضاع في الْمرض، فإنّه يحقّ لها أنْ تفْسخ الْعقْد.
68 - ومنْ صور الْعذْر الْمقْتضي للْفسْخ عنْد منْ يرى الْفسْخ بالْعذْر منْ جانب الْمسْتأْجر «بفتْح الْجيم» الصّبيّ إذا آجره وليّه، فبلغ في مدّة الإْجارة، فهو عذْرٌ يخوّل له فسْخ الْعقْد؛ لأنّ في إبْقاء الْعقْد بعْد الْبلوغ ضررًا به. ومنْ هذا ما قالوا في إجارة الْوقْف عنْد غلاء أجْر الْمثْل، فإنّهمْ قالوا: إنّه عذْرٌ يفْسخ به متولّي الْوقْف الإْجارة، ويجدّد الْعقْد في الْمسْتقْبل على سعْر الْغلاء، وفيما مضى يجب الْمسمّى بقدْره. أمّا إذا رخص أجْر الْمثْل فلا يفْسخ، مراعاةً لمصْلحة الْوقْف.
69 - وعنْد وجود أيّ عذْرٍ منْ هذا فإنّ الإْجارة يصحّ فسْخها إذا أمْكن الْفسْخ. فأمّا إذا لمْ يمْكن الْفسْخ، بأنْ كان في الأْرْض زرْعٌ لمْ يسْتحْصدْ، لا تفْسخ؛ لأنّ في الْقلْع ضررًا بالْمسْتأْجر، وتتْرك إلى أنْ يسْتحْصد الزّرْع بأجْر الْمثْل.
توقّف الْفسْخ على الْقضاء:
70 - إذا وجد بعْض هذه الأْعْذار، وكان الْفسْخ ممْكنًا، فإنّ الإْجارة تكون قابلةً للْفسْخ، كما يرى بعْض مشايخ الْحنفيّة. وقيل: إنّها تنْفسخ تلْقائيًّا بنفْسها. ويقول الْكاسانيّ: الصّواب أنّه ينْظر إلى الْعذْر، فإنْ كان يوجب الامْتناع عن الْمضيّ فيه شرْعًا، كما في الإْجارة على خلْع الضّرْس، وقطْع الْيد الْمتأكّلة إذا سكن الأْلم وبرأتْ من الْمرض، فإنّها
تنْتقض بنفْسها. وإنْ كان الْعذْر لا يوجب الْعجْز عنْ ذلك، لكنّه يتضمّن نوْع ضررٍ لمْ يوجبْه الْعقْد، لا ينْفسخ إلاّ بالْفسْخ. وهو حقٌّ للْعاقد، إذ الْمنافع في الإْجارة لا تمْلك جمْلةً واحدةً، بلْ شيْئًا فشيْئًا، فكان اعْتراض الْعذْر فيها بمنْزلة عيْبٍ حدث قبْل الْقبْض. وهذا يوجب للْعاقد حقّ الْفسْخ دون توقّفٍ على قضاءٍ أوْ رضاءٍ.
وقيل: إنّ الْفسْخ يتوقّف على التّراضي أو الْقضاء؛ لأنّ هذا الْخيار ثبت بعْد تمام الْعقْد، فأشْبه الرّدّ بالْعيْب بعْد الْقبْض. وقيل: إنْ كان الْعذْر ظاهرًا فلا حاجة إلى الْقضاء، وإنْ كان خفيًّا كالدّيْن اشْترط الْقضاء. وهو ما اسْتحْسنه الْكاسانيّ وغيْره. وعنْد الاخْتلاف بيْن الْمتعاقديْن فإنّ الإْجارة تفْسخ بالْقضاء.
71 - وإنْ طلب الْمسْتأْجر الْفسْخ قبْل الانْتفاع فإنّ الْقاضي يفْسخ، ولا شيْء على الْمسْتأْجر. وإنْ كان قد انْتفع بها فللْمؤجّر ما سمّى من الأْجْر اسْتحْسانًا لأنّ الْمعْقود عليْه تعيّن بالانْتفاع. ولا يكون للْفسْخ أثرٌ رجْعيٌّ.