مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 608
مذكرة المشروع التمهيدي :
تعرض هذه المادة والمادة التالية لتطبيق التزامات المستأجر والمؤجر فيما هو من خصائص الأراضى الزراعية، ولا نظير لها في التقنين الحالي، فالمستأجر يستعمل العين فيما أعدت له، ولما كانت العين أرضاً زراعية، وجب عليه أن يستغلها وفقاً لما تتطلبه مقتضيات الاستغلال المألوف، ولا يجوز أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلالها تغييراً جوهرياً يبقى إلى ما بعد انتهاء الإيجار، كأن يحول الأرض وهي تستغل لزراعة الفواكه أو الخضروات إلى زراعة محصولات أخرى، لكن يجوز له أن يدخل تغييراً غير جوهري أو تغييراً جوهريا ينتهي بانتهاء الإيجار، أو تغييراً جوهرياً ببقى بعد الإيجار إذا كان ذلك بإذن المؤجر، وعليه بوجه خاص أن يعمل على إبقاء الأرض صالحة للإنتاج، ولكن ليس عليه أن يزيد في صلاحيتها.
إذ كان الواقع فى الدعوى أن المطعون ضدها الأولى أقامتها بطلب الحكم ببطلان عقد الإيجار المؤرخ 1977/5/28 على سند من أن هذه الإجارة لا تنفذ فى حقها باعتبارها مالكة وأنها وردت على الغير لصدورها بعد انتهاء الوصاية لبلوغها سن الرشد وإنهاء الوصاية عليها فى 1975/5/28 ولما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن مهمة الوصي - المطعون ضده الثاني - قد انتهت قبل إبرامه عقد الإيجار محل النزاع المؤرخ 1977/11/1 وقد تمسك الطاعن بأنه والمطعون ضده الثاني كانا يجهلان وقت التعاقد صدور قرار إنهاء الوصاية عن المطعون ضدها الأولى وأنهما كانا حسنا النية وقت إبرام هذا التعاقد وطبقاً لنص المادة 107 مدني ينصرف أثر هذا العقد إلى الأصل - المطعون ضدها الأولى - فضلاً عن تمسك الطاعن بإجازة الأخير لهذا العقد وعدم اعتراضها لمدة استطالت منذ إبرام العقد فى 1977/11/1 حتى رفع الدعوى في1985/1/19 رغم عملها بقرار إنهاء الوصاية فى 1975/5/28 ومن المقرر أن إجارة ملك الغير تنفذ فى حق المالك بالإجازة وإذ حجب الحكم المطعون فيه نفسه عن بحث وتمحيص هذا الدفاع الجوهري الذي قد يتغير به - لو صح - وجه الرأي فى الدعوى وأقام قضاءه ببطلان العقد إستناداً إلى أن إمتداد عقود إيجار الأطيان الزراعية وفقاً لحكم المادة 35 من القانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي المعدل بالقانون رقم 52 لسنة 1966 قد غل يد الوكيل فى تأجير مال موكله وقد قام المطعون ضده الثاني الوصي على المطعون ضدها الثانية بتحرير عقد الإيجار دون الحصول على إذن المحكمة فى حين أن الوصاية قد انتهت قبل إبرام هذا التعاقد وأنه متى بلغ القاصر سن الرشد فلا يكون لمحكمة الأحوال الشخصية ولاية - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة إلا فى بحث كشوف الحساب المقدمة عن مدة سابقة على إنتهاء الوصاية، كما أن الإمتداد القانوني لعقود الأطيان الزراعية وفقاً لأحكام قانون الإصلاح الزراعي مردة أحكام هذا القانون المتعلقة بالنظام العام ولا يحول دون تطبيق حكم المادة 559 من القانون المدني التي تجيز لمن يملك حق الإدارة أن يعقد إيجاراً لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات إذ يمتد العقد بعد انقضاء تلك المدة وهو ما يتفق مع ما جاء بعجز المادة 559 مدني بتطبيق نصوص القوانين الأخرى التي تقضي بغير ذلك ولا يغل قانون الإصلاح الزراعي حق الوكيل فى التأجير مما يعيب الحكم.
(الطعن رقم 3989 لسنة 60 جلسة 1995/04/13 س 46 ع 1 ص 631 ق 126)
يجب على المستأجر أن يزرع الأرض وفقاً للأصول المتعارف عليها ولا ينهكها بزراعة محصول واحد مرات متعاقبة وأن يستمدها ويتعهد الأشجار بالصيانة وأن يبقى الأرض صالحة للانتاج فلا يتركها بوراً أو يهمل في تنقيتها من الحشائش وتطهير المصارف والمساقي، فإن أخل بهذا الالتزام جاز للمؤجر أن يطالبه بتنفيذه عيناً وله في سبيل ذلك أن يلجأ للتهديد المالي بل له أن يطلب وضع الأرض تحت الحراسة، ويجوز له اللجوء للمحكمة الجزئية المختصة طالباً طرد المستأجر لإخلاله بالتزاماته.
وليس للمستأجر أن يقيم بناء بالارض الزراعية ولا زرابي لإيواء ماشيته فذلك يعد استعمالاً للعين في غير الغرض المخصصة له يترتب عليه الإضرار بالأرض العدم زراعتها وبالتالي الأضرار بالمؤجر، مما يجيز له طلب الإخلاء والتعويض.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن الصفحة/ 301 )
التزامات المستأجر بشأن استغلال الأرض الزراعية:
يجب أن يكون استغلال الأرض موافقا لمقتضيات الاستغلال المألوف:
وإذا اتفق المتعاقدان على طريقة معينة لاستغلال الأرض، وجب على المستأجر اتباعها فيما لا يخالف القوانين السابقة والقواعد المرعية، فإذا اشترط المؤجر على المستأجر اتباع نظام معين في زراعة الأرض وجب اتباع هذا النظام.
وعند عدم وجود الاتفاق المشار إليه، يجب على المستأجر استغلال الأرض بحسب ما أعدت له، ووفقاً لمقتضيات الاستغلال المألوف، فلا يجوز استغلال الأرض الزراعية في ضرب الطوب فذلك من شأنه إضعاف التربة والتأثير في خصوبتها بل وقد يجعلها غير صالحة للإنتاج.
وإذا كانت الأرض معدة لزراعات الحاصلات الحقلية أي الحاصلات العادية كالأرز والذرة والقطن، التزم المستأجر باستغلالها في هذه المزروعات وطبقاً للاستغلال المألوف في زراعة هذه الحاصلات، وإذا كانت الأرض معدة لزراعة الخضروات أو مسائل الزهور وجب على المستأجر أن يزرعها خضروات أو مسائل للزهور على الوجه المألوف في مثل هذه المزروعات.
التزام المستأجر بإبقاء الأرض صالحة للإنتاج:
وهذا الالتزام يقتضي من المستأجر أن يقوم بزراعة الأرض وفقاً للأصول المألوفة في الزراعة، فلا ينهك الأرض بزراعة محصول واحد مرات متعاقبة، وأن يقوم بتسميدها، وموالاة ريها طبقاً للأصول المرعية، وألا يهمل في صرف فائض المياه فتزيد ملوحتها، وأن يتعهد الأشجار الصيانة، وألا يترك الحشائش الضارة بها، وألا يقوم بتجريفها، غير أن المستأجر لا يلتزم بأن يزيد في صلاحية الأرض للزراعة.
وتقدير ما إذا كانت الأرض صالحة للانتفاع أم لا، مما يخضع لتقدير قاضي الموضوع .
عدم إدخال أي تغيير جوهري على الطريقة المتبعة في الاستغلال يمتد أثره إلى ما بعد انقضاء الإيجار.
فلا يجوز للمستأجر أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلال الأرض تغييراً جوهرياً يبقى إلى ما بعد انتهاء الإيجار دون إذن المؤجر، كأن يحول الأرض المستغلة في زراعة الفواكه أو الخضروات إلى زراعة محصولات أخرى، مهما كانت هذه المحصولات رابحة.
ولكن يجوز أن يدخل تغييراً غير جوهري أو تغييراً جوهرياً يبقى بعد الإيجار إذا كان لا ينشأ عنه ضرر للمؤجر .
جزاء إخلال المستأجر بالالتزامات الواردة بالمادة:
أولاً : الجزاء المدني
إذا أخل المستأجر بالتزاماته المنصوص عليها بالمادة، جاز للمؤجر طبقاً للقواعد العامة مطالبته بتنفيذ التزاماته عيناً (م 203 مدني)، وله في سبيل ذلك أن يلجأ إلى طريق التهديد المالي، وأن يطلب وضع الأرض تحت الحراسة لاستغلالها على الوجه الواجب.
ويجوز للمؤجر أيضاً أن يطلب فسخ عقد الإيجار، ويكون للقاضي أن يمنح المستأجر أجلاً للوفاء بالتزاماته إذا اقتضت الظروف ذلك، وله أن يرفض الفسخ إذا كان مالم يوف به المستأجر قليل الأهمية (م 157 مدني)، وذلك بما للقاضي من سلطة تقديرية في القضاء بالفسخ.
وسواء طلب المؤجر التنفيذ العيني أو الفسخ، فإنه يجوز له طلب التعويض عما يكون قد لحقه من أضرار نتيجة عدم تنفيذ المستأجر لالتزاماته.
ثانياً : الجزاء الجنائي :
جزءان منصوص عليهما في القانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بإصدار قانون الزراعة :
(1)تجريف الأرض أو نقل الأتربة منها لاستعمالها في غير أغراض الزراعة:
عاقبت المادة 154 المضافة بالقانون رقم 116 لسنة 1983 على مخالفة أحكام هذه المادة بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه عن كل فدان أو جزء من الأرض موضوع المخالفة، فإذا كان المخالف هو المالك وجب ألا يقل الحبس عن ستة أشهر، ويحكم فضلاً عن العقوبة بمصادرة الأتربة المتخلفة عن التجريف وجميع الآلات والمعدات التي استخدمت في عملية التجريف أو النقل، ولا يجوز الحكم بوقف تنفيذ الغرامة.
وإذا كان المخالف هو المستأجر دون المالك وجب الحكم أيضاً بإنهاء عقد الإيجار ورد الأرض إلى المالك، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 1997/9/1 في القضية رقم 130 لسنة 18 قضائية "دستورية" بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 154 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة (وقد نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 1997/9/11 - العدد 37) .
(2) - تبوير الأرض أو تركها دون زراعة:
وقد رصد المشرع عقوبة على مخالفة أحكام هذه المادة نصت عليها المادة 155 المضافة بالقانون رقم 116 لسنة 1983 والمعدلة بالقانون رقم 2 لسنة 1985 وهي الحبس والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على - جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة ولا يجوز لك بوقف تنفيذ العقوبة وإذا كان المخالف هو المستأجر أو الحائز دون المالك أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة إنهاء عقد الإيجار فيما يتعلق بالأرض المتروكة وردها للمالك لزراعتها .
وعلى ذلك فإن المستأجر إذا ترك الأرض المؤجرة غير مزروعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة، أو ارتكب أي فعل أو لم يمتنع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها، فإنه يعتبر مخلاً بالتزاماته المنصوص عليها بالمادة 613 مدني، وتوقع عليه العقوبة سالفة الذكر.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع الصفحة/ 1178)
فنص المشرع في المادة 613 مدني - تطبيقا لحكم المادة 579 المتعلق باستعمال المستأجر العين المؤجرة فيما أعدت له - على أنه لا يجب أن يكون استغلال المستأجر للأرض الزراعية موافقاً لمقتضيات الاستغلال المألوف، وعلى المستأجر بوجه خاص أن يعمل على أن تبقى الأرض صالحة للانتاج، ولا يجوز له دون رضاء المؤجر أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلالها أي تغيير جوهري يمتد أثره إلى ما بعد انقضاء عقد الإيجار، وبناء على ذلك لا يجوز للمستأجر أن يستعمل الأرض الزراعية في غير ما أعدت له، كأن يستعملها ساحة للألعاب أو حظيرة للسيارات أو محطة للطائرات، فليس له أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلالها تغييراً جوهرياً يبقى إلى ما بعد انتهاء الإيجار، كأن يحول بستان الفاكهة إلى أرض لزراعة محصولات أخرى مهما كانت زراعة هذه المحصولات رابحة، ولكن له أن يدخل تغييراً غير جوهري أو تغييراً جوهرياً ينتهي بانتهاء الايجار أو تغييراً جوهرياً يبقى بعد الايجار إذا كان ذلك بإذن المؤجر أو كان لا ينشأ عنه ضرر لهذا الأخير (75 مكرر ).
ويكون للقاضي في جميع الأحوال سلطة تقدير التغيير واعتباره جوهرياً أو غير جوهري وتقدير حدوث ضرر من هذا التغيير أو عدمه، وعلى المستأجر بوجه خاص أن يعمل على بقاء الأرض صالحة للإنتاج ولكن ليس عليه أن يزيد في صلاحيتها.
وتطبق على المستأجر الذي يخل بشيء من هذه الالتزامات الجزاءات التي تفرضها القواعد العامة، كالإكراه على التنفيذ العيني والتعويض، وقد أضاف قانون الإصلاح الزراعي إلى هذا الجزاء المدني جزاءً جنائياً أن ينص في المادة 34 مئه المعدلة بالقانون رقم 52/1966 على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر وبغرامة لاتجاوز 300 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ... كل مستأجر يخالف عمداً أو يهمل في التزامه بالعناية بالأرض أو بزراعتها على وجه يؤدي إلى نقص جسیم في معدنها أو في غلتها على أن يسبق إقامة الدعوى العمومية قرار من المحكمة الجزئية المختصة، ويبين من ذلك أنه يشترط في توقيع هذه العقوبة، وقوع تقصير من المستأجر في العناية بالأرض سواء كان هذا التقصير عمداً أو إهمالاً، أن يؤدي هذا التقصير إلى نقص جسيم في معدن الأرض أو في غلتها.
كما أضاف التعديل الذى أدخله القانون رقم 52 / 1966 على المادة 34 المشار إليها جزاءً مدنياً آخر حيث نص في الفقرة الثانية من هذه المادة على جواز الحكم على المؤجر فوق العقوبة المشار إليها بإلزامه بأن يؤدي الى المستأجر مبلغاً نقدياً تقدره المحكمة لا يجاوز ثلاثة أمثال الزيادة التي يثبت أنه تقاضاها من المستأجر.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن الصفحة / 815)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 281
الْتزامات الْمسْتأْجر:
88 - أوّلاً: يجب على الْمسْتأْجر أنْ يدْفع الأْجْرة الْمشْروطة في الْعقْد حسب الاشْتراط، فقدْ نصّوا على لزوم الْكراء بالتّمْكين من التّصرّف في الْعيْن الّتي اكْتراها وإنْ لمْ تسْتعْملْ. وقد اتّجه الْفقهاء في الْجمْلة إلى
أنّه إن انْقطع عنْها الْماء، أوْ غرقتْ ولمْ ينْكشفْ عنْها الْماء، ونحْو ذلك ممّا يمْنع تمكّنه منْ زراعتها، فإنّه لا يلْزمه الأْجْر. لكنْ لهمْ تفْصيلاتٌ ينْبغي الإْشارة إليْها.
فالْحنفيّة ينصّون على أنّ انْقطاع الْماء عن الأْرْض الّتي تسْقى بماء النّهْر أوْ ماء الْمطر يسْقط الأْجْر. وكذا إنْ غرقت الأْرْض قبْل أنْ يزْرعها ومضت الْمدّة.
وكذا لوْ غصبها غاصبٌ. أمّا إنْ زرعها فأصاب الزّرْع آفةٌ فهلك الزّرْع، أوْ غرقتْ بعْد الزّرْع ولمْ ينْبتْ، ففي إحْدى روايتيْن عنْ محمّدٍ: يكون عليْه الأْجْر كاملاً والْمخْتار في الْفتْوى أنّه لا يكون عليْه أجْرٌ لما بقي من الْمدّة بعْد هلاك الزّرْع.
ويقْرب منْ ذلك قوْل الْمالكيّة، إذْ قالوا: إنّ الأْجْر لا يجب بانْقطاع الْماء عن الأْرْض، أوْ إغْراقه لها منْ قبْل أنْ يزْرعها وحتّى انْقضاء الْمدّة. أمّا إنْ تمكّن ثمّ فسد الزّرْع لجائحةٍ لا دخْل للأْرْض فيها، فيلْزمه الْكراء، غيْر أنّهمْ قالوا: إذا انْعدم الْبذْر عمومًا عنْد أهْل الْمحلّة ملْكًا أوْ تسْليفًا فلا يلْزمه الْكراء، وكذا إذا سجن الْمكْتري بقصْد تفْويت الزّرْع عليْه، فيكون الْكراء على ساجنه.
وقال الشّافعيّة والْحنابلة: إن اكْترى أرْضًا للزّراعة، فانْقطع ماؤها، فالْمكْتري بالْخيار بيْن فسْخ الْعقْد؛ لأنّ الْمنْفعة الْمقْصودة قدْ فاتتْ، وبيْن إبْقائه لأنّ الْعيْن باقيةٌ يمْكن الانْتفاع بها، وإنّما نقصتْ منْفعتها، فثبت له الْخيار، كما لوْ حدث به عيْبٌ.
وقالوا: إذا زرع الأْرْض الّتي اكْتراها ثمّ هلك الزّرْع بزيادة الْمطر أوْ شدّة الْبرْد أوْ أكْل الْجراد، لمْ يجزْ له الرّدّ؛ لأنّ الْجائحة حدثتْ على مال الْمسْتأْجر. وقالوا: إن اكْترى أرْضًا غرقتْ بالْماء لزراعة ما لا يثْبت في الْماء، كالْحنْطة والشّعير، فإنْ كان للْماء مغيضٌ إذا فتح انْحسر الْماء عن الأْرْض، وقدر على الزّراعة، صحّ الْعقْد، وإلاّ لمْ يصحّ الْعقْد. وإنْ كان يعْلم أنّ الْماء ينْحسر وتنشّفه الرّيح، ففيه وجْهان عنْد الشّافعيّة:
أحدهما: لا يصحّ؛ لأنّه لا يمْكن اسْتيفاء الْمنْفعة في الْحال.
والثّاني: يصحّ. وهو الصّحيح، لأنّه يعْلم بالْعادة إمْكان الانْتفاع به.
89 - ثانيًا: يجب على الْمسْتأْجر أنْ ينْتفع بالأْرْض في حدود الْمعْروف والْمشْروط، لا بما هو أكْثر ضررًا، وهذا موْضع اتّفاقٍ. وذهب عامّة أهْل الْعلْم إلى أنّه يجوز أنْ يزْرع الأْرْض الزّرْع الْمتّفق عليْه، أوْ مساويه، أوْ أقلّ منْه ضررًا.
غيْر أنّ الْحنفيّة قالوا: من اكْترى أرْضًا ليزْرعها حنْطةً فليْس له أنْ يزْرعها قطْنًا. وإذا زرعها ضمن قيمة ما أحْدثه ذلك في الأْرْض منْ نقْصانٍ، واعْتبر غاصبًا للأْرْض وقدْ سبق أنّهمْ يشْترطون تعْيين نوْع ما يزْرع.
وقال الشّافعيّة في ذلك: يلْزمه أجْر الْمثْل؛ لأنّه تعدّى، والزّيادة غيْر منْضبطةٍ، وتفْضي إلى منازعةٍ. وفي قوْلٍ آخر لهمْ: يلْزمه الْمسمّى وأجْر الْمثْل للزّيادة. وفي قوْلٍ: إنّ مالك الأْرْض يكون بالْخيار بيْن أنْ يأْخذ الْمسمّى وأجْر الْمثْل للزّيادة، أوْ أنْ يأْخذ أجْر الْمثْل للْجميع.
وعنْد الْحنابلة: لو اشْترط نوْعًا معيّنًا من الزّرْع كالْقمْح فلهمْ رأْيان، قيل: لا يجوز هذا الشّرْط؛ لأنّ الْمعْقود عليْه منْفعة الأْرْض، وإنّما ذكر الْقمْح لتقدّر به الْمنْفعة. والثّاني أنّه يتقيّد بهذا الشّرْط حسب الاتّفاق، فيكون شرْطًا لا يقْتضيه الْعقْد. وهذا اخْتيار الْقاضي منْ علمائه.
انْقضاء إجارة الأْرْض الزّراعيّة:
90 - إذا كانت الإْجارة على مدّةٍ، وانْقضت الْمدّة، انْقضت الإْجارة اتّفاقًا. ويبْقى الزّرْع في الأْرْض إذا كان لمْ يحنْ حصاده. وعليْه الأْجْر الْمسمّى عن الْمدّة، زائدًا أجْر الْمثْل عن الْمدّة الزّائدة.
ولفقهاء الْمذاهب بعْض تفْصيلاتٍ في ذلك، وفيما إذا كانت الأْرْض اسْتأْجرها للْغراس لا للزّرْع:
فقال الْحنفيّة: إذا اسْتأْجرها ليغْرس بها شجرًا وانْقضت الْمدّة، لزمه أنْ يقْلع الشّجر ويسلّم الأْرْض فارغةً. وقيل: يتْركها بأجْر الْمثْل، إلاّ أنْ يخْتار صاحب الأْرْض أنْ يغْرم قيمة ذلك مقْلوعًا إنْ كان في قلْعها ضررٌ فاحشٌ بالأْرْض. وإلاّ قلعها منْ غيْر ضمان النّقْص له. لأنّ تقْدير الْمدّة في الإْجارة يقْتضي التّفْريغ عنْد انْقضائها، كما لو اسْتأْجرها للزّرْع.
ولا يبْعد الْمالكيّة عن الْحنفيّة في شيْءٍ منْ هذا، غيْر أنّ بعْضهمْ قيّد بقاء الزّرْع في الأْرْض للْحصاد بأجْر الْمثْل بما إذا كان الْمكْتري يعْلم وقْت الْعقْد أنّ الزّرْع يتمّ حصاده في الْمدّة، وإلاّ جاز للْمؤجّر أمْره بالْقلْع.
91 - أمّا الشّافعيّة فقدْ فصّلوا، وقالوا: إن اكْترى أرْضًا لزرْعٍ معيّنٍ لا يسْتحْصد في الْمدّة، واشْترط التّبْقية، فالإْجارة باطلةٌ؛ لأنّه شرْطٌ ينافي مقْتضى الْعقْد. فإنْ بادر وزرع لمْ يجْبرْ على الْقلْع، وعليْه أجْرة الْمثْل. وإنْ شرط الْقلْع فالْعقْد صحيحٌ، ويجْبر على ذلك. وإنْ لمْ يشْترطْ شيْئًا منْ ذلك فقيل: يجْبر على الْقلْع؛ لأنّ الْعقْد على مدّةٍ، وقد انْقضتْ. وقيل: لا يجْبر؛ لأنّ الزّرْع معْلومٌ. ولزمه أجْر الْمثْل للزّائد.
وإنْ كان الزّرْع غيْر معيّنٍ، فإنْ كان بتفْريطٍ منْه، فللْمكْتري أنْ يجْبره على قلْعه؛ لأنّه لمْ يعْقدْ إلاّ على الْمدّة. وإنْ كان لعذْرٍ، فقيل: يجْبر أيْضًا. وقيل: لا يجْبر. وهو الصّحيح؛ لأنّه تأخّر منْ غيْر تفْريطٍ منْه. وعليْه الْمسمّى إلى نهاية الْمدّة، وأجْرة الْمثْل لما زاد.
وفي الْغراس قالوا: إنّه يجوز اشْتراط التّبْقية؛ لأنّ الْعقْد يقْتضيه. وإنْ شرط عليْه الْقلْع أخذ بالشّرْط، ولا يلْزمه تسْوية الأْرْض. وإنْ أطْلق لمْ يلْزمْه الْقلْع، إذ الْعادة في الْغراس التّبْقية إلى أنْ يجفّ ويسْتقْلع. وإن اخْتار الْقلْع وكان قبْل انْقضاء الْمدّة، فقيل: يلْزمه تسْوية الأْرْض؛ لأنّه قلع الْغراس منْ أرْض غيْره بغيْر إذْنه. وقيل: لا يلْزمه؛ لأنّ قلْع الْغراس منْ أرْضٍ له عليْها يدٌ. وإنْ كان بعْد انْقضاء الْمدّة لزمه تسْوية الأْرْض، وجْهًا واحدًا. وإن اخْتار الْمكْتري التّبْقية فإنْ أراد صاحب الأْرْض دفْع قيمة الْغراس وتملّكه أجْبر الْمكْتري على ذلك. وإنْ أراد أنْ يقْلعه، وكانتْ قيمة الْغراس لا تنْقص بالْقلْع، أجْبر الْمكْتري على الْقلْع.
ولا يبْعد رأْي الْحنابلة عمّا قاله الشّافعيّ في جمْلته، غيْر أنّهمْ قالوا: إذا كان تأْخير الزّرْع لتفْريطٍ منْه فحكْمه حكْم زرْع الْغاصب. ويخيّر الْمالك بعْد الْمدّة بيْن أخْذه بالْقيمة، أوْ ترْكه بالأْجْر لما زاد على الْمدّة. وإن اخْتار الْمسْتأْجر قطْع زرْعه في الْحال فله ذلك. وقال الْقاضي: إنّ على الْمسْتأْجر ذلك. وإن اتّفقا على ترْكه بعوضٍ جاز. وإنْ كان بقاؤه بغيْر تفْريطٍ لزم الْمؤجّر ترْكه إلى أنْ ينْتهي، وله الْمسمّى، وأجْر الْمثْل لما زاد.
وإذا اسْتؤْجرت الأْرْض مدّةً للزّراعة، ومات الْمؤجّر أو الْمسْتأْجر قبْل أنْ يسْتحْصد الزّرْع كان منْ حقّ الْمسْتأْجر أوْ ورثته بقاء الأْرْض حتّى حصاد الزّرْع، وذلك بأجْر الْمثْل، على أنْ يكون ذلك منْ ما
الْورثة دون مال الْميّت وقدْ سبق أنّ وفاة الْمؤجّر أو الْمسْتأْجر، ممّا ينْهي عقْد الإْجارة عنْد الْحنفيّة، خلافًا للْمذاهب الأْخر.
_________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
(ماده 611 )
1- يلتزم المستأجر بأن يستغل الأرض الزراعية المؤجرة على النحو المتفق عليه ، فان لم يكن هناك اتفاق وجب عليه أن يستغلها وفقاً لمقتضيات الاستغلال المألوف، وعليه بوجه خاص أن يعمل على أن تبقى الأرض صالحة للانتاج .
2- ولا يجوز له دون رضاء المؤجر أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلالها أي تغير جوهري يمتد أثره إلى ما بعد انتهاء الايجار .
هذه المادة تتفق مع المادة 613 من التقنين الحالي.
وقد أضيف الى الفقرة الأولى من هذه المادة ما يفيد التزام المستاجر بأن يستغل الأرض المؤجرة على النحو المتفق عليه اذا كان هناك اتفاق . فاذا اشترط عليه المؤجر ان يتبع نظاماً خاصاً في زراعة الارض ، كان ملزماً باتباع هذا النظام في الزراعة . فهذا هو اول ما يعتد به في استغلال الارض . فاذا لم يوجد اتفاق في هذا الشأن . كان على المستاجر أن يستغل الارض وفقاً لمقتضيات الاستغلال المالوف بحسب ما اعدت له.
انظر المذكرة الايضاحية للنص المقابل في المشروع التمهيدي للتقنين الحالى ( م 817 ) في مجموعة الاعمال التحضيرية ج 4 ص 608 و 609 .
والماده المقترحة تتفق مع المادة 804/1 من التقنين العراقي.
و تتفق مع المادة ۷۱۸ من التقلين الأردنی .
وتتفق مع المادة 616 من التقنين الكويتي .
والسند الشرعي للمادة المقترحة أن حكمها هو ما جرى به العرف الزراعي . وقد نصت عليه مجلة الاحكام الشرعية في الفقه الحنبلي ، وهو رأی جمهور فقهاء المذاهب جميعها .