loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 630

مذكرة المشروع التمهيدي :

المزارعة، إذا لم تحدد لها مدة، تكون لمدة دورة زراعية سنوية، وقد صرح بهذا الحكم في المزارعة، وهو مفهوم كذلك في إيجار الأراضى الزراعية بوجه عام.

الأحكام

الاحكام

لما كانت المادة 151 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانونين رقمى 116 لسنة 1983، 2 لسنة 1985 تنص على أنه " يحظر على مالك الأرض أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأى صفه ترك الأرض منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التى تحدد بقرار من وزير الزراعة، كما يحظر عليهم إرتكاب أى فعل أو الإمتناع عن أى عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها وقد نصت المادة 155 من القانون ذاته على أنه يعاقب على مخالفة حكم المادة 151 من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنية ولا تزيد على ألف جنية عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة وإذا كان المخالف هو المالك أو نائبه يوجب أن يتضمن الحكم الصادر بالإدانة تكليف الإدارة الزراعية المختصة بتأجير الأرض المتروكة لمن يتولى زراعتها عن طريق المزارعة لحساب المالك لمدة سنتين ,وتعود بعدها الأرض لمالكها أو نائبه وذلك وفقا للقواعد التى يصدر بها قرار من وزير الزراعة .وإذا كان المخالف هو المستأجر أو الحائز دون المالك وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة إنهاء عقد الإيجار فيما يتعلق بالأرض المتروكه وردها للمالك لزراعتها .وكان البين من نص المادة 151 سالفة الذكر أنه تضمن جريمتين متغايرتين الأولى هى ترك الأرض دون زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة وهى التى صدر بشأنها قرار وزير الزراعة رقم 289 لسنة 1985 بناء على التفويض المخول له فى الفقرة الأولى من تلك المادة والجريمة الثانية وهى إرتكاب فعل أو الإمتناع عن عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها وكانت العقوبة التكميلية التى وردت فى الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 155 من القانون سالف الذكر - والتى تختلف بإختلاف صفة لمخالف - تتعلق حسبما يدل صريح نص المادة ودلالة عبارته بالجريمة الأولى دون الثانية وكان الحكم المطعون فيه رغم إفصاحه عن أن الجريمة التى إرتكبها الطاعن هى الجريمة الثانية فقد أوقع عليه العقوبة التكميلية الخاصة بالجريمة الأولى على إعتبار أنه مالك وكان ما تردى فيه الحكم ليس مقصوراً على الخطأ فى تطبيق القانون بل تجاوزه إلى إضطراب ينبئ عن إختلال فكرة الحكم من حيث تركيزها فى موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما يعيبه بالتناقض والتخاذل.

(طعن جنائي رقم 19418 لسنة 59 جلسة 1994/01/23 س 45 ص 131 ق 20)

شرح خبراء القانون

نصت المادة 20 إصلاح زراعي على ألا تقل مدة الإيجار عن ثلاث سنوات فيسرى هذا الحكم على الإيجار العادي وعلى المزارعة وكان من مقتضى هذا النص نسخ المادة 621 مدني.

ثم تدخل المشرع وجعل مدة إيجار الأراضي الزراعية مطلقاً وفقاً لإرادة المتعاقدين، سواء تعلق بالمزارعة أو بغيرها.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن الصفحة/ 312)

تحدد مدة المزارعة باتفاق الطرفين، وتخضع في حدها الأقصى للحد الأقصى الذي يخضع له الإيجار وقد ذكرناه في موضعه، فإذا لم يوجد اتفاق، عقدت للمدة التي يحددها العرف.

فإذا لم يوجد عرف كانت مدتها دورة زراعية سنوية وتتحدد بداية الدورة ونهايتها كما هو الشأن في الإيجار النقدى.

يسري على إثبات عقد المزارعة ما يسري على إثبات عقد الإيجار النقدى.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع الصفحة/ 1221)

مدة المزارعة وفقا للقانون المدني - مدة المزارعة هي المدة التي يعينها الأتفاق أو العرف ، فإذا لم يوجد اتفاق أو عرف بشأنها » كانت المدة دورة زراعية سنوية ( المادة 621)، وتحدد هذه الدورة من حيث بدايتها ونهايتها كما في الأراضي الزراعية بوجه عام (راجع نبذة 299). فاذا انقضت المزارعة قبل أن ينضج الزرع سواء كان انقضاؤها لإنتهاء المدة المتفق عليها أو لأي سبب آخر، فإن مدتها تمتد حتى ينضج الزرع على أن يؤدي المزارع أجرة المثل عن المدة الزائدة، لا عن الارض المزروعة كلها ، بل عما يقابل نصيبه من الزرع .

غير أن هذه الأحكام أصبحت منسوخة بأحكام قانون الأصلاح الزراعي في كل ما يتعارض مع هذه الأخيرة .

مدة المزارعة وفقا لقانون الإصلاح الزراعي - تقدم في نبذة 299 مکرر أن المادة 35 من قانون الإصلاح الزراعي كانت تنص على أنه لا يجوز أن تقل مدة إيجار الأراضي الزراعية من ثلاث سنوات ثم أصدر المشرع قوانين خاصة متتالية قرر بها امتداد العقود التي انتهت مدتها من سنة إلى سنة - ثم انتهى إلى تعديل المادة 35 المذكورة بالقانون رقم 52/1966 تعديلاً من مقتضاه امتداد عقود إيجار الأراضي الزراعية إلى أجل غير مسمى بحيث لا يجوز للمؤجر إنهاء العقد إلا لأسباب معينة (راجع نبذة 305 مكرر ) . وهذه الأحكام عامة تسري على إيجار الأرض الزراعية بنوعيه، أي سواء كان بالنقد أو مزارعة وتعتبر ناسخة حكم المادة 621 مدني سالف الذكر، فيراجع ما تقدم بشأنها.

ويلاحظ أنه إذا لم يعين المتعاقدان مدة المزارعة، فإن مدتها تكون دورة زراعية سنوية وفقاً للمادة 621 مدني ، ثم تمتد إلى أجل غير۔ مسمى وفقاً للمادة 35 من قانون الإصلاح الزراعي.

وتستثنى من امتداد المزارعة إلى أجل غير مسمى الحالات التي استثنيت من امتداد الإيجار العادي ( راجع نبذة 299 مکرر ).(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن الصفحة/ 856)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 33

ب - الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ:

9 -ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَقَدْ قَالاَ بِجَوَازِهَا.

وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا بَيَانَ الْمُدَّةِ، فَهِيَ مِنَ الْعُقُودِ الْمُؤَقَّتَةِ عِنْدَهُمَا .

وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ تَوْقِيتُهَا عِنْدَهُمَا، فَإِنْ تُرِكَ تَأْقِيتُهَا جَازَتِ اسْتِحْسَانًا؛ لأِنَّ وَقْتَ إِدْرَاكِ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ .

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِ التَّأْقِيتِ فِي الْمُزَارَعَةِ، فَتَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِلاَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ .

وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهَا تُؤَقَّتُ بِالْجُذَاذِ، أَيْ: جَنْيِ الثَّمَرِ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى فَسَادَهَا إِنْ أُطْلِقَتْ وَلَمْ تُؤَقَّتْ، أَوْ أُقِّتَتْ بِوَقْتٍ يَزِيدُ عَلَى الْجُذَاذِ، وَيَرَى ابْنُ الْحَاجِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا إِنْ أُطْلِقَتْ صَحَّتْ وَحُمِلَتْ عَلَى الْجُذَاذِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَنَّ التَّأْقِيتَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا، وَغَايَةُ مَا فِي الأْمْرِ أَنَّهَا إِنْ أُقِّتَتْ فَإِنَّهَا تُؤَقَّتُ بِالْجُذَاذِ .

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ إِذَا أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ تَقْرِيرِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ مَا يَجْرِي عَلَى الْمُسَاقَاةِ يَجْرِي عَلَيْهَا .

وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً، إِذْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ التَّأْقِيتَ، بَلْ تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً وَغَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، فَلَوْ زَارَعَهُ أَوْ سَاقَاهُ دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةً جَازَ؛ لأِنَّهُ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَضْرِبْ لأِهْلِ خَيْبَرَ مُدَّةً . وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ صلي الله عليه وسلم . وَلِكُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ وَبَعْدَ شُرُوعِ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ. وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع والثلاثون ، الصفحة / 49

مُزَارَعَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ زَرَعَ الْحَبَّ زَرْعًا وَزِرَاعَةً: بَذَرَهُ، وَالأْرْضَ : حَرَثَهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَزَرَعَ اللَّهُ الْحَرْثَ: أَنْبَتَهُ وَأَنْمَاهُ، وَزَارَعَهُ مُزَارَعَةً: عَامَلَهُ بِالْمُزَارَعَةِ .

وَالْمُزَارَعَةُ: الْمُعَامَلَةُ عَلَى الأْرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِعِدَّةِ تَعْرِيفَاتٍ.

فَعَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ .

وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهَا الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ: عَمَلٌ عَلَى أَرْضٍ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ .

وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ، أَوْ مَزْرُوعٍ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ بِجُزْءِ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنَ الْمُتَحَصِّلِ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمُسَاقَاةُ:

2 - الْمُسَاقَاةُ لُغَةً: أَنْ يَسْتَعْمِلَ رَجُلٌ رَجُلاً فِي نَخِيلٍ أَوْ كُرُومٍ لِيَقُومَ بِإِصْلاَحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْلُومٌ مِمَّا تُغِلُّهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: دَفْعُ شَجَرٍ مَغْرُوسٍ مَعْلُومٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ:

أَنَّ لِلْعَامِلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِصَّةً شَائِعَةً مِنَ الإْنْتَاجِ، إِلاَّ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَقَعُ عَلَى الزَّرْعِ كَالْحُبُوبِ، وَالْمُسَاقَاةُ تَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ كَالنَّخِيلِ.

ب - الإْجَارَةُ:

3 - الإْجَارَةُ لُغَةً: اسْمٌ لِلأْجْرَةِ، وَهِيَ كِرَاءُ الأْجِيرِ، وَنُقِلَ عَنِ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ يُقَالُ: أَجَّرَ وَآجَرَ إِجَارًا وَإِجَارَةً، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ مَصْدَرًا وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ.

وَالإْجَارَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهَا: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى تَمْلِيكِ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ.

(ر: إِجَارَةٌ ف 1 – 2).

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإْجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ: أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَرْعٌ مِنَ الإْجَارَةِ ، إِلاَّ أَنَّ الأْجْرَةَ فِي الإْجَارَةِ مُعَيَّنَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَقْدِ، أَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ فَهِيَ جُزْءٌ مِنَ النَّاتِجِ.

حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ

4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ إِلَى اتِّجَاهَيْنِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جِوَازِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، وَمَشْرُوعِيَّتِهَا، وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَطَاوسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأْسْوَدِ، وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلٍ .

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه ، وَالْحَسَنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَإِسْحَاقَ، وَآخَرِينَ .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

فَمِنَ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» .

أَمَا الإْجْمَاعُ فَقَدْ أَجَمَعَ الصَّحَابَةُ قَوْلاً وَعَمَلاً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُزَارَعَةِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ .

فَالْمُزَارَعَةُ شَرِيعَةٌ مُتَوَارَثَةٌ، لِتَعَامُلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ .

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمُزَارَعَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ الأْرْضُ، وَعَمَلٌ مِنَ الآْخَرِ وَهُوَ الزِّرَاعَةُ، فَيَجُوزُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا دَفْعُ الْحَاجَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ لاَ يَهْتَدِي إِلَى الْعَمَلِ، وَالْمُهْتَدِي إِلَيْهِ قَدْ لاَ يَجِدُ الْمَالَ، فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى عَدَمِ جِوَازِ الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا وَرَدَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم ، فَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا وَأَنْفَعُ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلاَ يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلاَ بِرُبُعٍ وَلاَ بِطَعَامٍ مُسَمًّى».

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الأْوَّلُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» وَالاِسْتِئْجَارُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ - الْمُزَارَعَةُ - فِي مَعْنَاهُ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَكُونُ الاِسْتِئْجَارُ لِبَعْضِ الْخَارِجِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّ الاِسْتِئْجَارَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ اسْتِئْجَارٌ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ .

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِعْطَاءُ الأْرْضِ مُزَارَعَةً إِلاَّ أَنْ تَكُونَ أَرْضًا وَشَجَرًا، فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْبَيَاضِ مِنَ الأْرْضِ ثُلُثَ مِقْدَارِ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ السَّوَادُ مِقْدَارَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الْجَمِيعِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُعْطَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَالنِّصْفِ عَلَى مَا يُعْطَى بِهِ ذَلِكَ السَّوَادُ .

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ تَبَعًا لِلثَّمَرِ، وَكَانَ الثَّمَرُ أَكْثَرَ ذَلِكَ، فَلاَ بَأْسَ بِدُخُولِهَا فِي الْمُسَاقَاةِ، اشْتَرَطَ جُزْءًا خَارِجًا مِنْهَا أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، وَحَدَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ، أَعْنِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ كِرَاءِ الأْرْضِ الثُّلُثَ مِنَ الثَّمَرِ فَمَا دُونَهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الأْرْضِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ لِنَفْسِهِ، لأِنَّهَا زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ .

وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْرْضِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ النَّخِيلِ أَوِ الْعِنَبِ إِذَا كَانَ بَيَاضُ الأْرْضِ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالأْصَحُّ جَوَازُهَا أَيْضًا، وَقِيلَ: لاَ تَجُوزُ، وَلَكِنَّهُمْ مَنَعُوهَا مُطْلَقًا فِي الأْرْضِ الْبَيْضَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمَالِكٌ.

حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْمُزَارَعَةِ

5 - شُرِعَتِ الْمُزَارَعَةُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا، لأِنَّ مُلاَّكَ الأْرْضِ قَدْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ زَرْعَهَا وَالْعَمَلَ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّهُمْ قَدْ يُرِيدُونَ تَأْجِيرَهَا بِجُزْءٍ مِنَ الْمَحْصُولِ وَلَيْسَ بِأُجْرَةٍ نَقْدِيَّةٍ، وَمِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ فَالْعُمَّالُ يَحْتَاجُونَ إِلَى الزَّرْعِ وَلاَ مَالَ لَهُمْ يَتَمَلَّكُونَ بِهِ الأْرْضَ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ جِوَازَ الْمُزَارَعَةِ، كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَلْ إِنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا آكَدُ مِنْهَا فِي الْمُضَارَبَةِ، لأِنَّ حَاجَةَ الإْنْسَانِ إِلَى الزَّرْعِ آكَدُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا، وَلِكَوْنِ الأْرْضِ لاَ يُنْتَفَعُ بِهَا إِلاَّ بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا بِخِلاَفِ الْمَالِ .

أَرْكَانُ الْمُزَارَعَةِ

6 - أَرْكَانُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ هِيَ أَرْكَانُ الْعَقْدِ بِصِفَّةٍ عَامَّةٍ.

وَهِيَ - عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا مِنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْعَاقِدَانِ، وَمَحَلُّ الْعَقْدِ، وَالصِّيغَةُ، أَيِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَى التَّرَاضِي.

وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصِّيغَةُ فَقَطْ .

وَقَالَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ أَرْكَانَ الْمُزَارَعَةِ أَرْبَعَةٌ: أَرْضٌ، وَبَذْرٌ، وَعَمَلٌ، وَبَقَرٌ .

حَقِيقَةُ الْمُزَارَعَةِ

7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، وَهَلْ هُوَ إِجَارَةٌ، أَوْ شَرِكَةٌ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ؟.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إِجَارَةً، ثُمَّ تَتِمُّ شَرِكَةً، فَفِيهَا مَعْنَى الإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ عِنْدَهُمْ.

أَمَّا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الإْجَارَةِ فَلأِنَّ الإْجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَالْمُزَارَعَةُ كَذَلِكَ، لأِنَّ الْبَذْرَ إِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الأْرْضِ فَالْعَامِلُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ مِنْ رَبِّ الأْرْضِ بِعِوَضٍ هُوَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَصَاحِبُ الأْرْضِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ مِنَ الْعَامِلِ بِعِوَضٍ هُوَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، فَكَانَتِ الْمُزَارَعَةُ اسْتِئْجَارًا، إِمَّا لِلْعَامِلِ، وَإِمَّا لِلأْرْضِ ، وَالأْجْرَةُ فِيهَا بَعْضُ الْخَارِجِ مِنْهَا.

وَأَمَّا أَنْ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ، فَلأِنَّ الْخَارِجَ مِنَ الأْرْضِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَاحِبِهَا وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ حَسَبَ النِّسْبَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَهُمَا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا شَرِكَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي تَعْرِيفِهَا: هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ .

وَجَاءَ فِي مُوَاهِبِ الْجَلِيلِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُزَارَعَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالإْجَارَةِ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: وَالأْقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَقِيقَةً، وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا: لاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إِلاَّ بِشَرْطَيْنِ .

وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ أَنَّهَا شَرِكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٌ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ عَلَى الإْجَارَةِ ، وَالْبَعْضَ غَلَّبَ الإْجَارَةَ عَلَى الشَّرِكَةِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنْ جَنْسِ الْمُشَارَكَاتِ وَلَيْسَتْ مِنْ جَنْسِ الْمُؤَجَّرَاتِ، وَهِيَ نَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ .

صِفَةُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ

8 - يُرَادُ بِصِفَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لاَزِمَةٌ فِي جَانِبٍ مَنْ لاَ بَذْرَ لَهُ، فَلاَ يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِدُونِ رِضَا الآْخَرِ إِلاَّ بِعُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ إِتْمَامِهَا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ لاَزِمَةً فِي جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ قَبْلَ إِلْقَاءِ بَذْرِهِ فِي الأْرْضِ ، فَيَمْلِكُ فَسْخَهَا بِعُذْرٍ وَبِدُونِ عُذْرٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَمَلِ إِلاَّ بِإِتْلاَفِ مَالِهِ - وَهُوَ الْبَذْرُ - بِإِلْقَائِهِ فِي الأْرْضِ فَيَهْلِكُ فِيهَا، وَلاَ يَدْرِي إِنْ كَانَ يَنْبُتُ أَمْ لاَ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ لاَ بَذْرَ لَهُ.

وَلَكِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بَعْدَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الأْرْضِ ، إِلاَّ بِعُذْرٍ طَارِئٍ يَحُولُ دُونَ إِتْمَامِ الْعَقْدِ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا غَيْرُ لاَزِمَةٍ قَبْلَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الأْرْضِ ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا، فَالْمُزَارَعَةُ لاَ تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلاَ بِالْعَمَلِ فِي الأْرْضِ قَبْلَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِيهَا - أَيْ زَرْعِهَا - وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ كَثِيرًا كَحَرْثِ الأْرْضِ وَتَسْوِيَتِهَا وَرَيِّهَا بِالْمَاءِ.

وَجَزَمَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ: بِلُزُومِ الْمُزَارَعَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ .

وَمَرْجِعُ الْخِلاَفِ بَيْنَهُمْ، أَنَّ الْمُزَارَعَةَ شَرِكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٍ، فَمَنْ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، لأِنَّ شَرِكَةَ الْعَمَلِ لاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِالْعَمَلِ، وَمَنْ غَلَّبَ الإْجَارَةَ قَالَ: بِلُزُومِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ عَمَلٌ، وَتَلْزَمُ بِالْبَذْرِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ .

وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لأِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا الرَّسُولَ صلي الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ بِخَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَكُونَ لِلرَّسُول صلي الله عليه وسلم شَطْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم : «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ لاَزِمًا لَمَا جَازَ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَلاَ جَعَلَ الْخِيَرَةَ لِنَفْسِهِ فِي مُدَّةِ إِقْرَارِهِمْ، وَ لأِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدَّرَ لَهُمْ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَلَوْ قَدَّرَ لَمَا تُرِكَ نَقْلُهُ، لأِنَّ هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ الإْخْلاَلُ بِنَقْلِهِ، وَعُمَرُ رضي الله عنه أَجْلاَهُمْ مِنَ الأْرْضِ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ لَمَا جَازَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْهَا، وَلأِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى جُزْءٍ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَكَانَ جَائِزًا كَالْمُضَارَبَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْمُزَارَعَةَ لاَزِمَةٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، لأِنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَامَّةَ فِي الْعُقُودِ هِيَ اللُّزُومُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ

شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِالْبَذْرِ، أَوْ بِالْخَارِجِ مِنَ الأْرْضِ ، أَوْ بِالأْرْضِ ، أَوْ بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْمُزَارَعَةُ، أَوْ بِالْمُدَّةِ.

أَوَّلاً: الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ:

9 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 28 وَمَا بَعْدَهَا).

ثَانِيًا: مَا يَخُصُّ الْبَذْرَ:

10 - الْبَذْرُ: هُوَ كُلُّ حَبٍّ يُزْرَعُ فِي الأْرْضِ وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، بِأَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَهُ، وَنَوْعَهُ، وَوَصْفَهُ .

وَعَلَّلَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنَّ إِعْلاَمَ جِنْسِ الأْجْرَةِ لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَلاَ يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا إِلاَّ بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ.

وَأَنَّ حَالَ الْمَزْرُوعِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الزَّرْعِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَرُبَّ زَرْعٍ يَزِيدُ فِي الأْرْضِ ، وَرُبَّ آخَرَ يَنْقُصُهَا، وَقَدْ يَكْثُرُ النُّقْصَانُ وَقَدْ يَقِلُّ فَوَجَبَ الْبَيَانُ وَالتَّحْدِيدُ، حَتَّى يَكُونَ لُزُومُ الضَّرَرِ مُضَافًا إِلَى الْتِزَامِهِ.

وَإِذَا عَيَّنَ صَاحِبُ الأْرْضِ نَوْعًا خَاصًّا مِنَ الزَّرْعِ كَالْقُطْنِ أَوِ الْقَمْحِ أَوِ الأْرْزِ مَثَلاً وَجَبَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِزِرَاعَتِهِ، فَإِذَا خَالَفَ وَقَامَ بِزِرَاعَةِ نَوْعٍ آخَرَ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِمْضَائِهِ، لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْمُزَارِعِ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ.

أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ صَاحِبُ الأْرْضِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نَوْعًا خَاصًّا مِنَ الزَّرْعِ، بِأَنْ قَالَ لِلْمُزَارِعِ: ازْرَعْ فِيهَا مَا شِئْتَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ، لأِنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الأْمْرَ إِلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ الَّذِي قَدْ يَنْجُمُ عَنِ الزِّرَاعَةِ، وَرَضِيَ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ حِصَّتُهُ النِّسْبَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أَيِّ مَحْصُولٍ تُنْتِجُهُ الأْرْضُ .

إِلاَّ أَنَّ لِرَبِّ الأْرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَلاَّ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ - إِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ - فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلاَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، لأِنَّهُ شَرْطٌ مُوَافِقٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.

(ر: شَرْطٌ ف 19، 20)

تَحْدِيدُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ

11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ الْبَذْرِ الَّذِي يُزْرَعُ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، لأِنَّ هَذَا تُحَدِّدُهُ حَاجَةُ الأْرْضِ إِلَيْهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ لأِنَّهَا مُعَاقَدَةٌ عَلَى عَمَلٍ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومِ الْجَنْسِ وَالْقَدْرِ كَالأْجْرَةِ .

الطَّرَفُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ الْبَذْرُ

12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمُزَارِعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الأْرْضِ ، وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا، فَوَجَبَ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ، لأِنَّ عَدَمَ الْبَيَانِ يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ: يُحَكَّمُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ إِنِ اتَّحَدَ وَإِلاَّ فَسَدَ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَيٍّ مِنْهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ مُقَابِلَ الأْرْضِ لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى كِرَاءِ الأْرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الأْرْضِ بِطَعَامٍ كَالْعَسَلِ، أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِ خَلْطِ مَا أَخَرَجَاهُ مِنْ بَذْرٍ.

فَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ حَقِيقَةً وَلاَ حُكْمًا، وَهُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، فَلَوْ بَذَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَذْرَهُ فِي جِهَةٍ أَوْ فَدَّانٍ غَيْرَ الآْخَرِ، جَازَتِ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُمْ.

وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ كَذَلِكَ أَنْ يَتَمَاثَلَ الْبَذْرَانِ جِنْسًا وَصِنْفًا، فَلَوْ أَخَرَجَ أَحَدُهُمَا قَمْحًا، وَالآْخَرُ شَعِيرًا - مَثَلاً - فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ لاَ تَصِحُّ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَنْبَتَهُ بَذْرُهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأْكْرِيَةِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ.

وَفِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لِسَحْنُونٍ - وَهُوَ قَوْلُ خَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ - أَنَّهُ يُشْرَطُ الْخَلْطُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.

فَالْخَلْطُ الْحَقِيقِيُّ يَكُونُ بِضَمِّ بَذْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى بَذْرِ صَاحِبِهِ ثُمَّ يُبْذَرُ الْجَمِيعُ فِي الأْرْضِ .

أَمَّا الْحُكْمِيُّ فَيَكُونُ بِأَنْ يَحْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَذْرَهُ إِلَى الأْرْضِ وَيَبْذُرَهُ بِهَا بِدُونِ تَمَيُّزٍ لأِحَدِ هِمَا عَنِ الآْخَرِ، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَذْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الأْرْضِ انْتَفَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لِكُلِّ مِنْهُمَا مَا أَنْبَتَهُ حَبُّهُ، وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأْكْرِيَةِ وَيَتَقَاصَّانِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الأْرْضِ ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُهُمْ، قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: وَهِيَ أَقْوَى دَلِيلاً.

وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ، قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأْصْحَابِ .

مَا يَخُصُّ الْمُدَّةَ:

17 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ .

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَحْدِيدُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِمُدَّةِ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا لَمْ تُحَدَّدْ لَهُ مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ أَوْ كَانَتِ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً فَسَدَتِ الْمُزَارَعَةُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنَ الأْرْضِ ، وَالإْجَارَةُ لاَ تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، فَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ.

وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُدَّةُ كَافِيَةً لِلزِّرَاعَةِ وَجَنْيِ الْمَحْصُولِ، وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ بِشَرْطِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ .

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ بِلاَ بَيَانِ مُدَّةٍ وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةٍ لِلْمُزَارَعَةِ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَ لأِهْلِ خَيْبَرَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَلَوْ قَدَّرَ لَمْ يُتْرَكْ نَقْلُهُ، لأِنَّ هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ الإْخْلاَلُ بِنَقْلِهِ.

وَعُمَرُ رضي الله عنه أَجْلاَهُمْ مِنَ الأْرْضِ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ لَمَا جَازَ لَهُ إِخْرَاجُهُمْ مِنْهَا .