loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 631

مذكرة المشروع التمهيدي :

خلافاً لما تقدم في الأراضي الزراعية، تختص المزارعة بأنها تشمل الأدوات الزراعية والمواشي التي توجد في الأرض وقت التعاقد إذا كانت مملوكة للمؤجر، فهي تدخل دون اتفاق، ولا تخرج إلا بالاتفاق على خروجها، وترجع هذه الخاصية إلى ما سبق بيانه من أن المزارعة شركة بين المؤجر والمزارع، والمؤجر شريك بالأرض وما عليها من أدوات و مواش.

شرح خبراء القانون

لا تدخل المواشي والأدوات الزراعية في المزارعة إذا لم تكن مملوكة للمؤجر فإن كانت مملوكة له التزم بتسليمها للمستأجر فإن هلكت أو تلفت وأثبت المستأجر أن ذلك بسبب أجنبي وجب على المؤجر تعويض المستأجر ما هلك أو أتلف بتقديم بدلاً عنه وإلا جاز للمستأجر إجراء ذلك على نفقة المؤجر بحبس نصيبه من المحصول بما يفي بما أنفق، وهذه القواعد لا يوجد في قانون الإصلاح الزراعي ما يخالفها ومن ثم تعين الأخذ بها .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثامن الصفحة/ 313)

في الإيجار بالمزارعة تعتبر الأدوات الزراعية والمواشي التي توجد في الأرض من ملحقاتها، ولو لم ينص على ذلك صراحة بالعقد، ويلتزم المؤجر و بتسليمها إلى المستأجر، مالم يتفق الطرفان أو يجري العرف على غير ذلك.

وفي هذا تختلف المزارعة - كما رأينا - عن الإيجار النقدي ففي الإيجار النقدي لا تعتبر الأدوات الزراعية والمواشي من ملحقات الأرض المؤجرة ولا يلزم المؤجر بتسليمها إلى المستأجر إلا إذا كان الإيجار يشملها (م 610). ويرجع هذا الاختلاف من أن المزارعة شركة بين المؤجر والمزارع، المؤجر شريك بالأرض وما عليها من أدوات ومواشي أي شريك برأس المال، والمستأجر شريك بعمله.

غير أنه يلزم لكي تدخل الأدوات الزراعية والمواشي في مضمون التزام المؤجر بالتسليم توافر شرطين:

الشرط الأول: أن تكون الأدوات الزراعية والمواشي موجودة بالأرض وقت التعاقد:

وليس المقصود بوجود الأدوات الزراعية والمواشي بالأرض أن توجد في ذات العين المؤجرة، بل يكفي أن تكون في حظيرة ملحقة بالأرض حتى لو كانت الحظيرة تضم مواشى أخرى تخدم أرضاً أخرى.

الشرط الثاني: أن تكون مملوكة للمؤجر:

ويجب التوسع في تفسير هذا الشرط، فيكفي أن يملك المؤجر حق الانتفاع بها ولو لم يكن مالكاً لها، كما لو كان المؤجر يشارك شخصاً آخر على الماشية بشرط أن يقوم هذا الأخير بدفع ثمنها وأن يقوم المؤجر بتغذيتها لقاء أخذ ألبانها ونصف نتاجها.

أما لو كانت مملوكة لغير المؤجر، كمستأجر سابق، أو معارة للمؤجر وانتهت الإعارة، أو مودعة عنده فإن الإيجار لا يشملها.

ويشترط أن تكون مملوكة للمؤجر وقت إبرام عقد المزارعة.

وإذا توافر هذان الشرطان التزم المؤجر بتسليم الأدوات الزراعية والمواشي إلى المستأجر، ويعتبر المستأجر مسئولاً عنها، ويسرى في ذلك ولاد طفل بشأن الإيجار النقدى.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع الصفحة/ 1223)

الأدوات الزراعية والمواشي التي توجد في الأرض - تقدم في إيجار الأراضي الزراعية أن هذا الإيجار لا يشمل المواشي و الأدوات الزراعية التي توجد في الأرض إلا إذا اتفق الطرفان صراحة على ذلك (راجع نبذة 298 ). أما في المزارعة، فقد جعل المشرع العكس هو الأصل، إذ نص في المادة 622 على أن (الإيجار في المزارعة تدخل فيه الأدوات الزراعية والمواشي التي توجد في الأرض وقت التعاقد إذا كانت مملوكة للمؤجر ).

ويؤخذ من ذلك أن الأصل في المزارعة، خلافاً لإيجار الأراضي الزراعية، أن المواشي والأدوات الزراعية تدخل فيها، ما لم يقض الاتفاق أو العرف بعدم دخولها، وترجع هذه الخاصية الى ما سبق بيانه من أن المزارعة شركة بين المؤجر والمزارع، فالمؤجر شريك بالأرض وما عليها من أدوات و مواشي.

ولكن يشترط في انسحاب عقد المزارعة على المواشي والأدوات الزراعية دون نص أو عرف يقضي به توافر شرطين : (1) أن تكون هذه المواشي والأدوات موجودة في الأرض وقت التعاقد ، (2) وأن تكون مملوكة للمؤجر .

فإذا وضعت المواشي أو الأدوات في الأرض بعد عقد المزارعة، أو كانت موجودة ورفعت منها قبل العقد، أو كانت موجودة وقت العقد ولكنها مملوكة لغير المؤجر كمعير أو مودع أو مستأجر آخر ، فإن عقد المزارعة لا يشملها.

ويتبع ما تقدم في نبذة 298 فيما يتعلق بإثبات وجود الأدوات والمواشى وتسليمها إلى المزارع وردها إلى المؤجر عند انتهاء المزارعة.

ويكون المؤجر ملزماً بتمكين المستأجر من الانتفاع بالأدوات والمواشي التي تشملها المزارعة، فاذا هلك شئ منها دون خطأ من المزارع وجب على المؤجر ان يقدم له بديلاً منه ، فإن تأخر في ذلك بعد أن يخطره المزارع بالهلاك جاز لهذا الأخير ان يشتري بديلاً لما هلك على نفقة المؤجر، وإن تعذر عليه ذلك كان له حق الرجوع على المؤجر بتعويض عما سببه تقاعسه من نقص في المحصول.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن الصفحة/ 858)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع والثلاثون ، الصفحة / 49

مُزَارَعَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةِ مِنْ زَرَعَ الْحَبَّ زَرْعًا وَزِرَاعَةً: بَذَرَهُ، وَالأْرْضَ : حَرَثَهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَزَرَعَ اللَّهُ الْحَرْثَ: أَنْبَتَهُ وَأَنْمَاهُ، وَزَارَعَهُ مُزَارَعَةً: عَامَلَهُ بِالْمُزَارَعَةِ .

وَالْمُزَارَعَةُ: الْمُعَامَلَةُ عَلَى الأْرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِعِدَّةِ تَعْرِيفَاتٍ.

فَعَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ .

وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهَا الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ .

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ: عَمَلٌ عَلَى أَرْضٍ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ .

وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ، أَوْ مَزْرُوعٍ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ بِجُزْءِ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنَ الْمُتَحَصِّلِ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمُسَاقَاةُ:

2 - الْمُسَاقَاةُ لُغَةً: أَنْ يَسْتَعْمِلَ رَجُلٌ رَجُلاً فِي نَخِيلٍ أَوْ كُرُومٍ لِيَقُومَ بِإِصْلاَحِهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْلُومٌ مِمَّا تُغِلُّهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: دَفْعُ شَجَرٍ مَغْرُوسٍ مَعْلُومٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ:

أَنَّ لِلْعَامِلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِصَّةً شَائِعَةً مِنَ الإْنْتَاجِ، إِلاَّ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَقَعُ عَلَى الزَّرْعِ كَالْحُبُوبِ، وَالْمُسَاقَاةُ تَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ كَالنَّخِيلِ.

ب - الإْجَارَةُ:

3 - الإْجَارَةُ لُغَةً: اسْمٌ لِلأْجْرَةِ، وَهِيَ كِرَاءُ الأْجِيرِ، وَنُقِلَ عَنِ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ يُقَالُ: أَجَّرَ وَآجَرَ إِجَارًا وَإِجَارَةً، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ مَصْدَرًا وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ.

وَالإْجَارَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهَا: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى تَمْلِيكِ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ.

(ر: إِجَارَةٌ ف 1 – 2).

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإْجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ: أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَرْعٌ مِنَ الإْجَارَةِ ، إِلاَّ أَنَّ الأْجْرَةَ فِي الإْجَارَةِ مُعَيَّنَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَقْدِ، أَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ فَهِيَ جُزْءٌ مِنَ النَّاتِجِ.

حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ

4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ إِلَى اتِّجَاهَيْنِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جِوَازِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، وَمَشْرُوعِيَّتِهَا، وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَطَاوسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأْسْوَدِ، وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلٍ .

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه ، وَالْحَسَنِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَإِسْحَاقَ، وَآخَرِينَ .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.

فَمِنَ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» .

أَمَا الإْجْمَاعُ فَقَدْ أَجَمَعَ الصَّحَابَةُ قَوْلاً وَعَمَلاً عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُزَارَعَةِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ .

فَالْمُزَارَعَةُ شَرِيعَةٌ مُتَوَارَثَةٌ، لِتَعَامُلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ .

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ، فَقَالُوا: إِنَّ الْمُزَارَعَةَ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ الأْرْضُ، وَعَمَلٌ مِنَ الآْخَرِ وَهُوَ الزِّرَاعَةُ، فَيَجُوزُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا دَفْعُ الْحَاجَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ لاَ يَهْتَدِي إِلَى الْعَمَلِ، وَالْمُهْتَدِي إِلَيْهِ قَدْ لاَ يَجِدُ الْمَالَ، فَمَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى عَدَمِ جِوَازِ الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا وَرَدَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم ، فَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا وَأَنْفَعُ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلاَ يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلاَ بِرُبُعٍ وَلاَ بِطَعَامٍ مُسَمًّى».

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الأْوَّلُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» وَالاِسْتِئْجَارُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ - الْمُزَارَعَةُ - فِي مَعْنَاهُ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَكُونُ الاِسْتِئْجَارُ لِبَعْضِ الْخَارِجِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّ الاِسْتِئْجَارَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِ اسْتِئْجَارٌ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ .

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِعْطَاءُ الأْرْضِ مُزَارَعَةً إِلاَّ أَنْ تَكُونَ أَرْضًا وَشَجَرًا، فَيَكُونُ مِقْدَارُ الْبَيَاضِ مِنَ الأْرْضِ ثُلُثَ مِقْدَارِ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ السَّوَادُ مِقْدَارَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ الْجَمِيعِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ تُعْطَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَالنِّصْفِ عَلَى مَا يُعْطَى بِهِ ذَلِكَ السَّوَادُ .

يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ تَبَعًا لِلثَّمَرِ، وَكَانَ الثَّمَرُ أَكْثَرَ ذَلِكَ، فَلاَ بَأْسَ بِدُخُولِهَا فِي الْمُسَاقَاةِ، اشْتَرَطَ جُزْءًا خَارِجًا مِنْهَا أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، وَحَدَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ، أَعْنِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ كِرَاءِ الأْرْضِ الثُّلُثَ مِنَ الثَّمَرِ فَمَا دُونَهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الأْرْضِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ لِنَفْسِهِ، لأِنَّهَا زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ .

وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْرْضِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ النَّخِيلِ أَوِ الْعِنَبِ إِذَا كَانَ بَيَاضُ الأْرْضِ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالأْصَحُّ جَوَازُهَا أَيْضًا، وَقِيلَ: لاَ تَجُوزُ، وَلَكِنَّهُمْ مَنَعُوهَا مُطْلَقًا فِي الأْرْضِ الْبَيْضَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمَالِكٌ.

حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْمُزَارَعَةِ

5 - شُرِعَتِ الْمُزَارَعَةُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا، لأِنَّ مُلاَّكَ الأْرْضِ قَدْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ زَرْعَهَا وَالْعَمَلَ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّهُمْ قَدْ يُرِيدُونَ تَأْجِيرَهَا بِجُزْءٍ مِنَ الْمَحْصُولِ وَلَيْسَ بِأُجْرَةٍ نَقْدِيَّةٍ، وَمِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ فَالْعُمَّالُ يَحْتَاجُونَ إِلَى الزَّرْعِ وَلاَ مَالَ لَهُمْ يَتَمَلَّكُونَ بِهِ الأْرْضَ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ جِوَازَ الْمُزَارَعَةِ، كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَلْ إِنَّ الْحَاجَةَ هَاهُنَا آكَدُ مِنْهَا فِي الْمُضَارَبَةِ، لأِنَّ حَاجَةَ الإْنْسَانِ إِلَى الزَّرْعِ آكَدُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا، وَلِكَوْنِ الأْرْضِ لاَ يُنْتَفَعُ بِهَا إِلاَّ بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا بِخِلاَفِ الْمَالِ .

أَرْكَانُ الْمُزَارَعَةِ

6 - أَرْكَانُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ هِيَ أَرْكَانُ الْعَقْدِ بِصِفَّةٍ عَامَّةٍ.

وَهِيَ - عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا مِنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْعَاقِدَانِ، وَمَحَلُّ الْعَقْدِ، وَالصِّيغَةُ، أَيِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَى التَّرَاضِي.

وَرُكْنُهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصِّيغَةُ فَقَطْ .

وَقَالَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ أَرْكَانَ الْمُزَارَعَةِ أَرْبَعَةٌ: أَرْضٌ، وَبَذْرٌ، وَعَمَلٌ، وَبَقَرٌ .

حَقِيقَةُ الْمُزَارَعَةِ

7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ، وَهَلْ هُوَ إِجَارَةٌ، أَوْ شَرِكَةٌ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ؟.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إِجَارَةً، ثُمَّ تَتِمُّ شَرِكَةً، فَفِيهَا مَعْنَى الإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ عِنْدَهُمْ.

أَمَّا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الإْجَارَةِ فَلأِنَّ الإْجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَالْمُزَارَعَةُ كَذَلِكَ، لأِنَّ الْبَذْرَ إِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الأْرْضِ فَالْعَامِلُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ مِنْ رَبِّ الأْرْضِ بِعِوَضٍ هُوَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَصَاحِبُ الأْرْضِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ مِنَ الْعَامِلِ بِعِوَضٍ هُوَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، فَكَانَتِ الْمُزَارَعَةُ اسْتِئْجَارًا، إِمَّا لِلْعَامِلِ، وَإِمَّا لِلأْرْضِ ، وَالأْجْرَةُ فِيهَا بَعْضُ الْخَارِجِ مِنْهَا.

وَأَمَّا أَنْ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ، فَلأِنَّ الْخَارِجَ مِنَ الأْرْضِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَاحِبِهَا وَبَيْنَ الْمُزَارِعِ حَسَبَ النِّسْبَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَهُمَا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا شَرِكَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالُوا فِي تَعْرِيفِهَا: هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ .

وَجَاءَ فِي مُوَاهِبِ الْجَلِيلِ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمُزَارَعَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالإْجَارَةِ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: وَالأْقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَقِيقَةً، وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا: لاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إِلاَّ بِشَرْطَيْنِ .

وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ أَنَّهَا شَرِكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٌ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ عَلَى الإْجَارَةِ ، وَالْبَعْضَ غَلَّبَ الإْجَارَةَ عَلَى الشَّرِكَةِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنْ جَنْسِ الْمُشَارَكَاتِ وَلَيْسَتْ مِنْ جَنْسِ الْمُؤَجَّرَاتِ، وَهِيَ نَظِيرُ الْمُضَارَبَةِ .

صِفَةُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ

8 - يُرَادُ بِصِفَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لاَزِمَةٌ فِي جَانِبٍ مَنْ لاَ بَذْرَ لَهُ، فَلاَ يَمْلِكُ فَسْخَهَا بِدُونِ رِضَا الآْخَرِ إِلاَّ بِعُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ إِتْمَامِهَا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ لاَزِمَةً فِي جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ قَبْلَ إِلْقَاءِ بَذْرِهِ فِي الأْرْضِ ، فَيَمْلِكُ فَسْخَهَا بِعُذْرٍ وَبِدُونِ عُذْرٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَمَلِ إِلاَّ بِإِتْلاَفِ مَالِهِ - وَهُوَ الْبَذْرُ - بِإِلْقَائِهِ فِي الأْرْضِ فَيَهْلِكُ فِيهَا، وَلاَ يَدْرِي إِنْ كَانَ يَنْبُتُ أَمْ لاَ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ لاَ بَذْرَ لَهُ.

وَلَكِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بَعْدَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الأْرْضِ ، إِلاَّ بِعُذْرٍ طَارِئٍ يَحُولُ دُونَ إِتْمَامِ الْعَقْدِ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا غَيْرُ لاَزِمَةٍ قَبْلَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الأْرْضِ ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا، فَالْمُزَارَعَةُ لاَ تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلاَ بِالْعَمَلِ فِي الأْرْضِ قَبْلَ إِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِيهَا - أَيْ زَرْعِهَا - وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ كَثِيرًا كَحَرْثِ الأْرْضِ وَتَسْوِيَتِهَا وَرَيِّهَا بِالْمَاءِ.

وَجَزَمَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ: بِلُزُومِ الْمُزَارَعَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ .

وَمَرْجِعُ الْخِلاَفِ بَيْنَهُمْ، أَنَّ الْمُزَارَعَةَ شَرِكَةُ عَمَلٍ وَإِجَارَةٍ، فَمَنْ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ قَالَ بِعَدَمِ لُزُومِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، لأِنَّ شَرِكَةَ الْعَمَلِ لاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِالْعَمَلِ، وَمَنْ غَلَّبَ الإْجَارَةَ قَالَ: بِلُزُومِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ عَمَلٌ، وَتَلْزَمُ بِالْبَذْرِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَمَلٌ .

وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لأِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا الرَّسُولَ صلي الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ بِخَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَكُونَ لِلرَّسُول صلي الله عليه وسلم شَطْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ صلي الله عليه وسلم : «نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ لاَزِمًا لَمَا جَازَ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَلاَ جَعَلَ الْخِيَرَةَ لِنَفْسِهِ فِي مُدَّةِ إِقْرَارِهِمْ، وَ لأِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدَّرَ لَهُمْ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، وَلَوْ قَدَّرَ لَمَا تُرِكَ نَقْلُهُ، لأِنَّ هَذَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ الإْخْلاَلُ بِنَقْلِهِ، وَعُمَرُ رضي الله عنه أَجْلاَهُمْ مِنَ الأْرْضِ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُمْ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ لَمَا جَازَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْهَا، وَلأِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى جُزْءٍ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَكَانَ جَائِزًا كَالْمُضَارَبَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْمُزَارَعَةَ لاَزِمَةٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، لأِنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَامَّةَ فِي الْعُقُودِ هِيَ اللُّزُومُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .

شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ

شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِالْبَذْرِ، أَوْ بِالْخَارِجِ مِنَ الأْرْضِ ، أَوْ بِالأْرْضِ ، أَوْ بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْمُزَارَعَةُ، أَوْ بِالْمُدَّةِ.

أَوَّلاً: الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ:

9 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 28 وَمَا بَعْدَهَا).

ثَانِيًا: مَا يَخُصُّ الْبَذْرَ:

10 - الْبَذْرُ: هُوَ كُلُّ حَبٍّ يُزْرَعُ فِي الأْرْضِ وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، بِأَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَهُ، وَنَوْعَهُ، وَوَصْفَهُ .

وَعَلَّلَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنَّ إِعْلاَمَ جِنْسِ الأْجْرَةِ لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَلاَ يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا إِلاَّ بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ.

وَأَنَّ حَالَ الْمَزْرُوعِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الزَّرْعِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَرُبَّ زَرْعٍ يَزِيدُ فِي الأْرْضِ ، وَرُبَّ آخَرَ يَنْقُصُهَا، وَقَدْ يَكْثُرُ النُّقْصَانُ وَقَدْ يَقِلُّ فَوَجَبَ الْبَيَانُ وَالتَّحْدِيدُ، حَتَّى يَكُونَ لُزُومُ الضَّرَرِ مُضَافًا إِلَى الْتِزَامِهِ.

وَإِذَا عَيَّنَ صَاحِبُ الأْرْضِ نَوْعًا خَاصًّا مِنَ الزَّرْعِ كَالْقُطْنِ أَوِ الْقَمْحِ أَوِ الأْرْزِ مَثَلاً وَجَبَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِزِرَاعَتِهِ، فَإِذَا خَالَفَ وَقَامَ بِزِرَاعَةِ نَوْعٍ آخَرَ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِمْضَائِهِ، لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْمُزَارِعِ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ.

أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ صَاحِبُ الأْرْضِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ نَوْعًا خَاصًّا مِنَ الزَّرْعِ، بِأَنْ قَالَ لِلْمُزَارِعِ: ازْرَعْ فِيهَا مَا شِئْتَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ، لأِنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الأْمْرَ إِلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ الَّذِي قَدْ يَنْجُمُ عَنِ الزِّرَاعَةِ، وَرَضِيَ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ حِصَّتُهُ النِّسْبَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أَيِّ مَحْصُولٍ تُنْتِجُهُ الأْرْضُ .

إِلاَّ أَنَّ لِرَبِّ الأْرْضِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَلاَّ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ - إِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ - فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلاَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، لأِنَّهُ شَرْطٌ مُوَافِقٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.

(ر: شَرْطٌ ف 19، 20)

تَحْدِيدُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ

11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ تَحْدِيدِ مِقْدَارِ الْبَذْرِ الَّذِي يُزْرَعُ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، لأِنَّ هَذَا تُحَدِّدُهُ حَاجَةُ الأْرْضِ إِلَيْهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ لأِنَّهَا مُعَاقَدَةٌ عَلَى عَمَلٍ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومِ الْجَنْسِ وَالْقَدْرِ كَالأْجْرَةِ .

الطَّرَفُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ الْبَذْرُ

12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمُزَارِعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الأْرْضِ ، وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا، فَوَجَبَ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ، لأِنَّ عَدَمَ الْبَيَانِ يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ وَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ: يُحَكَّمُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ إِنِ اتَّحَدَ وَإِلاَّ فَسَدَ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ أَيٍّ مِنْهُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا مَعًا، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ مُقَابِلَ الأْرْضِ لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى كِرَاءِ الأْرْضِ بِمَمْنُوعٍ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الأْرْضِ بِطَعَامٍ كَالْعَسَلِ، أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ مِنْهُمَا مَعًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِ خَلْطِ مَا أَخَرَجَاهُ مِنْ بَذْرٍ.

فَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْخَلْطُ حَقِيقَةً وَلاَ حُكْمًا، وَهُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، فَلَوْ بَذَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَذْرَهُ فِي جِهَةٍ أَوْ فَدَّانٍ غَيْرَ الآْخَرِ، جَازَتِ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُمْ.

وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ كَذَلِكَ أَنْ يَتَمَاثَلَ الْبَذْرَانِ جِنْسًا وَصِنْفًا، فَلَوْ أَخَرَجَ أَحَدُهُمَا قَمْحًا، وَالآْخَرُ شَعِيرًا - مَثَلاً - فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ لاَ تَصِحُّ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَنْبَتَهُ بَذْرُهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأْكْرِيَةِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ.

وَفِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لِسَحْنُونٍ - وَهُوَ قَوْلُ خَلِيلٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ - أَنَّهُ يُشْرَطُ الْخَلْطُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.

فَالْخَلْطُ الْحَقِيقِيُّ يَكُونُ بِضَمِّ بَذْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى بَذْرِ صَاحِبِهِ ثُمَّ يُبْذَرُ الْجَمِيعُ فِي الأْرْضِ .

أَمَّا الْحُكْمِيُّ فَيَكُونُ بِأَنْ يَحْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَذْرَهُ إِلَى الأْرْضِ وَيَبْذُرَهُ بِهَا بِدُونِ تَمَيُّزٍ لأِحَدِ هِمَا عَنِ الآْخَرِ، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَذْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الأْرْضِ انْتَفَتِ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لِكُلِّ مِنْهُمَا مَا أَنْبَتَهُ حَبُّهُ، وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الأْكْرِيَةِ وَيَتَقَاصَّانِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الأْرْضِ ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَعْضُهُمْ، قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: وَهِيَ أَقْوَى دَلِيلاً.

وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ، قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأْصْحَابِ .