مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 661
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذه النصوص لا مقابل لها في التقنين الحالي، فلم يعرض هذا التقنين الإيجار الوقف على أهميته العملية، بل ترك الأمر للقضاء، وطبق القضاء أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك، وقنن المشروع هذه الأحكام كما طبقها القضاء، فعرض لمن له الحق في إيجار الوقف و من له الحق في استئجاره، وكيف تقدر أجرة الوقف ولاية مدة يجوز الإيجار، وذكر أن أحكام عقد الإيجار تسري على إيجارة الوقف فيما لم تتعارض فيه، مع هذه الأحكام ( م 850 من المشروع).
2 - أما من له حق إيجار الوقف فهو الناظر (م 841 فقرة أولى من المشروع) ولا ينتهي الإيجار بموته أو بعزله، بل يسري إيجاره الصحيح على الناظر الذي يأتي بعده (م 849 من المشروع). أما المستحق ، ولو انحصر فيه الاستحقاق، فلا يملك الإيجار إلا إذا أذن له في ذلك الواقف أو الناظر أو القاضي، والناظر هو الذي يقبض الأجرة حتى لو كان المؤجر غيره، إلا إذا أذن الناظر في القبض لغيره (م 842 من المشروع ).
3- أما من له حق استئجار الوقف فمن يتعاقد معه الناظر على الإيجار ولوكان مستحقاً في الوقف بشرط ألا يكون هو الناظر، فإنه لا يجوز له أن يتعاقده مع نفسه في استئجار الوقف ولو أجر المثل، أما إذا كان المستأجر أحداً من أصوله أو فروعه ( أو ممن لا تقبل شهادتهم له) فيجوز على أن يكون الإيجار بأجر المثلى (م 843 - 844 من المشروع)، ولم ينقل المشروع المادة 693 من مرشد الحيران و نصها ما يأتي :
و إذا انقضت مدة الإجارة تؤجر بأجر المثل لمن يرغب فيها ولو كان غير المستأجر الأول، ما لم يكن المستأجر الأول حق القرار في العين المستأجرة، فإن كان له حق القرار من بناء أو غراس قائم بحق فهو أولى بالإجارة من غيره بشرط أن يدفع أجر المثل، فيكون للمستأجر الذي بنى أو غرس في أرض الوقف خاص بها للأحكام العامة في عقد الإيجار .
4 - و أجرة الوقف يجب ألا يكون فيها غبن فاحش، فلا يجوز أن تقل عن أربعة أخماس أجر المثل، بل يجب أن تكون أجر المثل في بعض الأحوال كما تقدم، وينطبق هذا الحكم حتى لو كان المؤجر هو المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف، لجواز أن يخل بحق المستحق الذي يأتي بعده، وإذا عقد إيجار بغبن فاحش خير المستأجر بين الفسيخ ودفع أجر المثل، ويستطيع الناظر الذي صدر منه الإيجار أن يطالب بذلك (م 845 من المشروع ) ، ولم ينقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في حالة ما إذا نقص أجر المثل أو زاد قبل انتهاء الإيجار (م 690 - 962 من مرشد الحيران )، وآثر استقرار التعامل بجعل الأجرة المتفق عليها هي التي تسري إلى أن ينتهي الإيجار .
5- أما مدة الإيجار فيراعى فيها شرط الواقف، فإن عين مدة وجب التقيد بها، و إلا إذا كان في مجاوزتها ضرورة أو نفع لاوقف، فيجوز للناظر في هذه الحالة أن يستأذن القاضي في الإبحار لمدة أطول إذا لم يكن مأذوناً في ذلك من قبل في كتاب الوقف، وإذا لم يحدد الواقف المدة، فالمباني لا يزيد إيجارها عن سنة إلا إذا كانت الزيادة تقتضيها المصلحة و يترك ذلك لتقدير الناظر، والأراضي لا يزيد إيجارها على ثلاث سنوات، إلا إذا كانت المصلحة تقتضي النقض وفقاً لتقدير الناظر م 846 - 847 من المشروع). ولا تزيد مدة الإيجار في كل حال على ثلاث سنوات ولو بعقود مترادفة، فإذا زادت أنقصت إلى ثلاث، ومع ذلك يجوز الإيجار المدة أطول من ثلاث سنوات في حالتين : (أ) إذا أذن القاضي، ويأذن للضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً للعمارة، (ب ) إذا كان الناظر هو المستحق الوحيد، و پسري الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإن أنهت جاز للناظر الذي خلفه، إذا لم يكن الإيجار قد انقضى، أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات (م 848 من المشروع ).
1 ـ مؤدى نص المادتين 628 ، 1/360 من القانون المدنى ، أن ولاية إجازة الوقف تكون للناظر عليه الذى يتولى إدارته و لا يملكها المستحق و لو إنحصر فيه الإستحقاق إلا بإذن من القاضى أو الناظر كما أنه لا يجوز للناظر أن يستأجر الوقف لأنه يكون فى حكم المستأجر من نفسه فيقع العقد باطلاً .
(الطعن رقم 385 لسنة 38 جلسة 1974/02/18 س 25 ع 1 ص 358 ق 59)
2 ـ النص فى الفقرة الأولى من المادة 630 مدنى صريح على أنه ليس لناظر الوقف أن يستأجر أعيان الوقف و لو كان الإستئجار بأجر المثل بل و لو بأكثر من أجر المثل ، درءاً لمظنة التهمة ، إذ أن الناظر هو المؤجر و لو أجيز له إستئجار الوقف لكان مستأجراً عن نفسه .
(الطعن رقم 5 لسنة 41 جلسة 1977/11/16 س 28 ع 2 ص 1681 ق 290)
الأصل أنه يجوز تأجير الوقف إلى أي شخص، ولو كان مستحقاً في الوقف.
ويكون المستحق في هذه الحالة مديناً للوقف بالأجرة ودائناً له بمقدار استحقاقه، وله طلب إجراء المقاصة بين الدينين إذا توافرت شروطها.
وقد حظرت المادة تأجير الوقف للناظر فلا يجوز له أن يؤجر الوقف إلى نفسه ولو بأجر المثل، بل لا يجوز له ذلك ولو كان التأجير بأكثر من أجرة المثل، وإن صدر منه هذا التأجير كان الإيجار باطلاً، لأنه لو جاز للناظر استئجار الوقف لكان مستأجراً من نفسه، فعلقت به التهمة، والواحد لا يتولى طرفي العقد إلا في مسائل مخصوصة، ليست هذه منها، ولهذا لو قبل الإيجارمن القاضي صح لانتفاء ما ذكر.
وأجازت الفقرة الثانية من المادة لناظر الوقف أن يؤجر الوقف لأصوله وفروعه، واشترطت لذلك أن يكون الإيجار بأجر المثل، ومعنى ذلك أنه لا يجوز للناظر التأجير إليهم بغبن ولو يسير، وذلك نفياً للتهمة.
أما أقارب ناظر الوقف من غير الأصول والفروع، كالأخ والعم والخال أو أولادهم، فيجوز التأجير لهم - كغير الأقارب - إن كان الإيجار بأجر المثل أو بغبن يسير.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع ، الصفحة/ 1261)
إلى من يجوز تأجير الوقف ؟
الأصل أنه يجوز تأجير الوقف الى أي شخص ولو كان الموقوف عليه، مع مراعاة ما تقدم في إيجار الأراضي الزراعية من ضرورة التأجير لمن يزرع الأرض بنفسه وسيجيء في النبذة التالية أنه يشترط في ذلك أن تكون الاجارة بأجر المثل أو بغبن يسير.
غير أنه يستثنى من ذلك الناظر نفسه ، فلا يجوز له أن يؤجر الوقف إلى نفسه ولو بأجر المثل (المادة 630 فقرة أولى مدني)، بل لا يجوز له ذلك ولو بأكثر من أجر المثل، وأن فعل كان العقد باطلاً.
وإذا كان يجوز للناظر أن يؤجر الوقف لأصوله وفروعه، فإنما يشترط في ذلك أن يكون بأجر المثل (المادة 630 فقرة ثانية مدني) أي أنه لا يجوز أن يؤجر إليهم بعين ولو يسير، أما سائر أقاربه، فشأنهم شأن غير الأقارب، أي أنه يجوز التأجير إليهم بأجر المثل أو بغبن يسير.
وكان المشروع التمهيدي لتنقيح القانون المدني ينص في المادة 844 منه على أنه يجوز للموقوف عليه أن يستأجر الموقف، دون إخلال بالقيد الوارد في الفقرة الثانية من المادة السابقة ( وهي التي أصبحت المادة 630 فقرة ثانية من القانون) ، أي أنه كان يراد به تقييد التأجير الى الموقوف عليه بأن يكون بأجر المثل، غير أن لجنة المراجعة قررت حذف هذا النص باعتبار أن حكمه ينطبق عليه حكم المادة السابقة، ولكن يلاحظ على ذلك أن حكم المادة السابقة خاص بالتأجير الى أصول الناظر وفروعه، وليس حتماً أن يكون الموقوف عليه من بينهم حتى يقال ان حكم التأجير الى الأصول والفروع يشمل التأجير الى الموقوف عليه، والواقع أن لجنة المراجعة رأت أن الموقوف عليه إما أن يكون من أصول الناظر أو فروعه فيشمله حكم المادة السابقة، وإما أن لا يكون كذلك فتنعدم شبهة محاباته أو تضعف بحيث لا يكون ثمة داع لتقييد التأجير إليه بأن يكون بأجر المثل.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 891)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 23
انْفِرَادُ أَحَدِ الْوَصِيِّينَ أَوِ النَّاظِرَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا أَوْصَى لاِثْنَيْنِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَأَطْلَقَ أَوْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَلاَ يَجُوزُ لأِحَدِ هِمَا الاِنْفِرَادُ. أَمَّا إِذَا نَصَّ عَلَى جَوَازِ الاِنْفِرَادِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ، عَمَلاً بِقَوْلِ الْمُوصِي. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِنْفِرَادُ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الاِجْتِمَاعِ؛ لأِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْخِلاَفَةِ، وَالْخَلِيفَةُ يَنُوبُ عَنِ الْمُسْتَخْلِفِ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُهُ، وَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَبَادُلِ الرَّأْيِ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَشِرَاءِ حَاجَاتِ الطِّفْلِ، وَشِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا.
هَذَا، وَإِنَّ أَحْكَامَ الْوَقْفِ مُسْتَقَاةٌ غَالِبًا مِنْ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ، وَمَا يَجْرِي عَلَى الْوَصِيِّينَ هُنَا يَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى نُظَّارِ الْوَقْفِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (وَصِيَّةٌ، وَوَكَالَةٌ، وَالْوَقْفُ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 105
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمِثْلِ :
يَتَعَلَّقُ بِالْمِثْلِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
عِوَضُ الْمِثْلِ
4 - عِوَضُ الْمِثْلِ هُوَ: بَدَلُ مِثْلِ شَيْءٍ مَطْلُوبٌ بِالشَّرْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِيهِ، أَوْ بِالْعَقْدِ لَكِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَوْ ذُكِرَ لَكِنَّهُ فَسَدَ الْمُسَمَّى، أَوْ كَانَ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ .
يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عِوَضُ الْمِثْلِ كَثِيرُ الدَّوَرَانِ فِي كَلاَمِ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: قِيمَةُ الْمِثْلِ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيمَا يُضْمَنُ بِالإْتْلاَفِ مِنَ النُّفُوسِ وَالأْمْوَالِ وَالأْبْضَاعِ وَالْمَنَافِعِ.
وَيَشْمَلُ عِوَضُ الْمِثْلِ مَا يَأْتِي:
أ - إِذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مَهْرٌ أَوْ ذُكِرَ وَلَكِنَّهُ لاَ يَعْتَدُّ بِهِ الشَّرْعُ مِثْلُ كَوْنِ الْمُسَمَّى مُحَرَّمًا أَوْ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمِ، وَهَذَا يُسَمَّى: مَهْرَ الْمِثْلِ.
ب - إِذَا كَانَ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ اتِّفَاقٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمُسَمَّى، أَوْ أَصْبَحَ الْمُسَمَّى مَعْدُومًا، أَوْ فَاسِدًا، أَوْ أَصْبَحَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، أَوْ مَنْسُوخًا وَلَكِنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ كَانَ قَدْ نَفَّذَ مِنَ الْعَقْدِ شَيْئًا، أَوْ أَهْلَكَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ الْعَقْدُ قَرْضًا وَوَجَبَ فِيهِ رَدُّ الْقِيمَةِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا النَّوْعُ يَدْخُلُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الإْجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَوِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ ثَمَنُ الْمِثْلِ.
ج - مَا كَانَ نَتِيجَةَ إِتْلاَفٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَنُصَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْدِيدِ مِقْدَارِ الضَّمَانِ فِيهِ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِضَمَانِ الْمِثْلِ .
ضَابِطُ عِوَضِ الْمِثْلِ
5 - ضَابِطُ عِوَضِ الْمِثْلِ مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْعَدَالَةُ، يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عِوَضُ الْمِثْلِ.
أَمْرٌ لاَ بُدَّ مِنْهُ فِي الْعَدْلِ الَّذِي بِهِ تَتِمُّ مَصْلَحَةُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ.
وَمَدَارُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالاِعْتِبَارِ لِلشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الْعَدْلِ، وَنَفْسُ الْعُرْفِ الدَّاخِلِ فِي قوله تعالي : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ( وَقَوْلِهِ: (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ( وَهُوَ مَعْنَى الْقِسْطِ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ لَهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ لَهُ الْكُتُبَ .
وَلِذَلِكَ يَدْخُلُ فِي اعْتِبَارِهِ كُلُّ الظُّرُوفِ وَالْمُلاَبَسَاتِ الَّتِي تُحِيطُ بِهِ، وَيُرَاعَى فِيهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْعُرْفُ السَّائِدُ، وَرَغَبَاتُ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: قِيمَةُ الْمِثْلِ: مَا يُسَاوِي الشَّيْءَ فِي نُفُوسِ ذَوِي الرَّغَبَاتِ، مَعَ مُلاَحَظَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْعَرْضِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
النَّقْدُ الْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ فِي عِوَضِ الْمِثْلِ
6 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ فِي الْمَغْصُوبِ يُعْتَبَرُ بِغَالِبِ النُّقُودِ لاَ بِأَدْنَاهَا، وَفِي السَّرِقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مِنَ الذَّهَبِ، وَأَحَدُهُمَا أَعْلَى قِيمَةً اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ بِالأْقَلِّ فِي زَمَانِ السَّرِقَةِ .
ضَمَانُ الْقِيمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ
7 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الضَّمَانُ إِنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، لأِنَّهُ تَعَذَّرَ إِيجَابُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَيَجِبُ الْمِثْلُ مَعْنًى وَهُوَ الْقِيمَةُ لأِنَّ هَا الْمِثْلُ الْمُمْكِنُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قِيمَةٌ ف 7).
مَتَى يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ مَعًا
8 - مِنَ الْمَضْمُونَاتِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَالْمِثْلُ مَعًا، وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ الْحُلاَّلُ فِي الْحَرَمِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قِيمَةٌ ف 11).
مَهْرُ الْمِثْلِ
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا: إِذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ لَهَا بِالدُّخُولِ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مَهْرٌ).
ثَمَنُ الْمِثْلِ
10 - قَالَ السُّيُوطِيُّ: ثَمَنُ الْمِثْلِ ذُكِرَ فِي مَوَاضِعَ:
فِي شِرَاءِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَشِرَاءِ الزَّادِ وَنَحْوِهِ فِي الْحَجِّ، وَفِي بَيْعِ مَالِ الْمَحْجُورِ وَالْمُفْلِسِ وَنَحْوِهِمَا، وَمِثْلِ الْمَغْصُوبِ، وَإِبِلِ الدِّيَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُلْحَقُ بِهَا كُلُّ مَوْضِعٍ اعْتُبِرَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ.
وَقَالَ: وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمَوَاضِعِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الاِخْتِلاَفِ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ أَوْ مَكَانِهِ .
أُجْرَةُ الْمِثْلِ
11 - لأِجْرَةِ الْمِثْلِ تَطْبِيقَاتٌ كَثِيرَةٌ وَلاَ سِيَّمَا فِي أَبْوَابِ الإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْجَعَالَةِ إِذَا أَصْبَحَتْ فَاسِدَةً وَكَانَ الأْجِيرُ أَوِ الْعَامِلُ قَدْ قَامَ بِعَمَلٍ، وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجِّ لاَ يُطَالَبُ أَنْ يُعْطَى الأْجِيرُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْغَصْبِ إِذَا فَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ الْمَنَافِعُ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ عَلَى الْوَقْفِ إِذَا لَمْ يُحَدِّدْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ، وَالْقَسَّامُ، وَالْقَاضِي، وَالدَّلاَّلُ وَنَحْوُهُمْ إِذَا لَمْ يُحَدَّدْ لَهُمْ أَجْرٌ مُعَيَّنٌ .
قِرَاضُ الْمِثْلِ
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ مِثْلِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِ الْمَالِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَقِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ.
وَقَالُوا : إِنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تَثْبُتُ لِلْعَامِلِ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَأَمَّا قِرَاضُ الْمِثْلِ فَيَكُونُ مِنْ رِبْحِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إِنْ رَبِحَ، فَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فَلاَ شَيْءَ لِلْعَامِلِ.
وَالضَّابِطُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَمِلَهَا الْقِرَاضُ لَكِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مُضَارَبَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 178
تَقْدِيرُ أُجْرَةِ الْمَوْقُوفِ:
الأْصْلُ أَنَّ إِجَارَةَ الْمَوْقُوفِ تَكُونُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ بَيَانُهُ كَالآْتِي:
أ- الإْجَارَةُ بِأَقَلِّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ:
78 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَارَةِ الْمَوْقُوفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَنْ يُؤَجِّرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْقُوفَةً عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ أَجَّرَهَا بِالأْقَلِّ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ غَيْرَ صَحِيحٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْهُ: هُوَ الأْصَحُّ - لاِنْتِفَاءِ الإْذْنِ فِيهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَيَضْمَنُ النَّاظِرُ قِيمَةَ النَّقْصِ الَّذِي لاَ يُتَغَابَنُ بِهِ عَادَةً، لأِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ فَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ بِعَقْدِهِ، كَالْوَكِيلِ إِذَا بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَجَّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ الإْعَارَةِ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ لاَ يَجُوزُ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ غَيْرَهُ، لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْوَقْفِ بِسَبَبِ الأْجْرَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ النُّقْصَانُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَسِيرًا وَهُوَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَادَةً أَيْ يَقْبَلُونَهُ وَلاَ يَعُدُّونَهُ غَبْنًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ ، وَاعْتُبِرَ خِيَانَةً مِنَ الْمُتَوَلِّي إِذَا كَانَ عَالِمًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. لَكِنْ تَجُوزُ الإْجَارَةُ بِالأْقَلِّ أَيْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لِلضَّرُورَةِ وَمَثَّلُوا لَهَا بِمَا يَأْتِي:
أ- إِذَا نَابَتِ الْوَقْفَ نَائِبَةٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ كَانَ الدَّارُ عَلَيْهَا مُرْصَدٌ. وَالْمُرْصَدُ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ يُنْفِقُهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِعِمَارَةِ الدَّارِ لِعَدَمِ مَالٍ حَاصِلٍ فِي الْوَقْفِ.
ب- إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِي إِجَارَتِهَا إِلاَّ بِالأْقَلِّ.
وَيَذْكُرُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَكَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَلْزَمُهُ تَمَامُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لاَ يَصِيرُ غَاصِبًا وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتُفْتِي بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَبْطَلَ بِالتَّسْمِيَةِ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى إِلَى تَمَامِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُ، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ . وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَصَّافِ أَنَّ الْوَاقِفَ أَيْضًا إِذَا آجَرَ بِالأْقَلِّ مِمَّا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ تَجُزْ وَيُبْطِلُهَا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَأْمُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ أَقَرَّهُ الْقَاضِي فِي يَدِهِ وَأَمَرَهُ بِالإْجَارَةِ بِالأْصْلَحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّاظِرَ إِذَا أَكْرَى الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ النَّاظِرَ يَضْمَنُ تَمَامَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِلاَّ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، لأِنَّهُ مُبَاشِرٌ وَكُلُّ مَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الآْخَرِ، هَذَا مَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنَّ الأْجْرَةَ غَيْرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَامِنٌ فَيَبْدَأُ بِهِ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالدُّسُوقِيِّ - أَنَّ الإْجَارَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ زَادَ شَخْصٌ آخَرُ مَا يَبْلُغُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فُسِخَتْ إِجَارَةُ الأْوَّلِ وَتُؤَجَّرُ لِلثَّانِي الَّذِي زَادَ، وَلَوِ الْتَزَمَ الأْوَّلُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَنْ زَادَ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ زِيَادَةُ مَنْ زَادَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، فَإِنْ بَلَغَتْهَا فَلاَ يُلْتَفَتُ لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِمَحَلِّ وَقْفٍ وَقَعَتْ إِجَارَتُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهَا شَخْصٌ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَطَلَبَتِ الْبَقَاءَ بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا تُجَابُ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا تَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَطَلَبَتِ الْبَقَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُجَابُ لِذَلِكَ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْعَدَوِيّ عَلَى الْخَرَشِيِّ أَنَّ هَذَا رَأْيُ عَلِيٍّ الأْجْهُورِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَلاَ يَخْفَى بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى عِبَارَةِ عَلِيٍّ الأْجْهُورِيِّ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَتِ الأْجْرَةُ الزَّائِدَةُ تَمَامَ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهَا السَّاكِنُ كَانَ أَحَقَّ وَلاَ يُلْتَفَتُ لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَ الْغَيْرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهَا السَّاكِنُ كَانَ أَحَقَّ لِوُقُوعِ عَقْدٍ عُقِدَ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ، مَا لَمْ يَزِدِ الآْخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلاَّ كَانَ أَحَقَّ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ مَا لَمْ يَلْتَزِمِ السَّاكِنُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ .
ب- حُكْمُ مَا إِذَا كَانَتِ الإْجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ زَادَتِ الأْجْرَةُ :
79 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَثْنَاءَ مُدَّةِ الْعَقْدِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- هِيَ رِوَايَةُ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَعَلَيْهَا مَشَى فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالإْسْعَافِ - وَفِي الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَقْدُ الإْجَارَةِ صَحِيحًا لاَزِمًا وَكَانَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلاَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِزِيَادَةِ الأْجْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِي وَقْتِهِ كَانَ الْمُسَمَّى أَجْرَ الْمِثْلِ، فَلاَ يَضُرُّ التَّغْيِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَ لأِنَّهُ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ قَدْ جَرَى بِالْغِبْطَةِ فِي وَقْتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إِذَا بَاعَ الْوَلِيُّ مَالَ الطِّفْلِ ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْقِيَمُ بِالأْسْوَاقِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ .
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ وَيُعْقَدُ ثَانِيَةً بِالزِّيَادَةِ أَيْ أَنَّهُ يُجَدِّدُ الْعَقْدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقْلاً عَنِ الأْشْبَاهِ: لَوْ زَادَ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي نَفْسِهِ بِلاَ زِيَادَةِ أَحَدٍ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الإْجَارَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَمَا لَمْ يَفْسَخْ فَلَهُ الْمُسَمَّى، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ. وَقَدَ وَضَعَ الْحَنَفِيَّةُ عِدَّةَ قُيُودٍ عَلَى الْقَوْلِ الأْصَحِّ هَذَا هِيَ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ عَابِدِينَ:
أ- أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ مَا يَشْمَلُ زِيَادَةَ تَعَنُّتٍ أَيْ إِضْرَارٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، بَلِ الْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ فِي نَفْسِهَا عِنْدَ الْكُلِّ- أَيْ كُلِّ النَّاسِ- كَمَا صَرَّحَ بِهِ الإْسْبِيجَابِيُّ .
ب- أَنَّ الزِّيَادَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْوَقْفِ أَيْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الأْرْضِ فِي نَفْسِهَا، لاَ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَالِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لأِجْلِ الْعِمَارَةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: مُسْتَأْجِرُ أَرْضِ الْوَقْفِ إِذَا بَنَى فِيهَا ثُمَّ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ فَلاَ تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ لأِنَّهَا أُجْرَةُ عِمَارَتِهِ وَبِنَائِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الأْرْضِ فِي نَفْسِهَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ .
ج- أَنَّ الْعَقْدَ لاَ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ بَلْ يَفْسَخُهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقَالَ: فَإِنِ امْتَنَعَ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي.
د- أَنَّهُ قَبْلَ الْفَسْخِ لاَ يَجِبُ إِلاَّ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ.
ثُمَّ إِذَا قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الأْوَّلُ الزِّيَادَةَ كَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الزِّيَادَةَ وَكَانَتِ الأْرْضُ خَالِيَةً مِنَ الزِّرَاعَةِ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي مِنَ الثَّانِي، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ مَشْغُولَةً بِالزِّرَاعَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا- أَيْ وَقْتِ الزِّيَادَةِ- إِلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ، لأِنَّ شَغْلَهَا بِمِلْكِهِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ إِيجَارِهَا لِغَيْرِهِ، فَإِذَا اسْتُحْصِدَ فُسِخَ وَأُجِّرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَنَى فِي الأْرْضِ أَوْ غَرَسَ لَكِنَّ هَذَا يَبْقَى إِلَى انْتِهَاءِ الْعَقْدِ، لأِنَّهُ لاَ نِهَايَةَ مَعْلُومَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِخِلاَفِ الزَّرْعِ، فَإِذَا انْتَهَى الْعَقْدُ وَلَمْ يَقْبَلِ الزِّيَادَةَ أُمِرَ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ.
وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ الْمُسْتَأْجِرِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ قَبْلَ فَرَاغِ الأْجْرَةِ وَقَدْ قَبِلَ الزِّيَادَةَ، أَمَّا إِذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ الْعَقْدِ فَلَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بَلْ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِمَّنْ أَرَادَ وَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الأْوَّلُ الزِّيَادَةَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الأْحَقِّيَّةِ وَهِيَ بَقَاءُ مُدَّةِ إِجَارَتِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ إِذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَقْفِ .
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ إِذَا كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ وَالطَّالِبُ ثِقَةٌ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ عَلَى خِلاَفِ الْغِبْطَةِ .