loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع، الصفحة : 661

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- هذه النصوص لا مقابل لها في التقنين الحالي، فلم يعرض هذا التقنين لإيجار الوقف على أهميته العملية، بل ترك الأمر للقضاء، وطبق القضاء أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك، وقنن المشروع هذه الأحكام كما طبقها القضاء، فعرض لمن له الحق في إيجار الوقف ومن له الحق في استئجاره، وكيف تقدر أجرة الوقف ولأية مدة يجوز الإيجار، وذكر أن أحكام عقد الإيجار تسرى على إيجارة الوقف فيما لم تتعارض فيه، مع هذه الأحكام ( م 850 من المشروع).

2 - أما من له حق إيجار الوقف فهو الناظر (م 841 فقرة أولى من المشروع) ولا ينتهي الإيجار بموته أو بعزله، بل يسري إيجاره الصحيح على الناظر الذي يأتي بعده (م 849 من المشروع). أما المستحق، ولو انحصر فيه الاستحقاق، فلا يملك، الإيجار إلا إذا أذن له في ذلك الواقف أو الناظر أو القاضي، والناظر هو الذي يقبض الأجرة حتى لو كان المؤجر غيره، إلا إذا أذن الناظر في القبض لغيره (م 842 من المشروع).

3- أما من له حق استئجار الوقف فمن يتعاقد معه الناظر على الإيجار ولوكان مستحقاً في الوقف بشرط ألا يكون هو الناظر، فإنه لا يجوز له أن يتعاقد مع نفسه في استئجار الوقف ولو بأجر المثل، أما إذا كان المستأجر أحدا من أصوله أو فروعه ( أو ممن لا تقبل شهادتهم له ) فيجوز على أن يكون الإيجار بأجر المثل (م 843 - 844 من المشروع ) . ولم ينقل المشروع المادة 693 من مرشد الحيران و نصها ما يأتي :

و إذا انقضت مدة الإجارة تؤجر بأجر المثل لمن يرغب فيها ولو كان غير المستأجر الأول، ما لم يكن للمستأجر الأول حق القرار في العين المستأجرة، فإن كان له حق القرار من بناء أو غراس قائم بحق فهو أولى بالإجارة من غيره بشرط أن يدفع أجر المثل، فيكون للمستأجر الذي بنى أو غرس في أرض الوقف خاص بها للأحكام العامة في عقد الإيجار.

4 - و أجرة الوقف يجب ألا يكون فيها غبن فاحش، فلا يجوز أن تقل عن أربعة أخماس أجر المثل، بل يجب أن تكون أجر المثل في بعض الأحوال كما تقدم وينطبق هذا الحكم حتى لو كان المؤجر هو المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف، لجواز أن يخل بحق المستحق الذي يأتي بعده، وإذا عقد إيجار بغبن فاحش خير المستأجر بين الفسخ ودفع أجر المثل، ويستطيع الناظر الذي صدر منه الإيجار أن يطالب بذلك (م 845 من المشروع )، ولم ينقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في حالة ما إذا نقص أجر المثل أو زاد قبل انتهاء الإيجار (م 690 - 692 من مرشد الحيران )، وآثر استقرار التعامل بجعل الأجرة المتفق عليها هي التي تسري إلى أن ينتهي الإيجار.

5- أما مدة الإيجار فيراعى فيها شرط الواقف، فإن عين مدة وجب التقيد بها، إلا إذا كان في مجاوزتها ضرورة أو نفع للوقف، فيجوز للناظر في هذه الحالة أن يستأذن القاضي في الإيجار لمدة أطول إذا لم يكن مأذوناً في ذلك من قبل في كتاب الوقف وإذا لم يحدد الواقف المدة، فالمباني لا يزيد إيجارها عن سنة إلا إذا كانت الزيادة تقتضيها المصلحة ويترك ذلك لتقدير الناظر، والأراضي لا يزيد إيجارها على ثلاث سنوات، إلا إذا كانت المصلحة تقتضى النقص وفقاً لتقدير الناظر (م 846 - 847 من المشروع). ولا تزيد مدة الإيجار في كل حال على ثلاث سنوات ولو بعقود مترادفة، فإذا زادت أنقصت إلى ثلاث ومع ذلك يجوز الإيجار لمدة أطول من ثلاث سنوات في حالتين : (أ) إذا أذن القاضي، ويأذن للضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً للعمارة . (ب إذا كان الناظر هو المستحق الوحيد، ويسرى الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإن انتهت جاز للناظر الذي يخلفه، إذا لم يكن الإيجار قد انقضى، أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات (م 848 من المشروع ).

الأحكام

1 ـ إذا كان الناظر هو المستحق الوحيد و لم يمنعه الواقف من ذلك جاز له أن يؤجر أعيان الوقف لمدة تزيد على ثلاث سنوات و يسرى الإيجار ما دامت نظارته باقية فإذا ما إنتهت جاز للناظر الذى يخلفه إذا لم تكن الإجارة قد إنقضت و كانت المدة الباقية منها أكثر من ثلاث سنوات أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات .

(الطعن رقم 36 لسنة 25 جلسة 1959/06/25 س 10 ع 2 ص 488 ق 74)

2 ـ مؤدى نص الفقرة الثانية من البند (ب)من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن و تنظيم العلاقات بين المؤجرين و المستأجرين المضافة بالمرسوم بقانون رقم 657 لسنة 1953 أنه إذا أجر المستأجر الأصلى العين الموقوفة من الباطن كلها أو بعضها أو تنازل عن الإيجار كان لناظر الوقف الحق فى طلب الإخلاء دون إعتداد بسبق الإذن بالتأجير من الباطن الصادر من ناظر الوقف نفسه أو من ناظر سابق ، و إذ صدر المرسوم بقانون رقم 657 لسنة 1953 المعمول به إعتباراً من 1953/12/26 فى تاريخ لاحق لصدور قانون إلغاء الوقف على غير الخيرات رقم 180 لسنة 1952 ، و حدد مجال إعماله فى إجارة الوقف ، و قصر مكنة الخيار على ناظر الوقف ، فإن هذين الوصفين لا يصدقان و بوجه خاص إلا على إجازة أعيان الأوقاف الخيرية دون الأوقاف الأهلية ، بعد أن زالت عن الوقف الأهلى صفته كوقف و إعتبر منتهياً عملاً بالمادة الثانية من القانون آنف الذ كر و بعد أن أصبح للناظر عليه صفة الحارس وفق المادة الخامسة المضافة بالقانون رقم 342 لسنة 1952 من أن الأسباب التى دعت إلى هذا التشريع هى أن " بعض القائمين على أمر الأوقاف فى وزارة الأوقاف و فى غيرها من الجهات التى خضعت لنظرها كانوا يتخذون من الأوقاف و على حسابها مسائل دعاية للنفس أو مجادلة للصداقة أو إرضاء للحزبية فلم يكونوا ينظرون إلى الأعيان الموقوفة التى هى أمانة فى أيدهم نظرتهم إلى ممتلكاتهم الخاصة ، و هو أمر نشأ عنه هبوط القيم الإيجارية مع وجود الوسطاء الذين يستأجرون هذه الأعيان ثم يستغلونها إستغلالاً فاحشاً فى بعض الأحيان و لهذا كان لابد من العمل على تدارك هذه الأخطار بإصدار تشريع يجيز فسخ عقود الإيجار الصادرة من الأوقاف و التى وقع فيها تنازل أو إيجار من الباطن منعاً لإستغلال المواطنين من الوسطاء " ، لما كان ذلك ، و كان غير سائغ بهذه المثابة ما ذهب إليه الحكم من أن الحماية التى أسبغها النص المشار إليه قصد بها حماية إلى المستحقين لأنه إنما إستهدف حماية الوقف فى حد ذاته بعد أن أصبح مقصوراً على الوقف الخيرى لأن العناية بشئونه لم تكن لتبلغ مدى عناية الأفراد لأموالهم الخاصة ، لا يغير من ذلك سريان أحكام هذه الفقرة القائمة لأنها تنصرف إلى عقود الإيجار الخاصة بالوقف الخيرى ، لما كان ما تقدم ، و كان الثابت أن المستحقين قد أقاموا الدعوى الراهنة إستنادأ إلى مكانة الإخلاء المقررة بالقانون رقم 657 لسنة 1953 سالف الذكر رغم أن صفة الوقف كانت قد زالت عن عين النزاع و أصبحت ملكاً حراً نفاذاً للمرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات ، فإن الدعوى تكون و لا سند لها من القانون . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 40 لسنة 41 جلسة 1976/01/28 س 27 ع 1 ص 317 ق 70)

شرح خبراء القانون

حظرت الفقرة الأولى من المادة على ناظر الوقف بغير إذن القاضي تأجير الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين، سواء كان الوقف أرضاً زراعية أو مبان.

ولو كان ذلك بعقود مترادفة، فلا يجوز إيجار الوقف لمدة أربع سنوات بموجب عقد واحد، كما لا يجوز إيجاره في عقدين مترادفين يتخللهما وقت قصير، ويكون العقد الأول مدته سنتان والعقد الثاني مدته سنتان أيضاً تبدآن بعد السنتين الأوليين، فهذه طريقة للتحايل على القانون يتقادی بها الناظر أن يبرم عقداً واحداً مدة أربع سنوات.

غير أنه يجوز للقاضي أن يأذن للناظر بإيجار الوقف مدة تزيد على ثلاث سنوات.

والقاضي لا يأذن بذلك إلا لضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً إلى العمارة ولا يقبل المستأجر تعميره إلا إذا استأجره مدة طويلة.

ويلاحظ أنه يقيد سلطة الناظر في التأجير لمدة ثلاث سنوات شرط الواقف، فإذا اشترط الواقف على الناظر ألا يؤجر الأرض لأكثر من سنة مثلاً، التزم الناظر بالتأجير لهذه المدة فقط، لأن شرط الواقف كنص الشارع تجب مراعاته ولا تصح مخالفته. وإن جاز للناظر إذا رأى في مجاوزته ضرورة أو نفع للواقف أن يستأذن القاضي في ذلك.

أوردت الفقرة الثانية من المادة استثناء على القاعدة المنصوص عليها بالفقرة الأولى منها، فأجازت الناظر إذا كان هو الواقف أو المستحق الوحيد، أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين بلا حاجة إلى إذن من القاضي. ذلك أن تقييد مدة إيجار الوقف مقصود به احترام إرادة الواقف من جهة ورعاية مصلحة المستحقين من جهة أخرى، ومن ثم فإنه يجب رفع هذا القيد إذا كان ناظر الوقف الذي تولى تأجيره هو الواقف نفسه، أو المستحق الوحيد، لأن الواقف يملك تعديل شرط الوقف فمن باب أولى يجوز له التأجير لأكثر من المدة التي يتقيد بها إيجار الناظر العادي، ولأن الناظر إذا كان هو المستحق الوحيد لا يترتب على إيجاره لأكثر من ثلاث سنوات إلحاق أي ضرر بالغير.

غير أنه إذا مات الواقف أو حل محل المستحق الوحيد ناظر آخر وكانت المدة الباقية من الإيجار أكثر من ثلاث سنين، جاز للناظر الجديد أن يطلب إنقاصها إلى ثلاث سنين.

ولا يترتب على تأجير الوقف لأكثر من ثلاث سنوات بطلان عقد الإيجار، وإنما يترتب عليه مجرد إنقاص مدة الإيجار إلى مدة ثلاث سنوات.

وتنقص المدة إلى ثلاث سنوات سواء تم الاتفاق على الإيجار في عقد واحد أو في عقود مترادفة.

والناظر الذي يؤجر لأكثر من ثلاث سنوات يعتبر متجاوزاً لحدود سلطته مما ينهض مبرراً لعزله أو تعيين ناظر آخر معه، وللناظر الجديد أو للناظر المنضم إليه طلب إنقاص مدة العقد، ويثبت هذا الحق للناظر المؤجر إذا لم يعزل أو يضم إليه ناظر آخر.

غير أن هذا الحق لا يثبت للمستحقين في الوقف.

أن تشريعات إيجار الأماكن وكذلك قانون الإصلاح الزراعي جعل من عقود الإيجار ممتدة امتداداً قانونياً بعد انتهاء مدتها.

ولأن هذه الأحكام لاحقة التقنين المدني من ناحية ومتعلقة بالنظام العام من ناحية أخرى، تعتبر معدلة لأحكام القانون المدني، وبذلك تعتبر هذه الأحكام ناسخة للحكم الوارد بالمادة 633 مدني بتحديد مدة الإيجار ويلحق الإيجار الذي يعقده الناظر الامتداد القانوني في نطاق تطبيق التشريعات المذكورة.

كما يسرى على الأراضى الزراعية نص المادة 32 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 التي تحظر التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار أو المشاركة فيه ولو كان بموافقة المؤجر.

فسخ إيجار الوقف للتأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار:

أن المادة الثانية من القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المؤجرين والمستأجرين نصت على أنه لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر ولو عند انتهاء المدة المتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: (ب) إذا كان المستأجر قد أجر من الباطن المكان المؤجر بغير إذن كتابي صريح من المالك في تاريخ التأجير ... إلخ"، وقد ورد هذا النص في القانونين رقمي 52 لسنة 1969، 49 لسنة 1977، وقد لاحظ المشرع في وقت ما أن نظار الأوقاف يتساهلون كثيراً في إعطاء هذا الترخيص للمستأجرين الذين يرغبون في التأجير من الباطن ليستغلوا الأماكن الموقوفة المؤجرة إليهم بأجرة زهيدة محدودة وفقاً لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 استغلالاً فاحشاً، وربما تواطأ النظار مع المستأجرين على اقتسام الفرق بينهم، فرأى محافظة على مصلحة الوقف، أن يحول دون ذلك وأصدر لهذا الغرض القانون رقم 657 لسنة 1953 في 26 ديسمبر 1953 الذي أضاف به إلى البند (ب) من المادة المذكورة فقرة جديدة تنص على أن: "على أنه في إيجار الوقف إذا تنازل المستأجر عن الإيجار أو أجر المكان كله أو بعضه من الباطن، ولو كان مأذوناً له في ذلك، كان لناظر الوقف أن يطلب الإخلاء أو أن يتمسك بالعقد الجديد. فإذا اختار التمسك به قامت العلاقة مباشرة بينه وبين المتنازل إليه أو المستأجر من الباطن من تاريخ نشوء هذا العقد، وتسري أحكام هذه الفقرة على كافة العقود القائمة".

وهذا الحكم قصد به الوقف الخيري، ذلك أن الوقف الأهلي كان قد حل قبل صدور القانون المذكور.( موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع، الصفحة/ 1272)

مدة إجارة الوقف وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية وأحكام - التقنين المدني ونسخ هذه الأحكام بقوانين إيجار الأماكن والإصلاح الزراعي - تقضي قواعد الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بمدة إجارة الوقف بأن للواقف أن يؤجر الوقف لأي مدة شاء، وبأنه لا بد من مراعاة أرادته من بعده في هذا الشأن، فإذا عين الواقف المدة التي يجوز تأجير الوقف لها وجب التقيد بما نص عليه، وفي هذه الحالة إذا وجدت للوقت مصلحة في مجاوزة المدة المعينة، كان تكون هذه المدة قصيرة بحيث تزهد الناس في استئجار الوقف أو يكون الوقف مخرباً فلا يرغب في استئجاره إلا لمدة طويلة حتى يمكن تعميره والانتفاع به، فإما أن يكون الواقف قد أجاز للناظر مجاوزة المدة المعينة عند المصلحة فيجوز له ذلك دون إذن القاضي، وأما أن لا يكون قد أجاز له ذلك فيجوز له بإذن القاضي، أما إذا لم يعين الواقف مدة ما، فالرأي المعول عليه أن تؤجر الدار والحانوت سنة، والأراضي ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة تقتضي الزيادة في اجارة الدار والحانوت أو النقص في إجارة الأرض أي أنه لا يجوز للناظر بأي حال تأجير الدار أو الحانوت لأقل من سنة ولا الأراضي الأكثر من ثلاث سنوات، ولكن يجوز للقاضي أن يؤجر الوقف مدة طويلة عند الاضطرار كما يجوز ذلك للناظر إذا كان هو المستحق الوحيد للوقف.

وإذا أجر الناظر الوقف أكثر من المدة التي يجوز له أن يؤجر إليها كان أجر الدار أكثر من سنة دون مقتض أو الأرض الزراعية أكثر من ثلاث سنين ولم يكن شيء من ذلك بإذن القاضي، فالراجح أن العقد كله يفسد بذلك وتفسخ الإجارة في كلي المدة لأن العقد إذا فسد في بعضه فسد في كله.

وقد سارت المحاكم المصرية في مجموعها على ذلك، غير أنها جعلت جزاء مجاوزة المدة المقررة، لا بطلان الإجارة، بل مجرد نقص مدتها إلى الحد الجائز شرعاً، مع إلزام الناظر بالتعويض إذا ثبت سوء نيته، ولكن الظاهر أن المحاكم المختلطة لم تفرق بين الأراضي الزراعية والعقارات الاخرى، فاجازت الإيجار لمدة ثلاث سنوات في الجميع، ولم تجزه فيما زاد على ذلك ولو كانت بعدة عقود مترادفة، إلا إذا حصل بإذن القاضى ولضرورة تسوغه كأن تكون العين الموقوفة في حاجة إلى عمارة فيتعهد المستأجر بإجرائها واستيفاء تكاليفها من انتفاعه بالعين المدة اللازمة لاستهلاك هذه التكاليف.

وقد أراد واضعوا المشروع التمهيدي لتنقيح القانون المدني أن يقننوا الأحكام المتقدمة، فنصوا عليها في المواد 846 – 848 من ذلك المشروع ولكنهم جعلوا في المادة 848 حداً أقصى لمدة إيجار الوقف في جميع الأحوال فحددوها بثلاث سنوات ولو كان الواقف قد عين مدة أطول .

غير أن لجنة المراجعة قررت حذف المادتين الأوليين اللتين كانتا تنصان على أحكام الشريعة الإسلامية في الفروض المختلفة اكتفاء بنص المادة الثالثة التي عينت الحد الأقصى لمدة الإيجار، وبناء على ذلك لم يبق من نصوص المشروع في التقنين المدني الحالي غير هذا النص الأخير مسوقاً لا في صيغة قيد وارد على الأحكام التي كانت تسبقه بل في صيغة قاعدة عامة.

وقد استقر هذا النص في المادة 633 مدنی، وهي تقضي بأن :

1 - لا يجوز للناظر بغير إذن القاضي أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين ولو كان ذلك بعقود مترادفة، فإذا عقدت الإجارة لمدة أطول، انقضت المدة إلى ثلاث سنين.

2- ومع ذلك إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد جاز له أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين بلا حاجة إلى إذن القاضي، وهذا دون إخلال بحق الناظر الذي يخلفه في طلب إنقاص المدة إلى ثلاث سنين.

ويبين من حكم الفقرة الأولى أن المشرع أخذ بأحكام الشريعة الإسلامية من حيث أنه منع الناظر من تأجير الوقف أكثر من ثلاث سنوات إلا بإذن القاضي - والمفروض أن القاضي لا يأذن إلا لضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً إلى العمارة ولا يقبل المستأجر تعميره إلا إذا استأجره مدة طويلة - وأنه جعل جزاء هذا المنع النقص لا البطلان، ولكن هذا النص لا يكشف عن قصد الشرع فيما يتعلق بسلطة الناظر في تأجير الوقف في حدود الثلاث السنوات، أهی سلطة لا يتقيد فيها بإرادة الواقف ولا بالتفرقة بين الدار والحانوت وغيرهما أم في سلطة محدودة بالقيدين المذكورين كما في الشريعة الإسلامية ؟

فماذا يكون الحكم لو أن الواقف نص في كتاب الوقف على ان لا تؤجر الأعيان الموقوفة لأكثر من سنة واحدة، ولكن الناظر أجرها لثلاث سنوات استناداً منه إلى نص المادة 633 مدنی ؟ - لا ريب عندي في أن الناظر يعتبر في هذه الحالة مجاوزاً حدود سلطته وأنه يجب نقص مدة الإجارة إلى سنة واحدة، وذلك أولاً لأن سلطة الناظر محدودة قبل كل شيء بكتاب الوقف، وثانياً لأن نص المادة 633 مدني لا يخول الناظر سلطة ليست له وإنما يضع حداً لسلطة مفروض ثبوتها له، فإذا كانت سلطة الناظر كما حددها كتاب الوقف لا تخوله التأجير لأكثر من سنة، فإن اجارته سالفة الذكر تكون واجبة النقص بناء على إرادة المواقف ودون حاجة إلى الاستناد إلى نص المادة 633.

أما فيما يتعلق بالقيد المستمد من التفرقة بين الدار والحانوت وغيرهما، فإنه إذا لم يكن منصوصاً عليه في كتاب الوقف ذاته لا يكون له وجود إلا في قواعد الشريعة الإسلامية، وبما أنه ثابت أن المشرع قصد تقنين هذه القواعد كما أخذت بها أحكام المحاكم المصرية، وبما أنه قد تقدم أن المحاكم المختلطة لم تتقيد بهذه التفرقة، وبما أنه ظاهر من الأعمال التحضيرية أن لجنة المراجعة قررت حذف النص الذي كان يقرر هذه التفرقة اكتفاء بالنص الذي استقر في المادة 633 مدني، فيمكن القول بأن المشرع الحديث لم ير الأخذ بهذه التفرقة وأجاز للناظر الذي لا يقيده كتاب الوقف أن يؤجر الدار والحانوت كما يؤجر الأرض لمدة ثلاث سنوات.

ولأن تقييد مدة إجارة الوقف مقصود به احترام إرادة الواقف من جهة ورعاية مصلحة المستحقين من جهة أخرى، رأى المشرع رفع هذا القيد إذا كان ناظر الوقف الذي توي تأجيره هو الواقف نفسه أو المستحق الوحيد، فتصح اجارتهما لأكثر من ثلاث سنوات دون إذن القاضی ( المادة 633 فقرة ثانية )، لأن الواقف يملك تعديل شرط الوقف فمن باب أولى يجوز له التأجير لأكثر من المدة التي تتقيد بها أجازة الناظر العادي، ولأن الناظر إذا كان هو المستحق الوحيد لا يترتب على إجارته لأكثر من ثلاث سنوات إلحاق أي ضرر بالغير، على أنه أذا مات الواقف أو حل محل المستحق الوحيد ناظر آخر وكانت المدة الباقية من الاجارة أكثر من ثلاث سنين، جاز للناظر الجديد أن يطلب نقصها إلى ثلاث سنين.

وخلاصة ما تقدم أنه لا يجوز إيجار الوقف لأكثر من ثلاث سنوات إلا في حالتين : (1) إذا أذن القاضي بذلك . (2) إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد.

فاذا أجر الناظر أعيان الوقف في غير هاتين الحالتين لأكثر من المدة الجائزة لا يكون طلب نقص المدة إلا من الناظر الذي يخلفه بعد عزله أو من الناظر المنضم إليه إذا بقي مع انضمام ناظر إليه، فلا يجوز ذلك للناظر نفسه، ولا يجوز للمستحقين في الوقف، وإنما يكون لهؤلاء أن يطلبوا عزل الناظر الذي جاوز حدود سلطته بهذه الإجارة وتعيين ناظر أخر مكانه يتولى هو طلب نقص لمدة، فما دام الناظر الذي أبرم الاجارة الزائدة عن الحد القانوني متولياً على الوقف، فإن هذه الاجارة تبقى سارية فإذا ما تغير هذا الناظر وتقرر نقص المدة، كان للمستأجر حق الرجوع عليه بالتعويض عن الأضرار التي أصابته بسبب ذلك (61 مكرر ) .

وتنقص المدة إلى ثلاث سنوات سواء أكان الاتفاق عليها في عقد واحد أم في عقود مترادفة، وقد نص المشرع على ذلك صراحة في المادة 633 فقرة أولى لمنع التحايل - بأية طريقة - على الإيجار لمدة أطول من ثلاث سنوات.

غير أن هذا الحكم لا يستتبع الزام الناظر إذا ما أراد تأجير الوقف لمدة ثلاث سنوات جديدة أن ينتظر لذلك انتهاء الإجارة السابقة حتى لا يعترض عليه بأن الاجارة الجديدة مضافاً اليها المدة التى كانت باقية من الاجارة السابقة تجاوز الحد الاقصى فيجب نقصها، لأن القول بذلك قد يعرض أعيان الوقف للبوار حيناً على الأقل إذا انتظر الناظر انتهاء الإجارة الجارية ثم لم يجد عندئذ من يستأجر تلك الأعيان بأجرة المثل بمجرد انقضاء الإجارة فوراً، ولذلك كان من المصلحة السماح للناظر بعقد الاجارة الجديدة ولو كانت مدتها ثلاث سنوات قبل انقضاء مدة الادارة الجارية بوقت معقول، ويختلف تقدير هذا الوقت المعقول بحسب ظروف الأحوال وموقع العقارات.

كل هذه الأحكام سواء منها أحكام الشريعة الإسلامية أو أحكام التقنين المدنی صارت منسوخة ضمناً بأحكام قوانين إيجار الأماكن والإصلاح الزراعى.

مدة اجارة الوقف وفقاً لقوانين إيجار الأماكن وقوانين الإصلاح الزراعى - تقدم أن قوانين إيجار الأماكن والإصلاح الزراعي قد انتهت بالنص على أنه لا يجوز للمؤجر ولو عند انتهاء مدة العقد أن يطلب اخلاء المستأجر من المكان المؤجر أو من الأطيان المؤجرة إلا لأسباب معينة ( راجع ما تقدم في نبذة 77 وفي نبذة 299 مكرر) . وتعتبر هذه القوانين قوانين خاصة بأنواع معينة من المأجورات هي الأماكن التي تخضع لقوانين إيجار الأماكن والأطيان الزراعية التي يسري عليها قانون الإصلاح الزراعي، أما الأحكام المتعلقة بإيجار الوقف، سواء في ذلك أحكام الشريعة الإسلامية أو أحكام التقنين المدني، فتعتبر بالنسبة إلى القوانين المذكورة أحكاماً عامة لأنها تشمل إيجار جميع أنواع الأعيان الموقوفة سواء كانت عقاراً أو منقولاً، وسواء كانت أماكن مقفلة أو أراضي فضاء معدة البناء أو أطيانا زراعية أو بوراً أو صحراوية، ولذلك يرد عليها النسخ الضمني في كل ما تتعارض فيه مع أحكام القوانين الخاصة المشار إليها بالنسبة لأنواع المأجورات التي تسري عليها هذه القوانين، ولذلك فإن أحكام قانون إيجار الأماكن وأحكام قانون الإصلاح الزراعي التي قررت الامتداد القانوني لعقود إيجار الأماكن أو لعقود إيجار الأطيان الزراعية تعتبر ناسخاً ضمناً أحكام إيجار الوقف المتعلقة بتعيين حد أقصى لمدة الإيجار، سواء في ذلك أحكام الشريعة الإسلامية وأحكام التقنين المدني، بالنسبة لهذه المأجورات . أما بالنسبة إلى ما عداها کالأراضي الفضاء المعدة البناء، فتبقى نافذه أحكام الشريعة الاسلامية والتقنين المدني لما تقدم في النبذة السابقة .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 900)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 63

مِلْكِيَّةُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ الَّذِي يَضَعُهُ الْمُحْتَكِرُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا:

20 - الْبِنَاءُ الَّذِي يَبْنِيهِ الْمُحْتَكِرُ وَالْغِرَاسُ الَّذِي يَغْرِسُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَوِ النَّاظِرِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ يَكُونُ مِلْكًا خَالِصًا لَهُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِلشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ، وَلَهُ هِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَيُورَثُ عَنْهُ.

أَمَّا الأْرْضُ نَفْسُهَا فَرَقَبَتُهَا لِلْوَقْفِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الأْرْضَ الْمُحَكَّرَةَ اسْتُمْلِكَتْ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَلَيْسَ لِلْمُحْتَكِرِ إِلاَّ التَّعْوِيضُ عَنْ بِنَائِهِ أَوْ غِرَاسِهِ، أَمَّا مَا يُقَابِلُ رَقَبَةَ الأْرْضِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَا يَبْنِيهِ الْمُحْتَكِرُ يَكُونُ مِلْكًا يُبَاعُ وَيُورَثُ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هَذَا إِذَا بَيَّنَ الْمِلْكِيَّةَ، أَمَّا إِنْ بَيَّنَ التَّحْبِيسَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا فَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَقْفٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لاَ حَقَّ فِيهِمَا لِوَرَثَةِ الْبَانِي وَالْغِرَاسِ.

وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي اسْتِئْجَارِ الأْرْضِ لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ، أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ مِلْكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَالأْرْضُ مِلْكٌ لِصَاحِبِهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْحِكْرَ - إِذَا بِيعَتِ الأْرْضُ - يَبْقَى لِلْمُحْتَكِرِ، قَالَ عُثْمَانُ النَّجْدِيُّ: «إِذَا بِيعَتِ الأْرْضُ الْمُحْتَكَرَةُ أَوْ وُرِثَتْ فَالْحِكْرُ عَلَى مَنِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ فِي الأْصَحِّ ».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 78

حَقُّ الْقَرَارِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ:

7 - مَا يَثْبُتُ لِلإْنْسَانِ مِنْ حَقِّ دَوَامِ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَقَارِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنَ الْوَقْفِ دُونَ أَنْ يُطَالِبَهُ أَحَدٌ بِإِخْلاَئِهِ يُسَمَّى حَقَّ الْقَرَارِ.

وَهُوَ حَقٌّ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِمَا يَأْتِي:

أ - بِمَا يُحْدِثُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِ: بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ صَارَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ، فَلَهُ الاِسْتِبْقَاءُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ: وَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوِ النَّاظِرِ فَتَبْقَى فِي يَدِهِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْف).

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ .

ب - أَنْ تَكُونَ الأْرْضُ مُعَطَّلَةً فَيَسْتَأْجِرَهَا مِنَ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهَا لِيُصْلِحَهَا لِلزِّرَاعَةِ وَيَحْرُثَهَا وَيَكْبِسَهَا، فَلاَ تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ مَا دَامَ يَدْفَعُ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْقِسْمِ الْمُتَعَارَفِ كَالْعُشْرِ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا مَاتَ عَنِ ابْنٍ تُوَجَّهُ لاِبْنِهِ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا .

ج - مَنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِأَرْضِ الْوَقْفِ ثَلاَثَ سِنِينَ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ، كَمَا يَثْبُتُ حَقُّ الْقَرَارِ لِمَنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِالأْرْضِ الأْمِيرِيَّةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقِيلَ: ثَلاَثِينَ سَنَةً .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْف).

د - الْخُلُوُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالُ الَّذِي يَدْفَعُهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُتَوَلِّي أَوِ الْمَالِكِ، فَلاَ يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إِخْرَاجَهُ وَلاَ إِجَارَتَهُ لِغَيْرِهِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِمَّنْ أَفْتَى بِلُزُومِ الْخُلُوِّ الَّذِي يَكُونُ مُقَابِلَ مَالٍ يَدْفَعُهُ لِلْمَالِكِ أَوِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ الْعَلاَّمَةُ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ قَالَ: فَلاَ يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إِخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلاَ إِجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ، فَيُفْتِي بِجَوَازِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ الَّذِي تَعَارَفَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ .

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُلُوّ ف 17).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 196

كَدِك

التَّعْرِيفُ:

1 - لَمْ يَرِدْ ذِكْرُ كَلِمَةِ الْكَدِكِ أَوِ الْجَدِكِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ.

وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْكَدِكُ عَلَى مَا يَثْبُتُ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ مِمَّا لاَ يُنْقَلُ وَلاَ يُحَوَّلُ، كَالْبِنَاءِ وَالرُّفُوفِ الْمُرَكَّبَةِ وَالأْغْلاَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ سُكْنَى .

كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُوضَعُ فِي الْحَانُوتِ مُتَّصِلاً لاَ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، كَالْخَشَبِ الَّذِي يُرَكَّبُ بِالْحَانُوتِ لِوَضْعِ عِدَّةِ الْحَلاَّقِ مَثَلاً، فَإِنَّ الاِتِّصَالَ وُجِدَ لَكِنْ لاَ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ .

وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْعَيْنِ غَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ أَصْلاً، كَالْبَكَارِجِ وَالْفَنَاجِينِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَهْوَةِ، وَالْفُوَطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمَّامِ .

وَيُطْلَقُ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلدَّرَاهِمِ ، وَهَذَا مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالْخُلُوِّ .

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْكَامِ الْكَدِكِ بِهَذَا الْمَعْنَى يُنْظَرُ (خُلُوٌّ).

قَالَ مُحَمَّدٌ قَدْرِي بَاشَا: يُطْلَقُ الْكَدِكُ عَلَى الأْعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، كَالْبِنَاءِ، أَوْ لاَ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، كَآلاَتِ الصِّنَاعَةِ الْمُرَكَّبَةِ بِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْكِرْدَارِ فِي الأْرَاضِي ، كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِيهَا .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْكِرْدَارُ:

2 - الْكِرْدَارُ هُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ .

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِنَ الْكِرْدَارِ مَا يُسَمَّى الآْنَ كَدِكًا فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا، مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ، وَأَغْلاَقٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى قِيمَةً فِي الْبَسَاتِينِ وَفِي الْحَمَّامَاتِ فَالْكِرْدَارُ أَعَمُّ مِنَ الْكَدِكِ.

ب - الْمَرْصَدُ:

3 - الْمَرْصَدُ هُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلٌ عَقَارَ الْوَقْفِ مِنْ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ مَثَلاً وَيَأْذَنُ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِعِمَارَتِهِ أَوْ مَرَمَّتِهِ بِهَا، فَيُعَمِّرُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْوَقْفِ عِنْدَ حُصُولِهِ، أَوِ اقْتِطَاعِهِ مِنَ الأْجْرَةِ .

وَالْمَرْصَدُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي عَمَّرَ مِنْ مَالِهِ عِمَارَةً ضَرُورِيَّةً فِي مُسْتَغَلٍّ مِنْ مُسْتَغَلاَّتِ الْوَقْفِ لِلْوَقْفِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَدِكِ وَبَيْنَ الْمَرْصَدِ، أَنَّ صَاحِبَ الْمَرْصَدِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ دَيْنٌ مَعْلُومٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلاَ يَبِيعَ الْبِنَاءَ الَّذِي بَنَاهُ لِلْوَقْفِ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُتَوَلِّي بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ إِنْ لَمْ يُرِدِ اسْتِقْطَاعَهُ مِنْ أَصْلِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَأَمَّا الْكَدِكُ، فَهُوَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ تُبَاعُ وَتُورَثُ، وَلأِصْحَابِهَا حَقُّ الْقَرَارِ .

ج - الْمَسْكَةُ:

4 - الْمَسْكَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْحِرَاثَةِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمَسْكَةِ لُغَةً، وَهِيَ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ، فَكَأَنَّ الْمُتَسَلِّمَ لِلأْرْضِ الْمَأْذُونَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهَا فِي الْحَرْثِ صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا فِي الْحَرْثِ فِيهَا، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا لاَ تُقَوَّمُ، فَلاَ تُمْلَكُ وَلاَ تُبَاعُ وَلاَ تُورَثُ، وَقَدْ جَرَى فِي عُرْفِ الْفَلاَّحِينَ إِطْلاَقُ الْفِلاَحَةِ عَلَى الْمَسْكَةِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: فَرَغْتُ عَنْ فِلاَحَتِي أَوْ مَسْكَتِي أَوْ مَشَدِّي، وَيُرِيدُ مَعْنًى وَاحِدًا وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْحَرْثِ .

وَالْمَسْكَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى تَكُونُ فِي الأْرَاضِي الْجَرْدَاءِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْبَسَاتِينِ وَتُسَمَّى بِالْقِيمَةِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْكَدِكِ وَبَيْنَ الْمَسْكَةِ، أَنَّ صَاحِبَ الْمَسْكَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الاِسْتِمْسَاكِ بِالأْرْضِ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الْكَدِكِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ فِي الْحَانُوتِ، فَالْمَسْكَةُ خَاصَّةٌ بِالأْرَاضِي أَمَّا الْكَدِكُ فَخَاصٌّ بِالْحَوَانِيتِ.

د - الْخُلُوُّ:

5 - يُطْلَقُ الْخُلُوُّ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا:

أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي جُعِلَ فِي مُقَابَلَتِهَا الدَّرَاهِمُ وَيُطْلَقُ كَذَلِكَ عَلَى حَقِّ مُسْتَأْجِرِ الأْرْضِ الأْمِيرِيَّةِ فِي التَّمَسُّكِ بِهَا إِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا أَثَرٌ مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ، عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُقُوقِ لِبَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِهِمَا الَّذِي يُقَيِّمُهُ مَنْ بِيَدِهِ عَقَارُ وَقْفٍ أَوْ أَرْضٌ أَمِيرِيَّةٌ (ر: خُلُوٌّ ف 1).

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْخُلُوِّ بِالْمَعْنَى الأْوَّلِ وَالْكَدِكِ، أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ وَلاَ يَمْلِكُ الأْعْيَانَ، أَمَّا الْكَدِكُ فَهُوَ أَعْيَانٌ مَمْلُوكَةٌ لِمُسْتَأْجِرِ الْحَانُوتِ. (ر: خُلُوٌّ ف 1).

وَأَمَّا الصِّلَةُ بِالْمَعْنَيَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَهِيَ أَنَّ الْخُلُوَّ مُرَادِفٌ لِلْكَدِكِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَدِكِ:

ثُبُوتُ حَقِّ الْقَرَارِ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ:

أَوَّلاً: وَضْعُ الْكَدِكِ فِي الْمَبَانِي الْوَقْفِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ:

6 - يَثْبُتُ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ حَقُّ الْقَرَارِ بِسَبَبِ مَا يُنْشِئُهُ فِي مَبْنَى الْوَقْفِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مُتَّصِلٍ اتِّصَالَ قَرَارٍ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ: يَثْبُتُ لَهُ (أَيْ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ) حَقُّ الْقَرَارِ مَا دَامَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِ الْحَانُوتِ خَالِيَةً عَنْ جَدَكِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِذَا كَانَ هَذَا الْجَدِكُ الْمُسَمَّى بِالسُّكْنَى قَائِمًا فِي أَرْضِ وَقْفٍ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، لِصَاحِبِهِ الاِسْتِبْقَاءُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الأْرْضِ حَيْثُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ وَإِنْ أَبَى النَّاظِرُ، نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ .

وَجَاءَ فِي الْمَادَّةِ (707) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: الْكَدِكُ الْمُتَّصِلُ بِالأْرْضِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا أَوْ تَرْكِيبًا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ هُوَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ تُبَاعُ وَتُورَثُ، وَلأِصْحَابِهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَلَهُمُ اسْتِبْقَاؤُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ .

هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِهِ يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: الْخُلُوُّ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَلِذَلِكَ يُورَثُ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ وَإِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ مُشَاهَرَةً، وَلاَ الإْجَارَةُ لِغَيْرِهِ.

كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: الْخُلُوُّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدِكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ.. نَعَمْ بَعْضُ الْجَدِكَاتِ بِنَاءٌ أَوْ إِصْلاَحُ أَخْشَابٍ فِي الْحَانُوتِ مَثَلاً بِإِذْنٍ، وَهَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْخُلُوِّ ظَاهِرٌ، خُصُوصًا وَقَدِ اسْتَنَدُوا فِي تَأْبِيدِ الْحَكْرِ لِلْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ حَاصِلٌ فِي الْجَدِكِ .

وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: إِذَا اسْتَأْجَرَ إِنْسَانٌ دَارًا مَوْقُوفَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ بِالْبِنَاءِ فِيهَا لِيَكُونَ لَهُ خُلُوًّا، وَجَعَلَ عَلَيْهَا حَكْرًا كُلَّ سَنَةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ، فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ إِيجَارِ الأْوَّلِ ، لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِأَنْ لاَ يَسْتَأْجِرَهَا إِلاَّ الأْوَّلُ، وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا دَفَعَ الأْوَّلُ مِنَ الأْجْرَةِ مَا يَدْفَعُهُ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ جَازَ إِيجَارُهَا لِلْغَيْرِ .

وَمُسْتَنَدُ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي إِثْبَاتِ حَقِّ الْقَرَارِ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَصْحَابُ الْكِرْدَارِ فِي الْبَسَاتِينِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا أَصْحَابُ الْكَدِكِ فِي الْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ إِبْقَاءَهَا فِي أَيْدِيهِمْ سَبَبٌ لِعِمَارَتِهَا وَدَوَامِ اسْتِغْلاَلِهَا، فَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلأْوْقَافِ وَبَيْتِ الْمَالِ، وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ كَوْنِهِمْ يُؤَدُّونَ أُجْرَةَ مِثْلِهَا بِلاَ نُقْصَانٍ فَاحِشٍ .

وَقَالَ الْبُنَانِيُّ: وَقَعَتِ الْفَتْوَى مِنْ شُيُوخِ فَاسَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَالشَّيْخِ الْقَصَّارِ، وَابْنِ عَاشِرٍ، وَأَبِي زَيْدٍ الْفَاسِيِّ، وَسَيِّدِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيِّ، وَأَضْرَابِهِمْ، وَيُعَبِّرُونَ عَنِ الْخُلُوِّ الْمَذْكُورِ بِالْجِلْسَةِ جَرَى بِهَا الْعُرْفُ، لِمَا رَأَوْهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، فَهِيَ عِنْدَهُمْ كِرَاءٌ عَلَى التَّبْقِيَةِ .

7 - وَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ مَا يَلِي:

أ - إِذْنُ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي وَضْعِ كَدِكِهِ أَوْ كِرْدَارِهِ، فَإِنْ وَضَعَهُ دُونَ إِذْنٍ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ، وَلاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ الإْجَارَةِ لَهُ.

قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ بِنَاءً، أَوْ غِرَاسًا، أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ، بِإِذْنِ الْوَاقِفِ، أَوْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ، فَتَبْقَى فِي يَدِهِ .

قَالَ الْحَصْكَفِيُّ نَقْلاً عَنْ مُؤَيَّدْ زَادَهْ: حَانُوتُ وَقْفٍ بَنَى فِيهِ سَاكِنُهُ بِلاَ إِذْنِ مُتَوَلِّيهِ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ رَفَعَهُ، وَإِنْ ضَرَّ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ، فَلْيَتَرَبَّصْ إِلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مَالُهُ مِنَ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ، وَلاَ يَكُونُ بِنَاؤُهُ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الإْجَارَةِ لِغَيْرِهِ، إِذْ لاَ يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبِنَاءِ، حَيْثُ لاَ يَمْلِكُ رَفْعَهُ .

ب - دَفْعُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْوَقْفِ، إِذْ لاَ يَصِحُّ إِيجَارُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إِلاَّ عَنْ ضَرُورَةٍ

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ (الْكَدِكِ) حَقُّ الْقَرَارِ مَا دَامَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِ الْحَانُوتِ خَالِيَةً عَنْ كَدِكِهِ .

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَوْقُوفِ: أَمَّا الْمَوْقُوفُ الْمُعَدُّ لِلإْيجَارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إِلاَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، فَإِيجَارُهُ مِنْ ذِي الْيَدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْلَى مِنْ إِيجَارِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّظَرِ لِلْوَقْفِ وَلِذِي الْيَدِ، وَالْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَنْ يَنْظُرَ بِكَمْ يُسْتَأْجَرُ إِذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ الْجَدِكِ بِلاَ زِيَادَةِ ضَرَرٍ وَلاَ زِيَادَةِ رَغْبَةٍ مِنْ شَخْصٍ خَاصٍّ، بَلِ الْعِبْرَةُ بِالأْجْرَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا الأْكْثَرُ .

فَلَوْ زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ زِيَادَةً فَاحِشَةً، فَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَبُولُ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ زِيَادَةُ أَجْرِ مِثْلِ الْوَقْفِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ الْكُلِّ بِلاَ زِيَادَةِ أَحَدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ زِيَادَةَ تَعَنُّتٍ أَيْ إِضْرَارٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَلاَ الزِّيَادَةُ بِعِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَالِهِ لِنَفْسِهِ .

ج - عَدَمُ الضَّرَرِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْقُنْيَةِ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا وَبَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ .

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: لَوْ حَصَلَ ضَرَرٌ مَا، بِأَنْ كَانَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ، لاَ يُجْبَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ. ا هـ. وَأَضَافَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الإْسْعَافِ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَقْفِ يَفْسَخُ الْقَاضِي الإْجَارَةَ وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ.

وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ قَنْلِي زَادَهْ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ قَاضٍ عَادِلٍ عَالِمٍ، وَعَلَى كُلِّ قَيِّمٍ أَمِينٍ غَيْرِ ظَالِمٍ، أَنْ يَنْظُرَ فِي الأْوْقَافِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ تُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ، أَنْ يَفْسَخَ الإْجَارَةَ ، وَيَرْفَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ، أَوْ يَقْبَلَهَا بِهَذِهِ الأْجْرَةِ ، وَقَلَّمَا يَضُرُّ الرَّفْعُ بِالأْرْضِ .

وَفِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ: حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ، وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ، وَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، قَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْعِمَارَةُ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يُسْتَأْجَرُ الأْصْلُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ، وَيُؤَجَّرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلاَّ يُتْرَكْ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الأْجْرِ .

وَقْفُ الْكَدِكِ:

9 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ جَوَازِ وَقْفِ الْكَدِكِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: مَا يُسَمَّى الآْنَ كَدِكًا فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا، مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ، وَأَغْلاَقٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ، لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ، بِخِلاَفِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ، فَإِنَّهُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ فِي عَامَّةِ الْبِقَاعِ .

وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ وَقْفِ الْكَدِكِ الَّذِي يُقِيمُهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْحَانُوتِ.

قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ كَثِيرًا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ .

وَصَرَّحَ عُلَيْشٌ بِأَنَّ الْخُلُوَّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. الْجَدِكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ .

وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِخُصُوصِ وَقْفِ الْكَدِكِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ وَقْفَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَهَذَا لَيْسَ مَحَلَّ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.