مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 661
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذه النصوص لا مقابل لها في التقنين الحالي، فلم يعرض هذا التقنين الإيجار الوقف على أهميته العملية، بل ترك الأمر للقضاء، وطبق القضاء أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك، وقنن المشروع هذه الأحكام كما طبقها القضاء، فعرض لمن له الحق في إيجار الوقف و من له الحق في استئجاره، وكيف تقدر أجرة الوقف ولاية مدة يجوز الإيجار، وذكر أن أحكام عقد الإيجار تسرى على إيجارة الوقف فيما لم تتعارض فيه، مع هذه الأحكام ( م 850 من المشروع).
2 - أما من له حق إيجار الوقف فهو الناظر (م 841 فقرة أولى من المشروع) ولا ينتهي الإيجار بموته أو بعزله، بل يسري إيجاره الصحيح على الناظر الذي يأتي بعده (م 849 من المشروع)، أما المستحق، ولو انحصر فيه الاستحقاق، فلا يملك الإيجار إلا إذا أذن له في ذلك الواقف أو الناظر أو القاضي، والناظر هو الذي يقبض الأجرة حتى لو كان المؤجر غيره، إلا إذا أذن الناظر في القبض لغيره (م 842 من المشروع ).
3- أما من له حق استئجار الوقف فمن يتعاقد معه الناظر على الإيجار ولوكان مستحقاً في الوقف بشرط ألا يكون هو الناظر، فإنه لا يجوز له أن يتعاقده مع نفسه في استئجار الوقف ولو أجر المثل، أما إذا كان المستأجر أحداً من أصوله أو فروعه ( أو ممن لا تقبل شهادتهم له ) فيجوز على أن يكون الإيجار بأجر المثلى (م 843 - 844 من المشروع )، ولم ينقل المشروع المادة 693 من مرشد الحيران و نصها ما يأتي :
و إذا انقضت مدة الإجارة تؤجر بأجر المثل لمن يرغب فيها ولو كان غير المستأجر الأول، ما لم يكن المستأجر الأول حق القرار في العين المستأجرة، فإن كان له حق القرار من بناء أو غراس قائم بحق فهو أولى بالإجارة من غيره بشرط أن يدفع أجر المثل، فيكون للمستأجر الذي بنى أو غرس في أرض الوقف خاص بها للأحكام العامة في عقد الإيجار.
4 - و أجرة الوقف يجب ألا يكون فيها غبن فاحش، فلا يجوز أن تقل عن أربعة أخماس أجر المثل، بل يجب أن تكون أجر المثل في بعض الأحوال كما تقدم، وينطبق هذا الحكم حتى لو كان المؤجر هو المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف، لجواز أن يخل بحق المستحق الذي يأتي بعده، وإذا عقد إيجار بغبن فاحش خير المستأجر بين الفسيخ ودفع أجر المثل، ويستطيع الناظر الذي صدر منه الإيجار أن يطالب بذلك (م 845 من المشروع)، ولم ينقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في حالة ما إذا نقص أجر المثل أو زاد قبل انتهاء الإيجار (م 690 - 962 من مرشد الحيران )، وآثر استقرار التعامل بجعل الأجرة المتفق عليها هي التي تسري إلى أن ينتهي الإيجار .
5- أما مدة الإيجار فيراعى فيها شرط الواقف، فإن عين مدة وجب التقيد بها، و إلا إذا كان في مجاوزتها ضرورة أو نفع لاوقف، فيجوز للناظر في هذه الحالة أن يستأذن القاضي في الإبحار لمدة أطول إذا لم يكن مأذوناً في ذلك من قبل في كتاب الوقف، وإذا لم يحدد الواقف المدة، فالمباني لا يزيد إيجارها عن سنة إلا إذا كانت الزيادة تقتضيها المصلحة و يترك ذلك لتقدير الناظر، والأراضي لا يزيد إيجارها على ثلاث سنوات، إلا إذا كانت المصلحة تقتضى النقص وفقاً لتقدير الناظر (م 846 - 847 من المشروع)، ولا تزيد مدة الإيجار في كل حال على ثلاث سنوات ولو بعقود مترادفة، فإذا زادت أنقصت إلى ثلاث، ومع ذلك يجوز الإيجار المدة أطول من ثلاث سنوات في حالتين : (أ) إذا أذن القاضي ، ويأذن للضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً للعمارة، (ب ) إذا كان الناظر هو المستحق الوحيد، و يسري الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإن أنهت جاز للناظر الذي خلفه، إذا لم يكن الإيجار قد انقضى، أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات (م 848 من المشروع ).
1 ـ مؤدى نصوص القانون رقم 180 لسنة 1952 بحل الأوقاف على غير الخبرات أن الأوقاف الأهلية إعتبرت جميعهاَ منقضية و أصبحت أموالهاَ ملكاً حراً للواقف أو المستحق على النحو المبين فى تلك النصوص ، و إلى أن يتم تسليم هذه الأموال إليهم فإنها تكون تحت يد الناظر لحفظها و إدارتها ، و تكون للناظر فى هذه الفترة صفة الحارس ، و يمتنع عليه بصفته هذه أن يستأجر تلك الأموال من المستحقين ، و إنما يجوز له ذلك بعد أن يتم تسليمها إليهم .
(الطعن رقم 385 لسنة 38 جلسة 1974/02/18 س 25 ع 1 ص 358 ق 59)
2 ـ إذ كان الحكمان السابقان قد قطعا بأن الأطيان المؤجرة للطاعن بمعرفة الناظر السابق - كانت وقفاً و إنتهى الحكم الصادر فى الدعوى . . . إلى أن عقود الإيجار الصادرة للطاعن من المستحقين عن تلك الأطيان غير صحيحة لإنعدام ولايتهم فى تأجيرها إذ ناط القانون ولايه إدارتها إلى ناظر الوقف السابق بوصفة حارساً عيلها و من ثم إعتبر الإجارة الصادرة منه هى الإجارة الصحيحة و قد تأيد هذا الحكم إستئنافياً فحاز قوة الأمر المقضى و إذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر و أقام قضاءه على أن عقد إيجار الأطيان و أمر الأداء المعارض فيه قد صدرا بإسم - الناظر السابق - بصفته الشخصية و ليس بصفته ناظراً على الوقف أو حارساً على أعيانه يكون قد خالف حجية الأحكام المتقدم ذكرها و هى تسمو على النظام العام ، و قد أدت هذه المخالفة إلى الخطأ فى تطبيق القانون إذ مد نطاق الحراسة المفروضة على الأموال و الممتلكات الخاصه بالناظر السابق إلى أمر الأداء الصادر بالإيجار المتأخر عن الأطيان التى يتولى إدارتها بصفته حارساً عليها بعد إنتهاء وقفها . و قبل حلول إدارة الأموال التى آلت إلى الدولة محل هذا الحارس فى تجديد السير فى المعارضة المرفوعة عن أمر الأداء المشار إليه و فى طلب الحكم بسقوط الخصومة فيها .
(الطعن رقم 510 لسنة 43 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 853 ق 149)
3 ـ لئن إختلف فقهاء الشريعة الإسلامية فيما إذا كان متولى الوقف " الناظر " يضمن الغبن الفاحش إذا أجر عقار الوقف بأقل من أجر المثل أو لا يضمنه إلا أن الرأى الراجح الذى أخذت به محكمة النقض هو أن متولى الوقف " الناظر " يضمن الغبن الفاحش لو كان متعمداً أو عالماً به ، و ذلك إذا كان الناظر بغير أجر ، إذ يعتبر تأجيره أعيان الوقف بالغبن الفاحش و هو متعمد أو عالم به تقصيراً جسيماً يسأل عنه دائماً . كما أن المادة 704 من القانون المدنى تقضى بأن الوكيل بلا أجر يقتصر واجبه على العناية التى يبذلها فى أعماله الخاصة فى حين أن الوكيل بأجر يجب أن يبذل دائماً فى تنفيذ الوكالة عناية الرجل المعتاد .
(الطعن رقم 97 لسنة 38 جلسة 1973/10/23 س 24 ع 3 ص 1029 ق 179)
الأحكام التي تسري على إيجار الوقف :
1- يسري على إيجار الوقف أحكام إيجار الوقف الواردة بالمواد 628-633 من التقنين المدني.
وهذه الأحكام -خاصة بتعيين من يجوز له تأجير الوقف أو استئجاره أو بأجرة الوقف ومدته.
2- تسري أحكام الإيجار المنصوص عليها في التقنين المدني على إيجار الوقف فيما لم يرد بشأنه حكم في المواد 628 - 633 مدني .
3- تسري الأحكام الواردة بتشريعات إيجار الأماكن القانون رقم 49 لسنة 1977 والتشريعات السابقة عليه على إيجار الوقف الذي يرد على الأماكن المبنية الخاضعة في إيجارها لهذه التشريعات، كما تسري أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي على الأراضى الزراعية الخاصة بالوقف، وذلك باعتبار التشريعات المذكورة خاصة من ناحية ولاحقة لأحكام الإيجار فى التقنين المدني من ناحية ثانية ومتعلقة بالنظام العام من ناحية ثالثة.
ويراعى النطاق الزمني لسريان أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952.
4- إذا لم يوجد حكم فيما تقدم سري العرف، فإذا لم يوجد عرف سرت مبادئ الشريعة الإسلامية في الوقف ثم في الإيجار بوجه عام، فإذا لم يوجد حكم من ذلك سرت مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع الصفحة/ 1278)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 278
الْكِرْدَارُ :
5 - هُوَ مَا يُحْدِثُهُ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوِ النَّاظِرِ فَتَبْقَى فِي يَدِهِ وَالْمُرَادُ بِكَبْسِ التُّرَابِ مَا يَنْقُلُهُ مِنَ التُّرَابِ إِلَى تِلْكَ الأْرْضِ لإِصْلاَحِهَا إِذَا أَتَى بِهِ مِنْ خَارِجِهَا فَالْكِرْدَارُ أَعْيَانٌ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الأْرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ.
هـ - الْمُرْصَدُ :
6 - هُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلٌ عَقَارَ الْوَقْفِ مِنْ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ مَثَلاً وَيَأْذَنَ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِعِمَارَتِهِ أَوْ مَرَمَّتِهِ الضَّرُورِيَّةِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ مَالٍ حَاصِلٍ فِي الْوَقْفِ، وَعَدَمِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ يُمْكِنُ تَعْمِيرُهُ أَوْ مَرَمَّتُهُ بِهَا، فَيُعَمِّرُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْوَقْفِ عِنْدَ حُصُولِهِ أَوِ اقْتِطَاعِهِ مِنَ الأْجْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ مَثَلاً، وَهَذِهِ الْعِمَارَةُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ هِيَ وَقْفٌ، فَلاَ تُبَاعُ وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَأْجِرِ لِذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لأِنَّ الدَّيْنَ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ الْخُرُوجَ مِنَ الدُّكَّانِ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ دَيْنِهِ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ الْجَدِيدِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ لَهُ كَمَا كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ السَّابِقِ .
وَالْمُرْصَدُ هُوَ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُسْتَقِرُّ عَلَى الْوَقْفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُلُوِّ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ يَكُونُ حَقُّهُ مِلْكًا فِي مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ، وَصَاحِبُ الْمُرْصَدِ يَكُونُ لَهُ دَيْنٌ مَعْلُومٌ عَلَى الْوَقْفِ .
و - مِشَدُّ الْمَسْكَةِ :
7 - مِشَدُّ الْمَسْكَةِ اصْطِلاَحٌ لِلْحَنَفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقْصِدُونَ بِهِ اسْتِحْقَاقَ الزِّرَاعَةِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مِنَ الْمَسْكَةِ لُغَةً وَهِيَ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَكَأَنَّ الْمُسْلِمَ لِلأْرْضِ (أَيِ الأْرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ غَالِبًا) الْمَأْذُونَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهَا فِي الْحَرْثِ صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا فِي الْحَرْثِ فِيهَا. قَالَ: وَحُكْمُهَا أَنَّهَا لاَ تَقُومُ، فَلاَ تُمْلَكُ وَلاَ تُبَاعُ وَلاَ تُورَثُ .
حَقِيقَةُ مِلْكِ الْخُلُوِّ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ :
8 - قَالَ الْعَدَوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ لاَ مِنْ مِلْكِ الاِنْتِفَاعِ إِذْ مَالِكُ الاِنْتِفَاعِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ وَلاَ يُؤَجِّرُ وَلاَ يَهَبُ وَلاَ يُعِيرُ. وَمَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَهُ تِلْكَ الثَّلاَثَةُ مَعَ انْتِفَاعِهِ بِنَفْسِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَالِكَ الاِنْتِفَاعِ يَقْصِدُ ذَاتَهُ مَعَ وَصْفِهِ، كَإِمَامٍ وَخَطِيبٍ وَمُدَرِّسٍ وُقِفَ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، بِخِلاَفِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ. ثُمَّ إِنَّ مَنْ مَلَكَ الاِنْتِفَاعَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ غَيْرُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهُ وَيَأْخُذُهُ الْغَيْرُ عَلَى أَنَّهُ أَهْلُهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، وَالْخُلُوُّ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَلِذَلِكَ يُورَثُ .
وَصَرَّحَ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ كَذَلِكَ بِأَنَّ الْخُلُوَّ الْمُشْتَرَى بِالْمَالِ يَكُونُ مِنْ بَابِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ .
أَحْكَامُ الْخُلُوِّ :
9 - تَنْقَسِمُ الْعَقَارَاتُ مِنْ حَيْثُ اخْتِلاَفُ أَحْكَامِ الْخُلُوِّ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
1 - عَقَارَاتُ الأْوْقَافِ.
2 - الأْرَاضِي الأْمِيرِيَّةُ - أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ -
3 - الْعَقَارَاتُ الْمَمْلُوكَةُ مِلْكًا خَاصًّا.
وَيُقَسَّمُ الْبَحْثُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ تَبَعًا لِذَلِكَ.
الْقِسْمُ الأْوَّلُ - الْخُلُوُّ فِي عَقَارَاتِ الأْوْقَافِ :
أَحْوَالُ نُشُوءِ الْخُلُوِّ فِي عَقَارَاتِ الأْوْقَافِ: يَنْشَأُ الْخُلُوُّ فِي عَقَارَاتِ الأْوْقَافِ فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا:
10 - الْحَالَةُ الأْولَى : أَنْ يَنْشَأَ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ الْوَاقِفِ أَوِ النَّاظِرِ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ .
وَهَذِهِ الْحَالُ لَمْ نَجِدْ فِي كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ تَعَرُّضًا لَهَا، وَقَدْ قَالَ بِهَا مُتَأَخِّرُو الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ وَنَقَلَهَا عَنِ الْمَالِكِيَّةِ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْخُلُوَّ يُصَوَّرُ بِصُوَرٍ مِنْهَا:
11 - الصُّورَةُ الأْولَى : أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ آيِلاً لِلْخَرَابِ، فَيُؤَجِّرُهُ نَاظِرُ الْوَقْفِ لِمَنْ يُعَمِّرُهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْحَانُوتُ مَثَلاً يُكْرَى بِثَلاَثِينَ دِينَارًا فِي السَّنَةِ، وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَصْفِ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَتَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَبَيْنَ جِهَةِ الْوَقْفِ. وَمَا قَابَلَ الدَّرَاهِمَ الْمَصْرُوفَةَ فِي التَّعْمِيرِ هُوَ الْخُلُوُّ. قَالَ: وَشَرْطُ جَوَازِهِ أَنْ لاَ يُوجَدَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ الْوَقْفُ.
12 - الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ لِمَسْجِدٍ مَثَلاً حَوَانِيتُ مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ لِلتَّكْمِيلِ أَوِ الْعِمَارَةِ، وَلاَ يَكُونُ الرِّيعُ كَافِيًا لِلتَّكْمِيلِ أَوِ الْعِمَارَةِ، فَيَعْمِدُ النَّاظِرُ إِلَى مُكْتَرِي الْحَوَانِيتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرًا مِنَ الْمَالِ يُعَمِّرُ بِهِ الْمَسْجِدَ، وَيُنْقِصُ عَنْهُ مِنْ أُجْرَةِ الْحَوَانِيتِ مُقَابِلَ ذَلِكَ، بِأَنْ تَكُونَ الأُْجْرَةُ فِي الأْصْلِ ثَلاَثِينَ دِينَارًا فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَيَجْعَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَطْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَتَكُونُ مَنْفَعَةُ الْحَوَانِيتِ الْمَذْكُورَةُ شَرِكَةً بَيْنَ ذَلِكَ الْمُكْتَرِي وَبَيْنَ جِهَةِ الْوَقْفِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِذَلِكَ الْمُكْتَرِي هُوَ الْخُلُوُّ، وَالشَّرِكَةُ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْخُلُوِّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ.
13 - الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِيعٌ تُعَمَّرُ بِهِ وَتَعَطَّلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الدَّرْدِيرُ فَيَسْتَأْجِرُهَا مِنَ النَّاظِرِ وَيَبْنِي فِيهَا أَيْ لِلْوَقْفِ، دَارًا مَثَلاً عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا، وَلَكِنَّ الدَّارَ بَعْدَ بِنَائِهَا تُكْرَى بِسِتِّينَ دِرْهَمًا. فَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُقَابِلُ الثَّلاَثِينَ الأْخْرَى يُقَالُ لَهَا الْخُلُوُّ .
قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ: هَذَا الَّذِي أَفْتَى بِهِ عُلَمَاؤُنَا وَوَقَعَ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ. قَالَ: وَيَجِبُ تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إِذَا بَيَّنَ الْمِلْكِيَّةَ (أَيْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ يَنْوِي أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا يُقَابِلُ الْبِنَاءَ أَوِ الْغَرْسَ وَهُوَ حَقُّ الْخُلُوِّ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْنِهِ مُتَبَرِّعًا بِهِ لِلْوَقْفِ) قَالَ: أَمَّا إِنْ بَيَّنَ التَّحْبِيسَ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا فَالْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَقْفٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، لاَ حَقَّ فِيهِمَا لِوَرَثَةِ الْبَانِي وَالْغَارِسِ؛ لأِنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ إِنَّمَا بَنَى لِلْوَقْفِ، وَمِلْكُهُ فَهُوَ مَحُوزٌ بِحَوْزِ الأْصْلِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ فِي حَالِ بِنَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ أَوْ غَرْسِهِ فِي الأْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ، أَمَّا لَوْ بَنَى الأْجْنَبِيُّ فِي الْوَقْفِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا، وَالْغَرْسُ كَالْبِنَاءِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكًا فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إِنْ كَانَ فِي الْوَقْفِ مَا يُدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، هَذَا إِنْ كَانَ مَا بَنَاهُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَقْفُ، وَإِلاَّ فَيُوَفَّى ثَمَنُهُ مِنَ الْغَلَّةِ قَطْعًا، بِمَنْزِلَةِ مَا إِذَا بَنَاهُ النَّاظِرُ .
14 - الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يُرِيدَ الْوَاقِفُ بِنَاءَ مَحَلاَّتٍ لِلْوَقْفِ، فَيَأْتِيَ لَهُ أَشْخَاصٌ يَدْفَعُونَ لَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ مَحَلٌّ مِنْ تِلْكَ الْمَحَلاَّتِ يَسْكُنُهَا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ يَدْفَعُهَا كُلَّ شَهْرٍ، فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ بَاعَهُمْ حِصَّةً مِنْ تِلْكَ الْمَحَلاَّتِ قَبْلَ التَّحْبِيسِ وَحُبِسَ الْبَاقِي، فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ تَصَرُّفٌ فِي تِلْكَ الْمَحَلاَّتِ، لَكِنْ لَهُ الأْجْرَةُ الْمَعْلُومَةُ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ، وَكَأَنَّ دَافِعَ الدَّرَاهِمِ شَرِيكٌ لِلْوَاقِفِ بِتِلْكَ الْحِصَّةِ .
وَقَالَ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ: « رُبَّمَا بِفِعْلِهِ تَكْثُرُ الأْوْقَافُ، وَمِمَّا بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ عَمَّرَ مِثْلَ ذَلِكَ بِأَمْوَالِ التُّجَّارِ، وَلَمْ يَصْرِفْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ، بَلْ فَازَ بِقُرْبَةِ الْوَقْفِ، وَفَازَ التُّجَّارُ بِالْمَنْفَعَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَلَى أُمَّتِهِ وَالدِّينُ يُسْرٌ وَلاَ مَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ فِي الدِّينِ » . ا. هـ .
15 - صُورَةٌ خَامِسَةٌ: تُضَافُ إِلَى الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْعَدَوِيُّ : وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ حَقَّ الْخُلُوِّ شِرَاءً مِنَ النَّاظِرِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَقْفُ نَفْسُهُ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ الْعَدَوِيِّ نَفْسِهِ وَكَلاَمِ غَيْرِهِ عَدَمُ صِحَّةِ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ كَمَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ. وَوَجْهُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ كَبَيْعِ جُزْءٍ مِنَ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ، إِذْ أَنَّ قِيمَتَهُ إِذَا كَانَ مُحَمَّلاً بِحَقِّ الْخُلُوِّ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحَمَّلاً بِذَلِكَ الْحَقِّ، وَجَازَ فِي الصُّوَرِ الأْرْبَعِ السَّابِقَةِ لأِنَّهُ يَكُونُ قَدْ نَقُصَ مِنَ الْوَقْفِ لِيُعِيدَهُ فِيهِ مَعَ حَاجَةِ الْوَقْفِ إِلَى ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَنَابِلَةَ لَمَّا أَجَازُوا بَيْعَ الْوَقْفِ إِذَا خَرِبَ وَتَعَطَّلَ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ:
الْخُلُوَّاتُ الْمَشْهُورَةُ مُمْكِنٌ تَخْرِيجُهَا عِنْدَنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - أَيْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَقْفِ الْخَرِبِ - مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ مُفْرَدَةً عَنِ الْعَيْنِ كَعُلُوِّ بَيْتٍ يُبْنَى عَلَيْهِ، إِذِ الْعِوَضُ فِيهَا مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الدَّارِ عِشْرِينَ مَثَلاً، وَدَفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ شَيْئًا مَعْلُومًا عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ عَشَرَةٌ فَقَطْ فَقَدِ اشْتَرَى نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ وَبَقِيَ لِلْوَقْفِ نِصْفُهَا، فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا بَيْعُ الْوَقْفِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لأِنَّ فِيهِ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَنَقَلَ هَذَا صَاحِبُ مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ .
وَوَاضِحٌ أَنَّ الْبُهُوتِيَّ لاَ يَرَى جَوَازَ إِنْشَاءِ الْخُلُوِّ بِمَالٍ عَلَى الإْطْلاَقِ، بَلْ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ لإِصْلاَحِ بَاقِيهِ، وَحَاصِلُ شُرُوطِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِ الْوَقْفِ لإِصْلاَحِ بَاقِيهِ إِذَا لَمْ تُمْكِنْ إِجَارَتُهُ وَأَنْ يَتَّحِدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ إِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ فَتُبَاعُ إِحْدَاهُمَا لإِصْلاَحِ الأْخْرَى ، أَوْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً يُمْكِنُ بَيْعُ بَعْضِهَا لإِصْلاَحِ بَاقِيهَا .
وَكَذَلِكَ صُورَةُ مَا لَوِ اسْتَقَرَّ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ لاَ يُعْطِيهِ ذَلِكَ حَقَّ الْخُلُوِّ، وَلاَ يَلْزَمُ النَّاظِرَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إِنْ شَاءَ مَتَى انْتَهَتْ إِجَارَتُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِنَاءٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُسَمَّى الْجَدَكَ أَوِ الْكِرْدَارَ فِي الأْرْضِ فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ يُؤْمَرُ بِرَفْعِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ إِذْنِ أَحَدِ النُّظَّارِ .
وَلَوْ تَلَقَّى الْمُسْتَأْجِرُ الْعَقَارَ عَنْ مُسْتَأْجِرٍ قَبْلَهُ بِمَالٍ فَلاَ يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ حَقُّ الْخُلُوِّ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَمَّا مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ صَاحِبُ الْخُلُوِّ مِنْ أَنَّهُ اشْتَرَى خُلُوَّهُ بِمَالٍ كَثِيرٍ وَأَنَّهُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ (يَنْبَغِي أَنْ) تَصِيرَ أُجْرَةُ الْوَقْفِ شَيْئًا قَلِيلاً، فَهُوَ تَمَسُّكٌ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ الأْوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلْوَقْفِ، فَيَكُونُ الدَّافِعُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ ظُلْمُ الْوَقْفِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ .
الْحُكْمُ فِي لُزُومِ الْخُلُوِّ فِي الْحَالِ الأْولَى بِصُوَرِهَا الأْرْبَعِ أَوْ عَدَمُ لُزُومِهِ :
16 - الْخُلُوُّ الَّذِي يَنْشَأُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُقَابِلَ مَالٍ يَدْفَعُهُ إِلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ اعْتَبَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ نَوْعًا مِنْ بَيْعِ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْحُقُوقُ الْمُجَرَّدَةُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْوَظَائِفِ فِي الأْوْقَافِ مِنْ إِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَتَدْرِيسٍ فِي جَوَازِ النُّزُولِ عَنْهَا بِمَالٍ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ. فَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ وَمِنْهَا الْخُلُوُّ. قَالَ الشَّهِيدُ: لاَ نَأْخُذُ بِاسْتِحْسَانِ مَشَايِخِ بَلْخٍ بَلْ نَأْخُذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لأِنَّ التَّعَامُلَ فِي بَلَدٍ لاَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الاِسْتِمْرَارِ مِنَ الصَّدْرِ الأْوَّلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ شَرْعًا مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لاَ يَكُونُ فِعْلُهُمْ حُجَّةً إِلاَّ إِذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ كَافَّةً فِي الْبُلْدَانِ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَأْنُ الْخُلُوِّ. ا. هـ.
قَالَ الشُّرُنْبُلاَلِيُّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلأِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِخْرَاجِ صَاحِبِ الْحَانُوتِ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ حَجْرُ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ عَنْ مِلْكِهِ وَإِتْلاَفُ مَالِهِ. وَفِي مَنْعِ النَّاظِرِ مِنْ إِخْرَاجِهِ تَفْوِيتُ نَفْعِ الْوَقْفِ وَتَعْطِيلُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ إِقَامَةِ شَعَائِرِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ الْحَصْكَفِيُّ: لَكِنْ أَفْتَى كَثِيرُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ يُفْتَى بِجَوَازِ النُّزُولِ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ، وَبِلُزُومِ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ، فَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ، فَلَيْسَ لِرَبِّ الْحَانُوتِ إِخْرَاجُهُ مِنْهَا وَلاَ إِجَارَتُهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ فِي حَوَانِيتِ الْجَمَلُونِ فِي الْغُورِيَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ لَمَّا بَنَاهَا أَسْكَنَهَا لِلتُّجَّارِ بِالْخُلُوِّ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ حَانُوتٍ قَدْرًا أَخَذَهُ مِنْهُمْ، وَكَتَبَ ذَلِكَ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ.
وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي بِنَاءِ الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعُرْفِ الْخَاصِّ.
وَقَدْ مَالَ الْحَمَوِيُّ إِلَى عَدَمِ إِثْبَاتِ الْخُلُوِّ وَعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ وَأَنَّهُ أَلَّفَ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً سَمَّاهَا « مُفِيدَةُ الْحُسْنَى فِي مَنْعِ ظَنِّ الْخُلُوِّ بِالسُّكْنَى .»
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِمَّنْ أَفْتَى بِلُزُومِ الْخُلُوِّ الَّذِي يَكُونُ مُقَابِلَ مَالٍ يَدْفَعُهُ لِلْمَالِكِ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ الْعَلاَّمَةُ الْمُحَقِّقُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ قَالَ: فَلاَ يَمْلِكُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ إِخْرَاجَهُ مِنْهَا وَلاَ إِجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ، فَيُفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ الَّذِي تَعَارَفَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ . ا. هـ
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ لِلرَّمْلِيِّ الْحَنَفِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلاَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُعْتَبَرٌ - يَعْنِي خِلاَفَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الشَّيْخُ نَاصِرٌ اللَّقَانِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، قَالَ: فَيَقَعُ الْيَقِينُ بِارْتِفَاعِ الْخِلاَفِ بِالْحُكْمِ (أَيْ حُكْمِ الْقَاضِي) حَيْثُ اسْتَوْفَى شَرَائِطَهُ مِنْ مَالِكِيٍّ يَرَاهُ، أَوْ غَيْرِهِ، فَيَصِحُّ الْحُكْمُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلاَفُ، خُصُوصًا فِيمَا لِلنَّاسِ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ وَلاَ سِيَّمَا فِي الْمُدُنِ الْمَشْهُورَةِ كَمِصْرَ وَمَدِينَةِ الْمُلْكِ - يَعْنِي إِسْتَانْبُولَ - فَإِنَّهُمْ يَتَعَاطَوْنَهُ وَلَهُمْ فِيهِ نَفْعٌ كُلِّيٌّ يَضُرُّ بِهِمْ نَقْصُهُ وَإِعْدَامُهُ . هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّ أَوَّلَ فُتْيَا مَنْقُولَةٍ عِنْدَهُمْ هِيَ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فِي إِنْشَاءِ الْخُلُوِّ وَتَمَلُّكِهِ وَجَرَيَانِ الإْرْثِ فِيهِ، وَنَصُّهَا مَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ كَمَا يَلِي: (سُئِلَ الْعَلاَّمَةُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ) بِمَا نَصُّهُ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ فِي خُلُوَّاتِ الْحَوَانِيتِ الَّتِي صَارَتْ عُرْفًا بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَذَلَتِ النَّاسُ فِي ذَلِكَ مَالاً كَثِيرًا حَتَّى وَصَلَ الْحَانُوتُ فِي بَعْضِ الأْسْوَاقِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ ذَهَبًا فَهَلْ إِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ شَرْعِيٌّ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِهِ عَمَلاً بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ أَمْ لاَ، وَهَلْ إِذَا مَاتَ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ أَمْ لاَ، وَهَلْ إِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يُخَلِّفْ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ يُوَفَّى ذَلِكَ مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ ؟
أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: نَعَمْ إِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَلَهُ وَارِثٌ شَرْعِيٌّ يَسْتَحِقُّ خُلُوَّ حَانُوتِهِ عَمَلاً بِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا مَاتَ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بَيْتُ الْمَالِ، وَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يُخَلِّفْ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُوَفَّى مِنْ خُلُوِّ حَانُوتِهِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ كَتَبَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ الْمَالِكِيُّ حَامِدًا مُصَلِّيًا مُسْلِمًا.
وَأَوْرَدَهَا الزُّرْقَانِيُّ وَنُقِلَ أَنَّ التَّعْوِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا.
وَقَالَ الْحَمَوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى فَتْوَى اللَّقَانِيِّ وَالْقَبُولُ الَّذِي حَظِيَتْ بِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ .
وَقَالَ الْغَرْقَاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ فَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ مُخَرَّجَةٌ عَلَى النُّصُوصِ، وَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَاشْتَهَرَتْ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَانْحَطَّ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَوَافَقَهُ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَأَخِيهِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ اللَّقَانِيِّ
حَقُّ مَالِكِ الْخُلُوِّ فِي الاِسْتِمْرَارِ فِي الْعَقَارِ إِنْ كَانَ مُقَابِلَ مَالٍ (أَيْ فِي الْحَالِ الأْولَى ) :
17 - حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ عِنْدَ إِنْشَاءِ الْخُلُوِّ عَلَى اسْتِمْرَارِ حَقِّ صَاحِبِهِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الإْطْلاَقِ، قَالَ الْعَدَوِيُّ: جَرَى الْعُرْفُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الأْحْكَارَ مُسْتَمِرَّةٌ لِلأْبَدِ، وَإِنْ عَيَّنَ فِيهَا وَقْتَ الإْجَارَةِ مُدَّةً، فَهُمْ لاَ يَقْصِدُونَ خُصُوصَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْعُرْفُ عِنْدَنَا كَالشَّرْطِ، فَمَنِ احْتَكَرَ أَرْضًا مُدَّةً وَمَضَتْ فَلَهُ أَنْ يَبْقَى وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَمْرَ الْوَقْفِ إِخْرَاجُهُ، نَعَمْ إِنْ حَصَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الإْخْرَاجِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الأْبَدِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِذَلِكَ .
لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ضَرْبَ الأْجَلِ يَصِيرُ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يُقَالَ: ضَرَبَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَقْبُوضِ وَمَعَهُ تَأْبِيدُ الْحَكْرِ، فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ عُجِّلَتْ فِي نَظِيرِ شَيْئَيْنِ: الأْجَلِ الْمَضْرُوبِ، وَالتَّأْبِيدِ بِالْحَكْرِ، وَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ .
وَإِنَّمَا تَصِحُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْبَلَدُ قَدْ جَرَى فِيهَا ذَلِكَ الْعُرْفُ، فَيَقُومُ مَقَامَ الشَّرْطِ، وَإِلاَّ فَلاَ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَيْءٍ مُؤَجَّرٍ مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ الإْجَارَةِ الأْوْلَى لِلْمُسْتَأْجِرِ نَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، مَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِعَدَمِ إِيجَارِهَا إِلاَّ لِلأْوَّلِ، كَالأْحْكَارِ بِمِصْرَ، وَإِلاَّ عُمِلَ بِهِ؛ لأِنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ، وَصُورَةُ ذَلِكَ إِذَا اسْتَأْجَرَ إِنْسَانٌ دَارًا مَوْقُوفَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ بِالْبِنَاءِ فِيهَا لِيَكُونَ لَهُ خُلُوًّا وَجَعَلَ لَهُ حَكْرًا كُلَّ سَنَةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا مُدَّةَ إِيجَارِ الأْوَّلِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِأَنَّهُ لاَ يَسْتَأْجِرُهَا إِلاَّ الأْوَّلُ ، وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ .
وَقَدْ بَيَّنَ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَالِكِ الْخُلُوِّ فِي اسْتِئْجَارِ عَقَارِ الْوَقْفِ لِمُدَّةٍ لاَحِقَةٍ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ إِنْ كَانَ يَدْفَعُ مِنَ الأْجْرِ مِثْلَ مَا يَدْفَعُ غَيْرُهُ وَإِلاَّ جَازَ إِيجَارُهَا لِلْغَيْرِ . وَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ قَالَ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ أَجْرَ الْمِثْلِ، وَإِلاَّ كَانَتْ سُكْنَاهُ بِمُقَابَلَةِ مَا دَفَعَهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ عَيْنُ الرِّبَا، كَمَا قَالُوا فِيمَنْ دَفَعَ لِلْمُقْرِضِ دَارًا لِيَسْكُنَهَا إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَرْضَهُ: يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّارِ .
وَقَدْ بَيَّنَ الزُّرْقَانِيُّ أَنَّ الاِسْتِمْرَارَ فِي الْمَأْجُورِ هُوَ الْفَائِدَةُ فِي الْخُلُوِّ إِذْ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإْجَارَةِ الْمُعْتَادَةِ، قَالَ: « الْمُسْتَأْجِرُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَمَا مَعْنَى الْخُلُوِّ وَمَا فَائِدَتُهُ، إِلاَّ أَنْ يُقَالَ فِي فَائِدَتِهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ نَاظِرًا أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ مُشَاهَرَةً، فَتَأَمَّلْهُ ».
وَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ حَقِّ الاِسْتِمْرَارِ إِنَّمَا هُوَ الْمَصْلَحَةُ قَالَ: وَقَعَتِ الْفَتْوَى مِنْ شُيُوخِ فَاسَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالشَّيْخِ الْقَصَّارِ، وَابْنِ عَاشِرٍ، وَأَبِي زَيْدٍ الْفَاسِيِّ وَعَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيِّ، وَأَضْرَابِهِمْ بِمِثْلِ فَتْوَى النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ وَأَخِيهِ شَمْسِ الدِّينِ جَرَى الْعُرْفُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَهِيَ عِنْدَهُمْ كِرَاءٌ عَلَى التَّبْقِيَةِ .
مِقْدَارُ الأْجْرَةِ (الْحَكْرِ) الَّتِي يَدْفَعُهَا صَاحِبُ الْخُلُوِّ :
18 - لاَ يَخْفَى أَنَّ الْوَقْفَ إِنَّمَا يُؤَجَّرُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَجْرِ الْمِثْلِ إِلاَّ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ عَادَةً، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ تُؤَجَّرُ دَارُ الْوَقْفِ أَوْ دُكَّانُهُ لأِكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَأَرْضُ الْوَقْفِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ، وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مَبَاحِثِ الإْجَارَةِ
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ زِيَادَةً مُعْتَبَرَةً وَجَبَ فَسْخُ الْعَقْدِ وَإِجَارَتُهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَقْبَلِ الْمُسْتَأْجِرُ الزِّيَادَةَ. أَمَّا إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ فَلِلنَّاظِرِ إِجَارَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ إِخْرَاجُهُ عَنْهُ وَإِجَارَتُهُ لِغَيْرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ . (عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ)، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمَكَانِ خُلُوٌّ صَحِيحٌ، أَوْ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْقَرَارِ كَمَا يَأْتِي فَلاَ يَمْلِكُ إِخْرَاجَهُ.
فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْخُلُوِّ بِمَالٍ دَفَعَهُ لِلْوَاقِفِ أَوِ النَّاظِرِ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ طِبْقًا لِلصُّوَرِ وَالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَدْ بَيَّنَ الدُّسُوقِيُّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَالِكِ الْخُلُوِّ الاِسْتِئْجَارَ لِمُدَّةٍ لاَحِقَةٍ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ إِنْ كَانَ يَدْفَعُ مِنَ الأْجْرِ مِثْلَ مَا يَدْفَعُ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ جَازَ إِيجَارُهُ لِلْغَيْرِ . وَالْمُرَادُ مِثْلُ إِيجَارِ الْمَكَانِ خَالِيًا عَنِ الإْضَافَةِ الَّتِي قَابَلَتِ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إِلَى الْوَاقِفِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ لَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَ الْخُلُوِّ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ يَلْزَمُ ضَيَاعُ حَقِّهِمْ. اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَهُ الْمُتَوَلِّي صَرَفَهُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ حَيْثُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى عِمَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مَعَ دَفْعِ ذَلِكَ الْمَبْلَغِ اللاَّزِمِ لِلْعِمَارَةِ. وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا دَفَعَهُ صَاحِبُ الْخُلُوِّ لِلْوَاقِفِ أَوِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَإِلَى مَا يُنْفِقُهُ فِي مَرَمَّةِ الدُّكَّانِ وَنَحْوِهَا، فَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَرْغَبُونَ فِي دَفْعِ جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَأْجِرُونَ الدُّكَّانَ بِمِائَةٍ مَثَلاً فَالْمِائَةُ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلاَ يُنْظَرُ إِلَى مَا دَفَعَهُ هُوَ لِصَاحِبِ الْخُلُوِّ السَّابِقِ مِنْ مَالٍ كَثِيرٍ طَمَعًا فِي أَنَّ أُجْرَةَ هَذَا الدُّكَّانِ عَشَرَةُ مَثَلاً؛ لأِنَّ مَا دَفَعَهُ مِنْ مَالٍ كَثِيرٍ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلْوَقْفِ أَصْلاً بَلْ هُوَ مَحْضُ ضَرَرٍ بِالْوَقْفِ حَيْثُ لَزِمَ مِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدُّكَّانِ بِدُونِ أُجْرَتِهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ. وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَا يَعُودُ نَفْعُهُ لِلْوَقْفِ فَقَطْ .
الشُّرُوطُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا مِلْكُ الْخُلُوِّ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ :
19 - قَالَ الأْجْهُورِيُّ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُلُوِّ أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الْمَدْفُوعَةُ (أَيْ مِنَ السَّاكِنِ الأْوَّلِ) عَائِدَةً عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِهِ.
قَالَ: فَمَا يُفْعَلُ الآْنَ مِنْ أَخْذِ النَّاظِرِ الدَّرَاهِمَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْخُلُوَّ، وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ وَيَجْعَلُ لِدَافِعِهَا خُلُوًّا فِي الْوَقْفِ فَهَذَا الْخُلُوُّ غَيْرُ صَحِيحٍ وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ.
قَالَ: وَمِنَ الشُّرُوطِ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يُعَمَّرُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ رِيعٌ يُعَمَّرُ بِهِ مِثْلُ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ الْكَثِيرَةِ فَيُصْرَفُ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَلاَ يَصِحُّ فِيهِ خُلُوٌّ، وَيَرْجِعُ دَافِعُ الدَّرَاهِمِ بِهَا عَلَى النَّاظِرِ.
لأِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَتِمَّ، لِظُهُورِ عَدَمِ صِحَّةِ خُلُوِّهِ.
وَمِنْهَا ثُبُوتُ الصَّرْفِ فِي مَنَافِعِ الْوَقْفِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، فَلَوْ صَدَّقَهُ النَّاظِرُ عَلَى الصَّرْفِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ، وَلاَ ظُهُورِ عِمَارَةٍ إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَنْفَعَةُ، لَمْ يُعْتَبَرْ لأِنَّ النَّاظِرَ لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَصْرِفِ الْوَقْفِ .
بَيْعُ صَاحِبِ الْخُلُوِّ خُلُوَّهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ :
20 - إِذَا أَنْشَأَ الْمُسْتَأْجِرُ خُلُوَّهُ بِمَالٍ دَفَعَهُ إِلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ بِشُرُوطِهِ الْمُبَيَّنَةِ سَابِقًا صَارَ الْخُلُوُّ مِلْكًا لَهُ، وَأَصْبَحَ مِنْ حَقِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَالإْجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالْهِبَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَلاَمِ مَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَوَاضِحٌ أَنَّهُ إِذَا بَاعَ صَاحِبُ الْخُلُوِّ خُلُوَّهُ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ بِالْوَجْهِ الصَّحِيحِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَوْصَى بِهِ فَلِمَنْ صَارَ إِلَيْهِ الْخُلُوُّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا كَانَ لِمَنْ قَبْلَهُ.
وَصَرَّحَ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْخُلُوَّاتِ إِذَا اشْتُرِيَتْ بِالْمَالِ مِنَ الْمَالِكِ تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِمُشْتَرِيهَا مُشَاعًا لأِنَّهُ يَكُونُ قَدِ اشْتَرَى نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ مَثَلاً وَعَلَى هَذَا لاَ تَصِحُّ إِجَارَةُ الْخُلُوِّ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدِ التَّصْرِيحَ عِنْدَهُمْ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْخُلُوِّ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ يَرَاهُ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ .
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ أَخْرَجَ النَّاظِرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَكَانِ أَوْ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ فَفِي فَتْوَى الْعِمَادِيِّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ .
شُفْعَةُ صَاحِبِ الْخُلُوِّ :
21 - مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْعَدَوِيُّ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَرْضًا بِثَلاَثِينَ دِينَارًا فِي كُلِّ عَامٍ مَثَلاً وَبَنَوْا عَلَيْهَا دَارًا وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ، فَحَقُّهُمْ يُقَالُ لَهُ الْخُلُوُّ، فَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ فِي الْبِنَاءِ فَلِشُرَكَائِهِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ .
وَمِنْ صُوَرِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الأْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَهُ خُلُوٌّ فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ وَكَانَ خُلُوُّهُ عِبَارَةً عَنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالأْرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ شُفْعَةَ لَهُ وَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ .
وَقْفُ الْخُلُوِّ :
22 - رَجَّحَ جُمْهُورُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخُلُوَّ يَجُوزُ وَقْفُهُ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ بَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا الْبَعْضُ الثَّانِي هُوَ الْخُلُوُّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَقْفُ. وَبِمِثْلِهِ قَالَ الرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ خَرَّجَهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَاءِ إِنْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لاَ يَأْبَاهُ وَلَيْسَ فِي كَلاَمِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ: عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخُلُوُّ لِكِتَابِيٍّ فِي وَقْفِ مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى كَنِيسَةٍ مَثَلاً.
وَالرَّأْيُ الآْخَرُ لَدَى كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الشِّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ الْخُلُوَّاتِ لاَ يَجُوزُ وَقْفُهَا؛ لأِنَّ هَا مَنْفَعَةُ وَقْفٍ، وَمَا تَعَلَّقَ الْوَقْفُ بِهِ لاَ يُوقَفُ .
وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ وَعَلِيٌّ الأْجْهُورِيُّ، قَالَ الأْجْهُورِيُّ: مَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ، لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحَبْسُ لاَ يُحْبَسُ، وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ، وَاللاَّزِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلاً، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ. قَالَ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلاَنَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ . وَوَافَقَ الأْجْهُورِيُّ عَلَى فُتْيَاهُ هَذِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي، ثُمَّ لَمَّا رُوجِعَ بِفَتْوَى اللَّقَانِيِّ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَإِرْثِهَا أَفْتَى بِجَوَازِ وَقْفِهَا قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْفَتْوَى بِجَوَازِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَلَمْ يُخَالِفِ الأْجْهُورِيُّ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، كَالْبَيْعِ، وَالإْجَارَةِ، وَالإْعَارَةِ وَالرَّهْنِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ. وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ غَرْسِهِ فِيهَا. مِمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَالأْصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الأْرْضِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْرْضُ مَمْلُوكَةً أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَفْتَى بِذَلِكَ الْعَلاَّمَةُ قَاسِمٌ، وَعَزَاهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِلَى هِلاَلٍ وَالْخَصَّافِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَحَيْثُ تُعُورِفَ وَقْفُهُ جَازَ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: إِنَّ النَّاسَ مُنْذُ زَمَنٍ قَدِيمٍ نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ عَلَى جَوَازِهِ، وَالأْحْكَامُ بِهِ مِنَ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ ا. هـ. وَأَمَّا إِذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتِ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ، وَحَرَّرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ الْقَوْلَ الأَْوَّلَ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَابِدِينَ. قَالَ: لأِنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، وَالأْرْضُ إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا وَأَمْرُهُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ذَلِكَ، فَلاَ يَكُونُ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ مُعَدَّةً لِلاِحْتِكَارِ؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ يَبْقَى فِيهَا كَمَا إِذَا كَانَ وَقْفُ الْبِنَاءِ عَلَى جِهَةِ وَقْفِ الأْرْضِ فَإِنَّهُ لاَ مُطَالِبَ لِنَقْضِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ جَوَازِ وَقْفِهِ إِذَا كَانَ مُتَعَارَفًا.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الدُّرِّ أَنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ سُئِلَ عَنِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ ؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَوَقْفُ الشَّجَرِ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ. أَمَّا مُجَرَّدُ الْكَبْسِ بِالتُّرَابِ أَيْ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مُسْتَهْلَكٌ كَالسَّمَادِ فَلاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ، وَنُقِلَ عَنِ الإْسْعَافِ فِي أَحْكَامِ الأْوْقَافِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ مَا بُنِيَ فِي الأْرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مُتَقَرِّرَةً لِلاِحْتِكَارِ . وَمَا يُسَمَّى الْكَدَكَ أَوِ الْجَدَكَ فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ بِخِلاَفِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ .
إِرْثُ الْخُلُوَّاتِ :
23 - الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْخُلُوَّ يُمْلَكُ وَيُبَاعُ وَيُرْهَنُ ذَهَبُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُورَثُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ فُتْيَا اللَّقَانِيِّ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ مَنْ وَافَقُوهُ عَلَيْهَا . (ف 16).
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الأْوْقَافِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ يُمْلَكُ، يُورَثُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
تَكَالِيفُ الإْصْلاَحَاتِ :
24 - عَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ أَوْ أَصْحَابِهِ مَا يَقُومُونَ بِهِ مِنَ الإْصْلاَحَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكُوا فِي بِنَاءٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ اكْتَرَوْهُ مِنْ نَاظِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا لَوْ عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ حَانُوتَ الْوَقْفِ إِذَا تَخَرَّبَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خُلُوًّا .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَحْوَالِ نُشُوءِ حَقِّ الْخُلُوِّ فِي عَقَارَاتِ الأْوْقَافِ :
25 - أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ حَقُّ الْقَرَارِ بِسَبَبِ مَا يُنْشِئُهُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ إِذَا أَنْشَأَهُ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لأِجْلِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ، وَخُلُوًّا يَنْتَفِعُ بِهِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (الْكِرْدَارَ) أَوْ مَا يُنْشِئُهُ كَذَلِكَ فِي مَبْنَى الْوَقْفِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مُتَّصِلٍ اتِّصَالَ قَرَارٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (الْجَدَكَ) قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، فَتَبْقَى فِي يَدِهِ. وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْقُنْيَةِ وَالزَّاهِدِيِّ، قَالَ الزَّاهِدِيُّ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. ا. هـ .
لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي الْبَقَاءِ ضَرَرٌ لَمْ يَجِبِ الاِسْتِبْقَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ وَارِثُهُ مُفَلِّسًا، أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَصْلُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: « حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ، وَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الأْرْضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ »، قَالُوا: « إِنْ كَانَتِ الْعِمَارَةُ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يَسْتَأْجِرُ الأْصْلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ وَيُؤَجِّرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الأْجْرِ » .
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الأْصْلَ فِي الإْجَارَةِ أَنَّهُ إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ فَالنَّاظِرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدَ الإْجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ أَوْ لاَ يُجَدِّدَهُ بَلْ تَنْتَهِي الإْجَارَةُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ. لَكِنَّ اسْتِبْقَاءَ الأْرْضِ الْوَقْفِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ إِنْ بَنَى عَلَيْهَا مُسْتَأْجِرُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَوْلَوِيٌّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ النَّاسُ كَثِيرًا .
وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ أَفْتَى بِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ أَنْ لاَ تُجَدَّدَ الإْجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْوَقْفِ، كَمَا أَنَّ حَقَّ الاِسْتِبْقَاءِ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لَوْ طُولِبَ بِرَفْعِ جَدَكَةٍ أَوْ كِرْدَارَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِيجَارُ الْوَقْفِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ زَادَ أَجْرُهُ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَبُولُ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ.
وَالْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ أُجْرَةُ الْوَقْفِ فِي نَفْسِهِ لِزِيَادَةِ الرَّغْبَةِ، لاَ زِيَادَةَ مُتَعَنِّتٍ، وَلاَ بِمَا يَزِيدُ بِعِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ يَزُولُ الْمُسَوِّغُ لِلْفَسْخِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ دَاعٍ. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْمُسْتَأْجِرُ الاِلْتِزَامَ بِالزِّيَادَةِ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الإْجَارَةِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَسَخَهَا الْقَاضِي، وَيُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي مِنْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا إِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ، فَبَعْدَ انْتِهَائِهَا أَوْلَى.
هَذَا وَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَا صَنَعَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ وَضْعِ غِرَاسِهِ، أَوْ بِنَائِهِ، أَوْ جَدَكَةٍ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكًا وَخُلُوًّا، فَإِنْ وَضَعَهُ دُونَ إِذْنٍ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ، وَلاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ الإْجَارَةِ لَهُ .
أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ جَدَكٌ وَلاَ كِرْدَارٌ فَلاَ يَكُونُ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْقَرَارِ فَلاَ يَكُونُ أَحَقَّ بِالاِسْتِئْجَارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهِ، سَوَاءٌ أَزَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ قَبِلَ الزِّيَادَةَ أَمْ لاَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ إِنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ، وَشُرُوحٍ، وَحَوَاشٍ، وَفِيهِ الْفَسَادُ وَضَيَاعُ الأْوْقَافِ، حَيْثُ إِنَّ بَقَاءَ أَرْضِ الْوَقْفِ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَاحِدٍ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى دَعْوَى تَمَلُّكِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ تَطْوِيلِ الإْجَارَةِ فِي الْوَقْفِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ. ا. هـ إِذِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِلْبِنَاءِ، وَثَلاَثَ سِنِينَ لِلأْرْضِ .
وَلَوْ كَانَ لإِنْسَانٍ حَقُّ الْقَرَارِ فِي عَقَارٍ وُقِفَ بِسَبَبِ كِرْدَارَهِ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْكِرْدَارُ زَالَ حَقُّهُ فِي الْقَرَارِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي أَرْضٍ فَنِيَتْ أَشْجَارُهَا، وَذَهَبَ كِرْدَارُهَا وَيُرِيدُ مُحْتَكِرُهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ تَحْتَ يَدِهِ بِالْحَكْرِ السَّابِقِ وَهُوَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ: قَالَ: لاَ يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، بَلِ النَّاظِرُ يَتَصَرَّفُ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ لِجَانِبِ الْوَقْفِ مِنْ دَفْعِهَا بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ، أَوْ إِجَارَتِهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْحَكْرُ لاَ يُوجِبُ لِلْمُسْتَحْكِرِ اسْتِبْقَاءَ الأْرْضِ فِي يَدِهِ أَبَدًا عَلَى مَا يُرِيدُ وَيَشْتَهِي .
ثُمَّ قَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا الْجَدَكَ الْمُتَّصِلَ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْمَوْضُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبِينِ قَالَ فِيهِ أَبُو السُّعُودِ: إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خُلُوٌّ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ كَالْخُلُوِّ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِعْلاً، أَوْ غَرَسَ فِعْلاً، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ انْفَسَخَتِ الإِْجَارَةُ وَفَاتَ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ الْحَقُّ .
بَيْعُ الْخُلُوِّ الثَّابِتِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ :
26 - إِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، أَوْ حَوَانِيتِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ سَابِقًا وَوَضَعَ أَبْنِيَةً أَوْ جَدَكًا ثَابِتًا، أَوْ أَشْجَارًا فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَا يَضَعُهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَيْعُ مَا أَحْدَثَهُ مِنَ الأْعْيَانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَجْرِ الأْرْضِ خَالِيَةً عَمَّا أَحْدَثَهُ فِيهَا، وَكَذَا الْحَانُوتُ .
أَمَّا الأْرْضُ الْمَوْقُوفَةُ إِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ كَانَ اسْتِئْجَارُهَا عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ لَكِنْ لَمْ يَبْنِ فِعْلاً، أَوْ بَنَى شَيْئًا فَفَنِيَ وَزَالَ فَلاَ يُبَاعُ ذَلِكَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأِنَّهُ مُجَرَّدٌ. وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ لِلْفَرَاغِ عَنْ ذَلِكَ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَالِيٍّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّنَازُلِ عَنِ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ بِمَالٍ. فَفِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَصْلاً، وَنُقِلَ فِي وَاقِعَةٍ: حَكَمَ بِصِحَّتِهِ قَاضٍ حَنْبَلِيٌّ نَفَذَ لَوْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، لَكِنْ قَالَ إِنَّهُ لاَ يَنْفُذُ لأِنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ (لاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ فِي الأْوْقَافِ الأَْهْلِيَّةِ، وَأَوْقَافِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ أَذِنَ فِي ذَلِكَ النَّاظِرُ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ، بَلْ لِلنَّاظِرِ إِيجَارُهَا وَصَرْفُ أُجْرَتِهَا فِي جِهَاتِ الْوَقْفِ، وَلاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ إِلاَّ فِي مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ وَضُرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ) .
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ دَفَعَهَا النَّاظِرُ لِمُزَارِعٍ يَزْرَعُهَا بِالْحِصَّةِ هَلْ يَمْلِكُ الْمُزَارِعُ دَفْعَهَا لِمُزَارِعٍ آخَرَ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فِي مُقَابِلِهَا، أَمْ لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلاَ فَرَاغُهُ، وَيَرْجِعُ الْمُزَارِعُ الثَّانِي عَلَى الأْوَّلِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ مَالٍ ؟
فَأَجَابَ: أَرْضُ الْوَقْفِ لاَ يَمْلِكُهَا الْمُزَارِعُ وَلاَ تَصَرُّفَ لَهُ فِيهَا بِالْفَرَاغِ عَنْ مَنْفَعَتِهَا بِمَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُ مُزَارِعٌ آخَرُ لِيَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَ الأْوَّلِ بِهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ، لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ بِمَالٍ، فَإِذَا أَخَذَ مَالاً فِي مُقَابَلَةِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ شَرْعًا. وَالْوَقْفُ مُحَرَّمٌ بِحُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ. وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَابِدِينَ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ (تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالإْجَارَةِ) وَقَالَ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ يَأْخُذُهُ، ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ الْمُسْقَطَ لَهُ مِنَ النَّاظِرِ إِذْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِهِ إِلَى بَاقِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ؛ لأِنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ إِلَى نِهَايَةِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ فَلَهُ بَيْعُهَا بِطَرِيقِ الإْجَارَةِ .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَمْ نَجِدِ التَّصْرِيحَ مِنْهُمْ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ عُلَيْشًا ذَكَرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ إِنْ آجَرَ الْوَقْفَ وَأَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْبِنَاءِ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ، وَالْبِنَاءُ مِلْكٌ لِلْبَانِي فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يَدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْوَقْفُ لاَ يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ وَإِلاَّ فَيُوَفَّى لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قَطْعًا. قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْخَرَشِيُّ رحمه الله .
وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا فِيهِ النَّصُّ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الإْجَارَةِ تَقْتَضِي إِنْهَاءَ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: غِرَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يُقْلِعْهُ الْمَالِكُ، فَلِلْمُؤَجِّرِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِدُونِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ مَالِكَ الأْصْلِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَهْرًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ مُقَابِلَ مَالٍ فِي الأْوْقَافِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 196
كَدِك
التَّعْرِيفُ:
1 - لَمْ يَرِدْ ذِكْرُ كَلِمَةِ الْكَدِكِ أَوِ الْجَدِكِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْكَدِكُ عَلَى مَا يَثْبُتُ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ مِمَّا لاَ يُنْقَلُ وَلاَ يُحَوَّلُ، كَالْبِنَاءِ وَالرُّفُوفِ الْمُرَكَّبَةِ وَالأْغْلاَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ سُكْنَى .
كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُوضَعُ فِي الْحَانُوتِ مُتَّصِلاً لاَ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، كَالْخَشَبِ الَّذِي يُرَكَّبُ بِالْحَانُوتِ لِوَضْعِ عِدَّةِ الْحَلاَّقِ مَثَلاً، فَإِنَّ الاِتِّصَالَ وُجِدَ لَكِنْ لاَ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ .
وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْعَيْنِ غَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ أَصْلاً، كَالْبَكَارِجِ وَالْفَنَاجِينِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَهْوَةِ، وَالْفُوَطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمَّامِ .
وَيُطْلَقُ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْفَعَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلدَّرَاهِمِ ، وَهَذَا مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالْخُلُوِّ .
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْكَامِ الْكَدِكِ بِهَذَا الْمَعْنَى يُنْظَرُ (خُلُوٌّ).
قَالَ مُحَمَّدٌ قَدْرِي بَاشَا: يُطْلَقُ الْكَدِكُ عَلَى الأْعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، كَالْبِنَاءِ، أَوْ لاَ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، كَآلاَتِ الصِّنَاعَةِ الْمُرَكَّبَةِ بِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْكِرْدَارِ فِي الأْرَاضِي ، كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِيهَا .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْكِرْدَارُ:
2 - الْكِرْدَارُ هُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ بِإِذْنِ الْوَاقِفِ أَوْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ .
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِنَ الْكِرْدَارِ مَا يُسَمَّى الآْنَ كَدِكًا فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا، مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ، وَأَغْلاَقٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى قِيمَةً فِي الْبَسَاتِينِ وَفِي الْحَمَّامَاتِ فَالْكِرْدَارُ أَعَمُّ مِنَ الْكَدِكِ.
ب - الْمَرْصَدُ:
3 - الْمَرْصَدُ هُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلٌ عَقَارَ الْوَقْفِ مِنْ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ مَثَلاً وَيَأْذَنُ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِعِمَارَتِهِ أَوْ مَرَمَّتِهِ بِهَا، فَيُعَمِّرُهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ عَلَى قَصْدِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْوَقْفِ عِنْدَ حُصُولِهِ، أَوِ اقْتِطَاعِهِ مِنَ الأْجْرَةِ .
وَالْمَرْصَدُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي عَمَّرَ مِنْ مَالِهِ عِمَارَةً ضَرُورِيَّةً فِي مُسْتَغَلٍّ مِنْ مُسْتَغَلاَّتِ الْوَقْفِ لِلْوَقْفِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَدِكِ وَبَيْنَ الْمَرْصَدِ، أَنَّ صَاحِبَ الْمَرْصَدِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ دَيْنٌ مَعْلُومٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلاَ يَبِيعَ الْبِنَاءَ الَّذِي بَنَاهُ لِلْوَقْفِ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُتَوَلِّي بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ إِنْ لَمْ يُرِدِ اسْتِقْطَاعَهُ مِنْ أَصْلِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَأَمَّا الْكَدِكُ، فَهُوَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ تُبَاعُ وَتُورَثُ، وَلأِصْحَابِهَا حَقُّ الْقَرَارِ .
ج - الْمَسْكَةُ:
4 - الْمَسْكَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْحِرَاثَةِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمَسْكَةِ لُغَةً، وَهِيَ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ، فَكَأَنَّ الْمُتَسَلِّمَ لِلأْرْضِ الْمَأْذُونَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهَا فِي الْحَرْثِ صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا فِي الْحَرْثِ فِيهَا، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا لاَ تُقَوَّمُ، فَلاَ تُمْلَكُ وَلاَ تُبَاعُ وَلاَ تُورَثُ، وَقَدْ جَرَى فِي عُرْفِ الْفَلاَّحِينَ إِطْلاَقُ الْفِلاَحَةِ عَلَى الْمَسْكَةِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: فَرَغْتُ عَنْ فِلاَحَتِي أَوْ مَسْكَتِي أَوْ مَشَدِّي، وَيُرِيدُ مَعْنًى وَاحِدًا وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْحَرْثِ .
وَالْمَسْكَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى تَكُونُ فِي الأْرَاضِي الْجَرْدَاءِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الْبَسَاتِينِ وَتُسَمَّى بِالْقِيمَةِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْكَدِكِ وَبَيْنَ الْمَسْكَةِ، أَنَّ صَاحِبَ الْمَسْكَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الاِسْتِمْسَاكِ بِالأْرْضِ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الْكَدِكِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ فِي الْحَانُوتِ، فَالْمَسْكَةُ خَاصَّةٌ بِالأْرَاضِي أَمَّا الْكَدِكُ فَخَاصٌّ بِالْحَوَانِيتِ.
د - الْخُلُوُّ:
5 - يُطْلَقُ الْخُلُوُّ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا:
أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي جُعِلَ فِي مُقَابَلَتِهَا الدَّرَاهِمُ وَيُطْلَقُ كَذَلِكَ عَلَى حَقِّ مُسْتَأْجِرِ الأْرْضِ الأْمِيرِيَّةِ فِي التَّمَسُّكِ بِهَا إِنْ كَانَ لَهُ فِيهَا أَثَرٌ مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ، عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُقُوقِ لِبَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِهِمَا الَّذِي يُقَيِّمُهُ مَنْ بِيَدِهِ عَقَارُ وَقْفٍ أَوْ أَرْضٌ أَمِيرِيَّةٌ (ر: خُلُوٌّ ف 1).
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْخُلُوِّ بِالْمَعْنَى الأْوَّلِ وَالْكَدِكِ، أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُوِّ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ وَلاَ يَمْلِكُ الأْعْيَانَ، أَمَّا الْكَدِكُ فَهُوَ أَعْيَانٌ مَمْلُوكَةٌ لِمُسْتَأْجِرِ الْحَانُوتِ. (ر: خُلُوٌّ ف 1).
وَأَمَّا الصِّلَةُ بِالْمَعْنَيَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَهِيَ أَنَّ الْخُلُوَّ مُرَادِفٌ لِلْكَدِكِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَدِكِ:
ثُبُوتُ حَقِّ الْقَرَارِ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ:
أَوَّلاً: وَضْعُ الْكَدِكِ فِي الْمَبَانِي الْوَقْفِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ:
6 - يَثْبُتُ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ حَقُّ الْقَرَارِ بِسَبَبِ مَا يُنْشِئُهُ فِي مَبْنَى الْوَقْفِ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مُتَّصِلٍ اتِّصَالَ قَرَارٍ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ: يَثْبُتُ لَهُ (أَيْ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ) حَقُّ الْقَرَارِ مَا دَامَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِ الْحَانُوتِ خَالِيَةً عَنْ جَدَكِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِذَا كَانَ هَذَا الْجَدِكُ الْمُسَمَّى بِالسُّكْنَى قَائِمًا فِي أَرْضِ وَقْفٍ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، لِصَاحِبِهِ الاِسْتِبْقَاءُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الأْرْضِ حَيْثُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْوَقْفِ وَإِنْ أَبَى النَّاظِرُ، نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ .
وَجَاءَ فِي الْمَادَّةِ (707) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: الْكَدِكُ الْمُتَّصِلُ بِالأْرْضِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا أَوْ تَرْكِيبًا عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ هُوَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ تُبَاعُ وَتُورَثُ، وَلأِصْحَابِهَا حَقُّ الْقَرَارِ، وَلَهُمُ اسْتِبْقَاؤُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ .
هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِهِ يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: الْخُلُوُّ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، فَلِذَلِكَ يُورَثُ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ وَإِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ مُشَاهَرَةً، وَلاَ الإْجَارَةُ لِغَيْرِهِ.
كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: الْخُلُوُّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَدِكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ.. نَعَمْ بَعْضُ الْجَدِكَاتِ بِنَاءٌ أَوْ إِصْلاَحُ أَخْشَابٍ فِي الْحَانُوتِ مَثَلاً بِإِذْنٍ، وَهَذَا قِيَاسُهُ عَلَى الْخُلُوِّ ظَاهِرٌ، خُصُوصًا وَقَدِ اسْتَنَدُوا فِي تَأْبِيدِ الْحَكْرِ لِلْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ حَاصِلٌ فِي الْجَدِكِ .
وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: إِذَا اسْتَأْجَرَ إِنْسَانٌ دَارًا مَوْقُوفَةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ بِالْبِنَاءِ فِيهَا لِيَكُونَ لَهُ خُلُوًّا، وَجَعَلَ عَلَيْهَا حَكْرًا كُلَّ سَنَةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ، فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَاجِرَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا مُدَّةً تَلِي مُدَّةَ إِيجَارِ الأْوَّلِ ، لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِأَنْ لاَ يَسْتَأْجِرَهَا إِلاَّ الأْوَّلُ، وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا دَفَعَ الأْوَّلُ مِنَ الأْجْرَةِ مَا يَدْفَعُهُ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ جَازَ إِيجَارُهَا لِلْغَيْرِ .
وَمُسْتَنَدُ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي إِثْبَاتِ حَقِّ الْقَرَارِ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَصْحَابُ الْكِرْدَارِ فِي الْبَسَاتِينِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا أَصْحَابُ الْكَدِكِ فِي الْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ إِبْقَاءَهَا فِي أَيْدِيهِمْ سَبَبٌ لِعِمَارَتِهَا وَدَوَامِ اسْتِغْلاَلِهَا، فَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لِلأْوْقَافِ وَبَيْتِ الْمَالِ، وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ كَوْنِهِمْ يُؤَدُّونَ أُجْرَةَ مِثْلِهَا بِلاَ نُقْصَانٍ فَاحِشٍ .
وَقَالَ الْبُنَانِيُّ: وَقَعَتِ الْفَتْوَى مِنْ شُيُوخِ فَاسَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَالشَّيْخِ الْقَصَّارِ، وَابْنِ عَاشِرٍ، وَأَبِي زَيْدٍ الْفَاسِيِّ، وَسَيِّدِي عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَاسِيِّ، وَأَضْرَابِهِمْ، وَيُعَبِّرُونَ عَنِ الْخُلُوِّ الْمَذْكُورِ بِالْجِلْسَةِ جَرَى بِهَا الْعُرْفُ، لِمَا رَأَوْهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، فَهِيَ عِنْدَهُمْ كِرَاءٌ عَلَى التَّبْقِيَةِ .
7 - وَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ لِصَاحِبِ الْكَدِكِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ مَا يَلِي:
أ - إِذْنُ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي وَضْعِ كَدِكِهِ أَوْ كِرْدَارِهِ، فَإِنْ وَضَعَهُ دُونَ إِذْنٍ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ، وَلاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ الإْجَارَةِ لَهُ.
قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، وَهُوَ أَنْ يُحْدِثَ الْمُزَارِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ بِنَاءً، أَوْ غِرَاسًا، أَوْ كَبْسًا بِالتُّرَابِ، بِإِذْنِ الْوَاقِفِ، أَوْ بِإِذْنِ النَّاظِرِ، فَتَبْقَى فِي يَدِهِ .
قَالَ الْحَصْكَفِيُّ نَقْلاً عَنْ مُؤَيَّدْ زَادَهْ: حَانُوتُ وَقْفٍ بَنَى فِيهِ سَاكِنُهُ بِلاَ إِذْنِ مُتَوَلِّيهِ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ رَفَعَهُ، وَإِنْ ضَرَّ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ مَالَهُ، فَلْيَتَرَبَّصْ إِلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مَالُهُ مِنَ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ، وَلاَ يَكُونُ بِنَاؤُهُ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الإْجَارَةِ لِغَيْرِهِ، إِذْ لاَ يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبِنَاءِ، حَيْثُ لاَ يَمْلِكُ رَفْعَهُ .
ب - دَفْعُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْوَقْفِ، إِذْ لاَ يَصِحُّ إِيجَارُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إِلاَّ عَنْ ضَرُورَةٍ
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ (الْكَدِكِ) حَقُّ الْقَرَارِ مَا دَامَ يَدْفَعُ أُجْرَةَ مِثْلِ الْحَانُوتِ خَالِيَةً عَنْ كَدِكِهِ .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَوْقُوفِ: أَمَّا الْمَوْقُوفُ الْمُعَدُّ لِلإْيجَارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إِلاَّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، فَإِيجَارُهُ مِنْ ذِي الْيَدِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْلَى مِنْ إِيجَارِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّظَرِ لِلْوَقْفِ وَلِذِي الْيَدِ، وَالْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَنْ يَنْظُرَ بِكَمْ يُسْتَأْجَرُ إِذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ الْجَدِكِ بِلاَ زِيَادَةِ ضَرَرٍ وَلاَ زِيَادَةِ رَغْبَةٍ مِنْ شَخْصٍ خَاصٍّ، بَلِ الْعِبْرَةُ بِالأْجْرَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا الأْكْثَرُ .
فَلَوْ زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعَقْدِ زِيَادَةً فَاحِشَةً، فَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَبُولُ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ زِيَادَةُ أَجْرِ مِثْلِ الْوَقْفِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ الْكُلِّ بِلاَ زِيَادَةِ أَحَدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ زِيَادَةَ تَعَنُّتٍ أَيْ إِضْرَارٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَلاَ الزِّيَادَةُ بِعِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَالِهِ لِنَفْسِهِ .
ج - عَدَمُ الضَّرَرِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْقُنْيَةِ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا وَبَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: لَوْ حَصَلَ ضَرَرٌ مَا، بِأَنْ كَانَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ مُفْلِسًا أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ، لاَ يُجْبَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ. ا هـ. وَأَضَافَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الإْسْعَافِ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى رَقَبَةِ الْوَقْفِ يَفْسَخُ الْقَاضِي الإْجَارَةَ وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَدِهِ.
وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ قَنْلِي زَادَهْ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ قَاضٍ عَادِلٍ عَالِمٍ، وَعَلَى كُلِّ قَيِّمٍ أَمِينٍ غَيْرِ ظَالِمٍ، أَنْ يَنْظُرَ فِي الأْوْقَافِ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ تُسْتَأْجَرُ بِأَكْثَرَ، أَنْ يَفْسَخَ الإْجَارَةَ ، وَيَرْفَعَ بِنَاءَهُ وَغَرْسَهُ، أَوْ يَقْبَلَهَا بِهَذِهِ الأْجْرَةِ ، وَقَلَّمَا يَضُرُّ الرَّفْعُ بِالأْرْضِ .
وَفِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ: حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ، وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ، وَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضَهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، قَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْعِمَارَةُ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يُسْتَأْجَرُ الأْصْلُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ، وَيُؤَجَّرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلاَّ يُتْرَكْ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الأْجْرِ .
وَقْفُ الْكَدِكِ:
9 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ جَوَازِ وَقْفِ الْكَدِكِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: مَا يُسَمَّى الآْنَ كَدِكًا فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا، مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ، وَأَغْلاَقٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ، لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ، بِخِلاَفِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ، فَإِنَّهُ مِمَّا شَاعَ وَذَاعَ فِي عَامَّةِ الْبِقَاعِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ صِحَّةُ وَقْفِ الْكَدِكِ الَّذِي يُقِيمُهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْحَانُوتِ.
قَالَ الْغَرْقَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْخُلُوِّ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ كَثِيرًا فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ .
وَصَرَّحَ عُلَيْشٌ بِأَنَّ الْخُلُوَّ رُبَّمَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. الْجَدِكُ الْمُتَعَارَفُ فِي حَوَانِيتِ مِصْرَ .
وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِخُصُوصِ وَقْفِ الْكَدِكِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ وَقْفَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَهَذَا لَيْسَ مَحَلَّ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 21
مُؤْنَةُ الْمَوْقُوفِ
11 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي نَفَقَةِ الْمَوْقُوفِ وَمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ وَعِمَارَتِهِ، وَسَوَاءٌ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، كَأَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ: يُنْفَقُ عَلَيْهِ أَوْ يُعَمَّرُ مِنْ جِهَةٍ، كَذَا فَإِنْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ الإْنْفَاقَ مِنْ غَلَّتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا عُمِلَ بِهِ رُجُوعًا إِلَى شَرْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطِ الْوَاقِفُ شَيْئًا كَانَ الإْنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ؛ لأِنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَحْبِيسَ الأْصْلِ وَتَسْبِيلَ مَنْفَعَتِهِ، وَلاَ يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالإْنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ .
فَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَكُونُ النَّفَقَةُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ - لاَ الْعِمَارَةِ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، كَمَنْ أَعْتَقَ مَنْ لاَ كَسْبَ لَهُ، أَمَّا الْعِمَارَةُ فَلاَ تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ حِينَئِذٍ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، بِخِلاَفِ الْحَيَوَانِ لِصِيَانَةِ رُوحِهِ وَحُرْمَتِهِ.
قَالُوا: وَظَاهِرٌ أَنَّ مِثْلَ الْعِمَارَةِ أُجْرَةُ الأْرْضِ الَّتِي بِهَا بِنَاءٌ أَوْ غِرَاسٌ مَوْقُوفٌ وَلَمْ تَفِ مَنَافِعُهُ بِالأْجْرَةِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْقُوفِ غَلَّةٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ عَدِمَ الْغَلَّةَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤَجَّرَ كَالْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ وَالْفَرَسِ يَغْزُو عَلَيْهِ أَوْ جَرَّ بِنَفَقَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالصَّرْفِ عَلَى عِمَارَتِهِ وَإِصْلاَحِ مَا وَهَى مِنْ بِنَائِهِ، وَسَائِرِ مُؤْنَاتِهِ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا سَوَاءٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ؛ لأِنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَجْرِي إِلاَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: فَكَانَتِ الْعِمَارَةُ مَشْرُوطَةً اقْتِضَاءً، وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الأْصْلِ فِي شَيْءٍ مِنْ رَسْمِ الصُّكُوكِ: فَاشْتَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ الْوَالِي مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ كُلَّ عَامٍ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لأِدَاءِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْبَذْرِ وَأَرْزَاقِ الْوُلاَةِ عَلَيْهَا وَالْعُمْلَةِ وَأُجُورِ الْحُرَّاسِ وَالْحَصَادَيْنِ وَالدِّرَاسِ؛ لأِنَّ حُصُولَ مَنْفَعَتِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِدَفْعِ هَذِهِ الْمُؤَنِ مِنْ رَأْسِ الْغَلَّةِ .
وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: لَوْ وَقَفَ دَارَهُ عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لأِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَكَانَتِ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ».
فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْعِمَارَةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْقَاضِي وَعَمَّرَهَا بِالأْجْرَةِ ؛ لأِنَّ اسْتِبْقَاءَ الْوَقْفِ وَاجِبٌ، وَلاَ يَبْقَى إِلاَّ بِالْعَمَارَةِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي اسْتِبْقَائِهِ بِالإْجَارَةِ ، كَالدَّابَّةِ إِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهَا عَنِ الإْنْقَاقِ عَلَيْهَا أَنْفَقَ الْقَاضِي عَلَيْهَا بِ الإْجَارَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْمُؤْنَةُ مِنَ الْغَلَّةِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَبْدَأُ بِإِصْلاَحِ الْوَقْفِ وَعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّتِهِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَيْرَ ذَلِكَ بَطَلَ شَرْطُهُ، وَإِنِ احْتَاجَ الْعَقَارُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ لِسُكْنَاهُ لإِصْلاَحِهِ وَلَمْ يُصْلِحْهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ أَخْرَجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى لِيُكْرِيَ لِغَيْرِهِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً بِشَرْطِ تَعْجِيلِ كِرَائِهَا وَإِصْلاَحِهِ بِمَا يُكْرِي بِهِ.
وَالْفَرَسُ الْمَوْقُوفُ لِلْغَزْوِ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلاَ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ الْمُحْبِّسَ وَلاَ الْمُحْبَّسَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عُدِمَ بَيْتُ الْمَالِ بِيعَ وَعُوِّضَ بِثَمَنِهِ سِلاَحٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لاَ يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ جَزِيٍّ: تُبْتَنَى الرِّبَاعُ الْمُحْبَّسَةُ مِنْ غَلاَّتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 182
انْتِهَاءُ إِجَارَةِ الْوَقْفِ:
إِجَارَةُ الْمَوْقُوفِ تَنْتَهِي إِمَّا بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوِ الْمَوْتِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً: انْتِهَاءُ إِجَارَةِ الْوَقْفِ بِالْمَوْتِ:
80 - الأْصْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- أَنَّ الإْجَارَةَ لاَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، بَلْ تَبْقَى إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ ، لأِنَّهُ عَقْدٌ لاَزِمٌ فَلاَ تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ، وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجِرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ قَدْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ .
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِجَارَةَ الْمَوْقُوفِ لاَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ نَاظِرِ الْوَقْفِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الإْجَارَةِ إِذَا كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي آجَرَ هُوَ الْوَاقِفَ أَوِ الْحَاكِمَ أَوْ نَائِبَهُ أَوْ كَانَ النَّاظِرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ مِنَ الْوَاقِفِ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِهِ، لأِنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَالْعُقُودُ لاَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ .
أَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي آجَرَ الْمَوْقُوفَ هُوَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمْ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ بَيَانُهُ مَا يَلِي:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ آجَرَ مُسْتَحِقُّ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الإْجَارَةَ تُفْسَخُ وَهَذَا إِذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلاَ ضَرُورَةَ لِلإْجَارَةِ بِالأْقَلِّ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَقْفٌ عَلَى أَرْبَابٍ وَأَحَدُهُمْ مُتَوَلٍّ فَأَجَّرَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْمُتَوَلِّي لاَ تَبْطُلُ الإْجَارَةُ لأِنَّ الإْجَارَةَ لِلْمَوْقُوفِ فَلاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ كَمَا لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ فِي الإْجَارَةِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَكْرَى الْمُسْتَحِقُّ لِوَقْفٍ سِنِينَ، وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسِخُ لاِنْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنَ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ وَانْتِقَالِ الْحَقِّ لِمَنْ يَلِيهِ فِي تَرْتِيبِ الْوَقْفِ عَلَى الأْصَحِّ مِنَ الْخِلاَفِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ: إِذَا أَكْرَى الْمُسْتَحِقُّ الْوَقْفَ مُدَّةً يَجُوزُ لَهُ كِرَاؤُهُ فِيهَا وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ كِرَاءَهُ لاَ يَنْفَسِخُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْوَقْفِ وَآجَرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنُ الأْوَّلُ مِنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مُدَّةً وَمَاتَ الْبَطْنُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَكَانَ الْوَاقِفُ قَدْ شَرَطَ لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمُ النَّظَرَ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَقَطْ، فَالأْصَحُّ أَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ.
لأِنَّ الْوَقْفَ انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ وَلاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلاَ نِيَابَةَ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ لاَ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ كَالْمِلْكِ، وَلَوْ أَجَّرَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمُ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ بِالأْرْشَدِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الأْذْرُعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْغُزِّيُّ فِي الْفَتْوَى .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ آجَرَ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْوَقْفِ وَكَانَ الْوَاقِفُ قَدْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَنْفَسِخِ الإْجَارَةُ بِمَوْتِهِ، لأِنَّهُ أَجَّرَ بِطَرِيقِ الْوِلاَيَةِ أَشْبَهَ الأْجْنَبِيَّ، وَإِنْ أَجَّرَ الْمُسْتَحِقُّ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِالنَّظَرِ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ تَنْفَسِخِ الإْجَارَةُ فِي وَجْهٍ كَمَا لَوْ أَجَّرَ وَلِيٌّ مَالَ مُوَلِّيهِ أَوْ نَاظِرٌ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ زَالَتْ وِلاَيَتُهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ انْفَسَخَتْ إِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَصْلُ الاِسْتِحْقَاقِ. وَقِيلَ: لاَ تَنْفَسِخُ كَمِلْكِهِ وَهُوَ أَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ .
81 - وَمَا سَبَقَ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤَجِّرِ، أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ إِذَا مَاتَ فَإِنَّ الإْجَارَةَ لاَ تَنْفَسِخُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي عَدَمِ فَسْخِ الإْجَارَةِ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ إِجَارَةَ الْمَوْقُوفِ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، لأِنَّهُ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ قَدْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ جَمَاعَةً فَلاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ بَعْضِهِمْ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَتُصْرَفُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ إِلَى وَرَثَتِهِ .
ثَانِيًا: انْتِهَاءُ إِجَارَةِ الْمَوْقُوفِ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ:
82 - إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ فِي عَقْدِ إِجَارَةِ الْمَوْقُوفِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لأِنَّ الثَّابِتَ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي عِنْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ إِلاَّ إِذَا وُجِدَ عُذْرٌ يَقْتَضِي بَقَاءَ الإْجَارَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهَا.
فَلَوِ انْتَهَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الأْرْضِ مِلْكٌ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ كَزَرْعٍ لَمْ يَبْلُغْ حَصَادَهُ فَإِنَّ الأْرْضَ تَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِلَى أَنْ يَحْصُدَ الزَّرْعَ، لأِنَّهُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالْوَقْفِ مَا دَامَ يَسْتَحِقُّ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٍ ف60).
________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
( مادة 584 )
اذا انتهت مدة الإجارة وكان للمستأجر بناء بناه من ماله أو شجرغرسه بماله في أرض الوقف بلا إذن الناظر يؤمر بهدم بنائه وقلع شجره ان كان هدمه أو قلعه لايضرب أرض الوقف فإن أضر بها فليس له هدمه ولاتلمه ويجبر على التربص الى أن يسقط البناء والشعر ويستخلص حقه فيأخذأ نقاضه ولا يكون بناءه غرسه مانعامن من صحة اجارة الارض لغيره و للناظر أن يتملكه ان اراد للوقف ولو جبرا على صاحبه بثمن لا يتجاوز أقل القمتين مقلوعها أوقائما
( رمادة 585 )
إذا كان المستأجر قد بني أوغرس في أرض الوقف من ماله لنفسه باذن ناظر الوقف وانقضت مدة الاجارة وأبی أن يدفع أجر المثل وكان هدم البناء أوقلع الشعر مضراب الأرض خير الناظرين أن تملكه جبرا على المستأجر بقيمته مستحق القلع و بين أن يتركه الى أن يتخلص من الارض فيأخذ المستأجر أنقاضه
واذا آجر المتولى البناء باذن مالكه مع عرصة الوقف جاز نظر مقدار مايستأجربه كل منهما فأصاب البناء يعطى لصاحبه وما أصاب عرصة الوقف يعطى لناظر الوقفه
( مادة 586 )
اذا احتاجت دار الوقف الى العمارة فأذن الناظر للمستأجر بعمارتها من ماله للوقف بعمرها فله الرجوع على الناظر بما انفقه على العمارة ليوفيه له من غلة الوقف وان لم يشترط الرجوع اذا كان يرجع معظم منفعة العمارة الوقت وأما اذا كان يرجع معظم منفعتها الى المستأجر فلا يرجع مالم يشترط الرجوع
( مادة 587 )
اذا كان قد المستأجر أو المستحق ما بناه في أرض الوقف بغير اذن ناظره بأنقاض الوقف وكان البناء بحيث لو هدم لا يبقى لغير الأنقاض قيمة في هذه الصورة يؤخذ البناء للوقف ولا يكون المستأجر حق الرجوع عما أنفقه على العمل ولابائتمان المؤن .
( مادة 588 )
اناغير المستأجر معالم الوقف بان هدمه كله أو بعضه وبناه على غيرالصفة التي كان عليها فان كان ماغيره اليه أنفع لجهة الوقف ما بنام على حالته لجهة الوقف وهو متبرع بما أفقه فتؤخذ منه أجرة المثل بقاسها ولايحتسب له شئ منها في مقابلة ما أنفقه على العمارة وان لم يكن أنفع للوقف وأكثر ريعا یؤمر بهدمه و إعادة العين الى ما كانت عليه
( ماده 589 )
لاتنفسخ الإجارة بموت الناظر ولابعزله وتنفسخ بموت المستأجر لنفسه.