loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع، الصفحة : 664

العارية

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

وضعت العارية إلى جانب عقد الإيجار باعتبارهما من العقود التي ترد على المنفعة كما أشير إلى ذلك في باب القرض.

واتبع في ترتيب أحكامها ترتيباً منطقياً كما اتبع في غيرها من العقود المشابهة لها، فعرفت العارية، ثم ذكرت التزامات المعير، فالتزامات المستعير، وختم الموضوع بأسباب انقضاء العارية.

ويختلف المشروع عن التقنين الحالي في مسائل أهمها ما يأتي :

1- جعل المشروع العارية عقداً رضائياً، وهو عيني في التقنين الحالي، وذلك تمشياً مع التطور الحديث، وطبقاً لما أخذ به في عقد القرض .

2- بين المشروع بوضوح أن العارية عقد ملزم لجانبين .

3- وضع المشروع أحكام المصروفات التي يقوم بها المستعير، فبين حكم المصروفات الضرورية والنافعة، ونفقات الصيانة، والنفقات اللازمة لاستعمال الشيء كما بين حكم ضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية. وقرر للمستعير الحق في حبس العارية إلى أن يستوفي ما يكون مستحقاً له من مصروفات وتعويضات.

4 - عين المشروع مقدار العناية الواجبة على المستعير في المحافظة على العارية، فطلب منه أكبر العناية، بل اقتضى منه أن يقدم المحافظة على العارية على المحافظة على الشيء المملوك له، غير أنه اكتفي بأن يرد العارية بالحالة التي تكون عليها وقت الرد .

5- بين أسباب انقضاء العارية، وهي بحق المعير في إلغاء العارية إذا احتاج إلى الشيء المعار، أو أساء المستعير استعمال ذلك الشيء، أو أصبح في حالة إعسار.

مذكرة المشروع التمهيدي :

يفهم من هذا التعريف أن العارية عقد رضائي لا عيني، فاستغنى فيها عن التسليم باعتباره رکرناً ضرورياً لانعقاد العقد، وأصبح العقد ينشئ التزاماً بالتسليم (انظر التقنين الألماني المادة 598 والتقنين السويسرى المادة 305 والتقنين الصيني المادة 464 والتقنين البولوني المادة 419 والتقنين اللبناني المادة 729 )، ويفهم منه أيضاً:

(1) أن العارية ترد على الأشياء التي تهلك بالاستعال سواء أكانت منقولاً أم عقاراً، ( أنظر التقنين المراكشي المادة 832 والتقنين اللبناني المادة 731) .

(2) وأنها عقد تبرع إذ لو كانت بأجر انقلبت إيجاراً.


(3) وانها تخول المستعير أن يستعمل الشيء لا أن يستغله وأن يده عليه يد عارضة، فالثمار والحيازة القانونية تكون للمعير ( أنظر التقنين الفرنسي المادة 1877، والتقنين المراكشي المادة 830 والتقنين الاسباني المادة 1741، والتقنين الهولندي المادة 1778، والتقنين الأرجنتيني المادة 2299، وتقنين كويبك المادة 1764)، (4) وأن العقد يتم بين المستعير والمعير، سواء أكان المعير مالكاً أم غير مالك، كالمنتفع و المستأجر والمرتهن الخ.

الأحكام

1 ـ إذ كان البين من المحرر الذى أشار إليه الحكم المطعون فيه أنه إقرار مأخوذ على المقر الموصوف فيه بأنه تاجر بإستلامه من الطاعنة الأدوات المدونة به على سبيل العارية لإستعمالها فى الغرض المعارة من أجله ، و كانت عبارات المحرر المذكور لا تفيد المعنى الذى ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن مرتكب الحادث يعمل لحساب الشركة الطاعنة بائعاً متجولاً ، فإن الحكم يكون قد خرج فى تفسيره عما تحتمله عباراته و جاوز المعنى الظاهر لها مما يعيبه بمخالفة الثابت بالأوراق و فساد الإستدلال .

(الطعن رقم 570 لسنة 46 جلسة 1981/06/02 س 32 ع 2 ص 1673 ق 299)

2 ـ إذ كان الراجح فى مذهب الحنفية - و هو رأى الصاحبين و جمهور الفقهاء - أن تبرع الواقف بريع وقفه لازم و أن الموقوف عليه يستحق نصيبه منه على سبيل التبرع اللازم فلا يسوغ منعه أو صرفه إلى غيره إلا طبقاً لكتاب الوقف و يحق له المطالبة به إذا لم يؤده إليه الواقف أو ناظر الوقف ، إلا أن المشرع لدى تقنينه أحكام الوقف بالقانون رقم 48 لسنة 1946 أخذ برأى الإمام أبو حنيفة القائم على عدم لزوم الوقف بإعتباره من قبيل التبرع غير اللازم شأنه فى ذلك شأن الإعارة التى يجوز فيها رجوع المعير عن التبرع بمنفعة العارية فى أى وقت شاء ، فمنح الواقف بموجب المادة 11 منه الحق فى أن يرجع عن وقفه كله أو بعضه و أن يغير فى مصارفه و شروطه فيما عدا وقف المسجد و لكنه لم يتعرض لحكم الوقف بعد موت الواقف و من ثم بقى لازماً كما كان من قبل وفق الراجح فى المذهب .

(الطعن رقم 10 لسنة 50 جلسة 1981/04/21 س 32 ع 1 ص 1205 ق 222)

3 ـ حدد المشرع فى الفقرة الأولى من المادة 643 من القانون المدني حالتين لإنتهاء العارية الأولى أن يتفق المتعاقدان على أجل معين فلا تنتهي إلا بإنتهاء ذلك الأجل، والثانية ألا يكون المتعاقدان قد اتفقا على أجل معين ولكنهما اتفقا على الغرض الذي أُعير من أجُله الشئ فتنتهي العارية فى هذه الحالة بإنتهاء استعمال الشئ فيما أُعير من أجله، أما الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر فقد حدد المشرع مجال إعمالها بألا تكون من الحالتين سالفتي الذكر فلا أجل محدد ولا غرض معين فتنتهي العارية فى هذه الحالة فى أي وقت يريده المُعير بعد إمهال المستعير لمدة معقولة لرد الشئ المعار.

(الطعن رقم 2449 لسنة 52 جلسة 1989/05/24 س 40 ع 2 ص 384 ق 223)

شرح خبراء القانون

العارية بمقتضى هذا التعريف الذي تضمنه النص عقد رضائي لا عيني بالرغم من أنها دائماً من عقود التبرع فعقد التبرع الشكلي هو عقد الهبة لأنه ينقل الملكية أما عقد العارية فيرتب التزاماً شخصياً بالتسليم ويجوز للقاضي أن يجبر المعير على التسليم كما يجوز أن يستحيل الالتزام إلى تعويض لعدم تنفيذه كمن يتعهد بإعارة عربة نقل لآخر لنقل محصوله ولم يفعل مما أدى إلى هلاك المحصول فیلتزم بالتعويض، والعارية كذلك عقد ملزم للجانبين، فيلتزم المعير بالتسليم ويلتزم المستعير باستعمال الشيء فيما أعد له، كما أنها من عقود التبرع، لأنها لو كانت عوض وكان العوض نقوداً كان العقد إجارة وأن كان غير نقود كان عقداً غير مسمى والعارية تنقل للمستعير حراسة الشيء فيكون مسئولاً عما يحدثه الشئ من ضرر للغير وقد يكون محل العارية عقاراً أو منقولاً.

إثبات العارية :

اذا لم تكن العارية تابعة لعمل تجاري، فإنها تكون عقداً مدنياً يخضع في إثباته، للقواعد العامة، ويجب أن يكون بيد المعير كتابة حتى يواجه بها المستعير إذا أدعى أن الشئ سلم إليه على سبيل الهبة اليدوية والظاهر يؤيده وليبطل أي ادعاء آخر للمستعير.

ويترتب على عقد العارية، التزام المعير بتسليم الشيء للمستعير، ولما كان هذا التسليم ينطوي على قيام المعير بالوفاء بالتزامه، ولما كان الوفاء تصرفاً قانونياً، فإنه يخضع في إثباته للقواعد العامة، فإن كانت قيمة الشيء تجاوز نصاب البينة، فلا يجوز للمعير إثبات التسليم، إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها. إذا دفع المستعير بعدم جواز الإثبات بالبينة، وذلك على ما أوضحناه بالمادة 431 بصدد إثبات تسليم المبيع.

محل العارية :

ترد عارية الاستعمال على العقار كما ترد على المنقول. نقض 3/2/1982 طعن 461 س 51 ق، على أنه بالنسبة للعين المؤجرة، فلا يجوز للمستأجر إعارتها وإلا اعتبر ذلك تخلياً يجيز للمؤجر طلب الإخلاء.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع، الصفحة/ 402)

محل عقد العارية شيء غير قابل للاستهلاك يسلمه المعير للمستعير ليستعمله دون عوض، على أن يرده عيناً عند نهاية العارية. وسنعرض في البند التالي لخصائص عقد العارية.

- خصائص عقد العارية:

(أ)- العارية عقد رضائي:

العارية عقد رضائي يتم بمجرد توافق الإيجاب والقبول دون حاجة إلى شكل خاص، وذلك بالرغم من أن العارية من عقود التبرع دائماً فعقد التبرع الشكلي هو عقد الهبة لأنه ينقل الملكية، ولا يقتصر كعقد العارية على ترتيب التزام شخصی.

ومفاد ذلك أن التسليم ليس ركناً من أركان العقد وينعقد العقد بدونه، وإنما هو مجرد التزام يرتبه العقد على عاتق المعير.

وفي هذا يختلف الوضع في القانون الجديد عما كان عليه القانون القديم، إذ كان عقد العارية في ظل القانون الأخير عقد عيني لا ينعقد إلا بالتسليم.

(ب) العارية عقد ملزم للجانبين:

فيلتزم المعير بتسليم الشيء المعار إلى المستعير كما يلتزم ببعض الالتزامات الأخرى التي سنعرض لها في موضعها، كما يلتزم المستعير باستعمال الشيء المعار في الغرض المعد له وبالمحافظة عليه وبرده عند انتهاء الوديعة.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن العارية كانت في ظل التقنين المدني القديم عقداً ملزماً لجانب واحد، تأسيساً على صفتها العينية فكان التسليم ركناً فيها لا التزاماً متولداً عنها، فلما زالت هذه الصفة وأصبحت عقداً رضائياً، صار ذلك التسليم التزاماً على عاتق المعير، ومن ثم نشأ عنها التزامات في ذمة الجانبين فيها.

بينما ذهب البعض الآخر والذي نؤيده - إلى أن العارية كانت في القانون القديم ملزمة للجانبين ذلك أن العارية لما كانت عقداً عينياً في القانون المذكور كانت تنشئ التزاماً في ذمة المعير، لا بالتسليم فإن هذا كان ركناً لا التزاماً، بل بالامتناع عن استرداد الشيء المعار قبل نهاية العارية. ويؤكد ذلك ما ورد في المادة 636 مدنی من أنه "يلتزم المعير أن يسلم الشيء المعار.... وأن يتركه للمستعير طول مدة العارية". فالالتزام بتسليم الشيء المعار كان في التقنين المدني السابق رکناً لا التزاماً كما سبق القول، أما الالتزام بترك الشيء المعار للمستعير والامتناع عن المطالبة برده إلا عند نهاية العارية فهذا التزام قائم في ذمة المعير سواء كانت العارية عقداً رضائياً أو عقداً عينياً. ويبين من ذلك أن العارية، عندما كانت عقداً عينياً، كانت تنشئ التزاماً في جانب المعير بترك الشيء المعار للمستعير إلى نهاية العارية، يقابله في جانب المستعير التزام بالمحافظة على الشيء المعار. فإذا أخل المستعير بهذا الالتزام وقصر في المحافظة على الشيء المعار، جاز للمعير أن يتحلل من التزامه المقابل عن طريق فسخ العقد واسترداد ما أعاره قبل انتهاء العارية. وهذا التحليل يفسر ما انعقد عليه الإجماع من أن قاعدة الفسخ تسري على عقود العارية. ومن ثم فلا محل إلى القول - كما ذهب البعض - إلى أن قاعدة الفسخ تسري على العقود الملزمة لجانب واحد كما تسري على العقود الملزمة للجانبين، ولا إلى مسايرة فقهاء آخرين في تسمية الفسخ في عقد العارية بالإسقاط. بل يبقى الفسخ على طبيعته مقصوراً على العقود الملزمة للجانبين ومنها عقد العارية حتى لو كان عقداً عينياً. وهذا التحليل لا يزال ضرورياً حتى بعد أن أصبحت العارية عقداً رضائياً، وذلك أن المعير إذا فسخ العارية في حالة إخلال المستعير بالتزامه في المحافظة على الشيء، فإن المعير لا يتحلل بذلك من الالتزام بالتسليم بل من الالتزام بالامتناع عن المطالبة بالاسترداد إلى نهاية العارية .

(ج) العارية من عقود التبرع:

العارية من عقود التبرع، وتعتبر المجانية كما في الهبة قوام هذا العقد، وليست كما في القرض من طبيعته فقط. ولذلك نصت المادة 635 على أن العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير... ليستعمله بلا عوض".

وعلى هذا أيضاً كانت تنص المادة 568/467 من التقنين المدني القديم بقولها "عارية الاستعمال تكون بلا مقابل أبداً".

ولكن نية التبرع ليست عنصراً فيها كما هو الشأن في عقد الهبة فيعتبر العقد عارية ولو قصد المعير من ورائه إلى تحقيق مصلحة شخصية كخاطب يعير مخطوبته جواهر ثمينة عند ظهورها معه في الحفلات.

ويميز الفقه عادة في عقود التبرع بين عقود التفضل والهبات فعقود التفضل يولی المتبرع فيها المتبرع له فائدة دون أن يخرج عن ملكية ماله، أما الهبات فيخرج فيها المتبرع عن ملكية المال المتبرع به، ومن ثم تكون العارية عقد تفضل، لأن المعير يتبرع بمنفعة العين دون أن يخرج عن ملكيتها.

(د) عقد العارية يخول المستعير استعمال الشيء لا استغلاله:

عقد العارية يخول المستعير أن يستعمل الشيء لا أن يستغله، ويده عليه يد عارضة، فالثمار والحيازة القانونية تكون للمعير ولما كانت العارية لا تنقل الملكية إلى المستعير، فليس من الضروري أن يكون المعير مالكاً للشيء المعار، بل يجوز أن يكون حائزاً كالمنتفع، أو صاحب يد عارضة كالمستأجر .

تمييز عقد العارية عما يلتبس به من العقود الأخرى:

(أ) العارية والإيجار:

تتفق العارية والإيجار في أن كلا منهما يرد على منفعة شيء، ويختلفان في أن العارية عقد تبرع والإيجار عقد معاوضة، لأن المستأجر يدفع مقابلاً للانتفاع، أما المستحير فلا يدفع شيئاً.

وقد رتب المشرع على هذا الفرق خلافاً في الآثار التي تترتب على كل منهما، فألزم المؤجر بصيانة العين المؤجرة (م 597) وقصر العناية المطلوبة من المستأجر فيما يتعلق بالمحافظة على العين المؤجرة على عناية الشخص المعتاد (م 583)، أما في العارية فقد جعل نفقات الصيانة على المستعير (م 640)، وألزمه بأن يبذل في المحافظة على الشيء العناية التي يبذلها في المحافظة على ماله دون أن ينزل في ذلك عن عناية الرجل المعتاد (م 641).

(ب) العارية والهبة

تتفق العارية والهبة في أن كلا منهما يلزم صاحب الشيء أن يعطيه لأخر دون مقابل. ولكن في العارية يكون إعطاء الشيء لمجرد الانتفاع بالشئ أما الملكية فتظل لصاحبها، أما في الهبة فالواهب ينقل ملكية الشيء إلى الموهوب له.

كما يختلفان في أن الهبة عقد شكلى أو عيني، أما العارية فهي عقد رضائي .

(ج) العارية والوديعة:

تتفق العارية والوديعة في أن كلا من المستعير والوديع يتسلم شيئا للغير يحفظه عنده ويرده إليه عند نهاية العقد، فلا تنتقل فيها الملكية إلى المستعير والوديع.

إلا أنهما يختلفان في أن المستعير يستعمل الشيء المعار لمنفعته، أما الوديعة فلا يستعملها الوديع إلا في حالات استثنائية أوردناها عند تناول الوديعة.

وأنه في الوديعة يقدم الوديع خدمة للمودع، ولكن في العارية يحصل المستعير على منفعة من المعير.

وأن الوديعة يجوز أن تكون بمقابل أما العارية فهي مجانية دائماً.

وأن مسئولية الوديع أخف من مسئولية المستعير، لأن الأول كما ذكرنا يقدم خدمة، بخلاف الثاني فهو يحصل على منفعة.

(د) العارية والقرضة

تتفق العارية والقرض في أن كلا منهما يلزم صاحب الشيء أن يعطيه لآخر على أن يسترده في نهاية العقد، ولكن الذي يرد في العارية هو ذات الشيء المعار، أما في القرض فيرد مثله، وذلك ناشئ عن كون العارية لا تنقل ملكية الشيء إلى المستعير، أما القرض فينقل ملكية الشيء إلى المقترض وهذا يستلزم أن يكون محل العارية غير قابل للاستهلاك.

أركان عقد العارية وشروط صحتها

تعداد :

العارية كأي عقد من العقود لها، أركان ثلاثة هي: التراضي والمحل والسبب ونعرض لها فيما يلي:

أولاً : شروط الانعقاد

إحالة إلى القواعد العامة:

ليس للعارية في أركان انعقادها أحكام خاصة، بل تسري عليها القواعد العامة كسائر العقود الرضائية.

فإذا أعطى شخص آخر شيئا وقصد أن يكون عارية واعتقد الآخر أنه هبة، لم يتوافق الإيجاب والقبول فلا ينعقد العقد لا باعتباره هبة ولا باعتباره عارية.

ويرى بعض الشراح أن العاقد الذي يسلم الشيء بقصد الهبة يعتبر أنه قبل تسليمه بقصد عارية الاستعمال من باب أولى. ولكن هذا الرأي غير وجيه، لأنه بمقتضى القواعد القانونية العامة لا يتم العقد إذا لم تتفق إرادة العاقدين على نفس العقد المراد إجراؤه بينهما. وبناء على ذلك فلمن سلم الشيء أن يسترده من يد أي شخص، سواء أكان العاقد معه أم غيره، مع عدم الإخلال بأحكام اكتساب الملكية بالتقادم.

من يملك الإعارة ؟

يملك الإعارة كل من له حق التصرف في الانتفاع بالشئ المعار، فلا يقتصر حق الإعارة على مالك الشيء وحده، لأنه لا يترتب على الإعارة نقل ملكية الشيء المعار.

ويجوز لنائب المالك سواء أكان نائباً اتفاقياً (الوكيل) أو نائباً قانونياً (الولي أو الوصي أو القيم)، إعارة الشيء المملوك لناقص الأهلية.

وتجوز الإعارة لصاحب حق الانتفاع والمستأجر والمرتهن رهن حيازة، وتكون الإدارة منهم صحيحة حتى ولو كانت للمالك.

ولكن لا يجوز للوديع إعارة الشيء المودع، إلا إذا كان له حق الاستعمال.

ولا يجوز للحائز للعين إعارتها لأنه ليس له حق استعمالها.

ولا يجوز للمستعير أن يعير الشيء المعار له، لأنه معار لاستعماله الشخصي وملحوظ في العارية معنى التبرع واعتبارات شخصية، غير أنه تجوز له الإعارة إذا أذنه المعير في ذلك.

إعارة ملك الغير:

إذا أعار شخص شيئاً مملوكاً لغيره وليس له حق إعارته، كان العقد ملزماً للعاقدين، وليس للمعير أن يطلب من المستعير رد الشيء بحجة أنه لم يكن له، على أن العقد المذكور لا يمنع المالك من الحصول على ذلك الشيء من المستعير مباشرة ولو قبل انقضاء الأجل، لأنه لم يكن طرفاً في عقد العارية حتى يحتج به عليه، وإنما يجوز للمستعير أن يحصل من المعير على تعويض إذا أخذ الشيء المعار قبل الأجل متى كان المعير سيئ النية.

إعارة الشيء المسروقة :

تصح إعارة الشيء المسروق ممن سرقه، وتكون العارية ملزمة له، لأن السارق يعتبر ذا اليد على الشيء المسروق بالرغم من سوء نيته. غير أن هذه العارية لا تسري في حق مالك الشيء، وله أن يطالب المستعير برده. غير أنه إذا علم المستعير بالسرقة وجب عليه إخطار المالك الحقيقي بذلك، وإلا أعتبر مخفياً لشيء متحصلاً من جريمة سرقة ويخضع للعقوبة المنصوص عليها في المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات.

ثانياً : المحل والسبب

(أ)- المحل :

إحالة إلى القواعد العامة

المحل في عقد العارية هو الشيء المعار، ويجب أن يتوافر في الشيء المعار شروط المحل بصفة عامة والتي عرضنا لها في موضعها من الموسوعة. وهي أن يكون موجوداً، معيناً أو قابلاً للتعيين، مشروعاً أي لا يخالف النظام العام أو الآداب، وبالبناء على ذلك إذا كان الشيء المعار مهرباً أو من الأسلحة المرخصة أو من الكتب أو الصور الممنوعة لم تجز إعارته.

يشترط أن يكون الشيء المعار غير قابل للاستهلاك :

جانب الشروط العامة في المحل والتي أشرنا إليها في البند السابق، يشترط في الشيء المعار أن يكون غير قابل للاستهلاك وإلى هذا أشارت المادة 635 مدنی بقولها: "العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئا غير قابل للاستهلاك... إلخ" ذلك أن المستعير يأخذ الشيء ليستعمله ولیرده بعينه، فإذا كان قابلاً للاستهلاك واستعمله المستعير فإنه يستهلكه بالاستعمال ولا يستطيع أن يرده بعينه.

ومع ذلك قد يكون الشيء قابلاً للاستهلاك وتجوز إعارته. مثل ذلك أن يعير شخص صرافاً مبلغاً من النقود يعوض به عجزاً عنده، على أن يرد الصراف هذا المبلغ بالذات إلى المعير بعد انتهاء التفتيش. ومثل ذلك أيضاً أن يعير شخص صيرفياً قطعة من النقود على أن يردها بذاتها. وأن يعير شخص آخر أسهما ينتفع بفوائدها على أن يرد الأسهم بالذات، ففي كل هذه الأمثلة أعير الشيء القابل للاستهلاك لذاته، فأصبح غير قابل للاستهلاك، والأصح أن يقال إن الشيء القابل للاستهلاك يكون مثلياً في العادة، فإذا اعتبر لذاته تحول من مثلي إلى قيمي فتجوز إعارته، لا لأنه غير قابل للاستهلاك إذ هو في الواقع قابل للاستهلاك بطبيعته، بل لأنه أصبح قيمياً في نظر المتعاقدين. فالشرط الواجب توافره في الشيء المعار هو إذن أن يكون قيمياً، لا أن يكون غير قابل للاستهلاك.

الأشياء التي تجوز إعارتها :

تجوز إعارة المنقول - وهذا هو الغالب - كإعارة أجهزة الراديو والتليفزيون والملابس الجاهزة والمفروشات، والآلات الزراعية والسيارات والدواب والساعات والمجوهرات... إلخ.

وتجوز العارية في الأشياء غير المادية.

وتجوز العارية في العقار - وإن كان ذلك لا يحدث إلا في حالات قليلة - لأن القانون لم يخصص العارية بالمنقول، بل إن النص عام. وهذا هو حكم الشريعة الإسلامية أيضاً (المجلة المادة 831). ومثال ذلك أن يعير شخص آخر شقة من عمارته أو مخزناً لإيداع بضاعته فيها، أو أن يعير شخص أو هيئة إلى شخص آخر قاعة لعقد ندوة فيها، أو يعير شخص آخر جراجاً لإيداع سيارته فيه.

(ب)- السبب:

إحالة إلى القواعد العامة و السبب في عقد العارية طبقاً للنظرية الحديثة، هو الباعث الدافع إلى التعاقد.

وسبب التزامات المستعير هو الالتزامات المقابلة لها في ذمة المعير.

وإذا كان سبب العارية غير جائز قانوناً، أو مخالفاً للآداب فإنه لا يصح. مثل ذلك إذا أعير شيء كسلاح لاستعماله في ارتكاب جريمة بعلم المعير، فإن العارية تكون باطلة.

ثالثاً : شروط الصحة

الأهلية وعيوب الرضاء

(أ) – الأهلية

- أهلية المعير:

ذهب رأي إلى أنه لما كانت العارية عقد يقع على منفعة الشيء، ولا يترتب عليها نقل الملكية إلى المستعير، فإنها لا تكون من أعمال التصرف، ويكفي أن تتوافر في المعير أهلية الإدارة.

فتثبت أهلية الإعارة للبالغ الرشيد، وللصبي المأذون في الإدارة، وتجوز الإعارة من النائب عن ناقص الأهلية أي من الولى أو الوصي أو القيم بالنيابة عن القاصر غير المأذون بالإدارة والمحجور عليه، أما الصبي المميز غير المأذون في الإدارة أو المحجور عليه للسفه فلا تجوز منهما الإعارة.

بينما ذهب رأي آخر إلى اشتراط أهلية التبرع لدى المعير لوجود صفة المجانية في هذا العقد، فتكون العارية باطلة إذا كان المعير ناقص الأهلية ولو كان مأذوناً بالإدارة، حتى لو قام بإبرامها نائبه ولياً كان أم وصياً أو قيماً. وإن كان كل أولئك يجوز له إعارة مال المشمول بالولاية أو الوصاية أو القوامة الأداء واجب إنساني أو عائلي وبإذن المحكمة (مواد 5، 38، 78) من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال.

ونرى الأخذ بالرأي الأول.

أهلية المستعير

ذهب رأي إلى أنه لما كانت العارية عقداً نافعاً نفعاً محضاً للمستعير، فيكفي أن تتوافر في المستعير أهلية التعاقد دون أهلية الإدارة. ومن ثم يجوز للصبي المميز أو للمحجور عليه للغفلة أو السفه أن يستعير، حتى لو لم يكن مأذوناً له في الإدارة.

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 111 مدني على أنه: "إذا كان الصبي مميزاً، كانت تصرفاته المالية صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً ...".

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 115على أنه "إذا صدر تصرف من ذي - الغفلة أو من السفيه بعد تسجيل قرار الحجر، سرى على هذا التصرف ما يسرى على تصرفات الصبي المميز من أحكام .

بينما ذهب رأي آخر إلى تطلب أهلية الإدارة لدى المستعير فيجوز للقاصر المأذون بها أن يستعير، كما يجوز ذلك، نيابة عنه، لوليه أو وصيه أو القيم عليه .

ونرى الأخذ بالرأي الأول.

(ب) عيوب الإرادة:

لم ينص القانون على أحكام خاصة بعيوب الإرادة في عقد العارية. ومن ثم تسري في شأن هذه العيوب القواعد العامة المقررة في هذا الشأن ولما كانت العارية تبرع للمستعير، ومن ثم يغلب أن تكون شخصيته محل اعتبار في العقد وملحوظة فيه، فتبطل للغلط في شخص المستعير أو في صفة جوهرية فيه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن، الصفحة/ 635)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 132

إباحة الانْتفاع:

20 - هذا النّوْع من الإْباحة قدْ يكون مع ملْك الآْذن لعيْن ما أذن الانْتفاع به كإذْن مالك الدّابّة أو السّيّارة لغيْره بركوبها، وإذْن مالك الْكتب للاطّلاع عليْها. وقدْ يكون الإْذْن فيما لا يمْلك عيْنه، ولكنْ يمْلك منْفعته بمثْل الإْجارة أو الإْعارة، إنْ لمْ يشْترطْ فيهما أنْ يكون الانْتفاع شخْصيًّا للْمسْتأْجر والْمسْتعير.

آثار الإْباحة:

24 - إذا ثبتت الإْباحة ثبت لها من الآْثار ما يلي:

1 - رفْع الإْثْم والْحرج.

وذلك ما يدلّ عليْه تعْريف الإْباحة بأنّه لا يترتّب على الْفعْل الْمباح إثْمٌ.

2 - التّمْكين من التّملّك الْمسْتقرّ بالنّسْبة للْعيْن، والاخْتصاص بالنّسْبة للْمنْفعة:

وذلك لأنّ الإْباحة طريقٌ لتملّك الْعيْن الْمباحة. هذا بالنّسْبة للْعيْن. أمّا بالنّسْبة للْمنْفعة الْمباحة فإنّ أثر الإْباحة فيها اخْتصاص الْمباح له بالانْتفاع، وعبارات الْفقهاء في الْمذاهب الْمخْتلفة تتّفق في أنّ تصرّف الْمأْذون له في طعام الْوليمة قبْل وضْعه في فمه لا يجوز بغيْر الأْكْل، إلاّ إذا أذن له صاحب الْوليمة أوْ دلّ عليْه عرْفٌ أوْ قرينةٌ. وبهذا تفارق الإْباحة الْهبة والصّدقة بأنّ فيهما تمْليكًا، كما أنّها تفارق الْوصيّة حيْث تكون هذه مضافةً إلى ما بعْد الْموْت، ولا بدّ فيها منْ إذْن الدّائنين والْورثة أحْيانًا، كما لا بدّ منْ صيغةٍ في الْوصيّة .

25 - هذه هي آثار الإْباحة للأْعْيان في إذْن الْعباد. أمّا آثار الإْباحة للْمنافع فإنّ إباحتها لا تفيد إلاّ حلّ الانْتفاع فقطْ، على ما تقدّم تفْصيله. فحقّ الانْتفاع الْمجرّد منْ قبيل التّرْخيص بالانْتفاع الشّخْصيّ دون الامْتلاك، وملْك الْمنْفعة فيه اخْتصاصٌ حاجزٌ لحقّ الْمسْتأْجر منْ منافع الْمؤجّر، فهو أقْوى وأشْمل؛ لأنّ فيه حقّ الانْتفاع وزيادةً. وآثار ذلك قدْ تقدّم الْكلام عليْها.

الإْباحة والضّمان:

26 - الإْباحة لا تنافي الضّمان في الْجمْلة؛ لأنّ إباحة اللّه - وإنْ كان فيها رفْع الْحرج والإْثْم - إلاّ أنّها قدْ يكون معها ضمانٌ، فإباحة الانْتفاع تقْتضي صيانة الْعيْن الْمباحة عن التّخْريب والضّرر، وما حدث منْ ذلك لا بدّ منْ ضمانه. وإباحة الأْعْيان كأخْذ الْمضْطرّ طعام غيْره لا تمْنع ضمان قيمته إذا كان بغيْر إذْنه؛ لأنّ اللّه جعل للْعبْد حقًّا في ملْكه، فلا ينْقل الْملْك منْه إلى غيْره إلاّ برضاه، ولا يصحّ الإْبْراء منْه إلاّ بإسْقاطه، كما يقول الْقرافيّ في الْفروق.

وحكى الْقرافيّ في هذه الْمسْألة قوْليْن: أحدهما: لا يضْمن؛ لأنّ الدّفْع كان واجبًا على الْمالك، والْواجب لا يؤْخذ له عوضٌ.

والْقوْل الثّاني: يجب، وهو الأْظْهر والأْشْهر؛ لأنّ إذْن الْمالك لمْ يوجدْ، وإنّما وجد إذْن صاحب الشّرْع، وهو لا يوجب سقوط الضّمان، وإنّما ينْفي الإْثْم والْمؤاخذة بالْعقاب.

أمّا إباحة الْعباد بعْضهمْ لبعْضٍ فقدْ تقدّم الْكلام عليْها مفصّلاً.

ما تنْتهي به الإْباحة:

27 - أوّلاً: إباحة اللّه سبْحانه لا تنْتهي منْ جهته هو؛ لأنّه سبْحانه حيٌّ باقٍ، والْوحْي قد انْقطع، فلا وحْي بعْد محمّدٍ صلي الله عليه وسلم وإنّما تنْتهي بانْتهاء دواعيها، كما في الرّخص، فإذا وجد السّفر في نهار رمضان مثلاً وجدت الإْباحة بالتّرْخيص في الْفطْر، فإذا انْتهى السّفر انْتهت الرّخْصة.

28 - ثانيًا: وإباحة الْعباد تنْتهي بأمورٍ:

أ - انْتهاء مدّتها إنْ كانتْ مقيّدةً بزمنٍ، فالْمؤْمنون عنْد شروطهمْ، وإذا فقد الشّرْط فقد الْمشْروط.

ب - رجوع الآْذن في إذْنه، حيْث إنّه ليْس واجبًا عليْه، فهو تبرّعٌ منْه، كما قال جمْهور الْعلماء. وهي لا تنْتهي بمجرّد الرّجوع، بلْ لا بدّ منْ علْم الْمأْذون له به، كما هو مقْتضى قواعد الْحنفيّة، وهو قوْلٌ للشّافعيّ.

وذكر السّيوطيّ في الأْشْباه والنّظائر قوْلاً آخر للشّافعيّ، يفيد أنّ الإْباحة تنْتهي بمجرّد رجوع الآْذن، ولوْ لمْ يعْلم الْمأْذون له.

ج - موْت الآْذن؛ لبطْلان الإْذْن بموْته، فتنْتهي آثاره.

د - موْت الْمأْذون له؛ لأنّ حقّ الانْتفاع رخْصةٌ شخْصيّةٌ له لا تنْتقل إلى ورثته إلاّ إذا نصّ الآْذن على خلافه.

إجارة الْحيوان

101 - إجارة الْحيوان تنْطبق عليْها شروط الإْجارة وأحْكامها السّابقة، إلاّ أنّ هناك صورًا منْ إجارة بعْض الْحيوانات لها أحْكامٌ تخصّها كإجارة الْكلْب ونحْوه للْحراسة، فإنّ الْحنفيّة منعوها لأنّه لا يمْكن للإْنْسان حمْله على منْفعة الْحراسة بضرْبٍ أوْ غيْره. أمّا إجارة الْكلْب الْمعلّم للصّيْد فمحلّ خلافٍ في جوازه وعدمه بيْن الْفقهاء يرْجع إلى بيانه وتفْصيله في محلّه «صيْد».

وفي إجارة الْفحْل للضّراب خلافٌ، فجمْهور الْفقهاء الْحنفيّة وظاهر مذْهب الشّافعيّة وأصْل مذْهب الْحنابلة، على منْعه لنهْي النّبيّ صلي الله عليه وسلم في الْحديث الْمتّفق عليْه عنْ عسْب الْفحْل.

غيْر أنّ الْحنابلة قالوا: إن احْتاج إنْسانٌ إلى ذلك، ولمْ يجدْ منْ يطْرق له، جاز أنْ يبْذل الْكراء، وليْس للْمطْرق أخْذه. قال عطاءٌ: لا يأْخذ عليْه شيْئًا، ولا بأْس أنْ يعْطيه إذا لمْ يجدْ منْ يطْرق له، ولأنّ ذلك بذْل مالٍ لتحْصيل منْفعةٍ مباحةٍ تدْعو الْحاجة إليْها. وقالوا: إنْ أطْرق إنْسانٌ فحْله بغيْر إجارةٍ ولا شرْطٍ، فأهْديتْ له هديّةٌ، فلا بأْس.

ونقل عنْ مالكٍ وبعْض الشّافعيّة وأبي الْخطّاب من الْحنابلة الْجواز، وهو مذْهب الْحسن وابْن سيرين، تشْبيهًا له بسائر الْمنافع، وللْحاجة إليْه، كإجارة الظّئْر للرّضاع، ولأنّه يجوز أنْ يسْتباح بالإْعارة، فجاز أنْ يسْتباح بالإْجارة، كسائر الْمنافع.

والْجمْهور على أنّه لا يجوز أنْ تفْضي إجارة الْحيوان إلى بيْع عيْنٍ منْ نتاجه، كتأْجير الشّاة لأخْذ لبنها؛ لأنّ الْمقْصود الأْصْليّ في عقْد الإْجارة هو الْمنْفعة لا الأْعْيان.

وفي قوْلٍ عنْد الْحنابلة: تجوز إجارة الْحيوان للبنه، وقاله الشّيْخ تقيّ الدّين، وهو غيْر صحيحٍ في الْمذْهب.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني ، الصفحة / 27

لمّا كانتْ حقيقة الْعاريّة أنّها إباحة نفْع عيْنٍ

يحلّ الانْتفاع بها مع بقاء الْعيْن، ليردّها على مالكها، لذلك لمْ يخْتلف الْفقهاء في أنّ هذه الإْباحة موْقوتةٌ، غيْر أنّ هذا الْوقْت قدْ يكون محدّدًا، وتسمّى عاريّةً مقيّدةٌ - وقدْ لا يكون، وتسمّى الْعاريّة الْمطْلقة، ويرى جمْهور الْفقهاء أنّ الْعاريّة عقْدٌ غيْر لازمٍ فلكلّ واحدٍ من الْمتعاقديْن الرّجوع متى شاء، خلافًا للْمالكيّة في الْمقيّدة، وفي الْمطْلقة إلى مدّةٍ ينْتفع فيها بمثْلها عادةً.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 181

إِعَارَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الإْعَارَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنَ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّدَاوُلُ وَالتَّنَاوُبُ مَعَ الرَّدِّ. وَالإْعَارَةُ مَصْدَرُ أَعَارَ، وَالاِسْمُ مِنْهُ الْعَارِيَّةُ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ، وَعَلَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ، وَالاِسْتِعَارَةُ طَلَبُ الإْعَارَةِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِتَعَارِيفَ مُتَقَارِبَةٍ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ مَجَّانًا.

وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ: بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِلاَ عِوَضٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهَا شَرْعًا إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.

وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّهَا إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْعُمْرَى:

2 - الْعُمْرَى: تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ طُولَ حَيَاةِ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَهِيَ أَخَصُّ.

ب - الإْجَارَةُ:

3 - الإْجَارَةُ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ، فَتَجْتَمِعُ مَعَ الإْعَارَةِ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالتَّمْلِيكِ، وَتَنْفَرِدُ الإْجَارَةُ بِأَنَّهَا بِعِوَضٍ، وَالإْعَارَةُ بِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ.

ج - الاِنْتِفَاعُ:

4 - الاِنْتِفَاعُ: هُوَ حَقُّ الْمُنْتَفِعِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ وَاسْتِغْلاَلِهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ، وَلاَ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْمَنْفَعَةُ أَعَمُّ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، لأِنَّ لَهُ فِيهَا الاِنْتِفَاعَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، كَأَنْ يُعِيرَهُ أَوْ يُؤَاجِرَهُ.

دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا:

5 - الأْصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الإْعَارَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإْجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالاَ: الْمَاعُونُ الْعَوَارِيُّ. وَفَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْعَوَارِيَّ بِأَنَّهَا الْقِدْرُ وَالْمِيزَانُ وَالدَّلْوُ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ. وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ. وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ. وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ». وَرَوَى «صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرُعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةٌ». وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْعَارِيَّةِ.

وَمِنَ الْمَعْقُولِ: أَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الأْعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِالأْعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ جَمِيعًا.

حُكْمُهَا التَّكْلِيفِيُّ:

6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإْعَارَةِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِهَا، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ حُكْمَهَا فِي الأْصْلِ النَّدْبُ، لقوله تعالي (وَافْعَلُوا الْخَيْر) وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً لأِنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الإْحْسَانِ. لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم (إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ ) وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ»

وَقِيلَ: هِيَ وَاجِبَةٌ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) نُقِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا عَارِيَّةَ الْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَنَحْوِهِمَا.

قَالَ صَاحِبُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ، كَغَنِيٍّ عَنْهَا، فَيَجِبُ إِعَارَةُ كُلِّ مَا فِيهِ إِحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ لاَ أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إِعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى.

وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا كَإِعْطَائِهَا لِمَنْ تُعِينُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ. وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً كَإِعْطَائِهَا لِمَنْ تُعِينُهُ عَلَى فِعْلٍ مَكْرُوهٍ.

أَرْكَانُ الإْعَارَةِ:

7 - قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِنَّ أَرْكَانَ الْعَارِيَّةِ أَرْبَعَةٌ هِيَ: الْمُعِيرُ، وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُعَارُ، وَالصِّيغَةُ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ - إِلَى أَنَّ رُكْنَهَا هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ، وَمَا عَدَاهُ يُسَمَّى أَطْرَافَ الْعَقْدِ، كَمَا يُسَمَّى الْمُعَارَ مَحَلًّا.

أ - الْمُعِيرُ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ الْمُعَارِ، مُخْتَارًا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ، فَلاَ تَصِحُّ إِعَارَةُ مُكْرَهٍ، وَلاَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَلاَ إِعَارَةُ مَنْ يَمْلِكُ الاِنْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ كَسُكَّانِ مَدْرَسَةٍ مَوْقُوفَةٍ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ إِذَا أَعَارَ مَالَهُ صَحَّتِ الإْعَارَةُ.

ب - الْمُسْتَعِيرُ: وَهُوَ طَالِبُ الإْعَارَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ الْمُعَارِ، وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، فَلَوْ فَرَشَ بِسَاطَهُ لِمَنْ يَجْلِسُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَارِيَّةً، بَلْ مُجَرَّدُ إِبَاحَةٍ.

ج - الْمُسْتَعَارُ (الْمَحَلُّ): هُوَ الَّذِي يَمْنَحُهُ الْمُعِيرُ

لِلْمُسْتَعِيرِ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. أَمَّا مَا تَذْهَبُ عَيْنُهُ بِالاِنْتِفَاعِ بِهِ كَالطَّعَامِ فَلَيْسَ إِعَارَةً، كَمَا لاَ تَحِلُّ إِذَا كَانَتِ الإْعَارَةُ لاِنْتِفَاعٍ مُحَرَّمٍ، كَإِعَارَةِ السِّلاَحِ لأِهْلِ الْبَغْيِ أَوِ الْفَسَادِ، وَلاَ يُعَارُ مَا لاَ نَفْعَ فِيهِ.

د - الصِّيغَةُ: وَهِيَ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الإْعَارَةِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ اللَّفْظِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ. أَوِ الْكِتَابَةِ مَعَ النِّيَّةِ، وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْفِعْلِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ رُكْنَ الإْعَارَةِ الإْيجَابُ بِالْقَوْلِ مِنَ الْمُعِيرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ الْقَوْلُ فِي الْقَبُولِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ رُكْنٌ عِنْدَهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَلَوْ مَجَازًا.

مَا تَجُوزُ إِعَارَتُهُ:

8 - تَجُوزُ إِعَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعَ بَقَائِهَا، كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ لِلُّبْسِ، وَالْفَحْلِ لِلضِّرَابِ، وَالْكَلْبِ لِلصَّيْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لأِنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم اسْتَعَارَ أَدْرُعًا مِنْ صَفْوَانَ». وَذَكَرَ إِعَارَةَ الدَّلْوِ وَالْفَحْلِ. وَذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَارِيَّةً الْقِدْرِ وَالْمِيزَانِ، فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الأْشْيَاءِ. وَمَا عَدَاهَا مَقِيسٌ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا. وَلأِنَّ مَا جَازَ لِلْمَالِكِ اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الْمَنَافِعِ مَلَكَ إِعَارَتَهُ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ، وَلأِنَّهَا أَعْيَانٌ تَجُوزُ إِجَارَتُهَا فَجَازَتْ إِعَارَتُهَا. وَيَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِيَزِنَ بِهَا أَوْ لِلتَّزَيُّنِ، فَإِنِ اسْتَعَارَهَا لِيُنْفِقَهَا فَهَذَا قَرْضٌ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا جَائِزًا وَلاَ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ فِي الدَّنَانِيرِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ تَجُوزُ أَيْضًا إِعَارَةُ الْمُشَاعِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ أَمْ لاَ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْجُزْءُ الْمُشَاعُ مَعَ شَرِيكٍ أَمْ مَعَ أَجْنَبِيٍّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْعَارِيَّةُ مِنْ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ أَكْثَرَ، لأِنَّ جَهَالَةَ الْمَنْفَعَةِ لاَ تُفْسِدُ الإْعَارَةَ . وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ.

طَبِيعَتُهَا مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ:

9 - إِذَا تَمَّتِ الإْعَارَةُ بِتَحَقُّقِ أَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا، فَهَلْ تَلْزَمُ بِحَيْثُ لاَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا مِنَ الْمُعِيرِ أَوْ لاَ تَلْزَمُ ؟ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الأْصْلَ أَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي إِعَارَتِهِ مَتَى شَاءَ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْعَارَةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً بِعَمَلٍ أَوْ وَقْتٍ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا: إِنْ أَعَارَهُ شَيْئًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ انْتِفَاعًا يَلْزَمُ مِنَ الرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّةِ فِي أَثْنَائِهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، لأِنَّ الرُّجُوعَ يَضُرُّ بِالْمُسْتَعِيرِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الإْضْرَارُ بِهِ، مِثْلُ أَنْ يُعِيرَهُ لَوْحًا يُرَقِّعُ بِهِ سَفِينَتَهُ، فَرَقَّعَهَا بِهِ وَلَجَّجَ بِهَا فِي الْبَحْرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ فِي الْبَحْرِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الْبَحْرِ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ، لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ فِي إِعَارَتِهِ بَطَلَتْ، وَتَبْقَى الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِذَا حَصَلَ ضَرَرٌ، كَمَنِ اسْتَعَارَ جِدَارَ غَيْرِهِ لِوَضْعِ جُذُوعِهِ فَوَضَعَهَا، ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الْجِدَارَ، لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَفْعُهَا، وَقِيلَ: لَهُ رَفْعُهَا إِلاَّ إِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ وَقْتَ الْبَيْعِ بَقَاءَ الْجُذُوعِ. وَقَدِ ارْتَضَى الْقَوْلَ بِالرَّفْعِ صَاحِبُ الْخُلاَصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَاعْتَمَدَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ، وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْمُرَ الْجَارَ بِرَفْعِ الْجُذُوعِ عَلَى أَيِّ حَالٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَعَارَ الْمُعِيرُ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ إِعَارَةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَحْصُلْ غَرْسٌ وَلاَ بِنَاءٌ فَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِي الإْعَارَةِ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَعَلَى غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ يَلْزَمُهُ بَقَاءُ الأْرْضِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الْمُدَّةَ الْمُعْتَادَةَ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ بَعْدَ حُصُولِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَلَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الْمُسْتَعِيرِ مِنَ الأْرْضِ وَلَوْ كَانَتِ الإْعَارَةُ قَرِيبَةً، لِتَفْرِيطِ الْمُسْتَعِيرِ بِتَرْكِهِ اشْتِرَاطَ الأْجَلِ، لَكِنْ مَاذَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ حِينَئِذٍ ؟ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا أَنْفَقَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ ثَمَنِ الأْعْيَانِ الَّتِي بَنَى بِهَا أَوْ غَرَسَهَا مِنْ أُجْرَةِ النَّقْلَةِ. وَفِي قَوْلٍ إِنَّ عَلَيْهِ دَفْعَ الْقِيمَةِ إِنْ طَالَ زَمَنُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِتَغَيُّرِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ بِطُولِ الزَّمَانِ. وَفِي قَوْلٍ إِنَّ مَحَلَّ دَفْعِ الْقِيمَةِ إِذَا كَانَتِ الأْعْيَانُ الَّتِي بَنَى بِهَا الْمُسْتَعِيرُ هِيَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَشْتَرِهَا أَوْ كَانَتْ مِنَ الْمُبَاحَاتِ. وَمَحَلُّ دَفْعِ مَا أَنْفَقَ إِنِ اشْتَرَاهُ لِلْعِمَارَةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الإْعَارَةِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَيَدْفَعُ لَهُ الْمُعِيرُ فِي بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ قِيمَتَهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإْعَارَةَ إِنْ قُيِّدَتْ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ لَزِمَتْ، وَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعَمَلِ أَوِ الأْجَلِ أَيًّا كَانَ الْمُسْتَعَارُ، أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ أَوْ لِسُكْنَى أَوْ لِوَضْعِ شَيْءٍ بِهَا، أَوْ كَانَ حَيَوَانًا لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ عَرْضًا.

وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ بِأَنْ أُطْلِقَتْ فَلاَ تَلْزَمُ، وَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا مَتَى شَاءَ، وَلاَ يَلْزَمُ قَدْرُ مَا تَقْصِدُ الإْعَارَةَ لِمِثْلِهِ عَادَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَفِي غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لِمَا يُعَارُ لِمِثْلِهِ عَادَةً. وَقِيلَ: إِنَّهُ تَلْزَمُ إِذَا أُعِيرَتِ الأْرْضُ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَحَصَلاَ.

وَدَلِيلُ جَوَازِ الرُّجُوعِ إِلاَّ فِيمَا اسْتُثْنِيَ أَنَّ الإْعَارَةَ مَبَرَّةٌ مِنَ الْمُعِيرِ، وَارْتِفَاقٌ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ، فَالإْلْزَامُ غَيْرُ لاَئِقٍ بِهَا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَذِنَ أَحَدٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِبِنَاءِ مَحَلٍّ فِي دَارِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ مُطَالَبَتُهُ بِرَفْعِهِ إِنْ لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ، أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِي قَسْمِهِ. وَإِذَا اسْتَعَارَ أَحَدٌ دَارًا، فَبَنَى فِيهَا بِلاَ إِذْنِ الْمَالِكِ. أَوْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الدَّارِ: ابْنِ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ بَاعَ الْمُعِيرُ الدَّارَ بِحُقُوقِهَا يُؤْمَرُ الْبَانِي بِهَدْمِ بِنَائِهِ.

وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ إِنْسَانٌ مَدْفِنًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ بِحَيْثُ لاَ يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ، فَيَرْجِعُ حِينَئِذٍ وَتَنْتَهِي الْعَارِيَّةُ.

وَحُكْمُ الْوَرَثَةِ حُكْمُ مُوَرِّثِهِمْ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ، وَلاَ أُجْرَةَ لِذَلِكَ، مُحَافَظَةً عَلَى كَرَامَةِ الْمَيِّتِ، وَلِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِعَدَمِ الأُْجْرَةِ، وَالْمَيِّتُ لاَ مَالَ لَهُ. وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى لاَ تَأْبَى هَذَا الْحُكْمَ.

آثَارُ الرُّجُوعِ:

10 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمُعِيرَ إِذَا رَجَعَ فِي إِعَارَتِهِ بَطَلَتِ الإْعَارَةُ، وَيَبْقَى الْمُعَارُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ إِنْ حَصَلَ ضَرَرٌ لِلْمُسْتَعِيرِ بِأَخْذِ الْمُعَارِ مِنْهُ. وَأَوْرَدُوا الأْحْكَامَ الْخَاصَّةَ بِكُلِّ نَوْعٍ مِمَّا يُعَارُ. فَقَالُوا فِي إِعَارَةِ الأْرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ: لَوْ أَعَارَ أَرْضًا إِعَارَةً مُطْلَقَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ صَحَّ لِلْعِلْمِ بِالْمَنْفَعَةِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ، وَيُكَلِّفُ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ قَلْعَ الزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِيهِ مَضَرَّةٌ بِالأْرْضِ، فَيُتْرَكَانِ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعَيْنِ، لِئَلاَّ تَتْلَفَ أَرْضُهُ، أَوْ يَأْخُذُ الْمُسْتَعِيرُ غِرَاسَهُ وَبِنَاءَهُ بِلاَ تَضْمِينِ الْمُعِيرِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعِيرَ قِيمَتَهُمَا قَائِمَيْنِ فِي الْحَالِ وَيَكُونَانِ لَهُ وَأَنْ يَرْفَعَهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ الرَّفْعُ مُضِرًّا بِالأْرْضِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُعِيرِ. وَفِيهِ رَمْزٌ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ. وَأَشَارَ أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ فِي الْمُؤَقَّتَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ فَيُقْلِعُ الْمُعِيرُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إِلاَّ أَنْ يَضُرَّ الْقَلْعُ بِالأْرْضِ، فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ لاَ قَائِمَيْنِ.

وَإِنْ وَقَّتَ الْمُعِيرُ الإْعَارَةَ فَرَجَعَ عَنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ كُلِّفَ الْمُسْتَعِيرُ قَلْعَهَا، وَضَمِنَ الْمُعِيرُ لَهُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، لَكِنْ هَلْ يَضْمَنُهُمَا قَائِمَيْنِ أَوْ مَقْلُوعَيْنِ ؟.

مَا مَشَى عَلَيْهِ الْكَنْزُ وَالْهِدَايَةُ أَنَّهُ يَضْمَنُهُمَا مَقْلُوعَيْنِ، وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْمُحِيطِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ قَائِمًا إِلاَّ أَنْ يُقْلِعَهُ الْمُسْتَعِيرُ وَلاَ ضَرَرَ، فَإِنْ ضَمِنَ فَضَمَانُ الْقِيمَةِ مَقْلُوعًا. وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ: وَأَلْزَمْنَاهُ الضَّمَانَ فَقِيلَ: مَا نَقَصَهُمَا الْقَلْعُ، وَقِيلَ: قِيمَتُهُمَا وَيَمْلِكُهُمَا. وَقِيلَ: إِنْ ضَرَّ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ ضَمَانِ مَا نَقَصَ، وَضَمَانِ الْقِيمَةِ، وَمِثْلُهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَالْمَوَاهِبُ وَالْمُلْتَقَى وَكُلُّهُمْ قَدَّمُوا الأْوَّلَ، وَبَعْضُهُمْ جَزَمَ بِهِ وَعَبَّرَ عَنْ غَيْرِهِ بِقِيلِ فَلِذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ ابْنُ عَابِدِينَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ.

وَقَالَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا الأْنْصَارِيُّ فِي الْمَنْهَجِ: إِذَا أَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ، وَلَوْ إِلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ قَلْعَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ مَجَّانًا وَلَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الأْرْضِ، لأِنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَلْعَهُ خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ، وَبَيْنَ قَلْعِهِ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ، وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا وَبَيْنَ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ أَوْ عِنْدَ رُجُوعِهِ، ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ الْقَلْعُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلاَّ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ، فَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِيهَا، فَبَذَلَ لَهُ الْمُعِيرُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَمْلِكَهُ أُجْبِرَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ دَفْعِ الْقِيمَةِ وَأَرْشِ النَّقْصِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنَ الْقَلْعِ وَدَفْعِ الأْجْرِ لَمْ يُقْلَعْ، وَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ تُرِكَ بِحَالِهِ وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضُرُّ بِالشَّجَرِ.

إِعَارَةُ الأْرْضِ لِلزَّرْعِ:

11 - لِلْفُقَهَاءِ اخْتِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي إِعَارَةِ الأْرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الزَّرْعِ.

فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ الْقَوْلُ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مُعِيرَ الأْرْضِ لِلزِّرَاعَةِ إِذَا رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا مِنَ الْمُسْتَعِيرِ، بَلْ تَبْقَى فِي يَدِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ. وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِحْسَانٌ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْعَارَةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً.

وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، بِأَنْ يَأْخُذَ الْمُعِيرُ أَجْرَ مِثْلِ الأْرْضِ مِنْ تَارِيخِ رُجُوعِهِ حَتَّى حَصَادِ الزَّرْعِ، فَيَنْتَفِي ضَرَرُهُ بِذَلِكَ، وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُحْصَدَ. وَفِي ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْمُسْتَعِيرِ، فَلاَ يُضَرُّ بِالْقَلْعِ قَبْلَ الْحَصَادِ، وَهَذَا هُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الإْعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ إِنْ نَقَصَ الزَّرْعُ بِالْقَلْعِ، لأِنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَلَهُ أَمَدٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَتَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ فِي الإْعَارَةِ الْمُطْلَقَةِ:

أَحَدُهَا: هَذَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الأْرْضَ تَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الْمُدَّةَ الَّتِي تُرَادُ الأْرْضُ لِمِثْلِهَا عَادَةً.

وَالثَّالِثُ: لاَ تَبْقَى، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.

أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ فَلاَ يَرْجِعُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعَمَلِ أَوِ الأْجَلِ.

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَلاَّ أُجْرَةَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، بَلْ تَبْقَى الأْرْضُ فِي يَدِهِ حَتَّى الْحَصَادِ بِلاَ أَجْرٍ، لأِنَّ مَنْفَعَةَ الأْرْضِ إِلَى الْحَصَادِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ لِلْمُعِيرِ الْقَلْعَ لاِنْقِطَاعِ الإْبَاحَةِ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الرُّجُوعِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلاً فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي وَقْتِ إِمْكَانِ حَصَادِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الزَّرْعِ، كَالْبِرْسِيمِ وَالشَّعِيرِ الأْخْضَرِ.

إِعَارَةُ الدَّوَابِّ وَمَا فِي مَعْنَاهَا:

12 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ إِعَارَةَ الدَّوَابِّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً، بِأَنْ أَعَارَ دَابَّتَهُ مَثَلاً وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانًا وَلاَ زَمَانًا وَلاَ رُكُوبًا وَلاَ حَمْلاً مُعَيَّنًا فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي أَيِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ أَوْ يَرْكَبَ، لأِنَّ الأْصْلَ فِي الْمُطْلَقِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى إِطْلاَقِهِ، وَقَدْ مَلَّكَهُ مَنَافِعَ الْعَارِيَّةِ مُطْلَقًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَهَا. إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَا يَضُرُّهَا، وَلاَ يَسْتَعْمِلُهَا أَكْثَرَ مِمَّا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، حَتَّى لَوْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، لأِنَّ الْعَقْدَ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الإْطْلاَقِ لَكِنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ دَلاَلَةً، كَمَا يَتَقَيَّدُ نَصًّا.

وَلاَ يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ تَأْجِيرَ الْعَارِيَّةِ، فَإِنْ أَجَّرَهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ أَوِ الْمُسْتَأْجِرُ، لَكِنْ إِذَا ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

وَإِذَا قَيَّدَ الْمُعِيرُ الإْعَارَةَ تَقَيَّدَتْ بِمَا قَيَّدَهَا بِهِ.

فَإِنْ خَالَفَ الْمُسْتَعِيرُ، وَعَطِبَتِ الدَّابَّةُ ضَمِنَ بِالاِتِّفَاقِ. وَإِنْ خَالَفَ وَسُلِّمَتْ فَهُنَاكَ اتِّجَاهَانِ: الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَضْمَنُ أَجْرَ مَا زَادَ فِي الْمَسَافَةِ أَوِ الْحَمْلِ وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ.

وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا الْفَرْعِ فِي كِتَابِ الإْعَارَةِ وَلَكِنْ تَعَرَّضُوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الإْجَارَةِ فَقَالُوا: «إِذَا زَادَ عَلَى الدَّابَّةِ شَيْئًا غَيْرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَسُلِّمَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ إِلاَّ بِرِضَى الْمُكَارِي».

وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنَ الإْعَارَةِ وَالإْجَارَةِ فِيهِ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَكَانَ أَخْذُ الأْجْرِ فِي الإْجَارَةِ مُسَلَّمًا وَفِي الإْعَارَةِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ، لأِنَّهَا مِنْ بَابِ الإْحْسَانِ وَالتَّبَرُّعِ، فَإِنَّ عَدَمَ وُجُوبِ أَجْرٍ فِي مُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ فِي الإْعَارَةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

فَإِذَا أَعَارَ إِنْسَانًا دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا غَيْرَهُ. لأِنَّ الأْصْلَ فِي الْمُقَيَّدِ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ فِيهِ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ. وَالاِعْتِبَارُ فِي هَذَا الْقَيْدِ مُمْكِنٌ، لأِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الدَّوَابِّ، فَإِنْ خَالَفَ الْمُسْتَعِيرُ وَأَعَارَ الدَّابَّةَ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ.

تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا:

13 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - مَا عَدَا الزَّرْكَشِيُّ - وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِضَافَتُهَا، وَلاَ تَعْلِيقُهَا، لأِنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ جَوَازُ إِضَافَتِهَا دُونَ تَعْلِيقِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فُرُوعًا ظَاهِرُهَا أَنَّهَا تَعْلِيقٌ أَوْ إِضَافَةٌ كَقَوْلِهِمْ: أَعِرْنِي دَابَّتَكَ الْيَوْمَ أُعِيرُكَ دَابَّتِي غَدًا، وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا إِجَارَةٌ لاَ إِعَارَةٌ.

وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى تَصْرِيحٍ لِلْحَنَابِلَةِ بِحُكْمِ إِضَافَةِ الإْعَارَةِ أَوْ تَعْلِيقِهَا. وَإِنْ كَانُوا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الأْصْلَ فِي الإْعَارَةِ عَدَمُ لُزُومِهَا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 39

الْعَارِيَّةُ:

19 - الْعَارِيَّةُ الَّتِي هِيَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَتُسَمَّى حِينَئِذٍ الْعَارِيَّةَ الْمُقَيَّدَةَ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، وَتُسَمَّى الْعَارِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ، وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ، مُطْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مُقَيَّدَةً، إِلاَّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَالإْعَارَةِ لِلدَّفْنِ أَوِ الْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ ر: (إِعَارَةٌ).

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِعَمَلٍ كَزِرَاعَةِ أَرْضٍ بَطْنًا (زَرْعَةً وَاحِدَةً) أَوْ بِوَقْتٍ كَسُكْنَى دَارٍ شَهْرًا مَثَلاً، فَإِنَّهَا تَكُونُ لاَزِمَةً إِلَى انْقِضَاءِ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةً بِعَمَلٍ وَلاَ بِوَقْتٍ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةٍ يُنْتَفَعُ فِيهَا بِمِثْلِهَا عَادَةً؛ لأِنَّ الْعَادَةَ كَالشَّرْطِ.

فَإِنِ انْتَفَى الْمُعْتَادُ مَعَ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْعَمَلِ أَوِ الْوَقْتِ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارَ فِي تَسْلِيمِ ذَلِكَ أَوْ إِمْسَاكِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 28

الْمَنَافِعُ:

25 - الْمَنَافِعُ كَذَلِكَ يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْقِطُ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَمْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ بِمُقْتَضَى عَقْدٍ، كَالإْجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ، أَمْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَتَحْجِيرِ الْمَوَاتِ لإِحْيَائِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الاِخْتِصَاصُ بِمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، فَالْمَنَافِعُ تَقْبَلُ الإْسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ فَمَاتَ الْمُوصِي وَبَاعَ الْوَارِثُ الدَّارَ وَرَضِيَ الْمُوصَى لَهُ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ سُكْنَاهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبِعِ الْوَارِثُ الدَّارَ وَلَكِنْ قَالَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ: أَسْقَطْتُ حَقِّي سَقَطَ حَقُّهُ بِالإْسْقَاطِ.

وَأَمَاكِنُ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالأْسْوَاقِ يَجُوزُ لِلْمُنْتَفِعِ بِهَا إِسْقَاطُ الْحَقِّ فِيهَا. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لإِسْقَاطِهَا بِدُونِ عِوَضٍ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لإِسْقَاطِهَا بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى قَاعِدَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكِ الاِنْتِفَاعِ، فَمَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا، وَمَنْ مَلَكَ الاِنْتِفَاعَ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الإْسْقَاطَ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ بَعْضُ الْقُيُودِ فَإِنَّ الاِعْتِيَاضَ عَنِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُمْ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَوْ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، أَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عِوَضٍ فَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا. وَالْمَنَافِعُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ. كَمَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِفْرَادُ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الأْصَحِّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مَا لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ الدَّارِ وَالثَّانِي بِسُكْنَاهَا، وَصَالَحَ الأْوَّلُ الثَّانِيَ لأِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِ الدَّارِ صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَاهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَنْفَعَةِ عَيْنٍ أُخْرَى لِتَسْلَمَ الدَّارُ لَهُ جَازَ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 176

الْغَرْسُ فِي الأْرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ:

6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إِعَارَةِ الأْرْضِ لِلْغَرْسِ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا بِدُونِ ذِكْرِ مُدَّةٍ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا مَا يَشَاءُ مِنَ الْغِرَاسِ فِي دَاخِلِ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ أَوِ الْمُعْتَادَةِ إِذَا كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ أَوِ الْمُعْتَادَةِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مُتَشَابِهَانِ فِي قَصْدِ الدَّوَامِ وَالإْضْرَارِ بِالأْرْضِ .

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لاَ يَغْرِسَ مُسْتَعِيرًا لِبِنَاءٍ، وَلاَ يَبْنِيَ مُسْتَعِيرًا لِغِرَاسٍ؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَخْتَلِفَانِ فِي الضَّرَرِ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الأْرْضِ أَكْثَرُ مِنْ بَاطِنِهَا، وَالْغِرَاسُ بِالْعَكْسِ؛ لاِنْتِشَارِ عُرُوقِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والثلاوثون ، الصفحة / 180

إِعَارَةُ الْمَعَازِفِ

26 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا، فَلاَ يَجُوزُ إِعَارَةُ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا كَالْمَعَازِفِ وَآلاَتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 193

إِعَارَةُ النُّقُودِ:

42 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ جَوَازَ إِعَارَةِ النُّقُودِ.

ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَارِيَةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ قَرْضٌ تَغْلِيبًا لِلْمَعْنَى عَلَى اللَّفْظِ، وَهَذَا إِذَا أُطْلِقَ الْعَارِيَةُ، فَأَمَّا إِذَا بَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِيهَا، كَمَا إِذَا اسْتَعَارَهَا لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانَهُ أَوْ يُجَمِّلَ بِهَا دُكَّانَهُ أَوْ لِتَجَمُّلِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ تَنْقَلِبُ بِهِ أَعْيَانُهَا، لاَ يَكُونُ قَرْضًا، بَلْ يَكُونُ عَارِيَةً تُمْلَكُ بِهَا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ دُونَ غَيْرِهَا، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ مَا سَمَّاهُ لَهُ.

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ إِعَارَةَ النُّقُودِ قَرْضٌ لاَ عَارِيَةٌ وَإِنْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْعَارِيَةِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَارِيَةِ الاِنْتِفَاعُ بِهَا مَعَ رَدِّ عَيْنِهَا لِرَبِّهَا، وَالنُّقُودُ إِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ ذَهَابِ عَيْنِهَا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَجُوزُ إِعَارَةُ النَّقْدِ لَوْ صَرَّحَ بِإِعَارَتِهِ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ أَوِ الطَّبْعِ عَلَى طَبْعِهِ، وَلَوْ نَوَى ذَلِكَ كَفَى. أَمَّا فِي حَالِ الإْطْلاَقِ فَلاَ تَصِحُّ الْعَارِيَةُ عِنْدَهُمْ؛ لأِنَّ مُعْظَمَ الْقَصْدِ مِنَ النَّقْدِ الإْنْفَاقُ .

_____________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

( مادة 663)

الاعارة هي تمليك المستعير منفعة العين المستعارة بلا عوض.

( مادة 664)

يشترط لصحة العارية قابلية المستعار الانتفاع به مع بقاء عينه.

(مادة 665)

لا تخرج العين المستعارة عن ملك المعير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الأحكام العدلية

مادة (804) العارية

الإعارة تنعقد بالإيجاب والقبول وبالتعاطي. مثلاً لو قال شخص لآخر أعرتك مالي هذا أو قال أعطيتك إياه عارية فقال الآخر قبلت أو قبضه ولم يقل شيئاً أو قال رجل لإنسان أعطني هذا المال عارية فأعطاه إياه إنعقدت الإعارة.

 

مادة (810) القبض

القبض شرط في العارية فلا حكم لها قبل القبض.