مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 691
مذكرة المشروع التمهيدي :
لما كانت العارية تبرعاً فالغالب فيها أن يكون الشخص المستدير اعتبار خاص عند المدير، فإذا مات المستعير تنتهي العارية، إلا إذا وجد اتفاق على غير ذلك، ومی انتهت العارية بموت المستعير، فإن التزامات المستدير كالالتزام برد العارية وغيره تبقي في تركته و تعتبر ديناً عليه.
أما موت المعير فلا ينهي العارية، و تبقي في تركته التزاماته وحقوقه الناشئة عن العارية.
تنتهى العارية حتماً بوفاة المستعير قبل انقضاء الأجل المحدد لها لأن شخصيته محل اعتبار في العقد وقد قصد المعير أن يعيره هو فلا تنتقل إلى الورثة مالم يوجد اتفاق مكتوب على غير ذلك ومن ثم فلا محل للقول بأن العارية لم يراع فيها شخصية المستعير أما الالتزامات المترتبة في ذمة المستعير كالالتزام بالرد أو بالتعويض إذا كان المستعير قد قصر في المحافظة على العارية أو في استعمالها فتبقى ديناً في التركة، أما موت المعير فلا ينهي العارية وتنتقل التزاماته في حدود تركته.
وإذا قصر المستعير في التزاماته وأساء استعمال الشيء أو في المحافظة عليه جاز للمعير أن يطلب فسخ العارية .
وإذا بيعت العين المعارة فلا تنتهي العارية بل للمستعير حبس العين حتی تنتهي المدة المقررة لها، ولكن تنتهي العارية بضياع العين المعارة أو تلفها بحيث تصبح غير صالحة للاستعمال سواء أكان ذلك بقوة قاهرة أم بتقصير المستعير أما إذا كان الباقي منها يصلح للاستعمال فللمستعير أن ينتفع به، واذا علقت العارية على شرط فاسخ فإنها تنتهي يتحقق ذلك الشرط كان أعار شخصاً منزلاً ليسكنه حتى ينقل هذا الشخص من البلدة التي بها المنزل فإنه عند نقله يتحقق الشرط وينتهي العقد، وكذلك تنتهي العارية إذا استحق الشيء المعار لآخر، كما تنتهى باتحاد الذمة.
استرداد العارية :
متى انتهت العارية، كان للمعير استردادها بدعوى شخصية لا يطلب منه فيها إثبات ملكيته لها وإنما يكفي أن يثبت عقد العارية الذي بموجبه تسلم المستعير العارية، فدعوى استرداد العارية، هي دعوى شخصية وليست دعوى استحقاق مما يلزم لها إثبات الملكية.
ومثل العارية في ذلك مثل الإيجار، فيرد كل منهما على منفعة الشيء ويرتبان التزامات شخصية منها التزام المستعير والمستأجر برد العين المعارة أو المؤجرة للمعير أو المؤجر ولو لم يكن أي منهما مالكاً للشئ، وبالتالي لا يجوز للمستعير أو المستأجر دفع دعوى الرد بعدم ملكية المعير أو المؤجر للعين.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع الصفحة/ 423)
فقد لاحظ الشارع أنه يراعى في عقد العارية شخصية المستعير، فالمعير يعير.
شخصاً بذاته وقد لا يرضى أن تنتقل العارية إلى غيره.
ولذلك نص في المادة المذكورة على أن تنتهي العارية بموت المستعير، غير أن هذا الحكم لا يتعلق بالنظام العام فيجوز للطرفين الاتفاق على خلافه بأن تستمر الإعارة بعد موت المستعير فتنتقل إلى ورثته.
أما بالنسبة للالتزامات التي كانت تقع على عاتق المستعير المتوفي فإنها تظل و باقية في تركته، ويلتزم بها ورثته في حدود التركة، مثل الالتزام بالرد والتعويض المستحق للمعير عما أصاب الشيء المعار من هلاك أو تلف أو فقد.
أما موت المعير فلا يترتب عليه انتهاء الإعارة، وتنقل حقوقه إلى ورثته، كما تنقل إليهم التزاماته في حدود تركته .
(أسباب أخرى لانتهاء العارية)
(طبقاً للقواعد العامة)
(1) تحقق الشرط الفاسخ:
إذا كانت العارية مقرونة بشرط فاسخ، فإنها تنتهي بتحقق ذلك الشرط، كما إذا أعار شخص منزلاً لموظف ليسكنه حتى ينقل الموظف من البلد الموجود به المنزل، فإنه عند نقله يتحقق الشرط وينتهي العقد.
(2)- استحقاق العارية
إذا أعار شخص شيئاً من غير أن يكون له حق أو صفة في ذلك، كان العقد معتبراً بين العاقدين، ولكن المالك لا يكون ملزماً باحترامه، وله أن يطلب رد العارية في أي وقت شاء، وبذلك تنقضي العارية.
(۳)-اتحاد الذمة:
إذا اتحدت الذمة، بأن اجتمعت صفتا دائن ومدين - معير ومستعير في شخص أحدهما، انبنى على ذلك زوال الصفتين المذكورتين بمقابلة إحداهما للأخرى (م 370 مدني) ويترتب عليه انقضاء العقد، كما لو آلت العين المعارة إلى المستعير بطريق الإرث عن المعير، ولكن الواقع أن اتحاد الذمة ليس سبباً في انقضاء العقد، وإنما بهذا السبب يستحيل استعمال الحق، فيقف ذلك الاستعمال فقط، ولا ينقضي العقد بحيث أنه إذا مازال السبب الذي من أجله اتحدت الذمة أمكن استعمال الحق.
هل تنتهي العارية ببيع الشيء المعار؟
إذا بيع الشيء المعار، فقد ذهب بعض الشراح إلى أنه لا يجوز الاحتجاج بالعارية ضد المشتري، وذهب البعض الآخر إلى أنه يصح الاحتجاج بالعارية قبل المشتري لأن المستعير له حق حبس العين المعارة حتى تنتهي العارية، فله إذن أن يتمسك بالعارية ضد أي شخص يهمه ذلك .
ونرى الأخذ بالرأي الثاني.( موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن الصفحة/ 44)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 305
الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ:
وَتَشْمَلُ هَذِهِ الْعُقُودُ الْهِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالإْعَارَةَ ، وَالْقَرْضَ، وَالْوَكَالَةَ، وَالشَّرِكَةَ، وَالْمُضَارَبَةَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ:
79 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْهِبَةِ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَعَلَّلَ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ بِانْتِقَالِ الْمُلْكِ لِوَارِثِ الْوَاهِبِ قَبْلَ تَمَامِهَا.
وَعَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْهِبَةَ نَوْعٌ مِنِ الْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ، وَلاَ يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إِذَا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحِيَازَةِ.
وَعَلَّلَهُ مُوَافِقُوهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ .
وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِ هِبَتِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُ الْهِبَةِ، لأِنَّهُ يَئُولُ إِلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْمَوْتِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَيَقُومُ وَارِثُ الْوَاهِبِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ فِي الإْقْبَاضِ وَالإْذْنِ فِيهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ أَقْبَضَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُقْبِضْ .
ب - الإْعَارَةُ :
80 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى انْفِسَاخِ عَقْدِ الْعَارِيَةِ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ، وَانْتِهَاءِ تَبَرُّعِهِ بِمَنَافِعِهَا لِلْمُسْتَعِيرِ، وَوُجُوبِ مُبَادَرَةِ الْمُسْتَعِيرِ إِلَى رَدِّ الْعَارِيَةِ لِوَرَثَتِهِ.
وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَيٍّ مِنْهُمَا، كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ.
وَوَجْهُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ انْتَقَلَتْ إِلَى وَارِثِ الْمُعِيرِ بِمَوْتِهِ، وَالْمَنْفَعَةُ بَعْدَ هَذَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مِلْكَ نَفْسِهِ لاَ مِلْكَ غَيْرِهِ .
وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا: إِنَّ الإْعَارَةَ مَعْرُوفٌ، وَالْوَفَاءُ بِهَا لاَزِمٌ، لأِنَّ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ قَبْلَ الْحِيَازَةِ.
وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا كَانَتِ الْعَارِيَةُ مُقَيَّدَةً بِعَمَلٍ، كَطَحْنِ إِرْدَبٍّ مِنَ الْقَمْحِ أَوْ حَمْلِهِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ إِلَى جِهَةٍ مَا كَانَ حُكْمُهَا اللُّزُومَ فِي حَقِّ الْمُعِيرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعَمَلُ الَّذِي اسْتُعِيرَتْ لأِجْلِهِ ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ، كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مِثْلاً، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الأْجَلُ الْمَضْرُوبُ لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً - غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِعَمَلٍ أَوْ زَمَنٍ - فَإِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَكُونُ لاَزِمًا فِي حَقِّ الْمُعِيرِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ.
وَحَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَإِذَا مَاتَ الْمُعِيرُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَعِيرِ لِلْعَارِيَةِ، وَبَقِيَ فِي مُدَّتِهَا، أَوْ مِنَ الْغَرَضِ الْمُسْتَعَارَةِ لأِجْلِهِ شَيْءٌ، فَلاَ تَبْطُلُ الإْعَارَةُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ يَنْتَهِي الْتِزَامُهُ، وَتَبْقَى الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِهَا إِلَى نِهَايَةِ الْعَمَلِ أَوِ الْمُدَّةِ، أَمَّا إِذَا مَاتَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَةَ فَإِنَّ الإْعَارَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ لِعَدَمِ تَمَامِهَا بِالْحِيَازَةِ قَبْلَهُ .
ج - الْوَكَالَةُ:
81 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ، وَتَبْطُلُ سَائِرُ الاِلْتِزَامَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
أَمَّا الْمُوَكِّلُ: فَلأِنَّ التَّوْكِيلَ إِنَّمَا قَامَ بِإِذْنِهِ، وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَلَمَّا بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ بِالْمَوْتِ بَطَلَ إِذْنُهُ، وَانْتَقَلَ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ.
وَأَمَّا الْوَكِيلُ: فَلأِنَّ أَهْلِيَّتَهُ لِلتَّصَرُّفِ قَدْ زَالَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ الْوَكَالَةُ حَقًّا لَهُ فَتُورَثُ عَنْهُ .
وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الْوَكَالَةَ تَعْتَمِدُ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهَا، لاِنْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ .
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَوْتَ الْمُوَكِّلِ فِي حَالَةِ الْوَكَالَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ إِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ أَوِ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، فَحِينَئِذٍ لاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَلاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ .
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَوْتَ الْمُوَكِّلِ إِذَا وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ، كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِهِ .
د - الشَّرِكَةُ:
82 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى انْفِسَاخِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (بِأَنْوَاعِهَا) وَبُطْلاَنِ الاِلْتِزَامَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّ هَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَبَطَلَتْ بِذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَإِنَّمَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بِالْمَوْتِ لأِنَّ هَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، أَيْ مَشْرُوطٌ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا ضَرُورَةً، فَإِنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ ابْتِدَاؤُهَا إِلاَّ بِوِلاَيَةِ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الآْخَرِ، وَلاَ تَبْقَى الْوِلاَيَةُ إِلاَّ بِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ .
هـ - الْمُضَارَبَةُ:
83 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَبُطْلاَنِ الاِلْتِزَامَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ بِمَوْتِ الْمُضَارِبِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ إِذَا كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ نَاضًّا (أَيْ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِهَا)، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَالْوَكَالَةُ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ عَاقِدَيْهَا وَلاَ تُوَرَّثُ، فَتَتْبَعُهَا الْمُضَارَبَةُ .
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا تِجَارِيَّةً، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ بُطْلاَنُ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، فَتُبَاعُ السِّلَعُ وَالْعُرُوضُ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُهُ، وَيُوَزَّعَ بَيْنَ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى وَالطَّرَفِ الْبَاقِي .
وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَبْطُلُ بِوَفَاةِ رَبِّ الْمَالِ أَوِ الْمُضَارِبِ.
أَمَّا رَبُّ الْمَالِ إِذَا مَاتَ فَيَخْلُفُهُ وَرَثَتُهُ فِي الْمَالِ، وَيَبْقَى الْعَامِلُ عَلَى قِرَاضِهِ إِذَا أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَقَاءَهُ، وَإِنْ أَرَادُوا فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَخْذَ مَالِهِمْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ نَضُوضِهِ.
وَأَمَّا الْمُضَارِبُ إِذَا مَاتَ فَيَخْلُفُهُ وَرَثَتُهُ فِي حَقِّ عَمَلِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْعَمَلَ فِيهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِمْ .
و - الْجَعَالَةُ:
84 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي تَأْثِيرِ الْمَوْتِ عَلَى الاِلْتِزَامِ عَلَى الْجَعَالَةِ بَيْنَ مَوْتِ الْجَاعِلِ وَمَوْتِ الْمَجْعُولِ لَهُ، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
مَوْتُ الْجَاعِلِ:
85 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى انْفِسَاخِ الْجَعَالَةِ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ وَبُطْلاَنِ الْتِزَامِهِ فِيهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ (الْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعَمَلِ).
وَقَالَ ابن حبيب وابن القاسم فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ: لاَ يَبْطُلُ الْجُعْلُ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْمَجْعُولَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ.
أَمَّا إِذَا مَاتَ الْجَاعِلُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَلِ فَلاَ أَثَرَ لِوَفَاتِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ، لأِنَّهُ قَدْ تَمَّ وَاسْتَقَرَّ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ الْجُعْلُ فِي تَرِكَتِهِ .
وَلَوْ مَاتَ الْجَاعِلُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ، وَلَكِنْ قَبْلَ إِتْمَامِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ بُطْلاَنُ الْجَعَالَةِ بِمَوْتِهِ، لأِنَّ هَا مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ إِلاَّ أَنَّ الْعَامِلَ إِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ قِسْطَ مَا عَمِلَهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى، وَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَا عَمِلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْجَاعِلِ، لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْوَرَثَةِ لَهُ بِهِ .
وَالثَّانِي: لِلإْمَامِ مَالِكٍ - فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ وَأَشْهَبَ عَنْهُ - وَهُوَ أَنَّ الْجَعَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ، وَتَلْزَمُ وَرَثَتَهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْمَجْعُولَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ .
مَوْتُ الْمَجْعُولِ لَهُ:
86 - إِذَا مَاتَ الْعَامِلُ (الْمَجْعُولُ لَهُ) قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجَعَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، إِلاَّ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِلُزُومِ الْجَعَالَةِ بِالْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاعِلِ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْمَجْعُولُ لَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ، وَيَنْزِلُ وَرَثَتُهُ مَنْزِلَتَهُ، وَلَيْسَ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ .
أَمَّا إِذَا مَاتَ الْعَامِلُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ، وَقَبْلَ إِتْمَامِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَعَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَامِلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي إِكْمَالِهِ إِنْ كَانُوا أُمَنَاءَ، وَلَيْسَ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا أَتَمَّ الْوَرَثَةُ الْعَمَلَ اسْتَحَقُّوا الْجُعْلَ كَامِلاً، بَعْضُهُ بِالإْرْثِ مِنْ عَمَلِ مُوَرِّثِهِمْ، وَبَعْضُهُ الآْخَرُ نَتِيجَةُ عَمَلِهِمْ .
الثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْجَعَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، لأِنَّ هَا مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ أَتَمَّ وَرَثَتُهُ الْعَمَلَ مِنْ بَعْدِهِ، اسْتَحَقُّوا قِسْطَ مَا عَمِلَ مُوَرِّثُهُمْ مِنَ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى فَقَطْ، وَلاَ شَيْءَ لَهُمْ فِي الْعَمَلِ الَّذِي أَتَمُّوهُ بَعْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِمْ .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (جَعَالَة ف67).
ز - الْوَصِيَّةُ:
87 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا فِي حَيَاتِهِ مَتَى شَاءَ لأِنَّ هَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ لَمْ يَتِمَّ، إِذْ تَمَامُهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، فَجَازَ رُجُوعُهُ عَنْهَا قَبْلَ تَمَامِهَا، وَلأِنَّ الْقَبُولَ فِي الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَقْتَرِنْ بِإِيجَابِهِ الْقَبُولَ، فَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ.
وَعَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصِي إِذَا مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا، وَلاَ يَسْقُطُ الْتِزَامُهُ بِوَفَاتِهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَوْتُهُ مُوجِبًا لِلُزُومِهَا، مِنْ جِهَتِهِ، وَقَاطِعًا لِحَقِّهِ فِي الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَمُثْبِتًا لاِلْتِزَامِهِ النَّاشِئِ عَنْهَا وَالْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا .
__________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
( مادة 685)
تنفسخ الاعارة بموت المعير أو المستعير ولا تنتقل العارية لورثة المستعير.
فان مات المستعير مجهلاً للعين المستعارة ولم توجد في تركته تکون دیناً واجباً أداؤه من التركة.