1 ـ مؤدى نص المادة 649 / 1 من ذات القانون ( القانون المدنى ) أنه فى حالة تقديم رب العمل المادة المستخدمة فانه يتعين على المقاول أن يحافظ على المادة المسلمة إليه من رب العمل وأن يبذل فى المحافظة عليها عناية الشخص المعتاد فإن نزل عن هذه العناية كان مسئولا عن هلاكها أو تلفها أو ضياعها أو سرقتها ، وأن مسئولية المقاول فى هذه الحالات مسئولية عقدية ويقع عبء الإثبات على رب العمل ، إذ عليه أن يثبت أن المقاول لم يبذل فى حفظ الشئ عناية الشخص المعتاد وأن إهماله فى المحافظة عليه هو الذى ترتب عليه تلف الشئ أو ضياعه أو هلاكه أو سرقته وللأخير من جانبه أن يثبت – حتى يدرأ عن نفسه المسئولية – أنه بذل عناية الشخص المعتاد ، وأن التلف أو الضياع أو الهلاك أو السرقة كان بسبب أجنبى لا يد له فيه فتنتفى مسئوليته .
(الطعن رقم 3099 لسنة 72 جلسة 2003/12/24 س 54 ع 2 ص 1404 ق 251)
2 ـ متى كان الحكم قد إنتهى إلى إخلال الطاعن - رب العمل فى المقاولة - بإلتزامه من جراء تأخره فى الحصول على رخصة البناء فى الوقت المناسب ، فإن إعذاره لا يكون واجباً على الدائن بعد فوات هذا الوقت ، إذ لا ضرورة للإعذار بنص المادة 220 من القانون المدنى إذا أصبح تنفيذ الإلتزام غير مجد بفعل المدين . و إذ كان الحكم قد قضى بالتعويض المستحق للمطعون عليه دون أن يرد على ما تمسك به الطاعن فى دفاعه من ضرورة إعذاره فى هذه الحالة ، فإنه لا يكون مشوبا بالقصور .
(الطعن رقم 243 لسنة 37 جلسة 1972/06/01 س23 ع 2 ص 1062 ق 166)
3 ـ الحكم بفسخ عقد المقاولة ينبنى عليه انحلاله و اعتباره كأن لم يكن ، ولا يكون رجوع المقاول - الذى أخل بإلتزامه - بقيمة ما استحدثه من أعمال إلا استنادا إلى مبدأ الإثراء بلا سبب لا إلى العقد الذى فسخ و أصبح لا يصلح أساسا لتقدير هذه القيمة . و لما كان مقتضى مبدأ الإثراء وفقا للمادة 179 من القانون المدنى ، أن يلتزم المثرى بتعويض الدائن عما إفتقر به و لكن بقدر ما أثرى ، أى أنه يلتزم برد أقل قيمتى الإثراء و الإفتقار ، و كان تقدير قيمة الزيادة فى مال المثرى بسببب ما استحدث من بناء يكون وقت تحققه أى وقت استحداث البناء ، بينما الوقت الذى يقدر فيه قيمة الإفتقار هو وقت الحكم ، و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و التزم فى تقدير قيمة الإفتقار هو وقت الحكم ، و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و التزم فى تقدير قيمة ما زاد فى مال المطعون عليه - رب العمل - بسبب ما استحدثه الطاعن - المقاول - من أعمال البناء ، الحدود الواردة على عقد المقاول الذى قضى بفسخه ، فإنه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 583 لسنة 35 جلسة 1970/03/17 س 21 ع 1 ص 450 ق 72)
4 ـ لما كان البيّن من الاتفاق المبرم بين الطرفين أنه قد نص فى بند من بنوده على أنه " إذا تبين للشركة الطاعنة أن معدل سير العمل لا يبشر بالنهو فى المواعيد المقررة فلها الحق فى سحب كل أو جزء من العمل من المطعون ضده وتشغيله بمعرفتها أو إسناده إلى آخرين وذلك دون أى اعتراض منه مع التزامه بكافة فروق الأسعار علاوة على ما يترتب على ذلك من مصاريف وخسائر مع حفظ حقها فى المطالبة بالتعويضات اللازمة نتيجة للأضرار التى تلحق بها نتيجة لهذا التأخير " وكانت الشركة الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها سحبت العملية من المطعون ضده وأتمتها على نفقته تطبيقاً للاتفاق المبرم بينهما وأسفر ذلك عن مديونيته لها ، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يفطن لهذا الدفاع الجوهرى وقضى للمطعون ضده بالمبلغ المحكوم به الذى احتسبه الخبير المنتدب من المحكمة الاستئنافية عن الأعمال التى قام بها المطعون ضده فحسب ودون تحقيق دفاع الطاعنة سالف البيان مما يعيب الحكم بالقصور المبطل الذى جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 8571 لسنة 66 جلسة 1997/12/22 س 48 ع 2 ص 1512 ق 282)
5 ـ لما كان واقع الدعوى أن الطاعنة قد اتفقت مع الشركة المطعون ضدها الثانية بموجب عقد مقاولة مؤرخ 7 / 2 / 1984 و المقدم صورته منها أمام محكمة أول درجة على أن تقوم الشركة المطعون ضدها الثانية بإنشاء العمارات المبينة بالعقد لصالح الطاعنة وتضمن البند الثامن منه التزاماً عليها هو القيام بالعمل المتفق عليه بنفسها وحظر عليها أن تسند تنفيذه فى جملته أو فى جزء منه إلى مقاول من الباطن وإلا كان الجزاء الفسخ ولعدم قيام المقاول الأصلي بتنفيذ العملية فى الميعاد المتفق عليه فى العقد فقد سحبت الطاعنة العملية منه بعدما أنذرته رسمياً بذلك وتحفظت على المنقولات الموجودة بالموقع والمملوكة له ضماناً لحقوقها قبله، وإذ لم يطبق الحكم العقد آنف الذكر على موضوع النزاع رغم وجوب إعماله وطبق عقد المقاولة من الباطن والذي لم تكن الطاعنة طرفاً فيه وخلص إلى أن المنقولات الموجودة بالموقع ملكاً للمطعون عليه الأول - المقاول من الباطن - وقضى له بتسليمها فضلاً عن مبلغ التعويض فإنه يكون مشوباً بالقصور فى التسبيب مما جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 5601 لسنة 66 جلسة 1999/01/27 س 50 ع 1 ص 133 ق 21)
6 ـ متى كان العقد المبرم بين الطرفين قد أوجب فى بند منه على المقاول - الطاعن - أن ينهى جميع العمل المنوه عنه فى العقد فى الوقت المتفق عليه و الا كان للمطعون عليه توقيع الغرامات حسب الفئات المنصوص عليها فى ذلك البند و أن هذه الغرامات توقع بمجرد حصول التأخير . و كان الطاعن قد تأخر فى نهو العمل فى الميعاد المتفق عليه أولا فى العقد ثم تباطأ فى انجازه رغم امهاله فى اتمامه أكثر من مرة مما اضطر المطعون عليه الى سحب العملية منه ثم قبل الطاعن الاستمرار فى العمل على حسابه بعد قرار السحب المذكور فان المطعون عليه يكون على حق فى احتساب غرامة التأخير عليه .
(الطعن رقم 45 لسنة 19 جلسة 1951/04/05 س 2 ع 3 ص 642 ق 107)
7 ـ إذا كان الحكم الإبتدائى إذ قضى بإلزام رب العمل بالتعويض قد أقام قضاءه على ما إتخذه المقاول أساساً لدعواه من أن رب العمل قد فسخ العقد دون تقصير منه إذ هو " المقاول " قد قام بما إلتزم به من إستحضار العمال و أدوات البناء و شيد جزءاً من البناء و أن رب العمل إمتنع عن تنفيذ ما تعهد به من تقديم مواد البناء فضلاً عن أنه إستغنى عن عمله و وكل البناء إلى غيره دون إنذار سابق أو تكليف له بالوفاء و كان الحكم الإستئنافى إذ قضى بإلغاء الحكم الإبتدائى و إقتصر على القضاء للمقاول بأجر عما أتمه من بناء قد أقام قضاءه على ما إستخلصه من أن العقد لم يرتب للمقاول فى ذمة رب العمل تعويضاً إذا إمتنع هذا الأخير أو تأخر فى تقديم مواد البناء - إن الحكم الإستئنافى إذ ند عن بحث أساس الدعوى على هذا النحو و لم يعن بالرد على ما أورده الحكم الإبتدائى من أسباب كان قاصراً قصوراً يستوجب نقضه .
(الطعن رقم 120 لسنة 18 جلسة 1950/11/09 س 2 ع 1 ص 30 ق 5)
يجب على المقاول أن ينجز العمل بالطريقة المتفق عليها في عقد المقاولة، وطبقًا للشروط الواردة في هذا العقد، وبخاصة طبقاً لدفتر الشروط في مقاولات البناء إذا وجد هذا الدفترة.
فإذا لم تكن هناك شروط متفق عليها، وجب اتباع العرف، وبخاصة أصول الصناعة والفن تبعًا للعمل الذي يقوم به المقاول فلصناعة البناء أصول معروفة، وللنجارة والحدادة والسباكة والحياكة والرسم والتصوير والنحت أصول وقوانين تجب مراعاتها دون حاجة لذكرها في العقد، ولصناعة الطب وصناعة المحاماة والهندسة والمحاسبة والطبع والنشر وغير ذلك من الأعمال التي يصح أن تكون محلاً لعقد المقاولة أصول وتقاليد وعرف يجب على المقاول أن يلتزمها في إنجازه للعمل المعهود به إليه.
فإذا خالف المقاول الشروط والمواصفات المتفق عليها أو الشروط التي تمليها أصول الصنعة وعرفها وتقاليدها، وأثبت رب العمل ذلك، كان المقاول مخلاً بالتزامه ووجب عليه الجزاء الذي سنبينه فيما يلي، وذلك دون حادة لأن يثبت رب العمل خطأ في جانب المقاول، فإن مخالفة هذه الشروط هي ذاتها الخطأ ولا يستطيع المقاول أن يتخلص من المسئولية إلا بإثبات السبب الأجنبي، أي بإثبات أن مخالفة الشروط ترجع إلى قوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ رب العمل نفسه أو فعل الغير.
وإذا احتاج المقاول، في إنجازه للعمل طبقًا لشروطه، إلى أدوات ومهمات، وجب عليه أن يأتي بها ويكون ذلك على نفقته، سواء كان للعمل مادة تسخدم فيه أو لم يكن، وسواء كان من ورد المادة هو رب العمل أو المقاول . فأدوات العمل ومهماته، كآلات البناء وعدة الجراحة وعربات النقل وألوان الدهان وبطانة الثواب وغير ذلك مما يحتاج إليه المقاول في إنجاز العمل، تكون على المقاول دون حاجة إلى اشتراط ذلك في العقد، وهذا مالم يقض الاتفاق أو عرف الحرفة بغيره، كذلك كثيرًا ما يحتاج المقاول، في إنجازه للعمل طبقًا لشروطه، إلى أيد عاملة، وقد يحتاج أيضًا إلى أشخاص يعاونونه ويعملون تحت إشرافه فيكونون تابعين له، بل قد ينجز العمل كله هؤلاء الأشخاص ومعهم العمال وتقتصر مهمة المقاول على الإشراف والتوجيه، ما لم يكن العمل منظورًا فيه إلى مهارة المقاول الشخصية كالطبيب والفنان. ففي جميع هذه الأحوال تكون أجور العمال والمعاونين على المقاول، ما لم يقض الاتفاق أو عرف الحرفة بغير ذلك، وقد ورد نص صريح في هذا المعنى، فيما يتعلق بالأدوات والمهمات، في الفقرة الثانية من المادة 649 من التقنين المدني، وتجرى على الوجه الآتي : "وعلى المقاول أن يأتي بما يحتاج إليه في إنجاز العمل من أدوات ومهمات إضافية، ويكون ذلك على نفقته، هذا مالم يقض الاتفاق أو عرف الحرفة بغيره" .
العناية اللازمة في إنجاز العمل : الالتزام بإنجاز العمل في عقد المقاولة إما أن يكون التزاماً بتحقيق غاية، وإما أن يكون التزامًا ببذل عناية .
فإن كان التزامًا بتحقيق غاية، كإقامة بناء أو ترميمه أو تعديله أو هدمه وكصنع أثاث أو ثوب أو وضع تصميم أو رسم لوحة أو نحت تمثال، فلا يبرأ المقاول من التزامه إلا إذا تحققت الغاية وأنجز العمل المطلوب. ولا يكفى أن يبذل في القيام به عناية الشخص المعتاد أو أكبر عناية ممكنة، فما دام العمل لم يتم إنجازه فإن المقاول يكون مسئولاً، ولا تنتفي مسئوليته إلا إذا أثبت السبب الأجنبي، وانتفاء مسئوليته في هذه الحالة إنما يأتي من نفي علاقة السببية لا من نفى الخطأ، أما إذا أنجز العمل، طبقًا للشروط والمواصفات المتفق عليها أو طبقًا لأصول الفن وتقاليد الصناعة وعرفها على النحو الذي قدمناه، فقد وفى بالتزامه وبرئت ذمته.
وإن كان الالتزام التزامًا ببذل عناية، كعلاج مريض أو المرافعة في قضية أو إدارة عمل أو الإشراف على تنفيذ، فإن المطلوب من المقاول في هذه الحالة هو أن يبذل عناية الشخص المعتاد في إنجاز العمل المعهود إليه، فيجب على الطبيب أن يبذل عناية من في مستواه من الأطباء في علاج المريض طبقًا للأصول الطبية، وليس عليه أن يشفى المريض؛ ويجب على المحامي أن يبذل عناية من في مستواه من المحامين في المرافعة، وليس عليه أن يكسب القضية، ويجب على المهندس الذي يدبر عملاً أو يشرف على تنفيذ تصميم أن يبذل عناية من في مستواه من المهندسين في إدارة العمل أو في الإشراف على التنفيذ، وليس عليه أن يحقق الغرض المقصود وتقول الفقرة الأولى من المادة 211 مدني في هذا المعنى : "في الالتزام بعمل، إذا كان المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه، فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق الغرض المقصود" .
تنص الفقرة الأولى من المادة 649 من التقنين المدني على ما يأتي :
"إذا كان رب العمل هو الذي قدم المادة، فعلى المقاول أن يحرص عليها ويراعى أصول الفن في استخدامه لها، وأن يؤدي حسابًا لرب العمل عما استعملها فيه ويرد إليه ما بقى منها، فإذا صار شيء من هذه المادة غير صالح للاستعمال بسبب إهماله أو قصور كفايته الفنية، التزم برد قيمة هذا الشيء لرب العمل .
والمفروض هنا أن رب العمل هو الذي يقدم المادة للمقاول، فيقدم مثلاً القماش للحائك أو الخشب للتجار أو الذهب للصانع أو الورق للمطبعة أو الأرض لمقاول البناء الخ . ويجب على المقاول في هذه الحالة أن يحافظ على المادة المسلمة إليه من رب العمل، يبذل في المحافظة عليها عناية الشخص المعتاد، فإن نزل عن هذه العناية كان مسئولاً عن هلاكها أو تلفها أو ضياعها أو سرقها . وإذا احتاج الحفظ إلى نفقات، تحملها المقاول، لأنها تعتبر جزءًا من النفقات العامة التي أدخلها في حسابه عند تقدير الأجر، وقد قدمنا أن عقد المقاولة الذي يتسلم فيه المقاول شيئًا من رب العمل ليعمل فيه يتضمن بطبيعته حفظ هذا الشيء ويكون مسئولاً عن ضياعه . ويستوي أن يكون الشيء قيميًا أو مثليًا.
ثم يجب على المقاول أن يستخدم المادة طبقًا لأصول الفن، فيجانب الإفراط والتفريط، ويستعمل منها القدر اللازم لإنجاز العمل المطلوب منه دون نقصان أو زيادة، وأن يؤدي حسابًا لرب العمل عما استعمله منها ويرد له الباقي إن وجد، فإن بقى من الخشب أو القماش أو الذهب أو الورق الذي تسلمه من رب العمل شيء بعد أن أتم صنع الأثاث أو الثوب أو المصانع أو طبع الكتاب، وجب عليه رده لرب العمل.
وإذا كشف في أثناء عمله، أو كان يمكن أن يكشف تبعًا لمستواه الفني، أن بالمادة عيوبًا لا تصلح معها للغرض المقصود، كما إذا كان القماش الذي تسلمه من رب العمل لا يصلح لصنع الثوب المطلوب، أو كان الخشب لا يصلح لصنع الأثاث، أو كانت الأرض التي يقيم عليها البناء تنطوى على عيب يتهدد سلامة البناء، وجب عليه أن يخطر رب العمل فورًا بذلك، وإلا كان مسئولاً عن كل ما يترتب على إهماله من نتائج، كذلك إذا قامت ظروف من شأنها أن تعوق تنفيذ العمل في أحوال ملائمة، كما إذا صدر للمطبعة أمر تكليف من شأنه أن يوقف العمل لتنصرف المطبعة إلى العمل الذي صدر في شأنه أمر التكيف، وجب أيضًا في هذه الحالة على المقاول إخطار رب العمل فورًا، وإلا كان مسئولاً عن النتائج التي تترتب على عدم الإخطار، وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصًا في هذا المعنى، فكانت المادة 869 من هذا المشروع تنص على أنه " . 1- إذا حدثت أو ظهرت أثناء العمل عيوب في المادة التي قدمها رب العمل، أو قامت عوامل أخرى من شأنها أن تعوق تنفيذ العمل في أحوال ملائمة، وجب على المقاول أن يخطر فورًا رب العمل بذلك . 2- فإذا أهمل في الإخطار، كان مسئولاً عن كل ما يترتب على إهماله من نتائج" . وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة "اكتفاء بالقواعد العامة"، وهو في الواقع ليس إلا تطبيقًا لها.
ولما كانت مسئولية المقاول في هذا الخصوص مسئولية عقدية، فإنه إذا تلف الشيء أو ضاع أو هلك، وقع عبء الإثبات على رب العمل، فعليه أن يثبت أن المقاول لم يبذل في حفظ الشيء عناية الشخص المعتاد، وأن هذا الإهمال هو الذي ترتب عليه تلف الشيء أو ضياعه أو هلاكه . وللمقاول من جانبه أن يثبت، حتى يدرأ عن نفسه المسئولية، أنه بدل عناية الشخص المعتاد، أو أن التلف أو الضياع أو الهلاك كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، فتنتفي مسئوليته في الحالتين . كذلك المفروض أن المقاول يتوافر على الكفاية الفنية الكافية، وعلى رب العمل يقع عبء إثبات أن المقاول قد تسبب قصور كفاية الفنية في جعل المادة أن بعض منها غير صالحة للاستعمال، وللمقاول من جانبه أن يدرأ عن نفسه المسئولية بأن يثبت أنه قد قام بجميع واجباته بحسب أصول الفن، أو أن صيرورة المادة غير صالحة للاستعمال لا يرجع إلى قصور فني من جانبه، بل يرجع إلى سبب أجنبي .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع، المجلد / الأول، الصفحة/ 80)
إذا كان رب العمل هو الذي قدم المادة، كأخشاب لصنع أثاث أو قماش لحياكة ثوب أو مواد بناء لتشیید منزل أو ورق لطباعة كتاب، وجب على المقاول أن يحافظ عليها ويبذل في سبيل ذلك عناية الشخص العادي، فإن نزل عن هذا القدر كان مسئولاً عن هلاكها أو تلفها أو ضياعها أو سرقتها، وإذا احتاج الحفظ إلى نفقات تحملها المقاول لاندراج هذه النفقات تحت تقدير الأجر، وعليه أن يستخدم المادة طبقاً للأصول الفنية المتبعة في المهنة، فيستعمل منها القدر اللازم لإنجاز العمل وفي ذات العمل، وأن يقدم حساباً لرب العمل عما استعمله منها ويرد له الباقي، وإذا تبين له أثناء العمل أو قبله أو كان يمكن له أن يتبين تبعاً لمستواه الفني أن بالمادة عيوباً تجعلها غير صالحة للغرض المعدة له، وجب عليه إخطار رب العمل بها فوراً وألا يستمر في العمل أن كان قد بدأ، وإلا كان مسئولاً عن النتائج التي تترتب على ذلك، فإن تعذر عليه تبين تلك العيوب انتفت مسئوليته.
ولما كانت مسئولية المقاول، مسئولية عقدية، فيقع على الدائن وهو رب العمل، عبء الإثبات بأن المقاول لم يبذل في حفظ الشئ عناية الشخص العادي مما أدى الى أملاكه أو تلفه أو ضياعه أو سرقته، وللمقاول درء ذلك بإثبات قيامه ببذل عناية الرجل العادي، وأن تعلقت المسئولية بالكفاية الفنية فتسري ذات الأحكام فيثبت رب العمل أن المقاول تسبب بقصور کفايته الفنية في جعل المادة غير صالحة للاستعمال وللاخير درأ المسئولية بإثبات قيامه بالعمل وفقاً للأصول الفنية، أو أن ذلك يرجع لسبب أجنبي.
أما اذا حصل الضياع أو التلف، بعد أن أعذر المقاول رب العمل لتسلم الشيء، فإن مسئولية المقاول تنتفي ما لم يثبت رب العمل أن الضياع أو التلف يرجع لخطأ المقاول.
وإذا استعان المقاول بشخص يساعده في العمل، فيكون مسئولاً عنه مسئولية المتبوع عن التابع مسئولية عقدية، كما يكون المقاول مسئولاً عن المقاول من الباطن.
ويجب على المقاول إنجاز العمل في الموعد المتفق عليه، فإن لم يوجد اتفاق فيكون الإنجاز في المدة المعقولة وهذا التزام بتحقيق غاية ولا ندرة المسئولية الا للسبب الأجنبي ولا يكفي أن يكون المقاول بذل عناية الشخص العادي وتنتفي مسئوليته إذا رجع التأخر لخطأ رب العمل كتأخره في تقديم المادة أو الرخصة أو تأخر في دفع الأقساط المستحقة للمقاول، وإذا طلب رب العمل تعديلات خارجة عن نطاق العقد فتنتفی مسئولية المقاول عن تأخير العمل طالما أنجز التعديلات في وقت مناسب.
فإن أخل المقاول بالتزامه، يكون لرب العمل، وفقاً للقواعد العامة وبعد اعذار المقاول، أن يطلب التنفيذ العيني إن كان ممكناً، فإن روعيت في إنجاز العمل شخصية المقاول، جاز لرب العمل اللجوء للغرامة التهديدية لإجباره على إنجازه، أما أن كان العمل لم تراع فيه هذه الشخصية، جاز لرب العمل تنفيذ الالتزام بواسطة مقاول آخر وعلى نفقة المقاول الأول بعد استئذان القضاء في ذلك، ويجوز له هذا الاستبدال أو التنفيذ بمعرفته وبدون استئذان القضاء في حالة الاستعجال كترمیم منزل آيل للسقوط، وقد يطلب رب العمل فسخ المقاولة، وتسرى القواعد العامة، فيكون للقاضي أن يجيب رب العمل للفسخ أو يمهل المقاول بمنحه أجلاً لتنفيذ المقاولة .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع الصفحة/ 444)
ألقت المادة على عاتق المقاول عدة التزامات إذا كان رب العمل هو الذي قدم المادة اللازمة للعمل، وتخلص هذه الالتزامات فيما يأتي:
(أ)- المحافظة على المادة المسلمة إليه:
يلتزم المقاول بالمحافظة على المادة المسلمة إليه لاستخدامها في العمل، سواء كانت هذه الأشياء قيمية أم مثلية، وهذا الالتزام يتطلب منه أن يحرص عليها، بأن يتخذ الإجراءات والاحتياطات الكفيلة بمنع تلفها أو ضياعها، فإذا قدم عميل قطعة من القماش إلى حائك ليخيطها ثوبا، أو قدم كمية من الأخشاب إلى نجار ليصنع منها أثاثاً فإن كلا من الحائك والنجار يلتزم بالمحافظة على ما سلم إليه، ويقتضي ذلك أن يضعه في مكان أمين لا يصل اللصوص إليه، وأن يحرص على منع تلفه بفعل العته أو السوس، بوضع المبيدات الكيميائية .
وإذا احتاج الحفظ إلى نفقات تحملها المقاول، لأنها تعتبر جزءاً من النفقات العامة التي أدخلها في حسابه عند تقدير الأجر.
والتزام المقاول بالمحافظة على المادة المسلمة إليه، التزام بوسيلة، فلا يتطلب منه سوى أن يبذل قدراً معيناً من العناية في سبيل هذه المحافظة، ولما كان التزام المقاول بالمحافظة ليس مقصوداً لذاته، وإنما هو التزام تابع لالتزامه بالعمل، وكان هذا العمل يتم في مقابل أجر وليس مجاناً، فإن المقاول يلتزم بأن يبذل في المحافظة عناية الشخص المعتاد.
فإذا قصر المقاول في بذل هذه العناية، وترتب على ذلك أن تلفت المادة المسلمة إليه من رب العمل، أو أصبحت غير صالحة للاستخدام في العمل المطلوب، أو ضاعت أو سرقت، فإنه يكون مسئولاً عن هذا التلف أو الضياع، ويلتزم بأن يرد قيمة هذه المادة إلى رب العمل، وفضلاً عن ذلك يلتزم بتعويضه وفقاً للقواعد العامة في المسئولية العقدية .
ولما كانت مسئولية المقاول في هذا الصدد مسئولية عقدية، فإنه يقع على عاتق رب العمل عبء إثبات تلف المادة أو ضياعها أو هلاكها. فعليه أن يثبت أن المقاول لم يبذل في حفظ المادة عناية الشخص المعتاد، وأن هذا الإهمال هو الذي ترتب عليه تلف الشيء أو ضياعه أو هلاكه. ولكن ظروف الحال قد تسمح باستخلاص قرينة قضائية على هذا الإهمال تعفي رب العمل من عبء إثبات خطأ المقاول، وتسهل له الوصول إلى حقه، ذلك أن وجود الشیء تحت يد المقاول يجعل من الصعب على رب العمل معرفة السبب الذي أدى إلى تلفه أو ضياعه، ولكن هذه القرينة إن وجدت فإنها تكون قرينة بسيطة يستطيع المقاول دحضها بإثبات أن التلف أو الضياع لم ينشأ عن خطئه وذلك إما بإثبات انتفاء الخطأ عن جانبه، لبذله في المحافظة على الأشياء المسلمة له العناية المفروضة عليه وهي عناية الشخص المعتاد، وإما بإثبات أن الهلاك يرجع إلى سبب أجنبي عنه .
(ب) - مراعاة أصول الفن في استخدامه للمادة:
يلتزم المقاول بمراعاة أصول الفن في استخدامه للمادة المسلمة إليه من رب العمل، وذلك بأن يعمل الأصول الفنية والعرف الجاري في شأنها فإذا سلم شخص صاحب مطحن كمية من الحبوب لطحنها، فلا يجوز له أن يضعها في آلة الطحين عقب طحن نوع آخر من الحبوب، إذا كان من شأن ذلك أن يتغير مذاقها. وإذا سلم شخص سيارة إلى ميكانيكي لإصلاحها، وكان الإصلاح يستغرق زمناً طويلاً، فعلى الميكانيكي أن يحرص ألا تصاب إطاراتها أو بطارياتها بتلف من جراء عدم الاستعمال مدة كبيرة.
ويجب على المقاول أن يتجنب في استعمال المادة الإفراط أو التفريط، وهذه تقتضي أن يستعمل من المادة المسلمة إليه القدر اللازم لإنجاز العمل المطلوب دون نقص أو زيادة.
(ج) - تقديم حساب لرب العمل:
يلتزم المقاول بعد إنجاز العمل المعهود به إليه أن يقدم حساباً لرب العمل عما استعمله من المادة المسلمة إليه، وأن يرد إليه الباقي منها، فإذا سلم العميل إلى المقاول قطعة من القماش لحياكتها بدلة، ثم تبقى جزء من القماش التزم المقاول برد هذا الجزء الباقي إلى العميل.
(د) - إخطار رب العمل بالعيوب الموجودة بالمادة :
إذا تكشف للمقاول أثناء تنفيذ العمل المعهود به إليه أن بالمادة ثمة عيوب وأنها لا تصلح لتنفيذ العمل المذكور، كما إذا كان القماش الذي تسلمه لحياكة بدلة به عتة أو عيوب أخرى، تعين على المقاول إخطار رب العمل فوراً بذلك. وإلا كان مسئولاً عن تعويض رب العمل عما يحدث له من ضرر نتيجة لذلك.
وإذا كان لا يمكن لمقاول مثله أن يكشف العيب، فإنه لا يكون مسئولاً، وكانت المادة 891 من المشروع التمهيدي للتقنين المدني تنص على ذلك بقولها: "لا يكون العامل أو الصانع مسئولاً قبل رب العمل عن إغفال الإخطار المنصوص عليه في المادة 899 إذا كان ما ظهر في أثناء التنفيذ وبسببه من عيوب في المادة، بحيث ما كان يستطيع عامل مثله أن يعلم بها". إلا أن النص سقط من مجموعة الأعمال التحضيرية.
وإذا قامت ظروف من شأنها أن تعوق تنفيذ العمل في أحوال ملائمة، كان المقاول ملزماً بإخطار رب العمل فوراً بهذا العائق، وإلا كان مسئولاً عن الأضرار التي تنجم عن إهماله في هذا الإخطار.
كثيراً ما يحتاج المقاول، في إنجازه للعمل طبقاً لشروطه أو وفق عرف وأصول هو الحرفة استخدام أدوات ومهمات، أو الاستعانة بأشخاص يعاونون المقاول في تنفيذه، ويعملون معه تحت إشرافه و إدارته فيكونون تابعين له. بل قد تستدعي طبيعة العمل أن يقوم هؤلاء التابعون بالعمل وحدهم، وأن تقتصر مهمة المقاول على الإشراف عليهم وتوجيههم، ما لم يكن العمل منظوراً فيه إلى مهارة المقاول الشخصية كالطبيب والفنان، فالمهندس المعماري يستأجر الآلات اللازمة لإقامة أساس بناء لوضع خوازيق، والجراح تلزمه آلات الجراحة.
وهذه الأدوات والمهمات يلتزم بها المقاول وعليه إحضارها، غير أنه يستثنى من ذلك أن يجرى الاتفاق على خلاف ذلك، كأن يتفق الطرفان على أن يحضر رب العمل هذه الأدوات والمهمات كما يجرى العرف على أن في مهنة معينة يلتزم المقاول بإحضارها.
- كيفية تنفيذ العمل:
الالتزام الرئيسي الذي يترتب في ذمة المقاول، هو تنفيذ العمل الموكول إليه بمقتضى العقد.
فيجب على المقاول تنفيذ العمل بالكيفية المتفق عليها في عقد المقاولة، وطبقاً للشروط الواردة في هذا العقد، وبخاصة طبقاً لدفتر الشروط في مقاولات البناء إذا وجد هذا الدفتر وإذا كان هناك عطاء عن توريد أصناف معينة وجب أن تكون تلك الأصناف حسب عينات جهة الإدارة النموذجية والمواصفات أو الرسومات التي يجب على مقدم العطاء المقاول الاطلاع عليها إذا كانت الجهة المتعاقدة من جهات الإدارة التي تسري عليها أحكام القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات. وإذا لم تكن هناك شروط متفق عليها، وجب اتباع العرف، وبخاصة أصول الصناعة والفن تبعاً للعمل الذي يقوم به المقاول. فلكل مهنة أو حرفة أصول معروفة كالقول مثلاً (حسب أصول الصناعة) أو ما يؤدي إلى هذا المعنى.
فعلاج الطبيب للمريض له أصوله الفنية، فالطبيب يسأل عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب في مستواه المهني وجد في نفس الظروف التي أحاطت بالطبيب المسئول، كما يسأل عن خطئه العادي أياً كانت درجة جسامته، وكقاعدة عامة يجب أن يترك باب الاجتهاد مفتوحا أمام المقاول حتى يتمكن من القيام بمهمته من حيث تنفيذ محل عقد المقاولة ورب العمل آمن مطمئن. بحيث لا يسأل هذا المقاول إلا إذا ثبت ثبوتاً ظاهراً وبصفة قاطعة لا احتمالية أنه ارتكب عيباً لا يأتيه من له إلمام بهذا اللون من الفن إلا عن رعونة وعدم تبصر واحتياط وأن يكون خطأه محققاً ومتميز.
والتزام المقاول بتنفيذ العمل المعهود به إليه، قد يكون التزاماً ببذل عناية أو التزاماً بتحقيق نتيجة.
ومثل الالتزام ببذل عناية التزام الطبيب بعلاج المريض، فهو يجب عليه أن يبذل عناية من في مستواه من الأطباء في علاج المريض طبقا للأصول الطبية، وليس عليه أن يشفى المريض فالطبيب يعالج والله يشفي .
ويجب على المهندس الذي يدير عملاً أو يشرف على تنفيذ تصميم أن يبذل عناية مهندس في مستواه في إدارة العمل أو في الإشراف على تنفيذ التصميم، ولا يلتزم بتحقيق النتيجة المقصودة. ما لم يتفق على وجوب بذل عناية أكثر من عناية الشخص العادي.
وعلى هذا نصت الفقرة الأولى من المادة 211 مدنی بقولها: "في الالتزام بعمل، إذا كان المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق الغرض المقصود، هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك".
ومثل الالتزام بتحقيق غاية، أن يكون مطلوبا من المقاول نتيجة معينة كإصلاح شیء، أو إقامة بناء أو ترميمه أو هدمه، أو وضع تصميم أو رسم أو نحت تمثال، فإن تنفيذه للعمل يكون بتحقيق هذه النتيجة. فلا يبرأ المقاول من التزامه إلا إذا تحققت هذه الغاية وأنجز العمل المطلوب. ولا يكفي أن يبذل في القيام بهذا الالتزام عناية الشخص المعتاد أو أكبر عناية ممكنة، ذلك أنه مادام العمل المطلوب لم ينجز فإن المقاول يكون مسئولاً.
مسئولية المقاول مسئولية عقدية:
واضح مما سلف أن مسئولية المقاول قبل رب العمل هي مسئولية عقدية، سواء تعلق ذلك بمسئوليته عن الإهمال في المحافظة على المادة المسلمة إليه من رب العمل أو عدم مراعاة أصول الفن في استخدامه لها، أو عدم رده الجزء المتبقي من المادة، أو مخالفته واجباً من الواجبات الملقاة على عاتقه، وكذلك مسئوليته عما يرتكبه العمال الذين يستخدمهم لمعاونته في العمل، إذ يكون مسئولاً عنهم مسئولية المتبوع عن أعمال التابع، فهذه المسئولية ليست مسئولية تقصيرية.
تنفيذ العمل في المدة المتفق عليها أو المدة المعقولة:
يلتزم المقاول بإتمام العمل الموكول إليه في المدة المتفق عليها بالعقد، حتى لو أثبت المقاول أن المدة المحددة لم تكن كافية أصلاً لإنجاز العمل إذ أنه يكون مخطئاً القبول الالتزام بإنجاز العمل في هذه المدة غير الكافية.
فإذا لم يكن هناك اتفاق على مدة معينة للانتهاء من العمل، وجب أن يتم العمل في المدة المعقولة التي تسمح بإنجازه.
وهذه المدة يراعى فيها طبيعة العمل ومدى ما يقتضيه من دقة، وإمكانيات المقاول المعروفة لرب العمل، وما جرى عليه عرف الحرفة.
والالتزام بإنجاز العمل في المدة المتفق عليها أو في المدة المعقولة التزام بتحقيق غاية وليس التزاماً ببذل عناية. فلا يكفي لإعفاء المقاول من المسئولية عن القيام بالعمل أو عن التأخر في القيام به أن يثبت أنه بذل عناية الشخص المعتاد في إنجاز العمل في الميعاد ولكنه لم يتمكن من ذلك. ولا يعفى من المسئولية إلا إذا أثبت أن التأخير يرجع إلى سبب أجنبي عنه، كقوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ رب العمل كما لو تأخر رب العمل في تسليم المقاول المواد الواجب استخدامها في العمل، أو كان قد أدخل تعديلات على المواصفات المنصوص عليها في العقد، أو لم يقم بدفع الأقساط المتفق على دفعها في مواعيدها.
ويجب ألا تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مسبوقاًَ بخطأ من المقاول، وإلا كان مسئولاً بقدر هذا الخطأ .
ويعتبر حادثاً مفاجئاً الانهيار الذي يلزم المقاول إعادة عمل الأساسات، ولكن لا يعتبر حادثاً مفاجئاً صعوبة التنفيذ كما إذا دعت قسوة الجو إلى تعطيل الأعمال، أو كما إذا لم يستطيع المقاول الحصول على آلة كان قد وعد باستخدامها.
جزاء الإخلال بالتزام المقاول بتنفيذ العمل:
تطبيق القواعد العامة :
إذا أخل المقاول بالتزامه بتنفيذ العمل على النحو الذي أوردناه سلفا، بأن خالف مثلاً الشروط والمواصفات المتفق عليها، أولم يراع أصول الفن في استخدام المواد المقدمة له من رب العمل، أو أظهر قصوراً في كفايته الفنية، أو نزل عن عناية الشخص المعتاد في تنفيذ التزامه، أو تأخر في تنفيذ العمل دون سبب أجنبي. فإنه يكون مسئولاً قبل رب العمل، وتسرى القواعد العامة في هذا الخصوص، فيكون لرب العمل أن يطلب التنفيذ العينى أو يطلب فسخ العقد، مع التعويض في الحالتين.
ونعرض لذلك بشئ من التفصيل فيما يلي:
- (أ)- التنفيذ العيني:
تنص المادة 203 من التقنين المدني على أنه: "1- يجبر المدين بعد إعذاره طبقاً للمادتين 219، 220 على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، متى كان ممكناً.
2- على أنه إذا كان في التنفيذ العينى إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي، إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً".
فيجوز لرب العمل طلب التنفيذ العينى إذا كان ممكناً. فإذا كان تنفيذ العمل غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المقاول نفسه، بأن تكون شخصية المقاول قد روعيت في العقد كعمل تصميم أو رسم لوحة أو إجراء عملية جراحية، فلا سبيل لإجبار المقاول على التنفيذ إلا عن طريق الالتجاء إلى الحكم عليه بغرامة تهديدية (م 1/213 مدنی).
أما إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً ممكناً دون تدخل المقاول، جاز لرب العمل أن يطلب ترخيصاً من القضاء في القيام بالتنفيذ على نفقة المقاول (م 1/209 مدنی)، كما لو كان العمل المتعهد به بناء دار أو صنع شيء أو إصلاحه، فيجوز للقضاء أن يرخص لرب العمل بالتعاقد مع مقاول آخر ليقوم به، فإذا فعل التزم المقاول المخل بالتزامه بنفقات هذا العمل، ولو كانت قد جاوزت النفقات المتفق عليها بالعقد الأول.
ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ رب العمل الالتزام على نفقة المقاول دون ترخيص من القضاء (م 209/2 مدنی)، كما لو كان العمل ترميم منزل آيل للسقوط أو إصلاح آلة تهدد بالانفجار.
وهذا لا يخل بحق رب العمل في طلب التعويض عما أصابه من ضرر.
- (ب)۔ فسخ العقد:
تنص المادة 157 مدني على أنه:" 1- في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض.
2- ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته".
ومن ثم فإنه يجوز لرب العمل بدلاً من طلب التنفيذ العيني لالتزام المقاول أن يطلب فسخ العقد. ويخضع الفسخ لتقدير القاضي. فللقاضي أن يقضي به إذا رأى أن إخلال المقاول بالعقد جسيماً، وله أن يمهله حتى يقوم بتنفيذ التزامه، وللمقاول أن يعرض قبل القضاء بالفسخ أن ينفذ التزامه، فلا يقضى بالفسخ. وسواء طلب رب العمل التنفيذ العيني أو الفسخ، فإنه يجوز له المطالبة بالتعويض.
غير أنه يشترط للقضاء بالتعويض حصول ضرر لرب العمل. ويقع على عاتق رب العمل إثبات هذا الضرر، إلا إذا كان متفقاً عليه في العقد (الشرط الجزائي)، وحينئذ لا يجوز للقاضى تخفيض التعويض إلا إذا أثبت المقاول أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفد في جزء منه (م 1/224 مدنی) .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن الصفحة/ 114)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
مادة 648
1- اذا قدم صاحب العمل مادة العمل ، وجب على المقاول أن يبذل في المحافظة عليها عناية الشخص العادي ، وان يراعي اصول الفن في استخدامها ، وأن يرد الى صاحب العمل ما بقي منها. فاذا صار شيء من هذه المادة غير صالح للاستعمال بسبب اهماله او قصور گفايته الفنية ، التزم برد قيمته لصاحب العمل .
2- وعلى المقاول أن يأتي بها يحتاج اليه في انجاز العمل من أدوات ومهمات اضافية ، ويكون ذلك على نفقته ، ما لم يقف الاتفاق أو عرف الحرفة بغيره .
هذه المادة تتفق مع المادة 649 من التقنين الحالي.
وقد عدلت هذه المادة على النحو الوارد المفترح رغبة في الايضاح .
فاذا قدم صاحب العمل المادة ، وجب على المقاول أن يحافظ عليها وان يبذل في ذلك عناية الشخص العادي ، فاذا لم يبذل هذا القدر من العناية كان مسئولاً عن هلاكها أو تلفها أو ضياعها أو سرقتها.
كذلك يجب على المقاول أن يستخدم المادة طبقاً لإصول المهنة ، وان يستعمل منها القدر اللازم لانجاز العمل المطلوب دون نقص أو زیادة ، وأن يرد إلى صاحب العمل ما بقي منها . واذا صار شيء منها غير صالح للاستعمال بسبب اهماله او قصور کفایته الفنية ، كان عليه أن يؤدى قيمة هذا الشيء لصاحب العمل ، ويكون فوق ذلك مسئولاً من التعويض .
وما يحتاج اليه انجاز العمل من ادوات ومهمات يكون على نفقة المقاول ، ما لم يقض الاتفاق أو عرف الحرفة بغيره .
وتنفق احكام المادة المقترحة مع ما يراه الفقه الاسلامی .
ففي خصوص ما يجب على المقاول من المحافظة على مادة العمل وحسن استخدامها ومسئوليته عن الاهمال وقصور الكفاية الفنية : نصت المادة ۳۲۰ من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الامام ابی حنیفه على أنه «لا يضمن الأجير المشترك المتاع الا بالاعتداء ، ونصت المادة ۲۲۱ على أن لا يضمن الأجير المشترك ما تلف بعمله غير المأذون فيه » ( فتح القدير ج ۷ ص ۲۰۱ و ۲۰۲.. مجمع الانهر ج ۲ ص ۳۹۲ )۰
ونصت المادة 475 من مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك على أن « المستأجر والاجير كل منهما امين فيما وضع يده عليه بعد الاجارة ، فلا يضمنه اذا ضاع أو تلف الا اذا كان الضياع أو التلف بسبب التفريط او التعدی ، فان شرل ضمان على احدهما ابتداء فسد عقد الاجارة الا اذا اسقط الشرط قبل انتهاء العمل ». وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذه المادة أن ما وضع الأجير بيده عليه هو الشيء الذي يعمل فيه العمل الذی استؤجر عليه ( شرح مجموع الأمير ج ۲ ص ۲۳۱ . الشرح الكبير وحاشيته ج 4 ص ۲۲ و ۲۳).
ونصت المادة 706 من مجلة الأحكام الشرعية على أن « الأجير المشترك يضمن ما تلف بفعله ولو عن غير قصد. مثلا لو عشر الحامل فسقط وتلف المحمول ضمنه وكذا لو غلط الخياط او الطباخ فتلف الثوب او الطعام ف منه ويضمن الحمال ما يتلف بقوده وسوقه وانقطاع حبل شد به الحمل ، ونصت المادة ۷۰۷ على أن ( عمل الأجير المشترك وما تولد منه مضمون عليه ، فيضمن ما نقص بخطئه كما لو استاجر خیاطا ليفصل القماش له جبة ففصله قمیصاء أو أمر الصباغ أن يصبغ الثوب أصفر فصبنه أسود ضمن النقص ، . ونصت المادة ۷۰۸ على انه «لا ضمان على الأجر مطلقا فيما تلف عنده في حرزه بسبب غير فعله دون تعد منه ولا تقصير كما لو سرق أو ضاع
وجاء في جواهر الاكليل (ج ۲ ص ۱۹۱): قال ابن رشد « يضمن الصناع كل ما اتي على أيديهم من خرق او كسر أو قطع اذا عمنه في حانوته وان كان صاحبه قاعدا معه الا فيما فيه تفرير من الأعمال مثل نقب اللولو وقت الفرص وتقويم السيوف واحتراق الخبز سند الفران او الثوب في تدر التباع وما أشبه ذلك فانه لاضمان عليهم فيما أتي على أيديهم فيه الا أن يعلم أن تعدى فيه او اخذها على غير وجه ماخذها يضمن حینئذ. واذا ضمن الصانع فيضمن المصنوع بقيمته معتبرة یوم دفعه للصانع خاليا من الصينية ويضمن الصانع مصنوعه بالشروط المتقدمة . ولو شرط الصانع نفيه ای الضمان او دعا الصانع ربه له شده ای المصنوع فلم ياخذه وناع فیضمنه الصانع في كل حال ، الا ان تقوم بينه يتلفه بلا تفریط ولا تعديه فلا يضمنه وتسقط الأجرة التي استوجر بها عن مستاجره
وفي خصوص تحمل المقاول نفقة ما يحتاج اليه في انجاز العمل من ادوات و مهمات اضافية ما لم يقض الانفاق او عرف الحرفة بغيره: نصت المادة 574 من المجلة على أن « كل ما كان من توابع العمل ولم يشرط على الأجر يعتبر فيه عرف البلدة وعادتها : كما ان المادة في كون الخيط على الخياط ». وفي المعنى أيضا: م 474 من مشروع تقنين الشريعة الاسلامية على مذهب الإمام مالك وم 581 من مجلة الأحكام الشرعية .
والمادة المقترحة تتفق مع المادة 867 من التقنين العراقي.
وتتفق مع المادتين 783/2 و 784 من التقنين الأردنی .
وتتفق مع المادة 64 من التقنين الكويتي .
مجلة الأحكام العدلية
مادة (574) توابع العمل
كل ما كان من توابع العمل ولم يشرط على الأجير يعتبر فيه عرف البلدة وعادتها كما أن العادة في كون الخيط على الخياط.