loading
الأحكام

1 ـ إذا كان العيب فى البناء قد بلغ حداً من الجسامة ما كان يقبله رب العمل لو علم به قبل تمام التنفيذ فيكون له الخيار بين طلب الفسخ أو إبقاء البناء مع التعويض فى الحالتين إن كان له مقتض أما إذا لم يصل العيب إلى هذه الدرجة فلا يكون له إلا طلب التعويض فحسب .

(الطعن رقم 1390 لسنة 69 جلسة 2000/07/01 س 51 ع 2 ص 879 ق 166)

2 ـ لما كان الخلاف بين طرفي النزاع يدور حول تفسير الشروط الواردة فى البند الأول من قائمة الشروط الخاصة بعملية إنشاء البناء المحلق بالعقد بشأن تطبيق القانون رقم 9 لسنة 1983 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات ولائحته التنفيذية على كيفية حساب غرامات التأخير عن التنفيذ ، وكان الثابت من عقد المقاولة المؤرخ ......... الذي يحكم موضوع النزاع النص فى البند التاسع منه على تحديد مدة خمسة عشر شهراً لتنفيذ عملية الإنشاء من تاريخ تسليم الموقع وفى حالة التأخير عن ذلك يلزم المقاول بدفع تعويض للمالك (الجمعية الطاعنة) محدد بصفة نهائية مبلغ ...........جنيه عن كل يوم تأخير وفى حالة زيادة مدة التأخير عن ستين يوماً يحق للجمعية بعد إنذاره اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه . فإنه يكون من الواضح الجلي انصراف نية الطرفين إلى أعمال هذا الشرط فى حالة التأخير فى التنفيذ دون الشرط الوارد فى قانون المناقصات والمزايدات بشأن التأخير فى التنفيذ ، وأن النص فى البند الأول من قائمة الشروط الخاصة بالعملية والملحق بالعقد على تطبيق هذا القانون على هذا العقد يحمل على باقي الشروط الواردة بالقانون والتي تتفق مع طبيعة العقد دون هذا الشرط وإلا لما كان هناك موجب لإفراده بنص خاص فى العقد على التفصيل الوارد به ولترك الأمر يحكمه قانون المناقصات والمزايدات المتفق على تطبيقه ومن ثم يكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من عدم تطبيق قانون المناقصات والمزايدات على هذا الشرط صحيح لهذه الأسباب .

(الطعن رقم 1213 لسنة 68 جلسة 2000/05/30 س 51 ع 2 ص 753 ق 141)

3 ـ عدم قيام المقاول بتنفيذ البناء طبقا لما التزم به فى عقد المقاولة هو واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة والقرائن ولا مخالفة فى ذلك لما هو ثابت فى العقد إذ لم ينص على وفاء المقاول بالتزاماته الواردة فيه .

(الطعن رقم 222 لسنة 34 جلسة 1967/11/16 س 18 ع 4 ص 1707 ق 257)

4 ـ القضاء بتنفيذ العقد تنفيذا عينيا على نفقة المقاول عملاً بالمادة 209 من القانون المدنى مؤداه عدم استحالة تنفيذ العقد وبقاؤه نافذ الأثر بين طرفيه فيتحمل المقاول تبعته و يحاسب على نتيجته لا بالنسبة لما أتمه من أعمال فحسب بل بالإضافة إلى ما قد يكون رب العمل قد قام به من أعمال مكملة للأعمال المتفق عليها فى العقد ، ذلك أن الأوضاع لا تستقر بين طرفى العقد إلا بعد المحاسبة على الأعمال التى قام بها المقاول و ما عسى أن يكون رب العمل قد أتمه على أساس التنفيذ العينى للعقد .

(الطعن رقم 45 لسنة 28 جلسة 1963/04/25 س 14 ص 611 ق 85)

5 ـ جرى قضاء محكمة النقض على أنه متى كانت الجمعية " جمعية المساكن " لم تعلن وقت إبرام العقدأنها تعاقدت - مع المقاول - نيابة عن أعضائها ، و كان لا يوجد فى نصوص العقد ما يمكن أن يفيد وجود نيابة صريحة أو ضمنية فإن أثر العقد ينصرف إلى الجمعية و ليس إلى أعضائها و من ثم تكون الجمعية وحدها و هى صاحبة الحق فى مطالبة المقاول بتنفيذ إلتزاماته الناشئة عن هذا العقد و بالتالى لا يجوز قبول دعوى عضو الجمعية بطلب ذلك إلا إذا أثبت أن حق الجمعية قد إنتقل إليه بما ينتقل به الحق قانوناً .

(الطعن رقم 533 لسنة 34 جلسة 1969/04/29 س 20 ع 2 ص 693 ق 111)

6 ـ النص فى المادة 26 من قانون المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 وفى المادة 81 من اللائحة التنفيذية الصادر بها قرار وزير المالية رقم 157 لسنة 1983 يدل على أن المشرع أجاز للجهه الإدارية المتعاقدة فى حالة تأخير المقاول فى تنفيذ الأعمال المتعاقد عليها فى موعدها المحدد أن توقع عليه غرامات تصل نسبتها إلى 15% من قيمة المقاولة كلها أو من قيمة الأعمال المتأخرة فقط ، بمجرد وقوع المخالفة التى تقررت الغرامة جزاءً لها ، إلا أن ذلك ليس معناه أن المشرع أطلق يد الجهة الإدارية فى تحديد أساس الغرامة وتقدير قيمتها بحيث يكون لها فى جميع الأحوال السلطة فى احتساب نسبة الغرامة التى تقدرها من قيمة أعمال المقاولة المتعاقد عليها جميعاً وإن شاءت قصرتها على الأعمال المتأخرة وحدها . وإنما سلطتها فى ذلك مقيدة بما يفيده نص المادة 81 من اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر من ضرورة مراعاة أثر التأخير الجزئى فى الانتفاع بالأعمال التى تمت على الوجه الأكمل عند تقدير قيمة الغرامة ، فإن كان ذلك التأخير ذا أثر على الإنتفاع الكامل بهذه الأعمال فتحتسب نسبة الغرامة التى تقدرها الجهة الإدارية - بما لا يجاوز 15% من قيمة أعمال المقاولة جميعها وإن لم يكن الأمر كذلك إقتصرت هذه النسبة على قيمة الجزء المتأخر من الأعمال وحده.

(الطعن رقم 902 لسنة 60 جلسة 1991/01/17 س 42 ع 1 ص 237 ق 41)

7 ـ نص القانون رقم 236 لسنة 1954 الخاص بتنظيم المناقصات و المزايدات فى المادة 11 منه على سريان أحكامه على مقاولات الأعمال و فى المادة 13 على أن ينظم بقرار من وزير المالية و الإقتصاد ما لم ينظمه هذا القانون من أحكام و إجراءات ، و قد أصدر الوزير المذكور القرار رقم 542 لسنة 1957 بلائحة المناقصات و المزايدات التى أجازت المادة 94 منها لجهة الإدارة المتعاقدة أن تسحب العمل من المقاول و تحتجز ما يوجد بمحل العمل من آلات و أدوات و مواد ضماناً لحقوقها قبله و أن تبيعها دون أن تسأل عن أى خسارة و تلحقه من جراء ذلك البيع .

(الطعن رقم 441 لسنة 38 جلسة 1974/02/12 س 25 ع 1 ص 331 ق 54)

8 ـ لا ضرورة للإعذار إذا أصبح تنفيذ الإلتزام غير ممكن وغير مجد بفعل المدين ، وإذ كان يبين من الحكم المطعون فيه أنهإأعتبر الأخطاء الفنية التى وقع فيها المقاول مما لا يمكن تداركه فإن مفاد ذلك أن الإلتزام المترتب علىعقد المقاولة قد أصبح غير ممكن تنفيذه ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بفسخ العقد وبالتعويض دون سبق إعذار المدين بالتنفيذ العينى لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 431 لسنة 31 جلسة 1966/04/05 س 17 ع 2 ص 797 ق 107)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 650 من التقنين المدني على ما يأتي :

"1- إذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد، جاز لرب العمل أن ينذره بأن يعدل من طريقة التنفيذ خلال أجل معقول يعينه له، فإذا انقضى الأجل دون أن يرجع المقاول إلى الطريقة الصحيحة، جاز لرب العمل أن يطلب إما فسخ العقد وإما أن يعهد إلى مقاول آخر بإنجاز العمل على نفقة المقاول الأول طبقًا لأحكام المادة 209.

"2- على أنه يجوز طلب فسخ العقد في الحال دون حاجة إلى تعيين أجل، إذا كان إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب مستحيلاً" .

ويخلص من هذا النص أن رب العمل، وإن لم يكن له حق الإشراف والتوجيه على المقاول إذ المقاول يعمل مستقلاً عن رب العمل وهذا هو الذي يميز المقاولة عن عقد العمل كما قدمنا، إلا أن رب العمل من حقه أن يتعهد العمل وهو في يد المقاول ليراقب ما إذا كان يجرى طبقًا للشروط والمواصفات المتفق عليها وأن المقاول ينفذ العمل طبقًا لأصول الصناعة وعرف أهل الحرفة، فليس رب العمل إذن ملزمًا بالتربص حتى ينتهى العمل ويقدمه له المقاول، ليرى ما إذا كان هذا الأخير قد راعى الشروط والموصفات وأصول الصناعة في عمله فيقبل العمل، أو لم يراعها فيرفضه، والخير في أن يتمكن رب العمل من مراقبة ذلك منذ البداية حتى يوفر على نفسه وعلى المقاول ذاته الوقت والجهد والمشقة إذا ما تم العمل معيبًا أو منافيًا لشروط العقد، ثم يرفضه بعد أن يكون قد تم وهذا ضرب من الوقاية خير من رفض العمل بعد تمامه كعلاج لما فيه من نقص أو عيب .

فإذا لاحظ رب العمل أن مقاول البناء، وهو يقيم البناء، قد أخل ببعض الشروط والمواصفات المتفق عليها بأن لم يدعم مثلاً الأساس أو يصل به إلى العمق الكافي أو لم يجعل الحيطان في السمك المتفق عليه، أو لاحظ أن النجار الذي يصنع الأثاث المطلوب لم يراع أصول الصناعة في صنع الوحدات الأولى من الأثاث أو استخدام خشبًا في هذه الوحدات غير الخشب المتفق عليه أو من صنف أقل جودة، فإن لرب العمل في هذه الحالة حق التدخل لمنع المقاول من المضي في عمله المعيب أو المنافى لشروط العقد.

وهنا يجب التمييز بين فرضين :

(الفرض الأول) أن يكون إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب مستحيلاً، مثل ذلك أن يقيم مقاول البناء المبنى ويعلو بالأدوار الأولى منه على خلاف المواصفات والتصميم الموكول إليه تنفيذه، فعند ذلك لا يستطيع تدارك هذا الخطأ، إذ أن الأدوار التالية ستكون على غرار الأدوار الأولى معيبة، فلا بيل إلى إصلاح طريقة التنفيذ إلا بهدم البناء كله، وفي هذا الفرض يكون لرب العمل الحق منذ البداية أن يطلب فسخ العقد لمخالفة المقاول للشروط، ولا حاجة به للتربص على أن يتم البناء معيبًا ثم يطلب الفسخ بعد ذلك، وللقاضي حق التقدير، فإذا رأى أن رب العمل على حق فيما يدعيه حكم بالفسخ وبالتعويض، أما إذا رأى أن العيب يمكن تداركه فإنه يقضى على المقاول بإصلاح العيب على نفقته .

(الفرض الثاني) أن يكون إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب ممكنًا مثل ذلك أن يقى مقاول البناء الأساس على عمق أقل من الواجب أو يقيم حائط الدور الأولى بسمك أقل من الواجب، أو يبدأ الحائك صنع الثوب على خلاف ما اشترطه رب العمل، ففي هذا الفرض، لما كان إصلاح طريقة التنفيذ ممكنًا، يجب على رب العمل أن يبدأ بإنذار المقاول بأن يصلح طريقة التنفيذ، بأن يعمق الأساس أو يجعل الحائط في السمك الواجب أو يصلح العيب في صناعة الثوب، وليس له أن يبادر إلى طلب الفسخ، مادام العيب ممكنًا إصلاحه، وقد يكون المقاول غافلاً عن العيب، فيجب تنبيه حتى لا يمضى في عمل معيب، ولا يشترط في الإنذار شكل خاص، فقد يصل الأمر من الخطر إلى حد أن يجد رب العمل من المناسب أن يوجه الإنذار على يد محضر، كما إذا خالف المقاول المواصفات فلم يعمق الأساس كما ينبغى، وقد يكون الأمر من الهوادة بحيث يكفى التنبيه الشوفي، كما إذا كان الحائك قد بدأ صنع الثوب معيبًا ويحدد رب العمل للمقاول أجلاً معقولاً يصلح فيه العيب، فإذا انصاع المقاول لتنبيه رب العمل، وأصلح العيب في الأجل المحدد، فإن له أن يمضى في العمل على الوجه الصحيح، ولا سبيل عليه لرب العمل، أما إذا نازع المقاول فيما تقدم به رب العمل وادعى أن العمل غير معيب، أو سلم بالعيب ولكنه لم يصلحه في الأجل المحدد، فإن لرب العمل في الحالتين أن يرفع الأمر إلى القضاء دون أن ينتظر إنجاز العمل على وجه معيب أو مناف للعقد، أو دون أن ينتظر انتهاء الموعد المحدد لإنجاز العمل . ويطلب رب العمل إما الفسخ أو للتنفيذ العيني، طبقًا للقواعد العامة، فإن طلب الفسخ، كان للقاضي أن يقدر ما إذا كان هناك محل لإجابة هذا الطلب فيقضى بالفسخ وبالتعويض إن كان له محل على النحو الذي بسطناه فيما تقدم، أو أنه لا محل لفسخ العقد فيقضى على المقاول، إذا رأى أن عمله معيب، بإصلاح العيب على نفقته وبالتعويض إن كان له محل، وإن طلب رب العمل التنفيذ العيني، ورأى القاضي أذن محق في ادعائه أن العمل معيب، قضى على المقاول بإصلاح العيب، ولرب العمل في هذه الحالة أن يطلب من القضاء ترخيصًا في إصلاح العيب أو في إنجاز العمل كله على الوجه الصحيح، بواسطة مقاول آخر على نفقة المقاول الأول إذا كان هذا ممكنًا، وذلك تطبيقًا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 209 مدني، ولرب العمل أن يطلب فوق ذلك الحكم على المقاول بالتعويض إن كان له محل، وقد يكون العمل مستعجلاً لا يحتمل الإبطاء المترتب على رفع الأمر إلى القضاء، كما إذا كان الأمر متعلقًا بترميم منزل آيل للسقوط، ففي هذه الحالة أجازت الفقرة الثانية من المادة 209 مدني لرب العمل أن يلجأ إلى مقاول آخر يقوم بالعمل على الوجه الصحيح على نفقة المقاول الأول، وذلك دون ترخيص من القضاء، وللقاضي بعد ذلك أن يبت فيما إذا كان رب العمل على حق فيما فعل.

كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يشتمل على نص هو المادة 870 من هذا المشروع، وكانت تجرى على الوجه الآتي : "إذا تأخر المقاول في أن يبدأ العمل أو في أن ينجزه تأخرًا لا يجرى معه مطلقًا أن يتمكن من القيام بالعمل كما ينبغي في المدة المتفق عليها، جاز لرب العمل فسخ العقد دون انتظار لحلول أجل التسليم" . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص : "اقتبس المشروع هذا النص عن تقنين الالتزامات السويسري ( م 366 فقرة أولى ) والتقنين البولوني ( م 884 ) والتقنين التونسي ( م 870 ) والتقنين اللبناني ( م 661 )، وهو يجيز لرب العمل فسخ العقد إذ تأخر المقاول في إنجاز العمل تأخرًا لا يرجى معه مطلقًا أن يتمكن من القيام به في المدة المتفق عليها، والتقنين الألماني ( م 636 ) يقصر هذا الجزاء على حالة عدم احترام الأجل المتفق عليه، أما المشروع فهو يجيز الفسخ حتى قبل مرور الأجل إذا تبين أنه لا أمل مطلقًا في إنجاز العمل في المدة المتفق عليها، وقد أخذ التقنينان اللاتيني والحرماني هذا المبدأ عن التقنين الأنجلوسكسوني، وخاصة عن التشريع الأمريكي المنظم لأحكام العقود الصادر في سنة 1933، وهو يسمح بطلب الفسخ مقدمًا إذا تأخر المقاول في تنفيذ التزامه لدرجة يصبح معها ثابتًا أو محتملاً جدًا أنه لن يتمكن من إتمامه في الميعاد فيكون بذلك قد أخل مقدمًا بالتزامه، وهذا الحكم يخالف القواعد العامة، التي لا تجيز طلب الفسخ إلا إذا حصل الإخلال بالالتزام فعلاً" وقد حذف النص في لجنة المراجعة "اكتفاء بالقواعد العامة".

والنص المحذوف يعرض للصورة العملية الآتية : يتفق مؤلف مع مطبعة على أن تنجز طبع مؤلفه في ميعاد معين، أو يتفق عارض مع مقاول على أن ينجز صنع أشياء لعرضها في معرض معروف تاريخ افتتاحه فيكون هناك اتفاق ضمني على أن المقاول ينجز العمل قبل افتتاح المعرض، وتتأخر المطبعة أو يتأخر المقاول، إما في البدء بالعمل وإما في إنجازه بعد البدء فيه، بحيث يتبين جليًا، قبل حلول الميعاد المتفق عليه صراحة أو ضمنياً أن المطبعة أو المقاول لن يتمكن من إنجاز العمل في الميعاد . وليس من الضروري أن يكون هناك ميعاد متفق عليه صراحة أو ضمنًا، فقد لا يكون هناك اتفاق على ميعاد معين ولكن المقاول يتأخر في البدء في تنفيذ العمل أو في إنجازه بعد البدء فيه بحيث يتبين في جلاء أنه لن يتمكن من إنجاز العمل في المدة المعقولة التي تحددها طبيعة العمل وعرف الصناعة وقدرة المقاول ففي جميع هذه الأحوال يظهر جليًا أن المقاول ـ كما تقول المذكرة الإيضاحية فيما قدمناه ـ "قد أخل مقدمًا بالتزامه" . فيجوز إذن لرب العمل ألا ينتظر حلول الأجل المتفق عليه أو الأجل المعقول، ويبادر منذ أن يتبين استحالة إنجاز العمل في الميعاد إلى طلب فسخ العقد، وله مصلحة ظاهرة في ذلك، فهو لو انتظر حلول الميعاد، فالعمل لن يكون قد تم، ويتكلف من المشقة والضرر ما يجعله يطالب المقاول بالتعويض، فالأولى أن يبادر إلى طب الفسخ فيجنب المقاول التعويض إلا بقدر ما لحقه من الضرر عن طلب الفسخ، ويجنب المقاول التعويض إلا بقدر ما لحقه من الضرر عند طلب الفسخ، ويجنب نفسه تأخيراً أكبر فيما لو انتظر حلول الميعاد ومن ذلك يتضح أن طلب الفسخ هو في مصلحة كل من الطرفين، رب العمل والمقاول معًا وإذا شئنا أن نستند إلى نص، أمكن أن نقرب هذه المسألة من المسألة التي عرضت لها الفقرة الثانية من المادة 650 مدني حين تقول : "على أنه يجوز طلب فسخ العقد في الحال دون حاجة إلى تعيين أجل، إذا كان إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب مستحيلاً" . ففي الحالتين ارتكب المقاول خطأ لا يمكن تداركه، فهو إما أن يكون قد نفذ العمل تنفيذًا معيبًا لا يمكن تداركه، وإما أن يكون قد تأخر في البدء به أو تأخر في إنجازه معيبًا لا يمكن تداركه، وقد رأينا أن هناك نصًا صريحًا ( م650/2 مدني ) في إحدى الحالتين يجيز لرب العمل أن يطلب الفسخ فورًا، فتقاس على هذه الحالة الحالة الأخرى.

لذلك يبدو لنا أنه ليس دقيقًا ما ورد في المذكرة الإيضاحية من أن الحكم الوارد في النص المحذوف "يخالف القواعد العامة التي لا تجيز طلب الفسخ إلا إذا حصل الإخلال بالتزام فعلاً" . فإن الإخلال بالالتزام قد حصل مقدمًا وعلى وجه محقق، كما تقول المذكرة الإيضاحية نفسها، وحذف النص في لجنة المراجعة "اكتفاء بالقواعد العامة" لا يمنع في نظرنا من تطبيقه بالرغم من حذفه، إذ هو في الواقع متفق مع القواعد العامة كما رأينا، وقد صيغت لهذه الحالة ونظائرها نظرية الجحود المبتسر، وهي نظرية تدخل في نطاق القواعد العامة .

وقد حرص المشرع الكويتي على تضمين التقنين المدني الكويتي هذا الحكم في المادة 668 التى نصت على أنه ( إذا تأخر المقاول في البدء في تنفيذ العمل او في انجازه تاخراً لا يرجى معه مطلقاً أن يتمكن من القيام به كما ينبغي في المدة المتفق عليها أو إذا اتخذ مسلكاً ينم عن نيته في عدم تنفيذ التزامه، أو أتى فعلاً من شأنه ان يجعل تنفيذ هذا الالتزام مستحيلاً، جاز لرب العمل أن يطلب فسخ العقد دون انتظار لحلول اجل التسليم) .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع، المجلد / الأول، الصفحة /102 )

لرب العمل أن يراقب المقاول اثناء تنفيذ العمل ليتحقق من أنه يباشره وفقاً للشروط والمواصفات المتفق عليها وأنه يتبع أصول أهل الحرفة، فاذا تبين له أن المقاول خالف شيئاً من ذلك، كأن لا يصل المقاول إلى عمق الأساس المتفق عليه، أو أن النجار يصنع الأثاث من نوع رديء من الخشب، فله التدخل لمنع المقاول من الاستمرار في العمل على هذا النحو المعيب، ونفرق في ذلك بين أمرين :

الأول : أن يكون المقاول بدأ العمل على نحو معيب وأصبح من المستحيل إصلاح العيب، كما اذا كانت الأدوار الأولى معيبة لمخالفتها للتصميم وبالتالي فسوف تكون الأدوار العليا معيبة مثلها ولا يجدي الا هدم البناء فيكون لرب العمل منذ البداية طلب الفسخ، ويخضع هذا الطلب لتقدير القاضي وله أن يستعين بأهل الخبرة، فله أن يقضي بالفسخ أو اصلاح العيب.

ويكون للفسخ حينئذ أثر رجعي لوروده على عقد مقاولة، لكن إذا تبين أن العقد في حقيقته عقد شركة، بأن التزم مالك الأرض بتقديم أرضه كحصة عينية على أن تتمثل حصة المقاول في حصة نقدية تكفي لتشييد البناء فضلاً عن قيامه بأعمال البناء، فإن الفسخ لا يكون له أثر رجعي، ويترتب على الفسخ حل الشركة وتصفيتها، وتكون الأرض من الأصول المملوكة للشركة، فلا ترد لمن قدمها، ما يختص ولكن يكون له الرجوع على شريكه بالتعويض وفقاً للقواعد العامة، والتنفيذ علي ما يختص به الأخير من أصول آلت بموجب التصفية.

الثاني : أن يكون الاصلاح ممكناً، كأن يكون المقاول حفر الأساس أقل من الواجب أو الحائك صنع الثوب على خلاف مواصفات رب العمل، فيتعين على رب العمل أن يبدأ بإنذار المقاول بأن يصلح طريقة التنفيذ.

وليس للإنذار شكل خاص، فقد يكون بإنذار على يد محضر أو بخطاب أو شفاهة، فاذا قام المقاول بهذا الإصلاح فله أن يستمر في العمل، أما أن لم يفعل أو نازع وادعی بسلامة العمل، جاز لرب العمل أن يطلب الفسخ أو التنفيذ العيني وفقا للقواعد العامة، كما له أن يطلب ترخيصاً من القضاء للقيام بإصلاح العيب أو أنجاز العمل بواسطة مقاول آخر على نفقة المقاول الأول، وله في حالة الاستعجال القيام بذلك بدون ترخيص من القضاء كما لو كان البناء آيلاً للسقوط ولم يرمم وفقاً للأصول وکاقامة جناح في معرض على وشك الانتهاء و للقضاء أن يقرر فيما بعد ما إذا كان الأمر مستعجلاً فيقر رب العمل أم غير مستعجل.

وقد يتأخر المقاول في إنجاز العمل، وتصبح المدة الباقية من الأجل غير كافية الانجاز العمل وفقاً لطبيعة العمل المطلوب وامكانيات المقاول، فلرب العمل ألا ينتظر حلول الأجل المتفق عليه بل له أن يبادر إلى طلب الفسخ والتعويض، طبقاً النظرية الجحود المبتسر، التي تسري كذلك إذا صرح المقاول أنه لن ينفذ العمل أو اتخذ مسلكاً ينم عن هذه النية أو أتی بفعل من شأنه أن يجعل تنفيذ التزامه مستحيلاً، فيجوز في هذه الحالات لرب العمل أن يعتبر هذا المسلك جحوداً وأن يفسخ العقد دون انتظار لحلول الموعد المحدد لتنفيذ العقد. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع، الصفحة/ 448)

كفلت المادة لرب العمل، في حالة قيام المقاول بالعمل على وجه معيب أو مناف للعقد، عدم الانتظار إلى نهاية مدة عقد المقاولة حتى يستعمل حقه في طلب التنفيذ العيني أو الفسخ مع التعويض في الحالتين، بل خولت له متى رأي أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل له توقيع الجزاء دون أن يمهل المقاول إلى نهاية المدة.

ومثال ذلك أن يلاحظ رب العمل أن المقاول قد أخل ببعض الشروط والمواصفات المتفق عليها بأن لم يدعم مثلاً الأساس أو لم يصل به إلى العمق الكافي أو لم يجعل الجدران في السمك المتفق عليه، أو لاحظ أن النجار الذي يصنع الأثاث المطلوب لم يراع أصول الصناعة في صنع الوحدات الأولى من الأثاث أو استخدم خشباً في هذه الوحدات غير المتفق عليه أو من صنف أقل جودة.

وقد ميز النص بصدد تدخل رب العمل إذا ثبت أثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب أو مناف للعقد، بين فرضين نعرض لهما فيما يلي:

(الفرض الأول) أن يكون إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب ممكناً:

إذا كان إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب ممكناً، كما إذا أقام مقاول البناء الأساس على عمق أقل من الواجب أو أقام حائط الدور الأول بسمك أقل من الواجب وجب على رب العمل إنذار المقاول بأن يصلح من طريقة التنفيذ، وليس له المبادرة إلى طلب الفسخ مادام العيب من الممكن إصلاحه، إذ يكون المقاول غافلاً عن العيب فيجري تنبيه رب العمل لتلافيه بأن يضرب له أجلا لإصلاح العيب فإذا انصاع المقاول لتنبيه رب العمل، وأصلح العيب في الأجل المحدد، فإن له المضي في العمل على الوجه الصحيح، ولا سبيل عليه لرب العمل.

وليس للإنذار شكل خاص فيجوز أن يكون بإعلان على يد محضر أو بخطاب موصى عليه أو حتى شفاهة، وإنما يقع على عاتق رب العمل عبء إثباته، وإنذار المقاول بضرورة الرجوع إلى الطريقة الصحيحة في تنفيذ العمل، ليس مجرد رخصة الرب العمل، إن شاء استعملها، وإن شاء أهملها، بل إن رب العمل يلتزم القيام ب هذا الإنذار، متى ثبت له أن هناك عيوبا في طريقة التنفيذ أو منافاة للعقد، فذلك ما يوجبه حسن النية في تنفيذ العقود من تعاون بين الطرفين لكي يتم التنفيذ مطابقاً لما هو متفق عليه. فقد يكون المقاول معتقدا أنه ينفذ التزامه تنفيذاً صحيحاً. فإذا أهمل رب العمل في إخطاره بما في طريقة التنفيذ من عيوب، أو تعمد أن يسكت، وترتب على ذلك أن جاء العمل غير مطابق لما هو متفق عليه، فإن رب العمل لا يستحق تعويضاً عن الأضرار التي كان يمكن تجنبها لو أحظر المقاول في حينه بما في طريقة التنفيذ من عيوب، أو مخالفة لمواصفات العقد.

أما إذا رفض المقاول تعديل طريقة التنفيذ، أو ترك الأجل المعين لذلك يمضي دون أن يرجع إلى الطريقة الصحيحة، جاز لرب العمل أن يلجأ إلى القضاء إما بطلب التنفيذ العيني أو بطلب فسخ العقد. فبالنسبة لطلب التنفيذ العيني إذا رأى القاضي أن التنفيذ الذي يجريه المقاول معيباً قضى بإلزامه بإصلاح العيب، وبالتعويض إن كان له محل.

كما يجوز لرب العمل في هذه الحالة أن يطلب من القاضي ترخيصاً في إصلاح العيب أو في إنجاز العمل كله على الوجه الصحيح، بواسطة مقاول آخر على نفقة المقاول الأول إذا كان هذا ممكناً بالتطبيق للفقرة الأولى من المادة 209 مدنی التي تجري على أن: "في الالتزام بعمل، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يطلب ترخيصا من القضاء في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكنا". كما يجوز للقاضي القضاء لرب العمل بالتعويض عما أصابه من أضرار، وكما يجوز عملاً بالفقرة الثانية من المادة المذكورة، في حالة الاستعجال أن ينفذ رب العمل الالتزام على نفقة المدين، دون ترخيص من القضاء، مثال ذلك أن تكون مهمة المقاول ترميم منزل آيل للسقوط، أو مهمة الحائك حياكة ثوب زفاف لعروس حدد له موعداً، فأوشك حلول الموعد. وبالنسبة لطلب الفسخ، فإن الفسخ يخضع في القضاء به التقدير القاضي طبقاً للقواعد العامة. وإذا قضى به كان لرب العمل التحلل من دفع الأجر. كما يجوز له طلب التعويض إذا كان له محل. ويشمل التعويض قيمة المواد التي قدمها للمقاول لاستخدامها في العمل وتعذر ردها إليه بالحالة التي سلمت عليها.

الفرض الثاني : أن يكون إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب مستحيلاً :

إذا كان إصلاح ما في طريقة التنفيذ من عيب مستحيلاً، ولو كانت المدة المحددة أصلاً لتنفيذ العقد لم تنقض بعد، كما إذا سلم شخص إلى حائك قطعة من القماش ليحيكها حلة له فأتلفها، أو عهدت إليه عروس بحياكة فستان الزفاف وقد تم الزفاف، أو كما إذا أقام مقاول البناء المبني وعلا بالأدوار الأولى منه على خلاف المواصفات والتصميم الموكول إليه تنفيذه مما لا يمكن معه تدارك هذا الخطأ، لأن الأدوار التالية ستكون على غرار الأدوار الأولى معيبة.

ففي الصور السالفة، يجوز لرب العمل أن يطلب القضاء بفسخ العقد والتعويض، لأنه لا جدوى من إلزام رب العمل بالانتظار حتى ينقضي الموعد المحدد في العقد الانتفاء التنفيذ، مادام قد ثبت على وجه اليقين أن المقاول لن يستطيع تنفيذ العمل المطلوب وفقاً لما هو منصوص عليه في العقد.

تأخر المقاول في تنفيذ العمل تأخراً لا يرجى تدارکه :

قد يتأخر المقاول في بدء تنفيذ العمل الموكول إليه أو يبدأ فيه دون تأخير ولكنه يتباطأ في تنفيذه، بحيث يكون الواضح أنه لا يرجي مع هذا التأخير إنجاز العمل في الأجل المتفق عليه، أو في المدة المعقولة، إذا لم يتفق على أجل لتنفيذه. ومثال ذلك أن يتفق مؤلف مع مطبعة على أن تنجز طبع مؤلفه في ميعاد معين، أو يتفق عارض مع مقاول على أن ينجز صنع أشياء لعرضها في معرض معروف تاريخ افتتاحه فيكون هناك اتفاق ضمني على أن المقاول ينجز العمل قبل افتتاح المعرض.

فيحق لرب العمل أن يطلب فسخ العقد وتعويض ما أصابه من أضرار، ولو أن الموعد المحدد للانتهاء من العمل لم ينقض بعد ولا شك أن هذا الرأي يتفق مع المنطق، فما دام من المؤكد أن المقاول لن ينفذ التزامه في موعده، وبالتالي أنه سيكون لرب العمل الحق في فسخ العقد والتعويض عندما يحل هذا الموعد دون تنفيذ، فلا يكون هناك أي مبرر لإلزام رب العمل بالانتظار حتى يحل الموعد المحدد أصلاً للتنفيذ .

وقد ذهب البعض إلى أنه ليس صحيحاً ما ورد بمذكرة المشروع التمهيدي من أن الحكم المحذوف يخالف القواعد العامة. وأنه يجب الأخذ به بالرغم من حذفه.

حقاً إن الإخلال بالالتزام العقدي لا يتحقق إذا لم يكن الموعد المحدد لتنفيذه قد حل، ولكن تنفيذ العقود يجب أن يتم بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية (م 148/1 مدنی)، وحسن النية يوجب على المقاول أن يبدأ في تنفيذ العمل في وقت يسمح له بالانتهاء منه في الموعد المحدد لذلك، فإذا تأخر في البدء في العمل تأخراً لا يرجى معه إطلاقاً، بالنظر إلى طبيعة العمل، وإلى إمكانيات المقاول، أن ينتهي التنفيذ في الموعد المحدد لذلك، فإن هذا المسلك من جانب المقاول يعتبر جحوداً مبتسراً لعقده، ويتضمن الإخلال بواجب مراعاة حسن النية في تنفيذه لالتزامه، بحيث يستأهل الجزاء المقرر للإخلال بالعقود، ولا يقتصر الجحود المبتسر على تأخير المقاول في بدء العمل، بل يشمل أيضاً حالة ما إذا صرح المقاول بأنه لن ينفذ العمل، أو إذ اتخذ مسلكاً من شأنه أن ينم عن نيته في عدم التنفيذ، أو أن يأتي بفعل من شأنه أن يجعل تنفيذ التزامه مستحيلاً. كما لو تعاقدت فرقة تمثيلية مع صاحب مسرح على تقديم بعض الروايات على مسرحه في خلال أسبوع معين، وقبل حلول هذا الأسبوع تعاقدت مع صاحب مسرح أخر على التمثيل خلال الأسبوع نفسه، ففي هذه الحالة يجوز لرب العمل وهو صاحب المسرح أن يعتبر هذا المسلك جحوداً من الفرقة، وأن يفسخ العقد دون انتظار لحلول الموعد المحدد لتنفيذ العقد، وذلك يتيح له أن يتعاقد مع فرقة أخرى وهو ما يكفل له ألا يبقى مسرحه بلا فرقة، وهو ما يحدث له لو انتظر حلول موعد تنفيذ الفرقة الأولى).

كما ذهب البعض إلى أن الإخلال بالالتزام قد حصل مقدماً وعلى وجه محقق، كما تقول مذكرة المشروع التمهيدي، فقد جاء بها: "فيكون بذلك قد أخل مقدماً بالتزمه".

تسليم العمل محل المقاولة

المحل الذي يرد عليه التسليم :

المحل الذي يرد عليه التسليم في عقد المقاولة هو ذاته العمل محل المقاولة أي العمل المطلوب إنجازه، سواء أكان المقاول هو الذي قدم المادة، أم أن رب العمل هو الذي قدمها.

وهو في الحالتين يلتزم بتسليم العمل المتفق عليه، بمقتضى التزام بالتسليم ناشئ عن عقد المقاولة. ويمكن أيضاً في الحالة الأولى أن يلزم بالتسليم فيما يتعلق بالمادة التي قدمها بموجب التزام البائع بتسليم المبيع إذا كان للمادة التي قدمها المقاول قيمة محسوسة، إذ العقد يكون في هذه الحالة مزيجاً من المقاولة والبيع. أما في الحالة الثانية وهي التي يقدم فيها رب العمل المادة فإن المقاول يلزم أيضاً بردها بموجب دعوى الاسترداد، إذ رب العمل يبقى مالكاً للمادة .

ويلتزم المقاول أيضاً بأن يرد إلى رب العمل ما تبقى من المادة التي قدمها رب العمل إن وجد، إذ نصت الفقرة الأولى من المادة 649 مدنی- كما رأينا - على أن: "إذا كان رب العمل هو الذي قدم المادة، فعلى المقاول أن يحرص عليها ويراعى أصول الفن في استخدامه لها، وأن يؤدي حساباً لرب العمل عما استعملها فيه ويرد إليه ما بقي منها".

كذلك يلتزم المقاول بأن يرد إلى رب العمل المستندات والوثائق التي تكون قد أودعت لديه لحاجة العمل، كالمستندات المثبتة لملكية رب العمل الأرض التي أقيم البناء عليها، والرسومات الخاصة بهذا البناء. أو أي أدوات يكون قد تسلمها من رب العمل ولم يعد هناك داعياً الاحتفاظ المقاول بها.

كيفية التسليم :

يكون تسليم العمل المتفق عليه، بوضع العمل تحت تصرف رب العمل، بحيث يستطيع الاستيلاء عليه والانتفاع به دون عائق. ولا يشترط لتمامه أن يضع رب العمل يده فعلاً عليه، مادام المقاول قد أعلمه بذلك، إذ يجب في هذا المجال أن نفرق بين تسليم العمل وتسلمه، فتسليم العمل يتم بمجرد وضعه تحت تصرف رب العمل، فلا يحتاج إلى عمل يقوم به هذا الأخير، أما تسلم العمل فهو التزام على رب العمل.

وتختلف طريقة التسليم باختلاف العمل أو الشيء موضوع المقاولة. فالحائك يسلم صاحب الثوب يداً بيد.

وكذلك النجار والصائغ والسباك و غيرهم من أصحاب الحرف. ومقاول البناء يسلم البناء بالتخلية بينه وبين صاحب العمل ووضعه إياه تحت تصرفه. وقد يتم ذلك بتسليمه المفاتيح. والمقاول الذي قام بصنع شيء أو تحويله، أو إصلاحه... إلخ يسلمه إلى صاحب العمل بوضعه تحت تصرف رب العمل على النحو السالف ذكره.

وإذ قام المقاول بعمل لا تنتقل حيازة الشيء فيه من صاحب العمل، كالسباك يصلح المواسير، والنقاش يدهن الجدران... إلخ فإن التسليم هنا يكون بتخلیه السبيل أمام صاحب العمل أو بوضع الشيء الذي تم العمل فيه تحت تصرفه لينتفع به.

ميعاد التسليم:

يكون التسليم في الميعاد المتفق عليه بين المتعاقدين فإذا لم يتفق على موعد لتسليم العمل، ولكن وجد اتفاق على موعد الانتهاء تنفيذ العمل، وجب إجراء التسليم فور هذا الانتهاء. أما إذا لم يحدد موعد لا للتسليم ولا لإنجاز العمل، وجب أن يتم التسليم في موعد معقول، يراعى في تحديده طبيعة العمل، وما يستغرقه عادة من الوقت، وإمكانيات المقاول المعلومة لرب العمل، والغرض المقصود من المقاولة إذا كان المقاول يعلم به، كما يجب أن يراعى في ذلك عرف المهنة.

وقد يستخلص هذا الميعاد من الظروف، فالشئ المصنوع لتقديمه في مسابقة أو مناقصة أو لعرضه في معرض يكون ميعاد تسليمه قبل حلول موعد المسابقة أو المناقصة أو قبل حلول افتتاح المعرض، ولو لم يتفق المتعاقدان على ذلك صراحة، كذلك إذا كان العمل هو تشييد مبنى لاستخدامه كجناح في معرض، فيجب تسليم هذا المبنى في موعد سابق على اليوم المحدد لافتتاح المعرض، بحيث تكون هناك فسحة من الوقت تتيح لرب العمل تنظيم وتنسيق هذا الجناح ووضع معروضات فيه .

حق المقاول في الحبسة :

إذا حل ميعاد التسليم، وكان للمقاول أجر في ذمة رب العمل، سواء كان الأجر كله أو جزءاً منه، ولم يقم رب العمل بدفعه إلى المقاول، ولم يعرض الوفاء به، جاز الرب العمل في هذه الحالة أن يحبس العمل حتى يستوفي أجره طبقاً للقواعد العامة في الحبس (م 246 مدنی) وفي الدفع بعدم التنفيذ (م 161 مدنی).

وطبقاً للقواعد العامة يلتزم المقاول بأن يسلم العمل ولو لم يستوف ما هو مستحق له قبل رب العمل، إذا قام هذا الأخير بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزاماته (م 1/246 مدنی).

وحق المقاول في الحبس لا يتناول فقط الأشياء التي صنعها رب العمل بمواد من عنده، بل يشمل أيضاً كل ما سلمه رب العمل للمقاول لاستخدامه في إنجاز العمل، فيحق للمقاول أن يحبس المادة التي قدمها رب العمل لصنع الشيء المتفق عليه، سواء ما استعمل منها في الشيء أو ما بقی دون استعمال، ويتناول أيضاً المهمات والمستندات والوثائق والرسوم والنماذج والتصميمات التي يكون رب العمل قد سلمها للمقاول.

ولكن إذا اقتصر عمل المقاول على شيء في حيازة صاحبه، كالسباك الذي يصلح المواسير والمقاول الذي يحفر مكانا أو يهدم حائطا، فليس للمقاول الحق في حبس هذا المكان لأن المكان لم يخرج من حيازة صاحبه.

وللمقاول الاحتجاج بحق الحبس في مواجهة رب العمل وخلفه العام وخلفه الخاص وفي مواجهة دائني رب العمل العاديين والممتازين.

وحق الحبس المقرر للمقاول حتى يستوفي أجره تسري في شأنه القواعد العامة في الحق في الحبس. ولما كان حق الحبس غير قابل للتجزئة، فإنه يجوز للمقاول أن يحبس كل العمل حتى يستوفي أي جزء باق له من الأجر. وذلك ما لم يتفق على أن الأجر يدفع على أقساط بحسب ما يتم إنجازه من العمل، فما تم إنجازه ودفع أجره لا يجوز حبسه ولا تحبس إلا الأجزاء من العمل التي تمت ولو لم يستوف المقاول أجرها. وإذا سلم المقاول الشیء محل المقاولة مختاراً انقضى حق حبسه. ويترتب على ذلك أن الصانع إذا سلم المصنوع لرب العمل، ثم أعاده رب العمل للصانع لعمل إصلاحات فيه، جاز للصانع أن يحبسه في مقابل الأجر المستحق لهذه الإصلاحات الأخيرة، دون الأجر المستحق لصنع الشيء ذاته فقد سقط حقه في الحبس لهذا الأجر بعد أن سلم المصنوع لرب العمل.

مكان التسليم:

يكون التسليم في المكان المتفق عليه، فإذا خلا عقد المقاولة من تحديد مكان التسليم كان التسليم في المكان الذي يحدده عرف المهنة أو الصنعة.

وإذا انصرف التسليم إلى عقار كان التسليم في مكان العقار.

أما إذا كان التسليم واقعا على منقول سبق للمقاول أن تسلمه من رب العمل، فإنه يلتزم برده إليه في نفس المكان الذي تسلمه فيه، أما إذا كان المنقول غير موجود وقت العقد كما لو كان المطلوب من المقاول صنعه، فيجب تسليمه في موطن المقاول، أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله إذا كان العمل يدخل ضمن هذه الأعمال، وهو الغالب (م 1/347 مدنی).

جزاء الإخلال بالالتزام بالتسليم:

إذا لم يقم المقاول بتنفيذ التزامه بالتسليم، وذلك بوضع العمل تحت تصرف رب العمل في الوقت المحدد لذلك، وفي المكان الواجب تسليمه فيه. كان لرب العمل - طبقاً للقواعد العامة - بعد إعذار المقاول إما طلب التنفيذ العيني أو الفسخ مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض.

نعرض لهاتين الحالتين فيما يلى:

(أ) – التنفيذ العينى:

لرب العمل أن يطلب التنفيذ العيني، فيجبر المقاول على التسليم إذا كان هذا ممكناً وإذا كان التسليم يقتضي تدخل المقاول شخصياً، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التسليم، وبدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك (م213/1 مدني ) وإذا كان يمكن الحصول على مثل المتفق عليه، جاز لرب العمل أن يطلب ترخيصاً من القضاء في الحصول عليه على نفقة المدين (م 209/1 مدنی). ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ رب العمل الالتزام على نفقة المدين، دون ترخيص من القضاء (م 209/2 مدنی).

ولكن لا يجوز إجبار المقاول على تسليم العمل إلا إذا كان قد انتهى منه، فقد يكون في تسليمه ناقصاً إضراراً بسمعته الفنية أو الأدبية، وتقدير ما إذا كان العمل قد تم تنفيذه أم لا مسألة موضوعية، يفصل فيها القضاء مستعيناً بأراء أهل الخبرة، مع مراعاة أنه إذ كان العمل المطلوب من أعمال الفن کرسم لوحة أو عمل تمثال، أو كان عملاً أدبياً كتأليف كتاب، فإن الحكم الوحيد في مسألة انتهائه يكون هو الفنان نفسه، بحيث لا يمكن أن يجبر على التسليم إذا كان غير راض عن عمله، معتقداً أن وضعه في يد الغير سيضر بسمعته الفنية أو الأدبية. أما إذا قرر الفنان بنفسه أنه انتهى من العمل وأعلن رضاءه عنه، فإنه يلتزم بتسليمه إلى رب العمل، فإذا امتنع عن ذلك طمعاً في زيادة أجره، أو جرياً وراء هوى، فإنه يجبر على هذا التسليم.

والالتزام بالتسليم التزام بتحقيق غاية، ومن ثم فإن مجرد عدم قيام المقاول بالتسليم يعتبر إخلالاً منه بالالتزام فلا يطالب رب العمل بإثبات خطأ في جانب المقاول، فعدم التسليم في ذاته هو الخطأ، ولا تنتفي مسئولية المقاول إلا إذا أثبت السبب الأجنبي، أو إذا أثبت أن العمل قد هلك أو تلف وأنه بذل في المحافظة عليه عناية الشخص المعتاد لأن التزامه بالمحافظة على العمل التزام ببذل عناية ويكفي لانتفاء المسئولية فيه أن يثبت أنه قام بالتزامه من بذل عناية الشخص المعتاد. وفي غير هذه الحالة الأخيرة يجب على المقاول أن يثبت السبب الأجنبي لينفي عن نفسه المسئولية.

فإذا كان الإخلال بالالتزام هو مجرد التأخر في تسليم العمل بعد إعذار رب العمل بالتسليم، كان المقاول مسئولاً عن تعويض رب العمل عن هذا التأخير، مالم يثبت أن هذا راجع إلى قوة قاهرة أو حادث فجائي كما في حالة تأخر رب العمل في تسليم المواد اللازمة للعمل أو في دفع الأقساط المستحقة أو طلبه إدخال تعديلات اقتضت هذا التأخير، أما إذا كان الإخلال بالالتزام مرجعه عدم التسليم أصلاً، فإن المقاول لا يتخلص من المسئولية إلا إذا أثبت السبب الأجنبي، فإذا لم يثبت ذلك، وجب دفع التعويض کاملاً. بينما إذا أثبت السبب انتفت مسئوليته.

(ب) – الفسخ

لرب العمل بدلا من طلب التنفيذ العيني أن يطلب فسخ العقد، ويلجأ رب العمل إلى الفسخ عادة إذا أصبح تسليم العمل مستحيلاً، وحتى تبرأ ذمته من الأجر المستحق للمقاول.

ويخضع الفسخ لتقدير القاضي، فهو غير ملزم بالقضاء به، فقد يرى أن ما لم يسلمه المقاول قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته، أو إذا كان التأخير في التسليم طفيفاً ولم يلحق برب العمل ضرراً كبيراً، فيفضي برفض طلب الفسخ.

وقد يرى القاضي إمهال المقاول حتى يقوم بالتنفيذ العيني (م 2/157 مدنی) وذلك كله طبقاً للقواعد العامة في الفسخ.

غير أن القاضي يكون ملزماً بإجابة طلب الفسخ إذا اتفق في العقد على الشرط الصريح الفاسخ.

وللقاضي أن يحكم مع الفسخ بالتعويض عن الأضرار التي لحقت برب العمل.

ضمان المقاول للعيوب الخفية في البناء:

يثور البحث في الحالة التي يكون فيها رب العمل قد أقر ما قام به المقاول من عمل بعد معاينته واعترافه بأنه تم صحيحاً مطابقاً لما هو متفق عليه ولما توجبه الأصول الفنية، دون أن ينكشف وجود عيب في البناء له فيما بعد هذا العيب ذلك أن القانون لم يضع نصاً ينظم هذه المسألة، كما فعل بالنسبة لضمان المهندس المعماري والمقاول للمنشآت التي يقومان بتشييدها - كما سنرى- وبالتالي فإنه لا مناص في هذا الشأن من الرجوع إلى القواعد العامة وهذه القواعد تميز بين فروض ثلاثة:

الفرض الأول : أن يكون العيب ظاهراً وقت القبول :

بمعنى أن يكون العيب في الصنعة واضحاً بحيث أنه كان في استطاعة رب العمل أو من أنابه عنه أن يكتشفه لو بذل في فحص العمل ما يبذله الشخص المعتاد، فإن قبول العمل رغم ظهور هذا العيب، يسقط حق رب العمل في الرجوع على المقاول بالضمان. إذ أن قبول رب العمل له دون تحفظ رغم علمه بهذه العيوب، يفيد أنه قدر أنها لا تؤثر على العمل ولا تتقص من قيمته، أو أنه قد نزل عن حقه في الرجوع على المقاول بضمانها، وإذا كان رب العمل لم يكتشف هذه العيوب لأنه لم يبذل في فحص العمل عناية الشخص المعتاد، فإنه يكون مهملاً وعليه أن يتحمل نتيجة إهماله، فلا يكون له أيضاً الرجوع على المقاول بالضمان.

الفرض الثاني:أن يكون المقاول قد أخفي غشاً العيب في الصنعة:

فلم يستطع رب العمل أن يكتشفه وقت تسلم الشيء أو تقبل العمل. ففي هذا الفرض يكون المقاول مسئولاً عن غشه.

ويكون لرب العمل الرجوع بالضمان على المقاول، إما بإصلاح العيب إذا كان ممكناً مع التعويض، أو بالفسخ مع التعويض. وإذا كان التنفيذ العيني أي إصلاح العيب مرهقاً للمقاول، جاز الاقتصار على طلب التعويض طبقاً لأحكام المادة 2/203 مدني. ويبدأ الضمان من وقت اكتشاف العيب، وفي خلال ثلاث سنوات من هذا الوقت، لأن أساس رجوع رب العمل المسئولية التقصيرية المنصوص عليها بالمادة 163 مدنى.

وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 172مدني على أن: "تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه، وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع.

الفرض الثالث : أن يكون العيب خفياً:

والمقصود بهذا الفرض أن يكون العيب ليس من الوضوح بحيث يمكن للشخص العادي كشفه وقت التسلم أو تقبل العمل، ولم يخفه المقاول غشاً عن رب العمل.

وفي هذا الفرض يضمن المقاول هذا العيب لأن القبول باعتباره موافقة على العمل الذي قام به المقاول والإقرار بأن هذا العمل قد تم مطابقاً لما هو متفق عليه، لا يمكن أن يفيد هذه الموافقة وهذا الإقرار إلا إذا صدر ورب العمل على علم بكل ظروف الحال.

غير أنه يشترط لهذا الضمان بداهة أن تكون هذه العيوب الخفية قديمة أي موجودة في العمل عند معاينته وإقراره، أو على الأقل أن يكون مصدرها موجوداً في ذلك الوقت، أما إن نشأت العيوب بعد القبول فلا ضمان على المقاول، وعلى ذلك فإذا ثبت أن الأخشاب التي وردها المقاول واستعملها في البناء كانت مسوسة، فإن المقاول يضمن هذا العيب، وإن لم ينتشر السوس في الخشب إلا بعد القبول، أما إن لم يصب الخشب بهذه الحشرة إلا بعد القبول فلا ضمان على المقاول.

(ب) - مدة ضمان العيب الخفي :

يذهب رأي إلى أن المقاول يبقى ضامناً للعيب الخفي المدة القصيرة التي يقضي بها عرف الحرفة، لأن العرف في عقد المقاولة مكمل لنصوص القانون ويجوز أن يصل إلى حد تقرير مدة تتقادم بها دعوى الضمان. وقد يستخلص من سكوت رب العمل بعد كشفه العيب أنه قد نزل نزولاً ضمنياً عن دعوى الرجوع بالضمان على المقاول.

بينما ذهب رأي آخر إلى أن التزام المقاول بضمان العيب الخفي لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة.

ويرد أنصار هذا الرأي على ما يوجهه خصومه من نقد بمقولة إنه يؤدي إلى أن تكون مسئولية المقاول عموماً أشد من المسئولية الخاصة التي قررها المشرع لمقاولى البناء والمهندسين المعماريين في المادة 651، والتي تشترط للمساءلة أن يظهر العيب في خلال عشر سنوات من وقت قبول العمل، في حين أن قصد المشرع واضح في أن تكون مسئولية مقاولي البناء مسئولية خاصة مشددة عن المسئولية التي تمليها القواعد العامة على المقاولين، وما يراه هؤلاء الشراح من أن احترام قصد المشرع لا يتحقق إلا بتقرير أن قبول العمل في غير الحالات التي تحكمها المادة 651، يعفي المقاول من العيوب التي قد توجد في عمله، سواء كانت هذه العيوب ظاهرة أم خفية. ويبررون هذا الحكم بأن المشرع أراد أن يحسم النزاع حول هذه العيوب بمجرد القبول، لأن إباحة إثارتها لمدة طويلة بعد ذلك يهدد استقرار المعاملات، فضلاً عن صعوبة إثبات عيوب العمل إذا مضى وقت طويل على إقرار رب العمل له.

وهذا الرد يتمثل في أن الأحكام الخاصة بمسئولية مقاولى المباني والمهندسين المعماريين تظل أشد من الأحكام العامة في المسئولية عن العيوب الخفية، بالرغم من تقرير عدم تقادم دعوى الضمان إلا بمضي خمس عشرة سنة، ذلك أن المشرع لم يلزم مقاولى المباني بمجرد ضمان العيوب التي تكون في عملهم وقت القبول، بل جعلهم ضامنين لما ينشأ من هذه العيوب بعد ذلك في خلال المدة المحددة قانوناً، فوجه التشديد في مسئولية مقاولي البناء لا يبدو إذن في إطالة المدة التي يجوز فيها رفع دعوى المسئولية، وإنما في أن هؤلاء الأشخاص يضمنون عيوب المباني ولو كانت حديثة، أي ولو طرأت بعد قبول العمل مادام ذلك قد تم في خلال المدة المحددة في القانون، في حين أن القواعد العامة في مسئولية المقاولين (غير مقاولي البناء) لا تلزمهم إلا بضمان العيوب القديمة التي كانت موجودة في العمل وقت معاينته وإقراره. وعلى ذلك فالرأي الذي لا يجعل للقبول أثراً على التزام المقاول بضمان العيوب الخفية، لا يخالف قصد المشرع، ويمكن أعماله في ضوء النصوص القائمة.

(ج) - عدم تعلق أحكام الضمان بالنظام العام :

من المتفق عليه أن أحكام الضمان سالفة الذكر لا تتعلق بالنظام العام. ومن ثم يجوز اتفاق الطرفين على ما يخالفها سواء بالتشديد أو بالتخفيف أو الإعفاء من الضمان كلية.

فيجوز الاتفاق على تشديد الضمان، بتحديد مدة للضمان ولو كان العيب في العمل المسلم إلى رب العمل واضحاً، والاتفاق أيضاً على أن ذلك لا يمنعه من الرجوع بالضمان فيما بعد إذا ظهر في العمل عيب ولو كان واضحاً.

ويجوز الاتفاق على تخفيف الضمان أو الإعفاء منه، بالاتفاق على إعفاء المقاول من الضمان ولو كان العيب خفياً.

غير أنه لا يجوز الاتفاق على الإعفاء من الضمان إذا كان العيب راجعاً إلى غش المقاول أو خطئه الجسيم. إذ يقع هذا الاتفاق باطلاً.


وتختلف هذه الأحكام عن أحكام ضمان المهندس المعماري والمقاول بالنسبة العيوب البناء فهی - مما يتعلق بالنظام العام، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن الصفحة/ 127)

الفقه الإسلامي

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

مادة 649

1- اذا تبين اثناء سير العمل أن المقاول يقوم به على وجه معيب او مناف للعقد ، جاز لصاحب العمل أن ينذره بأن يعدل من طريقة التنفيذ خلال أجل معقول يعينه له . فاذا انقضى الاجل دون ان يرجع المقاول الى الطريقة الصحيحة ، جاز لصاحب العمل أن يطلب فسخ العقد أو أن يعهد إلى مقاول آخر بانجاز العمل على نفقة المقاول الأول طبقاً لأحكام المادة 223.

2- ويجوز طلب فسخ العقد في الحال اذا استحال اصلاح ما في طريقة التنفيذ من عیب ، او اذا تأخر المقاول في أن يبدأ العمل أو في أن ينجزه تأخراً لا يرجی تدارکه.

هذه المادة تقابل المادة 650 من التقنين الحالي.

وقد أدخلت على هذه المادة التعديلات الآتية :

1- عدات الفقرة الأولى تعديلاً لفظياً على النحو الوارد في المادة المقترحة .

۲- عدلت الفقرة الثانية تعديلاً لفظياً .

٣- أضيفت الى الفقرة الثانية حالة اخرى يجوز لصاحب العمل فيها أن يطلب فسخ العقد في الحال دون حاجة الى تعيين اجل ودون انتظار لحلول اجل التسليم ، وهي حالة ما اذا تأخر المقاول في أن يبدأ العمل أو في أن ينجزه تأخراً لا يرجى تدارکه .

وقد كانت المادة ۸۷۰ من المشروع التمهيدي للتقنين الحالي تنص على هذه الحالة ، وكانت تجري على الوجه الآتي : « اذا تأخر المقاول في ان يبدا العمل أو في أن ينجزه تأخرا لایر جي معه مطلقا أن يتمكن من القيام بالعمل كما ينبغي في المدة المتفق عليها ، جاز لرب العمل فسخ العقد دون انتظار لحلول لجل التسليم ). ثم حنت هذا النص في لجنة المراجعة اكتفاء بالقواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج5 ص 14 في المامش . انظر المذكرة الإيضاحية لهذه المادة في هذا المرجع )

بمقتضى هذه الاضافة يجوز لصاحب العمل الا ينتظر حاول الأجل المتفق عليه او الأجل المعقول ، ويبادر منذ أن يتبين استحالة انجاز العمل في الميعاد الى طلب فسخ العقد . حيث يكون طلب الفسخ حينئد في مصلحة الطرفين . وهذه حالة تدخل في نطاق نظرية الجحود المبشر ، اذ ان الإخلال بالتزام على النحو المذكور قد حصل مقدما وعلى وجه محقق ، ومن ثم فليس دقيقا ما جاء في المذكرة الإيضاحية للنص المحذوف من أن حكمه « يخالفه القواعد العامة التي لا تجيز طلب الفسخ الا اذا حصل الإخلال بالالتزام فعلا »

والمادة المقترحة تتفق مع الماديين 667 و 668 من التقنين الكويتي .

و تقابل المادة 869 من التقنين العراقي التي تتفق مع المادة 650 من التقنين المصري الحالي .

و تقابل المادة 785 من التقنين الاردني التي تتفق مع المادة 650 من التقنين المصري الحالي .

ويتفق حكم المادة المقترحة مع ما يقرره الفقه الاسلامی :

ففي خصوص حق صاحب العمل في انذار المقاول وفي طلب الفسخ عند التقصير من جانب هذا الأخير : نصت المادة ۳۹۲ من المجلة على أنه « اذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع ، واذا لم عن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستقنع مخيرا » حيث يكون المستصنع في هذه الحالة مخيرا ، ان شاء فسخ العقد وان شاء اجازه .

وفي قواعد ابن رجب (ص 64 القاعدة الخامسة والأربعون ) أن عقود الأمانات تنفسخ بمجرد التعدی

وفي خصوص حق صاحب العمل في أن بعهد الى مقاول آخر بالعمل بعد استئذان القاضي او دون استئذانه في حالة الاستعجال : انار قواعد ابن رجب ( القاعدة الخامسة والسبعون ). مفتی المحتاج ج۲ ص 357 .

 

مجلة الأحكام العدلية

 

مادة (392) إنعقاد الاستصناع

إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة، كان المستصنع مخيراً.