loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس، الصفحة :  305

المرتب مدى الحياة

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

أورد التقنين الحالى أحكام المرتب مدى الحياة في شيء من الاقتضاب أما المشروع فقد عالج عيوب هذا التقنين، ووضح المهم من هذه الأحكام وقد أوجب أن يكون العقد الذي يقرر المرتب مكتوباً، وأجاز فيه الفسخ إذا قام سببه، وفي هذين يختلف المشروع عن التقنين الحالي.

مذكرة المشروع التمهيدي :

يتقرر المرتب مدى الحياة بعقد أو وصية، والعقد قد يكون معاوضة أو تبرعاً فيصح أن يبيع شخص منزلاً بثمن هو مرتب يؤدى له مدى حياته، أو يقرض مبلغاً يسترده إيراداً أو مرتباً مدى الحياة، كما يصح أن يلتزم شخص على سبيل التبرع، من طريق الهبة أو الوصية، بمرتب يؤديه مدى حياة المتبرع له ولا يوجد للإيراد المرتب مصدر آخر غير العقد والوصية. 

 

 

الأحكام

1- إذ خلصت محكمة الموضوع إلى أن نية العاقدين قد اتجهت فى العقد إلى التنجيز و نقل الملك الفورى إلى الورثة المشترين على أساس البيع أو الهبة ، و دلل الحكم على ذلك بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ، و من ثم فلا يقبل من الطاعنات القول بأن الحكم أخطأ فى تكييف العقد استنادا إلى سبق إقرار المورث فى صحيفه دعوى أخرى أو طلب شهر عقارى بأنه قصد من التعاقد الوصية دون غيرها من التصرفات بدليل احتفاظه لنفسه فى العقد بحق الإنتفاع بالعقار مدى الحياة ، ذلك لأن احتفاظ البائع بحقه فى الإنتفاع بالمبيع مدى حياته لا يتحتم معه وجوب اعتبار التصرف وصيه ولا يتعارض مع تنجيز التصرف ، متى كانت ادله الدعوى تفيد هذا التنجيز ، ولا وجه للتحدى بالاقرار الصادر من المورث فى شأن تكييف التصرف الصادر منه الى المطعون عليهم الورثه المشترين - والقول بان هذا الإقرار ملزم لهم باعتبارهم من ورثته ، ذلك انهم فى خصوص هذا التصرف لا يعتبرون ورثة أو خلفاء عامين للمورث بل هم خلف خاص له ، فلا حجيه لإقراره فى حقهم .

(الطعن رقم 560 لسنة 35 جلسة 1970/02/26 س 21 ع 1 ص 358ق 58)

2- متى كان عقد استخدام العامل خاليا من النص على تقرير مكافأة له أياً كان نوعها فى حالة فصله و لم يقدم دليلا لدى محكمة الموضوع على قيام عرف فى المؤسسة التى يعمل بها يقضى بمنح من هم فى مثل حالته مكافأة خاصة تكفل لهم معاشا مدى الحياة أو منحهم مكافأة تبلغ مرتب شهر عن كل سنة من سنين الخدمة فإن الحكم إذ أقر تقرير مكافأة لهذا العامل تعادل مرتب ستة أشهر لم يخالف القانون .

(الطعن رقم 92 لسنة 21 جلسة 1954/10/28 س 6 ع 1 ص 68 ق 7)

3- متى كان الحكم إذ قضى برفض الدعوى التى أقامها مورث الطاعن بطلب بطلان العقد الرسمى الصادر منه الى المطعون عليها الأولى ببيع منزل على أساس أن هذا العقد فى حقيقته وصية قد أقام قضاءه على " أن التصرف هو عقد بيع صحيح ناجز و ليس ما يمنع قانوناً من أن يكون الثمن مشترطاً وفاؤه كإيراد مرتب لمدى حياة البائع ولو أتيح القول بأن الثمن منعدم فالعقد يظل على هذا الفرض عقداً صحيحاً قانوناً ناقلاً للملكية لأنه يكون بمثابة هبة قد تضمنها عقد رسمى والهبة تصح قانوناً إذا صيغت فى صورة عقد بيع أو عملت بعقد رسمى " . متى كان الحكم قد أقام قضاءه على هذا الأساس فإنه لا يبطله إغفاله طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت أن أجرة مثل المنزل تزيد على الإيراد المقرر مدى حياة البائع كمقابل للبيع . إذ على فرض أن هذا الإيراد هو دون ريع المنزل وأن ذلك يجعل الثمن معدوماً فيعتبر العقد باطلاً كبيع فإن الحكم قد أقام قضاءه على أساس أن العقد يعتبر فى هذه الحالة هبة صحيحة شكلاً لإفراغها فى قالب رسمى وما قرره الحكم فى هذا الخصوص صحيح قانوناً ذلك أن مورث الطاعن قد أقام دعواه على أساس أن العقد فى حقيقته وصية أى تبرع مضاف إلى ما بعد الموت وقد أثبت الحكم بالأدلة السائغة التى أوردها أن التصرف صدر ناجزاً فيكون هبة صحيحة فى عقد رسمى ومن ثم فإن الطعن عليه بالقصوروبمخالفة القانون يكون على غير أساس  .

(الطعن رقم 177 لسنة 18 جلسة 1951/04/05 س 2 ع 3 ص 573 ق 96)

شرح خبراء القانون

الأصل أن المرتب مدى الحياة ينشأ من تصرف قانوني، ولكنه مع ذلك قد ينشأ من واقعة مادية، ففي حوادث العمل قد يتقاضى العامل مرتباً مدى الحياة، ومصدر المرتب هنا واقعة مادية هي إصابة العامل وفي التعويض عن عمل غير مشروع، قد يكون هذا التعويض في صورة مرتب مدى الحياة يعطي للمضرور، ومصدر المرتب هنا أيضاً واقعة مادية هي العمل غير المشروع .

فإذا تركنا الواقعة المادة جانباً واقتصرنا على التصرف القانوني، فإن هذا التصرف يكون أحد طرفيه دائماً هو الملتزم بالمرتب، ويكون الطرف الثاني عادة هو المستحق للمرتب على أن المستحق للمرتب قد لا يكون طرفاً في التصرف، ويتحقق ذلك في الإشتراط لمصلحة الغير، إذ يقع أن شخصاً يعطي لآخر عيناً أو رأس مال، ويشترط عليه أن يدفع الأجنبي عن العقد مرتباً مدى الحياة . فهنا المستحق للمرتب ليس طرفاً في العقد، بل هو المنتفع في الإشتراط والمتعهد هو الملتزم بالمرتب، وقد التزم به ثمناً للعين التي أعطاها إياها المشترط فيكون العقد بيعاً، أو رداً لرأس المال الذي أخذه من المشترط ويرده في صورة مرتب مدى الحياة فيكون العقد قرضاً أما العلاقة فيما بين المشترط والمنتفع وهو المستحق للمرتب فقد تكون تبرعية أي أن المشترط قد تبرع للمنتفع بالمرتب، وقد تكون علاقة معاوضة إذ يجوز أن يكون المشترط باشتراطه المرتب للمنتفع قد أراد أن يرد له قرضاً أو يدفع له ثمن بيع أو نحو ذلك، وتسري قواعد الإشتراط لمصلحة الغير في الصورة التي نحن بصددها .

ولكن في الكثرة الغالبة من الأحوال، يكون الملتزم بالمرتب والمستحق له هما طرفاً للتصرف ويكون التصرف في هذه الحالة إما معاوضة وإما تبرعاً .

وهذا هو الذي تنص عليه المادة 741 من التقنين المدني، إذ تقول :

"1 - يجوز للشخص أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتباً دورياً مدى الحياة بعوض أو بغير عوض" .

"2 - ويكون هذا الإلتزام بعقد أو بوصية.

فالعقد والوصية هما إذن المصدران الرئيسيان للإلتزام بالمرتب والعقد قد يكون عقد معاوضة أو عقد تبرع، والوصية تبرع دائماً ومن ثم تنقسم مصادر الإلتزام بالمرتب، على تنوعها، إلى معاوضات وتبرعات .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع، المجلد : الثاني، الصفحة : 1334)

يتعين الإشارة إلى أن العبارة الأخيرة الواردة بالمذكرة الإيضاحية يؤخذ عليها أن المرتب قد يكون مصدره واقعة مادية كما في التعويض عن عمل غير مشروع وفي التعويض عن إصابة العمل.

ويكون التصرف المنشي للمرتب عقداً أو وصية، فإن كان عقد فيغلب أن يكون بيعاً أو قرضاً، ففي البيع يقوم الشخص ببيع عين ويتقاضى الثمن مرتباً مدى الحياة، قد يكون شهرياً أو سنوياً، ويشترط فيه أن يكون أكبر من ريع العين وإلا اعتبر ثمناً صورياً لتفاهته فلا يتم به البيع ويكون التصرف هبة مكشوفة وليست مسترة فتلزم فيه الشكلية وإلا كان باطلاً أما إذا كان المرتب أكبر من الريع وقع البيع صحيحاً وسرت أحكام البيع من حيث الأهلية وعيوب الإرادة وتنتقل الملكية بالتسجيل ومن حيث ضمان الإستحقاق والعيوب الخفية وضمان الثمن وهو هنا هذا المرتب بإمتياز البائع، وإذا بيع عقار قاصر بمرتب مدى الحياة فلا يجوز الطعن عليه بالغبن الفاحش في حالة وفاة القاصر إثر التصرف، فالتصرف هنا احتمالی وربما امتد عمره طويلاً فيحصل على أكثر من الثمن. وفي القرض، فإن الملتزم بالمرتب يقترض مبلغاً من المستحق ويكون الوفاء للأخير مرتباً مدى حياته على أقساط كل قسط يعدل جزء منه الفائدة والجزء الأخير يقابل استهلاك رأس المال، ويلزم أن يكون المرتب أكبر من الفائدة المستحقة عن مبلغ القرض وأيضاً لا يجوز الطعن في القرض بالغبن الفاحش إذا ما عاش المستحق مدة طويلة يستوفي فيها ما يجاوز المبلغ بكثير، فالعقد احتمالی ومن الجائز أن يستوفى المستحق أثر القرض فلا يأخذ إلا قدراً يسيراً من المبلغ الذي أقرضه.

ويصح أن يكون العقد هبة مستترة ومتى أنشئ الإلتزام بالمرتب بناءً على عقد القرض، فإن أحكام هذا العقد هي التي تسري من حيث الأهلية وعيوب الإرادة وغيرها.

ويجوز في حالة قسمة الأموال أن يكون المرتب معدلاً لها.

وان كان التصرف المنشئ للمرتب وصية سرت أحكامها من حيث الأهلية وعيوب الإرادة، فإن كان هبة سرت أحكامها من حيث الأهلية وعيوب الإرادة والرسمية.

ويعتبر المرتب مدى الحياة دائماً من الحقوق الشخصية لا العينية وتعيين المستحق يعد رکناً جوهرياً في العقد.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر الصفحة : 359)

المقصود بالمرتب مدى الحياة هو مبلغ من المال يعطي على أقساط، إيراداً دورياً، لشخص مدة حياته، أو مدة حياة شخص آخر.

أوجه الشبه بين المرتب مدى الحياة وبين الدخل الدائم :

يتشابه المرتب مدى الحياة والدخل الدائم في أن كلا منهما يصح أن يكون مصدره عقداً، من عقود المعاوضة أو من عقود التبرع، كما يصح أن يكون بوصية، فيصح أن بيع شخص منزلاً بثمن ولا يتقاضاه وإنما يؤدي له مرتباً مدى حياته، أو يقرض مبلغاً يسترده إيراداً مرتباً مدى الحياة، كما يصح أن يلتزم شخص على سبيل التبرع، عن طريق الهبة أو الوصية، بمرتب يؤديه مدى حياة المتبرع له.

أوجه الخلاف بين المرتب مدى الحياة وبين الدخل الدائم :

يختلف المرتب مدى الحياة عن الدخل الدائم فيما يأتي :

1- المرتب مدى الحياة موقوت بحياة من رتب الإيراد على حياته فإذا توفي إنقضى المرتب، فلا ينتقل إلى ورثته.

أما الدخل الدائم فإنه لا ينقضي بوفاة صاحب الدخل وإنما ينتقل إلى ورثته ثم ورثة ورثته وهكذا.

2- المرتب مدى حياة غير قابل للاستبدال إلا إذا اشترط الاستبدال فی إتفاق خاص.

أما الدخل الدائم فهو قابل دائماً لاستبداله حتى لا يكون مؤبداً.

3- المرتب مدى الحياة يصح أن يكون المدين فيه شخصاً طبيعياً أو معنوياً غالباً يكون شركة تأمين. أما الدخل الدائم فالغالب فيه أن يكون المدين شخصاً معنوياً لأنه دخل يستمر.

4- المرتب مدى الحياة يجوز أن يزيد على سعر الفائدة القانونية أو الإتفاقية، إذ هو ليس كله فائدة لرأس المال.

فجزء منه يعتبر فائدة والباقي مقابل استهلاك رأس المال شيئاً فشيئاً ويتم الإستهلاك كاملاً بإنقضاء المرتب.

5- المرتب مدى الحياة يكون بعقد شكلي أي مكتوب في ورقة رسمية أو عرفية وعلى هذا نصت المادة 743 مدنی صراحة أما الدخل الدائم فلم يشترط القانون فيه شكلاً خاصاً، وإنما يتبع شكل التصرف القانوني الذي رتبه.

فالمرتب مدى الحياة قد ينشأ عن عقد أو وصية، وقد يكون العقد من عقود المعاوضة أو من عقود التبرع.

كما يمكن أن ينشأ المرتب مدى الحياة عن واقعة مادية، ونعرض لذلك بالشرح فيما يلى :

(1) المعاوضات :

ينشأ المرتب مدى الحياة في الغالب بعقد من عقود المعاوضات، وأهمها البيع والقرض.

فقد ينشأ عن عقد البيع، بأن يبيع شخص لآخر عقاراً أو منقولاً ويتقاضى الثمن مرتباً مدى حياته. وهذا المرتب يزيد على ريع العين المبيعة لأن جزءاً منه يعادل ريع العين والجزء الآخر يعادل استهلاك العين المبيعة شيئاً فشيئاً التي يبقى فيها المرتب، إذ بانقضاء المرتب تكون العين قد استهلكت ولذا يسمى هذا البيع بالفرنسية وترجمته بالعربية "التصرف المستهلك للعين" أو "التصرف المستهلك ".

ولو كان المرتب مساوياً لريع العين، لم تكن هناك فائدة للبائع من هذا العقد، ولو كان المرتب إيراداً يقل عن ريع العين، فإن الثمن في هذه الحالة يلحق بالثمن التافه، فيكون كالثمن الصوري لا يتم به البيع.

وإذا كان مصدر المرتب مدى الحياة هو عقد البيع، فإن أحكام البيع هي التي تسري، من حيث أهلية البائع وأهلية المشتري ومن حيث عيوب الإرادة ومن حيث إنتقال ملكية المبيع إلى المشتري في العقار بالتسجيل ومن حيث ضمان الإستحقاق والعيوب الخفية ومن حيث ضمان الثمن وهو هنا المرتب بإمتياز البائع.

وقد ينشأ المرتب مدى الحياة عن عقد قرض، بأن يقرض شخص آخر مبلغاً يسترده مرتباً مدى الحياة.

ويكون المرتب أكثر من الفائدة القانونية، لأن المرتب يشمل جزءاً من الفائدة وجزءاً من استهلاك رأس المال. ولا يجوز الطعن بأنه يخفي رباً فاحشاً، لأن المرتب ليس كله فائدة.

ولا ينال من ذلك أن يكون صاحب المرتب قد عاش مدة طويلة وتقاضى مرتباً يزيد زيادة كبيرة على رأس المال بحيث يتحقق الربا الفاحش، لأنه كان من الممكن أن يعيش مدة قصيرة ولا يتقاضى من الأقساط ما يزيد على رأس المال أو كان يتقاضى من الأقساط ما يقل عن رأس المال.

(2) التبرعات :

قد ينشأ المرتب مدى الحياة عن تصرف تبرعي. ويكون ذلك عادة لعلاقة خاصة بين الملتزم بالمرتب وصاحب المرتب.

وقد ينشأ ذلك عن عقد هبة، كأن يهب الزوج لزوجته مرتباً مدى الحياة أو إلى أولاده أو إلى أحدهم. أو يهب مخدوماً مرتباً مدى الحياة لخادم أمين عجز عن العمل.

كما يمكن أن ينشأ ذلك عن وصية، في مثل الحالات السابقة.

وإذا كان التصرف هبة سرت عليه أحكام الهبة، وإذا كان وصية سرت عليه أحكام الوصية.

قد يكون مصدر المرتب مدى الحياة واقعة مادية، ومثال ذلك التعويض عن إصابات العمل، إذا اتخذ التعويض صورة مرتب مدى الحياة، أو التعويض عن العمل غير المشروع إذا اتخذ التعويض هذه الصورة.

المرتب مدى الحياة من التصرفات الاحتمالية لأنه يرتبط بحياة صاحب المرتب وينتهي بوفاته، ولذلك يعتبر من عقود الغرر لأن أحد الأدائين لا يمكن مقدماً معرفة مقداره.

غير أن رأياً في الفقه المصري يذهب إلى أن الإحتمال في المرتب مدى الحياة هو محل التزام الملتزم بالمرتب، فهو قد التزم وجعل محل التزامه مرتباً ينطوي على عنصر الاحتمال أما السبب فهو الدافع الرئيسي للتعاقد، ولا يوجد له إلا شرط واحد وهو أن يكون مشروعاً. وإذا أريد تعيين السبب في المرتب مدى الحياة، وجب أن يعين بأنه هو الدافع الرئيسى للملتزم بالمرتب في أن يلتزم به والغالب أن يكون هذا السبب مشروعاً، إذ يهدف الملتزم بالمرتب عادة إلى أن يكفل للمستحق حياة تكفيه الحاجة، وقد يكون غير مشروع، كما إذا قرر شخص الخليلته مرتباً مدى الحياة ليدفعها بذلك إلى معاشرته معاشرة غير مشروعة.

ومفاد ما تقدم أن المرتب مدى الحياة يرتبط بحياة صاحب المرتب وينتهي بوفاته، وهذا يفترض بالضرورة أن صاحب المرتب كان حياً وقت تقرير المرتب. ومن ثم ينبني على تقرير مرتب مدى حياة شخص وجد ميتاً أن سبب الإلتزام - طبقاً لما أخذ به المشروع التمهيدي - أو المحل - طبقاً لما أخذ به الرأي في الفقه - يكون منعدماً، وبالتالي لا يترتب على العقد ثمة أثر.

المرتب مدى الحياة يرتبط بحياة صاحب المرتب، وهذا شرط جوهري في المرتب مدى الحياة، لأن عنصر الاحتمال يكون موجوداً. أما إذا رتب المرتب لمدة معينة أياً كانت طويلة أو قصيرة، فإنه لا يكون قد ربط بحياة صاحب المرتب والتي لا يعرف متى تنتهي.

ومثال ذلك أن يقرض شخص آخر مبلغاً من المال يرده إيراداً مرتباً لمدة خمس سنوات، فإن العقد في هذه الحالة يكون قرضاً عادياً، وما زاد في مجموع الأقساط على المبلغ المقترض يكون فائدة يجب ألا تزيد على الحد الأقصى المسموح به في الفوائد الإتفاقية أما الإيراد المرتب مدى الحياة فصبغته الاحتمالية تمنع من معرفة ما إذا كانت الفوائد تزيد على الحد الأقصى المسموح به أو لا تزيد.

وإذا باع شخص عقاراً لآخر بثمن هو مرتب لمدة عشرين سنة فالعقد يكون بيعاً عادياً قسط فيه الثمن على عشرين سنة ويجب ألا يزيد المرتب على الحد الأقصى المسموح به للفوائد القانونية.


وإذا وهب شخص آخر أو أوصى إليه بمرتب لمدة عشر سنوات، كان العقد هبة أو وصية.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع، الصفحة : 971)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 149

غَرَر

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَرَرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ التَّغْرِيرِ، وَهُوَ الْخَطَرُ، وَالْخُدْعَةُ، وَتَعْرِيضُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ لِلْهَلَكَةِ، يُقَالُ: غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَغُرَّةً فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ: خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ، وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا غُرُورًا: خَدَعَتْهُ بِزِينَتِهَا، وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ تَغْرِيرًا وَتَغِرَّةً: عَرَّضَهَا لِلْهَلَكَةِ.

وَالتَّغْرِيرُ: حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الْغَرَرِ .

وَعَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ: بِأَنَّهُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْجَهَالَةُ:

2 - الْجَهَالَةُ لُغَةً: أَنْ تَفْعَلَ فِعْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ .

وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الْجَهْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِخَارِجٍ عَنِ الإِْنْسَانِ كَمَبِيعٍ وَمُشْتَرًى وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَغَيْرِهَا.

(ر: جَهَالَة ف 1 – 3)

وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَقَالَ: أَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْجَهُولُ، كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ، فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا، لَكِنْ لاَ يُدْرَى أَيْ شَيْءٍ هُوَ؟ فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآْخَرِ وَبِدُونِهِ

أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ: فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الإِْبَاقِ لاَ جَهَالَةَ فِيهِ، وَهُوَ غَرَرٌ، لأِنَّهُ لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟

وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ: كَشِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ، مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلاَ غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ.

وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الآْبِقِ، الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الإْبَاقِ

ب - الْغَبْنُ:

3 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النُّقْصَانُ، يُقَالُ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا أَيْ: نَقَصَهُ، وَغَبَنَ رَأْيَهُ غَبْنًا: قَلَّتْ فِطْنَتُهُ وَذَكَاؤُهُ.

قَالَ الْفِيْرُوزُ آبَادِيُّ.: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبِنُهُ غَبْنًا - وَيُحَرَّكُ - أَوْ بِالتَّسْكِينِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّحْرِيكِ فِي الرَّأْيِ: خَدَعَهُ .

وَيُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْغَبْنَ إِلَى فَاحِشٍ وَيَسِيرٍ، وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا - كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ - هُوَ الدُّخُولُ تَحْتَ التَّقْوِيمِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ، فَالْفَاحِشُ مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَالْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ .

ج - التَّدْلِيسُ:

4 - التَّدْلِيسُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: كَتْمُ عَيْبِ السِّلْعَةِ، قَالَ الأْزْهَرِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: لَيْسَ لِي فِي الأْمْرِ وَلْسٌ وَلاَ دَلْسٌ أَيْ: لاَ خِيَانَةٌ وَلاَ خَدِيعَةٌ .

وَالْغَرَرُ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ

5 - الْغَرَرُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ خَدِيعَةً أَوْ تَدْلِيسًا حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَمِنْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، يَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَقَالَ: وَبَيْعُ مَا فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ وَلاَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ بَاطِلٌ .

أَقْسَامُ الْغَرَرِ:

6 - يَنْقَسِمُ الْغَرَرُ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُهُ عَلَى الْعَقْدِ إِلَى: غَرَرٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ وَغَرَرٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى مُؤَثِّرٍ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِ مُؤَثِّرٍ .

شُرُوطُ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا الشُّرُوطَ الآْتِيَةَ:

أ - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ كَثِيرًا:

7 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى الْعَقْدِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ - أَيْ فِي الْبَيْعِ - ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إِجْمَاعًا، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَقَلِيلٌ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ، وَمُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ يُلْحَقُ بِالأْوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي؟ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ فِي الْمَبِيعَاتِ لاَ يَجُوزُ وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَجُوزُ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَقَلَ الْعُلَمَاءُ الإْجْمَاعَ فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ، مِنْهَا: أَنَّ الأْمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ، قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَدَارُ الْبُطْلاَنِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ هُوَ أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ، وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ، أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ، وَإِلاَّ فَلاَ .

وَقَدْ وَضَعَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ ضَابِطًا لِلْغَرَرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ: الْغَرَرُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْدِ حَتَّى أَصْبَحَ الْعَقْدُ يُوصَفُ بِهِ

ب - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً:

8 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً. أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ. لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

1 - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا مُفْرَدَةً، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلَكِنْ لَوْ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا جَازَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الإْجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ، وَقَالَ: وَلأِنَّهُ إِذَا بَاعَهَا مَعَ الأْصْلِ حَصَلَتْ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيهَا .

2 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَجْرِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى بُطْلاَنِ بَيْعِ الْجَنِينِ؛ لأِنَّهُ غَرَرٌ، لَكِنْ لَوْ بَاعَ حَامِلاً بَيْعًا مُطْلَقًا صَحَّ الْبَيْعُ، وَدَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالإْجْمَاعِ .

3 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَشْتَرُوا اللَّبَنَ فِي ضُرُوعِهَا، وَلاَ الصُّوفَ عَلَى ظُهُورِهَا وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ، لأِنَّهُ قَدْ يُرَى امْتِلاَءُ الضَّرْعِ مِنَ السِّمَنِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ اللَّبَنُ صَافِيًا وَقَدْ يَكُونُ كَدِرًا، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، لَكِنْ لَوْ بِيعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ مَعَ الْحَيَوَانِ جَازَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولاً؛ لأِنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ، وَدَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ .

وَنَقَلَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إِذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ فِيهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ لَبَنِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلاً شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي إِبَّانِ لَبَنِهَا وَعُلِمَ أَنَّ لَبَنَهَا لاَ يُقْطَعُ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَلِ، إِذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ وَجْهُ حِلاَبِهَا.

ج - أَلاَّ تَدْعُوَ لِلْعَقْدِ حَاجَةٌ:

9 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْعَقْدِ: أَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ لَمْ يُؤَثِّرِ الْغَرَرُ فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: إِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ فَكَانَ شَرْطًا مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الأْصْلِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا وَرَدَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ رضي الله عنه كَانَ يُغْبَنُ فِي التِّجَارَاتِ، فَشَكَا أَهْلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تَبْتَاعُهَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثَ لَيَالٍ» وَلِلْحَاجَةِ إِلَى دَفْعِ الْغَبْنِ بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ .

وَقَالَ الْكَمَالُ عَنْ عَقْدِ السَّلَمِ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ. إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى الاِسْتِرْبَاحِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَهُوَ بِالسَّلَمِ أَسْهَلُ، إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَيْعِ نَازِلاً عَنِ الْقِيمَةِ فَيُرْبِحُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْحَالِ إِلَى السَّلَمِ، وَقُدْرَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى الْبَيْعِ بِسُهُولَةٍ، فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ الْحَالِيَّةُ إِلَى قُدْرَتِهِ الْمَآلِيَّةِ، فَلِهَذِهِ الْمَصَالِحِ شُرِعَ .

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا جُوِّزَ الْجُعْلُ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرُ لِلضَّرُورَةِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الأْصْلُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ. وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ، وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَكَامِلُ الأْعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا، وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالإْجْمَاعِ .

وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَالَ: وَأَمَّا لَبَنُ الظِّئْرِ فَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَضَانَةِ؛ لأِنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ .

د - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

10 - وَقَدِ اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَالِكِيَّةُ فَقَطْ، حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ مَا كَانَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّعَاتِ فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الْغَرَرُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَصَلَ مَالِكٌ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الأْمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ .

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي التَّبَرُّعَاتِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْوَصِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ

الْغَرَرُ فِي الْعُقُودِ:

أَوَّلاً - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

أ - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ:

الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ، أَوْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ.

1 - الْغَرَرُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ:

11 - قَدْ يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ تَجْعَلُ فِيهِ غَرَرًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْغَرَرَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ - الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ - لاَ بِمَحَلِّهِ - الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - وَيَدْخُلُ فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ عِدَّةُ بُيُوعٍ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا صَرَاحَةً، مِنْهَا الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَة ف 1 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِنْهَا بَيْعُ الْحَصَاةِ، كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: إِذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا، وَذَلِكَ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّمْيَ صِيغَةَ الْبَيْعِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 4).

وَمِنْهَا بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ».

(ر: بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ ف 3 و 4، وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ ف 2).

وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ . قَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَمَجِيءِ الشَّهْرِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. فَلَمْ يَجُزْ .

2 - الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ:

12 - مَحَلُّ الْعَقْدِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ.

وَالْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهَالَةِ بِهِ، لِذَا شَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْعِلْمَ بِالْمَحَلِّ .

وَالْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ يَرْجِعُ إِلَى أَحَدِ الأْمُورِ التَّالِيَةِ: الْجَهْلُ بِذَاتِ الْبَيْعِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ مِقْدَارِهِ أَوْ أَجَلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوِ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ، أَوْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ.

13 - فَمِثَالُ الْجَهْلِ بِذَاتِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ، أَوْ ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْمَبِيعُ هُنَا - وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ - إِلاَّ أَنَّهُ مَجْهُولُ الذَّاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى حُصُولِ نِزَاعٍ فِي تَعْيِينِهِ . وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْبَيْعَ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ، وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ بَيْعَ الاِخْتِيَارِ، وَكَذَا أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ وَكَانَ اخْتِيَارُهُ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَمَا دُونَ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِجِنْسِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْحَصَاةِ عَلَى بَعْضِ التَّفَاسِيرِ، وَبَيْعُ الْمَرْءِ مَا فِي كُمِّهِ وَأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ سِلْعَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا .

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 3). وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِنَوْعِ الْمَحَلِّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ كُرًّا - وَهُوَ كَيْلٌ - مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْكُرِّ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ، وَلَوْ بَعْضُهُ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ فِي الْمَعْدُومِ وَفَسَدَ فِي الْمَوْجُودَةِ، وَلَوْ كُلُّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ فِي مَوْضِعَيْنِ، أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لاَ يَجُوزُ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُضِفِ الْبَيْعَ إِلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ .

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالَ: رَابِعُهَا النَّوْعُ، كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ .

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إِذَا جُهِلَ جِنْسُهَا أَوْ نَوْعُهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»، وَفِي بَيْعِ مَا لاَ يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ غَرَرٌ كَثِيرٌ .

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَحَلِّ. بَيْعُ الْحَمْلِ، وَبَيْعُ الْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الْمَلاَقِيحِ، وَبَيْعُ الْمَجْرِ، وَبَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5، 6، 69)

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَبَيْعُ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِالأْجَلِ. بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5)

وَمِثَالُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَبَيْعُ الإْنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الْمَغْصُوبِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِثَالُ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَبَيْعُ الْمُعَاوَمَةِ وَالسِّنِينَ، وَبَيْعُ نِتَاجِ النِّتَاجِ .

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 72، 88).

14 - كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ فِي الثَّمَنِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهْلِ بِهِ.

وَالْجَهْلُ بِالثَّمَنِ قَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالذَّاتِ، كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ، فَلاَ يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالنَّوْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ أَوْ قَالَ: بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِكَ، أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِصِفَةِ الثَّمَنِ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الصِّفَةِ؛ لأِنَّ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَحْصُلُ الْمُنَازَعَةُ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأْدْوَنِ وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأْرْفَعَ، فَلاَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ، إِذْ يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ الْعِلْمَ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إِلَيْهِ. فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ اتِّفَاقًا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِأَجَلِ الثَّمَنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ . وَقَالَ الْكَمَالُ: جَهَالَةُ الأْجَلِ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فِي التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَذَاكَ فِي بِعِيدِهَا، وَلأِنَّهُ عليه الصلاة والسلام فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الأْجَلِ - وَهُوَ السَّلَمُ - أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَ الإْجْمَاعُ

ب - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ:

15 - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ قَدْ يَرِدُ عَلَى صِيغَةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ.

فَمِنَ الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ عَقْدِ الإْجَارَةِ: التَّعْلِيقُ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ آجَرْتُكَ، بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الأْمْلاَكِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا، وَالرِّضَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَزْمِ، وَلاَ جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِضَهُ عَدَمُ الْحُصُولِ، وَفِي ذَلِكَ غَرَرٌ .

وَأَمَّا الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ فَلاَ يَخْتَلِفُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ، لِذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ مَا يَشْتَرِطُونَهُ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الأْجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لأِنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الأْجِيرِ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ أَجْرَهُ».

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الإْجَارَةِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلاَ تَجُوزُ إِجَارَةُ مُتَعَذِّرِ التَّسْلِيمِ حِسًّا، كَإِجَارَةِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، أَوْ شَرْعًا كَإِجَارَةِ الْحَائِضِ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّبِيبِ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحٍ، وَالسَّاحِرِ عَلَى تَعْلِيمِ السِّحْرِ .

ج - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ:

16 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ السَّلَمِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ لِلْحَاجَةِ.

قَالَ الْكَمَالُ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي .

وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ.

وَزَادَ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا أُخْرَى لِتَخْفِيفِ الْغَرَرِ فِيهِ مِنْهَا: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: مِنْ شَرَائِطِهِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ جَبْرًا لِلْغَرَرِ فِي الْجَانِبِ .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ إِلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ مَحَلِّهِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامَّ الْوُجُودِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الآْبِقِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ السَّلَمَ اُحْتُمِلَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ، فَلاَ يُحْتَمَلُ فِيهِ غَرَرٌ آخَرُ؛ لِئَلاَّ يَكْثُرَ الْغَرَرُ فِيهِ .

وَمِنْهَا: مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لأِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ، فَلأََنْ لاَ يَحْتَمِلَهَا السَّلَمُ وَهُوَ دَيْنٌ كَانَ أَوْلَى.

وَعَلَّلَ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَقَالَ: لأِنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولاً جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلاَ يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .

د - الْغَرَرُ فِي الْجَعَالَةِ:

17 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَجَهَالَةِ الأْجَلِ حَيْثُ إِنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ، إِلاَّ أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِثْنَاءً لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ فِي الْقِيَاسِ غَرَرٌ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَوَّزَهُ .

لَكِنْ مُنِعَتْ بَعْضُ الصُّوَرِ مِنَ الْجَعَالَةِ، مِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ لِي ثَوْبِي وَلَكَ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا يَبِيعُهُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ مَعْلُومًا كَأَنْ جَعَلَ الْعَامِلَ مَجْهُولاً، إِذْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَهَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا. قَالَ مَالِكٌ: كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ فِي حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ، فَهَذَا غَرَرٌ لاَ يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ .

وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ، قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ لأِنَّ الْجُعْلَ مَجْهُولٌ قَدْ دَخَلَهُ غَرَرٌ .

ثَانِيًا - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ:

أ - عَقْدُ الْهِبَةِ:

18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْغَرَرِ عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْمَوْهُوبِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَوْهُوبِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْهِبَةِ، فَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَقْتَ الْعَقْدِ، بِأَنْ وَهَبَ مَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَتَلِدُهُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لاَ - كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ - فَلاَ .

وَعَرَّفَ الْحَنَابِلَةُ الْهِبَةَ: بِأَنَّهَا التَّبَرُّعُ بِتَمْلِيكِ مَالِهِ الْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: خَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ الْكَلْبِ، وَبِالْمَعْلُومِ الْمَجْهُولُ، وَبِالْمَوْجُودِ الْمَعْدُومُ، فَلاَ تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهَا .

كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ عَقْدِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ التَّعْلِيقِ وَالإِْضَافَةِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُتَوَقَّعِ الْوُجُودُ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ.

وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: انْقَسَمَتِ التَّصَرُّفَاتُ فِي قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَمَا لاَ يُجْتَنَبُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، فَالطَّرَفَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إِلَى مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً،

وَثَانِيهُمَا: مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبْرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، بِخِلاَفِ الْقِسْمِ الأْوَّلِ إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ، أَمَّا الإِْحْسَانُ الصِّرْفُ فَلاَ ضَرَرَ فِيهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الإِْحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَقْلِيلِهِ، فَإِذَا وُهِبَ لَهُ عَبْدُهُ الآْبِقُ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، لأِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الأْحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الأْقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، بَلْ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ .

ب - الْوَصِيَّةُ:

19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْمُوصَى بِهِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ - لاَ تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ، وَلأِنَّ هَا - كَمَا قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ - احْتَمَلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنَ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ .

ثَالِثًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ:

20 - مَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ شَرِكَةَ الأْبْدَانِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ لاَ يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لاَ . وَمَنَعُوا أَيْضًا شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً فَلاَ بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا. يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِلْغَرَرِ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَاوَضَ صَاحِبَهُ بِكَسْبٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ بِصِنَاعَةٍ وَلاَ عَمَلٍ مَخْصُوصٍ .

كَمَا يَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ؛ لأِنَّ هَا اسْتِئْجَارٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ - بَلْ مَعْدُومٍ - وَلِعَمَلٍ مَجْهُولٍ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ . وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ مُسْتَثْنًى مِنَ الْغَرَرِ وَالإْجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ .

وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ عِدَّةَ شُرُوطٍ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِاخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا مَنْعًا لِوُقُوعِ الْغَرَرِ فِيهَا.

وَلِلْوُقُوفِ عَلَى تَعْرِيفِ الشَّرِكَاتِ وَمَا يَعْتَرِيهِ الْغَرَرُ مِنْهَا وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شَرِكَة)

رَابِعًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ:

21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لأِنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الرَّهْنِ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَوْجُودًا وَمَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ .

وَجَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ الْغَرَرَ فِي الرَّهْنِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فِي وَقْتِ الاِرْتِهَانِ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، وَلاَ يُبَاعُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ إِلاَّ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ .

وَقَيَّدَ الدَّرْدِيرُ الْغَرَرَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الرَّهْنِ بِالْغَرَرِ الْيَسِيرَةِ وَمَثَّلَ لَهُ بِالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ الْغَرَرُ - كَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ - فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ .

خَامِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

22 - تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ هَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ .

وَلأِنَّ هَا الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ .

وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ، نَحْوَ: كَفَلْتُ مَالَكَ عَلَى فُلاَنٍ أَوْ فُلاَنٍ وَيَكُونُ التَّعْيِينُ لِلْكَفِيلِ، وَنَحْوُ: إِنْ غَصَبَ مَالَكَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَأَنَا ضَامِنٌ.

أَمَّا لَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: إِنْ غَصَبَكَ إِنْسَانٌ شَيْئًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ لاَ يَصِحُّ، كَمَا لاَ تَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْكَفَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ نَحْوُ: أَنَا ضَامِنٌ زَيْدًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِلنَّاسِ .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الْعِلْمَ بِالْمَضْمُونِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ .

وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ مَعْرِفَةَ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ وَلاَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ .

سَادِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ:

23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ، فَأَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى مَنْعِ الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ؛ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَفِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ كُلَّ شَيْءٍ، لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ .

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ فِي هَذَا غَرَرًا عَظِيمًا وَخَطَرًا كَبِيرًا؛ لأِنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ هِبَةُ مَالِهِ وَطَلاَقُ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقُ رَقِيقِهِ وَتَزَوُّجُ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَيَلْزَمُهُ الْمُهُورُ الْكَثِيرَةُ وَالأْثْمَانُ الْعَظِيمَةُ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ .

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهَا.

وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهَا الْعِلْمَ بِالْمُوَكَّلِ بِهِ عِلْمًا تَنْتَفِي بِهِ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ، أَمَّا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فَلاَ تَضُرُّ وَالْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ هِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ الدَّابَّةَ تَشْمَلُ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَالْبَغْلَ،

وَالْجَهَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الَّذِي تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ، فَهَذِهِ الْوَكَالَةُ لاَ تَصِحُّ أَيْضًا إِلاَّ إِذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوِ الصِّفَةَ لِتَقِلَّ الْجَهَالَةُ.

وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الْمَحْضِ - النَّوْعُ الَّذِي لاَ تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا - كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ .

وَتَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَيُعَيِّنُهُ الْعُرْفُ .

وَيَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. لأِنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ، فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا عِلْمًا يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ.

وَيَشْتَرِطُونَ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ بَيَانَ النَّوْعِ، وَإِذَا تَبَايَنَتْ أَوْصَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ أَيْضًا، وَلَكِنْ لاَ يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الأْوْصَافِ، وَهَذَا فِيمَا يُشْتَرَى لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، أَمَّا مَا يُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ النَّوْعِ وَلاَ غَيْرُهُ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ مِنَ الْعُرُوضِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي فَرَسًا بِمَا شِئْتَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّهُ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ، فَإِنْ ذَكَرَ النَّوْعَ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ صَحَّ لاِنْتِفَاءِ الْغَرَرِ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى ذِكْرِ النَّوْعِ؛ لأِنَّهُ إِذَا ذَكَرَ نَوْعًا فَقَدْ أَذِنَ فِي أَعْلاَهُ ثَمَنًا فَيَقِلُّ الْغَرَرُ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ صَحَّ؛ لأِنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ .

سَابِعًا: الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ:

24 - يَرِدُ الْغَرَرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَهْرِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لأِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لاَ يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ .

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ صُوَرًا لِلْغَرَرِ فِي الْمَهْرِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ نَوْعِ الْمَهْرِ تُفْسِدُ التَّسْمِيَةَ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

كَمَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ ثُبُوتِ الأْجَلِ إِذَا كَانَتْ جَهَالَتُهُ مُتَفَاحِشَةً، وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالاً، وَذَلِكَ كَالتَّأْجِيلِ إِلَى هُبُوبِ الرِّيَاحِ أَوْ إِلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ، أَوْ إِلَى الْمَيْسَرَةِ .

وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا سَبَقَ - التَّصَرُّفَاتِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا وَعَدَمُهُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ. فَالطَّرَفَانِ: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا الْغَرَرُ، إِلاَّ مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً.

وَإِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ، فَيُغْتَفَرُ فِيهِ الْغَرَرُ.

وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) الآْيَةُ. يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ، فَلِوُجُودِ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ، نَحْوُ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَشُورَةِ بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الآْبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ فَامْتَنَعَ، وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْجِيلِ الْمَهْرِ إِلاَّ لِزَمَنٍ مُحَدَّدٍ، فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ التَّأْجِيلُ لِلْمَوْتِ أَوِ الْفِرَاقِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَأْجِيلَ الْمَهْرِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي حَقِّ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ؛ وَلأِنَّ غَيْرَ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ لاَ يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ، وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ بِالزَّوَاجِ عَلَى الآْبِقِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَدَيْنِ السَّلَمِ، وَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ مَكِيلاً وَنَحْوَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَهْرِ شُرُوطَ الْمَبِيعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا.

وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَاقِدًا لأِحَدِ شُرُوطِ الْمَبِيعِ فَسَدَ الصَّدَاقُ وَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ لِلزَّوْجَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ .

الْغَرَرُ فِي الشُّرُوطِ:

25 - يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، وَشَرْطٌ يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ، وَشَرْطٌ يَزِيدُ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي فِي الْعَقْدِ.

أَوَّلاً - الشَّرْطُ الَّذِي فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ:

26 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْخُلُوُّ عَنِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، نَحْوُ مَا إِذَا اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ؛ لأِنَّ الْمَشْرُوطَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ، لأِنَّ عِظَمَ الْبَطْنِ وَالتَّحَرُّكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعَارِضِ دَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَانَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ .

وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي قَوْلٍ - الْحَنَفِيَّةَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلاً بِالصِّحَّةِ؛ لأِنَّ كَوْنَهَا حَامِلاً بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَذَا جَائِزٌ فَكَذَا هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ، مَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنَّهَا تَضَعُ حَمْلَهَا إِلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ فِي وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ غَرَرًا، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا وَكَذَا رِطْلاً . قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنَ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ .

ثَانِيًا - الشَّرْطُ الَّذِي يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ:

27 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ غَيْرَ الْمَعْلُومِ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الثُّنْيَا.

وَبَيْعُ الثُّنْيَا مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ».

وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثُّنْيَا إِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولاً؛ لأِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنَ الْمَعْلُومِ يَجْعَلُ الْبَاقِي مَجْهُولاً .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ بَيْعِ الثُّنْيَا: أَنْ يَبِيعَ الشَّاةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ النَّاشِئِ عَنْ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً أَوْ شَاةً وَهُنَّ حَوَامِلُ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بُطُونِهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ .

ثَالِثًا - الشَّرْطُ الَّذِي يَزِيدُ الْغَرَرَ فِي الْعَقْدِ

28 - هَذَا الشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِي أَصْلِهَا غَرَرٌ، وَالأْصْلُ مَنْعُهَا، لَكِنَّهَا جَازَتِ اسْتِثْنَاءً وَذَلِكَ كَعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: أَجْمَعُوا بِالْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقْتَرِنُ بِهِ - أَيِ الْقِرَاضِ - شَرْطٌ يَزِيدُ فِي مَجْهَلَةِ الرِّبْحِ أَوْ فِي الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ .

ر: (مُضَارَبَة).

______________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة 741)

1- يجوز أن يلتزم شخص اخر بان يؤدي له مرتبا دورياً مدى الحياة بعوض أو بغير عوض ۰

۲ - ويترتب هذا الالتزام بعقد او بوصية .

هذه المادة تتفق مع المادة 741 من التقنين الحالي .

وقد أدخلت على هذه المادة تعديلات أنظمة ماي النحو الوارد في المادة المقترحة .

انظر المذكرة الإيضاحية للمادة التالية في المشروع التمهيدی للتقنين الحالى ( م 1027 ) في مجموعة الاعمال التحضيرية ج 5 ص 306

المادة المقترحة تتفق مع المادة ۹۷۷ من التقنين العراقي.

والفقرة الأولى منها تطابق الفقرة الأولى من المادة 916 من التقنين الأردنی .

والسند الشرعي للمادة المقترحة هو ذلك المبدأ الأساسي في الشريعة الإسلامية ، كما هو الشان في القانون الوضعي ، الذي يقضي بوجوب الوفاء بالوعد. وقد جاء في الآية الكريمة : (يا ايها الذين آمنو أوفوا بالعقود ) وجاء في الحديث الشريف : المسلمون عند شروطهم .