loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة :  319

عقد التأمين

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

قد نظم المشروع عقد التأمين على إختلاف أنواعه، وهذا العقد على أهميته المتزايدة - لا يزال في تقنيننا الحالي من العقود غير المسماة ولقد لجأت المحاكم المصرية إزاء هذا النقص - إلى إستعارة أحكام القوانين الأجنبية لا سيما أحكام القانون الفرنسي الصادر في 13 يوليه سنة 1930 و نصوص المشروع قد اقتبست من مختلف التقنيات التي نظمت عقد التأمين في العصر الحديث ، ومن أهمها القانون السويسري الصادر في 2 أبريل سنة 1908 فقد اتفقت الآراء على اعتباره تشريعاً نموذجياً العقد التأمين.

لعقد التأمين صورتان رئيسيتان : عقد التأمين ضد الأضرار التي قد تنشأ عن الحريق وغيره ، ويلحق به التأمين ضد المسئولية المترتبة على الفعل الضار، وعقد التأمين على الحياة ويلحق به التأمين ضد الحوادث .

ولمختلف هذه الأنواع أحكام عامة قد نظمتها المواد التي استهل بها المشروع الفصل المخصص لعقد التأمين ، فأورد فيها ما يترتب على عقد التأمين بوجه عام من التزامات بعضها يقع على عاتق المؤمن له وبعضها ينشأ في ذمة المؤمن على أن المشروع قد أفرد بعد ذلك لكل نوع من هذه الأنواع نصوصاً خاصة فنظم التأمين على الحياة في فرع على حدة استوعب فيه أحكامه ثم نظم التأمين ضد الحريق وهو أظهر حالات التأمين ضد الأضرار، على أنه قد جعل من أحكام هذا الفرع الثانى أحكاماً عامة تنطبق على التأمين ضد الأضرار بوجه عام (انظر المادة 829) وأخيراً، في فرعين مستقلين ، ونظم المشروع التأمين ضد المسئولية والتأمين ضد الحوادث و هما صورتان خاصتان لكل من النوعين الرئيسيين السابق ذكرهما .

وأحكام هذا الفصل تعتبر آمرة في مصلحة المؤمن له لا في مصلحة المؤمن ، فالمشروع قد قصد إلى حماية المؤمن لهم حماية خاصة تقوم إلى جانب ما يحققه القانون رقم 92 لسنة 1939 من رقابة على الشروط التي تفرضها شركات التأمين.

تقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ :

أفرد لعقد التأمين فصل خاص وقد حملت اللجنة المشروع عنايته بهذا العقد ولاسيما بعد أن أصبح التأمين وضعاً مألوفاً في نطاق التعامل ، واتسع نشاط شركات التأمين وتمددت شعابه . إلا أن ناحيتين من نواحي عقد التأمين استرعت انتباه اللجنة ووجهت رأيها في هذا الشأن : الناحية الأولى أن تنظيم هذا العقد تنظیم کاملاً يواجه جميع تفاصيله وجزئياته وما يتخصص به كل نوع من أنواعه أمر يتطلب الإفاضة على نحو قد يخل بتناسق القسم الخاص بالعقود في المشروع المعروض، والناحية الثانية أن هذا التنظيم لا يزال في عنفوان تطوره فهو في حاجة دائمة إلى التنقيح والإضافة وإزاء ذلك قد يكون من الأنسب أن تظل تفاصيله بعيدة عن نطاق التقنين هذا إلى أن من نواحي تنظيم عقد التأمين ما يحسن أن تتناوله لوائح تنفيذية لم يجر عرف الصيانة بإصدارها بالنسبة إلى التقنينات ولذلك آثرت اللجنة أن تبقى في المشروع القواعد الكلية المنظمة لعقد التأمين وأن تحته فيما عداها، على أن يصدر تشريع خاص يتناول الجزئيات والتفاصيل التي تقدمت الإشارة إليها.

الأحكام

1- إذ كان الثابت فى الأوراق أن وثيقة التأمين سند المطعون ضدهما الأول والثالث إنما هى وثيقة تأمين على الأشخاص تلتزم بمقتضاها الطاعنة بأن تدفع مبلغ 650 جنيه فى حالة وفاة أحد المؤمن عليهم أو عجزه الدائم أو نسبة من هذا المبلغ بحسب نسبة العجز المبينة بالجدول الملحق بالوثيقة ، وكانت الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاعها المبين بوجه النعى ( بأن مسئوليتها طبقاً لشروط عقد التأمين باعتباره قانون المتعاقدين محددة بمبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً فى حالة الوفاة ومبلغ أقل فى حالة العجز المستديم يتناسب مع نسبة هذا العجز إلا أن الحكم ألزمها بما يجاوز الحد الأقصى الوارد بوثيقة التأمين ) ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر واعتبر عقد التأمين فى حكم التأمين من المسئولية فقضى بإلزام الطاعنة بالتضامن مع المطعون ضده الثانى بتعويض المطعون ضدهما عن الأضرار التى أصابتهما مجاوزاً الحد الأقصى المنصوص عليه فى الوثيقة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 12361 لسنة 76 جلسة 2008/05/26 س 59 ص 599 ق 106)

2- مفاد النص فى المادة 747 من القانون المدنى يدل وطبقاً للقواعد العامة فى القانون المدنى على أنه لا توجد علاقة بين المؤمن والمضرور فالمضرور ليس طرفاً فى عقد التأمين ولا هو يمثل فيه بل قد يكون غير معروف للمتعاقدين عند التعاقد ، ولم يورد المشرع ضمن أحكام القانون المدنى نصاً خاصاً يقرر للمضرور حقاً مباشراً فى مطالبة المؤمن بالتعويض الذى يسأل عنه هذا الأخير إلا حيث تتضمن وثيقة التأمين اشتراطاً لمصلحة الغير .

(الطعن رقم 7335 لسنة 65 جلسة 2006/06/08 س 57 ص 554 ق 107)

3- لئن كان القانون المدنى لم يورد تعريفاً خاصاً لعقد التأمين عن المسئولية ، إلا أنه عرف التأمين بصفة عامة فى المادة 747 منه بأنه "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه بأن يؤدى إلى المؤمن له أو المستفيد الذى اشترطه التأمين لصالحه مبلغاً من المال .... فى حالة وقوع الحادث أو الخطر المبين فى العقد" بما مفاده أن عقد التأمين على الأشخاص يحدد محل التزام المؤمن بالمبلغ المنصوص عليه فى العقد وينصب بصفة عامة على خطر أو حادث يخشى وقوعه ويبغى المؤمن له تأمينية منه ، ويلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد عند وقوع الحادث أو تحقق الخطر المؤمن عليه وذلك وفق المبلغ المتفق عليه دون تجاوز له وذلك طواعية لحكم المادة 751 من ذات القانون ، وذلك كله إعمالاً للأصل العام المقرر بالفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدنى من أن العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين ، بما مؤداه وجوب إعمال ما اتفق عليه المتعاقدان فى هذا الشأن سواء تم فى وثيقة التأمين ذاتها أو فى اتفاق لاحق .

(الطعن رقم 3625 لسنة 64 جلسة 2004/03/24 س 55 ع 1 ص 319 ق 59)

4- إذ كان قبول شركة التأمين الطاعنة لمبلغ مائتي ألف جنيه من المطعون ضدها الثانية، كقسط وحيد لوثيقة تأمين أبرمتها الأخيرة لصالح المطعون ضده الأول الطاعن فى الطعن الأول لا يمثل خطأ فى جانبها يرتب مسئوليتها عن التعويض، ولا يعدو كونه تنفيذاً لشروط العقد، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظروقضى بإلزامها بالتعويض على قول إنه نظير اقتطاع قسط التأمين من ميزانية الشركة المؤمن لها، فإنه يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال.

(الطعن رقم 4345 لسنة 69 جلسة 2001/04/11 س 52 ع 1 ص 510 ق 107)

5- إذا استوفى عقد التأمين مدته يعتبر منتهياً ويشترط لتجديده أن ينص على ذلك صراحة بما يعنى أنه لا يجوز تجديده ضمنياً، وإنه يجرى فى هذه الحالة بالنسبة لتفسير نصوصه ما يجرى على تفسير سائر العقود بما لا يخرج به عن عبارته الظاهرة .

(الطعن رقم 1616 لسنة 69 جلسة 2000/01/25 س 51 ع 1 ص 209 ق 34)

6- لا يجوز التنصل من أحكام قانون التأمين الإجبارى أو الإعفاء من الخضوع له كما لا يجوز الاتفاق بأى حال من الاحوال على حكم مخالف للقانون يكون فيه ضرر بالمؤمن له أو بالمضرور أو انتقاص من حقوق أيهما ومنعاً من إدراج شرط أو تقرير جزاء لم ينص عليه القانون فقد سد المشرع على المتعاقدين حريتها فى شرط التعاقد والزمها بأن يكون عقد التأمين وفقاً لنموذج يضمنه وزير المالية والاقتصاد بالاتفاق مع وزير الداخلية ، وأنه لا يجوز أن تتضمن وثيقة التأمين الاجبارى أى غطاء إضافى فالأخطار الاضافية لا يجوز التأمين عنها إلا بموجب وثيقة تكميلية ، ويترتب على ذلك أن تكون أحكام قانون التأمين الاجبارى وكذلك وثيقة التأمين النموذجية الصادرة تنفيذاً للمادة الثانية من قانون التأمين الاجبارى رقم 1955/652 الصادرة بقرار وزير الاقتصاد رقم 1955/152 يكونا متعلقين بالنظام العام .

(الطعن رقم 5075 لسنة 65 جلسة 1997/03/19 س 48 ع 1 ص 530 ق 102)

7- إذ كانت الشركة الطاعنة قد دفعت بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة لأن السيارة أداة الحادث غير مؤمن عليها وقت وقوعه فى 1986/3/15 فأقام الحكم المطعون فيه قضاءه برفض الدعوى والزام الشركة الطاعنة بالتعويض على سند من القول بأن الشهادة المقدمة والمؤرخة1993/3/31 تضمنت سداد الضريبة عن الفترة من 1986/2/6 حتى 1987/2/5 بما مفاده أن وثيقة التأمين قد تجددت لفترة تالية إعتبارا من تاريخ سداد الضريبة لدى الشركة ذاتها فى حين أن الثابت من الصورة الضوئية لوثيقة التأمين 914841 المقدمة من المطعون ضدهم أن السيارة التى وقع منها الحادث كانت مؤمناً عليها لدى الطاعنة حتى 1986/3/8 وان الشهادة الصادرة من إدارة مرور سوهاج المؤرخة 1993/3/31لا تتضمن سوى أن تلك السيارة سددت عنها الضريبة عن الفترة من1986/2/6 حتى 1987/2/5 ولم يرد بها إسم الشركة المؤمن لديها فضلاً عن أن سداد الضريبة عن المدة التالية لا يعنى بطريق اللزوم أن السيارة مؤمن عليها لدى الشركة الطاعنة ذاتها بما يعيب الحكم المطعون فيه بمخالفة الثابت بالأوراق والفساد فى الاستدلال.

(الطعن رقم 2132 لسنة 64 جلسة 1995/11/28 س 46 ع 2 ص 1256 ق 245)

8- عقد التأمين من العقود التى مبناها حسن النية وصدق الإقرارات التى يوقع عليها المؤمن والغش فيها أو إخفاء حقيقة الأمر يجعل التأمين باطلاً ... وكان مؤدى شروط وثيقة التأمين المؤرخة 1983/6/4 أن المؤمن عليه إلتزم بإحاطة شركة التأمين عند طلب إعادة سريان التأمين - كما هو ملزم عند التأمين بجميع البيانات والظروف اللازمة لتمكينها من تقدير الخطر المؤمن منه وجسامته، وقد يكون ذلك عن طريق الإقرار ببيانات يتقدم بها لشركة التأمين تعتبرها الأخيرة جوهرية فى نظرها ولازمة لتقدير الخطر المؤمن منه، لما كان ما تقدم وكان مورث المطعون عليهما - المؤمن على حياته - قد طلب إعادة سريان التأمين وقدم بتاريخ 1984/2/12 إقرار يتضمن بأن حالته الصحية جيدة وأنه لم يعرض نفسه على طبيب ولم يشك مرضاً منذ توقف عن دفع الأقساط الشهرية المستحقة عليه، فى حين أن الثابت من التقرير الطبى المؤرخ 1984/2/1 المقدم من الشركة الطاعنة أنه قد تم توقيع الكشف الطبى على المؤمن على حياته بتاريخ 1984/1/13 وتبين أنه مصاب منذ ثلاثة أشهر سابقة بحروق من الدرجتين الثانية والثالثة وتوفى بتاريخ 1984/2/14.

(الطعن رقم 2508 لسنة 56 جلسة 1991/05/26 س 42 ع 1 ص 1205 ق 188)

9- النص فى المادة 16 من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات على أنه " يجوز ان تتضمن الوثيقة واجبات معقولة على المؤمن له وقيوداً معقولة على إستعمال السيارة وقيادتها فإذا أخل المؤمن له بتلك الواجبات أوالقيود كان للمؤمن حق الرجوع عليه لإسترداد ما يكون قد دفعه من تعويض " - وفى البند الرابع من وثيقة التأمين على المقطورة أداة الحادث - على أنه " يجب على المؤمن له أن يتخذ جميع الإحتياطات المعقولة للمحافظة على السيارة فى حالة صالحة للإستعمال و يجوز للمؤمن التحقق من ذلك دون إعتراض المؤمن له " وفى البند السادس من ذات الوثيقة على أنه " لا يترتب على حق الرجوع المقرر للمؤمن طبقاً لأحكام القانون والشروط الواردة بهذه الوثيقة أى مساس بحق المضرور قبله - يدل على أن هناك حالات أخرى غير الحالات المنصوص عليها فى البند الخامس من الوثيقة يجوز فيها للمؤمن أن يرجع على المؤمن له بقية ما يكون قد أداه من تعويض ومنها حالة إخلاله بالواجب المفروض عليه فى البند الرابع المشار إليه ، لما كان ذلك وكانت نصوص القانون رقم 652 لسنة 1955 و وثيقة التأمين الصادرة وفقاً له - قد خلت من كل ما يحول بين المؤمن وآداء التعويض رضاءً الى المضرور بل أن نص المادة السادسة من ذلك القانون أجاز أداء التعويض عن طريق تسوية ودية بين المؤمن له والمضرور بشرط الحصول على موافقة المؤمن فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يلتزم هذا النظر وقضى برفض دعوى الطاعنة إستناداً الى أنه لا يجوز لها الرجوع على المؤمن له فى غير الحالات المنصوص عليها فى البند الخامس من وثيقة التأمين وإلى أن التعويض المطالب به لم يصدر به حكم قضائى فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه مما يوجب نقضه .

(الطعن رقم 1466 لسنة 54 جلسة 1988/03/02 س 39 ع 1 ص 352 ق 72)

10- مؤدى نص المادة الثانية من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن التأمين على سيارة النقل يفيد منه الراكبان المسموح بركوبهما طبقاً للفقرة "ه" من المادة 16 من القانون رقم 449 لسنة 1955 أينما كانا فى داخل السيارة سواء فى كابينتها أو فى صندوقها صاعدين إليها أو نازلين منها دون تخصيصه بأن يكونا من أصحاب البضاعة المحمولة على السيارة أو من النائبين عنهم ، و مادام لفظ " الراكبين " قد ورد فى النص عاماً و لم يقم الدليل على تخصيصه فيتعين حمله على عمومه .

(الطعن رقم 893 لسنة 53 جلسة 1987/01/21 س 38 ع 1 ص 145 ق 35)

11- مناط حلول الخلف محل سلفة فى عقد التأمين على شىء معين بالذات أن تنتقل إليه ملكية ذات الشىء المؤمن عليه مع توافر ما يستلزمه القانون فى هذا الشأن . و إذ كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر و قضى برفض طلب الطاعن حلوله محل البائعين له فى تقاضى مبلغ التأمين المستحق لهم بموجب عقد التأمين لغرق المركب المؤمن عليها تأسيساً على أن الطاعن لم يشتر حصة فى تلك المركب و إنما إشترى حصة فى أنقاضها الغارقة بعد وقوع الخطر المؤمن منه ، فإن الحكم يكون قد إلتزم صحيح القانون .

(الطعن رقم 352 لسنة 45 جلسة 1982/02/17 س 33 ع 1 ص 251 ق 45)

12- يبين من نص المادة 747 من القانون المدنى أن من صور التأمين ما لا يرتبط بمسئولية المتعاقد مع المؤمن وإنما يرتبط بوقوع حادث معين بتحققه يقوم التزام المؤمن بأداء العوض المالى إلى المؤمن له أو إلى المستفيد ، ومن ثم يجوز أن يكون التأمين من المسئولية غير مقتصر المتعاقد مع المؤمن وحده و انما يجوز أن يشمل مسئولية أى شخص يقع منه الحادث المبين فى العقد ولو لم يكن المتعاقد مع المؤمن مسئولاً عن عمله ، وفى هذه الحالة يلزم المؤمن بتغطية المسئولية المترتبة على الحادث - فى الحدود التى وردت فى العقد أو نص عليها القانون - و لو انتفت مسئولية المتعاقد معه .

(الطعن رقم 513 لسنة 46 جلسة 1980/06/03 س 31 ع 2 ص 1651 ق 307)

13- قوام علاقة المتبوع بالتابع هو ما للأول على الثانى من سلطة فعلية فى رقابته و فى توجيهه ، و مؤدى البند الخامس فقرة ج من الشروط العامة الملحقة بنموذج وثيقة التأمين الذى صدر به قرار وزير المالية و الأقتصاد رقم 152 لسنة 1955 تنفيذاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم 652 لسنة 1955 أن حق شركة التأمين فى الرجوع على مالك السيارة المؤمن له لإسترداد ما تكون قد دفعته من تعويض للمضرور فى حادث وقع من تلك السيارة ، مناطه أن يكون ذلك المالك قد وافق على قيادة مرتكب الحادث لسيارته دون أن يكون حاصلاً على رخصة قيادة . لما كان ذلك و كان الحكم الإبتدائى قد قضى بإلزام الطاعن بالتعويض بإعتباره متبوعاً للمطعون عليه الثانى الذى وقع منه الخطأ دون أن يورد الدليل على قيام تلك التبعية مكتفياً بما قرره من أن المطعون عليه المذكور قد أرتكب الحادث أثناء قيادته سيارة الطاعن فى حين أن ملكية السيارة لا تتحقق بها وحدها علاقة التبعية الموجبة لمسئولية مالكها ، كما حكم على الطاعن فى دعوى الضمان الفرعية إستناداً إلى أن المطعون عليه الثانى قاد السيارة التى أرتكب بها الحادث دون أن يكون حائزاً على رخصة قيادة و لم يستظهر ما إذا كان ذلك قد حدث بموافقة الطاعن أم لا ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الإبتدائى لأسبابه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه .

(الطعن رقم 397 لسنة 45 جلسة 1978/06/20 س 29 ع 1 ص 1500 ق 289)

14- تنص المادة 747 من التقنين المدنى على أن التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدى إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذى إشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو أى عوض مالى آخر فى حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد مما مفاده أن الضرر المؤمن منه و الذى يجب تغطيته هو نشوء الدين فى ذمة المؤمن له بسبب يحقق مسئوليته أياً كان نوعها تقصيرية كانت أم تعاقدية إلا أن المادة 18 من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات قد نصت على أنه "يجوز للمؤمن إذا إلتزم أداء التعويض فى حالة وقوع المسئولية المدنية على غير المؤمن له وغير من صرح له بقيادة سيارته أن يرجع على المسئول عن الأضرار لإسترداد ما يكون قد أداه من تعويض " كما قررت المادة 19 منه أنه " لا يترتب على حق الرجوع المقرر للمؤمن طبقاً لأحكام المواد الثلاثة السابقة أى مساس بحق المضرور" فإن مفادها أن نطاق التأمين من المسئولية فى ظل العمل بأحكام هذا القانون أصبح لا يقتصر على فعل المؤمن له و تابعه وحدهما و إنما يمتد إلتزام المؤمن إلى تغطية المسئولية المدنية لغير المؤمن له و لغير من صرح له بقيادة السيارة المؤمن عليها و فى هذه الحالة أجاز المشرع للمؤمن الرجوع على الغير الذى تولدت المسئولية عن فعله ليسترد منه قيمة ما أداه من التعويض للمضرور ويؤيد هذا النظر عموم نص المادة 6 من القانون رقم 449 لسنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور بقولها "ويجب أن يغطى التأمين المسئولية المدنية عن الإصابات التى تقع للأشخاص وأن يكون التأمين بقيمة غير محددة "بما يفهم من عموم هذا النص و إطلاقه إمتداد تغطية المسئولية إلى أفعال المؤمن له ومن يسأل عنهم من الأشخاص على حد سواء وترتيباً على ذلك فإنه لا يشترط لإلتزام شركة التأمين بدفع مبلغ التعويض للمضرور سوى أن تكون السيارة مؤمناً عليها لديها وأن تثبت مسئولية قائدها عن الضرر مع تحديد مقدار التعويض .

(الطعن رقم 814 لسنة 43 جلسة 1977/05/30 س 28 ع 1 ص 1317 ق 228)

15- إذ كان الثابت أن الطاعنة الأولى عن نفسها ، ومورث الطاعنين وهما والد المجنى عليه أدعيا مدنياً أمام محكمة الجنح بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ضد سائق السيارة و هيئه النقل العام - المطعون عليها الثانية - عما لحق بهما من أضرار نتيجه مقتل إبنهما فى حادث السيارة و قضى بتاريخ 1966/5/9 ببرائه السائق ورفض الدعوى المدنية لأنه لم يرتكب خطأ و صار هذا القضاء فى الدعوى المدنية نهائياً ، لصدوره فى حدود النصاب النهائى للمحكمة الجزئية فإنه لا يكون للطاعنين ، وهم المضرورون حق مباشر فى المطالبة بالتعويض قبل شركة التأمين المطعون عليها الاولى ، لا يغير من هذا النظر أن النيابة العامة إستأنفت حكم البراءة و قضت محكمة الجنح المستأنفة بإدانة سائق السيارة طالما أنه قضى نهائياً برفض الدعوى المدنية ، وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر و قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة لشركة التأمين تأسيساً على أنه قضى بحكم نهائى بعدم مسئولية هيئه النقل العام المؤمن لها فإنه يكون قد إلتزم صحيح القانون .

(الطعن رقم 129 لسنة 43 جلسة 1977/02/15 س 28 ع 1 ص 463 ق 88)

16- إذ كان الثابت أن الطاعنة - وهى شركة تأمين - أقامت هذه الدعوى طالبة إلزام المطعون عليها الأولى - بوصفها مسئولة عن الضرر المؤمن منه - بما دفعته الشركة المستأمنه ، وإستندت فى مطالبتها إلى شرط الحلول الوارد فى وثيقة التأمين ، وإذ كان هذا الشرط فى حقيقته حوالة حق إحتمالى مشروطه بتحقق الخطر المؤمن منه ، فإنه يكون خاضعاً لأحكام حوالة الحق فى القانون المدنى وهى لا تستوجب لإنعقاد الحوالة رضاء المدين ، وترتب عليها - بالنسبة للحقوق الشخصية - إنتقال الحق المحال به من المحيل إلى الحال له بمجرد إنعقاد العقد . ولما كانت الحوالة الثابته فى وثيقة التأمين قد تمت بإتفاق طرفيها عليها ، وكان الخطر المؤمن منه وهو حصول عجز تلف وعوار فى الرسالة المؤمن عليها قد وقع فعلاً ، فقد زال عن الحق المحال صفته الإحتمالية و أضحى وجوده محققاً وإنتقل من ثم إلى شركة التأمين الطاعنة ، وإذ كان مؤدى ما سلف أن الحق فى الرجوع عن المسئول عن الضرر قد إنتقل إلى الطاعنة بمقتضى الحوالة الثابتة فى وثيقة التأمين ، وكان إنتقال هذا الحق - على ما سلف القول - غير معلق على الوفاء بالتعويض ، فإن الدعوى تكون قد أقيمت من ذى صفه ، ويكون الحكم المطعون فيه و قد خالف هذا النظر وإنتهى إلى أن الطاعنة حين رفعت دعواها لم يكن لها ثمة حق فى رفعها بسبب وفائها اللاحق بالتعويض ، يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 288 لسنة 38 جلسة 1974/05/12 س 25 ع 1 ص 859 ق 139)

17- إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه فى الدعوى على أساس ثبوت وكالة الشر كة الطاعنة عن شركة التأمين بناء على نصوص وثيقة التأمين ، فإنه لايغير من ذلك أن تكون هذه الوكالة محظورة على الطاعنة بحكم القانون رقم 107 لسنة 1961 بشأن تنظيم أعمال الوكالة التجارية ، إذ ليس من شأن ذلك إلا إستهدافها للعقوبات التى تقضى بها المادة الرابعة منه ، أما الوكالة التجارية التى تزاولها الشركة فعلا بالمخالفة لحكم القانون آنف الذكر فإنها تنعقد صحيحة وترتب آثارها القانونية فيما بين أطرافها إذ لا يفيد من القانون من يخالف أحكامه .

(الطعن رقم 459 لسنة 38 جلسة 1974/03/26 س 25 ع 1 ص 561 ق 90)

18- قبول المؤمن إضافة خطر لم يكن مؤمنا منه فى وثيقة التأمين الأصلية وإن كان يعتبر بمثابة إتفاق إضافى يلحق بها و تسرى عليه أحكامها ، إلا أنه لا يتأدى من ذلك إهدار الشروط المحددة فى قبول التأمين على هذا الخطر ، وإنما يتعين إعمال مقتضاها إذا لم تكن قائمة على التعسف أومخالفة للنظام العام بإعتبارها ناسخة أومعدلة لما إحتوته الوثيقة الأصلية من شروط . وإذ كان الثايت من مدونات الحكم المطعون فيه أن مجلس إدارة صندوق التأمين الخاص بالقوات المسلحة وهو المؤمن أصدر قبل وفاة المؤمن له قراراً بتعويض أسر الشهداء من أعضاء الصندوق بعد إستيفاء الشروط المنصوص عليها بالمادة 26 فقرة ج من نظامه الداخلى ، وكان الحكم المطعون فيه قد أجرى على الوفاة فى المعارك الحربية حكم الأخطار المؤمن منها فى وثيقتى التأمين الأصلى الذى لا يشملها وجاوز النطاق المحدد للمسئولية عنها فى قرار مجلس إدارة الصندوق ، وأغفل بحث الشروط المنصوص عليها فى نظامه ، والصادر بها قرار المجلس المعدل لشروط الوثيقتين ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون ، و شابه قصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 144 لسنة 37 جلسة 1972/03/02 س 23 ع 1 ص 294 ق 46)

19- إذ كان الثابت من عقد التأمين على المركبة أداة الحادث أنه لم يتضمن اشتراطاً للغير يجوز معه للمضرور حق الرجوع على الشركة لاقتضاء التعويض وإنما يصرف للشركة المؤمن لها وهى المطعون ضدها والتى لا يجوز لها بمقتضى شروط العقد تحويل حقوقها للغير بما لازمه أنه لا يجوز للمضرورين من الحادث الرجوع على الشركة المؤمنة لاقتضاء هذا التعويض رضاءً أو قضاءً ، سيما وأن الحكم الصادر فى الدعوى رقم ..... لسنة 1992 مدنى كلى جنوب القاهرة قضى بانتفاء صفة فريق آخر من المضرورين من ورثة المجنى عليه فى الرجوع على الطاعنة لاقتضاء التعويض منها ، ومؤدى ذلك أن الشركة الطاعنة لا يجوز لها الاحتجاج قبل المطعون ضدها بأنها أجرت تسوية ودية مع فريق آخر من الورثة وتحصلت منهم على إقرار بإجراء هذه التسوية أو أن تطلب إجراء المقاصة القضائية بين ما دفعته لهذا الفريق من المضرورين ، وما يستحق للمطعون ضدها من مبلغ التأمين طبقاً لعقد التأمين ، ذلك أن هذا الإقرار الذى تحتج به الطاعنة فى هذا الخصوص لا يغير من طبيعة الالتزام الناشئ عن عقد التأمين ولا يعد دليلاً على انقضاء الدين أو جزء منه بالنسبة للمطعون ضدها وإن بقى دليلاً على قبض المبلغ الوارد به يحتج به على من تقاضى هذا المبلغ الذى هو سنداً للطاعنة عليهم . كما أن البين أن الطاعنة لم تطلب إجراء مقاصة قضائية بين هذا المبلغ وبين ما تطالب به المطعون ضدها فى الدعوى الراهنة ، وإذ لم يخالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعى عليه بهذا الشق يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 5703 لسنة 71 جلسة 2012/06/06 س 63 ص 804 ق 126)

20- إن مناط رجوع المضرور مباشرة على شركة التأمين لاقتضاء التعويض عن الضرر الذى أصابه أن يتضمن عقد التأمين على المركبة أداة الحادث اشتراطاً للغير يخول للمضرور حقاً فى الرجوع مباشرة على الشركة المؤمنة أو ينص القانون على حق يخول له الرجوع مباشرة على تلك الشركة ، وإذ كان حق المضرور فى التعويض وفقاً لقانون التأمين الإجبارى والذى يقتصر نطاقه على التأمين على السيارات يختلف عن التأمين على مركبات الترام من حيث حق الرجوع على شركة التأمين ونطاق هذا التأمين إذ أن عقد التأمين على مركبات الترام لا يخول المضرور حق الرجوع على شركة التأمين لاقتضاء التعويض عن الأضرار الناشئة عن الحادث إلا إذا تضمن عقد التأمين اشتراطاً للغير يخول المضرور حق الرجوع على شركة التأمين .

(الطعن رقم 5703 لسنة 71 جلسة 2012/06/06 س 63 ص 804 ق 126)

21- لما كان من مقتضى عقد التأمين تغطية الأضرار التى يحتمل أن تصيب المؤمن له خلال مده معينة يتحمل فيها المؤمن تبعة هذه الأضرار مقابل جعل التأمين الذى يتقاضاه من المؤمن له ، سواء فى ذلك إتفق على أن يلتزم المؤمن له بسداد هذا الجعل دفعة واحدة أوعلى أقساط تدفع على فترات محدده خلال مده التأمين ، فإن مؤدى ذلك أن عقد التأمين وأن كان الزمن عنصراً جوهريا فيه لأنه يلزم المؤمن لمدة معينة ، إلا أنه عقد محدد المدة ، فإذا فسخ أو إنفسخ قبل إنتهاء مدته لا ينحل إلا من وقت الفسخ أو الإنفساخ و يبقى ما نفذ منه قبل ذلك قائما ، أما إذا إستوفى مدته فإنه يعتبر منتهيا ويشترط لتجديده أن ينص على ذلك صراحة بما يعنى أنه لا يجوز تجديده ضمنياً .

(الطعن رقم 55 لسنة 36 جلسة 1970/04/28 س 21 ع 2 ص 709 ق 115)

22- متى كان البيان - الخاص بالمرض - فى وثيقة التأمين قد جعله المؤمن محل سؤال محدد مكتوب فإنه يعتبر جوهريا فى نظره ولازما لتقدير الخطر المؤمن منه فإذا أقر المؤمن له بعدم سبق إصابته بمرض الكلى مع ثبوت إصابته به وعلمه بذلك - على ما سجله الحكم المطعون فيه - فإن هذا الإقرار من شأنه أن ينتقص من تقدير الشركة المؤمنة لجسامة الخطر المؤمن منه ، ومن ثم فإذا لم يعمل الحكم الشرط الوارد فى عقد التأمين والذى مقتضاه بطلان العقد وسقوط حق المؤمن له فى مبلغ التأمين فى حالة إدلائه ببيانات خاطئة فى إقرارته الواردة فى طلب التأمين والتى أبرم التأمين على أساسها وهو شرط جائز قانوناً وواجب الإعمال حتى ولو لم يكن للبيان الكاذب دخل فى وقوع الخطر المؤمن منه فإن الحكم يكون قد خالف القانون بمخالفة شروط العقد مما يستوجب نقضه ، ولا يبرئه من هذه المخالفة ما قاله من أن مرض الكلى الذى أصاب المؤمن له ليس مما يخشى منه سوء العاقبة وأنه كان مرضا عارضا وكان المؤمن له قد شفى منه وقت إبرام عقد التأمين إذ أن ذلك - بفرض صحته - لم يكن ليعفى المؤمن له من واجب ذكر هذا المرض فى إقرارته الواردة فى طلب التأمين مادام أن ذلك كان محل سؤال محدد مكتوب .

(الطعن رقم 156 لسنة 34 جلسة 1967/11/30 س 18 ع 4 ص 1773 ق 269)

23- متى كان إختصام شركة التأمين أمام محكمة الموضوع مبناه وثيقة التأمين المعقودة بينها كمؤمنة وبين شركة مصر للطيران كمؤمن لها والتى تضمن شركة التأمين بموجبها أداء مبلغ التعويض الذى يحكم به ضد شركة مصر للطيران إذا ما ثبتت مسئوليتها قبل الغير عن الحادث المطالب بتعويض الضرر الناشىء عنه وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه والذى لم يقبل الطعن عليه بالنسبة لشركة الطيران " المؤمن لها " قد قضى برفض الدعوى لإنتفاء مسئولية الشركة المذكورة عن حادث الطائرة المطالب بالتعويض من أجله ، فان لازم ذلك زوال السبب الذى تقوم عليه مخاصمة شركة التأمين " الشركة المؤمنة " بإنتفاء مسئولية الشركة المؤمن لها بحكم نهائى ومن ثم فإن الطعن بالنسبة لشركة التأمين يكون غير مقبول أيضا تبعاً لعدم قبوله بالنسبة للشركة المؤمن لها .

(الطعن رقم 283 لسنة 31 جلسة 1966/03/15 س 17 ع 2 ص 585 ق 80)

24- متى كانت بنود وثيقة التأمين لم ترتب سقوط حق المؤمن له فى مبلغ التعويض جزاء على عدم إخطار الشركة المؤمنة بالحادث فى الميعاد المحدد فى الوثيقة كما لم يرد بالتقنين المدنى نص يقرر الجزاء على إخلال المؤمن له بالإخطار ، وإذ لا يكون سقوط الحق إلا بإتفاق أو بنص قانونى . وكانت الطاعنة " شركة التأمين " لم تدع أن ثمة ضرراً قد حاق بها بسبب التاخير فى إخطارها بالحادث فى الميعاد المنصوص عليه فى الوثيقة مما يترتب عليه إنقاص مبلغ التعويض بقدر ما عسى أن يكون قد لحقها من ضرر طبقاً للقواعد العامة ، فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون إذ لم يرتب أثر على عدم إخطار شركة التأمين بالحادث فى المدة المحددة له بالوثيقة وإنتهى إلى القضاء بإلزامها بمبلغ التعويض .

(الطعن رقم 285 لسنة 31 جلسة 1966/06/28 س 17 ع 3 ص 1462 ق 204)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 747 من التقنين المدني على ما يأتي :

"التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن ."

ويستخلص من هذا التعريف أن شخصاً يتعرض لخطر في شخصه كما في التأمين على الحياة، أو في ماله كما في التأمين من الحريق أو التأمين من المسئولية، فيعمد إلى تأمين نفسه من هذا الخطر، بأن يتعاقد مع شركة تأمين يؤدي لها أقساطاً دورية في نظير أن يتقاضى منها مبلغاً من المال عند تحقق الخطر وقد أسمى النص هذا الشخص "المؤمن له، ويجوز أن يشترط دفع المال عند تحقق الخطر لشخص آخر غيره، ففي التأمين على الحياة مثلاً قد يشترط المؤمن له دفع مبلغ التأمين لزوجته ولأولاده، فيسمى هذا الشخص الآخر "المستفيد" أما شركة التأمين، أو هيئة التأمين بوجه عام، فقد أسماها النص "المؤمن" ويدفع المؤمن له للمؤمن عادة أقساطاً سنوية متساوية القيمة، وقد يدفع اشتراكاً دورياً يتفاوت مقداره في جمعيات التأمين التبادلية، وقد يدفع مبلغاً مقطوعاً جملة واحدة كما إذا دفع هذا المبلغ في مقابل أن يتقاضى من المؤمن إيراداً مرتباً مدى حياته والمؤمن يدفع عادة للمؤمن له أو للمستفيد عند تحقق الخطر مبلغاً من المال، وقد يدفع له إيراداً مرتباً كما رأينا وقد يدفع له أي عوض مالي آخر كما إذا قام بتجديد البناء المحترق في التأمين من الحريق وهذا كله منصوص عليه صراحة في المادة 747 مدني سالفة الذكر .

ونرى من ذلك أن التعريف المتقدم الذكر قد أبرز عناصر عقد التأمين، فهو عقد يبرم بين المؤمن له والمؤمن، وقد يوجد إلى جانب المؤمن له شخص آخر يتقاضى مبلغ التأمين هو المستفيد وأبرز التعريف أن التأمين يقوم على خطر أو حادث يخشى وقوعه ويبغي المؤمن له تأمينه منه، ويلتزم بدفع مقابل التأمين للمؤمن وهو القسط أو الإشتراك أو الدفعة المالية الأخرى، كما يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد عند وقوع الحادث أو تحقق الخطر وهو المبلغ المقطوع أو الإيراد المرتب أو العوض المالي الآخر .

والتعريف على هذا النحو يصلح تعريفاً وافياً لعقد التأمين من أحد جانبيه، جانب العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له ولكن للتأمين جانباً آخر، ولا يمكن فهم التأمين على الوجه الصحيح دون أن يوضع هذا الجانب محل الإعتبار الأول فشركة التأمين لا تبرم عقد التأمين مع مؤمن له واحد، أو مع عدد قليل من المؤمن لهم ولو أنها فعلت، لكان عقد التأمين مقامرة أو رهاناً، ولكان عقداً غير مشروع إذ تكون الشركة قد تعاقدت مع مؤمن له على أنه إذا احترق منزله مثلاً - في التأمين على الحريق - دفعت له قيمته، وإذا لم يحترق كان مقابل التأمين الذي دفعه المؤمن له حقاً خالصاً لها، وهذا هو الرهان بعينه ولكن الشركة تتعاقد مع عدد كبير من المؤمن لهم، وتتقاضى من كل منهم مقابل التأمين، ومن مجموع ما تتقاضاه من هؤلاء جميعاً تعوض العدد القليل الذين تحترق منازلهم، ففي ما تتقضاه من المؤمن لهم بما تدفعه من التعويض لبعضهم، لأنها تحسب مقابل التأمين على أساس فني مستمد من الإحصاء على النحو الذي سنبينه فيما يلي عند الكلام في الأسس الفنية للتأمين فالتأمين إذا نظر إليه من الجانب الآخر وهو العلاقة بين الشركة ومجموع المؤمن لهم، لا يحمل طابع المقامرة أو الرهان والشركة، إذا حددت مقابل التأمين تحديداً دقيقاً على الأسس الفنية الصحيحة، وأحسنت إدارة أعمالها، لا تتعرض لخطر يزيد على الخطر الذي تتحمله الشركات عادة في أعمال التجارة الأخرى غير أعمال التأمين، فالمؤمن لهم، وجميعهم معرضون لخطر واحد يتحقق في العادة بالنسبة إلى عدد قليل منهم ولا يتحقق بالنسبة إلى الغالبية العظمى، يتعاونون جميعاً في تعويض العدد القليل منهم الذين يتحقق الخطر بالنسبة إليهم، فلا يتحمل هؤلاء الأخيرون الخسارة وحدهم وبذلك يكفل التأمين للجميع توزيع الخسارة عليهم، فلا يخسر أي منهم إلا مقابل التأمين الذي دفعه .

ومن ذلك نرى أن التعريف الذي قدمناه، إن صلح في العلاقة ما بين شركة التأمين ومؤمن له بالذات، فهو لا يصلح في العلاقة ما بين الشركة ومجموع المؤمن لهم، ولا يعين التعريف أهم دعامة يقوم عليها التأمين وهي توزيع الخسارة بين المؤمن لهم جميعاً والتعريف الذي يجمع بين الجانبين معاً، فيبرز مقومات التأمين في وضوح، تعريف قال به أحد الفقهاء الفرنسيين فشاع في الفقه الفرنسي إذ يعرف الأستاذ هيمار للتأمين بأنه عقد بموجبه يحصل أحد المتعاقدين، وهو المؤمن له، في نظير مقابل يدفعه، على تعهد بمبلغ يدفعه له أو للغير، إذا تحقق خطر معين، المتعاقد الآخر وهو المؤمن، الذي يدخل في عهدته مجموعاً من هذه الأخطار يجرى مقاصة فيما بينها طبقاً لقوانين الإحصاء.

عقد التأمين عقد رضائي، ملزم للجانبين، ومن عقود المعاوضة وهو أيضاً من العقود الإحتمالية ( عقود الغرر )، ومن العقود الزمنية، ومن عقود الإذعان.

1- فعقد التأمين عقد رضائي، ينعقد بمجرد توافق الإيجاب والقبول ولكننا سنرى، عند الكلام في إثباته، أنه لا يثبت عادة إلا بوثيقة تأمين يوقع عليها المؤمن وسنرى كذلك أنه أصبح في مشروع الحكومة عقداً شكلياً.

2 - وهو عقد ملزم للجانبين، والإلتزامان الرئيسيان المتقابلان فيه هما إلتزام المؤمن له بدفع أقساط التأمين والتزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين إذا وقعت الكارثة المؤمن منها ويلاحظ أن التزام المؤمن له بدفع أقساط التأمين التزام محقق، ينفذ عادة على آجال معينة، كل شهر أو كل ثلاثة شهور أو كل سنة أو نحو ذلك أما التزام المؤمن فهو التزام غير محقق، إذ هو التزام احتمالي وليس هو التزاماً معلقاً على شرط واقف هو تحقق الخطر المؤمن منه، لأن تحقق الخطر ركن قانوني في الإلتزام وليس مجرد شرط عارض ولو كان تحقق الخطر شرطاً واقفاً، لأمكن تصور قيام التزام المؤمن بدونه التزاماً بسيطاً منجزاً، وهذا لا يمكن تصوره لأن إلتزام المؤمن مقترن دائماً بتحقق الخطر، ولا يمكن فصل الإثنين أحدهما عن الآخر .

3- وهو من عقود المعاوضة إذ كل من المتعاقدين يأخذ مقابلاً لما أعطى فالمؤمن بأخذ مقابلاً، هو أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن له وكذلك المؤمن يأخذ مقابلاً لما يدفعه، هو مبلغ التأمين إذا وقعت الكارثة وقد يبدو أن المؤمن له لا يأخذ مقابلاً إذا لم تقع الكارثة إذ يكون المؤمن غير ملتم بشيء نحوه، ولكن الواقع أن المقابل الذي يأخذه المؤمن له في نظير دفع أقساط التأمين ليس هو مبلغ التأمين بالذات فقد يأخذه وقد لا يأخذه، ولكن المقابل هو تحمل المؤمن لتبعة الخطر المؤمن منه سواء تحقق الخطر أو لم يتحقق، وتحمل المؤمن لهذه التبعة ثابت في الحالتين .

4- وهو من العقود الإحتمالية أو عقود الغرر، وقد أورده التقنين المدني ضمن هذه العقود بعد المقامرة والرهان والإيراد المرتب مدى الحياة ومعنى أن عقد التأمين عقد احتمالي هو أنه في العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له بالذات يكون احتمالياً من الناحية القانونية المحضة، فالمؤمن وقت إبرام العقد لا يعرف مقدار ما يأخذ ولا مقدار ما يعطي إذ أن ذلك متوقف على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها، وكذلك الحال بالنسبة إلى المؤمن له فمقدار ما يأخذ ومقدار ما يعطي متوقف هو أيضاً على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها ولكن إذا تركنا هذا الجانب القانوني المحض إلى الجانب الفني الاقتصادي، ونظرنا إلى علاقة المؤمن للمؤمن له بالذات بل بمجموع المؤمنين، تبينا أن عقد التأمين ليس إحتمالياً لا بالنسبة إلى المؤمن ولا بالنسبة إلى المؤمن له فهو ليس احتمالياً بالنسبة إلى المؤمن، إذ المؤمن إنما يأخذ الأقساط من المؤمن لهم ثم يعيد توزيعها على من وقعت الكارثة به منهم، بعد أن يخصم مصروفات الإدارة، فهو إذا أحسن تقدير الإحتمالات والتزم الأسس الفنية الصحيحة في التأمين، لم يعرض نفسه لاحتمال الخسارة أو لاحتمال المكسب بأكثر مما يعرض نفسه لذلك أي شخص آخر يعمل في التجارة، وليس عقد التأمين احتمالياً بالنسبة إلى المؤمن له، فالعقد الاحتمالي هو الذي يتوقف على الحظ والمصادفة، في حين أن المؤمن له إنما يقصد بعقد التأمين عكس ذلك تماماً ، فهو يريد أن يتوقى مغبة الحظ والمصادفة، ويتعاون مع غيره من المؤمن لهم على توزيع شرور ما يبينه الحظ لهم جميعاً بحيث لا ينال أياً منهم من هذه الشرور إلا مقدار يسير يستطيع تحمله في غير عناء . فهو، إذا لم تتحقق الكارثة، لم يخسر الأقساط التي دفعها، إذ أن هذه الأقساط إنما دفعها مقابلاً لتعاون سائر المؤمن لهم معه وقد تعاونوا وهو، إذا تحققت الكارثة، لم يكسب مبلغ التأمين، إذ أن هذا المبلغ ليس إلا تعويضاً لما حاق به من الخسارة وقد جاء ثمرة لهذا التعاون فعقد التأمين بالنسبة إلى المؤمن له ليس إذن عقداً يقصد به تحمل أثر الحظ كما هو الأمر في المقامرة والرهان، بل هو على العكس من ذلك عقد يقصد به إبعاد أثر الحظ بقدر المستطاع .

5- وهو من العقود الزمنية، لأنه يعقد لزمن معين، والزمن عنصر جوهري فيه ويلتزم المؤمن لمدة معينة، فيتحمل تبعة الخطر المؤمن منه إبتداءً من تاريخ معين إلى نهاية لمدة معينة، فيتحمل تبعة الخطر المؤمن منه إبتداءً من تاريخ معين إلى نهاية تاريخ معين، كذلك المؤمن له يلتزم للمدة التي يلتزم بها المؤمن، ويوفي التزامه أقساطاً متتابعة على مدة هذه المدة، ويجوز أن يوفيه دفعة واحدة ولكن يراعى في تقدير هذه الدفعة الزمن المتعاقد عليه ويترتب على أن عقد التأمين عقد زمني أنه إذا فسخ هذا العقد أو انفسخ، لم يكن ذلك بأثر رجعي، ولم ينحل العقد إلا في وقت الفسخ أو الإنفساخ، وما نفذته قبل ذلك يبقى قائماً، وبوجه خاص لا يسترد المؤمن له من المؤمن الأقساط المقابلة لمدة التي انقضت قبل حل العقد .

6- وهو من عقود الإذعان، والمؤمن هو الجانب القوي . ولا يملك المؤمن له إلا أن ينزل عند شروط المؤمن، وهي شروط أكثرها مطبوع، ومعروضة على الناس كافة، وهذه هي أهم خصائص عقد الإذعان على أن تدخل المشروع في تنظيم عقد التأمين لحماية المؤمن لهم خفف كثيراً من تعسف بالمؤمن له هذا إلى أن قيام التأمين على الأسس الفنية الصحيحة يمنع أحد الطرفين من أن يجور على الآخر، ويجعل التأمين يؤدي مهمته الحقيقية وهي تنظيم التعاون بين المؤمن لهم المعرضين لخطر مشترك ومساهمة كل منهم بنصيبه فيه إذا نزل بأحد منهم، ويجعل شركة التأمين تقوم بدورها الصحيح وهو دور الوسيط بين المؤمن لهم لتنظيم التعاون فيما بينهم، لا دور المتعاقد القوي الذي يستغل ضعف المتعاقد الآخر .

7 - وهو من عقود حسن النية والمقصود بحسن النية هنا ليس هو المعنى المالوف والا فان كل للعقود لا عقد التامين وحده تعتبر من عقود حسن النية وإنما المقصود لا عقد التامين وحده تعتبر من عقود حسن النية وإنما المقصود انه عقد التأمين بوجه خاص يجعل المؤمن تحت رحمة المؤمن له في خصوص الإدلاء بالبيانات اللازمة عن الخطر المؤمن منه وفي وجوب توفى وقوع الكارثة او الحد من آثارها إذا وقعت والمؤمن إنما يعتمد في ذلك إعتماداً كاملاً عن حسن نية المؤمن له فإذا أخل هذا بواجب حسن النية فلم يدل بجميع البيانات اللازمة عن الخطر المؤمن منه او قصر في إتخاذ الإحتياطات لدرء الخطر أو لمنع تفاقمه بعد وقوعه، فإن هذا الإخلال يكون خطير وقد يكون جزاؤه سقوط حق المؤمن له فمبدأ حسن النية يلعب دوراً كبيراً في مجال عقود التأمين بالنسبة لطرق التعاقد ليس فقط عن تنفيذ العقد كما هو الحال بالنسبة لسائر العقود بل أيضاً عند التعاقد .

عناصر التأمين : رأينا أن المادة 747 مدني تعرف عقد التأمين بأنه "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن" ، ويتبين من هذا التعريف أن العنصر الجوهري في التأمين هو الخطر المؤمن منه، وهذا الخطر يستتبع التأمين منه أن يدفع المؤمن له قسط التأمين، وأن يدفع المؤمن مبلغ التأمين إذا تحقق الخطر فهناك إذن عناصر ثلاثة للتأمين : الخطر المؤمن منه، وقسط التأمين، ومبلغ التأمين .

العنصر الأولى – الخطر المؤمن منه : الغرض من عقد التأمين هو دائماً تأمين شخص من خطر يتهدده، أي من حادث يحتمل وقوعه، فإذا ما تحقق الخطر ووقع الحادث سمي كارثة على أن الخطر والكارثة لهما في عقد التأمين مدلول أوسع من المدلول المألوف، إذ الخطر والكارثة يستعملان عادة في شر يتهدد شخصاً، فإذا ما تحقق الخطر ووقع الشركان كارثة ، وهذا هو أيضاً الغالب في عقد التأمين، فيؤمن الشخص نفسه من الحريق، أو من السرقة، أو من الإصابات، أو من الوفاة، أو من المسئولية ، ولكن مع ذلك قد يكون الحادث المؤمن منه حادثاً سعيداً، فهناك تأمين الأولاد يتقاضى المؤمن له فيه مبلغ التأمين كلما يرزق ولداً، وهناك تأمين الزواج يتقاضى المؤمن له فيه مبلغ التأمين إذا ما تزوج قبل بلوغه سناً معيناً، وهناك تأمين المهر يكون المستفيد فيه أحد أولاد المؤمن له إذا عاش إلى تاريخ معين وهو التاريخ الذي يطلب أن يتزوج فيه فيكون في حاجة إلى المهر، وهناك التأمين لحالة البقاء يتقاضى فيه المؤمن له مبلغ التأمين إذا عاش إلى تاريخ معين، فهذه كلها حوادث سعيدة ومع ذلك يجوز التأمين منها .

ولما كان الخطر المؤمن منه هو المحل الرئيسي في عقد التأمين، فسيكون مكانه في البحث عند الكلام في أركان العقد .

العنصر الثاني - قسط التأمين : وقسط التأمين هو المقابل المالي الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه . فهناك إذن علاقة وثيقة بين قسط التأمين والخطر المؤمن منه بقسط التأمين يحسب على أساس هذا الخطر، وإذا تغير الخطر تغير معه قسط التأمين زيادة أو نقصاً وفقاً لمبدأ عام مسلم به في التأمين هو مبدأ نسبية القسط إلى الخطر ويكون قسط التأمين عادة مبلغاً سنوياً ثابتاً لا يتغير من سنة إلى أخرى، ومع ذلك يصح أن يكون مبلغاً متغيراً في جمعيات التأمين التبادلية ويسمى القسط في هذه الجمعيات بالإشتراك .

ولا يحدد مقدار قسط التأمين اعتباطاً بطريقة تحكمية، بل إن هذا التحديد خاضع لعوامل حتمية لابد من مراعاتها .

العنصر الثالث - مبلغ التأمين : ومبلغ التأمين هو المبلغ الذي يتعهد المؤمن بدفعه للمؤمن له، أو للمستفيد، عند تحقق الخطر المؤمن منه، أي عند وقوع الكارثة التي هي محل التأمين، كموت المؤمن له أو بقائه حياً بعد مدة معينة في حالة التأمين على الحياة، وكإحتراق المنزل المؤمن عليه في حالة التأمين من الحريق، وكرجوع المضرور على المؤمن له في حالة التأمين من المسئولية، فمبلغ التأمين وهو التزام في ذمة المؤمن هو المقابل لقسط التأمين وهو إلتزام في ذمة المؤمن له، ومن ثم كان عقد التأمين عقداً ملزماً للجانبين، وهناك إرتباط وثيق بين مبلغ التأمين وقسط التأمين، وقد رأينا عند الكلام في فن التأمين، وفي حساب القسط الصافي، أن قسط التأمين يحسب على أساس مبلغ التأمين، وكلما كان مبلغ التأمين كبيراً كلما ارتفع قسط التأمين، ويلاحظ من الأمثلة التي تقدم ذكرها أن مبلغ التأمين، وهو دين في ذمة المؤمن، يكون تارة ديناً مضافاً إلى أجل غير معين، وتارة يكون ديناً احتمالياً، بحسب ما إذا كان الخطر المؤمن منه محقق الوقوع ولكن لا يعرف ميعاد وقوعه، أو كان غير محقق الوقوع، ففي التأمين على الحياة يكون الخطر المؤمن منه هو الموت، وهو أمر محقق الوقوع ولكن لا يعرف ميعاد وقوعه، فيكون مبلغ التأمين ديناً في ذمة المؤمن مضافاً إلى أجل غير معين، وفي التأمين من الأضرار، سواء كان تأميناً على الأشياء كالتأمين من الحريق أو كان تأميناً من المسئولية، يكون الخطر المؤمن منه - وهو وقوع الحريق مثلاً أو تحقق المسئولية - أمراً غير محقق الوقوع، فيكون مبلغ التأمين ديناً احتمالياً في ذمة المؤمن . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع المجلد : الثاني، الصفحة : 1375)

يقوم التأمين على خطر أو حادث يخشى وقوعه ويبغى المؤمن له تأمينه منه ويلتزم بدفع مقابل التأمين للمؤمن، بينما يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد عند وقوع الحادث أو تحقق الخطر.

وقد يكون المؤمن له والمستفيد شخص واحد هو المتعاقد مع المؤمن كما في التأمين ضد الحريق، إذ يكون المستفيد من التأمين هو المؤمن له أي طالب التأمين.

وقد يكون المؤمن له والمستفيد شخصان، فيتعاقد المؤمن له مع المؤمن ليستفيد شخص ثالث بالتأمين، ويتم ذلك بحكم القانون كما في حوادث السيارات، إذ ألزم القانون صاحب كل سيارة بإبرام عقد تأمين إجباري عند استصدار ترخيص بتسيير سيارته وذلك لصالح من يصيبه ضرر من حادث السيارة، يسوى أن ينص في عقد التأمين على استفادة المضرور من التأمين أو لم ينص عليه فيه على ذلك، إذ أحل المشرع إرادته محل إرادة المؤمن والمؤمن له بجعل المستفيد هو المضرور، أما خارج نطاق قانون التأمين الإجباري عن حوادث السيارات، فلا يستفيد المضرور من التأمين إلا إذا تضمن عقد التأمين إشتراطاً لمصلحة الغير وهو المضرور، كما في حوادث الترام وكل مركبة لم يشملها قانون التأمين الإجباري عن حوادث السيارات، وبالتالي لا يرجع المضرور على أي من شركات التأمين إلا إذا تضمن عقد التأمين اشتراطه لمصلحة من يتأله ضرر من حوادث الترام وما شابهه في التأمين على الحياة، قد يكون المستفيد هو المؤمن له أو الغير المؤمن عليه.

وكثيراً ما تقوم شركات التأمين، بإعادة التأمين خشية أن تكون تقديراتها للإحتمالات غير صحيحة وذلك بالتعاقد مع شركة أخرى على إعادة التأمين في حدود مبلغ معين بموجب هذا العقد مخول شركة التأمين إلى شركة إعادة التأمين ما ينجم عن الوثائق من مخاطر أو جزءاً من هذه المخاطر وتظل الشركة الأولى في الملتزمة نحو المؤمن له، وقد يتم اعادة التأمين بالمحاصة بأن يشترك المؤمن المعبد مع المؤمن في الوثائق التي يعقدها الأخير بنسبة معينة فإن كانت النصف استحق المؤمن المعيد مع المؤمن في الوثائق التي يعقدها الأخير بنسبة معينة فإن كانت النصف استحق المؤمن المعيد لبعض الوثائق التي يجد المؤمن نفسه غير قادر عليها بأن تجاوز حد طاقته ومثلها إعادة التأمين فيما جاوز حداً معيناً من الإخطار ويلتزم المؤمن بموجب عقد إعادة التأمين بدفع أقساط إعادة التأمين للمؤمن المعيد ويلتزم الأخير بتحمل نصيبه من التعويم، ويخضع هذا العقد المبدأين هما حسن النية ووحدة المصير كما يلتزم المؤمن بتقديم كشوف دورية للمؤمن المعبد ويلتزم الأخير بدفع عمولة للمؤمن وبأن يودع لديه ضماناً للوفاء بالتزاماته، وإذا أفلس المؤمن المعيد، أحتفظ المؤمن بالقيم المنقولة التي اشتراها بأموال الوديعة التي قدمها له المؤمن المعبد فللمؤمن حق رهن عليها فينفذ عليها ويتقدم على دائني التفليسة وتم المقاصة بين أقساط إعادة التأمين المتبقية في ذمه المؤمن وبين المستحق للاخير لدى المؤمن المعيد، أما اذا أفلس المؤمن، فإن المومن له ينفذ على أقيم المنقولة سالفة البيان.

طبيعة عقد التأمين :

يكون عقد إعادة التأمين تجارياً دائماً، أما عقد التأمين فيكون جارياً بالنسبة للمؤمن إذا كان المؤمن شركة وهو الغالب ويكون مدنياً إن كان المؤمن جمعية تبادلية اذ أنها لا تسعى إلى تحقيق ربح، وبالنسبة للمؤمن له فالعقد علنی ويكون تجارياً إذا كان المؤمن له تاجراً وكان عقد التأمين متعلقاً بأعمال تجارية وفقاً النظرية التبعية، وتؤثر تلك الطبيعة عند إثبات عقد التأمين.

أركان عقد التأمين :

أركان العقد في الرضا والمحل والسبب، وقد تفرض شركة التأمين وسيطاً في إبرام العقد أو مندوباً فيلتزم بشروط التأمين العامة ولا يعتد بالقيود غير الظاهرة التي تفرضها الشركة على المندوب فلا يحتاج المؤمن له بها كما يلتزم المؤمن برد القسط إذا لم تكن للمندوب سلطة في قبضة وذلك كله رفقاً لأحكام الوكالة الظاهرة، وما أوضحناه عند إبرام عقد التأمين، فيما يلى .

الرضاء

الأصل وفقاً لأحكام القانون المدني أن عقد التأمين عقد رضائي يتم بمجرد الإيجاب والقبول ولا تلزم الوثيقة إلا لإثباته ما لم يشترط التوقيع عليه من المؤمن، في حالة إبرامه عن طريق أحد مندوبي المؤمن .

وفي هذه الحالة يعتبر توقيع المؤمن له بمثابة إيجاب، فإن حدد العقد ميعاد للقبول، إلتزم المؤمن له بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضى هنا الميعاد، فإن لم يحدد ميعاداً للقبول، التزم المؤمن له بإيجابه للمدة المناسبة التي يطيها العرف فما جرى عليه العمل في مثل هذه الحالة، وتلك مسألة واقع يتصدى لها قاضی الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض طالما كان استخلاصه سائغاً.

وقد يشترط لنفاذ العقد، دفع القسط الأول، وحينئذ يكون التأمين معلقاً على شرط واقف، فلا ينفذ التأمين إلا إذا تحقق هذا الشرط.

ويلزم لإبرام عقد التأمين أهلية الإدارة اذ أنه من عقود الإدارة ومن ثم يجوز البالغ الرشيد و للقاصر أو المحجور عليه متى أذن في الإدارة إبرامه وإلا كان العقد قابلاً للإبطال لمصلحته إلا إذا أجازه بعد بلوغه الرشد أو الإذن له بالإدارة أو أجازه وليه، كما يجوز للولي والوصي والوكيل وكالة عامة والحارس القضائي إبرام العقد، وتسرى على العقد النظرية العامة في عيوب الارادة وأخصها هنا الغلط فقد بيرم العقد ويكتم المؤمن له امراً أو يعطى بياناً غير صحيح دون أن يقوم الدليل على سوء نيته فيكون العقد قابلاً للإبطال لمصلحة المؤمن، وتسرى وثيقة التأمين في الوقت الذي يحدده المتعاقدان وإلا فبمجرد نفاذ العقد، ويختص قاضي الموضوع بتفسير العقد وفقاً للقواعد العامة، فيلتزم بالشرط الصريح ويفسر الشرط الغامض أن كان مطبوعة لمصلحة المؤمن له، وإذا وجد تناقض بين نسخ العقد فالعبرة بالنسخة التي تحت يد المؤمن له كذلك أن وجد تعارض بين شرط مطبوع وشرط محرر بالآلة الكافية أو باليد فالعبرة بالشرط الأخير إذ نسخ به المتعاقدان الشرط المطبوع.

إبرام عقد التأمين :

عقد التأمين، عقد رضائي، يكفي لإبرامه، تلاقي الإيجاب بالقبول، وبالتالي فهو ليس من العقود الشكلية أو العقود العينية ويبرم عقد التأمين فيما بين المؤمن والمؤمن له، ولهما أن يتفقا على انصراف أثر التأمين إلى الغير، سواء كان هذا الغير معلومة لهما وقت التعاقد أو غير معلوم أو كان شخصاً إحتمالياً قد يوجد وقد لا يوجد في المستقبل، ويكون المؤمن له هو الملزم بدفع أقساط التأمين للمؤمن.

ويجوز أن يكون وثيقة التأمين لمصلحة شخص معين أو وثيقة تحت الإذن أو لحاملها وفي الحالة الأخيرة تنتقل بالتظهير ولو على بياض، وللمؤمن أن يحتج ضد الحامل أو ضد الشخص الذي يتمسك بها بكل الدفوع التي يكون له أن يحتج بها ضد المؤمن له، وتعتبر الوثيقة في هذه الحالة ورقة تجارية وبالتالي تخضع للقواعد المتعلقة بهذه الأوراق، وغالباً ما تستعمل في التأمين البحرى.

وإذا أبرم عقد التأمين بوساطة وكيل المؤمن، فلا يجوز له أن يعدل في شروط التأمين العامة، إلا بموجب توكيل خاص، فلا يكفي لذلك التوكيل العام، سواء كان هذا التعديل في مصلحة المؤمن له أو في غير مصلحته، ويعتبر الوكيل دائماً في علاقته بالمؤمن له، مفوضاً من المؤمن في إبرام التصرفات التي تناط عادة بمثله من الوسطاء وبالتصرفات التي إعتاد إبرامها بتفويض ضمني من المؤمن، ويستدل عليها بالعقود السابقة إذا نشب نزاع في سعة الوكالة.

فإن لم تكن سلطة الوسيط في التأمين موضحة الحدود، فإن سعة وكالته تنحصر في تسلم طلبات التأمين وإخطارات العدول عن التأمين وتسلم البيانات التي يجب على المؤمن له تقديمها أثناء قيام العقد ولو تعلقت بفسخه، وتسليم وثائق التأمين وعقود الإمتداد الصادرة من المؤمن، وقبض الأقساط والفوائد والمصروفات والتعويضات الواجب دفعها بمقتضى عقد التأمين .

فإن كان الوسيط مفوضاً في إبرام عقود التأمين، جاز له مد أجلها وتعديلها والعدول عنها وفسخها، وان وجد قيود تحد من سلطته، فلا يجوز الإحتجاج بها على الغير إلا إذا كان هذا الغير عالما بها وقت التعاقد أو كان جهله بها راجعاً الى خطته الجسيم، ويقع باطلاً كل شرط يخالف ذلك.

فإذا كانت سلطة الوسيط قاصرة على مجرد البحث عن عميل، فتنتهي مأموريته بقيامه بتسليم المؤمن له وثيقة التأمين .

ويترتب على إبرام عقد التأمين، التزام كل من طرفيه بالآثار المترتبة عليه، فإذا قام المؤمن له بالوفاء بأقساط التأمين، فإن المؤمن يلتزم بالوفاء بمبلغ التأمين للمستفيد الذي تم الإشتراط لصالحه فور تحقق الخطر المؤمن منه.

إذا فقدت الوثيقة أو تلفت جاز للمؤمن له أن يطلب نسخة منها من المؤمن متى كان الأخير مقرة بها وكذلك نسخة من البيانات والإقرارات والمستندات التي قدمها إذ أن أي خطأ فيها يجيز إبطال العقد، أما إذا نازع المؤمن في ذلك، خضع إثبات العقد للقواعد العامة، وإذ يعتبر العقد بالنسبة للمؤمن تجارياً، فإنه يجوز للمؤمن له والمستفيد إثباته بكافة الطرق .

فإن كان أي من الأخيرين تاجرة وأبرم التأمين لعمل تجاری، جاز للمؤمن إثبات عقد التأمين بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن أما إن كان أي منهما غير تاجر، أو كان التأمين لم يبرم لعمل تجاری، فلا يجوز للمؤمن الإثبات إلا وفقاً للقواعد العامة، وبالتالي تلزم الكتابة أو ما يقوم مقامها اذا جاوزت قيمة التأمين نصاب البينة . حتى لو تعلقت المنازعة بأحد الأقساط الذي لا تجاوز قيمته هذا النصاب، ويخضع خلف المؤمن له لهذه القواعد.

وللمضرور في حوادث السيارات، أن يكتفي بإثبات أن السيارة أداة الحادث مؤمناً عليها لدى شركة التأمين التي يختمها دون حاجة لإثبات العقد، وذلك بتقديم شهادة بيانات من إدارة المرور التي رخصت بتسيير السيارة، فإن لم يتمكن من معرفة الشركة المؤمنة، جاز له اختصام جميع شركات التأمين ثم ترك الخصومة بالنسبة لغير الشركة المؤمنة، والاجاز الدفع بعدم قبول دعوى التعويض لرفعها على غير ذي صفة.

ولا يكفي لإثبات عقد التأمين سداد الضريبة عن السيارة عن المدة التالية لإنتهاء مدته، أو تقديم صورة ضوئية منه طالما جحدها المؤمن .

قد يعدل المتعاقدان شروط الوثيقة بعد إتمامها ويكون بملحق لها يصبح معها وثيقة واحدة وقد ينسخ ما يتعارض معه من شروط بالوثيقة الأصلية، ويسرى التاريخ العرفي للملحق في حق المضرور إلا إذا أثبت الأخير أن هناك غشاً من جانب المؤمن له أو تواطؤ بينه وبين المؤمن .

الإحتمال هو المحل في عقد التأمين وفي غيره من العقود الاحتمالية والإحتمال هنا هو الخطر أما القسط فهو محل إلتزام المؤمن له ومبلغ التأمين هو محل التزام المؤمن ومن ثم يجب أن يتوفر الإحتمال وإلا انتفى المحل وبطل العقد، فيجب أن يكون الخطر غير محقق الوقوع وقد يكون وقوعه محققاً ولكن في وقت غير معلوم فيتوافر الإحتمال، فإن كان الخطر مستحيلاً أصبح المحل كذلك وبطل العقد ويترتب على البطلان أن يرد المؤمن ما قبض من أقساط للمؤمن له وتبرأ ذمة الأخير من الأقساط الباقية، وينعدم المحل كذلك إذا كان الخطر عند التعاقد، قد زال أو تحقق فيصبح وقوعه مستحيلاً، ولكن يصح التأمين على سفينة إذا كانت قد غرقت، وقت التأمين أو قبله، وذلك استثناء بموجب المادة 350 بحرى ما لم يكن المؤمن له عالماً بغرقها أو كان المؤمن عالماً بوصولها سليمة، ويجب أن يكون الخطر غير مخالف للنظام العام فلا يجوز التأمين من الغرامات أو المصادرة التي يحكم بها جنائية فتلك عقوبة ويجب أن تبقى شخصية فيبطل التأمين منها لمخالفته للنظام العام ومثلها الإتجار في المخدرات أو على منزل دعارة أو من مقامرة أو التأمين لمصلحة عشيقة أو إذا كان سبب الموت هو تنفيذ حكم الإعدام .

السبب في عقد التأمين هو السبب في العقود كافة وفقا النظرية العقد وهو الباعث الدافع إلى التعاقد .

إستحقاق التعويض في حالة تعدد المؤمن :

إذا تعددت شركات التأمين المؤمن لديها، ثم نخفق الخطر الموجب لالتزامها بالوفاء بمبلغ التأمين، وجب إخضاع النزاع للنصوص المتعلقة بتعدد المدينون في التزام غير تضامني مؤداها أن يرجع الدائن على أي من المدينين للتعلمين بكل الدين في حدود الدين المبين في وثيقة التأمين ومتى قام هذا الملين بالوفاء فإنه يرجع على باقي المدينين بما يخصه من الدين بنسبة دينه إلى كامل الدين، فإن كان كل منهم قد التزم بمبلغ يساوي ما التزم به الآخر، قسم الدين اللقضي به نهائياً - في حالة المنازعة - على المدينين بالسوية فيما بينهم أما أن اختلفت المبالغ التي التزم بها كل منهم قسم التعويض بنسبة ما التزم به كل منهم الى كامل التعويض، فإن كان التأمين أبرم مع إثنين من المؤمنين التزم أحدهما بعشرة آلاف والثاني بعشرين ألف، وقضى بتعويض قدره خمسة عشر ألف جنيه فإن الأول يلتزم بخمسة آلاف والثاني بعشرة على ما أوضحناه ببند نطاق التعويض فيما يلى .

وقد أخذ المشرع بهذه القواعد في المادة 399 من قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990 وأجازت الجمع بين مبلغ التأمين على ألا يجاوز مجموع ما يحصل عليه المؤمن له قيمة الضرر الناشىء عن المسئولية .

ويجوز للمؤمن الذي رجع عليه المؤمن له أو المضرورة أن يختصم فى الدعوى باقى المؤمنين ليقضي له عليهم بما يخصهم من التعويض الذي يقضي به، وذلك بالإجراءات المقررة في دعوى الضمان الفرعية.

يستوي أن يرد هذا التعدد بصدد تأمين إجباري أو تأمين شامل، ويبطل كل شرط يحول دون الرجوع على المؤمن في حالة وجود تأمين آخر يتعلق بذات الخطر المؤمن منه، إذ يعتبر هذا الشرط في غير صالح المؤمن له أو المستفيد، لأن الإلتزام به، قد يؤدي الى رجوع المضرور على المؤمن له، أو منعه من مطالبة المؤمن واضع الشرط من مبلغ التأمين إذا ما أشهر إفلاس المؤمن الآخر.

ويستثنى من الجمع بين مبلغ التأمين - في الحدود الجابرة للضرر - إستحقاق المضرور تعويضاً بموجب القوانين أرقام 86 لسنة 1942، 81 لسنة 1950، 157 لسنة 1950 أو أي قانون آخر يقرر للمضرور تأميناً يستحقه بسبب ما حاق به من ضرر من جراء الحادث .

عقد التأمين، عقد رضائي يتم بمجرد تلاقي الإيجاب بالقبول، وأنه كغيره من العقود، مبناه حسن النية وصدق الأقرارات التي يدلي بها المؤمن له، بحيث إن أخل بذلك، وكذب في إقراره، فإنه يكون قد اقترف غشاً بإخفاء الحقيقة عن المؤمن الذي يكن قد وقع في غلط جوهري لو كان قد علمه ما تعاقد، وهو ما يفسد رضاءه ويشوب عقد التأمين بالبطلان، ويحول دون المؤمن له الرجوع على المؤمن بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر.

ويجب أن يرد الكذب على بيان جوهری، ويتوافر ذلك عندما يكون له تأثير على إبرام العقد، بحيث لو علم المؤمن الحقيقة التي ورد الكذب عليها لإمتنع عن التعاقد أما إن لم تكن كذلك، كان الكذب غير مؤثر فلا ينال من صحة العقد، وتلك مسألة واقع يتصدى لها قاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض طالما كان استخلاصه سائغاً.

ويفسد الرضا كذلك، بالتواطؤ بين المؤمن له والغير لإظهار البيان على نحو يرضاه المؤمن، كالمعاينة التي يقوم بها خبير أو التقرير الذي يضعه طبيب، ولو كان أي منهما تابعة للمؤمن أو ممثلاً له، لأن آثار العمل الصادر من النائب لا تنصرف إلى الأصيل أذا توافر الغش والتواطؤ، على أن يتحمل المؤمن عبء إثبات ذلك، بكافة الطرق المقررة قانوناً بما فيها البيئة والقرائن لورود الإثبات على واقعة مادية.

عقد التأمين، من عقود المدة، فيعتبر الزمن عنصراً فيه، ولكونه يقوم على إحتمال وقوع الضرر في أي وقت منذ إبرامه، فإن المؤمن له يكون له الحق في مبلغ التأمين إذا ما تحقق الخطر المؤمن منه في أي وقت منذ إبرام العقد وحتى إنحلاله بأي طريق من طرق الإنحلال، يدل ذلك على توافر المنفعة من الحقد خلال مدة سريانه، وبالتالي يكون المقابل أو القط الذي يقوم المؤمن له بالوفاء به تنفيذاً لإلتزامه، مقابل التزام المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين للمؤمن له إذا ما وقع الخطر المؤمن منه، فيتحقق الانتفاع بالتأمين منذ إبرامه وحتى إنحلاله، وبالتالي إذا إنحل العقد سواء بالفسخ أو التفاسخ أو الإنفساخ، فإن هذا الإنحلال لا يكون له أثر رجعي، إذ يستحيل إعادة الطرفين إلى ما كانا عليه قبل التعاقد، ولذلك فإن إنحلال التأمين يكون من وقت صدور الحكم بالفسخ أو الإتفاق على التفاسخ ومن هذا الوقت تنقضى التزامات طرفيه وإذا توفي المؤمن له وقام ورثته بسداد الأقساط، امتد التأمين خلال المدة التي دفع أقساطها بالشروط الواردة بالوثيقة.

تتوافر مسئولية المؤمن عند تحقق الخطر المؤمن منه بعد أن كان إحتمالياً ويترتب على ذلك التزام المؤمن بالوفاء بمحل التزامه المتمثل في مبلغ التأمين ويكون الوفاء للمؤمن له إذا كان التأمين لصالحه، كما في التأمين من الحريق أو السرقة أو التلف أو العجر، طالما كان الضرر ناشئاً عن خطأ المؤمن له غير المتعمد أو ناجمة عن حادث مفاجيء أو قوة قاهرة، فإن كان الضرر ناشئة عن عمد من المؤمن له أو غش منه، فلا يكون المؤمن مسئولاً عن ذلك ولو أنفق على غيره.

ويعتبر الخطأ الجسيم من جانب المؤمن له غشاً يسقط حقه في الرجوع على المؤمن، کالاهمال الجسيم في اتخاذ الحيطة اللازمة للحيلولة دون وقوع الضرورة فقيادة سيارة غير صالحة للإستعمال أو زيادة حمولتها عن المقرر يتوافر به الخطأ الجسيم متى كان الإهمال صارخاً وملحوظاً وكان يوجب على المؤمن له تدارکه أما الإهمال اليسير فلا تنتفي به مسئولية المؤمن حتى لو أتفق على غير ذلك ويتحمل المؤمن عبء إثبات إخلال المؤمن له بإلتزامه بالحرص على تفادي وقرع الخطر، وله ذلك بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً بما في ذلك البينة والقرائن التعلق الإثبات بواقعة مادية.

فإن تعلق التأمين بمسئولية المؤمن له التقصيرية، فإن مسئولية المؤمن لا تتحقق إلا إذا توافرت أركان المسئولية التقصيرية في جانب المؤمن له لإرتباط مسئولية المؤمن بهذه المسئولية وبالتالي تدور معها وجوداً وعدماً، يستوى في ذلك مسئولية المؤمن له المدنية أو الجنائية، فقد تتحقق مسئوليته الجنائية بعد القضاء نهائياً بانتفاء مسئوليته المدنية، وحينئذ يمتنع على المضرور الرجوع بالتعويض على المؤمن، مثال ذلك أن يرفع الضرور دعوى التعويض على المؤمن له قبل تحريك الدعوى الجنائية عن الفعل المشترك بينهما، ويصدر فيها حكم برفض الدعوى و يجوز قوة الأمر المقضي لصدوره في حدود النصاب الانتهائي أو لفوات مواعيد الطعن فيه، أو يصدر مثل هذا الحكم رغم تحريك الدعوى الجنائية دون طلب وقف دعوى التعويض تعليقاً على صدور حکم بات في الدعوى الجنائية، والمقرر أن حجية الأحكام تسمو على إعتبارات النظام العام، وقد ترفع الدعوى الجنائية ويدعى المضرور فيها مدنية بمبلغ يدخل في حدود النصاب الانتهائي للقاضي الجزئي ويصدر الحكم بالبراءة ورفض الدعوى المدنية انتفاء خطأ المؤمن له، فيجوز الحكم الصادر في الدعوى المدنية قوة الأمر المقضي لصدوره في حدود النصاب الانتهائي للقاضي الجزئي، ثم تستأنف النيابة الشق الجنائي، ويقضي استئنافية بالإدانة بعد إلغاء هذا الشق، وبالتالي تنتفي مسئولية المؤمن له المدنية مما يحول دون الرجوع عليه أو على المؤمن بالتعويض السابقة الفصل في هذا الطلب في الإدعاء المدني يستوي أن يكون الرجوع بذات المبلغ الذي تضمنه الإدعاء المدني أو بتعويض کامل، لأن الطلب يكون واحدة في الدعويين وإن إختلف مقداره فيهما، مما يوجب القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بحكم نهائی، وهو دفع تتصدى له المحكمة ولو من تلقاء نفسها.

ولما كان للمضرور الحق في اختصام المؤمن في الدعوى الجنائية والإدعاء مدنياً قبله ولو لم يدع مدنياً قبل المؤمن له، فإن هذا الحق يقابله حق المؤمن في التدخل منضماً للمؤمن له في الدعوى الجنائية لإثبات مسئولية الأخير الجنائية وللمؤمن ذات الحق إذا ادعى المضرور مدنياً أمام المحكمة الجنائية، وتكون للمؤمن الصفة والمصلحة في الحالتين والمراقبة الإجراءات و إبداء الدفوع وأوجه الدفاع التي كان للمؤمن له تقديمها والحيلولة دون تواطؤ الأخير مع المضرور لإستصدار حكم نهائي يلزم المؤمن .

تنص المادة 1049 من القانون المدني على أنه إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان، إنتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك كالتعويض أو مبلغ التأمين، كما تنص الفقرة الثانية من المادة 1102 من ذات القانون على أن تسري على الرهن الحيازي أحكام المادة 1049 المتعلقة بهلاك الشيء المرهون رهناً رسمياً أو تلفه وبإنتقال حق الدائن من الشيء المرهون إلى ما حل محله من حقوق ما مؤداه أن الشيء المرهون رهناً رسمياً أو حيازياً، إذا هلك وكان مؤمناً عليه، فإن حق الدائن المرتهن ينتقل من الشيء إلى مبلغ التأمين المستحق، ويصبح هو وحده صاحب الصفة في المطالبة به ولا تبرأ ذمة المؤمن إلا بالوفاء به للدائن المرتهن، بعد أن حل مبلغ التأمين محل الشيء المرهون في ضمان حقه وبذات المرتبة التي كانت للرهن .

إذا تحققت مسئولية المؤمن له، وكان القانون يجيز للمضرور الرجوع على المؤمن بالدعوى المباشرة، كما في حوادث السيارات والمركبات الخاضعة لقانون التأمين الإجباري، التزم المؤمن بدفع التعويض القضی به ضده للمضرور، فإن كان الخطر المؤمن منه قد تحقق بخطأ من المؤمن له، کتسليمه السيارة أداة الحادث لشخص غير مرخص له بقيادتها، فإن المؤمن يلتزم بالوفاء بالتعويض للمضرور ثم يرجع بما وفاه على المؤمن له، سواء بدعوى مبتدأة أو بدعوى فرعية بطلب عارض في دعوى التعويض المرفوعة عليه من المضرور، بإلزام المؤمن له بأن يؤدى له ما عسى أن يدفعه للمضرور .

متى تحقق الخطر المؤمن منه، وكان ذلك بخطأ من الغير، التزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين للمضرور تنفيذاً لعقد التأمين، ولا يعتبر ذلك الوقاء ضرر لحق بالمؤمن، لأن هذا الوفاء كان مقرراً بالعقد عند وقوع الخطر، وبالتالي يكون المؤمن قد قام بتنفيذ إلتزامه مما ينتفى معه القول بتحقق الضرر بالنسبة له.

فإذا تضمن عقد التأمين حوالة حق المؤمن له قبل المسئول لصالح المؤمن، أو وجدت حوالة حق مستقلة عن العقد، فإن المؤمن يرجع بالتعويض على المسئول بموجب هذه الحوالة وتكون له وحده الصفة في ذلك دون المؤمن له، ولا ينصرف ذلك إلى التأمين على الحياة عملاً بالمادة 765 من القانون المدني .

فإن لم توجد هذه الحوالة، جاز للمؤمن له أن يجمع بين التعويض ومبلغ التأمين، ولا يكون للمؤمن الحق في مشاركة المؤمن له فيه أو الإمتناع عن الوفاء بالتزامه .

مفاد ذلك، أن المؤمن يرجع على المسئول بموجب حوالة الحق وليس بموجب قواعد الحلول، إذ يتطلب الحلول، أن يقوم شخص بالوفاء بدين على غيره وليس عليه شخصياً، ولا يلزم للرجوع قيام المؤمن بالوفاء للمؤمن له.

وتنص المادة 771 من القانون المدني على رجوع المؤمن على المتسبب في الحريق، و حظرت المادة 765 منه على المؤمن الحلول محل المؤمن له في التأمين على الحياة ولم يرد نص بالنسبة لباقي أنواع التأمين، كالتأمين على الأشياء أو من حوادث السيارات، ومن ثم يجوز الإتفاق بصددها على حلول المؤمن محل المؤمن له في الدعاوى الناشئة عنها قبل المسئول عن إحداث الضرر، ويتضمن هذا الإتفاق حوالة المؤمن له حقوقه قبل المسئول إلى المؤمن عقد التأمين، من عقود المدة، إذ يعتبر الزمن عنصراً فيها، وتبدأ مدة العقد من وقت نفاذه وليس من وقت انعقاده متی ثم الإتفاق على سريانه في أجل معين، أو كان نفاذه معلقة على شرط واقف تحقق، كالإتفاق على نفاذه بعد الوفاء بالقسط الأول، وحينئذ ينفذ التأمين إعتباراً من اليوم المحدد للوفاء بالقسط إذا تم هذا الوفاء في ذلك اليوم، فإن لم يتم الوفاء فيه، فإنه ينفذ اعتباراً من يوم الوفاء من قبل المؤمن هذا الوفاء، حتى لو كان العقد معلقاً على شرط فاسخ صریح، إذ يكون المؤمن قد تنازل ضمناً عن التمسك بهذا الشرط، فإن كان الخطر قد حقق خلال - المدة من إبرام العقد الى ما قبل قبول المؤمن للقسط فإن التأمين لا يغطي الضرر الذي ترتب على هذا الخطر لخروجه عن نطاق التأمين، ذلك أن العقد المعلق على شرط واقف لا ينفذ إلا إذا تحقق الشرط ولا عبرة بالأجل المحدد لهذا الشرط، إذ يترتب على انقضائه دون الوفاء، توافر إخلال المتعاقد بالتزامه مما يجوز معه للمؤمن طلب الفسخ أو إعمال الشرط الفاسخ الصريح اذا تضمنه العقد، أما اذا تحقق الخطر بعد قبول المؤمن للقسط، التزم الأخير بالوفاء للمؤمن له بمبلغ التأمين، إذ يترتب على هذا القبول نفاذ العقد ولو كان متأخرة عن الأجل المحدد لذلك.

وتنتهي مدة العقد بانقضاء اليوم الأخير منها، فتخرج الأخطار التي تتحقق بعد هذا اليوم عن نطاق التأمين ما لم يكن قد تم الإتفاق على امتداد العقد إلى مدة أخرى بموجب ملحق له.

ولما كان عقد التأمين المتعلق بالأخطار الناجمة عن حوادث السيارات بيرم عن المدة التي يسري فيها ترخيص تسيير السيارة وفقاً لما يقرره القانون رقم 652 لسنة 1955، وكان قانون المرور ولائحته التنفيذية يقرران مهلة لتجديد الترخيص مدتها ثلاثين يوماً بعد إنتهاء مدة الترخيص، فإن هذه المهلة تمتد إلى عقد التأمين وبالتالي فإنه ينفذ منذ إبرامه وحتى إنقضاء تلك المهلة، ويغطى تبعاً لذلك الحوادث التي تقع من السيارة منذ إبرامه حتى اليوم الأخير من تلك المهلة، وذلك على نحو ما أوضحناه بمدة وثيقة التأمين من حوادث السيارات فيما يلي .

ولا يترتب على تخفق الخطر إنقضاء عقد التأمين، وإنما يستمر نافذة حتى نهاية مدته الأصلية أو التي إمتد إليها وفقاً لوثيقة التأمين، بحيث إذا تكرر الخطر المؤمن منه خلال مدة نفاذ العقد، التزم المؤمن بتغطيته، ويقع باطلاً كل شرط يخالف ذلك بإعتبار أن عقد التأمين من عقود الغرر التي قد لا تناسب الحقوق فيها وتقوم على الإحتمال وقد توافر رضاء الطرفين .

تنص المادة 58 من قانون المرافعات على أنه في المنازعات المتعلقة بطلب قيمة التأمين، يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المستفيد أو مكان المؤمن عليه وينحصر نص المادة 58 سالف البيان في الدعاوى التي يرفعها المستفيد من عقد التأمين بطلب مبلغ التأمين عند استحقاقه سواء لتحقق الخطر المؤمن منه أو حلول الأجل المتفق عليه دون تحقق الخطر .

فإن ورد عقد التأمين على حياة شخص أو سلامته، وتحقق الخطر المؤمن منه، ونازعت شركة التأمين في استحقاق مبلغ التأمين لأي سبب من الأسباب كان للمستفيد رفع دعواه بطلب قيمة التأمين أمام المحكمة التي يقع موطنه في دائرتها وفقاً لنص المادة 58 من قانون المرافعات التي حددت الإختصاص المحلي بالنسبة لهذه الدعوى حتى لو كان عقد التأمين قد تضمن اتفاقاً على إختصاص محكمة أخرى إذ يطل هذا الإتفاق ولا يعتد به عملاً بالفقرة الثانية من المادة 62 من ذات القانون لأن الإختصاص الذي تضمنته المادة 58 جاء على خلاف الإختصاص الذي تضمنته المادة 49، وذلك تيسيراً على المستفيد ومن ثم جاز له التنازل عن هذا التيسير المقرر لمصلحته ورفع دعواه أمام المحكمة التي يقع بدائرتها مرکز إدارة شركة التأمين أو أحد فروعها متى كان هذا الفرع هو الذي أبرم عقد التأمين عملاً بالمادتين 49 و52 من قانون المرافعات.

أما أن ورد عقد التأمين على عقار أو منقول، انعقد الإختصاص للمحكمة التي يقع هذا المال بدائرتها فإن كان المال يقع بدائرة محكمتين، كما لو كان محل عقد التأمين مصنعاً أو مستودعاً، انعقد الإختصاص المحلى لأي من المحكمتين، ويسرى ما سبق أن قررناه فيما تقدم بالنسبة لاختصاص محكمة موطن شركة التأمين وبطلان الإتفاق على اختصاص محكمة أخرى.

وإذا دفعت شركة التأمين قيمة التأمين للمستفيد، ثم رجعت به على المتسبب أو على المستأمن لأخلاله بشروط عقد التأمين، فإن الاختصاص المحلي في هذه الحالات يخضع للقواعد العامة، وأيضاً اذا تعلقت الدعوى بفسخ أو بطلان عقد التأمين أو بطلان أحد شروطه، تعين اتباع القواعد العامة عند رفعها.

وفي التأمين ضد المسئولية عن حوادث السيارات، قد يقع الحادث المتمثل في - الخطر المؤمن منه، في دائرة لا يوجد للمضرور - المستفيد - موطن بها، فإذا لم يختصم شركة التأمين في الدعوى الجنائية، كان له رفع دعواه ضدها أمام المحكمة التي يقع موطنه بدائرتها عملاً بالمادة 58، أما إذا أدخل شركة التأمين لمطالبتها بقيمة التعويض عملاً بالفقرة الثانية من المادة 253 من قانون الإجراءات الجنائية فإن الدعوى المدنية بطلب قيمة التأمين تكون تابعة للدعوى الجنائية وتختص بنظرها المحكمة الجنائية، أما إذا رأت هذه المحكمة أن الفصل في الدعوى المدنية سوف يؤدي إلى تأخير الفصل في الدعوى الجنائية، كان لها عند الفصل في الدعوى الأخيرة إحالة الدعوى المدنية الى المحكمة المدنية التي يقع بدائرتها موطن المضرور بحيث أن إحالتها إلى محكمة أخرى كان للمضرور أن يدفع أمامها بعدم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى لاختلاف قواعد الاختصاص المحلي في المسائل الجنائية عنها في المسائل المدنية ولا يعمل في هذه الحالة بالمادة 110 من قانون المرافعات.

الاختصاص المحلي في حالة تعدد شركات التأمين :

إذا كان نفس الخطر مؤمناً عليه لدى أكثر من شركة التأمين، سرت قواعد الإختصاص المحلي التي أوردتها المادة 58 من قانون المرافعات على نحو ما تقدم، فينعقد الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المستفيد أو مكان المؤمن عليه ولو لم تكن هي محكمة شركات التأمين المدعى عليها.

وبذلك تختلف هذه القواعد عن القواعد العامة المقررة في شأن الاختصاص المحلي في حالة تعدد المدعى عليهم والتي تقرر أنه إذا تعدد المدعى عليهم كان الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم، وقد يتحد موضوع الدعوى وسببها بالنسبة لجميع المدعى عليهم، كالدعوى التي يرفعها المشتري على البائعين بدفع مبلغ على سبيل التعويض لا خلالهم بالتزاماتهم بالضمان، فقد احد الموضوع بالنسبة للجميع وهو طلب التعويض كما اتحد السبب وهو الإخلال بإلتزام بالضمان، وفي هذه الحالة ينعقد الإختصاص المحلى للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم وقد يتحد موضوع الدعوى وتختلف الأسباب، كالدعوى التي يرفعها المضرور على شركة التأمين وعلى المتسبب في الحادث بمطالبتهما بمبلغ على سبيل التعويض، وحينئذ نكون بصدد موضوع واحد حر التعويض المطالب به ويكون كل من المدعى عليهما مسئولاً عنه بالكامل وفقاً لأحكام التضام، بينما اختلف سبب الدعوى بالنسبة لكل منهما، إذ هو عقد التأمين بالنسبة لشركة التأمين، وبالنسبة للمتسبب في الحادث هو الفعل الضار ويقسم التعويض بينهما على نحو ما أوضحناه بصدد التعويض في المسئولية التقصيرية فيما تقدم، وطالما وجدت الرابطة بين المدعى عليهما في الموضوع فإن الإختصاص المحلى ينعقد للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهما، وذلك عملاً بنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المرافعات.

أما إذا أختلف الموضوع والسبب كانت مسئولية كل مدعى عليه منفصلة عن مسئولية الآخر رغم تحقق مسئولية الجميع في مناسبة واحدة ولو جمعتهم دعوى جنائية واحدة، مثال ذلك أن يعتدي شخصان على آخر فيحدث كل منهما إصابة به متميزة عن الإصابة التي أحدثها الآخر أو أحدهما إصابة بالمجني عليه بينما يكون الآخر قد أتلف سيارته، كل بنشاط مستقل، فيرجع المجنى عليه بالادعاء المدني على كل منهما بتعويض مستقل، ويكون كل تعویض بمثابة دعوى مستقلة منبتة الصلة بالدعوى الاخرى وحينئذ يسأل المتهم عن دينين وليس عن دین واحد ولذلك ينتفى التضامن، فإذا ادعى المجنى عليه مدنياً أمام المحكمة الجنائية التي انعقد الإختصاص لها بنظر الجريمة، فإنها تكون مختصة محلية بالدعوى المدنية بالتبعية للدعوى الجنائية ولو لم يوجد بدائرتها موطن لأي من المسئولين عن الحقوق المدنية أياً ما كانت صفة هذا المسئول، متهماً أو مؤمناً أو كفيلاً .

أما إذا رأت المحكمة الجنائية عدم التصدي للدعوى المدنية، تعين عليها احالتها الى المحكمة المدنية المختصة نوعياً ومحلياً بنظرها ولو كانت تقع في محافظة أخرى لوجود موطن المدعى عليه بدائرتها، كذلك الحال اذا قضت بتعويض مؤقت إذ يجب على المضرور رفع الدعوى المدنية بالتعويض النهائي أمام المحكمة المدنية المختصة نوعية ومحلية بنظرها، وقد يرفع دعواه أمام أكثر من محكمة إذا اختلفت مواطن المسئولين في الفرض المتقدم، أما إذا كان المتهمون متضامنين بأن توافر الإشتراك في حقهم، تعین رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة التي يقع بدائرتها موطن أحدهما.

ويبين مما تقدم أنه يجب لانعقاد الاختصاص المحلي للمحكمة التي يقع بدائرتها موطن أحد المدعى عليهم، أن يكون المدعى عليه الذي رفعت الدعوى أمام محكمة موطنه خصماً حقيقياً مسئولاً عن الالتزام بصفة أصلية أي يكون مديناً أصلياً أو مديناً منضماً للمدين الأصلي في تنفيذ الإلتزام بأن يتعهد بتنفيذه الى جانب المدين الأصلي، أما اذا تعهد بتنفيذه في حالة عدم قيام المدين بتنفيذه، فإنه لا يكون مديناً أصلياً انما كفيلاً في تنفيذ ذات الإلتزام ومن ثم لا نكون بصدد مدعى عليهم متعددين في معنى المادة 49 من قانون المرافعات وبالتالي ينعقد الإختصاص المحلي في هذه الحالة للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن الدين الأصلي وحده، ومثل الكفيل الخصم غير الحقيقي وهو خصم المواجهة الذي لا تقدم ضده طلبات ويقف من الخصومة موقفاً سلبياً وإذا رفعت الدعوى أمام محكمة لا يوجد بدائرتها موطن لأي من المدعى عليهم، كانت غير مختصة محلياً بنظرها حتى لو كانت قد رفعت استناداً الى اتفاق أبرمه أحد المدعى عليهم مع المدعى لمخالفة ذلك لنص المادة 49 سالفة البيان، ويسري ذات الحكم إذا قبل البعض هذا الإختصاص بينما دفع البعض الآخر بعدم الإختصاص ولو صدر الدفع من واحد فقط.

ويتصرف الموطن الذي عنته المادة 49 إلى الموطن الأصلي وإلى موطن الأعمال ومن ثم يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع بدائرتها موطن أعمال أحد المدعى عليهم متی تعلق النزاع بهذه الأعمال.

إخطار المؤمن بتحقق الخطر :

يجب على المؤمن له إخطار المؤمن يتحقق الخطر المؤمن منه في الميعاد المناسب ما لم يتضمن العقد میعاداً محدداً ومن ثم يتعين أن يتم الإخطار فيه، ولا يترتب على الإخلال به سقوط حق المؤمن له في مبلغ التأمين إلا إذا ترتب على ذلك ضرر بالمؤمن، إذ تتحقق في هذه الحالة أركان المسئولية، ويسقط الحق في مبلغ التأمين بالقدر الذي يتناسب مع الضرر الذي لحق بالمؤمن، أما إذا إنتفی الضرر فلا تتوافر أركان مسئولية المؤمن له، وبالتالي يستحق مبلغ التأمين كاملاً، ويتحمل المؤمن عبء إثبات الضرر باعتبار أن التأخير في الأخطار يمثل ركن الخطأ للإخلال بالتزام عقدي وراجع المادة 750 من القانون المدني.

فإن لم يتضمن عقد التأمين الوسيلة التي يتم الإخطار بموجبها، جاز أن يتم بأية وسيلة، إذ ليس للإخطار شكل خاص، وبالتالي يجوز أن يتخذ شكل إنذار رسمى على يد محضر أو خطاب مسجل أو غير مسجل أو برقياً أو تليفونياً أو شفاهياً، على أن يتحمل المؤمن له عبء إثباته.

ومتى تم الأخطار، وجب على المؤمن له إتخاذ كل ما يلزم لبقاء حالة محل التأمين، سواء كان منقول أو عقار على الحالة التي أصبح عليها فور خقق الخطر حتى إجراء المعاينة بحضور من ينوب عن المؤمن، على ألا يتراخى الأخير.

يترتب على تحقق مسئولية المؤمن له إلتزام المؤمن بتغطيتها وذلك بالوفاء بالتعويض للمضرور رضاء أو قضاء وليس في الوفاء الرضائی بالتعويض تصالحاً على الجريمة، وإنما تصالحاً على حق مدني وهو جائز ولو لم يكن قد تم الفصل في جريمة القتل أو الإصابة الخطأ، إذ يجوز للمضرور التنازل عن طلب التعويض أو عدم طلبه وبالتالي يجوز له التصالح عليه : وقد يصدر حكم نهائي أو غير نهائی بالتعويض، ويقوم المؤمن بالوفاء به، فإن رجع على المسئول، جاز للأخير أن يتمسك بالدفوع وأوجه الدفاع التي يجوز له التمسك بها في مواجهة المضرور في حالة الوفاة بعد صدور حكم غير نهائي .

الخلف هو من يحل محل السلف، فإن كانت الخلافة عامة كالوارث، فإنه يحل محل سلفه في كافة حقوقه، العقارية والمنقولة، وتنتقل إليه التزاماته في حدود ما آل إليه من أموال سلفة، فإن كان السلف مؤمناً على مال من أمواله، التزم بالوفاء بالأقساط في مواعيدها، وإذا استحق مبلغ التأمين كان للخلف مطالبة المؤمن به.

فإن كانت الخلافة خاصة، كالمشترى، فإنه يتملك المبيع وملحقاته ومنها عقد التأمين المبرم في شأن المبيع، ولا يتحقق هذا الأثر إلا بإنتقال الملكية الى المشتري، فإن كان المبيع عقاراً، فإن ملكيته لا تنتقل إلا بتسجيل عقد البيع، وبالتالي فإن ملحقات المبيع بدورها لا تنتقل إلى المشتري الإ بهذا التسجيل، إذ أن من آثار البيع نقل ملكية المبيع الى المشترى بما يكملها وبما يحددها.

فإذا تهدم العقار بعد بيعه وقبل تسجيل عقد البيع، فإن البائع هو الذي يستحق مبلغ التأمين بإعتبار أن الملكية لم تنتقل بعد الى المشتري، مما يتعين معه على المؤمن أن يوفي بمبلغ التأمين للبائع دون المشترى، ولكن يجوز للمشتري أن يرجع على البائع بالدعوى الشخصية إذ طالما قام بالبيع فإنه يلتزم بتسليم البيع للمشتري والتخلي له عن حيازته وتمكينه من الانتفاع به ومن ملحقاته رغم علم التسجيل، فإن أخل بهذا الإلتزام، محقق موجب الضمان، مما يجوز معه للمشتري أن يطلب الزام البائع بعدم التعرض له في الانتفاع بملحقات المبيع وذلك بقبض مبلغ التأمين والحلول فيه محل البائع، وحينئذ يتعين على المشتري اختصام المؤمن مع المشترى، أن كان مبلغ التأمين لم يدفع بعد كما يجوز للمشترى في هذه الحالة الرجوع على المؤمن بالدعوى غير المباشرة لإلزامه بالوفاء بمبلغ التأمين.

فإن كان المبيع منقولاً معيناً بذاته، فإن ملكيته تنتقل الى المشتري فور إبرام العقد ولو قبل التسليم، ويتبع ذلك عقد التأمين المبرم في شأنه، فينتقل الى المشتري بإعتباره من ملحقات المبيع فور إبرام عقد البيع.

ويعتبر المنقول معيناً بذاته إذا كان مفرزة غير شائع مع منقولات مثله ولو اختلط بها، فالسيارة إذا تضمن عقد البيع بياناتها التي تميزها عن غيرها، تعتبر مفرزة حتى لو وجد معها سيارات أخرى، والبضاعة المشحونة، تعتبر مفرزة ولو اختلفت طبيعتها .

وتنتقل الملحقات الى الخلف الخاص بقوة القانون دون حاجة إلى إنفاق أو نص في العقد، وبالتالي فإن المشترى لمنقول معين بذاته، يصبح هو المستحق لمبلغ التأمين ولو لم يتضمن عقد البيع ذلك، دون حاجة لتوافر علمه بالتأمين لأنه يملك الأصل وملحقاته.

وإذا تحقق الخطر قبل البيع، استحق المالك مبلغ التأمين، فلا يكون لمن يشتري الأنقاض حق فيه، لأنه يتملك الأنقاض وهي ليست محلاً للتأمين . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة : 370)

 

هذا التعريف عام يصلح لجميع أنواع التأمين سواء التأمين على الأشخاص أو التأمين من الأضرار وهو أيضاً يبرز العناصر القانونية لعقد التأمين أطراف العقد(المؤمن والمؤمن له)، محل العقد (فكرة الخطر المؤمن منه)، والتزامات الطرفين التزام المؤمن له بدفع الأقساط والتزام المؤمن بتغطية الخطر المؤمن منه.

المؤمن هو الذي يأخذ على عاتقه تحمل الخطر، وهو في غالب الأحوال شركة، وقد تكون شركة تأمين تعاوني أي بالاكتتاب - كما سنرى - أو شركة تأمين بجعل أو قسط ثابت.

المؤمن له هو طالب التأمين، وهو الذي يتعهد بتنفيذ الإلتزامات المقابلة لإلتزامات المؤمن، ويطلق عليه بعض الشراح هذه التسمية، ويطلق عليه البعض الآخر لفظ المستأمن.

المستفيد هو الشخص أو الأشخاص الذين يؤدي إليهم المؤمن ما التزم به في حالة وقوع الحادث المبين في عقد التأمين.

لا يتعاقد المؤمن بنفسه مع المؤمن لهم في الكثرة الغالبة من الأحوال، خاصة إذا كان شركة تأمين مستقلة، وإنما يتم ذلك عن طريق وسطاء تكون مهمتهم إقناع الأفراد بالتأمين وفوائده.

هذا الوسيط يمكن - حسب الظروف- أن يكون (أ) - الوكيل المفوض هو أوسع الوسطاء سلطة، ذلك أنه يفوض من جانب المؤمن في أن يتعاقد نيابة عنه مع المؤمن لهم ويتم التعاقد مباشرة بينه وبين طالب التأمين وتتجاوز سلطة الوكيل المفوض مجرد إبرام العقد، ذلك أن من كان له سلطة إبرام العقد، جاز له أيضاً أن يمد أجل هذا العقد وأن يعدله أو يرجع عنه أو فسخه .

المندوب ذو التوكيل العام :

الوكيل المفوض - من حيث السلطة المفوضة - المندوب ذو التوكيل العام .

وهو وإن كان له - كالوكيل المفوض - أن يتعاقد مباشرة مع المؤمن له، إلا أنه يشترط - على العكس من الوكيل المفوض - أن يتقيد بالشروط المألوفة في التأمين.

وليس له أن يخرج عنها حتى ولو لمصلحة المؤمن .

السمسار غير المفوض :

السمسار غير المفوض إلى الوسيطين في السلطة :

وهو يكون على صورتين :

الصورة الأولى

تكون فيها سلطة السمسار غير واضحة الحدود وفي هذه الحالة لا تكون للوسيط سلطة في إبرام عقد التأمين مع المؤمن له، والذي يبرم العقد مع المؤمن له هو المؤمن، فيوقع وثيقة التأمين ويسلمها للوسيط الذي يسلمها بدوره للمؤمن له.

والصورة الثانية :

تكون فيها سلطة الوسيط واضحة الحدود ومقصورة على مجرد التوسط في البحث عن مؤمن له وفي هذه الصورة تنحصر مهمة الوسيط في البحث عن مؤمن له، فإذا وجده اتخذ الإجراءات اللازمة لجعل شركة التأمين تبرم العقد معه فتوقع شركة التأمين المؤمن وثيقة التأمين وتسلمها للوسيط الذي يسلمها بدوره للمؤمن له وتنتهي مهمته عند هذا الحد.

أهم وظيفة يقوم بها التأمين للمؤمن له هي أنه يكفل الأمان للمؤمن له. وقد أصبحت الحياة المعاصرة مليئة بالأخطار من جراء تقدم الحضارة وما صاحب ذلك من انتشار الآلات الميكانيكية والسيارات ووسائل النقل البرية والبحرية والجوية والمصانع والعمارات الضخمة، وغير ذلك من أسباب الحضارة، مما جعل الناس يعمدون إلى التأمين ليقيهم شر الأخطار التي يتعرضون لها من جراء ذلك.

يعتبر التأمين وسيلة من وسائل الإئتمان للمؤمن له، ففي التأمين على الحياة مثلاً يستطيع المؤمن له أن يرهن وثيقة التأمين لدى الغير وأن يعجل له المؤمن مبلغاً على صابها ويستطيع المدين الذي قدم رهناً على عقاره أن يوثق هذا الرهن ويقويه ياسمين على العقار من الحريق، وكثيراً ما يشترط الدائن المرتهن ذلك على المدين فإذا احترق العقار انتقل حق الدائن المرتهن إلى مبلغ التأمين .

التأمين بالنسبة للمؤمن له وسيلة فعالة من وسائل تكوين رؤوس الأموال فالتأمين على الحياة في أكثر صوره، ليس إلا وسيلة من وسائل الإدخار، فيستطيع المؤمن له عن طريقه أن يدخر القليل شيئاً فشيئاً بأقساط التأمين التي يدفعها، فإذا به عند نهاية التأمين يملك رأس مال يعتد به، لم يكن يستطيع المؤمن له أن يدخره بغير التأمين.

للتأمين وظيفة يؤديها للإقتصاد القومي، ذلك أن التأمين يدعم الإقتصاد القومي، ولتوضيح ذلك نجد أن شركات التأمين تجمع عادة من أقساط التأمين رؤوس أموال ضخمة ينتفع بها الإقتصاد القومي انتفاعاً كثيراً، فكثيراً ما تستثمر رؤوس الأموال التي تجمعها شركات التأمين في المشروعات العامة وفي سندات القروض التي تطرحها الدولة في الأسواق .

تتمثل عملية التأمين - من الناحية الفنية - في تجميع أكبر عدد من راغبى التأمين ضد خطر معين، ويدفعون أقساطاً لتغطية من قد يتعرض منهم لهذا الخطر، ويدير المؤمن التعاون بين المستأمنين عن طريق إجراء المقاصة بين المخاطر.

(أ) التعاون بين المستأمنين :

لا ينبغي النظر إلى عملية التأمين من خلال العلاقة الفردية بين المؤمن والمستأمن بل يتجاوز الأمر ذلك إلى رابطة فعلية ينظمها ويديرها المؤمن بين أكبر عدد من المؤمن لهم الراغبين في تغطية أنفسهم من خطر معين فيقوم المؤمن بتجميع الأقساط واستخدامها في تعويض أضرار الخطر الذي يتعرض له البعض منهم. أي أننا نكون بصدد تعاون بين المؤمن لهم على توزيع آثار الكوارث عليهم جميعاً .

يقوم المؤمن بتوزيع عبء المخاطر التي تقع لبعض المستأمنين على كل المؤمن عليهم المعرضين لنفس الخطر وهذا ما يطلق عليه عملية تنظيم المقاصة بين المخاطر ولابد لإتمام العملية من عنصرين أساسيين :

(1) - تجانس المخاطرة :

لابد من تجانس وتماثل المخاطر المحروسة التي يتم إجراء المقاصة بينها ولا يشترط التجانس التام أو التماثل المطلق بل يكفي مجرد التشابه.

(2) - كثرة المخاطرة :

يلزم توافر عدد كبير من الحالات المعرضة لنفس الخطر حتى يمكن الموازنة بين الأقساط المدفوعة والتعويض الواجب دفعه عند تحقق الخطر فالكثرة لازمة لإستنتاج معلومات دقيقة عن عدد الحوادث وقيمة الأضرار التي تسببها وتحديد إحتمال درجة تحققها، كل ذلك وفقاً لقانون الأعداد و عوامل الإحصاء.

الإستعانة بقوانين الإحصاء :

أن المقاصة بين المخاطر تعني قيام المؤمن بتقدير عدد الكوارث المحتمل وقوعها بالنسبة إلى مجموع الأخطار المؤمن منها لكي يتوصل بذلك إلى تحديد القسط الواجب دفعه مقابل التأمين ولا يقدر المؤمن الكوارث المحتمل وقوعها جزافاً وإنما يلجأ في ذلك إلى الإستعانة بقواعد علم الإحصاء ويجب على المؤمن، حتى يضمن نجاح المشروع، أن يحدد قيمة القسط بطريقة تغطى له على الأقل التعويضات المطلوبة عن الكوارث التي تتحقق.

ويتميز قطاع التأمين في هذه الصدد بخاصية ذاتية عن غيره من بقية القطاعات فالمنتج لأي سلعة يستطيع أن يحسب مقدماً تكلفة الإنتاج وسعر البيع والعائد قبل طرح السلعة في الأسواق أما في التأمين فإن سعر التكلفة الحقيقي والعائد لا يمكن معرفتهما مقدماً وعند ما تتم تسوية الكوارث التي يضمنها المؤمن فإنه يستطيع حينئذ فقط أن يحدد سعر التكلفة الحقيقي فبيع الأمان إذا جاز التعبير يسبق بالضرورة معرفة التكلفة الحقيقة للإنتاج .

ولحل هذه الصعوبة الملازمة لعمليات التأمين يلجأ المؤمن - عن طريق الاستعانة قوانين الإحصاء - إلى تقدير الإحتمالات على أساس قانون الكثرة .

والمقصود بتقدير الإحتمالات هو تقدير احتمال تحقق الخطر المؤمن منه فلو افترضنا مثلاً أن شركة تأمين لديها ألف شخص يشتركون في التأمين على الحياة لحال الوفاة، فإن شركة التأمين يجب عليها في هذه الحالة تقدير الحالات التي يحتمل أن تتحقق بالنسبة لهذا الخطر المؤمن منه (خطر الموت) فإذا كان خمسة أشخاص يموتون كل عام من بين هذا العدد (ألف) وكان مبلغ التأمين الذي يستحقه المؤمن له في حالة تحقق الخطر 10,000جنيه ، فإن القسط الواجب دفعه في هذه الحالة يجب ألا يقل عن خمسين جنيهاً حتى يستطيع المؤمن تغطية المخاطر المحتمل وقوعها.

ولئن كان من المستحيل أن يعرف مقدما عدد المؤمن لهم الذين يموتون بالفعل، لكل إحصاء عدد حالات الوفاة التي وقعت في الماضي وسبب الوفاة ومدى احتمال - ذلك في المستقبل يساعد المؤمن كثيراً على الحصول على تقديرات صحيحة وهذا هو ما يسمى بتقدير الإحتمالات.

ويلاحظ أن تقدير الاحتمالات يكون أقرب إلى الصحة كلما كان عدد المعرضين النصر كبيراً، وهذا هو قانون الكثرة. فقد أثبتت التجربة أن ملاحظة أكبر عدد من الحالات موضوع البحث من شأنها أن تعطي نتائج تقترب من الحقيقة فإذا استنتجنا بت تقدير الإحتمالات، أن حالة وفاة واحدة تقع في كل ألف تعرضوا لخطر الموت، فإن هذا التقدير قد يبتعد قليلاً عن الحقيقة إذا كان عدد المؤمن عليهم ألفاً فقط لكن كلما زاد عدد المؤمن عليهم كلما اقتربنا من الحقيقة كثيراً وضعفت بالتالي عوامل الحظ والمصادفة وتزداد الدقة كلما إزداد العدد .

التأمين البسيط والتأمين المركب :

يعد التأمين بسيطاً إذا كان يغطى خطراً واحداً (حريق أو سرقة أو غير ذلك) ويكون مركباً إذا اتسع مجال تغطيته ليشمل عدة أخطار في أمد واحد (حريق وسرقة أو مرض وزواج وإنجاب أو غير ذلك)، فيستند هذا التقسيم إلى عدد الأخطار المضمونة بعقد التأمين فهو بسيط إذا كان الخطر واحداً، ومركب إذا تعدد الخطر.

التأمين الجزئي والتأمين الكلي :

يستند هذا التقسيم إلى حجم الضرر المغطى من قبل المؤمن فهو جزئي إذا اقتصر التزام المؤمن بالضمان على جزء من الضرر المترتب على تحقق الخطر المضمون، وكلي إذا انصرف أثر التأمين إلى تغطية كل أضرار الخطر عند تحققه.

التأمين المحدد والتأمين غير المحدد :

يقوم هذا التقسيم على معيار مختلف وهو النظر إلى محل التأمين نفسه : فهو محدد إذا كان محله محدداً بدقة عند التعاقد (كأن يرد على سيارة معينة أو منزل محدد) وغير محدد إذا كان محله غیر معين عند التعاقد (كأن يرد التأمين على الأثاث الذي يوجد في منزل معين لحظة تحقق الخطر المؤمن منه).

التأمين الفردي والتأمين الجماعي :

يرتكز هذا التقسيم على معيار متميز وهو عدد المؤمن لهم : فهو فردی إذا تعلق بفرد معين، وجماعي إذا تعلق بمجموعة من الأفراد.

وأياً كان الأمر، فإنه يجمع هذه التقسيمات أمر واحد، وهو إنعدام تأثيرها على طبيعة التأمين وأحكامه .

تقسيمات التأمين من حيث الشكل :

التأمين التعاوني (أو التبادلي أو بالاكتتاب) :

يقصد بهذا التأمين العقود التي يبرمها مجموعة من الأشخاص يتخذون شكل جمعية تعاونية، يتفق أفرادها على تعويض الأضرار التي قد تنزل بأحدهم نتيجة تحقق خطر معين، وذلك من مجموع الإشتراكات التي يلتزم كل فرد من الجماعة بدفعها.

وتتميز هذا النوع من التأمين بسمات ثلاث :

1- اجتماع صفتي المؤمن والمؤمن له في كل عضو بالجمعية. فيعد كل عضو من أعضاء الجمعية معرضاً للخطر المؤمن منه (أي مؤمن له) و مؤمناً في آن واحد، لذا أطلق البعض على التأمين التعاوني التأمين التبادلي لأن كل منهم يؤمن الآخر من ذات الخطر على سبيل التبادل وهنا تكمن الخاصية المميزة لهذا النوع من التأمين، فهو لا يستهدف تحقيق الربح بل يسعى إلى إيجاد نوع من التعاون بين الأعضاء لتعويض من يتحقق له الخطر المرتقب.

ولا ينال من صحة ما تقدم تحقيق الجماعة لأرباح نتيجة مجاوزة الأقساط لحجم التعويضات لأن كل طرف له الحق في هذه الحالة، في أن يسترد نصيبه من الزيادة.

2- يترتب على الخاصية السابقة أن يكون الإشتراك الذي يدفعه كل عضو قابلاً تعبير فإذا زادت التعويضات المطلوبة عن الاشتراكات المجتمعة أمكن إما مطالبة الأعضاء بقسط تكميلي لتغطية التعويضات أو إنقاص التعويضات المستحقة بنسبة النقص من الإشتراكات .

3 - وجود مسئولية تضامنية بين الأعضاء، إذ يتضامن الأعضاء فی الوفاء بالتعويضات المستحقة بحيث يتحمل الموسر منهم نصيب المعسر وهذا ما يؤدي إلى عزوف الأفراد عن التأمين التعاوني.

ولهذا السبب لجأت بعض الهيئات إلى تحديد حد أقصى لا تتجاوزه مسئولية العضو، وبذلك اقترب التأمين التعاوني من التأمين بأقساط محددة.

التأمين بأقساط محددة (التأمين التجاري) :

هذا النوع من التأمين لا يقوم به إلا شركات المساهمة.

وفيه يكون شخص المؤمن متميزاً عن أشخاص المؤمن لهم، يسعى المؤمن إلى تحقيق الربح عن طريق إجراء المقاصة بين المخاطر، فيوزع تلك المخاطر على المؤمن لهم في صورة أقساط سنوية ثابتة يحددها باللجوء إلى الإحصائيات وحساب الاحتمالات وهذا القسط الذي يقع على عاتق المؤمن له لا يقبل في الأصل تغييراً بحسب ما تحقق من مخاطر وكما أن المؤمن هو الذي بتحمل تبعة ما يتحقق من مخاطر فإن الربح يعتبر كمبدأ من حق المؤمن ويلتزم المؤمن وحده، بدون تضامن مع المؤمن لهم، بدفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر.

ويميز التأمين بأقساط محددة بأربع صفات هي :

1 - إنفصال صفة المؤمن له عن صفة المؤمن، فليس المؤمن إلا وسيطاً بين المؤمن لهم وأصحاب رؤوس الأموال المستثمرة في قطاع التأمين.

2 - ثبات قسط التأمين، ويتحقق هذا الأمر للمؤمن عن طريق لجوئه إلى الإحصائيات والدراسات الفنية لمعرفة معدلات وقوع الكوارث ونسب حدوثها بما يكفل آلة تجنب أي دور للصدفة، ويلتزم المؤمن هنا بعدم تعديل هذا القسط إلا باتفاق جديد مع المؤمن لهم.

3- عدم التضامن بين المؤمن والمؤمن لهم، فيتحمل المؤمن بمفرده تبعة ما يتحقق من مخاطر، أياً كان حجمها من حصيلة الأقساط التي يتم تحصيلها من العملاء ويستأثر المؤمن بالربح المتحقق من انخفاض قيمة التعويضات عن مجموع الأقساط .

وقد أدت هذه الصفة الربحية للتأمين بأقساط محددة إلى إطلاق تسمية التأمين التجاري عليه .

4- التحديد الإتفاقي المسبق لقيمة التعويضات الواجبة الدفع عند تحقق الخطر وتتحدد هذه القيمة عند إبرام العقد بمبلغ معين كما هو الحال بالنسبة للتأمين من الأضرار.

تداخل التأمين التعاوني والتأمين بأقساط محددة :

جرى العمل على إزالة بعض الفروق الهامة بين قسمى التأمين التعاوني وللتأمين أقساط محددة. بحيث أصبح من النادر عملاً أن نصادف جماعات تأمين تعاوني تجمع التى إنشائها بين المميزات الرئيسية الثلاثة لهذا النوع من التأمين التي ذكرناها سلفاً، أن هذه الجماعات لم يفتها أن تلمس من بادئ الأمر أن تعرض الأعضاء المسئولية تضامنية غير محددة من شأنه الإحجام عن الاندماج في عضويتها، فعملت على تخفيف عبء هذه المسئولية عن طريق العمل على إنشاء إحتياطي ضخم لمواجهة الطوارئ، إما عن طريق استثمار رؤوس الأموال المجتمعة لديها بعد مرور عدة سنوات متوالية التي يتحقق في خلالها إلا قليل من المخاطر المؤمن منها، أو عن طريق إصدار سندات التغذية هذا الإحتياطي بالمال الكفيل بمواجهة الطوارئ وعدم مطالبة الأعضاء بإشتراكات إضافية في مثل هذه الحالات.

وعلى هذا النحو ظهر نوع جديد من شركات التأمين يمكن تسميته بالشركات المختلطة لكونها تجمع بين مميزات القسمين السابقين.

كما أن شركات التأمين بالأقساط حاولت من ناحيتها أن تستغل بعض مزايا جماعات التأمين بالاكتتاب بأن ضمنت وثائق التأمين شرطاً يسمح للمؤمن لهم بالإشتراك في الأرباح ومن مقتضى هذا الشرط أن تصبح الأقساط قابلة للتغير عندما تتح أعمال الشركة بتحقيق أرباح، وذلك يتأتى عن طريق إنقاص القسط، ما لم يفضل المؤمن له إضافة نصيبه في الأرباح إلى مبلغ التعويض المشترط في العقد.

وهذه الصورة كثيرة الإستعمال في وثائق التأمين على الحياة، على أنه ليس هناك ما يمنع من إستعمالها بالنسبة لأنواع أخرى من التأمين.

وذلك كله ليس من شأنه زوال كل أهمية التمييز بين قسمي التأمين السابقين، فلا زالت شركات التأمين بالأقساط هي وحدها التي يتعين أن تتخذ شكل شركة مساهمة وتخضع لأحكام هذا النوع من الشركات.

وذلك يستتبع أن تكون لها وحدها الصفة التجارية وتسري عليها أحكام قانون التجارة كما أن القانون رقم 10 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 362 لسنة 1969 خاص جماعات التأمين التعاوني بأحكام خاصة.

وأخيراً من الناحية العملية - نرى الجمهور أميل إلى التعامل مع شركات التأمين بالأقساط، لأنها أقدر على اكتساب ثقته بما لها من نشاط واسع النطاق، وللإعتقاد بأنها تستند إلى أسس علمية وفنية قويمة.

ولهذا الاعتبارات كلها جرى القضاء على تقدير جواز الطعن بإبطال العقد، لغلط جوهري، من جانب المؤمن له الذي يتعامل مع هيئة للتأمين التعاوني معتقداً أنها من شركات المساهمة .

تقسيم التأمين من حيث الموضوع :

التأمين البحري والتأمين البري :

أول تقسيم يجب إجراؤه في هذا الصدد هو الذي يميز التأمين البري عن غيره من أنواع التأمين، وبالأخص التأمين البحري، وهذا التقسيم أساسه طبيعة المخاطر المؤمن منها، فالغاية من التأمين البحري مجابهة مخاطر البحار، أي تلك التي يمكن التعرض لها أثناء رحلة بحرية، وينصب هذا التأمين إما على الباخرة نفسها، أو على البضاعة التي تحملها، فهو يتناول بعبارة عامة مخاطر النقل البحرى ولكنه لا يمتد إلى الأشخاص المعرضين لهذه المخاطر فهو بطبيعته تأمين على الأشياء فحسب.

والتأمين البحري هو أقدم أنواع التأمين عهداً وهو الذي على المشرع بتفصيل أحكامه في مجموعة القانون البحري، ودراسته متصلة بهذا القانون.

ويصح أن نشير بعد هذا التقسيم إلى ظهور أنواع أخرى من التأمين لا تخضع الأحكام التأمين البحرى ولا التأمين البري، وهي التأمين النهري ويغطي هذا التأمين مخاطر النقل في مياه الترع والقنوات والأنهار .

ويخضع لنفس أحكام التأمين البحري .

وكذلك التأمين الجوي ويعطى مخاطر النقل الجوي التي قد تلحق بالطائرة نفسها تور حمولتها من البضائع فقط ويخضع هذا النوع من التأمين وفقاً للراجح لأحكام السنتين البري فيما عدا ما تنظمه المعاهدات الدولية في خصوصه .

أما التأمين البري فيغطي الأخطار التي لا تدخل في نطاق التأمين البحري والنهري والجوي.

(ب) التأمين الخاص والتأمين الإجتماعي :

ينصرف اصطلاح التأمين الخاص إلى التأمين الربحي الذي تبرمه شركات تقوم لهذا الغرض بتأمين الشخص أو ذويه من أخطار معينة، قد تتحقق في المستقبل مقابل دفعه لقسط يحدده المؤمن استناداً إلى أسس حسابية وإحصائية دقيقة ويميز هذا النوع من أنواع التأمين أن الفرد يبرمه برغبته مدفوعاً بإعتبارات قوامها حماية مصالحه الخاصة، ويرى البعض أن التأمين يظل خاصاً حتى إذا أجبر القانون الشخص على التعاقد، كما هو الحال بالنسبة للتأمين الإجباري على المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات أو أعمال البناء.

وبالمقابل يقوم التأمين الإجتماعي على حماية مصلحة المجموع أى المصلحة العامة بهدف تأمين أفراد الطبقة العاملة في المجتمع ضد ما قد تتعرض له من أخطار قد تحول بينهم وبين مباشرة عملهم.

ولما كان الغالب هو انصراف العمال عن التفكير في مثل هذا النوع من التأمين فإن المشرع يتدخل لإضفاء صفة الإجبار عليه فيشترك العامل مع رب العمل والدولة فيدفع أقساطه بنص القانون.

ويختلف الفقه إذا اقتصر دفع القسط على الأخيرين دون العامل.

فيرى البعض أن هذا الأمر لا يغير من تكييف التأمين بأنه تأمین اجتماعی على أساس أن المرجع في ذلك هو صفة الإلزامية وطبقة المستفيدين منه.

ويرى البعض الآخر أن التأمين يصبح هنا تأميناً خاصاً مثله في ذلك مثل التأمين الإجباري من حوادث السيارات، لأن العبرة في نظره هي بمساهمة الدولة فيها كطرف من أطرافه، فإذا انتفت هذه المساهمة، امتنع إعتباره عقداً من عقود التأمين الاجتماعي .

وأياً كان الأمر، فإن دراسة التأمين الإجتماعى تخرج عن نطاق دراستنا لدخولها ضمن موضوعات قوانين التأمينات الإجتماعية.

(ج) التأمين من الأضرار والتأمين على الأشخاص :

ينقسم التأمين البري الخاص بالنسبة لموضوعه إلى تأمين من الأضرار وتأمين على الأشخاص، وهذا هو أهم تقسيمات التأمين بخصوص هذه الدراسة.

أولاً : التأمين من الأضرار :

يهدف التأمين من الأضرار إلى تعويض المؤمن له عن الأضرار التي تنزل بذمته المالية نتيجة خطر معين. فالغرض تعويض المؤمن له عن الأضرار المالية، ولذلك فمسئولية المؤمن تنحصر في تعويض الضرر الذي سببه وقوع الحادثة، وهو يلتزم بقدر هذا الضرر فقط الذي يثبته المؤمن له .

ويترتب على أن التأمين من الأضرار عقد تعویض ما يأتي:

1 - أن مقدار التعويض لا يتحدد مقدماً في عقد التأمين لأن التأمين يهدف إلى تعويض المؤمن له بقدر ما يصيبه من ضرر، ولا يمكن أن يعرف مقدماً مدى ما سيسببه تحقق الخطر للمستأمن من أضرار.

2 - إذا أبرمت عدة وثائق تأمين لدى عدة شركات بالنسبة لخطر معين، فإن المؤمن له لا يستطيع - عند تحقق الخطر - أن يتقاضى من هذه الوثائق جميعها إلا ما يساوي الضرر الذي نزل به فقط لأن مجموع التعويضات لا يمكن أن تزيد على الأضرار التي سببها الخطر، وإلا أصبح التأمين مصدراً للإثراء .

3 - إذا كان هناك شخص مسئول عن وقوع الحادث، فلا يستطيع المؤمن له أن يجمع بين عوض التأمين، ودعوى المسئولية قبل المسئول عن الحادث وإلا تقاضى المستأمن تعويضاً أكثر من الضرر الذي نزل به، بل يحل المؤمن بما دفع من تعويض محل المستأمن في دعواه قبل الغير المسئول، وقد نصت على هذا الحكم صراحة المادة 771 من القانون المدني المصري، بخصوص التأمين ضد الحريق.

التأمين على الأشخاص :

يقصد بالتأمين على الأشخاص ذلك النوع من التأمين الذي يكون محله شخص المؤمن له، فينصرف أثره إلى الأخطار والوقائع التي قد تلحق بالمؤمن له في شخصه، وذلك مقابل قيام المؤمن له بدفع أقساط دورية معينة.

ويتميز هذا النوع من التأمين بخاصية هامة هي أنه لا يهدف إلى تعويض المؤمن له عن ضرر وقع به لتخلف الصفة التعويضية بالنسبة له، وذلك لأمرين.

الأول : هو عدم وقوع ضرر أصلاً، كما هو الحال إذا تعلق التأمين بحوادث سارة كالزواج أو ميلاد طفل أو الحياة حتى سن معينة ويترتب على ذلك أن المؤمن يلتزم في التأمين على الأشخاص بأن يدفع العوض المتفق عليه، عقد تحقق الحادثة، دون اعتبار لما إذا كان قد أصاب المؤمن له أو المستفيد عند تحقق الحادثة ضررأم لا .

والثاني : هو استحالة تقدير قيمة الضرر عند وقوعه، كما هو الحال عند الوفاة فالمؤمن يلتزم بدفع المبلغ المتفق عليه عند التعاقد بمجرد تحقق الخطر المؤمن منه.

يخرج عن نطاق التأمين على الأشخاص كل عملية لا يقصد بها تأمين المؤمن له من خطر يتعلق بشخصه والأمثلة على ذلك .

العقود التي تنشئ مرتباً مدى الحياة :

وتتخذ شكل معاوضة (كالبيع أو القرض أو تبرع كالهبة أو الوصية) مادام الملتزم بالإيراد شخصاً طبيعياً أو معنوياً غير هيئات التأمين أما إذا كان الملتزم بالدفع هو هيئة تأمين بالمعنى الفني للكلمة، فإن العقد يدخل في نطاق عقود التأمين.

عمليات تكوين رؤوس الأموال :

الإدخار:

أهم صور التأمين على الأشخاص.

التأمين ضد الحوادث (الإصابات):

يعرف هذا النوع من التأمين بأنه العقد التي يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع مبلغاً من المال إلى المؤمن له أو إلى المستفيد حسب الأحوال، نظير قسط دوری ثابت في حالة وقوع حادث للمؤمن على حياته أو وفاته، وإلى هذا فهو عقد تأمين على الأشخاص، ولكن قد يذهب الأطراف إلى أبعد من ذلك، فيتم الإتفاق بينهم على أن يغطى المؤمن كل أو بعض نفقات العلاج والدواء وفي هذه الحالة يعد التأمين - فی هذا الشق وحده تأمين من الأضرار ومع ذلك فإن عملية التأمين بأسرها تخضع الأحكام التأمين على الأشخاص نظراً للطابع الثانوي للشق الأخير، ويلاحظ أن ما انتهينا إليه لا يؤثر في تطبيق أحكام المبدأ التعويضي عن هذا الشق وحده.

ويتخذ التأمين من الحوادث بالنظر إلى عدد المؤمن عليهم إحدى صورتين :

الأولى: صورة فردية: بمعنى أنها تخص مؤمنا عليه واحداً ويختلف مدى ضمان المؤمن للحوادث الناشئة عنها بحسب عبارات العقد.

الثانية : صورة جماعية :

وتكون إذا شمل العقد مجموعة معينة من الأفراد (فريق رياضي أو تلاميذ مدرسة مثلاً).

وفي كل الأحوال يلتزم المؤمن له - أو المستفيد - بإثبات دخول الحادث الذي وقع في دائرة ضمان المؤمن.

التأمين ضد المرض :

هو عقد يلتزم بمقتضاه المؤمن نظير أقساط دورية بضمان ما قد يصيب المؤمن له من أمراض، وقد ترتبط هذه الوثيقة بالتأمين ضد الإصابات أو الحوادث وقد تستقل عنها.

ويتخذ مبلغ التأمين إحدى صورتين :

الأولى : دفع رأسمال معجل دفعة واحدة أو على أقساط.

الثانية : دفع نفقات العلاج والدواء.

آثار عقد إعادة التأمين :

ينشئ عقد إعادة التأمين التزامات على عاتق المؤمن المباشر والمؤمن المعيد، حين قبل بيان هذه الإلتزامات التعرض للتكييف القانوني لإتفاق إعادة التأمين.

خصائص عقد التأمين :

التأمين عقد ملزم للجانبين :

تبدو هذه الصفة من تعريف القانون المدني لعقد التأمين، إذ يظهر من التعريف أن العقد ينشئ إلتزامات متقابلة على عاتق كل من طرفيه فالمؤمن يلتزم بتحمل عبء الخطر المؤمن منه في مقابل إلتزام المؤمن له بدفع الأقساط.

التأمين عقد معاوضة :

عقد التأمين من عقود المعارضة التي يأخذ فيها كلا الطرفين مقابلاً لما يعطی.

ولا يعترض على ذلك بأن المؤمن لا يعطي شيئاً إذا لم يتحقق الحادث، فيكون بذلك قد أخذ الأقساط بغير مقابل، فإن من يتحمل تبعة الخطر لا يتلقى تبرعاً، بل مقابلاً لتعرضه لتحمل نتائج هذا الخطر وتغطية المؤمن له عند تحققه ولذلك كانت سائر العقود الاحتمالية - والتأمين أهمها - من عقود المعاوضة.

التأمين عقد زمني مستمرة

التأمين من العقود الزمنية المستمرة لأنه يعقد لزمن معين، والزمن عنصر جوهري فيه ويلزم المؤمن مدة معينة فيتحمل تبعة الخطر المؤمن منه ابتداء من تاریخ معين إلى نهاية تاريخ معين كذلك المؤمن له يلتزم للمدة التي يلتزم لها المؤمن ويوفي التزامه أقساط متتابعة على مدى هذه المدة، ويجوز أن يوفيه دفعة واحدة ولكن يراعى في تقدير هذه الدفعة الزمن المتعاقد عليه.

ويترتب على الاعتراف لعقد التأمين بالطابع الزمني نتيجتان هامتان :

الأولى: من حيث أثر الفسخ، فلا يترتب على فسخ عقد التأمين أي أثر رجعي، فالقاعدة أن ما مضى من الزمن لا يعود، فينفسخ العقد من تاريخ الحكم النهائي بذالك ويتوقف إنتاج آثاره منذ هذا التاريخ وبالنسبة للمستقبل فقط أما ما نفذ منه قبل ذلك فيظل قائماً وموجوداً لذلك فهو أقرب إلى الإنتهاء منه إلى الفسخ.

الثانية: من حيث الإنتهاء، ينتهي عقد التأمين إذا استحال تنفيذ أحد الطرفين لإلتزاماته التعاقدية بقوة القانون (هلاك الشيء المؤمن عليه مثلاً) وهذه نتيجة منطقية الإنتماء عقد التأمين إلى طائفة العقود الملزمة للجانبين.

التأمين عقد احتمالی

ذلك لأن الغرض من هذا العقد تحمل خطر غير محقق الوقوع وفي غالب الصور التي يصاغ فيها التأمين يكون الإحتمال في تحقق الحادث الذي حصل التأمين من أجله أو عدم تحققه، كاحتراق منزل أو حدوث سرقة أو تصادم سفينة أو نزول مطر....ألخ .

وقد يكون الإحتمال لا في الحادث ذاته وإنما في تاريخ وقوعه كالتأمين على الحياة في حالة الوفاة، فالموت واقعة مستقبلة محققة الوقوع، ولكن تاريخ الوفاة أمر غير محقق ففي كل الحالات يوجد الإحتمال، ولكن لا يمكن التكهن وقت إبرام العقد بالربح الذي ستدره الصفقة على المتعاقدين، وعلى الأخص على المؤمن .

التأمين من عقود الإذعان :

عقد التأمين من عقود الإذعان، المؤمن فيه هو الطرف القوى، ولا يملك المؤمن له إلا أن يوافق أو يرفض الشروط التي يعرضها المؤمن، وهي شروط أغلبها مطبوع وسجة إلى الكافة ولما كانت هذه الصفة تمكن الطرف القوى في العقد من أن يضمن شروطا تعسفية تكون مجحفة بحقوق المؤمن لهم الذين لا يملكون مناقشتها أو تعديلها، فقد تدخل المشرع لحماية المؤمن لهم في هذه الشروط التعسفية بوسيلتين :

نصت عليها المادة 149 مدني.

المادة 151 من القانون المدني .

أما الحماية الخاصة للمؤمن له التي وردت ضمن النصوص المنظمة لعقد التأمين قررتها المادة 750 مدني وتنص هذه المادة ببطلان مجموعة من الشروط التي يمكن أن ترد في وثيقة التأمين لأنها تكون مجحفة بحق المؤمن له، كما سنرى تفصيلاً کی شرح هذه المادة .

التأمين من عقود التعويض :

ولكن هذه الخاصية وإن كانت صحيحة في معظم أنواع التأمين، فإنها ليست كذلك في تأسست على الحياة، حيث يخضع مبلغ التأمين في تقديره لإرادة المتعاقدين، ولا يشترط في النهاية أن يتناسب مع ضرر ما فقد يؤمن شخص على حياته بمبلغ ألف جنيه أو عشرة آلاف جنيه أو أكثر أو أقل.

التأمين من عقود حسن النية :

يوصف عقد التأمين بأنه من عقود حسن النية، ولكن حسن النية هنا لا يقصد به المعنى المألوف لهذا الإصطلاح، فعقد التأمين في هذا لا يختلف عن غيره من العقود، التي يجب أن تنفذ جميعاً وفقاً لما يقتضيه حسن النية، وإنما يقصد بهذا الوصف أن حسن النية يعتبر من مستلزمات عقد التأمين، فهو يؤدي بالنسبة له دوراً أهم من الدور الذي يؤديه حسن النية بالنسبة لأي عقد آخر، فالمؤمن في الغالب عن الأحوال لا يستطيع أن يأخذ فكرة كاملة عن الخطر الذي سيأخذه على عاتقه إلا بواسطة ما يدلي به المستأمن من بيانات متعلقة بالظروف التي تؤثر على فكرة المؤمن عن الخطر، والمؤمن يثق في صدق المؤمن له وأمانته ويقدر موقفه بالنسبة للخطر بناء على هذه البيانات.

قد يكون عقد التأمين عملاً مدنياً أو عملاً تجارياً أو عملاً مختلطاً :

فالأصل أن يكون التأمين بالنسبة للمؤمن عملاً تجارياً إذا كان تأميناً بأقساط محددة تقوم به شركات المساهمة التي تباشر أعمالها بقصد الربح. وبالعكس لا يعتبر التأمين الذي تقوم به هيئات التأمين التعاوني عملاً تجارياً بالنسبة إليها لأنها لا تبغي من ورائه الربح.

أما بالنسبة للمؤمن له، فالأصل في التأمين أن يكون عملاً مدنياً إلا أن يكون المؤمن له تاجراً وكان التأمين متصلاً بتجارته فهنا يكون التأمين بالنسبة إليه عملاً تجارياً تطبيقاً لنظرية التبعية، مثال ذلك أن يقوم التاجر بالتأمين على بضاعته ضد الحريق أو السرقة.

وقد يكون عقد التأمين مختلطاً فهو تجاری بالنسبة للشركات المساهمة للتأمين ومدني بالنسبة للمؤمن له إذا لم يكن تاجراً أو كان تاجراً ولكن التأمين لا يتصل بتجارته كتأمين التاجر على حياته لصالح زوجته وأولاده.

أركان عقد التأمين :

عقد التأمين كسائر العقود لا بد من وجود التراضي والمحل والسبب.

عيوب الإرادة :

يجب أن يكون الرضا خالياً من عيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه، شأنه في ذلك شأن سائر العقود.

الأهلية اللازمة لعقد التأمين :

لا محل لتناول الأهلية بالنسبة للمؤمن فهو يكون شركة مساهمة أو جمعية تأمين تعاونی.

وإنما نتناول الأهلية بالنسبة للمؤمن له.

وعقد التأمين من أعمال الإدارة ومن ثم فإن الأهلية الواجب توافرها لدى المؤمن له هي أهلية الإدارة.

فيجوز للبالغ الرشيد إبرام عقد التأمين، كما يجوز ذلك للصبي المميز المأذون بالإدارة.

أما الصبي المميز غير المأذون بالإدارة ومن في حكمة كالسفيه وذي الغفلة، فلا يجوز لهم عقد التأمين وإلا كان قابلاً للإبطال لمصلحته.

ويستطيع الولى والوصي إبرام عقد تأمين على أموال القاصر أو المحجور عليه نيابة عنه دون حاجة إلى إذن خاص بذلك.

كما يجوز للوكيل العام أن يباشر هذا العقد نيابة عن الموكل في حدود ما يتصل بأعمال وكالته، كأن يؤمن على العقارات المنوط به إدارتها، فذلك من قبيل الإدارة الحسنة.

ويجوز التأمين لحساب الغير، حتى ولو لم يصدر منه توكيل بذلك، وفي هذه الحالة تطبق قواعد الفضالة، فيكون لرب العمل الذي عقد التأمين لحسابه حق مباشر قبل الشركة بشرط علمها بأن طالب التأمين إنما يتعاقد لحساب الغير. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر، الصفحة : 3)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 149

غَرَر

التَّعْرِيفُ:

1 - الْغَرَرُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ التَّغْرِيرِ، وَهُوَ الْخَطَرُ، وَالْخُدْعَةُ، وَتَعْرِيضُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ لِلْهَلَكَةِ، يُقَالُ: غَرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا وَغُرَّةً فَهُوَ مَغْرُورٌ وَغَرِيرٌ: خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِلِ، وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا غُرُورًا: خَدَعَتْهُ بِزِينَتِهَا، وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ تَغْرِيرًا وَتَغِرَّةً: عَرَّضَهَا لِلْهَلَكَةِ.

وَالتَّغْرِيرُ: حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الْغَرَرِ .

وَعَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ: بِأَنَّهُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لاَ يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لاَ .

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْجَهَالَةُ:

2 - الْجَهَالَةُ لُغَةً: أَنْ تَفْعَلَ فِعْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ .

وَاصْطِلاَحًا: هِيَ الْجَهْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِخَارِجٍ عَنِ الإِْنْسَانِ كَمَبِيعٍ وَمُشْتَرًى وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَغَيْرِهَا.

(ر: جَهَالَة ف 1 – 3)

وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَقَالَ: أَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْجَهُولُ، كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ، فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا، لَكِنْ لاَ يُدْرَى أَيْ شَيْءٍ هُوَ؟ فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآْخَرِ وَبِدُونِهِ

أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ: فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الإِْبَاقِ لاَ جَهَالَةَ فِيهِ، وَهُوَ غَرَرٌ، لأِنَّهُ لاَ يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لاَ؟

وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ: كَشِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ، مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلاَ غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ.

وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الآْبِقِ، الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الإْبَاقِ

ب - الْغَبْنُ:

3 - الْغَبْنُ فِي اللُّغَةِ: النُّقْصَانُ، يُقَالُ: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا أَيْ: نَقَصَهُ، وَغَبَنَ رَأْيَهُ غَبْنًا: قَلَّتْ فِطْنَتُهُ وَذَكَاؤُهُ.

قَالَ الْفِيْرُوزُ آبَادِيُّ.: غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ يَغْبِنُهُ غَبْنًا - وَيُحَرَّكُ - أَوْ بِالتَّسْكِينِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّحْرِيكِ فِي الرَّأْيِ: خَدَعَهُ .

وَيُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْغَبْنَ إِلَى فَاحِشٍ وَيَسِيرٍ، وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا - كَمَا يَقُولُ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ - هُوَ الدُّخُولُ تَحْتَ التَّقْوِيمِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ، فَالْفَاحِشُ مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، وَالْيَسِيرُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ بَعْضِ الْمُقَوِّمِينَ .

ج - التَّدْلِيسُ:

4 - التَّدْلِيسُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا: كَتْمُ عَيْبِ السِّلْعَةِ، قَالَ الأْزْهَرِيُّ : سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: لَيْسَ لِي فِي الأْمْرِ وَلْسٌ وَلاَ دَلْسٌ أَيْ: لاَ خِيَانَةٌ وَلاَ خَدِيعَةٌ .

وَالْغَرَرُ أَعَمُّ مِنَ التَّدْلِيسِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ

5 - الْغَرَرُ الَّذِي يَتَضَمَّنُ خَدِيعَةً أَوْ تَدْلِيسًا حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَمِنْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، يَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ، وَقَالَ: وَبَيْعُ مَا فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ وَلاَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ بَاطِلٌ .

أَقْسَامُ الْغَرَرِ:

6 - يَنْقَسِمُ الْغَرَرُ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُهُ عَلَى الْعَقْدِ إِلَى: غَرَرٍ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ وَغَرَرٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى مُؤَثِّرٍ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِ مُؤَثِّرٍ .

شُرُوطُ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا الشُّرُوطَ الآْتِيَةَ:

أ - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ كَثِيرًا:

7 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى الْعَقْدِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ - أَيْ فِي الْبَيْعِ - ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إِجْمَاعًا، كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَقَلِيلٌ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ، وَمُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ يُلْحَقُ بِالأْوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي؟ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ فِي الْمَبِيعَاتِ لاَ يَجُوزُ وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَجُوزُ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: نَقَلَ الْعُلَمَاءُ الإْجْمَاعَ فِي أَشْيَاءَ غَرَرُهَا حَقِيرٌ، مِنْهَا: أَنَّ الأْمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلاَثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ مَعَ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ مُكْثِهِمْ فِي الْحَمَّامِ، قَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَدَارُ الْبُطْلاَنِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ هُوَ أَنَّهُ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ، وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ، أَوْ كَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ، وَإِلاَّ فَلاَ .

وَقَدْ وَضَعَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ ضَابِطًا لِلْغَرَرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ: الْغَرَرُ الْكَثِيرُ هُوَ مَا غَلَبَ عَلَى الْعَقْدِ حَتَّى أَصْبَحَ الْعَقْدُ يُوصَفُ بِهِ

ب - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً:

8 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصَالَةً. أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَرَرُ فِيمَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ فَإِنَّهُ. لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ. وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ: أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

1 - أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا مُفْرَدَةً، لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلَكِنْ لَوْ بِيعَتْ مَعَ أَصْلِهَا جَازَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ الإْجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ، وَقَالَ: وَلأِنَّهُ إِذَا بَاعَهَا مَعَ الأْصْلِ حَصَلَتْ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضُرَّ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِيهَا .

2 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمَجْرِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى بُطْلاَنِ بَيْعِ الْجَنِينِ؛ لأِنَّهُ غَرَرٌ، لَكِنْ لَوْ بَاعَ حَامِلاً بَيْعًا مُطْلَقًا صَحَّ الْبَيْعُ، وَدَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ بِالإْجْمَاعِ .

3 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَشْتَرُوا اللَّبَنَ فِي ضُرُوعِهَا، وَلاَ الصُّوفَ عَلَى ظُهُورِهَا وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ، لأِنَّهُ قَدْ يُرَى امْتِلاَءُ الضَّرْعِ مِنَ السِّمَنِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلأِنَّهُ مَجْهُولُ الصِّفَةِ، لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ اللَّبَنُ صَافِيًا وَقَدْ يَكُونُ كَدِرًا، وَذَلِكَ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَلَمْ يَجُزْ، لَكِنْ لَوْ بِيعَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ مَعَ الْحَيَوَانِ جَازَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ حَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَجْهُولاً؛ لأِنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَوَانِ، وَدَلِيلُهُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ .

وَنَقَلَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إِذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ فِيهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ لَبَنِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً، وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلاً شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي إِبَّانِ لَبَنِهَا وَعُلِمَ أَنَّ لَبَنَهَا لاَ يُقْطَعُ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَلِ، إِذَا كَانَ قَدْ عُرِفَ وَجْهُ حِلاَبِهَا.

ج - أَلاَّ تَدْعُوَ لِلْعَقْدِ حَاجَةٌ:

9 - يُشْتَرَطُ فِي الْغَرَرِ حَتَّى يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْعَقْدِ: أَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ لِلنَّاسِ حَاجَةٌ لَمْ يُؤَثِّرِ الْغَرَرُ فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ: إِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ فَكَانَ شَرْطًا مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الأْصْلِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا وَرَدَ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ رضي الله عنه كَانَ يُغْبَنُ فِي التِّجَارَاتِ، فَشَكَا أَهْلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ» وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تَبْتَاعُهَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثَ لَيَالٍ» وَلِلْحَاجَةِ إِلَى دَفْعِ الْغَبْنِ بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ .

وَقَالَ الْكَمَالُ عَنْ عَقْدِ السَّلَمِ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ. إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إِلَى الاِسْتِرْبَاحِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَهُوَ بِالسَّلَمِ أَسْهَلُ، إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْبَيْعِ نَازِلاً عَنِ الْقِيمَةِ فَيُرْبِحُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْحَالِ إِلَى السَّلَمِ، وَقُدْرَةٌ فِي الْمَالِ عَلَى الْبَيْعِ بِسُهُولَةٍ، فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ الْحَالِيَّةُ إِلَى قُدْرَتِهِ الْمَآلِيَّةِ، فَلِهَذِهِ الْمَصَالِحِ شُرِعَ .

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا جُوِّزَ الْجُعْلُ فِي الْعَمَلِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرُ لِلضَّرُورَةِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الأْصْلُ أَنَّ بَيْعَ الْغَرَرِ بَاطِلٌ. لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ غَرَرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ. وَلاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ كَأَسَاسِ الدَّارِ، وَشِرَاءِ الْحَامِلِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَكَامِلُ الأْعْضَاءِ أَوْ نَاقِصُهَا، وَكَشِرَاءِ الشَّاةِ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالإْجْمَاعِ .

وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرَ ابْنُ قُدَامَةَ عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَالَ: وَأَمَّا لَبَنُ الظِّئْرِ فَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَضَانَةِ؛ لأِنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ .

د - أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِي عَقْدٍ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

10 - وَقَدِ اشْتَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَالِكِيَّةُ فَقَطْ، حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ مَا كَانَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَمَّا عُقُودُ التَّبَرُّعَاتِ فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الْغَرَرُ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: فَصَلَ مَالِكٌ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الأْمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا، وَقَاعِدَةِ مَا لاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ، وَهُوَ مَا لاَ يُقْصَدُ لِذَلِكَ .

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي التَّبَرُّعَاتِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ الْوَصِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ

الْغَرَرُ فِي الْعُقُودِ:

أَوَّلاً - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ:

أ - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ:

الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ، أَوْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ.

1 - الْغَرَرُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ:

11 - قَدْ يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ تَجْعَلُ فِيهِ غَرَرًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْغَرَرَ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ - الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ - لاَ بِمَحَلِّهِ - الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ - وَيَدْخُلُ فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ عِدَّةُ بُيُوعٍ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا صَرَاحَةً، مِنْهَا الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَة ف 1 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِنْهَا بَيْعُ الْحَصَاةِ، كَأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: إِذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَهَذَا الثَّوْبُ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا، وَذَلِكَ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّمْيَ صِيغَةَ الْبَيْعِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 4).

وَمِنْهَا بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ».

(ر: بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ ف 3 و 4، وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ ف 2).

وَيَدْخُلُ أَيْضًا فِي الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ وَإِضَافَتُهُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ . قَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَمَجِيءِ الشَّهْرِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. فَلَمْ يَجُزْ .

2 - الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ:

12 - مَحَلُّ الْعَقْدِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ.

وَالْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهَالَةِ بِهِ، لِذَا شَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ الْعِلْمَ بِالْمَحَلِّ .

وَالْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ يَرْجِعُ إِلَى أَحَدِ الأْمُورِ التَّالِيَةِ: الْجَهْلُ بِذَاتِ الْبَيْعِ أَوْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ مِقْدَارِهِ أَوْ أَجَلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوِ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ، أَوْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ.

13 - فَمِثَالُ الْجَهْلِ بِذَاتِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ، أَوْ ثَوْبٍ مِنْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَالْمَبِيعُ هُنَا - وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ - إِلاَّ أَنَّهُ مَجْهُولُ الذَّاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى حُصُولِ نِزَاعٍ فِي تَعْيِينِهِ . وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْبَيْعَ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ، وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ بَيْعَ الاِخْتِيَارِ، وَكَذَا أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ إِنْ جَعَلَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ التَّعْيِينِ وَكَانَ اخْتِيَارُهُ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَمَا دُونَ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِجِنْسِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْحَصَاةِ عَلَى بَعْضِ التَّفَاسِيرِ، وَبَيْعُ الْمَرْءِ مَا فِي كُمِّهِ وَأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ سِلْعَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَهَا .

(ر: بَيْعُ الْحَصَاةِ ف 3). وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِنَوْعِ الْمَحَلِّ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ كُرًّا - وَهُوَ كَيْلٌ - مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الْكُرِّ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ، وَلَوْ بَعْضُهُ فِي مِلْكِهِ بَطَلَ فِي الْمَعْدُومِ وَفَسَدَ فِي الْمَوْجُودَةِ، وَلَوْ كُلُّهُ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ فِي مَوْضِعَيْنِ، أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لاَ يَجُوزُ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُضِفِ الْبَيْعَ إِلَى تِلْكَ الْحِنْطَةِ .

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قَالَ: رَابِعُهَا النَّوْعُ، كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ .

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إِذَا جُهِلَ جِنْسُهَا أَوْ نَوْعُهَا، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»، وَفِي بَيْعِ مَا لاَ يُعْرَفُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ غَرَرٌ كَثِيرٌ .

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَحَلِّ. بَيْعُ الْحَمْلِ، وَبَيْعُ الْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الْمَلاَقِيحِ، وَبَيْعُ الْمَجْرِ، وَبَيْعُ عَسْبِ الْفَحْلِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5، 6، 69)

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَبَيْعُ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ.

وَمِثَالُ الْجَهْلِ بِالأْجَلِ. بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 5)

وَمِثَالُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَحَلِّ: بَيْعُ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَبَيْعُ الإْنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الْمَغْصُوبِ.

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

وَمِثَالُ التَّعَاقُدِ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْدُومِ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَبَيْعُ الْمُعَاوَمَةِ وَالسِّنِينَ، وَبَيْعُ نِتَاجِ النِّتَاجِ .

(ر: بَيْع مَنْهِيّ عَنْهُ ف 72، 88).

14 - كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ فِي الثَّمَنِ يَرْجِعُ إِلَى الْجَهْلِ بِهِ.

وَالْجَهْلُ بِالثَّمَنِ قَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالذَّاتِ، كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ، فَلاَ يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِالنَّوْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ فِي ذِمَّتِكَ أَوْ قَالَ: بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِكَ، أَوْ أَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِنَوْعِهَا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِصِفَةِ الثَّمَنِ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الصِّفَةِ؛ لأِنَّ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَحْصُلُ الْمُنَازَعَةُ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأْدْوَنِ وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأْرْفَعَ، فَلاَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ، إِذْ يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ الْعِلْمَ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشَارًا إِلَيْهِ. فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْقَدْرِ اتِّفَاقًا .

وَقَدْ يَكُونُ جَهْلاً بِأَجَلِ الثَّمَنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ . وَقَالَ الْكَمَالُ: جَهَالَةُ الأْجَلِ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فِي التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ، فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَذَاكَ فِي بِعِيدِهَا، وَلأِنَّهُ عليه الصلاة والسلام فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الأْجَلِ - وَهُوَ السَّلَمُ - أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَ الإْجْمَاعُ

ب - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ:

15 - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الإْجَارَةِ قَدْ يَرِدُ عَلَى صِيغَةِ الْعَقْدِ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ.

فَمِنَ الْغَرَرِ فِي صِيغَةِ عَقْدِ الإْجَارَةِ: التَّعْلِيقُ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ آجَرْتُكَ، بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الأْمْلاَكِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا، وَالرِّضَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَزْمِ، وَلاَ جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَرِضَهُ عَدَمُ الْحُصُولِ، وَفِي ذَلِكَ غَرَرٌ .

وَأَمَّا الْغَرَرُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ فَلاَ يَخْتَلِفُ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ، لِذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ مَا يَشْتَرِطُونَهُ فِي مَحَلِّ الْبَيْعِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الأْجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لأِنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالي عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الأْجِيرِ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ أَجْرَهُ».

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الإْجَارَةِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلاَ تَجُوزُ إِجَارَةُ مُتَعَذِّرِ التَّسْلِيمِ حِسًّا، كَإِجَارَةِ الْبَعِيرِ الشَّارِدِ، أَوْ شَرْعًا كَإِجَارَةِ الْحَائِضِ لِكَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّبِيبِ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحٍ، وَالسَّاحِرِ عَلَى تَعْلِيمِ السِّحْرِ .

ج - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ:

16 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ السَّلَمِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَإِنَّمَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ لِلْحَاجَةِ.

قَالَ الْكَمَالُ: وَلاَ يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، إِذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي .

وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ.

وَزَادَ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا أُخْرَى لِتَخْفِيفِ الْغَرَرِ فِيهِ مِنْهَا: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: مِنْ شَرَائِطِهِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ جَبْرًا لِلْغَرَرِ فِي الْجَانِبِ .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ إِلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ مَحَلِّهِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامَّ الْوُجُودِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِ الآْبِقِ بَلْ أَوْلَى، فَإِنَّ السَّلَمَ اُحْتُمِلَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ، فَلاَ يُحْتَمَلُ فِيهِ غَرَرٌ آخَرُ؛ لِئَلاَّ يَكْثُرَ الْغَرَرُ فِيهِ .

وَمِنْهَا: مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لأِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ، فَلأََنْ لاَ يَحْتَمِلَهَا السَّلَمُ وَهُوَ دَيْنٌ كَانَ أَوْلَى.

وَعَلَّلَ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَقَالَ: لأِنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِالْوَصْفِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولاً جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلاَ يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .

د - الْغَرَرُ فِي الْجَعَالَةِ:

17 - الْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَجَهَالَةِ الأْجَلِ حَيْثُ إِنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَهُوَ وَقْتٌ مَجْهُولٌ، إِلاَّ أَنَّهُ جُوِّزَ اسْتِثْنَاءً لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ فِي الْقِيَاسِ غَرَرٌ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَوَّزَهُ .

لَكِنْ مُنِعَتْ بَعْضُ الصُّوَرِ مِنَ الْجَعَالَةِ، مِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ لِي ثَوْبِي وَلَكَ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا يَبِيعُهُ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ مَعْلُومًا كَأَنْ جَعَلَ الْعَامِلَ مَجْهُولاً، إِذْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَهَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ مَعْلُومًا. قَالَ مَالِكٌ: كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ فِي حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ، فَهَذَا غَرَرٌ لاَ يَدْرِي كَمْ جُعِلَ لَهُ .

وَمِنْهَا: مَا لَوْ قَالَ لآِخَرَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهُوَ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ، قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ لأِنَّ الْجُعْلَ مَجْهُولٌ قَدْ دَخَلَهُ غَرَرٌ .

ثَانِيًا - الْغَرَرُ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ:

أ - عَقْدُ الْهِبَةِ:

18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْثِيرِ الْغَرَرِ عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْمَوْهُوبِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الشَّرَائِطُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمَوْهُوبِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْهِبَةِ، فَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَقْتَ الْعَقْدِ، بِأَنْ وَهَبَ مَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَتَلِدُهُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لاَ - كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ - فَلاَ .

وَعَرَّفَ الْحَنَابِلَةُ الْهِبَةَ: بِأَنَّهَا التَّبَرُّعُ بِتَمْلِيكِ مَالِهِ الْمَعْلُومِ الْمَوْجُودِ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: خَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ الْكَلْبِ، وَبِالْمَعْلُومِ الْمَجْهُولُ، وَبِالْمَوْجُودِ الْمَعْدُومُ، فَلاَ تَصِحُّ الْهِبَةُ فِيهَا .

كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ عَقْدِ الْهِبَةِ فِي حَالَةِ التَّعْلِيقِ وَالإِْضَافَةِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهِبَةِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلاَ خِلاَفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُتَوَقَّعِ الْوُجُودُ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ.

وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: انْقَسَمَتِ التَّصَرُّفَاتُ فِي قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَمَا لاَ يُجْتَنَبُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ، فَالطَّرَفَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إِلَى مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً،

وَثَانِيهُمَا: مَا هُوَ إِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالإْبْرَاءِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ، بَلْ إِنْ فَاتَتْ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ بِهَا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، بِخِلاَفِ الْقِسْمِ الأْوَّلِ إِذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالاَتِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ، أَمَّا الإِْحْسَانُ الصِّرْفُ فَلاَ ضَرَرَ فِيهِ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الإِْحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى تَقْلِيلِهِ، فَإِذَا وُهِبَ لَهُ عَبْدُهُ الآْبِقُ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ، لأِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ الأْحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الأْقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ، بَلْ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ .

ب - الْوَصِيَّةُ:

19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لِلْغَرَرِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْمُوصَى بِهِ مَا اشْتَرَطُوهُ فِي الْمَبِيعِ، وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ - لاَ تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ، وَلأِنَّ هَا - كَمَا قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ - احْتَمَلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنَ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ .

ثَالِثًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ:

20 - مَنَعَ الشَّافِعِيَّةُ شَرِكَةَ الأْبْدَانِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ لاَ يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لاَ . وَمَنَعُوا أَيْضًا شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةً فَلاَ بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا. يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِلْغَرَرِ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَاوَضَ صَاحِبَهُ بِكَسْبٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ بِصِنَاعَةٍ وَلاَ عَمَلٍ مَخْصُوصٍ .

كَمَا يَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَجُوزُ؛ لأِنَّ هَا اسْتِئْجَارٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ - بَلْ مَعْدُومٍ - وَلِعَمَلٍ مَجْهُولٍ، لَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ . وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: الْقِرَاضُ جَائِزٌ مُسْتَثْنًى مِنَ الْغَرَرِ وَالإْجَارَةِ الْمَجْهُولَةِ .

وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ عِدَّةَ شُرُوطٍ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِاخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا مَنْعًا لِوُقُوعِ الْغَرَرِ فِيهَا.

وَلِلْوُقُوفِ عَلَى تَعْرِيفِ الشَّرِكَاتِ وَمَا يَعْتَرِيهِ الْغَرَرُ مِنْهَا وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شَرِكَة)

رَابِعًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ:

21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ لاَ يَصِحُّ رَهْنُهُ؛ لأِنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَرَوْنَ أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الرَّهْنِ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَرْهُونِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَمَوْجُودًا وَمَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ .

وَجَوَّزَ الْمَالِكِيَّةُ الْغَرَرَ فِي الرَّهْنِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فِي وَقْتِ الاِرْتِهَانِ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، وَلاَ يُبَاعُ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ إِلاَّ إِذَا بَدَا صَلاَحُهُ، وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ .

وَقَيَّدَ الدَّرْدِيرُ الْغَرَرَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الرَّهْنِ بِالْغَرَرِ الْيَسِيرَةِ وَمَثَّلَ لَهُ بِالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ الْغَرَرُ - كَالْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ - فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ .

خَامِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْكَفَالَةِ:

22 - تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ هَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ .

وَلأِنَّ هَا الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ .

وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ، نَحْوَ: كَفَلْتُ مَالَكَ عَلَى فُلاَنٍ أَوْ فُلاَنٍ وَيَكُونُ التَّعْيِينُ لِلْكَفِيلِ، وَنَحْوُ: إِنْ غَصَبَ مَالَكَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فَأَنَا ضَامِنٌ.

أَمَّا لَوْ عَمَّمَ فَقَالَ: إِنْ غَصَبَكَ إِنْسَانٌ شَيْئًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ لاَ يَصِحُّ، كَمَا لاَ تَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْكَفَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ نَحْوُ: أَنَا ضَامِنٌ زَيْدًا فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِلنَّاسِ .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الْعِلْمَ بِالْمَضْمُونِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ .

وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ مَعْرِفَةَ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ وَلاَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ .

سَادِسًا - الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الْوَكَالَةِ:

23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ، فَأَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى مَنْعِ الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ؛ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهَا.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَفِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ كُلَّ شَيْءٍ، لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ .

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ فِي هَذَا غَرَرًا عَظِيمًا وَخَطَرًا كَبِيرًا؛ لأِنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ هِبَةُ مَالِهِ وَطَلاَقُ نِسَائِهِ وَإِعْتَاقُ رَقِيقِهِ وَتَزَوُّجُ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ، وَيَلْزَمُهُ الْمُهُورُ الْكَثِيرَةُ وَالأْثْمَانُ الْعَظِيمَةُ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ .

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهَا.

وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهَا الْعِلْمَ بِالْمُوَكَّلِ بِهِ عِلْمًا تَنْتَفِي بِهِ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ، أَمَّا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فَلاَ تَضُرُّ وَالْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ هِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ الدَّابَّةَ تَشْمَلُ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَالْبَغْلَ،

وَالْجَهَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الَّذِي تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ، فَهَذِهِ الْوَكَالَةُ لاَ تَصِحُّ أَيْضًا إِلاَّ إِذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوِ الصِّفَةَ لِتَقِلَّ الْجَهَالَةُ.

وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ الْمَحْضِ - النَّوْعُ الَّذِي لاَ تَتَفَاوَتُ قِيَمُ آحَادِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا - كَأَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَصِحُّ .

وَتَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ وَيُعَيِّنُهُ الْعُرْفُ .

وَيَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. لأِنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ، فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا عِلْمًا يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ.

وَيَشْتَرِطُونَ فِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ بَيَانَ النَّوْعِ، وَإِذَا تَبَايَنَتْ أَوْصَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ أَيْضًا، وَلَكِنْ لاَ يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الأْوْصَافِ، وَهَذَا فِيمَا يُشْتَرَى لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، أَمَّا مَا يُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ النَّوْعِ وَلاَ غَيْرُهُ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ مِنَ الْعُرُوضِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي فَرَسًا بِمَا شِئْتَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّهُ مَا يُمْكِنُ شِرَاؤُهُ وَالشِّرَاءُ بِهِ يَكْثُرُ، فَيَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ، فَإِنْ ذَكَرَ النَّوْعَ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ صَحَّ لاِنْتِفَاءِ الْغَرَرِ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى ذِكْرِ النَّوْعِ؛ لأِنَّهُ إِذَا ذَكَرَ نَوْعًا فَقَدْ أَذِنَ فِي أَعْلاَهُ ثَمَنًا فَيَقِلُّ الْغَرَرُ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ صَحَّ؛ لأِنَّهُ يَعْرِفُ مَالَهُ فَيَقِلُّ الْغَرَرُ .

سَابِعًا: الْغَرَرُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ:

24 - يَرِدُ الْغَرَرُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَهْرِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لأِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لاَ يَبْطُلُ بِجَهَالَةِ الْعِوَضِ .

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ صُوَرًا لِلْغَرَرِ فِي الْمَهْرِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ جَهَالَةَ نَوْعِ الْمَهْرِ تُفْسِدُ التَّسْمِيَةَ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ، فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ.

كَمَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ ثُبُوتِ الأْجَلِ إِذَا كَانَتْ جَهَالَتُهُ مُتَفَاحِشَةً، وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالاً، وَذَلِكَ كَالتَّأْجِيلِ إِلَى هُبُوبِ الرِّيَاحِ أَوْ إِلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ، أَوْ إِلَى الْمَيْسَرَةِ .

وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا سَبَقَ - التَّصَرُّفَاتِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا وَعَدَمُهُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ. فَالطَّرَفَانِ: مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فِيهَا الْغَرَرُ، إِلاَّ مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ عَادَةً.

وَإِحْسَانٌ صِرْفٌ لاَ يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ، فَيُغْتَفَرُ فِيهِ الْغَرَرُ.

وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالأْلْفَةُ وَالسُّكُونُ، يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) الآْيَةُ. يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ، فَلِوُجُودِ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ، نَحْوُ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَشُورَةِ بَيْتٍ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الآْبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى الْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ، وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ فَامْتَنَعَ، وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْجِيلِ الْمَهْرِ إِلاَّ لِزَمَنٍ مُحَدَّدٍ، فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ التَّأْجِيلُ لِلْمَوْتِ أَوِ الْفِرَاقِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَأْجِيلَ الْمَهْرِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فِي حَقِّ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ؛ وَلأِنَّ غَيْرَ الْمَعْلُومِ مَجْهُولٌ لاَ يَصِحُّ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ كَالْمُحَرَّمِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ، وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ بِالزَّوَاجِ عَلَى الآْبِقِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَدَيْنِ السَّلَمِ، وَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ مَكِيلاً وَنَحْوَهُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ الْيَسِيرُ وَالْغَرَرُ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُؤَثِّرُ فِي الْمَهْرِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، لِذَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْمَهْرِ شُرُوطَ الْمَبِيعِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا.

وَلَوْ سَمَّى صَدَاقًا فَاقِدًا لأِحَدِ شُرُوطِ الْمَبِيعِ فَسَدَ الصَّدَاقُ وَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ لِلزَّوْجَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ .

الْغَرَرُ فِي الشُّرُوطِ:

25 - يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ الْغَرَرِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، وَشَرْطٌ يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ، وَشَرْطٌ يَزِيدُ مِنَ الْغَرَرِ الَّذِي فِي الْعَقْدِ.

أَوَّلاً - الشَّرْطُ الَّذِي فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ:

26 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْخُلُوُّ عَنِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، نَحْوُ مَا إِذَا اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ؛ لأِنَّ الْمَشْرُوطَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ، لأِنَّ عِظَمَ الْبَطْنِ وَالتَّحَرُّكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعَارِضِ دَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَانَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ .

وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي قَوْلٍ - الْحَنَفِيَّةَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ .

وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلاً بِالصِّحَّةِ؛ لأِنَّ كَوْنَهَا حَامِلاً بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَذَا جَائِزٌ فَكَذَا هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي فِي وُجُودِهَا غَرَرٌ، مَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى أَنَّهَا تَضَعُ حَمْلَهَا إِلَى شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ فِي وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ غَرَرًا، وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا وَكَذَا رِطْلاً . قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا تُدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنَ اللَّبَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ وَضَبْطُهُ فَلَمْ يَصِحَّ .

ثَانِيًا - الشَّرْطُ الَّذِي يُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ:

27 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُحْدِثُ غَرَرًا فِي الْعَقْدِ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ غَيْرَ الْمَعْلُومِ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الثُّنْيَا.

وَبَيْعُ الثُّنْيَا مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ».

وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الثُّنْيَا إِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولاً؛ لأِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنَ الْمَعْلُومِ يَجْعَلُ الْبَاقِي مَجْهُولاً .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ بَيْعِ الثُّنْيَا: أَنْ يَبِيعَ الشَّاةَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ النَّاشِئِ عَنْ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً أَوْ شَاةً وَهُنَّ حَوَامِلُ، وَاسْتَثْنَى مَا فِي بُطُونِهَا، فَإِنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ .

ثَالِثًا - الشَّرْطُ الَّذِي يَزِيدُ الْغَرَرَ فِي الْعَقْدِ

28 - هَذَا الشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِي أَصْلِهَا غَرَرٌ، وَالأْصْلُ مَنْعُهَا، لَكِنَّهَا جَازَتِ اسْتِثْنَاءً وَذَلِكَ كَعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: أَجْمَعُوا بِالْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقْتَرِنُ بِهِ - أَيِ الْقِرَاضِ - شَرْطٌ يَزِيدُ فِي مَجْهَلَةِ الرِّبْحِ أَوْ فِي الْغَرَرِ الَّذِي فِيهِ .

ر: (مُضَارَبَة).

 

الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع المجلد / الثاني

والوقوف عند أحد جانبي عقد التأمين وهو جانب العلاقة ما بين المؤمن والمؤمن له بالذات ، دون مجاوزة ذلك إلى الجانب الآخر وهو جانب العلاقة ما بين المؤمن ومجموع المؤمن لهم حيث لا يكون المؤمن إلا وسيطاً بينهم ينظم تعاونهم جميعاً على مواجهة الخسارة التي تحيق بالقليل منهم ، هو الذي دفع بكثير ممن تصدوا للإفتاء في مشروعية التأمين في الفقه الإسلامي إلى القول بعدم مشروعيته . وتكون فتواهم في هذه الحالة صحيحة ، لأنه إذا نظر إلى عقد التأمين من جهة العلاقة ما بين المؤمن ومؤمن بالذات ، ومن جهة هذه العلاقة وحدها ، لم يعد عقد التأمين أن يكون عقد مقامرة أو رهان كما قدمنا ، ويكون غير مشروع ، لا فحسب في الفقهالإسلامي ، بل أيضاً في القانون المصري وفي جميع القوانين التي تحرم المقامرة والرهان . ولكن الجانب الآخر من عقد التأمين – وهو الجانب الذي يجب الوقوف عنده لأنه هو الذي يؤصل عقد التأمين ويحدد طبيعته – يبرز التأمين في ثوبه الحقيقي ، ويبين أنه ليس إلا تعاوناً منظماً تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعاً لخطر واخد ، حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضراراً جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به منهم لولا هذا التعاون . وشركة التأمين ليست في الواقع من الأمر إلا الوسيط الذي ينظم هذا التعاون على أسس فنية صحيحة ، وهي أسس معقدة في أشد الحاجة إلى جهود شركات ضخمة ، وسنعرض لها فيما يلي . فالتأمين إذن هو تعاون محمود ، تعاون على البر والتقوى : يبر به المتعاونو بعضهم بعضاً ، ويتقون به جميعاً شر المخاطر التي تهددهم . فكيف يجوز القول بأنه غير مشروع!! .

وقد كثرت الفتاوي الشرعية في التأمين ، بعضها يحلله وبعضها يحرمه ، ومن الفتاوي البارزة في تحليله فتوى الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في شأن التأمين على الحياة ، فقد سأله مدير شركة Mutual life insurance الأمريكية "في رجل اتفق مع جماعة ( قومبانية ) على أن يعطيهم مبلغاً معلوماً في مدة معلومة على أقساط معينة للاتجار فيما يبدو لهم فيه الحظ والمصلحة ، وأنه إذا أمضت المدة المذكورة وكان حياً يأخذ هذا المبلغ منهم مع ما ربحه من التجارة فيتلك المدة ، وإذا مات في خلالها تأخذ ورثته أو من يطلق له حال حياته ولاية أخذ المبلغ المذكور مع الربح الذي ينتج مما دفعه ، فهل ذلك يوافق شرعاً؟" فأجاب المفتي : "اتفاق هذا الرجل مع هؤلاء الجماعة على دفع ذلك المبلغ على وجه ما ذكر يكون من قبيل شركة المضاربة ، وهي جائزة . ولا مانع للرجل من أخذ ماله مع ما أنتجه من الربح بعد العمل فيه بالتجدارة ، وإذا مات الرجل في إبان المدة ، وكان الجماعة قد عملوا فيما دفعه ، وقاموا بما التزموه من دفع المبلغ لورثته أو لمن يكون له حق التصرف بدل المتوفي بعد موته ، جاز للورثة أو من يكون له حق التصرف في المال أن يأخذ المبلغ جميعه مع ما ربحه المدفوع منه بالتجارة على الوجه المذكور" ( المحاماة 5 رقم 460 ص 563 ) . وممن يفتون بتحليل التأمين الأستاذ مصطفى الزرقا ، فعنده أن الأصل في العقود الإباحة ، ولم توجب الشريعة حصر الناس ف يالعقود المعروفة قبلاً ، ولم تمنعهم من أي عقد جديد تدعوهم حاجتهم الزمنية إليه إذ كان غير مخالف لنظام التعاقد الشرعي وشرائطه العامة . ثم يشبه التأمين بعقد الموالاة وضمان خطر الطريق والوعد الملزم ونظام العواقل في الإسلام ( مصطفى الزرقا – عقد التأمين وموقف الشريعة الإسمية : مجلة حضارة الإسلام بدمشق سنة 1381 هجرية – سنة 1961 ميلادية ص 33 – ص 45 وص 167 – ص 172 وص 302 – ص 309 وص 420 – ص 434 – وتعقيبه على الأستاذ محمد أبو زهرة ص 884 – ص 895 – وهذا كله تسجيل لما دار في أسبوع الفقه الإسلامي الذي عقد بدمشق في ربيع سنة 1961 ) . وللأستاذ برهام محمد عطا الله بحث مفصل في التأمين وشريعة الإسلام ( مجلة إدارة قضايا الحكومة 6 سنة 1962 العدد الثالث ص 78 وما بعدها ) يلخص فيه تلخيصاً وافياً ما صدر في هذه المسألة من فتاوي وما أبدى من أراء . ورأيه يتفق مع رأي الأستاذ مصطفى الزرقا في أن الأصل في العقود الإباحة ، ولا محل لحصرها في عقود معينة . ولكنه يختلف عنه في أنه يرى بحق ألا يقاس عقد التأمين على غيره من العقود ، فهو يختلف عن كل ما شبهه به أنصار التحليل . فهو حلال ، لا لأنه يشبه عقداً آخر من العقود المعروفة ، بل لأنه عقد جديد لم يرد نص في تحريمه ، والأصل في العقود الإ[احة لا التحريم . وليس في التأمين شبهة غرر أو قمار إذ "التأمين نظام تعاوني بديع . . قائم علىتوزيع المخاطر وتشتيتها بين أكبر عدد ممكن من الأفراد الذين يتعرضون لنفس الخطر . أليس التعاون أساساً من أسس الإسلام ، ألم يقل رب العالمين : "وتعاونوا على البر والتقوى ، ؟ ثم أهناك تعاون أشد من ذلك التعاون في تحمل المصيبة التي تنزل؟ " ( المرجع السابق ص 89 ) – وأنظر أيضاً أحد طه السنوسي في عقد التأمين في التشريع الإسلامي ( مجلة الأزهر المجلد 25 سنة 1953 ص 303 ) : ويقيس التأمين من المسئولية على عقد الموالاة – وانظر عيسوي أحمد عيسيوي في عقد التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية والقانون ( مجلة العلوم القانونية والاقتصادية عدد يوليه سنة 1962 ص 167 وما بعدها ) .

أما القائلون بتحريم التأمين ، فعلى رأسهم ابن عابدين ( جزء 3 ص 345 ) ، وكان بحثه في عقد التأمين البحري ( وسماه بالسوكرة ) في صدد تحديد عقد الذمة والاستمان وما يبيحه للأجانب من الحقوق . ويذهب ابن عابدين إلىتحريم التأمين ، لأنه لا يشبه عقداً من العقود العروفة في الفقه الإسلامي ، فهو ليس وديعة بأجر ، ولا يعتبر من قبيل مسألة "ضمان خطر الطريق" . وللشيخ محمد بخيت المطيعي رأي في التأمين لا يخرج عن رأي ابن عابدين ( انظر مقال الأستاذ عيسوي أحمد عيسوي السابق الإشارة إليه ص 187 – ص188 ) . وأفتى الشيخ عبد الرحمن قراعة في صدد التأمين من الحريق ، بتاريخ 15 يناير سنة 1925 ، بتحريم التأمين . ويقول إن ضمان الأموال إما أن يكون بطريق الكفالة ، أو بطريق التعدي أو الإتلاف . فالتأمين من الحريق ليس بكفالة قطعاً ، ولا هو ضمان تعد ولا ضمان إتلاف . وليس بعقد مضاربة ، لأن عقد المضاربة يلزم فيه أن يكون المال من جانب رب المال والعمل من جانب المضارب والربح على ما شرط ، وأهل الشركة ( شركة التأمين ) إنما يأخذون المبالغ التي يأخذونها في نظير ضمان ما عساه أن يلحق الملك المؤمن عليه من الضرر ، وتارة هذا الضرر يقع وتارة لا يقع ، فيكون هذا العمل قماراً معنى ، يحرم الإقدام عليه ( المحاماة رقم 394 ص 466 ) – وقضت المحكمة العليا الشرعية بأن دعوى الوارث استحقاقه لنصيبه في مبلغ بشركة السيكورتاه ، تعهد مدير الشركة بدفعه دفعة واحدة في ظرف مدة معينة لو مات المورث فها نظير دفعه لشركة مبلغاً كل شهر ، غير صحيحة لاشتمالها على ما لا تجوز المطالبة به ( المحكمة العليا الشرعية 27 ديسمبر سنة 1926 المحاماة 7 رقم 545 ص 937 ) – وأبدى الأستاذ أحمد إبراهيم رأيه في شأن عقد التأمين على الحياة ، وذهب إلى تحريمه لأنه ليس بمضاربة ، وإذا قيل إنه قرض فهذا قرض جر نفعاً وهذا هو الربا وهو حرام . وإذا مات المؤمن له بعد دفع قسط واحد مثلاً ، وأدت الشركة مبلغ التأمين كله ، فهذه مقامرة ، وحياة الإنسان وموته لا يجوز أن تكون محلاً للتجارة ( مجلة الشبان المسلمين 13 عدد 3 في 7 نوفمبر سنة 1941 ) – وكذلك أبدى الأستاذ محمد أبو زهرة رأيه في رده على الأستاذ مصطفى الزرقا بعنوان "حول التأمين" ، فقال إن التأمين التعاوني والاجتماعي حلال لا شبهة فيه ، أما التأمين غير التعاوني فغير جائز ( يكرهه ) لأن فيه قماراً أو شبهة قمار ، وفيه غرر وربا ، وهو صرف لا يجوز إلا بالقبض ، ولا توجد ضرورة اقتصادية توجبه ( مجلة حضارة الإسلام بدمشق سنة 1381 هجرية – سنة 1961 ميلادية ص 524 ) .

وفيما قدمناه في هذه الآراء المختلفة نقف عند المسائل الآتية :

لا تصح التفرقة بين التأمين الاجتماعي والتأمين الفردي ، فكلاهما يقوم على أساس واحد ، ولا يختلفان إلا في أن الدولة في التأمين الاجتماعي هي التي تقوم بدور المؤمن . فمن قال بجواز التأمين الاجتماعي وجب أن يقول بجواز التأمين الفردي .
لا يجوز قياس عقد التأمين على عقود أو نظم معروفة في الفقه الإسلامي ، فهو لا يشبه عقد المضاربة في شيء ، ولا هو كفالة ، ولا هو وديعة بأجر ، ولا هو عقد موالاة ، ولا يدخل في ضمان خطر الطريق ، ولا في الوعد الملزم ، ولا في نظام العواقل ، إلى آخر ما جاء من التشبيهات .
( ج ) وإنما التأمين عقد جديد له مقوماته وخصائصه ، وهو ليس بين العقود أو النظم التي عرفها الفقه الإسلامي . ويأخذ عليه المحرمون له أنه مقامرة ، وفيه غرر ، وينطوي على الربا .

( د ) أما أن فيه مقامرة ، فقد بينا أن عقد التأمين بعيد كل البعد عنها . فهو من الناحية الاقتصادية ليس بمقامرة ، لا بالنسبة إلى المؤمن فهو يأخذ الأقساط من المؤمن لهم ثم يعيد توزيعها عليهم ولا يعرض نفسه لاحتمال الخسارة أو المكسب بأكثر مما يعرض نفسه أي شخص آخر في تجارة مشروعة ، ولا بالنسبة إلى المؤمن له إذ هو لا يقامر معتمداً على الحظ والمصادفة بل على العكس من ذلك تماماً يقصد أن يتوقى شر الحظ والمصادفة ويتعاون مع غيره من المؤمن لهم على توزيع أضرار ما يبينه الحظ والمصادفة لهم جميعاً ولا يجوز أن نسمى التعاون مقامرة .

( هـ ) أما الغرر ، فقد بينا في كتابنا "مصادر الحق في الفقه الإسلامي" أن هناك تطوراً ملحوظاً في الفقه الإسلامي ، في هذه المسألة ، وأن أكثر المذاهب تطوراً فيها هو مذهب مالك ، وقد بين ابن رشد في عبارة جلية الأصل عند مالك في ذلك فقال : "والأصل عنده أن من الغرر ما يجوز لموضع الضرورة" ( مصادر الحق في الفقه الإسلامي للمؤلف جزء 3 ص 32 – ص33 ) .

( و ) وأما الربا ، فهذه مسألة لا تقتصر على عقد التأمين ، بل تتناول ضروباً كثيرة من التعامل ، وقد بحثناها بحثاً مفصلاً ، وميزنا بين ربا الجاهلية من جهة وبين ربا النسيئة وربا الفضل من جهة أخرى ، فالأول غير جائز إلا للضرورة ، والثاني غير جائز أيضاً إلا للحاجة . فإذا قامت الحاجة في نظام اقتصادي معين إلى دفع فوائد معتدلة على رؤوس الأموال ، كان هذا جائزاً مادامت الحاجة قائمة ، وإلا عاد الأمر إلى أصله من عدم الجواز ( انظر تفصيل ذلك في مصادر الحق في الفقه الإسلامي للمؤلف جزء 3 ص 196 – ص 277 ) .

( ز ) بقي أن يقال إن عقد التأمين لا يدخل في العقود المعروفة في الفقه الإسلامي وليس له نظير فيها ، وقد وردت هذه العقود على سبيل الحصر ، فأي عقد جديد لا يستند إليها يكون غير جائز . وقد سبق لنا أيضاً أن بحثنا هذه المسألة ، وقلنا في صددها ما يأتي : "هل العقود في الفقه الإسلامي مذكورة على سبيل الحصر ؟ يبدو لأول وهلة أنها كذلك . ففي كتب الفقه لا نجد نظرية عامة للعقد ، بل نجد على النقيض من ذلك عقوداً مسماة تأتي عقداً بعد عقد على ترتيب غير منطقي . ويختلف هذا الترتيب في كتاب عنه في كتاب آخر ، حتى ليظن الباحث أن الفقه الإسلامي لا يعرف إلا هذه العقود المسماة ، وأن أي اتفاق لا يدخل تحت عقد من هذه العقود لا يكون مشروعاً . ولكن هذه النظرة إلى الفقه الإسلامي نظرة سطحية ، فإن الباحث يلمح من خلال الأحكام التي يقررها الفقهاء في صدد هذه العقود المسماة أنهم يسلمون بإمكان أن يمتزج عقدان أو أكثر من هذه العقود في عقد واحد ، يجمع بين خصائص العقود التي امتزجت فيه . بل ويلمح أن هناك قاعدة فقهية مسلمة ، هي أن المسلمين عند شروطهم ، وأن كل اتفاق تتوافر فيه الشروط التي يقررها الفقه الإسلامي يكون عقداً مشروعاً . ويكفي أن نشير إلى ما جاء في البدائع في هذا الصدد : "وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال المسلمون عند شروطهم ، فظاهره يقتضي لزوم الوفاء بكل شرط إلا ما خص بدليل ، لأنه يقتضي أن يكون كل مسلم عند شرطه ، وإنما يكون كذلك إذا لزمه الوفاء به . . وهذا لأن الأصل أن تصرف الإنسان يقع على الوجه الذي أوقعه إذا كان أهلاً للتصرف والمحل قابلاً وله ولاية عليه ، ( البدائع جزء 5 ص 259 ) . ومن ثم فما ذكره الفقهاء من العقود المسماة ، إنما هي العقود التي يغلب أن يقع بها التعامل في ذمتهم ، فإذا استحدثت الحضارة عقوداً أخرى توافرت فيها الشروط المقررة فقهاً ، كانت عقوداً مشروعة" ( مصادر الحق في الفقه الإسلامي للمؤلف الجزء الأول ص 80 – ص 83 ) . ويؤخذ من ذلك أن عقد التأمين لا يجوز القول بعدم مشروعيته من ناحية أنه عقد جديد غير معروف في الفقه الإسلامي . وإما قد يتوهم أن يتسرب إليه عدم المشروعية من ناحية الربا أو من ناحية الغرر ، وقد سبق أن نفينا عنه كلا من الناحيتين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

نظرة عامة :

القسم الفقهاء في نظرتهم الى التامين .

ففريق منهم يجيزه . وهؤلاء يختلفون في الأساس الذي تقوم عليه شرعية التامين " نقائل أنه يجوز شرعا اذا كان ينطوي على مضاربة

فتوى الإمام محمد عبده في شأن التأمين على الحياة : الحاماة 5 -563- 460 ) وقائل أنه لا يخالفت نظام التعاقد الشرعية وشرائطه العامة ، ويشبهه بمقد الموالاة وضمان خطر الطريق والوعدا اللازم ونظام العوائل في الاسلام ( مصطفى الزرقا: عقد التأمين وموقف الشريعة الاسلامية : مجلة حضارة الإسلام بدمشق سنة 1961). وقائل أنه حلال، حيث لم يرد نص في تحريمة ، والأصل في العقود الإباحة ، وليس فيه شبهة غمر او قمار ، وانما هو نظام تعاونی بديع يقوم على توزيع المخاطر وتشتيتها بين اكبر عدد ممكن من الأفراد وقد قال رب العالين : و و تعاونوا على البر والتقوى ( على الخفيف بحث قدم الى مجمع البحوث الإسلامية المنعقد سنة 1965 . برهام محمد عطا الله : بحث في التامين و شريعة الاسلام : مجلة ادارة قضايا الحكومة 6 سنة 1962 العدد الثالث ص ۷۸ وما بعدها ) ومنهم من فقہ الامين من المسئولية على عقد الموالاة ( احمد طه السنوسي في عقد التامين في التشريع الإسلامي : مجلة الأزهر المجلد 25 سنة 1953 ص ۳۰۳ - وانظر عسوي احمد عسوي في عقد التامين هموم وجهة نظر الشريعة الاسلامية والقانون( مجلة العلوم القانونية والاقتصادية يوليه سنة 1962 ص 167 وما بعدها ).

 

وفريق منهم يحرمة " وهؤلاء يختلفون ايضا في الأساس الذي يقوم عليه التحريم " فمنهم من يذهب إلى تحريمه لانة لآ يشبة عقدا من العقود الم وفة في الفقه الإسلامي " فهو ل ودعه بأحر ، ولا يعتد من قبل ضمان خط الطريق ( ابن عابدین ج3 ص 345 - محمد نجيب المطبعي : المشار اليه في مقال عيسوی احمد عیسوی السابق الاشارة اليه ص۱۸۷ و 188) " ومنهم ما يحرمه في صور التامين من الحريق على أساس أن ضمان الأموال اما ان يكون بطريق النكالة ، أو بطریق التعدي أو الاتلاف . فالتامين من الحريق ليس بكفالة قطعا ، ولا هو ضمان تعد ولا ضمان اتلاف ولس عقد مضاربة، لأن عقد المضاربة يلزم فيه أن يكون المال من جانب رب المال والعمل من جانب المضارب والربح على ما شرط، وشركة التأمين الما تاخذ المبالغ التي تأخذها في نظر زمان ما عساه ان الحق الملك المؤمن عليه من الضرر ، وتارة هذا الضرر يقم وتارة لا يقع ، فيكون هذا العمل قمارا معنی ، بجرم الاقدام علیه شرعا ( عبد الرحمن قراعة ، المحاماة 5 – 466 – 394 ). ومنهم من يحرمه في صدر التأمين على الحياة ، لانه البس مضاربة ، واذا قبل أنه قرض فهدا قرض جر نفما و هذا هو الربا وهو حرام " واذا مات المؤمن له بعد دفع قسط واحد مثلا ، وأدت الشركة مبلغ التأمين كله ، فهذه مقامرة، وحياة الانسان و موته لا يجوز أن تكون محلا للتجارة و احمد ابراهيم ، مجلة الشبان المسلمين 13 عدد 3 في 7 نوفمبر سنة 1941 ) ومنهم من يرى ان التأمين التعاوني والاجتماعي حلالك لا شبهة فيه ، أما التامين غير التماوتی فغير جائز لان فيه تمارا او ش بهه قمار ، وفيه غرر وربا ولا و حد ضرورة اقتصادية توجيه ( محمد ابو زهرة ، مجلة حضارة الاسلام بدمشق سنة 1961 ص 524 ) * ومنهم من يرى أن جميع أنواع التأمين خير التعاوني حرام الانطوائها على غرر في الحصول وفي المقدار و في الاحل ( حسين حامد ، بحث في حكم الشريعة الاسلامية في عقود التامین ) -

غير أنه يلاحظ أن عقد التأمين له جانبان : أولهما جانب العلاقة بين المؤمن والمؤمن له . وثانيهما هو جانب العلاقة بين المؤمن له ومجموع و المؤمن لهم : وهذا الجانب يجب أن يكون له الاعتبار الأول . فشركة : التأمين لاتبرم عقد التأمين مع مؤمن له واحد، أو مع عدد قليل و من المؤمن لهم . ولو انها فعلت ذلك ، كان عقد التامين مقامرة او : رمانا ، ولكان عقده غير مشروع، لا في الشريعة الاسلامية فحسب بل أيضا في القانون المصري و جميع القوانين التي تحرم المقامرة والرمان ، ولكن الشركة تتعاقد مع عدد كبير من المؤمن لهم ، ويقدم كل منهم اداء مالا معينا ، و من مجموع ما يقدم المها من هؤلاء جميعا تعوض العدد القليل الذي يقع له الحادث أو شال به الخطر المؤمن الهم تعاء نون جميعا في تعه بض هذا العدد القليل ، وبذلك توزع الخسارة على الجميع

ويتضح من هذا ان التامين في وضعه الحالى ليس الا تعاونا منظما من عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخط واحد حتى اذا تحقق الخطر بالنسبة الى بعضهم تعاون الجسم على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم بتلاقيهم بها اضرارا جسيمة تحقق بين نزل الخطر به منهم لولا هذا التعاون وشركة التامين في الوضع الحالى ليست الا الوسيط الذى ينظم هذا التعاون على اسس فنية صحيحة فالتامين تعاون محدود فيما بين المتعاونون بعضهم بعض ( انظر في هذا المعنى السنهوري الوسيط ج7 في عقد التامين فقرة 542 في المتن والهامش)

 

وبالرغم من سلامة هذا التصوير ، باعتبار عقد التامين منطويا على تعاون محمود بين المؤمن لفترة مقرها المشروع الاسلامي ويدعو اليه فقد عقد المشروع الى تنظيم التامين على اساس قيام شركة مضاربة من المؤمن لهم شركة التامين التى تتولى ادارة اموال التامين واستثمارها وذلك حرصا على استبعاد اية شبهة في مشروعية التامين ففى شركة المضاربة هذه يقدم المؤمن لهم راس المال وهو عبارة عن مجموع الاقساط او الدفع المالية الاخرى التى يقدمها هؤلاء ويقدم المؤمن العمل ، حيث يتولى ادارة واستثمار اموال التامين ويقسم الربح بين الطرفين بنسبة يتفق عليها وقد نظم الفقه الاسلامي شركة المضاربة باعتبارها طريقة مشروعة لاستثمار المال واقتبس المشروع واحكامها من هذا الفقه

وهذه الطريقة في تنظيم التامين تتسق مع اعتباره عقد تعاون لا معاوضة، وتستعد عنصر الغير فيه ، فلا يسقى مجال للشك في مشروعة . هذا الى ما تمتاز به من القضاء على استغلال شركات التأمين المؤمن لهم . فهي في الوضع الحالي تستثمر أموال التأمين و ته متانی ها و نیازها، مع انها أموال المؤمن لهم ولهم نصيب في ثمارها • وازا. ذلك واحة المشروع هذه المسألة بطريقة حاسمة حدد فيها وضع أموال العامين وفقا لما هو مقرر في شركة المضاربة .

والى جانب هذه ، فقد عنى المشروع بالنص على جمعيات التأمين التبادلية ، وهي بمثابة جمعيات تعاونية ، يحدد الأعضاء فيها الاخطار التي يتعرضون لها ، ويقومون بتعويض من يتحقق الخطر بالنسبة اليه منهم من الاشتراكات التي يؤديها الاعضاء ، وبهذا واجه المشروع واقعا عمليا يقوم على تعاون صرف بين أعضاء هذه الجمعيات •

واذا كان عقد التأمين ليس له نظير في الفقه الاسلامی ، فان ذلك يرجع إلى أن الفقهاء قد تناولوا العقود التي يغلب أن يقع بها التعامل في زمنهم ، فاذا استحدثت عقود أخرى توافرت فيها الشروط المقررة فقها كانت عقود مشروعة *

مادة 775

اذا التزم شخص بتقديم كفيل ، وجب عليه أن يقدم كفيلا موسرا ومقيما في مصر ، وله أن يقدم عوضا عن الكفيل تامينا عينيا كافيا .

٢- واذا اعسر الكفيل بعد الكفالة ، او نقل محل اقامته خارج مصر ، وجب على المدين تقديم كفيل آخر ، مالم يكن الدائن قاشترط شخصا معينا لكفالة الدين او كان الكفيل قد التزم دون علم الدين او رغم معارضته .

الفقرة الأولى من هذه المادة تطابق المادة 774 من التقنين الحالي ، مع استبدال كلمة « كفيلا» بكلمة «شخصا »

والفقرة الثانية منها تتفق مع المادة 1140 من المشروع التمهيدي التقنين الحالي ، حيث كانت تنص على ما يأتي: «۱- اذا أعسر الكفيل بعد الكفالة ، وجب تقديم كفيل آخر 2۔ ویستثنی من ذلك ان يكون الدائن قد اشترط شختيا معينا لكفالة الدين ، أو أن يكون الكفيل قد التزم دون علم الدین ». وفي لجنة المراجعة رات اللجنة عدم الموافقة على حكمها والاكتفاء في موضوعها بالقواعد العامة مجموعة الأعمال التحضيرية ج 5 ص 429 - 4۳۱ في الهامش )

وقد رئي أن يستثنى من حكم الفقرة الثانية في المادة المقترحة ، فضلا عن حالتي اشتراط الدائن شخصا معينا لكفالة الدين والتزام الكفيل دون علم الدين ، حالة ثالثة هي ان يكون الكفيل قد التزم رغم معارضة المدين ، اذ أن لهذه الحالة سندها من المنطق كما هو الشان في الحالتين الأخريين .

الفطر المذكرة الايضاحية للمواد المقابلة في المشروع التمهيدي للتقنين الحای (م 1141 و 1141 مکررا و1142) والمناقشات التي دارت في شأنها في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 5 ص 429-440

فبمقتضى هي الفترة الأولى من المادة المقترحة يشترط في الكفيل الذي يلتزم المدين بتقديمه شيطان ، هما أن يكون موسرا وان يكون مقيما في مصر، وللمدين أن يقدم عوضا عن الكفيل تأمينا عينيا كافيا.

وبمقتضى الفقرة الثانية من هذه المادة يجب ان يصة من الكفيل متوافرا على هذين الشرطين ما دامت الكفالة قائمة . فاذا تخلف احد هذين الشرطين أو كلاهما : وجب على المدين تقديم كميل آخر يتوافر فيه هذان الشرطان . ويستثنى من ذاك ، فلا يجب على المدين تقدیم کفیل آخر ، حالات ثلاث : الاولى اذا كان الدائن قد اشترط شخصا معينا الكفالة الدين . حيث لاوجه لان يلتزم المدين بتقديم شخص آخر اذا . اصبح الشخص الذي طلبه الدائن بالذات غير متوافر على الشروط الواجبة . والثانية اذا كان الكفيل قد التزم دون علم الدين ، والثالثة اذا كان الكفيل قد التزم رغم معارضته الدين . اذ في هاتين الحالتين لا يستساغ الزام المدين بتقديم شخص آخر اذا اصبح الشخص الذي لا يعلم بالتزامه أو التزم رغما عنه غير متوافر على الشروط الواجبة .

والمادة المقترحة تقابل المادة 747 من التقنين الكويتي .

والسند الشرعي الفقرة الأولى من المادة المقترحة أن حكمها التحقق مقصود الشارع من الكفالة ، اذ هي للتوثيق . فاذا التزم المدين بأن شدم كفيلا، فان ما يتحقق به مقصود العاقدين ومقصود الشارع هو ان يكون الكفيل موسرا ، وكذلك الاقامة في مصر حتى يمكن الحصول على الدين من الكفيل اذا لم يف به المدين .

واذا قدم المدين تأمينا عينيا كافيا بدلا عن الكفيل ، لزم الدائن قبوله ، لان قصده قد تحقق وربما على نحو أفضل ، فليس له مصلحة من هنا والقاعدة في الاضرار على أن يقدم المدیر كفيلا . وان كان الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار .

وحكم الفقرة الثانية يعتبر استكمالا لحكم الفقرة الأولى من حيث تحقیق مقصود العائدين ومقصود الشارع .

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

مادة 747

التامين عقد تعاون يقدم المؤمن له بمقتضاه اقساطا او اية دفعة مالية أخرى لمواجهة حادث او خطر معين ينزل بای من المؤمن لهم ، فيكون على المؤمن أن يؤدي إلى المؤمن له او الى المستفيد مبالغا من المال أو ایرادا مرتبا او أي أداء مالى آخر في حالة وقوع الحادث او تحقق الخطر المبين في العقد .

 

هذه المادة تقابل المادة 747 من التقنين الحالي التي تنص على ماباتی : « التامين عقد يلتزم المؤ من بمقتضاه أن يؤدي الى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال او ایرادا مرتبا او ای عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث او تحقق المخطر المبين بالعقد ، وذلك في نظير قسط او اية دفعة مالية اخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن

ويؤخذ على هذا التعريف انه يتناول عقد التامين من احد جانبه وهو جانب العلاقة بين المؤمن والمؤمن له ولكن التامين جانبا اخر وهو العلاقة بين المؤمن له ومجموع المؤمن لهم وهذا الجانب يجب ان يكون له الاعتبار الاول كما سبق القول

 

ولهذا رئى ان يكون التعريف المقترح شاملا لهذين الجانبين بحيث يخلص منه ان عقد التامين في حقيقته عقد تعاون بين المؤمن لهم في تعويض من يقع له الحادث او ينزل به الخطر المؤمن منه وبذلك توزع الخسارة على الجميع

والسند الشرعي للنص المقترح تلك القاعدة الفقهية التى جاءت فيما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من انه قال : المسلمون عند شروطهم فكل اتفاق تتوافر فيه الشروط التى يقررها الفقه الاسلامي يكون عقد مشروعا ( انظر في هذا البدائع ج 5 ص 295)

والمادة المقترحة تقابل المادة 893 من التقنين العراقي ، وهي تتفق مع المادة 747 من التقنين المصرى الحالى

وتقابل المادة 920 من التقنين الاردني وهي تتفق مع المادة 747 من التقنين الحالى

وتقابل المادة 773 من التقنين الكويتي وهي تتفق مع المادة 747 من التقنين الحالى

( مادة 767)

ا- ينتهي عقد التامين بانقضاء مدته المعينة في الوثيقة .

٢- ومع ذلك فانه ، فيما عدا عقود التأمين على الحياة . أذا زادت مدة التأمين على خمس سنوات ، جاز لكل من المؤمن والمؤمن له ان يطلب انهاء العقد في نهاية كل خمس سنوات من مدة التامين ، اذا أخطر الشرف الآخر بكتاب مودی علیه مصحوب بعلم وصول قبل انقضاء هذه الفترة بستة اشهر على الأقل . ويجب بيان ذلك في وثيقة التامين ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف ذلك .

الفقرة الأولى من هذه المادة تطبيق للقواعد العامة . فمدة العقد من البيانات التي يجب أن تشتمل عليها وثيقة التأمين (م750 من المشروع ومن من مشروع وزارة الاقتصاد وم 1058 من المشروع التمهیدی التقنين الحالي ).

والفقرة الثانية مستمدة من المادة 24 من مشروع وزارة الاقتصاد والمادة 1060 من المشروع التمهيدي للتقنين الحالي .

فالأصل أن اطرفي العقد الحرية في تعيين مدته ، غير انه اذا زادت مدة المتد على خمس سنوات ، فانها تجاوز المدة التي يستطيع فيها المتعاقدان توقع الاحتمالات المختلفة التي تطرا في خلال مدة العقد •

وعليه تقتضي مصلحة كل من المتعاقدين ، وبخاصة مصلحة المؤمن له ، الا يتقيد لمدة تزيد على خمس سنوات . اذا عينت للعقد مدة تزيد على خمس سنوات ، ار اتفق على أن تكون مدته غير محددة . "بان لأي من المتعاقدين أن يتحلل من العقد بعد انقضاء كل خمس سنوات.

ونظرا الى ان هذا الحكم قصد به حماية المتعاقدين ، فانه يعتبر من المهام العم . قد يجر النزول عنه او ان تعان على ما يخالفه .

ولا يسرى هذا الحكم على عقود التأمين على الحياة ، حيث تكون عاده نريده ايده حتى يتمكن المؤمن له من ادخار مقدار كاف من المال . هدا الى أن المؤمن له ليس في حاجة الى هذه الحماية ، اذ يستطيع ، ایا دانت مدة العقد ، أن يتحمل منه بعد انقضاء سنه واحده ( 768 من المشروع)

والمادة المقترحه تتفق مع الماده ۷۸۷ من التقنين ألكرینی .

والسند الشرعي للمانه المقترحة أن الشرع الاسلامی بشر مثل هذا الحدم مادام يسد به حماية المتعاقدين . واد كان هذا الحكم يجب ان يذكر في وثيقة التامين فالمسلمون عند شروطهم .

 

(مادة 755) لا يجوز للمؤمن المباشر ولا للمؤمن المعيد أن يعيد التامين لدى هيئة اجنبية فيما يجاوز مقدار الاتفاقيات المبرمة الا بعد استنفاد ماتستطيع الهيئات المصرية أن تضطلع به في اعادة التأمين .

هذه المادة مستحدثة .

وقد روعيت فيها مصلحة وطنية تقتضي أن تبقى اموال التأمين في مصر فلا تنتقل إلى الخارج. ويحرم المواطنون من ثمرتها . اذ ان هيئات اعادة التأمين الأجنبية تكون أموالها في الخارج ، و بالتالي فان هذه الأموال تستثمرخارج مصر ، ولا يفيد منها الاقتصاد الوطني " "

والذي يحصل في العمل هو أن شركات التامين المصرية تعقد اتفاقيات لاعادة التأمين لدى هينات مصرية واجنبية في حدود مبلغ معين ، وهذا واقع عملي يفرضه مدى مالهذه الشركات من طلانة مالية . ولذلك يقتصر نطاق حكم المادة المقترحة على اعادة التأمين فيما يزيد على المبالغ المحددة في هذه الاتفاقيات . ويتحقق ذلك اذا أبرمت شركات التامين المصرية و دا تزيد قيمتها عن هذه المبالغ » حيث لا يجوز لها حينئد ان تعيد التأمين لدى هيئة اجنبية قيما يزيد على هذه المبالغ الا بعد أن تعرض التعاقد على الهيئات المصرية لكي تضطلع بما تستطيع القيام به في اعادة التأمين هذه .

ولاشك في أن الشرع الاسلامی قر حكم المادة المقترحة ، مادام بهدف الى الحيلولة دون لسرب امرال المواطنين الى ايدي الأجانب خارج الوطن