مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس ، الصفحة : 366
مذكرة المشروع التمهيدي :
اقتبس المشروع الفقرة الأولى من المادة 170 من القانون الألماني الصادر في 30 مايو سنة 1908 وكذلان اقتبس منها الفقرة الثانية ، وقد فضل الأخذ حكمها عن الحكيم الوارد بالمادة 79 فقرة 3 من قانون سنة 1930 الفرنسي، وهي تقضي في مثل هذه الحالة بدفع مبلغ التأمين الورثة المؤمن عليه .
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الثاني
وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد المادة 757 مدني ما يأتي : "اقتبس المشروع الفقرة الأولى من المادة 170 من القانون الألماني الصادر في 30 مايو 1908 ، وكذلك اقتبس منها الفقرة الثانية ، وقد فضل الأخذ بحكمها عن الحكم الوارد بالمادة 79/2 من قانون سنة 1930 الفرنسي ، وهي ( أي المادة 170/2 من القانون الألماني ) تقضي في مثل هذه الحالة بدفع مبلغ التأمين لورثة المؤمن عليه" ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 366 ) .
تنص المادة 757 من التقنين المدني على ما يأتي :
"1- إذا كان التأمين على حياة شخص غير المؤمن له ، برئت ذمة المؤمن من التزاماته متى تسبب المؤمن له عمداً في وفاة ذلك الشخص ، أو وقعت الوفاة بناءً على تحريض منه" .
"2- وإذا كان التأمين على الحياة لصالح شخص غير المؤمن له ، فلا يستفيد هذا الشخص من التأمين إذا تسبب عمداً في وفاة الشخص المؤمن على حياته ، أو وقعت الوفاة بناءً على تحريض منه فإذا كان ما وقع من هذا الشخص مجرد شروع في إحداث الوفاة ، كان للمؤمن له الحق في أن يستبدل بالمستفيد شخصاً آخر ، ولو كان المستفيد قد قبل ما اشترط لمصلحته من تأمين .
ويعرض هذا النص لفرضين :
( الفرض الأول ) أن يقع التأمين على حياة الغير ، فالمؤمن له يكون هو المؤمن على حياته، وينفصل عنه كل من طالب التأمين والمستفيد وقد يكونان شخصاً واحداً فيكون المفروض إذن أن شخصاً أمن على حياة غيره لمصلحته هو ، فأصبح هو المستفيد وطال بالتأمين في وقت واحد ، أما المؤمن على حياته - أي المؤمن له - فهو شخص آخر ليس طرفاً في عقد التأمين ، ولكنه وافق على العقد طبقاً لأحكام المادة 755 مدني .
وبالرغم من أن المؤمن على حياته قد وافق على عقد التأمين ، مطمئناً إلى طالب التأمين وهو المستفيد في الوقت ذاته ، فقد خان طالب التأمين الثقة الموضوعة فيه وتسبب عمداً في وفاة المؤمن على حياته أو حرض على قتله فقتل والمفروض هنا أن التأمين تأمين لحالة الوفاة لا لحالة البقاء ، فكان مقتضى عقد التأمين أن يستحق المستفيد مبلغ التأمين بمجرد وفاة المؤمن على حياته ولكن لما كان المستفيد - أو طالب التأمين إذ هما شخص واحد - هو الذي تسبب في وفاة المؤمن على حياته ، فإنه يحرم من مبلغ التأمين وتبرأ ذمة المؤمن من هذا المبلغ فلا يدفع شيئاً لأحد ، وبذلك ينتهي عقد التأمين ذلك أن المستفيد قد أراد أن يحقق مصلحة له ، وهي الحصول على مبلغ التأمين ، عن طريق الإجرام وهذا ما كان يخشاه المشرع عندما اشترط موافقة المؤمن على حياته على عقد التأمين ، ولكن هذه الموافقة لم تعصم المؤمن على حياته من اعتداء المستفيد عليه مستعجلاً موته حتى يحصل على مبلغ التأمين ، فحرمه المشرع من ذلك ، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه .
وحتى تبرأ ذمة المؤمن من مبلغ التأمين يجب أن يكون المستفيد قد تسبب عمداً في وفاة المؤمن على حياته ، فإذا تسبب خطأ في هذه الوفاة ، أو تعمد إيذاءه دون أن يتعمد موته فأفضى الإيذاء إلى الموت ، فإن القتل الخطأ أو الضرب الذي أفضى إلى الموت لا يكفي ، ومن ثم لا تبرأ ذمة المؤمن ، ويجب عليه دفع مبلغ التأمين إلى المستفيد بالرغم من أن هذا قد تسبب في قتله لأن القتل لم يكن متعمداً بل قد يكون القتل متعمداً ولكنه يكون دفاعاً عن النفس أو يكون له مبرر آخر ، ففي هذه الحالة لا تبرأ ذمة المؤمن ويجب عليه دفع مبلغ التأمين للمستفيد وتبرأ ذمة المؤمن لو تعمد المستفيد قتل المؤمن على حياته دون مبرر ، سواء تم القتل أو كان مجرد شروع ، ولو صدر عفو بعد ذلك عن المستفيد في جريمة القتل أو في جريمة الشروع فيه سواء كان العفو عن العقوبة أو عن الجريمة ولا يشترط صدور حكم جنائي بإدانة المستفيد فقد لا يحاكم جنائياً أو يحفظ التحقيق ومع ذلك يجوز إثبات التعمد أمام القضاء المدني ، ولكن لا يكون ذلك جائزاً إذا صدر حكم ببراءته أمام القضاء الجنائي ويستوي أن يكون المستفيد هو الفاعل الأصلي في القتل العمد ، أو كان أحد الفاعلين الأصليين ، أو كان مجرد شك ولو بالتحريض.
( الفرض الثاني ) أن يقع التأمين لمصلحة الغير ، سواء كان المؤمن على حياته أي المؤمن له هو أيضاً طالب التأمين أو كانا شخصين مختلفين ، أي سواء كان التأمين تأمين على حياة الغير كما هو لمصلحة الغير ، أو كان تأميناً على حياة نفس طالب التأمين وفي هذا الفرض أيضاً يكون المستفيد شخصاً آخر غير المؤمن على حياته ، وله مصلحة في موته حتى يتقاضى مبلغ التأمين فإذا تسبب في موته أو حرص على قتله فقتل ، على التفصيل الذي سبق بيانه ، فإنه يحرم من مبلغ التأمين لنفس الإعتبارات التي تقدم ذكرها ولكن ذمة المؤمن لا تبرأ من مبلغ التأمين ، ويدفع هذا المبلغ إلى طالب التأمين إذا لم يكن هو المعتدى على حياته ، أو إلى ورثته إذا كان طالب التأمين هو في الوقت ذاته المؤمن له المعتدى على حياته ، وهذا الحكم مأخوذ من القانون الألماني الصادر في 30 مايو سنة 1908 ، إذ تنص المادة 170/2 منه – وهي المادة التي أقتبس منها نص التقنين المصري ، على ما يأتي : "في التأمين لحالة الوفاة ، إذا كان الغير قد عيَّن مستفيداً ، اعتبر هذا التعيين غير موجود ، إذا تسبب هذا الغير عمداً بعمل غير مشروع في موت الشخص الذي عقد التأمين على حياته"ومعنى اعتبار تعيين المستفيد"غير موجود" أن مبلغ التأمين يؤول إلى غير المستفيد : طال بالتأمين أو ورثته وهذا يخالف حكم قانون التأمين الفرنسي الصادر في 13 يوليه سنة 1930 ، فإن المادة 79/2 من هذا القانون تقضي بأن المؤمن يدفع احتياطي للتأمين ، لا مبلغ التأمين ، لطالب التأمين أو ورثته ، بشرط أن تكون أقساط التأمين قد دفعت لمدة ثلاث سنوات على الأقل .
وكل ما قدمناه من تفصيلات في الفرض الأول في شأن القتل الخطأ ، والضرب المفضي إلى الموت ، والقتل دفعاً عن النفس ، والعفو عن العقوبة أو عن الجريمة ، وصدور الحكم الجنائي بإدانة المستفيد ، وتعدد الفاعلين الأصليين والإقتصار على دور الشريك يسري هنا .
ولكن يتميز هذا الفرض الثاني عن الفرض الأول في حالة ما إذا أفضى الاعتداء على حياة المؤمن على حياته إلى مجرد شروع في القتل ففي الفرض الأول رأينا أن حكم الشروع في القتل هو نفس حكم جريمة القتل التامة أما في الفرض الثاني فإنه إذا أفضى الاعتداء على حياة المؤمن على حياته إلى مجرد شروع في القتل ، كان لطالب التأمين "الحق - كما تقول العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 757 مدني - في أن يستبدل بالمستفيد شخصاً آخر ، ولو كان المستفيد قد قبل ما اشترط لمصلحته من التأمين" والأصل أن طالب التأمين يستطيع أن يستبدل بالمستفيد مستفيداً آخر ما دام المستفيد الأول لم يقبل التأمين لمصلحته بعد فإذا ما قبل لم يعد يجوز الاستبدال به وفقاً لقواعد الإشتراط لمصلحة الغير، ولكن إذا شرع المستفيد في تقل المؤمن على حياته ولم تتم جريمة القتل ، جاز للمؤمن على حياته إذا كان هو طالب التأمين ، أو جاز لطالب التأمين إذا كان شخصاً غير المؤمن على حياته ، أن يستبدل بالمستفيد الذي وقع منه الإعتداء مستفيداً آخر حتى لو كان قد سبق للمستفيد الأول أن قبل التأمين لمصلحته ، وقد كان قبوله هذا مانعاً من تغييره لولا الإعتداء الذي صدر منه . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الثاني ، الصفحة : 1804)
ننوه إلى ورود خطأ في النص إذ استعملت عبارة «المؤمن له بمعنی «طالب التأمين»، وقد استهدف المشرع الحيلولة دون استحقاق مبلغ التأمين بموجب عمل عمدی غير مشروع فحرم المستفيد وهو طالب التأمين من مبلغ التأمين إذا تسبب عمداً في وفاة المؤمن على حياته وأنهى العقد وأبرأ ذمة المؤمن فلا يلتزم بأي مبلغ، ولا يكفي أن يتسبب خطأ في الوفاة أو يعتدى عليه بالضرب مما يفضي إلى موته ما دامت نية القتل قد انتفت ، ومثل ذلك القتل العمد إذا كان دفاعاً عن النفس ففي هذه الحالات يجب على المؤمن دفع مبلغ التأمين للمستفيد.
أما القتل الذي يبرىء ذمة المؤمن، فهو القتل العمد المؤثم أو الشروع فيه لأي باعث أو أخذاً بالثأر ولو صدر عفو عن ذلك ولا يشترط صدور حكم جنائي بإدانة المستفيد فقد يحفظ التحقيق أو لا يتم الإبلاغ فيجوز اثبات القتل أمام المحكمة المدنية طالما لم يصدر حكم بالبراءة، ويستوي أن يكون القاتل فاعلاً أو شريكاً .
وإذا كان التأمين على حياة طالب التأمين أو على حياة شخص غيره، فإذا تسبب المستفيد في موته فإنه يحرم من مبلغ التأمين ويدفع هذا المبلغ إلى طالب التأمين إذا كان المؤمن على حياته شخص غيره أو يدفع لورثة طالب التأمين إذا كان التأمين على حياته هو، ويسرى هنا كل ما أوضحناه عن القتل فيما سلف عدا الشروع أن يكون الطالب التأمين الحق في إستبدال المستفيد بأخر، حتى لو كان المستفيد قد قبل ما أشترط لمصلحته من تأمين . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر الصفحة :599)
فهذا النص يفترض أن المؤمن له قد أمن على حياة غيره لمصلحته هو، فأصبح هو المستفيد وطالب التأمين في وقت واحد، أما المؤمن على حياته فهو شخص آخر ليس طرفاً في عقد التأمين ولكنه وافق على العقد طبقاً للمادة 755 مدنی .
فكان مقتضى عقد التأمين أن يستحق المستفيد مبلغ التأمين بمجرد وفاة المؤمن على حياته. إلا أن المؤمن له هنا وقد تسبب عمداً في وفاة المؤمن عليه أو حرض على وفاته، ليحقق مصلحة لنفسه وهي الحصول على مبلغ التأمين عن طريق الجريمة، فإنه لا يستحق مبلغ التأمين وينتهي عقد التأمين، وتبرأ ذمة المؤمن من مبلغ التأمين.
وقد يتسبب المؤمن له في وفاة المؤمن على حياته بدافع آخر غير الرغبة في الحصول على مبلغ التأمين كأن يقتله أخذاً بالثأر أو لعداوة تجد بينهما أو لغير ذلك من الأسباب، ومع ذلك يحرم من مبلغ التأمين .
فضلاً عن أن تسبب المستفيد في وفاة المؤمن على حياته، يحقق الخطر المؤمن عليه بفعله. ومن القواعد الأساسية في التأمين أنه لا يجوز أن يتعلق تحقق الخطر بمحض إرادة أحد طرفي العقد حتى يبقى عنصر الاحتمال في عقد التأمين قائماً.
والقتل الذي يبرئ ذمة المؤمن، هو القتل العمد المؤثم، فلا يكفي أن يتسبب خطأ في الوفاة أو يعتدى عليه بالضرب مما يفضي إلى موته ما دامت نية القتل قد انتفت ، وقد يكون القتل متعمداً ولكنه يكون غير مؤثم وفي هذه الحالة لا تبرأ ذمة المؤمن ويجب عليه دفع مبلغ التأمين للمستفيد ومثال ذلك القتل العمد إذا كان دفاعاً عن النفس.
ولا يشترط صدور حكم جنائى بإدانة المستفيد فقد يحفظ التحقيق أو لا يتم الإبلاغ فيجوز إثبات القتل أمام المحكمة المدنية طالما لم يصدر حكم بالبراءة، ويستوي أن يكون القاتل فاعلاً أو شريكاً .
تنص الفقرة الثانية من المادة على أن: "وإذا كان التأمين على الحياة لصالح شخص غير المؤمن له، فلا يستفيد هذا الشخص من التأمين إذا تسبب عمداً في وفاة الشخص المؤمن على حياته، أو وقعت الوفاة بناءً على تحريض منه ... إلخ".
فالفرض هنا أن يقع التأمين لمصلحة الغير سواء كان المؤمن على حياته (أي المؤمن له) هو أيضاً طالب التأمين أو كانا شخصين مختلفين، أي سواء كان التأمين تأميناً على حياة الغير كما هو لمصلحة الغير أو كان تأميناً على حياة نفس طالب التأمين، وفي هذا الفرض أيضاً يكون المستفيد شخصاً آخر غير المؤمن على حياته، وله مصلحة في موته حتى يتقاضى مبلغ التأمين فإذا تسبب في موته أو حرض على قتله فقتل السابق، فإنه يحرم من مبلغ التأمين وفي هذا الفرض لا يبرأ المؤمن من التزامه بدفع مبلغ التأمين كما في الحالة السابقة، وإنما ، سقط حق المستفيد من هذا التأمين. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ العاشر الصفحة/ 157)